أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

فأجهشت بالبكاء راجعا ، فقال رسول الله : ما بالك؟ قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به ، فضرب صدري ضربة خررت لاستي ، وقال : ارجع إلى رسول الله فخرج رسول الله ، فإذا عمر ، فقال : ما حملك يا عمر على ما فعلت؟ فقال عمر : أنت بعثت أبا هريرة بكذا؟ قال : نعم ، قال : فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتّكل الناس عليها فيتركوا العمل ، خلّهم يعملون ، فقال رسول الله : خلّهم يعملون (١).

والجواب :

أما الرواية الأولى : فسوء الأدب فيها بالأخذ بالثوب وجذبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلفه واضح ، وكذلك الإنكار على قول الرسول كما يظهر من قوله في رواية نافع عن ابن عمر من قوله : «إنه منافق بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إني خيّرت» وقوله : فلما أكثرت عليه بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخّر عني.

ونزول الآية والنهي عن الصلاة على المنافقين لا يدلّ على تصويبه ، ويمكن أن تكون المصلحة في اختياره الصلاة ونزول النهي أن يظهر للمنافقين أو غيرهم أن رسول الله لم يتنفر عنهم لما يعود إلى البشرية والطبع ، بل لمحض الاتباع لما أمره الله سبحانه ، وفي ذلك نوع من الاستمالة وتأليف القلوب (٢).

والشاهد عليه ما رواه العياشي عن مولانا الإمام الباقر عليه‌السلام قال : إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لابن عبد الله بن أبي إذا فرغت من أبيك فأعلمني وكان قد توفي فأتاه فأعلمه ، فأخذ رسول الله نعليه للقيام ، فقال له عمر : أليس قد قال الله (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)؟ فقال : ويحك أو ويلك إنما أقول اللهم املأ قبره نارا واملأ جوفه نارا ، واصله يوم القيامة نارا.

وفي رواية أخرى : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد ابنه في الجنازة ومضى فتصدى له عمر ثم قال : أما نهاك ربك عن هذا أن تصلّي على أحد مات منهم أبدا أو تقوم على

__________________

(١) شرح النهج ج ١٢ / ٢٣٠.

(٢) بحار ج ٣١ / ١٠١.

٣٤١

قبره ، فلم يجبه ، فلما كان قبل أن ينتهوا به إلى القبر أعاد عمر ما قاله أولا ، فقال النبيّ لعمر عند ذلك ما رأيتنا صلينا له على جنازة ولا قمنا على قبر ، ثم قال : إن ابنه رجل من المؤمنين وكان يحق علينا أداء حقه ، فقال عمر : أعوذ بالله من سخط الله وسخطك يا رسول الله (١).

وروى القمي مثله مع زيادة :

إن عبد الله طلب من النبيّ أن يستغفر لأبيه فاستغفر له النبيّ ، فاعترض عليه عمر فقال له النبيّ : إني خيّرت فاخترت أن الله يقول : «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم» إلى آخر قوله فبدا من النبيّ ما لم يكن يحب (٢).

قال المولى الفيض الكاشاني :

كان رسول الله حييّا كريما كما قال الله عزوجل (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) فكان يكره أن يفتضح رجل من أصحابه ممن يظهر الإيمان وكان يدعو على المنافقين ويورّي أنه يدعو لهم ، وهذا معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر ما رأيتنا صلّينا له على جنازة ولا قمنا على قبر ، وكذا معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث القمي «خيرت فاخترت» فورّى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باختيار الاستغفار ، وأما قوله فاستغفر له فلعلّه استغفر لابنه لما سأل لأبيه الاستغفار وكان يعلم أنه من أصحاب الجحيم ، ويدل على ما قلناه قوله عليه‌السلام فبدا من رسول الله ما لم يكن يحب هذا (٣).

أقول : إنّ بعض الخطابات القرآنية المتشابهة يكون موجها لرسول الله لكن يقصد منها غيره ، ومنها هاتان الآيتان المباركتان (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ...).

فما خوطب به النبيّ لا يراد منه شخصه الكريم وإنما أمته ، وذلك لكونه

__________________

(١) تفسير الصافي ج ٢ / ٣٦٤ نقلا عن تفسير العياشي أبي النصر محمّد بن مسعود.

(٢) تفسير القمي ج ١ / ٣٣٠.

(٣) تفسير الصافي ج ٢ / ٣٦٥.

٣٤٢

مشرّعا لا لكونه عبدا وحبيبا لله تعالى ، وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه‌السلام فقال : «نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة» (١).

فما كان يفعله الرسول هو الحق والصواب ، وخسر ما دونه المبطلون والمشككون والمنافقون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

كل هذا الكلام كان تعقيبا على الرواية الأولى التي دلت على أن عمر جذب ثوب النبيّ ناهيا إياه عن الصلاة على المنافقين.

وأما الرواية الثانية : «مع أن راويها أبو هريرة الكذّاب ينادي ببطلانها سخافة أسلوبها ، وبعث أبي هريرة مبشّرا للناس وجعل النّعلين علامة لصدقه وقد أرسل الله رسوله مبشّرا ونذيرا للناس وأمر أن يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه ، ولم يجعل أبا هريرة نائبا له في ذلك ، ولم يكن القوم المبعوث إليهم أبو هريرة غائبين عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يتعذر عليه أن يبشّرهم بنفسه ، وكان الأحرى تبليغ تلك البشارة في المسجد عند اجتماع الناس لا بعد قيامه من بين القوم وغيبته عنهم واستتاره بالحائط.

