أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

مقاتل بن عطيّة

أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد - ج ١

المؤلف:

مقاتل بن عطيّة


المحقق: الشيخ محمّد جميل حمّود
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٤٦
الجزء ١ الجزء ٢

الله فإن أبى إلّا أن نمضي فأبلغه عنّا واطلب إليه أن يولّي أمرنا رجلا أقدم سنّا من أسامة.

فخرج عمر بأمر أسامة إلى أبي بكر فأخبره بما قالوا ، وأن الأنصار تطلب رجلا أقدم سنا من أسامة ، فوثب أبو بكر وكان جالسا ، وأخذ بلحية عمر وقال : ثكلتك أمك يا ابن الخطّاب! استعمله رسول الله وتأمرني أن أعزله؟

ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم وأشخصهم وشيّعهم وهو ماش وأسامة راكب .. فلما أراد أن يرجع قال لأسامة : إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل ، فأذن له» (١).

من خلال عرض هذا المقطع نلاحظ شيئين :

الأول : إن الذي شكّك بأسامة إنما هو عمر وأصحابه ، من هنا أخذ بلحيته أبو بكر مستنكرا عليه بأن النبيّ أمّره وعمر يريد أن يعزله بحجة صغر سنه ، تماما كما فعل أبو عبيدة بن الجراح بالإمام عليّ عليه‌السلام حينما قهروه على البيعة فقال للإمام عليه‌السلام : «يا بن عمّ إنك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ..» (٢).

الثاني : طلب أبي بكر من أسامة استبقاء عمر بجانبه لحاجته إليه في السلطة ، ما يقتضي الاعتقاد أن المسألة دبراها وعقدا فصولها بإحكام ، وأجادا توزيع الأدوار لتحقيق ما أراداه.

لقد عصيا الله ورسوله ، ومن يعص الله ورسوله له عذاب عظيم ، قال تعالى :

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً) (٣).

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٤).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٣٥.

(٢) الإمامة والسياسة ص ٢٩ / لابن قتيبة الدينوري ، المتوفى عام ٢٧٦ ه‍.

(٣) سورة النساء : ١٤.

(٤) سورة الأحزاب : ٣٦.

٢٤١

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (١).

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٢).

ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ويقلب الموازين الشرعية والأخلاقية كيف يرضى به المسلمون خليفة وهم يرون بأعينهم ما فعلاه بنبيه الكريم وأهل بيته المطهرين؟!!

الطعن الثامن :

أنه لمّا حضرته الوفاة جعل ما كان اغتصبه وظلمه في الاستيلاء عليه لعمر من بعده ، وطالب الناس بالبيعة والرضا به ، كره بذلك من كره ورضي به من رضي ، وقد أجمعوا في روايتهم أن الغالب من الناس يومئذ الكراهة ، فلما أكثروا عليه في ذلك وخوّفوه من الله ، قال أبالله تخوفوني (٣) ، إذا لقيته قلت له استخلفت فيهم (٤) خيرا ، فقد تقلّد من الإثم ما جعله لعمر من بعده مثل الذي تقلده منه في حياته ولزمه وزر ما يجري في أيام عمر من تصييره ذلك إليه من غير أن ينقص عمر من ذلك شيئا إذا ملكه ما لم يكن هو له.

قد يقال : إذا كانت خلافة أبي بكر أساسا لخلافة عمر وسببا لدفع الإمام علي عليه‌السلام عنها ، فكيف كان عمر مع شدة حيلته ودهائه يقول على رءوس الأشهاد «كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها» (٥)؟

والجواب :

إن حكاية الفلتة كانت بعد استقرار خلافة عمر ، وتمكّن رعبه وغلظته وهيبته

__________________

(١) سورة الجن : ٢٣.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٦.

(٣) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٤٢٥ / فصل في استخلاف عمر بن الخطاب.

(٤) لاحظ الإمامة والسياسة ص ٣٧.

(٥) تاريخ الطبري ج ٢ / ٤٤٦ والكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٢٧.

٢٤٢

في القلوب ، وقد دعاه إليها أنه سمع عمار بن ياسر يقول : لو قد مات عمر لبايعت عليّا عليه‌السلام ، وقد روى القصة عامة المؤرخين لا سيما البخاري والطبري وابن الأثير :

أن ابن عبّاس قال : كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف القرآن فحجّ عمر وحججنا معه ، فقال لي عبد الرحمن : شهدت أمير المؤمنين اليوم بمنى ، وقال له رجل : سمعت فلانا يقول : لو مات عمر لبايعت فلانا ، فقال عمر : إني لقائم العشيّة في الناس أحذّرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم (١) ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وهم الذين يغلبون على مجلسك ، وأخاف أن تقول مقالة لا يعوها ولا يحفظوها ويطيّروا بها ، ولكن امهل حتى تقدم المدينة وتخلص بأصحاب رسول الله فتقول ما قلت فيعوا مقالتك. فقال : والله لأقومنّ بها أول مقام أقومه بالمدينة.

