أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

سعد : أن عمر فرض لأمهات المؤمنين عشرة آلاف وزاد عائشة ألفين.

وروى ابن أبي الحديد عن الجوزي قال :

إن عمر فرض لزوجات رسول الله لكل واحدة عشرة آلاف ، وفضّل عائشة عليهنّ بألفين(١).

الطعن العاشر :

أنه عطل حدّ الله في المغيرة بن شعبة ، لمّا شهد عليه بالزنا ، ولقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة ، وقال له : أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين ، فلجلج في شهادته ، ابتاعا لهواه ، فلمّا فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدّهم وفضحهم.

وتجنب أن يفضح المغيرة ، وهو واحد قد فعل المنكر ، ووجبت عليه الحد ، وفضح الثلاثة ، مع تعطيله حكم الله ، ووضعه الحدّ في غير موضعه (٢).

وأجاب قاضي القضاة : بأن عمر أراد صرف الحدّ عنه ، واحتال في دفعه.

يرد عليه :

أنه كيف يجوز أن يحتال في صرف الحدّ عن واحد ، ويوقع ثلاثة فيه وفي الفضيحة ، مع أن عمر كان كلما رأى المغيرة يقول : قد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء (٣).

فقد أقر عمر بقوله هذا أنّ المغيرة فاسق ومع هذا لم يعزّره مع أنه يستحقه ، وذلك لما ثبت عند عمر بشهادة الأربعة أن المغيرة جلس من المرأة مجلس الفاحشة وأنه تبطنها وجلس بين فخذيها وحفز عليها ، فهلّا ضم إلى جلد الثلاثة تعزير المغيرة ، وقد عرف عن عمر أنه حدّ الصائم حدّ شارب الخمر معللا بجلوسه مع

__________________

(١) شرح النهج ج ١٢ / ٣٣٢.

(٢) شرح النهج ج ١٢ / ٣٤٢ ونهج الحق ص ٢٨٠.

(٣) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج ١٤ / ٣٣٥ وشرح النهج ج ١٢ / ٣٤٣.

٤٢١

السكارى (١) ، فلم لا عزّر المغيرة بفعله الشنيع كما فعل الإمام عليّ عليه‌السلام حيث روى عبد الرزاق عن أبي الضحى أنه شهد ثلاثة نفر على رجل وامرأة بالزنى ، وقال الرابع : رأيتهما في ثوب واحد ، فجلد الإمام عليّ الثلاثة وعزّر الرجل والمرأة (٢). وهذا التعزير واجب عند أحمد بن حنبل لأنه يرى وجوب التعزير في كل معصية لا حدّ فيها ولا كفارة (٣).

وكذا ذهب مالك وأبو حنيفة إلى وجوب التعزير إذا غلب على ظن الحاكم أنه لا يصلح العاصي إلّا الضرب (٤) كما هو كذلك في المغيرة لكونه فاجرا.

وزبدة المخض : أن عمر ارتكب معصية بترك تعزير المغيرة ، ولو سلم عدم وجوب تعزيره فلا شك برجحانه ولا أقل من رجحان إهانته ، فما لعمر بن الخطاب أبقى المغيرة في محل الكرامة عنده وهو يعلم فجوره حتى ولّاه البصرة (٥) والكوفة (٦).

ونحن لا نتفاجأ من تكريم عمر للمغيرة ، فإنه يريد مكافأته على حمله قبس النار عند هجومهم على دار الصدّيقة فاطمة روحي فداها ولعن الله ظالميها.

الطعن الحادي عشر :

أنه كان يتلوّن في الأحكام حتى روي أنه قضى في الجدّ سبعين قضية ، وروى مائة قضية ، وأنه كان يفضّل في الغنيمة والعطاء وقد سوّى الله بين الجميع ، وأنه قال في الأحكام من جهة الرأي والحدس والظن ، وهذا يدل على قلة عمله ، ومثل هذا لا يليق بإمامة المسلمين ورئاسة الدنيا والدين.

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ / ١٠١ كتاب الحدود.

(٢) كنز العمال ج ٣ / ٩٦.

(٣) حكاه عنه الشعراني في الميزان ج ٢ / ١٤٩ باب التعزير.

(٤) الميزان للشعراني ج ٢ / ١٤٩.

(٥) تاريخ الطبري ج ٣ / ١٥٢ حوادث عام ١٧ ه‍ وتاريخ ابن الأثير ج ٢ / ٢٤٠ وأسد الغابة ج ٥ / ٢٣٩.

(٦) الإصابة لابن حجر ، ترجمة المغيرة ، وأسد الغابة ج ٥ / ٢٣٩.

٤٢٢

الطعن الثاني عشر :

قصة الشورى ، وقد أبدع فيها أمورا ، فإنه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا وحصرها في ستة ، وذمّ كل واحد منهم بأن ذكر فيه طعنا لا يصلح معه للإمامة ، ثم أهّله بعد أن طعن فيه ، وجعل الأمر إلى ستة ثم إلى أربعة ثم إلى واحد وصفه بالضعف والقصور وقال : «إن اجتمع عليّ وعثمان فالقول ما قالاه وإن صاروا ثلاثة وثلاثة ، فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف» ؛ وذلك لعلمه بأنّ الإمام عليّا وعثمان لا يجتمعان ، وأنّ عبد الرحمن بن عوف لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمّه ، وأنه أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام ، وأنه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم أو الذين ليس فيهم عبد الرحمن.