ولم تكن هذه البشارة ممّا يفوت وقتها بالتأخير إلى حضور الصلاة واجتماع الناس أو رجوعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحائط ، وكيف جعل النّعلين علامة لصدق أبي هريرة مع أنه متوقّف على العلم بأنهما نعلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد جاز أن لا يعلم ذلك من يلقاه أبو هريرة فيبشّره ، وإذا كان ممّن يظن الكذب بأبي هريرة أمكن أن يظن أنه سرق نعليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يعتمد على قوله ، ولو فرضنا صدق أوّل الخبر أمكن أن يكون ما رواه أخيرا من رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قول عمر من أكاذيبه.

ويؤيده ما رواه مسلم في الموضع المذكور ورواه غيره في عدة روايات أنه بشّر الناس بأنه من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنّة. وقد روى أبو هريرة نفسه ما يقرب من هذا المعنى.

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ / ٢١ ح ٤.

٣٤٣

ثم لو سلّمنا صدق الخبر إلى آخره فلا شكّ في أنه يتضمّن أن عمر ردّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أخشن الوجوه وأقبحها ، كما هو دأب الطغام والأجلاف ، ومع قطع النظر عما عرفت وستعرف من عدم جواز الاجتهاد في مقابلة النصّ ، وأنّ الردّ عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله ، كيف يجوز هذا النوع من سوء الأدب والغلظة في مقام الردّ على المجتهد ولو كان مخطئا وهو مأجور في خطئه وقد أمكنه أن يردّ أبا هريرة برفق ويناظر برسول الله ويوقفه على خطئه.

ثم من أين استحقّ أبو هريرة أن يضرب على صدره حتى يقع على استه ، ولم يقدم على أمر سوى طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعة الله ، وقد أمر الله تعالى بها في زهاء عشرين موضعا من كتابه ، بقوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١).

وأمّا رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأمر بتبشير الناس فعلى تقدير صحّته لا دلالة فيه على اجتهاده ، وخطئه في رأيه ، ولا نفي الشناعة عن فعل عمر ، لجواز أن يكون الرجوع لنزول النسخ بالوحي لمصلحة يعلمها الله تعالى ، ويمكن أن يكون لمصلحة تأليف قلب هذا الفظّ الغليظ كما أمر الله سبحانه بذلك في سائر المنافقين لئلا ينفضّوا عن رسوله فيلحق بالإسلام ضرر أعظم من فوت المصلحة بترك التبشير في ذلك الوقت.

ولا يخفى أنّ الاجتهاد المذكور ممّا لم يجوّزه كثير من العامة ، لكون المسألة مما يتعلق بأمور الدين لا الحروب وأمور الدنيا ، قد صرّح بذلك شارح صحيح مسلم في شرح هذا الخبر ، وقال : عدم جواز الخطأ عليه في الأمور الدينية مذهب المحقّقين.

وحكى عن شيخه أبي عمرو بن الصلاح توجيه النّافين للاجتهاد المذكور : بأنّه كان لوحي ناسخ للوحي السابق (٢).

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.

(٢) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١ / ٢١٢ ط / دار الكتب العملية.

٣٤٤

الطعن الثاني :

التخلّف عن جيش أسامة.

ولا خلاف بين المؤرخين في أن عمر بن الخطاب كان من الجيش ، وقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتخلّف عنه ، وقد سبق في مطاعن أبي بكر ما فيه كفاية في هذا المعنى.

الطعن الثالث :

من بدع عمر بن الخطّاب أنه حرّم المتعتين : متعة الحجّ ومتعة النساء ، فقال : «متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء» (١).

وفي لفظ آخر : وأنا محرّمهما ومعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج (٢).

أما متعة النساء فلا خلاف بين المسلمين قاطبة في أصل شرعيتها وإن اختلفوا في نسخها ودوام حكمها ؛ مع تأكيد العامة على حرمتها وكونها منسوخة ، ونحن نسأل : إذا كانت قد نسخت فكيف جهل كل أصحاب النبيّ ذلك وفيهم خيرتهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأهل بيته وشيعتهم أمثال جابر وسلمان والمقداد وأبي ذر؟! حتى أن أبا بكر لم يدّع نسخها طبقا لما صرّح به عمر بن الخطّاب بحديثه المتواتر بين الفريقين : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أحرّمهما ..» فقد اعترف أن المتعة لم تنسخ أيام رسول الله وإنما هو من نسخها ، وهل يحق للصحابي أن ينسخ حكما إلهيا أو آية قرآنية؟!

تساؤلات أجيب عليها ـ بإذن الله تعالى ـ ضمن نقاط متعددة :

__________________

(١) زاد المعاد لابن القيم ج ٢ / ٢٠٥ فصل «إباحة متعة النساء» وبداية المجتهد ج ١ / ٣٤٦ باب القول في التمتع ، والمغني لابن قدامة ج ٧ / ٥٢٧ والمحلّى لابن حزم ج ١٠٧٧ وتفسير القرطبي ج ٢ / ١٦٧ وتفسير الرازي ج ١٠ / ٥٠ سورة النساء ، وكنز العمال ج ٨ / ٢٩٣.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ / ١٤٢.