قال : فلما قدمت المدينة هجّرت يوم الجمعة لحديث عبد الرحمن ، فلمّا جلس عمر على المنبر ، حمد الله وأثنى عليه ثم قال بعد أن ذكر الرجم وما نسخ من القرآن فيه : إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا ، فلا يغرّنّ امرأ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فقد كانت كذلك ، ولكنّ الله وقى شرّها ، وليس منكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ، وإنه كان خيرنا حين توفي رسول الله ، وإن عليا والزبير ومن معهما تخلّفوا عنا في بيت فاطمة ، وتخلّفت عنا الأنصار واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ..» (٢).

الطعن التاسع :

أنّه همّ بإحراق بيت سيّدة النساء فاطمة عليها‌السلام بإيحاء من عمر بن الخطاب ، وقد كان فيه أمير المؤمنين وفاطمة مهجة المصطفى والحسنان عليهم‌السلام وهدّدهم

__________________

(١) انظر ـ أخي القارئ ـ كيف نعت عمر من اعترض عليه بأنه مغتصب ، وقد تناسى ما فعله بعترة رسول الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واغتصابه لحقوقهم!!

(٢) الكامل في التاريخ ج ٢ / ٣٢٦ فصل حديث السقيفة وخلافة أبي بكر.

٢٤٣

وآذاهم ، مع أن رفعة شأنهم عند الله تعالى وعند رسوله مما لا ينكره أحد إلا من أنكر ضوء الشمس ونور القمر ، وسيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في الصفحات التالية.

واعتداؤه على بيت الطهر وفيه مفاخر الإسلام عليّ وفاطمة والحسنان ، مما أوجب ندم أبي بكر وهو على فراش الموت ولكن لا ينفع الندم وفي قلبه حقد على آل محمد فقال : «والله ما آسى إلّا على ثلاث فعلتهنّ ، ليتني كنت تركتهنّ ، وثلاث تركتهن ليتني فعلتهنّ ، وثلاث ليتني سألت رسول الله عنهنّ ، فأما اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلهنّ ، فليتني تركت بيت علي وإن كان أعلن عليّ الحرب ، وليتني يوم سقيفة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر فكان هو الأمير وكنت أنا الوزير ، وليتني حين أتيت بذي الفجاءة السلمي أسيرا أني قتلته ذبيحا أو أطلقته نجيحا ولم أكن أحرقته بالنار .... وأما اللاتي كنت أود أني سألت رسول الله عنهنّ فليتني سألته لمن هذا الأمر من بعده؟ فلا ينازعه فيه أحد ، وليتني كنت سألته : هل للأنصار فيها من حق؟ وليتني كنت سألته عن ميراث بنت الأخ والعمة فإن في نفسي من ذلك شيئا» (١).

الطعن العاشر :

ظلمه لمولاتنا فاطمة عليها‌السلام واغتصابه فدكا منها.

لقد ذكر عامة المؤرخين قصة فدك وأن أبا بكر سلبها من السيّدة المعظّمة الزهراء البتولعليها‌السلام وجعل ذلك كله بزعمه صدقة للمسلمين.

فقد عاشت السيّدة المطهّرة روحي فداها مأساة بعد مأساة مذ رحل أبوها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكأنّ القوم أرادوا أن يتشفوا من رسول الله بابنته مولاتنا فاطمة عليها‌السلام ، والجانب المأساوي الذي عاشته روحي فداها ذو شقين :

الأول : الجانب النفسي.

__________________

(١) الإمامة والسياسة ص ٣٦ ـ ٣٧.

٢٤٤

الثاني : الجانب الحقوقي.

فالشق الأول : يتناول الاعتداء على جسدها الطاهر وروحها الزكية المطهّرة ، وقد تعرضنا له في البحوث القادمة فراجع.

وأما الشق الثاني : ويتناول الاعتداء على متعلقاتها وحقوقها المالية ، أعني بذلك فدكا ، ومنعها حقها من الخمس ، وهذا ما سنبحثه هنا لتسليط الضوء على منكرات القوم الذين افتروا على مقامات رسول الله وآله الأطهار.

والسؤال الذي طالما يردده كثيرون ـ مشفقون ومشكّكون ـ : لما ذا اغتصبوا من مولاتنا الزهراء فدكا؟

والجواب :

١ ـ استضعف الحلف الثنائي وزمرتهما أهل البيت ، وأرادوا من عميد البيت الهاشمي الإمام عليا عليه‌السلام البيعة لأبي بكر ولو قهرا ، لما في بيعته دعما للخط القبلي المتمثل بأبي بكر وابن الخطّاب ، ولكنّ الإمام عليه‌السلام رفض البيعة ، لأن مبايعته لهم تعني أنهم أصحاب الحق ، وأنهم خلفاء رسول الله ، مما يستلزم إغراء المكلفين بالقبيح وقد نهى عنه الله عزوجل ، لذا حاول القوم الضغط على البيت الهاشمي الذي يتزعمه مولى الثّقلين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من خلال تشديد الحصار عليهم إعلاميا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا تماما كما فعل المشركون بالنبيّ من خلال حصارهم له وللمؤمنين بدعوته أمثال المجاهد العظيم أبي طالب عليه‌السلام ، فكانت مدة حصارهم للنبيّ في شعب أبي طالب ثلاث سنوات ، وما أشبه اليوم بالأمس ، وما أشبه السقيفة بيوم الحصار في أواسط البعثة النبوية الشريفة.