وروى الجمهور أنّ عمر لما نظر إليهم قال : «قد جاءني كل واحد منهم يهزّ عفريته يرجو أن يكون خليفة ؛ أما أنت يا طلحة أفلست القائل : إن قبض النبيّ لننكحنّ أزواجه من بعده ، فما جعل الله محمدا أحق ببنات عمنا منّا ، فأنزل الله فيك : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (١) ؛ وأما أنت يا زبير فو الله ما لان قلبك يوما ولا ليلة وما زلت جلفا جافيا مؤمن الرضا كافر الغضب يوما شيطان ويوما رحمان شحيح ؛ وأما أنت يا عثمان لروثة خير منك ، ولئن وليتها لتحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس ، ولئن فعلتها لتقتلنّ (ثلاث مرات) ؛ وأما أنت يا عبد الرحمن فإنك رجل عاجز تحب قومك جميعا ؛ وأما أنت يا سعد فصاحب عصبية وفتنة ومقنب وقال لا تقوم بقرية لو حمّلت أمرها.

وأما أنت يا عليّ فو الله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحهم».

فقام الإمام عليّ عليه‌السلام مولّيا يخرج ، فقال عمر : «والله إني لأعلم مكان الرجل ، لو ولّيتموه أمركم حملكم على المحجة البيضاء» ، قالوا : من هو؟ قال :

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

٤٢٣

«هذا المولّي عنكم ، إن ولّوها الأجلح سلك الطريق المستقيم» ، قالوا ؛ فما يمنعك من ذلك؟ قال : «ليس إلى ذلك سبيل» ، قال له ابنه عبد الله : فما يمنعك منه؟ قال : «أكره أن أتحمّلها حيا وميتا» وفي رواية : «لا أجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة».

وكيف وصف كل واحد بوصف قبيح كما ترى ، رغم أنه يمنع من الإمامة ، ثم جعل الأمر فيمن له تلك الأوصاف؟!

وأي تقليد أعظم من الحصر في ستة ، ثم تعيين من اختاره عبد الرحمن ، والأمر بضرب رقاب من يخالف منهم؟!

وكيف أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيام؟ ومن المعلوم أنهم لا يستحقون ذلك لأنهم إن كلّفوا أن يجتهدوا آراءهم في اختيار الإمام فربما طال زمان الاجتهاد وربما نقص بحسب ما يعرض فيه من العوارض ، فكيف يسوغ الأمر بالقتل إذا تجاوزت الثلاثة ثم أمر بقتل من يخالف الأربعة ومن يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن وكلّ ذلك مما لا يستحق به القتل؟(١).

شبهة وحل :

مفاد الشّبهة : أن لو كانت الشورى بدعة فلم دخل أمير المؤمنين عليّ فيها ، ألا يدل دخوله فيها على إقراره بأنه غير منصوص عليه؟

والجواب :

لا ملازمة بين دخوله عليه‌السلام في الشورى وبني إقراره على أنه غير منصوص عليه ، بل دخوله فيها لجهات اقتضت ذلك :

(منها): أن الإمام عليا عليه‌السلام لو لم يدخل فيها لكان نال عمر بغيته ومقصوده من عزل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الخلافة في المستقبل ، فيتوجه حينئذ اللوم ظاهرا

__________________

(١) نهج الحق ص ٢٨٧ والشافي في الإمامة ج ٤ / ٢٠٣.

٤٢٤

على الإمام عليه‌السلام ، فاضطر إلى الدخول فيها وأن يقرن بتلك النظائر حتى تصل النوبة إليه ، فكان من الواجب التوصل إلى نيل الخلافة ولو بعد حين طلبا لحفظ الشريعة بالممكن المقدور.

(ومنها): أن الإمام عليا عليه‌السلام أراد تذكيرهم بما يعينه للخلافة في مورد يحسن فيه التذكير ويصغى فيه إليه ، ويمكن عود الحق فيه إلى نصابه ، فلا يبقى لأحدهم عذر في المخالفة حتى تيسّر له أن يصرح بنص الغدير ، ومن خلاله نقض عليه‌السلام خلافة من تقدّمه.

(ومنها): أنه عليه‌السلام أراد تضليل أمرة الشيخين أبي بكر وعمر ، وتهجين أعمالهما ليعتبر من له قلب ، وقد فعل ذلك لمّا عرض عليه عبد الرحمن بن عوف البيعة بشرط أن يسير بسيرتهما فأبى ، إذ لو كانت سيرتهما صحيحة وعلى النهج المستقيم لوافق عليهما وقبل الشرط.

ويشهد لما ذكرنا النصوص التاريخية الدالة على رفض ما اشترطه عبد الرحمن عليه ، منها ما رواه أحمد في مسنده (١) :

عن أبي وائل قال ؛ قلت لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم عليّا عليه‌السلام؟ قال: ما ذنبي قد بدأت بعليّ عليه‌السلام فقلت : أبايعك على كتاب الله وسنّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال : فيما استطعت ، قال ثم عرضتها على عثمان فقبلها.