٣٤٥

النقطة الأولى : في تعريف المتعة وأحكامها.

وللمتعة تعريفان :

واحد لغوي وآخر اصطلاحي.

أمّا اللغوي : فإن لفظ المتعة يفيد الالتذاذ والاستمتاع ، وكلّ ما ينتفع به على وجه ما فهو متاع ومتعة ، ومتع الرجل ومتع : جاد وظرف ، وقيل كل ما جاد فقد متع ، والماتع من كل شيء : البالغ في الجودة. الغاية في بابه. وأمتع بالشيء وتمتّع به واستمتع : دام له ما يستمده منه.

ومتّعه الله وأمتعه بكذا : أبقاه ليستمتع به ، يقال : أمتع الله فلانا بفلان إمتاعا أي أبقاه ليستمتع به فيما يحبّ من الانتفاع به والسرور بمكانه ، وأمتعت بالشيء أي تمتعت به.

والمتعة والمتعة والمتعة (بالضم والكسر والفتح) : البلغة. وشراب ماتع : شديد الحمرة ، فالشراب هو الذي يمتع بجودته وليست الحمرة بخاصّة للماتع وإن كانت أحد أوصاف جودته.

والمتاع : المنفعة ومنه قوله تعالى (مَتاعٌ إِلى حِينٍ) أي انتفاع إلى انقضاء أجلكم. و (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي منفعتها التي لا تدوم.

و (استمتع بعضنا ببعض) أي استنفع ، واستمتعت بكذا وتمتّعت به ومنه قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ).

والتّمتّع أصله التلذذ ، وسمّي هذا النوع به لما يتخلّل بين عمرته وحجته من التحلل الموجب لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرّمه الإحرام مع ارتباط عمرته بحجه حتى أنهما كالشيء الواحد شرعا ، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج. والمتاع : المنفعة وما تمتعت به.

والمتعة بالضم فالسكون : اسم من تمتّعت بكذا أي انتفعت به ، ومنه متعة

٣٤٦

النكاح ، ومتعة الطلاق ، ومتعة الحج لأنه انتفاع (١).

وأما الاصطلاحي :

هو عقد مخصوص بين الرجل والمرأة بمهر معلوم إلى أجل مسمّى. أو بعبارة هو نكاح بلفظ التمتع إلى وقت معيّن لأجل مسمّى. ويتوقف عقد المتعة أو المنقطع على أركان أربعة :

الأول : الصيغة.

الثاني : المحل.

الثالث : الأجل.

الرابع : المهر.

أما الصيغة : فهي اللفظ الذي وضعه الشرع وعيّنه وصلة إلى انعقاده ، كغيره من العقود اللازمة.

واللفظ هو إيجاب وقبول ، فالإيجاب منها والقبول منه ، وألفاظ الإيجاب :

زوّجتك ، ومتّعتك ، وأنكحتك ، وأيها حصل وقع الإيجاب به ، ولا ينعقد بغيرها من الصيغ كالتمليك والهبة والإجارة ، كأن تقول له : ملكتك نفسي ، أو وهبتك ، أو آجرتك.

والقبول : هو اللفظ الدال على الرضا بذلك الإيجاب ، كقول الرجل للمعقود عليها : قبلت النكاح أو المتعة ، والأحوط التطابق بين الإيجاب والقبول ، فلو قالت له : زوّجتك نفسي بمهر قدره كذا لمدة كذا ، عليه أن يقول : قبلت التزويج ولا يقول قبلت النكاح. ولو قال : قبلت من دون ذكر المتعلق كفي في الصحة ، تماما كغيره من العقود.

__________________

(١) مجمع البحرين ج ٤ / ٣٩٠ مادة متع ، ومفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص ٤٦٠ ، ولسان العرب لابن منظور ج ٨ / ٣٢٨.

٣٤٧

كما يعتبر في صيغة العقد الماضوية لكونه صريحا في الإنشاء وهو قول المشهور ، وإن كان هناك رأي آخر في عدم اعتبار الماضوية بل يصح بصيغة المضارع كما قال صاحب المسالك ووافقه صاحب الجواهر (١) ودعواهما : أن المقصود من العقد لمّا كان هو الدلالة على القصد الباطني ، واللفظ كاشف عنه ، فكل لفظ دل عليه ينبغي اعتباره.

لكنّ الاحتياط يقتضي الأخذ بقول المشهور وذلك :

أولا : لأن الماضي دال على صريح الإنشاء المطلوب في العقود ، أما المضارع فيحتمل منه الوعد ، والعقود ـ كما نصّ على ذلك علماء البلاغة ـ تكون بالماضي كثيرا نحو : بعت واشتريت وزوّجت ، وبغيره قليلا نحو : أنا بائع ، ولا يعدل عن الشائع بالشاذ النادر.

الثاني : لأن العقد مع الإتيان باللفظ الماضي متفق على صحته وغيره مشكوك فيه ، فيقتصر على المتيقن ، ولأن تجويز غيره يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها على قاعدة ، فيصير العقد اللازم مشبها للإباحة ، والعقود اللازمة موقوفة على ثبوت أمر من الشارع لأنها أسباب توقيفيّة فلا يتجوز فيها.