٢ ـ ليستعين (١) القوم المغتصبون بمحاصيل فدك ، حيث كانت تدر الأموال

__________________

(١) وفي كلام لصاحب السيرة الحلبية نقلا عن سبط ابن الجوزي قال : بعد أن كتب أبو بكر للسيدة ـ

٢٤٥

الطائلة ، وهذا بدوره عامل قوي في دفع العجلة السياسية للحكّام آنذاك لبسط سلطتهم وهيمنتهم على بلاد المسلمين.

من هنا فإن القوم ضربوا حصارا اقتصاديا يتمحور في الأمور التالية :

الأول : منع آل البيت من الخمس.

الثاني : اغتصاب فدك.

الثالث : منع آل البيت من سهم خيبر.

الرابع : تحجيم تحركات آل البيت مع قواعدهم الشعبية.

ولو سألنا أبا بكر الخليفة المزعوم لما ذا أقدمت على هذا الإجراء التعسفي لكان جوابه : إني خليفة رسول الله والحاكم الفعلي على هذه الأمة ، مع دعواه أن النبيّ لم يورّث أحدا من المسلمين.

وهنا نبحث في عدة نقاط :

النقطة الأولى : في ماهية فدك.

وفدك هذه بلدة بينها وبين المدينة يومان ، وهي من القرى الثلاث التي صالحت النبيّ على أن يأخذ النصف من ثمارهم وأموالهم بشرط أن لا يقاتلهم ، وقد أفاءها الله على رسوله سنة سبع صلحا ، وذلك أنّ النبيّ لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلاثة ، واشتد بهم الحصار ، أرسلوا إلى رسول الله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء ، وقد فعل ، وبلغ ذلك أهل فدك ، فأرسلوا إلى رسول الله أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك ، فهي مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فكانت خالصة لرسول الله.

__________________

ـ فاطمة عليها‌السلام حقها من فدك ، دخل عليه عمر فقال : ما هذا؟ فقال : كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها ، فقال عمر : بما ذا تنفق على المسلمين ، وقد حاربتك العرب؟! ثم أخذ الكتاب فشقه!! لاحظ السيرة الحلبية ج ٣ / ٣٦٢ ، ط / دار إحياء التراث العربي.

٢٤٦

وهي على هذا الأساس ملك خاص بالرسول حباه الله تعالى بها عند نزول قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢).

ومعنى (أَفاءَ اللهُ) أي ردّ ما كان للمشركين على رسوله بتمليك الله إياه ، ومعنى «منهم» : أي من اليهود الذين أجلاهم الرسول بسيف أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) أي ما استوليتم على تلك الأموال بخيولكم وإبلكم لأجل الاستيلاء عليها.

(وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي يمكّن الله رسله من عدوهم من غير قتال ، بأن يقذف الرعب في قلوبهم ، فجعل الله أموال بني النضير وقريظة لرسوله خالصة يفعل بها ما يشاء ، وليست من قبيل الغنائم التي توزع على المقاتلين.

ومعنى قوله تعالى في الآية الثانية : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) : أي من أموال كفار أهل القرى كيهود خيبر وغيرها ، (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) أي أنه عزوجل جعل تلك الأموال ملكا لرسوله ، (وَلِذِي الْقُرْبى) أي قرابة النبيّ وليس هناك أقرب من ابنته السيّدة فاطمةعليها‌السلام ، (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وهذه القرى حسبما ورد عن ابن عباس وعامة المفسّرين هي : فدك وخيبر وعرينة وينبع ، جعلها الله لرسوله يحكم فيها بما أراد ، وأخبر أنها كلّها له ، فقال أناس : فهلّا قسّمها؟ فنزلت الآية (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ...).

إذن هي خالصة لرسول الله لا يشاركه فيها أحد ، لكنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهداها لمولاتنا

__________________

(١) سورة الحشر : ٦.

(٢) سورة الحشر : ٧.

٢٤٧

الزهراء عليها‌السلام ، وهذا ما لا يريد مفسرو العامة أن يفهموه بل هم على استعداد أن يكذّبوا السيّدة الزهراء المطهّرة بنص الكتاب والتي قال عنها النبيّ : «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أسخطها فقد أسخطني» ويصدّقوا أبا بكر النبيّ الذي لم يكن أهلا لكي يبلّغ سورة براءة ، بل هم مستعدون دائما لكي يكذّبوا النبيّ الذي قال بحق الإمام عليّ عليه‌السلام : «عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيثما دار» فهم دائما على استعداد لتكذيب الإمام عليّ وتصديق عدوه ، اللهم احكم بيننا وبين قومنا وأنت خير الحاكمين ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

ويشهد لما قال الإمامية من أن فدكا هي نحلة من رسول الله لابنته السيّدة الزهراء عليها‌السلام ، مضافا لما قالته مولاتنا المعظّمة التي يدور الحق معها حيثما دارت والتي هي سيّدة نساء أهل الجنة كما في الحديث المشهور بين الفريقين ، ما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) من أن النبيّ أعطى الصدّيقة فاطمة فدكا ، والروايات في مصادر الإمامية فوق التواتر منها :

ما رواه العيّاشي عن ابان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كان رسول الله أعطى فاطمة فدكا؟

قال : كان وقفها ، فأنزل الله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) فأعطاها رسول الله حقّها ، قلت: رسول الله أعطاها؟

قال : بل الله أعطاها (١).