فالحديث وإن لم ينطق بالحقيقة كما هي حفظا لشأن الشيخين ، لكنه دال على أنه عليه‌السلام لا يستطيع العمل بسيرة الشيخين ، ضرورة استطاعته العمل بالكتاب والسّنّة لأنه قرين الكتاب وباب السنّة ، وليس عدم استطاعته للعمل بسيرتهما لعجزه عن العمل بالحق لأن الحق يدور معه حيث دار بل لعدم كونها ـ

__________________

(١) مسند أحمد ج ١ / ٧٥ وتاريخ اليعقوبي ج ١ / ١٦٢.

٤٢٥

أي سيرة الشيخين ـ مع الحق والصراط المستقيم ، ولذا جعلها عبد الرحمن مغايرة للكتاب والسنة(١).

(ومنها): أنه عليه‌السلام أراد أن لا يقال عنه أنه زهد في الخلافة التي زويت عنه ، وهو يعلم أنه لن ينال شيئا منها ، ويشهد له ما روي :

من أن الإمام عليا عليه‌السلام شكا إلى عمه العبّاس ما سمع من قول عمر : كونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، وقال : والله لقد ذهب الأمر منّا ، فقال العبّاس : وكيف قلت ذلك يا ابن أخي؟

فقال عليه‌السلام : إن سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن نظير عثمان وصهره فأحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة ، وإن كان الزبير وطلحة معي فلن أنتفع بذلك إذا كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين (٢).

(ومنها): دخوله عليه‌السلام في الشورى ليظهر للناس مناقضة فعل عمر لروايته القائلة : لا تجتمع النبوة والإمامة في البيت الهاشمي ، وقد أشار الراوندي أن عمر لمّا قال : كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها ، قال ابن عبّاس للإمام عليّ عليه‌السلام ذهب الأمر منا ، الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان ، فقال الإمام علي عليه‌السلام : وأنا أعلم ذلك ولكني أدخل معهم في الشورى لأن عمر قد أهّلني الآن للخلافة وكان قبل ذلك يقول : إن النبوة والإمامة لا يجتمعان في بيت ، فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته (٣).

وبالجملة : فإن الشورى في مسألة تعيين الخليفة لم ينهض عليها دليل علمي ، وكل ما هناك أنها من مبتدعات عمر لتعيين عثمان ، وقد خالف بذلك طريقة أبي بكر نفسه الذي أوصى عمر أن يكون الخليفة على الأمة من بعده.

__________________

(١) دلائل الصدق ج ٣ / ١١٩.

(٢) أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ / ١٩.

(٣) شرح النهج ج ١ / ١٤٧ وج ١٢ / ٢٢٨.

٤٢٦

«على أنّ هذه الشورى قد أنشأت بين رجالها الستّة من التنافس والفتن ما قد فرّق جماعة المسلمين ، وشق عصاهم ، إذ رأى كلّ من رجالها نفسه كفوءا للخلافة ، ورأى أنه نظير الآخرين منها ، ولم يكونوا قبل الشورى على هذا الرأي ، بل كان عبد الرحمن تبعا لعثمان ، وسعد كان تبعا لعبد الرحمن ، والزبير إنما كان من شيعة عليّ ، والقائمين بنصرته يوم السقيفة على ساق ، وهو الذي استل سيفه ذودا عن حياض أمير المؤمنين وكان فيمن شيّع جنازة الزهراء عليها‌السلام وحضر الصلاة عليها إذ دفنت سرا في ظلام الليل بوصية منها ، وهو القائل على عهد عمر : «والله لو مات عمر بايعت عليا» ، لكنّ الشورى سوّلت له الطمع بالخلافة ، ففارق عليا مع المفارقين ، وخرج عليه يوم الجمل الأصغر ويوم الجمل الأكبر مع الخارجين ، كما أن عبد الرحمن بن عوف ندم على ما فعله من إيثار عثمان على نفسه بالخلافة ، ففارقه وعمل على خلعه فلم يأل جهدا ، ولم يدّخر وسعا في ذلك لكنّه لم يفلح ، وقد علم الناس ما كان من طلحة والزبير من التأليب على عثمان وانضمام عائشة في ذلك إليهما نصرة لطلحة ، وأملا منها برجوع الخلافة إلى تيم وكانت تقول : اقتلوا نعثلا فقد كفر.

وقد عمل هؤلاء وأولياؤهم من الإبكار على عثمان ، ما أهاب بأهل المدينة وأهل الأمصار إلى خلعه وقتله ، فلما قتل وبايع الناس عليّا كان طلحة والزبير أول من بايع ، لكن مكانتهما في الشورى أطمعتهما بالخلافة ، وحملتهما على نكث البيعة ، والخروج على الإمام ، فخرجا عليه ، وخرجت معهما عائشة طمعا باستخلاف طلحة ، وكان ما كان في البصرة وصفين والنهروان من الفتن الطاغية ، والحروب الطاحنة ، وكلّها من آثار الشورى ، حيث صورت أندادا لعليّ ينافسونه في حقه ويحاربونه عليه ، بل نبهت معاوية إلى هذا وأطمعته بالخلافة ، فكان معاوية وكلّ واحد من أصحاب الشورى عقبة كئودا في سبيل ما يبتغيه الإمام من إصلاح الخلائق ، وإظهار الحقائق.