فاللفظ في الصيغة شرط في صحة العقد ، ولا يتم الزواج سواء كان منقطعا أم دواما بالمراضاة والمعاطاة ، ولا بالإشارة والكتابة مع القدرة على اللفظ ، وبهذا يفترق عقد الزواج بقسميه عن غيره من العقود.

إشكال وحل :

وجه الإشكال : لما ذا اشترطتم اللفظ؟ وهل اللفظ إلا وسيلة للكشف عن الرضا الباطني والإرادة الواقعية ، فإذا تأكدنا من وجود الرضا الباطني كان اللفظ وعدمه سواء؟.

__________________

(١) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج ٢٩ / ١٣٥ باب صيغة العقد.

٣٤٨

والحل : إن الهدف أو الغاية من التلفظ بالصيغة هو الالتزام بالزوجية وآثارها ، بحيث لا يبقى مجال للتهرب منها بحال ، تماما كتوقيع سند البيع من المتبايعين ، وتوقيع المعاهدة بين دولتين ، بل إن الزوجية أهم وأخطر من المعاملات التجارية ، والمعاهدات الدولية لأنها ميثاق غليظ بين الزوجين كما في قوله تعالى : (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (١) فكما أن كلا من المتبايعين والدولتين في حل من أقوالهما ووعودهما «رسميا» حتى يتم التوقيع كذلك المخطوبة والخاطب لا يتحقق الميثاق بينهما والالتزام إلا باللفظ الذي هو بمنزلة التوقيع ، فمتى تلفظ كل منهما بالزواج فقد ألزم به نفسه ، وقيّدها بعهده وميثاقه ، وعلى الأصح بسلاسله وأغلاله.

وأما المحل : وهو المتعاقدان ، فيشترط أن تكون الزوجة مسلمة أو كتابية كاليهودية والنصرانية والمجوسية على أشهر الروايتين ، ويمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات ، وأما المسلمة فلا تتمتع إلا بالمسلم خاصة ولا يجوز بالوثنية ولا الناصبة العداوة لأهل البيت أو لواحد منهم عليهم‌السلام كالخوارج ، ولا يستمتع بأمة وعنده حرّة إلّا بإذنها ولو فعل كان العقد باطلا أو موقوفا على الإذن ، وكذا لا يدخل عليها بنت أختها ولا بنت أخيها إلّا مع إذنها ، ولو فعل كان العقد باطلا أو موقوفا على الإذن ، وغير ذلك من المحرمات عينا وجمعا ، ضرورة كون المنقطع أحد فردي النكاح الذي هو عنوان الحرمة ، بل منه يعلم أن الأصل اشتراك الدائم والمنقطع في الأحكام التي موضوعها النكاح والتزويج ونحوهما مما يشمل المنقطع إلّا ما خرج بالدليل من عدم الإرث والنفقة والقسم والزيادة على الأربع ونحو ذلك.

ويستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة ، وأن تكون عفيفة ، كما يستحب له أن يسألها عن حالها مع التهمة لخبر ميسّر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ألقى المرأة

__________________

(١) سورة النساء : ٢١.

٣٤٩

بالفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها : هل لك زوج؟ فتقول : لا ، فأتزوجها؟ قال : نعم هي المصدّقة على نفسها (١).

وليس السؤال عن حالها شرطا في الصحة للأصل وحمل فعل المسلم على الصحيح.

ويكره أن تكون زانية ، فإن فعل فليمنعها من الفجور ، فعن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام : سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها ، فإذا الثناء عليها يثني في الفجور ، فقال : لا بأس بأن يتزوجها ويحصنها.

وعن عليّ بن رئاب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم؟ قال : نعم وما يمنعه ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد (٢).

ومنعها من الفجور ليس شرطا في صحة العقد.

كما يكره أن يتمتع بالبكر لها أب لقول الإمام الصادق عليه‌السلام في خبر البختري : في الرجل يتزوج البكر متعة؟ قال : يكره للعيب على أهلها.

كان يكره على البكر التي مات أبوها أو جدها ، فإن فعل لا يفتضها للأخبار منها خبر ابن أبي الهلال قال عليه‌السلام : لا بأس أن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها(٣).

وأما الأجل : فإنه شرط في عقد المتعة ، ولو لم يذكره انعقد دائما ، لأن ذكر الأجل شرط في تحقق عقد المتعة ، فإذا أهمل اللفظ ذكر الأجل تعيّن للدوام وللنصوص منها قول مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام في موثق ابن بكير : وإن سمى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسم الأجل فهو نكاح بات(٤).

__________________

(١) فروع الكافي ج ٥ / ٤٦٢ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٤ / ٣٤٣ ح ٢ وح ٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة باب ١٢.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٤ / ٤٥٧ ح ١ و ٢ و ٧ الباب ١١ من أبواب المتعة ، وص ٤٥٩ ح ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ج ١٤ / ٤٦٩ الباب ٢٠ من أبواب المتعة.