وعن عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لمّا أنزل الله (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ) قال رسول الله : يا جبرائيل قد عرفت المسكين ، فمن ذوي القربى؟ قال : هم أقاربك ، فدعا حسنا وحسينا وفاطمة ، فقال : إن ربي أمرني أن أعطيكم مما أفاء عليّ ، قال : أعطيتكم فدك (٢).

__________________

(١) تفسير العياشي السمرقندي ج ٢ / ٣١٠ ح ٤٧.

(٢) نفس المصدر ح ٤٦ وما ورد في وسط الرواية من أن النبي لم يعرف من هم ذوي القربى يؤوّل على ـ

٢٤٨

وعن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتت فاطمة أبا بكر تريد فدكا ، قال : هاتي أسود أو أحمر يشهد بذلك ، قال : فأتت بأم أيمن ، فقال لها : بم تشهدين؟ قالت : أشهد أن جبرائيل أتى محمّدا فقال : إن الله يقول : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) فلم يدر محمّد من هم؟ فقال : يا جبرائيل سل ربك من هم؟ فقال : فاطمة ذو القربى فأعطاها فدكا ، فزعموا أن عمر محى الصحيفة وقد كان كتبها أبو بكر (١).

وقد صرّح ثلة من علماء العامة بذلك منهم :

١ ـ ما أورده الحسكاني من عدة طرق إلى عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزل قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أعطى رسول الله فاطمة عليها‌السلام فدكا (٢).

ومن طريق آخر بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال :

لمّا نزلت هذه الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام وأعطاها فدكا(٣).

ومن طريق آخر أيضا بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال :

لمّا نزلت على رسول الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا فاطمة عليها‌السلام فأعطاها فدكا والعوالي ، وقال : هذا قسم قسمه الله لك ولعقبك (٤).

__________________

ـ غيره باعتبار أن النبي يمثّل النوع تماما كما فعل موسى عليه‌السلام عند ما قال لربه : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ).

(١) تفسير العياشي ج ٢ / ٣١٠ ح ٤٩ وتفسير القمي ج ٢ / ١٨ وبحار الأنوار ج ٢٩ / ٥٤ ، وكشف الغمة ج ١ / ٤٧٦ ، تفسير الفرات ص ٢٣٩ ، مجمع البيان ج ٦ / ٢٤٣ ، وتفسير التبيان للطوسي ج ٦ / ٤٦٩.

(٢) شواهد التنزيل ج ١ / ٣٣٨ ح ٤٦٧.

(٣) شواهد التنزيل ج ١ / ٣٣٩ ح ٤٦٨ و ٤٦٩ و ٤٧٠ و ٤٧١.

(٤) شواهد التنزيل ج ١ / ٣٤٠ ح ٤٧٢.

٢٤٩

٢ ـ ما أورده الخوارزمي بإسناده إلى شيرويه الديلمي يرفعه إلى عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال :

لمّا نزلت آية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا رسول الله فاطمة عليها‌السلام فأعطاها فدكا (١).

٣ ـ ما أورده صاحب كنز العمال ، بإسناده إلى أبي سعيد الخدري ، قال : لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا فاطمة لك فدك (٢). ثم قال صاحب الكنز : وأخرجه الحاكم في تاريخه وابن النّجار. وكذا أخرج مثله في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل ج ١ / ٢٢٨.

٤ ـ وأخرج السيوطي عن البزّار ، وأبي يعلى ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، قال :

لمّا نزلت هذه الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا رسول الله فاطمة عليها‌السلام فأعطاها فدكا(٣).

وأخرج عن ابن مردويه ، عن ابن عبّاس ، قال : لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة فدكا (٤).

وأهل القربى هم أولى الناس برسول الله ، وهل هناك أولى من السيّدة الزهراء بأبيها رسول الله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

لذا أخرج السيوطي عن ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) قال : هو أن تصل ذا القرابة ، وتطعم المسكين ،

__________________

(١) مقتل الإمام الحسين للخوارزمي ج ١ / ٧٠.

(٢) كنز العمال ج ٢ / ١٥٨ وج ٣ / ٧٦٧.

(٣) الدر المنثور ج ٤ / ٣٢٠.

(٤) نفس المصدر.

٢٥٠

وتحسن إلى ابن السبيل (١).

وأخرج أيضا عن ابن جرير عن الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام أنه قال لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟

قال : نعم ، قال : أفما قرأت في بني إسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) قال : وإنكم للقرابة الذي أمر الله أن يؤتى حقه؟ قال : نعم (٢).