على أنّ الشورى أغرت الأمة بعثمان وبذرت بذورا أجذرت بعد قتله ،

٤٢٧

فاستغلها الناكثون والقاسطون والمارقون» (١).

الطعن الثالث عشر :

أن عمر أبدع في الدين بأمور كثيرة. منها :

صلاة التراويح (٢) : فقد روى عروة بن الزبير عن بعد الرحمن بن عبد القاريّ أنه قال :

خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه ، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرّهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ـ يريد آخر الليل ـ وكان الناس يقومون أوله (٣).

وقد نطقت السّنة بحرمة النافلة جماعة وأنها بدعة وقد أجمعت الإمامية على تحريمها نافلة إلا في نفل أصله فرض كالإعادة والعيدين والاستسقاء لما فيها من غرض الاجتماع لإجابة الدعاء (٤).

وهناك نصوص كثيرة تدل على كونها بدعة منها ما رواه سليم بن قيس الهلاليّ قال :

خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم صلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : إن أخوف ما أخاف عليكم خلّتان : اتباع الهوى ، وطول الأمل ، إلى أن قال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله متعمّدين لخلافه ، فاتقين

__________________

(١) النص والاجتهاد ص ٣٠٧ للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٣٠٧.

(٢) وهي صلاة النوافل جماعة ، وسميت بالتراويح لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات.

(٣) صحيح البخاري ج ٢ / ٦١٨ كتاب صلاة التراويح ، وشرح النهج ج ١٢ / ٢٤٢.

(٤) كنز العرفان للسيوري ج ١ / ١٩٤ باب صلاة الجماعة.

٤٢٨

(ناقضين) لعهده ، مغيّرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها فتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي ، إلى أن قال : والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنة عمر ، نهانا ـ أي الإمام علي ـ عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ، وقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري (١).

وعن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن الإمام الرضا عليه‌السلام في حديث قال : ولا يجوز التراويح في جماعة (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلوا صلاة الضحى فإن تلك معصية ، ألا وإن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار ، ثم قال : قليل في سنّة خير من كثير في بدعة (٣).

وروى البخاري ومسلم في صحيحهما وصاحب جامع الأصول عن أبي سلمة أنه سأل عائشة : كيف كانت صلاة رسول الله في شهر رمضان؟

فقالت : ما كان يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة يصلّي أربعا ، فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ، ثم يصلّي أربعا ، فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ، ثم يصلّي ثلاثا ، فقلت :

يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال : يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٥ / ١٩٣ باب ١٠ ح ٤ أبواب نافلة شهر رمضان.

(٢) نفس المصدر ح ٦.

(٣) نفس المصدر ح ١.

(٤) صحيح البخاري ج ٢ / ٦١٨ ح ٢٠١٣ صلاة التراويح ، والبحار ج ٣١ / ١٦٠.

٤٢٩

وفي رواية النسائي أن رسول الله اتخذ حجرة في المسجد من حصير ، فصلّى رسول الله فيها ليالي ، فاجتمع إليه ناس ، ثم فقد صوته ليلة ، فظنوا أنه قد نام ، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج ، فلم يخرج ، فلمّا خرج للصبح قال : ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم ، حتى خشيت أن يكتب عليكم ، ولو كتب عليكم ما قمتم به ، فصلّوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (١).

هذه الأحاديث وأمثالها تشير إلى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يصلي النوافل جماعة ولا في شهر رمضان.

الطعن الرابع عشر :

أنه وضع الخراج على أرض السواد ولم يعط أرباب الخمس منها خمسهم ، وجعلها موقوفة على كافة المسلمين ، وقد اعترف بجميع ذلك المخالفون وقد صرّح بها ابن أبي الحديد وغيره (٢) ، وكل ذلك مخالف للكتاب والسنة وبدعة في الدين.

وأرض الخراج هي المفتوحة عنوة ، يخرج خمسها لأرباب الخمس ، وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة ، الغانمون وغيرهم سواء في ذلك ، ويكون للإمام النظر فيها يتصرف فيها كيفما شاء (٣).

كما أن من بدعه أنه منع الغانمين بعض حقوقهم من أرض الخراج ، وجعلها موقوفة على مصالح المسلمين (٤).

__________________

(١) سنن النسائي ج ٣ / ١٦١ وجامع الأصول ج ٧ / ٦٤.

(٢) شرح النهج ج ١٢ / ٣٨٠ وبحار الأنوار ج ٣١ / ١٦٤ والمغني لقاضي القضاة ، ودلائل الصدق ج ٣ / ١٢٦ نقلا عن الفضل بن روزبهان الأشعري.

(٣) بحار الأنوار ج ٣١ / ١٦٦ نقلا عن المبسوط للشيخ الطوسي ج ٢ / ٣٤.

(٤) بحار الأنوار ج ٣١ / ١٦٦ ، وشرح النهج ج ١٢ / ٣٨٥.