٣٥٠

ولما ورد عن ابان بن تغلب قال له عليه‌السلام لمّا علّمه كيفية عقد المتعة : إني أستحي أن أذكر شرط الأيام ، فقال : هو أضر عليك ، قلت : وكيف؟ قال : إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة والعدة ، وكانت وارثا ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة (١).

ويشترط تقدير الأجل عند العاقدين ، طال أو قصر كالسنة والشهر واليوم ، ولا بدّ أن يكون معينا ، محروسا من الزيادة والنقصان فلا يجوز أن يكون كليا كشهر من الشهور ويوم من الأيام وسنة من السنين ، ولا غير محروس من الزيادة والنقصان كقدوم الحاج وإدراك الثمرة ونحوهما ما يمكن فيه طول الزمان وقصره المؤدي إلى الجهالة عند المتعاقدين.

ولو اقتصر على بعض يوم جاز بشرط أن يقرنه بغاية معلومة كالزوال والغروب أو بمقدار معين كالنصف والثلث ونحوهما ، فيعملان حينئذ بما يعلمانه من ذلك مع اتفاقه وإلّا رجعا إلى أهل الخبرة فيه (٢).

ولو ترك الرجل المرأة المتمتع بها حتى انقضى قدر الأجل المسمّى خرجت عن عقده واستقر لها الأجرة.

وأما المهر : فإنّه شرط في عقد المتعة ، يبطل بفواته العقد لأن ذكر المهر شرط في صحة هذا العقد ، والمشروط عدم عند عدم شرطه. ويشترط فيه أن يكون مملوكا معلوما ، إما بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف ، ويتقدّر بالمراضاة قلّ أو كثر ولو كان كفا من برّ ، ويلزم دفعه بالعقد ، ولو وهبها المدة قبل الدخول لزمه النصف ، ولو دخل استقر المهر بشرط الوفاء بالمدة ، ولو أخلت ببعضها كان له أن يضع من المهر بنسبتها ، ولو تبين فساد العقد ، إمّا بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته ، أو أمها ، وما شاكل ذلك من موجبات الفسخ ، ولم يكن دخل بها

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) جواهر الكلام في شرائع الإسلام ج ٣٠ / ١٧٧.

٣٥١

فلا مهر لها ، ولو قبضته كان له استعادته ، ولو تبيّن ذلك بعد الدخول كان لها ما أخذت ، وليس عليه تسليم ما بقي (١) ، ولها المهر إن كانت جاهلة ، ويستعاد ما أخذت إن كانت عالمة.

يتلخص مما تقدّم أن أركان أو شروط زواج المتعة أمور :

الأول : الإيجاب والقبول.

وألفاظ الإيجاب في عقد المتعة ثلاثة : متعت ، وزوجت ، وأنكحت ، وأي واحد منها حصل وقع الإيجاب به ، ولا ينعقد الزواج بغير هذه الألفاظ ، كلفظ التمليك والهبة والإجارة.

والقبول يقع بكل لفظ دال على إنشاء الرضا بذلك الإيجاب ، كقول الرجل : قبلت المتعة أو التزويج أو النكاح. ولو اقتصر على لفظ : قبلت أو رضيت كفى في صحة القبول.

ولو بدأ بالقبول فقال : تزوجتك أو رضيت بك زوجة وما شابه ذلك ، فقالت : زوجتك نفسي صح العقد.

وصيغة العقد في الزواج المنقطع أو المتعة هي أن تقول الزوجة : متعتك نفسي إلى مدة كذا على مهر قدره كذا.

أو تقول : أنكحتك نفسي إلى مدة كذا على مهر قدره كذا.

فيقول الزوج : قبلت ، ولا بد أن يقصد الطرفان إنشاء العلقة الزوجية بينهما ، فيقصد الرجل بذلك قبول التزويج على ما وقع في الإيجاب من المدة والمهر.

ويجوز لكل من الزوجين توكيل غيرهما في إجراء عقد زواج المتعة.

فلو وكلا شخصا في إجراء الصيغة عنهما يقول الوكيل :

__________________

(١) شرائع الإسلام للعلّامة الحلي القسم الثاني في النكاح المنقطع.

٣٥٢

ـ متّعت موكلتي فلانة موكلي فلان في المدة المعلومة بالمبلغ المعلوم.

ـ ثم يقول مباشرة : قبلت التمتيع لموكّلي فلان في المدة المعلومة بالمبلغ المعلوم.

أما لو كان الزوج وكيلا عن الزوجة في إنشاء الصيغة فعليه أن يقول في الإيجاب والقبول هكذا :

متّعت موكلتي فلانة نفسي في المدة المعلومة بالمهر المعلوم.

ثم يقول مباشرة :

قبلت التمتيع لنفسي في المدة المعلومة بالمبلغ المعلوم.

الثاني : ذكر المهر وتعيينه رفعا للجهالة والغبن ، وليس للمهر حد قلّ أو كثر ، فيصح بكل ما يقع عليه التراضي بينهما عملا بالآية المباركة : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (١).

الثالث : ذكر الأجل وإلّا بطل العقد أو انقلب دائما على أظهر الأقوال.

الرابع : لا يجوز التمتع بغير المسلمة والكتابية ، كما لا يجوز التمتع بذات البعل ولا بذات العدة ولا بالغلاة والخوارج والنواصب.