وأخرج بسند آخر عن السدي في الآية ، قال :

كان ناس من بني عبد المطلب يأتون النبيّ فيسألونه ، فإذا صادفوا عنده شيئا أعطاهم ، وإن لم يصادفوا عنده شيئا سكت لم يقل لهم نعم ولا : لا ، والقربى قربى بني عبد المطلب (٣).

٥ ـ وأخرج الآلوسي عن البزّار وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري وذكر عين ما تقدم عن الدر المنثور (٤).

٦ ـ وقال الحافظ أبو الفداء الدمشقي : قال الحافظ أبو بكر البزار ـ يرفعه ـ إلى أبي سعيد أنه قال :

لمّا نزلت الآية وذكر عين ما ذكره السيوطي في الدر المنثور. ثم قال بعد إيراده للحديث ما لفظه :

وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده ، لأن الآية مكية وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ فهو إذا حديث منكر ، والأشبه أنه من وضع الرافضة والله أعلم (٥).

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) الدر المنثور ج ٤ / ٣١٨.

(٣) نفس المصدر.

(٤) روح المعاني ج ٩ / ٩٠ ، ط / دار الفكر.

(٥) تفسير ابن كثير القرشي الدمشقي ج ٣ / ٣٤ سورة الإسراء.

٢٥١

يرد عليه :

١ ـ الآية تأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوجوب إعطاء ذي القربى حقّه ، وهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يملك ما يمكن إعطاؤه لذي القربى في مكة سوى بعض المال من الصدقات بحيث لم يألوا جهدا في إنفاقه على الفقراء والمساكين آنذاك ، فالآية ليست بصدد الانفاق المستحب وإنما الواجب هو إعطاء الحقوق المتوجبة عليه لبعض ذوي القربى ، وهذا لا ينطبق إلّا على بعض الحقوق كفدك التي كانت بمثابة عوض عن مهر الصدّيقة الطاهرة خديجة الكبرى عليها‌السلام كما أشارت بذلك بعض النصوص (١).

ففدك مما أفاءها الله عزوجل على رسوله لقوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) (٢).

٢ ـ أنّ السورة مكيّة لكن بعض آياتها ـ ومنه آية القربى ـ مدنية وهذا حاصل في كثير من السور المكية والمدنية حيث يتضمنهما بعض الآيات المعاكسة لهم بحسب مورد النزول ، ومما يؤكد استثناءها ما جاء في مجمع البيان للشيخ الطبرسي عليه الرحمة قال : سورة بني إسرائيل (الإسراء) مكيّة كلها إلا خمس آيات .. وعدّ منها (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ، رواه عن الحسن ، وزاد ابن عباس ثلاث أخر وقيل مكية إلّا ثمان آيات ... عن قتادة والمعدّل عن ابن عباس.

ومما يؤكد كون الآية مدنية ما جاء في تفسير روح المعاني للآلوسي قال : سورة الإسراء مكية على قول الجمهور ، وقيل إلّا خمس آيات وعدّ منها الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٣).

__________________

(١) الخرائج والجرائح ج ١ / ١١٢ ح ١٨٧ للمحدّث قطب الدين الراوندي.

(٢) سورة الحشر : ٧.

(٣) روح المعاني للآلوسي ج ٩ / ٣ ، سورة الإسراء.

٢٥٢

ولكنه في موضع آخر من كتابه رفض كون فدك من المستثنيات بناء على أن السورة كلها مكية ، وفدك لم تكن إذ ذاك تحت تصرف النبيّ ، بل إن مطالبة الصدّيقة الزهراء بفدك بعنوان أنها إرث (١) لا نحلة. وعلى كل فإنه وافق على كون أرض فدك هي من ميراث رسول الله لابنته الصدّيقة الطاهرة.

وكذا صرّح الزمخشري في الكشاف فقال : سورة الإسراء مكية إلّا الآيات ٢٦ و ٣٢ و ٣٣ و ٥٧ ومن آية ٧٣ إلى غاية آية ٨٠ فمدنية (٢).

٦ ـ بالإسناد عن أبي سعيد قال : لما نزلت آية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى) دعا رسول الله فاطمة فأعطاها فدكا (٣). ثم قال : ورواه الطبراني.

٧ ـ ما أورده الرازي في تفسير قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) (٤).

قال : ومعنى الآية ، أن الصحابة طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقسّم الفيء بينهم كما قسّم الغنيمة بينهم ، فذكر الله الفرق بين الأمرين ، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها وأوجفتم عليها الخيل والركاب ، بخلاف الفيء فإنكم ما تحملتم في تحصيله تعبا ، فكان الأمر فيه مفوضا إلى الرسول يضعه حيث يشاء.

إن أهل فدك انجلوا عنه فصارت تلك القرى والأموال في يد الرسول من غير حرب ، فكان عليه الصلاة والسلام يأخذ من غلة فدك نفقته ونفقة من يعوله ، ويجعل الباقي في السلاح والكراع ، فلما مات ادعت فاطمة عليها‌السلام أنه كان ينحلها فدكا ، فقال أبو بكر : أنت أعز الناس عليّ فقرأ ، وأحبهم إليّ غنى ، لكني لا أعرف

__________________

(١) تفسير روح المعاني ج ٩ / ٩٠ ، سورة الإسراء بتصرف ببعض الألفاظ.