٤٣٠

وكان الباعث على منعه الخمس عن أصحابه هو إضعاف جانب بني هاشم ، والحذر من أن يميل الناس إليهم لنيل الحطام ، فتنتقل إليهم الخلافة ، فينهدم ما أسسوه يوم السقيفة.

ومن بدعه أيضا أنه زاد الجزية عمّا قررها رسول الله وهو حرام على مذاهب فقهائهم الأربعة إلا أحمد في رواية (١).

الطعن الخامس عشر :

تغريب نصر بن الحجاج أبي ذويب من غير ذنب من المدينة.

فقد روى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن محمد بن سعيد قال : بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة إذ سمع امرأة تهتف من خدرها :

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجّاج

إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل

سهل المحيا كريم غير ملجاج

تنميه أعراق صدق حين تنسبه

أخي قداح عن المكروب فرّاج

سامي النّواظر من بهر له قدم

تضيء صورته في الحالك الدّاجي

فقال عمر : ألا لا أدري معي رجلا يهتف به العواتق في خدورهن! عليّ بنصر بن حجاج ، فأتي به ، فإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا ، فأمر بشعره فجزّ ، فخرجت له وجنتان كأنه قمر ، فأمره أن يعتم فاعتمّ ، ففتن النساء بعينه ، فقال عمر : لا والله لا تساكنني بأرض أنا بها ، قال : ولم يا أمير المؤمنين؟ قال : هو ما أقول لك ، فسيّره إلى البصرة.

وخافت المرأة التي سمع عمر منها ما سمع أن يبدر إليها منه شيء ، فدسّت إليه أبياتا :

قل للأمير الذي تخشى بوادره

ما لي وللخمر أو نصر بن حجّاج

__________________

(١) شرح النهج ج ١٢ / ٣٨٠ وبحار الأنوار ج ٣١ / ١٦٧.

٤٣١

إني بليت أبا حفص بغيرهما

شرب الحليب وطرف فاتر ساج

لا تجعل الظنّ حقّا أو تبيّنه

إن السبيل سبيل الخائف الراجي

ما منية قلتها عرضا بضائرة

والناس من هالك قدما ومن ناج

إن الهوى رعية التقوى تقيّده

حتى أقرّ بإلجام وإسراج

فبكى عمر وقال ؛ الحمد لله الذي قيّد الهوى بالتقوى.

وأتته يوما أم نصر حين اشتدت عليها غيبة ابنها ، فتعرضت لعمر بين الأذان والإقامة ، فقعدت له على الطريق ، فلما خرج يريد الصلاة هتفت به وقالت : يا أمير المؤمنين لأجاثينّك (١) غدا بين يدي الله عزوجل ، ولأخاصمنّك إليه ، يبيت عاصم وعبد الله إلى جانبيك وبيني وبين ابني الفيافي والقفار والمفاوز والأميال! قال : من هذه؟ قيل : أم نصر بن الحجّاج.

فقال لها : يا أم نصر إن عاصما وعبد الله لم يهتف بهما العواتق من وراء الخدور (٢). ووجه البدعة فيه ظاهر ، فإن إخراج نصر من المدينة وتغريبه ونفيه عن وطنه بمجرد أن امرأة غنت بما يدل على هواها فيه ، ورغبتها إليه ، مخالف لضرورة الدين لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٣).

ولا ريب أن التغريب تعذيب عنيف ، وعقوبة عظيمة ولم يجعل الله تعالى في دين من الأديان حسن الوجه ولا قبحه منشأ العذاب لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وقد كان يمكنه دفع ما زعمه مفسدة من افتتان النساء به بأمر أخف من التغريب وإن كان بدعة أيضا ، وهو أن يأمره بالحجاب ، وستر وجهه عن النساء أو مطلقا حتى لا يفتتن به أحد. ثم ليت شعري ما الفائدة في تيسير نصر إلى البصرة؟! فهل كانت نساء البصرة أعفّ وأتقى من نساء المدينة؟ مع أنها مهبط إبليس ومغرس الفتنة ،

__________________

(١) أي لأجثو على ركبتيّ للخصومة.

(٢) شرح النهج ج ١٢ / ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٣) سورة الفاطر : ١٨.

٤٣٢

اللهم إلّا أن يقال لمّا كانت المدينة يومئذ مستقر سلطة عمر كان القاطنون بها أقرب إلى الضلال ممن نشأ في مغرس الفتنة ، وقد حمل أصحابنا من العامة على ما يناسب هذا المقام ما روي في فضائل عمر : ما لقيك الشيطان سالكا فجّا إلّا سلك فجا غير فجّك ، وكأنه المصداق لما قيل :

وكنت امرأ من جند إبليس فارتقت

بي الحال حتى صار إبليس من جندي

وهذه البدعة من فروع بدعة أخرى له ، عدّوها من فضائله ، قالوا : هو أول من عسّ في عمله بنفسه ، وهي مخالفة للنهي الصريح في قوله تعالى (وَلا تَجَسَّسُوا) (١).