كما لا يجوز التمتع بالأمة على الحرة إلا بإذنها ، ولا يجوز الجمع بين الأختين في المتعة ، ولا يتمتع على العمة بنت أخيها ولا الخالة بنت اختها إلا بإذنهما أو إجازتهما ولو لم يستأذنهما كان العقد باطلا.

ويجوز التمتع بأكثر من أربع نساء وإن كان عنده أربع زوجات بالدائم. فزواج المتعة عقد شرعي له ما للعقد الدائم وعليه ما عليه إلّا ما أخرجه الدليل ، لذا فهما يشتركان في أمور ويتباينان في أمور.

__________________

(١) سورة النساء : ٢٠.

٣٥٣

أما الأمور المشتركة بينهما فهي كالتالي :

أولا : أنهما يشتركان في المرأة المعقود عليها دواما وانقطاعا من حيث يجب أن تكون عاقلة بالغة راشدة ، فلا يجوز التمتع بالمتزوّجة ، ولا بالمعتدة من طلاق أو وفاة ، ولا بالمحرّمة نسبا أو مصاهرة أو رضاعا ، ولا بالمشركة عدا ما أخرجه الدليل كاليهود والنصارى ، ولا بالملحدة ومن ذكرنا أعلاه ، كما لا يجوز للمسلمة أن تتمتع إلا بالمؤمن العارف والخالي من جميع الموانع.

ثانيا : يتفق الزواج المنقطع بالدائم من حيث اللزوم في حق الرجل والمرأة أي أن العقد فيهما لازم لا ينحل إلّا بسبب ، فللزوج أن يطلّق الزوجة الدائمة ، كما للزوج أن يهب المدة المتفق عليها للمتمتع بها ، كما عبّر عنه في النصوص المعلوم إرادة ما يشبه الإبراء من ذلك «فإنه في الحقيقة إسقاط ما يستحقه عليها ، فلا يحتاج إلى قبول ولا إلى قابلية المتمتع بها لذلك» (١).

ثالثا : لا يصح الزواج المنقطع بالمعاطاة أو الهبة أو التمليك أو الاجارة أو مجرد المراضاة ، بل لا بدّ فيه من العقد اللفظي الدال صراحة على قصد الزواج ، تماما كالزواج الدائم ، ولا يقع عقد المتعة بشيء من تلك الألفاظ ، بل ينحصر لفظ العقد بخصوص انكحت وزوجت ومتعت.

رابعا : أن الزواج المنقطع ينشر الحرمة تماما كالدائم ، فإن المتمتع بها تحرّم على والد الزوج مؤبدا ، وبنتها ربيبته ، كما يحرّم الجمع بين الأختين متعة وانقطاعا ، والرضاع من المتمتع بها كالرضاع من الدائمة من غير تفاوت ، أما الرضاع من الزانية فلا أثر له إطلاقا ، والفرق أن المتمتع بها زوجة شرعية ، وفراش صحيح ، أما الزانية فلها الحجر.

خامسا : الولد من الزوجة المنقطعة كالولد من الدائمة في وجوب التوارث

__________________

(١) جواهر الكلام ج ٣٠ / ١٦٦.

٣٥٤

والإنفاق ، أي أن الابن المتولد من المتعة يجب الإنفاق عليه ، ويرث من أبيه وأمه ، ويرثان منه تماما كابن الدائم.

سادسا : يلحق ولد المتعة بالزوج بمجرد الجماع ، حتى ولو عزل وأراق ماءه في الخارج لأن المتمتع بها فراش شرعي كالدائمة ، والولد للفراش إجماعا ونصا.

سابعا : المهر في الزواج المنقطع كالمهر في الدائم ، من حيث عدم تقديره قلة أو كثرة ، فيصح بكل ما يقع عليه التراضي واحدا كان أو مائة مليون عملا بالآية الكريمة (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً).

ثامنا : ثبت للزوجة الدائمة إذا طلقت قبل الدخول نصف المهر المسمّى ، وكذا لو وهب المدة للمتمتع بها قبل أن يدخل ، أما إذا انقضت المدة دون أن يدخل فلها المهر كاملا ، وقيل : نصف المهر.

تاسعا : يشتركان أيضا في العدة ، فالمتمتع بها عليها أن تعتد مع الدخول بها بعد الأجل ، ولا عدة عليها إذا لم يدخل ، تماما كالزوجة الدائمة إذا طلقت من غير تفاوت ، وعليهما معا العدة الكاملة من وفاة الزوج سواء أدخل أو لم يدخل.

عاشرا : تحرم مقاربة الزوجة وهي في الحيض منقطعة كانت أو دائمة.

وهناك أحكام أخرى يشتركان فيها فلتلاحظ المطولات الفقهية (١).

وأما الأحكام التي يتباينان فيها هي كالتالي :

١ ـ لا بد في الزواج المنقطع أن يذكر في متن العقد أجل معيّن لا يقبل الزيادة والنقصان ، أمّا الزواج الدائم فلا يصح ذكر الأجل فيه بحال.

وإذا قصد كل من الرجل والمرأة الزواج المنقطع ، وتركا ذكر الأجل في متن العقد نسيانا ، فهل يبطل العقد أو ينقلب إلى الدوام؟

__________________

(١) جواهر الكلام وشرائع الإسلام والحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة.