(٢) تفسير الكشاف ج ٢ / ٦٢١ سورة الإسراء.

(٣) مجمع الزوائد للهيثمي ج ٧ / ٤٩ ، ط / مكتبة القدس عام ١٣٥٢ ه‍.

(٤) سورة الحشر : ٦.

٢٥٣

صحة قولك ولا يجوز أن أحكم بذلك ، فشهد لها أم أيمن ومولى للرسول ، فطلب منها أبو بكر الشاهد الذي يجوز قبول شهادته في الشرع فلم يكن ، فأجرى أبو بكر ذلك ما كان يجريه الرسول(١) ..

تنبيه :

انظر ـ أخي القارئ ـ كيف يحطّون من درجة الصّديقة الطاهرة فينعتونها بالكذب حيث ـ وبنظر المشكّك الكبير الرازي ـ أن السيّدة المطهّرة عليها‌السلام ادعت أن فدكا نحلة من أبيها ، لذا لم يقبل دعواها سيده أبو بكر حيث أسموه بالصدّيق وقد ارتكب الجرائر بحق المؤمنين لا سيّما أمير المؤمنين وزوجه الزهراء وشيعتهما الميامين ، ونسي الرازي ما ذكره أصحابه من المفسرين والمؤرخين لا سيّما البخاري (٢) في الصحيح في كتاب بدء الخلق ، في باب مناقب قرابة رسول الله باب ١١ منقبة فاطمة بنت النبيّ وباب ٣٠ مناقب فاطمة رضي الله عنها.

روى بسنده عن المسور بن مخرمة أن رسول الله قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. وذكره المتقي في كنز العمال ج ٦ / ٢٢٠ وقال : أخرجه ابن أبي شيبة.

وذكره المناوي أيضا في فيض القدير ج ٤ / ٤٢١ وقال :

استدل به السهيلي على أن من سبّها كفر لأنه يغضبه وإنها أفضل من الشيخين. ورواه النسائي أيضا في خصائصه ص ٣٥ (٣).

ملاحظة :

ونؤكد كلام السهيلي بأنه إذا كان سبّ الزهراء سببا للكفر فإن تكذيبها سبب أيضا للكفر، بل إنّ التكذيب من أبرز مصاديق الكفر والمروق من الدين.

__________________

(١) تفسير الرازي ج ٢٩ / ٢٨٤ سورة الحشر.

(٢) وصحيح البخاري يعتبره علماء العامة بعد القرآن من حيث القداسة والاحترام.

(٣) فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٣ / ١٥١.

٢٥٤

وورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إنما هي فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها(١).

ورواه مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة عليها‌السلام وصحيح الترمذي ج ٢ / ٣١٩ ، ومستدرك الصحيحين ج ٣ / ١٥٨ وكنز العمال ج ٦ / ٢١٩ وج ٨ / ٣١٥ وخصائص النسائي ص ٣٦ والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٠٧ والإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ، فصل بيعة عليّ بن أبي طالب.

كما روى المؤرخون الحديث المتواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (٢).

من العجيب أن نرى الرازي وأمثاله يعتقدون بهذه الأحاديث ويروونها في كتبهم ، ثم في نفس الوقت يقدّمون أقوال أبي بكر عليها ، بل يكذبونها من أجل عيون الخليفة المزعوم ، كل ذلك من أجل صحبته لرسول الله ، وكأن الإمام عليا وزوجه الزهراء لم يكن لهما علاقة برسول الله!!

وقد روى العامة من النصوص بفضل الإمام عليّ مئات الأحاديث الدالة على علو شأنه ، منها ما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال :

١ ـ عن معاذ مرفوعا إلى النبيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«يا عليّ ، أنا أخصمك بالنبوة ، ولا نبوة بعدي ، وأنت تخصم الناس بسبع : أنت أوّلهم إيمانا ، وأوفاهم بعهد ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسوية ،

__________________

(١) صحيح البخاري كتاب النكاح ، ورواه أبو داود في صحيحه في باب ما يكره أن يجمع بينهنّ من النساء ، ورواه ابن حنبل في المسند ج ٤ / ٣٢٨ وأبو نعم في حليته ج ٢ / ٤٠.

(٢) لاحظ فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٣ / ١٥٥ نقلا عن المصادر العامية كالمستدرك ج ٣ / ١٥٣ وأسد الغابة ج ٥ / ٥٢٢ والإصابة لابن حجر ج ٨ / ١٥٩ وتهذيب التهذيب ج ١٢ / ٤٤١ وكنز العمال ج ٧ / ١١١ وج ٦ / ٢١٩ وميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ / ٧٢ ، وذخائر العقبى ص ٣٩.

٢٥٥

وأعدلهم ، وأبصرهم بالقضاء ، وأعظمهم عند الله مزية يوم القيامة» (١).