وروى عبد الله بن بريدة أن عمر خرج ليلا يعسّ ، فإذا نسوة يتحدّثن ، وإذا هنّ يقلن : أي فتيان المدينة أصبح؟ فقالت امرأة منهنّ : أبو ذؤيب والله. فلما أصبح عمر سأل عنه ، فإذا هو من بني سليم ، وإذا هو ابن عمّ نصر بن حجاج ، فأرسل إليه ، فحضر ، فإذا هو أجمل الناس وأملحهم ، فلمّا نظر إليه ، قال : أنت والله ذئبها! يكرّرها ويردّدها ، لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أبدا.

فقال : يا أمير المؤمنين إن كنت لا بدّ مسيّري فسيّرني حيث سيّرت ابن عمي نصر بن حجاج ، فأمر بتسييره إلى البصرة ، فأشخص إليها.

أقول : يظهر أن الحسد في أعماق عمر جعله يعيش العقدة النفسية من أصحاب الوجوه الحسان ، فلا يمكنه مساكنتهم وهذا دأب الحسود.

ذكر المبرّد محمد بن يزيد الثمالي ، قال : كان عمر أصلع ، فلما حلق وفرة نصر بن حجّاج ، قال نصر وكان شاعرا :

تضنّ ابن خطّاب عليّ بجمّة

إذا رجّلت تهتزّ هزّ السّلاسل

فصلّع رأسا لم يصلّعه ربّه

يرفّ رفيفا بعد أسود جائل

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٢.

٤٣٣

لقد حسد الفرعان (١) أصلع لم يكن

إذا ما مشى بالفرع بالمتخايل (٢)

وا عجبا من عمر كيف يغرّب شابا جميلا تغنّت به امرأة ولم يغرّب غيره ممن عرفوا بالحرام كالمغيرة بن شعبة حيث شهد عليه ثلاثة بالزنى وشهد الرابع بأنه جلس منها مجلس الفاحشة؟! وكان الأجدر به أن يتغرّب هو نفسه عن المدينة من أجل ما ارتكبه من الجرائر والموبقات بحق الآمنين المستضعفين!!

الطعن السادس عشر :

أن عمر بن الخطاب أحرق باب دار الصدّيقة الطاهرة عليها‌السلام ، وقد كان في الدار أمير المؤمنين عليه‌السلام وسيّدة النساء فاطمة والإمامان الحسنان عليهم‌السلام ، وهدّدهم وآذاهم ، مع أن رفعة شأنهم عند الله تعالى وعند رسوله مما لا ينكره أحد من البشر إلّا من أنكر ضوء الشمس ونور القمر ، وسيأتي الكلام فيه مستوفى إن شاء الله تعالى.

الطعن السابع عشر :

أنه أوصى بدفنه في بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك تصدّى لدفن أبي بكر هناك ، وهو تصرف في ملك الغير من غير جهة شرعية ، وقد نهى الله الناس عن دخول بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير إذن بقوله: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) (٣) وضربوا المعاول عند إذنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال تعالى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) (٤) ؛ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا» (٥).

__________________

(١) الفرعان : جمع أفرع وهو الوافر الشعر.

(٢) شرح النهج ج ١٢ / ٢١٢.

(٣) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٤) سورة الحجرات : ٢.

(٥) التهذيب / الشيخ الطوسي ج ١ / ٢٧٤.

٤٣٤

وتفصيل القول في ذلك أنّه ليس يخلو موضع قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يكون باقيا على ملكه أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة كما ادّعاه بعضهم ، فإن كان الأول لم يخل من أن يكون ميراثا بعده أو صدقة فإن كان ميراثا فما كان يحلّ لأبي بكر وعمر من بعد أن يأمرا بدفنهما فيه إلا بعد إرضاء الورثة ولم نجد أحدا خاطب أحدا من الورثة على ابتياع هذا المكان ولا اشتراه منه بثمن ولا غيره ، وإن كان صدقة فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين وابتياعه منهم إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى ، وإن كان انتقل في حياته فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله والحجّة فيه ، فلم يقتنع عمر من الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام في انتقال فدك إلى ملكها بقولها ولا شهادة من شهد لها.

وأما استدلال بعضهم بإضافة البيوت إليهنّ في قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) (١) فمن ضعيف الشبهة إذ هي لا تقتضي الملك ، وإنما تقتضي السكنى ، والعادة في استعمال هذا اللفظ فيما ذكرناه ظاهرة ، قال الله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (٢) ، ولم يرد تعالى إلّا حيث يسكن وينزلن ، دون حيث يملكن بلا شبهة ، وأيضا قوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) (٣) متأخر في الترتيب عن قوله : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) ، فلو كان هذا دالا على ملكية الزوجات لكن ذلك دالا على كونها ملكه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجمع بين الآيتين بالانتقال لا يجديهم لتأخر النهي عن الدخول من غير إذن عن الآية الأخرى في الترتيب ، والترتيب حجّة عند كلهم أو جلّهم ، مع أنه ظاهر أن البيوت كانت في يدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتصرّف فيها كيف يشاء ، واختصاص كل من الزوجات بحجرة لا يدلّ على كونها ملكا لها.

وأما اعتذارهم بأنّ عمر استأذن عائشة في ذلك ، حيث روى البخاري عن

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣.