٣٥٥

ذهب مشهور الإمامية بشهادة صاحب المسالك إلى أن الزواج والحال هذه ، يقع دائما ، بل قال صاحب الجواهر : «لعله مجمع على ذلك ، لصلاحية اللفظ للدوام ، ولقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «إذا سمّى الأجل فهو متعة وإن لم يسمّ فهو نكاح بات» أي ثابت.

٢ ـ المهر ركن من أركان العقد في المنقطع ، فلو أخلّ بذكره في متن العقد بطل من رأس.

أما الزواج الدائم فالمهر ليس ركنا له ، بل يصح مع المهر ودونه ، فمن تزوّج امرأة ولم يذكر لها مهرا في متن العقد ، ودخل بها فعليه مهر المثل.

٣ ـ إذا طلقت الزوجة الدائمة قبل الدخول فلا عدة لها ، ومثلها المنقطعة إذا انتهى الأجل قبل الدخول ، وإذا طلّقت الدائمة بعد الدخول وكانت غير حامل فعدتها ثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر ، وإن كانت حاملا فعدتها وضع الحمل ، أما المنقطعة فعدتها بعد الدخول وانقضاء الأجل حيضتان أو خمسة وأربعون يوما إن كانت غير حامل ، وإن كانت حاملا فعدتها وضع الحمل.

هذا بالقياس إلى طلاق الدائمة وانتهاء أجل المنقطعة ، أما بالنسبة إلى عدة الوفاة فلا فرق بينهما إطلاقا ، فكل منهما تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ، سواء أكان قد دخل الزوج أو لم يدخل ، هذا مع عدم الحمل ، أما معه فتعتدان بأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدة المذكورة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.

٤ ـ التباين في الميراث ، فإنهما يتوازنان في حال الشرط ، لأن عقد الزواج بطبيعته لا يقتضي التوارث ولا عدمه ، ومتى حصل الشرط وجب العمل به عملا بالحديث المشهور : «المؤمنون عند شروطهم» وللنص عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «وإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٤ / ٤٨٦ ح ٥ والاستبصار ج ٣ / ١٤٩ قريب منه.

٣٥٦

٥ ـ لا نفقة للمنقطعة إلّا مع الشرط ، أما الدائمة فلها النفقة ، حتى ولو اشترط عليها عدم الإنفاق.

٦ ـ يكره التمتع بالأبكار ، أما الزواج بهنّ دواما فمندوب.

٧ ـ للزوجة الدائمة حق على الزوج أن ينام في فراش قريب من فراشها ليلة واحدة من كل أربع ليال معطيا لها وجهه ، وإن لم يتلاصق الجسدان ، والمهم أن لا يعدّ هاجرا ، أما المواقعة فتجب عليه في كلّ أربعة أشهر مرة ، ولها أن تطالب إن امتنع عن المبيت أو المواقعة.

ولا يجب شيء من ذلك للمنقطعة ، بل يترك له الخيار ، وليس لها أن تطالبه ، لا بالمبيت ولا بالمواقعة.

٨ ـ إذا طلّقت الزوجة الدائمة طلاقا رجعيا بعد الدخول ، فللمطلّق أن يرجع إليها قبل انقضاء العدة ، وإذا كان الطلاق خلعيا ، وعن كره وبذل منها له ، فلها الحق أن ترجع بالبذل ما دامت في العدة.

أما المنقطعة فإنها تبين منه بمجرد انتهاء المدة أو هبتها ، ولا يحق له ولا لها بالرجوع أثناء العدة ، وبالأولى بعد انتهائها ، أجل يجوز له أن يجدّد العقد عليها دواما أو انقطاعا ، وهي في العدة منه ، ولا يجوز ذلك لغيره إلا بعد انقضاء العدة.

٩ ـ إذا دخل بالزوجة الدائمة فقد استقر عليها تمام المهر ، فإن امتنعت بعد ذلك ولم تمكّنه من نفسها نشوزا منها وعصيانا فلا يسقط من مهرها شيء ، وإنما تسقط نفقتها ، لأنها في مقابل الطاعة.

أما إذا دخل بالمنقطعة ، ثم امتنعت من غير عذر فللزوج أن يضع من مهرها بنسبة الوقت الذي امتنعت فيه.

١٠ ـ يجوز أن يتمتع الرجل بأكثر من أربع نساء ، ولا يجوز له في الدائم الزيادة على الأربع.

٣٥٧

وبالجملة : فإن حقيقة المنقطع والدائم واحدة ، ويشتركان في الأحكام معا إلّا ما استثناه الدليل.

النقطة الثانية : في زواج المتعة في كتاب الله.

قال الله سبحانه : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١).

لا إشكال ولا خلاف أن مورد هذه الآية هو الزواج المؤقت أو المتعة ، ويستفاد منها أنّ زواج المتعة كان قطعيا ومسلّما عند المسلمين ، ويشهد لهذا أمور :

الأول : إن كلمة «متعة» التي اشتق منها لفظة «استمتعتم» تعني الزواج المؤقت لأن لفظ «الاستمتاع» إذا أطلق لا يستفاد منه شرعا إلّا العقد المؤجّل ، وإن كان في أصل الوضع معناه الانتفاع ، ولا خلاف عند المتشرعة أن الشيء إذا كان له وضع وعرف شرعي يجب حمله على العرف الشرعي دون الوضع ، لكونه صار حقيقة ، والوضع مجازا والحكم للطارئ ، ألا ترى أنهم يقولون : فلان يقول بالمتعة وفلان لا يقول بالمتعة» ولا يريدون إلا العقد المخصوص.