ملاحظة : لم يقل النبيّ عن أبي بكر أنه أبصر الصحابة بالقضاء ، بل حصر هذا بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، فإذا ثبت القضاء لأمير المؤمنين فأي حجة للرازي وأمثاله حينما أثبتوا الحق لأبي بكر دون السيّدة المعظّمة فاطمة عليها‌السلام ، وهل قال النبيّ لأبي بكر أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنا من عليّ ، وعليّ مني ، وأنت بضعة مني ويسخطني ما يسخطك ، ويؤذيني ما يؤذيك؟!

٢ ـ وعن حكيم بن جبير ، عن جميع بن عمير ، عن ابن عمر : أن رسول الله قال لعليّ : أنت أخي في الدنيا والآخرة (٢).

٣ ـ عن الشعبي مرفوعا إلى النبي قال : يا عليّ أنت وشيعتك في الجنّة. ثم عقّب الذهبي فقال : ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (٣).

أقول : إذا كان الحديث من الموضوعات بنظر الناصبي ابن الجوزي لكنّ الحديث له شواهد صحيحة بطرق متعددة رواها أجلّة القوم كالسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) في سورة البيّنة ، قال : وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل على عليّ عليه‌السلام فقال : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت الآية المتقدمة ، فكان أصحاب النبيّ إذا أقبل عليّ قالوا : جاء خير البرية (٤).

ـ وأخرج ابن عدي عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قال رسول الله لعليّ :

__________________

(١) ميزان الاعتدال ج ١ / ٣١٣ ح ١١٨١.

(٢) ميزان الاعتدال ج ١ / ٤٢١ ح ١٥٥٢.

(٣) ميزان الاعتدال ج ١ / ٤٢١ ح ١٥٥١.

(٤) تفسير الدر المنثور ج ٦ / ٦٤٣.

٢٥٦

«هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين» (١).

ـ وأخرج ابن مردويه عن الإمام عليّ عليه‌السلام قال :

قال لي رسول الله : ألم تسمع قول الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جئت (٢) الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين (٣).

ـ وروى الهيثمي بإسناده إلى عبد الله بن أبي قال :

إن الإمام عليّا عليه‌السلام أتي يوم البصرة بذهب وفضة فقال : ابيضي واصفري غري غيري ، غري أهل الشام غدا إذا ظهروا عليك ، فشق قوله ذلك على الناس فذكر ذلك له فأذّن في الناس فدخلوا عليه فقال : إن خليلي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

يا عليّ إنك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين ، ثم جمع يده إلى عنقه يريهم الإقماح ، قال ـ أي الهيثمي ـ رواه الطبراني في الأوسط (٤).

وأخرج الديلمي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

يا عليّ إنّ الله قد غفر لك ولذريتك وولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين (٥).

٤ ـ عن ابن عباس مرفوعا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : عليّ عيبة علمي (٦).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ / ٦٤٣ سورة البيّنة.

(٢) الأصح «جاءت» وما في المتن تصحيف.

(٣) الدر المنثور ج ٦ / ٦٤٣.

(٤) المجمع للهيثمي ج ٩ / ١٣١ وفضائل الخمسة للفيروزآبادي ج ٢ / ٩٤.

(٥) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩٦ ، والمراد من «الأنزع البطين» الأنزع من الشرك ، البطين بالإيمان كما ورد في نصوص معتبرة.

(٦) ميزان الاعتدال ج ٢ / ٣٢٧ ح ٣٩٥١.

٢٥٧

٥ ـ وعن أنس أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ : أنت تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي(١).

٦ ـ عن جابر مرفوعا إلى النبيّ قال :

يا عليّ ، لو أن أمتي أبغضوك لأكبّهم الله على مناخرهم في النار (٢).

٧ ـ وبالسند المتقدّم عن النبيّ قال :

يا عليّ ، ادن مني ، خمسك في خمس (٣) ، يا عليّ خلقت أنا وأنت من شجرة ، أنا أصلها وأنت فرعها ، والحسن والحسين أغصانها ، من تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنّة (٤).

عود على بدء :

فخلاصة الأمر فإنّ فدكا كانت خالصة لرسول الله لكونها مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وعلى هذا اتفاق عامة المؤرخين والمفسرين واللغويين (٥) ، ثم أعطاها النبيّ لبضعته الزهراءعليها‌السلام عوضا عن مهر أمها خديجة كما أشارت بعض النصوص (٦).

ومسألة المهر في التشريع الإسلامي يكون في ذمة الرجل في حالة عدم دفعه بعد وفاة الزوجة ، ولا بدّ من إعطائه للورثة الذين هم أبناء الزوجة ، لذا كانت مولاتنا فاطمة الوريث الوحيد لأمها الطاهرة خديجة في مهرها ، فأعطاها فدكا مقابل ذلك ، من هنا جاء في رواية أبي مريم قال : سمعت الإمام جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) نفس المصدر ج ٢ / ٣٢٨ ح ٣٩٥١.

(٢) ميزان الاعتدال ج ٣ / ٤١ ح ٥٥٢٣.

(٣) وفي نسخة : ضع خمسك في خمسي.