(٢) سورة الطلاق : ١.

(٣) سورة الأحزاب : ٥٣.

٤٣٥

عمرو بن ميمون في خبر طويل يشتمل على قصة قتل عمر ، قال : قال لابنه عبد الله : انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا ، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، وقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ولا وثرنّ به اليوم على نفسي.

فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء ، قال : ارفعوني ، فأسنده رجل إليه ، فقال: ما لديك؟ فقال : الذي تحبّ يا أمير المؤمنين أذنت ، فقال : الحمد لله ما كان شيء أهم إليّ من ذلك ، قال : فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلّم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين.

فهذا دليل واضح على جهله أو تسويله أو تمويهه على العوام ، لما قد عرفت من أنه إن كان صدقة يشترك فيه المسلمون ، كما يدلّ عليه الخبر الذي افتراه أبو بكر ، فتحريم التصرّف فيه بالدفن ونحوه واضح ، وإن كان ميراثا فالتصرف فيه قبل القسمة من دون استئذان جميع الورثة أيضا محرّم ، ولا ينفع طلب الإذن من عائشة وحدها.

ومن أعجب العجب أنّ الجهال من المخالفين بل علماؤهم يعدّون هذا الدفن من مناقبهما وفضائلهما ، بل ويستدلون به على استحقاقهما للإمامة والخلافة ، فقد روى الشيخ المفيد قدّس الله روحه في محاسنه أنّ فضال بن الحسن بن فضال مرّ بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه ، فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح أخجل أبا حنيفة ، فدنا منه فسلّم عليه فردّ وردّ القوم بأجمعهم السلام عليه ، فقال : يا أبا حنيفة رحمك الله إن لي أخا يقول : خير الناس بعد رسول الله عليّ بن أبي طالب ، وأنا أقول : أبو بكر خير الناس وبعده عمر ، فما تقول أنت رحمك الله؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول

٤٣٦

الله كرما وفخرا أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره فأي حجّة أوضح لك من هذا؟ فقال له فضال: إني قد قلت ذلك لأخي فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله فقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما ؛ فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له : لم يكن له ولا لهما خاصّة ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما ، فقال فضال : قد قلت له ذلك فقال : أنت تعلم إنّ النبيّ مات عن تسع نساء ونظرنا فإذا لكلّ واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟ وبعد فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله وفاطمة ابنته تمنع الميراث؟! فقال أبو حنيفة : يا قوم نحّوه عني فإنه والله رافضيّ خبيث (١) ، اه.

ثم على تقدير جواز دفنهما هناك فلا دلالة له على فضلهما بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله تعالى ، فإنّ ذلك إنما يكون بالصالحات من الأعمال كما قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٢) ، نعم لو كان ذلك بوصية من النبيّ لكان كاشفا عن فضل ودليلا على شرف.

وما روي من أنه يلحق بالميّت نفع في الآخرة بالدفن في المشاهد المشرفة فإنما هو في الحقيقة إكرام لصاحب المشهد بالتفضل على من حلّ بساحته وفاز بجواره إن كان من شيعته والمخلصين له(٣).

وقال العلّامة الأميني عليه الرحمة :

«ليت الخليفة عمر عرّفنا ما وجه الاستيذان من عائشة؟ فهل ملكت هي حجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإرث؟ فأين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المزعوم : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة؟

__________________

(١) الفصول المختارة ص ٧٤.

(٢) سورة الحجرات : ١٣.

(٣) بحار الأنوار ج ٣١ / ١٩٩ ـ ٢٠٢.

٤٣٧

وبذلك زحزحوا عن الصدّيقة الطاهرة فدكا ، وبذلك منع أبو بكر عائشة وبقية أزواج النبيّ لما جئن إليه يطلبن ثمنهنّ ، وإن كان الخليفة عدل عن ذلك الرأي لما انكشف له من عدم صحة الرواية؟ فإن ورثة ابنة رسول الله كانت أولى بالإذن فإنها هي المالكة إذن ، وأما عائشة فلها التسع من الثمن ، فإن رسول الله توفّي عن تسع ، فكان الذي يلحقه عائشة من الحجرة الشريفة التسع من الثمن ، وما عسى أن يكون من ذلك لها إلّا شبرا أو دون شبرين ، وذلك لا يسع دفن جثمان الخليفة ، وهب أنه كان يضم إلى ذلك نصيب ابنته حفصة فإن الجميع يقصر عن ذلك المضطجع ، فالتصرف في تلك الحجرة الشريفة من دون رخصة من يملكها من العترة النبوية الطاهرة وأمهات المؤمنين لا يلائم ميزان الشرع المقدس.

ربما يقرأ القارئ في المقام ما جاء به ابن بطّال من قوله : إنما استأذنها عمر لأن الموضع كان بيتها وكان لها فيه حق ، فيحسب هناك حقا لأم المؤمنين يستدعي ذلك الاستيذان ويصححه ، وإن هو إلا حقّ السكنى ، ومجرد إضافة البيت إلى عائشة لا يوجبان الملك.