وبعبارة أخرى : المتعة حقيقة شرعية في هذا النوع من الزواج ، فصارت مخصوصة بهذا العقد المعروف ، ويدل على هذا استعمال أئمة آل البيت عليهم‌السلام وأكثر الصحابة هذا اللفظ بالزواج المنقطع. منها ما ورد :

١ ـ عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ... فقال : هو أن يتزوجها إلى أجل مسمّى ثم يحدث شيئا بعد الأجل (٢).

٢ ـ وعن زرارة ، قال : جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى الإمام أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : ما تقول في متعة النساء؟

__________________

(١) سورة النساء : ٢٤.

(٢) تفسير العياشي ج ١ / ٢٦٠ ح ٨٧ و ٨٨ ،

٣٥٨

فقال : أحلها الله في كتابه وعلى لسان نبيّه فهي حلال إلى يوم القيامة ، فقال : يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرّمها عمر ونهى عنها؟

فقال عليه‌السلام : وإن كان فعل. قال : إني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئا حرّمه عمر ، قال : فقال له : فأنت على قول صاحبك وأنا على قول رسول الله ، فهلم ألا عنك أن القول ما قال رسول الله وأن الباطل ما قال صاحبك (١) ..

الثاني : أن لفظة «متعة» إذا لم تكن بالمعنى المذكور ، يجب أن تفسّر حتما بمعناها اللغوي وهو «الانتفاع» فتدل الآية حينئذ على الزواج الدائم ، فيصير المعنى هكذا : «إذا انتفعتم بالنساء الدائمات فادفعوا إليهن أجورهن» في حين نعلم أن دفع المهر غير مقيّد ولا مشروط بالانتفاع بالزوجات الدائمات بل يجب دفع تمام المهر في حال الدخول ، ونصفه بمجرد العقد دون دخول.

الثالث : [إن أئمة آل البيت عليهم‌السلام الذين هم أولى برسول الله وبأحاديثه من غيرهم ، وكذا كبار الصحابة والتابعين أمثال ابن عبّاس حبر الأمة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري وعمران بن حصين وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والسدي وأبي بن كعب وجماعة كبيرة من مفسري العامة والخاصة ، فهموا من الآية المزبورة حكم الزواج المؤقت إلى درجة أن الفخر الرازي ـ رغم تعصّبه على الشيعة ـ اعترف بشرعيتها إلا أنه ادّعى أنها منسوخة فقال :

«إنّا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله : إنها صارت منسوخة وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضا من تمسّكهم بقراءة أبي وابن عبّاس ، فإن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنما الذي نقوله : إن النسخ طرأ عليه» (٢).

__________________

(١) تفسير البرهان ج ١ / ٣٦٠ ح ٣ والنصوص عنهم عليهم‌السلام كثيرة جدا فلاحظ.

(٢) تفسير الرازي ج ١٠ / ٥٣ سورة النساء. وهكذا قال ابن كثير في تفسيره ج ١ / ٤٠٨.

٣٥٩

يرد عليه باختصار :

كيف صارت الآية منسوخة ، وقد نفى عمر بن الخطّاب نسخها بقوله : «متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أحرّمهما ..» وهل نصدّق الرازي أو عمر بن الخطاب؟ فعلى العامي أن يختار ، فلو صدّق الرازي يكون بهذا قد كذّب عمر ، وإن صدق عمر ثبت أن الرازي كذّاب مفتر على عمر.

قد يقال

إن تفسير الآية ليس بمعنى المتعة ولو بمجرد العقد ، بل المراد بالاستمتاع هو النكاح فإن إيجاد علقة النكاح طلب للتمتع منها هذا ، فتكون السين والتاء في استمتعتم للتأكيد ، والمعنى : تمتعتم.

والجواب :

١ ـ إن تداول نكاح المتعة على مجرد العقد لا يدع مجالا لخطور هذا المعنى اللغوي بذهن المستمعين ، لأن المعنى اللغوي هو الانتفاع ، لكنّ العرف الشرعي كما قلنا سابقا استعمله بالعقد المخصوص.

٢ ـ إن هذا المعنى على تقدير صحته وانطباق معنى الطلب على المورد أو كون استمتعتم بمعنى تمتعتم ، لا يلائم الجزاء المترتب عليه أي قوله : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) فإن المهر يجب بمجرد العقد ، ولا يتوقف على نفس التمتع ولا على طلب التمتع الصادق على الخطبة وإجراء العقد والملاعبة والمباشرة ، بل يجب نصفه بالعقد ونصفه الآخر بالدخول.

[على أن الآيات النازلة قبل هذه الآية قد استوفت بيان وجوب إيتاء المهر على جميع تقاديره ، فلا وجه لتكرار بيان الوجوب ، وذلك كقوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (١) وقوله تعالى (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ

__________________

(١) سورة النساء : ٤.

٣٦٠