(٤) ميزان الاعتدال ج ٣ / ٤١ ح ٥٥٢٣.

(٥) راجع معجم البلدان ج ٤ / ٢٣٨ ولسان العرب ج ١٠ / ٢٠٣ ومجمع البحرين ج ٥ / ٢٠٣.

(٦) الخرائج والجرائح ج ١ / ١١٢ والبحار ج ٢٩ / ٥٥ ح ١٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ١ / ١٤٢.

٢٥٨

يقول : لما نزلت الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أعطى رسول الله فاطمة فدكا ، فقال ابان بن تغلب : رسول الله أعطاها؟ فغضب الإمام جعفر ثم قال : الله أعطاها (١).

وفي صحيحة ابان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكان رسول الله أعطى فاطمة فدكا؟

قال عليه‌السلام : كان لها من الله (٢).

فالله تعالى أمر النبيّ أن يعطي فدكا للسيّدة الزهراء عليها‌السلام فهي حق واجب عوضا عن مهر أمها ، ولم تكن من الصدقات المستحبة حتى يتصدق بها النبيّ على ابنته فاطمة ، ولو كانت من الصدقات لثبت ما ادعاه أبو بكر عليها بحديث اختلقه على النبيّ «إنا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة» ، وحاشاها أن تدّعي ما ليس لها ، فما تقوله السيدة الزهراء هو الحق وما دونها هو الباطل.

النقطة الثانية : الأدلة على أن فدكا للسيّدة الصدّيقة الزهراء عليها‌السلام.

يستدل على ذلك بوجوه ثلاثة :

الوجه الأول :

أن يد السيّدة المطهّرة فاطمة عليها‌السلام كانت عليها ، أي كانت متصرفة في فدك ولها عليها وكلاء (٣) في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما رويناه من النصوص المتقدمة قرينة أخرى على صحة هذا الوجه.

وعلى هذا الأساس فلا يجوز انتزاع فدك من يدها إلّا بدليل وبيّنة كما هو الحال في كل قضية تنازع عليها طرفان ، كل هذا إذا كان المدّعي إنسانا عاديا ، أما لو كان المدّعي فوق المستوى العادي كالسيّدة الزهراء صلوات الله عليها فكيف

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي ص ٢٣٩ ح ٣١٢ وأخرجه العياشي بسندين عن ابان عن الإمام الصادق ، والحسكاني في شواهد التنزيل.

(٢) تفسير العياشي ج ٢ / ٣١٠ ح ٤٨.

(٣) أصول الكافي ج ١ / ٥٤٣ ح ٥ كتاب الحجة باب الفيء والأنفال.

٢٥٩

يطلب الخليفة المزعوم منها البيّنة مع تصديق الكتاب العزيز لها ، فإذا كانت شهادة حذيفة بمثابة شاهدين تقبل دعواه في كل الشئون والقضايا والمنازعات التي يشترط فيها شاهدان ، فأولى للزهراء أن تقبل شهادتها لكونها المطهّرة بنص آية التطهير ولأنها بضعة أبيها ، وأن الله يسخط لسخطها ويرضى لرضاها.

ومع هذا فإن من كانت يده على شيء لا يطلب منه البيّنة ، لكنّ أبا بكر طلبها من الصدّيقة الزهراء عليها‌السلام مع أنها ذات يد ، فيكون قد ردّ كلام النبيّ «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر».

وليس على السيّدة المطهّرة أن تقيم البيّنة لأنها ذات يد ، لأن اليد إمارة الملكية.

الوجه الثاني :

أنّها عليها‌السلام كانت تملك فدكا بالنحلة والعطية والهبة من أبيها رسول الله ، والنصوص على ذلك كثيرة جدا تفوق حد التواتر (١).

الوجه الثالث :

أنها عليها‌السلام كانت تملك فدكا بالإرث من أبيها (٢) ، ولكنّ الحلف الثنائي خالفا هذه الوجوه ، فقد طالبوها بالبيّنة ، ثم بالشهود على النحلة ، ثم أنكروا وراثتها من أبيها.

ويحق لمولاتنا فاطمة عليها‌السلام أن تطالب بحقها بكلّ وجه من هذه الوجوه

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٢٩ / باب ١١ والاحتجاج ج ١ / ١١٩ والاختصاص ص ١٨٣.

(٢) بحار الأنوار ج ٢٩ والاحتجاج ج ١ / ١١٩ قرب الإسناد ص ٤٧ والاختصاص والكشكول فيما جرى على آل الرسول ص ٢٠٣ وصحيح البخاري ج ٣ / ٣٧٢ ح ٣٠٩٢ وح ٣٠٩٣ وج ٥ / ٣٠ ح ٤٠٣٤ وح ٤٠٣٥ وتاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٨ وصحيح مسلم ج ٥ / ٢٥ وجامع الأصول ج ١٠ / ٣٨٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ / ٣٠٠ ومسند فاطمة للسيوطي ص ١٥ ح ١٥ ومسند أحمد ج ١ / ١٣ وشرح النهج ج ١٦ / ٢٣٢.

٢٦٠