قال ابن حجر في فتح الباري ج ٧ / ٥٣ : استدلّ به وباستيذان عمر لها على ذلك على أنها كانت تملك البيت ، وفيه نظر بل الواقع أنها كان تملك منفعته بالسكنى فيه والإسكان ولا يورث عنها ، وحكم أزواج النبي كالمعتدات لأنهنّ لا يتزوّجن بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال في موضع آخر : ويؤيده ـ يعني عدم الملك ـ أنّ ورثتهنّ لم يرثن عنهن منازلهنّ ، ولو كانت البيوت ملكا لهنّ لانتقلت إلى ورثتهنّ وفي ترك ورثتهنّ حقوقهم دلالة على ذلك ، ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهنّ من النفقات.

وقال العيني في عمدة القاري ج ٧ / ١٣٢ في حديث عائشة [لما ثقل رسول الله استأذن أزواجه أن يمرّض في بيتي] : أسندت البيت إلى نفسها ، ووجه ذلك أنّ

٤٣٨

سكنى أزواج النبي في بيوت النبي من الخصائص ، فلما استحققن النفقة لحبسهنّ استحققن السكنى ما بقين ، فنبّه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة على أنّ بهذه النسبة تتحقق دوام استحقاق سكناهنّ للبيوت ما بقين ، اه.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري ج ٥ / ٣١٠ : أسندت [عائشة] البيت إلى نفسها ووجه ذلك أنّ سكن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من الخصائص ، فكما استحققن النفقة لحبسهنّ استحققن السكنى ما بقين ، فنبّه على أن بهذه النسبة تحقق دوام استحقاقهنّ لسكنى البيوت ما بقين ، اه.

فالقارئ جدّ عليم عندئذ بأنّ أم المؤمنين لم يكن لها من حجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا السكنى فيها كالمعتدة ، وليس لها قطّ أن تتصرف فيها بما يترتب على الملك.

والخطب الفظيع عدّ الحفّاظ هذا الاستيذان وهذا الدفن من مناقب الخليفة ذاهلين عن قانون الإسلام العام في التصرف في أموال الناس.

ولست أدري بأيّ حق أوصى الإمام الحسن السبط الزكيّ صلوات الله عليه أن يدفن في تلك الحجرة الشريفة؟ وهل منعته عائشة عن أن يدفن بها؟ أو أذنت له وما أطيعت؟ ـ ولا رأي لمن لا يطاع ـ فتسلّح بنو أمية وقالوا : لا ندعه أن يدفن مع رسول الله وكاد أن تقع الفتنة .. لم هذه كلها؟ أنا لا أدري (١)!

أقول : إن الحق الذي من أجله استدعى الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام أن يدفن في تلك الحجرة هو قرابته من رسول الله ، فهو وريث جده وأمه سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام الوريثة الوحيدة لرسول الله محمّد ، ويضاف إلى هذا سبب آخر هو كونه إمام هذه الأمة ، فالأولى أن يدفن بجانب جدّه ، وهل هناك أولى من الإمام الحسن عليه‌السلام حتى يدفن بقربه دون سبط النبيّ وريحانته؟!

__________________

(١) الغدير ج ٦ / ١٩١.

٤٣٩

وهناك بدع أخرى صدرت من عمر منها :

إسقاطه لجزء من الأذان والإقامة وهو «حيّ على خير العمل». ويشهد له ما روي عنه بالحديث المشهور قال عمر : ثلاث كنّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن وأحرّمهن وأعاقب عليهن : متعة النساء ومتعة الحج وحيّ (١) على خير العمل.

وتبعه على ذلك عامة من تأخر عنه من المسلمين ، حاشا أهل البيت ومن يرى رأيهم حيث أن «حيّ على خير العمل» من شعارهم.

وقد وافق عبد الله بن عمر الإمام زين العابدين على ذلك فكان يقول في الأذان ـ بعد حيّ على الفلاح ـ حيّ على خير العمل ، حسبما نقل العلّامة الحلبي في باب بدء الأذان ومشروعيته.

وقد أراد عمر من تحريمه «لحي على خير العمل» الحرص على أن لا يعتمد الناس على الجهاد دون الصلاة ، لكون هذا الفصل يمثّل الجهاد كما أنه يمثّل الولاية ، فأصاب عمر عصفورين بحجر واحد ، فحرّم الجهاد المفضول بنظره على الصلاة الفاضلة ، وفي نفس الوقت حرّم التمسك بالولاية ، فعن مولانا الإمام أبي الحسن موسى الكاظم عليه‌السلام ، عند ما سأله محمد بن أبي عمير ، عن حيّ على خير العمل ، لم تركت من الأذان؟!

قال عليه‌السلام : تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟

قلت : أريدهما جميعا ، فقال عليه‌السلام :

أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة ، وأما الباطنة ، فإن خير العمل الولاية ، فأراد من ترك حيّ على خير العمل من الأذان ، ألّا يقع حث عليها ودعاء إليها(٢).

__________________

(١) حيّ : اسم فعل بمعنى أقبل وعجّل ، فحيّ على خير العمل أي هلمّ واقبل على الولاية حيث هي خير العمل.

(٢) علل الشرائع للشيخ الصدوق ، النص والاجتهاد ص ٢٢٤.

٤٤٠