تراثنا ـ العددان [ 75 و 76 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 75 و 76 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

أمّا ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى ، من أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أوصى بكتاب الله ، فحقّ ، غير أنّه أبتر ، لأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أوصى بالتمسّك بثقليه معاً ، وعهد إلى أُمّته بالاعتصام بحبليه جميعاً ، وأنذرها الضلالة إن لم تستمسك بهما ، وأخبرها أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

وصحاحنا في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، وحسبك ممّا صحّ من طريق غيرهم ما أوردناه في المراجعة ٨ وفي المراجعة ٥٤».

فقيل :

في المراجعة ٦٧ لم يزد شيخ الأزهر عن التسليم بما جاء في المراجعة التي قبلها ، ورميه أهل السنّة وهو واحد منهم بالجهل ، ومن ثمّ طلب التعلّم من الموسوي ، وكأنّه تلميذ صغير أمام إمام كبير. فتأمّل هذا.

وفي المراجعة ٦٨ يفيض الموسوي بعلمه على هذا التلميذ الصغير مبيّناً أحاديث الوصيّة ، وحكم عليها بالتواتر قبل عرضها ، ولما كان حكمه لا يعول عليه ولا يعتد به ، لأنّ الرافضة ـ وهو أحد أعلامهم ـ من أكذب الناس وأجهلهم بالرواية والمروي ، ومقياس صحّة الرواية عندهم موافقتها لمذهبهم ، ولا قيمة للاسناد عندهم بل هم من أجهل الناس به. لهذا كلّه سنعرض إلى هذه الأحاديث إن شاء الله ونبيّن رأي أهل العلم بالحديث فيها.

١ ـ حديث : «هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» فقد مضى القول فيه في ردّنا على المراجعة رقم ٢٠ ، وتبيّن لنا من خلال آراء العلماء أنّه حديث موضوع. انظر تفصيل ذلك في ما سبق.

٤١

٢ ـ أمّا حديث بريدة : «لكلّ نبيّ وصيّ ووارث وإنّ وصيي ووارثي عليّ بن أبي طالب» والذي حاول الموسوي أنّ يصحّحه ويردّ تكذيب الذهـبي لهذا الحـديث ، فهو حديث ضعيف بسبب محمّد بن حميد الرازي.

قال الذهبي في ترجمة شريك بن عبد الله النخعي في ميزان الاعتدال ٣ / ٢٧٣ : محمّد بن حميد الرازي ـ وليس بثقة ـ حدّثنا سلمة الأبرش ، حدّثنا ابن إسحاق عن شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعاً : «لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ عليّاً وصيي ووارثي» ثمّ قال الذهبي عقب ذلك : هذا كذب ولا يحتمله شريك.

وإذا رجعنا إلى ترجمة محمّد بن حميد الرازي الذي حاول الموسوي توثيقه نجده ضعيفاً مضعفاً عند أئمّة الجرح والتعديل.

ففي ميزان الاعتدال ٤ / ٥٣٠ : محمّد بن حميد الرازي ، ضعّفه الذهبي ، وقال يعقوب بن شيبة : كثير المناكير ، وقال البخاري : فيه نظر ، وكذّبه أبو زرعة. وقال فَضْلك الرازي : عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث ، ولا أُحدّث عنه بحرف ، ولقد دخلت عليه وهو يركّب الأسانيد على المتون. وعن الكوسج قال : أشهد أنّه كذّاب. وقال صالح جزرة : ما رأيت أجرأ على الله منه : كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضه على بعض ، وما رأيت أحدق بالكذب منه. وقال ابن خِراش : حدّثنا ابن حميد وكان والله يكذب. وجاء عن غير واحد : أنّ ابن حميد كان يسرق الحديث. وقال النسائي : ليس بثقة. وقال أبو علي النيسابوري : قلت لابن خزيمة : لو أخذت الإسناد عن ابن حميد فإنّ أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه! قال : إنّه لم يعرفه ، ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً.

٤٢

فإذا كان أهل الصنعة قد ضعّفوا محمّد بن حميد فكيف يكون ثقة؟! وكيف تكون روايته صحيحة؟! ولو سلّمنا بتوثيق ابن معين له ، فإنّ رأي المجروحين أوْلى بالاعتبار لكثرتهم ومزيد علمهم. وبرغم هذا فقد صحّح الموسوي هذه الرواية بل واعتبرها متواترة لا لشيء إلاّ لأنّها توافق مذهبه. فتأمّل هذا تجده واضحاً.

٣ ـ أمّا حديث سلمان الفارسي : «إنّ وصيي وموضع سرّي وخير مَن ترك بعدي ... الحديث» فقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله بهذا الحديث أربع طرق. ثمّ قال : هذا حديث لا يصحّ.

أمّا الطريق الأوّل : ففيه إسماعيل بن زياد ; قال ابن حبّان : لا يحلّ ذكره في الكتب إلاّ على سبيل القدح فيه. وقال الدارقطني : متروك. وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ : أكثر رواة هذا الحديث مجهولون وضعفاء.

وأمّا الطريق الثاني : ففيه مطر بن ميمون ; قال البخاري : منكر الحديث. وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث. وفيه جعفر وقد تكلّموا فيه.

وأمّا الطريق الثالث : ففيه خالد بن عبيد ; قال ابن حبّان : يروي عن أنس نسخة موضوعة ، لا يحلّ كتب حديثه إلاّ على جهة التعجّب.

وأمّا الطريق الرابع : فإنّ فيه قيس بن ميناء ; من كبار الشيعة ولا يتابع على هذا الحديث. وفي الميزان : قيس بن ميناء ، عن سلمان الفارسي بحديث : علي وصيي ، وهو كذّاب. انظر : رياض الجنّة : ١٥٧ ـ ١٥٨.

٥ ـ أمّا حديث أنس : «أوّل من يدخل عليك هذا الباب إمام المتّقين ... الحديث» رواه أبو نعيم في الحلية ، وقال في الميزان : هذا الحديث موضوع ، وقد روى هذا الحديث جابر بن يزيد بن الحارث

٤٣

الجعفي الكوفي ، أحد علماء الشيعة.

قال الإمام مسلم في صحيحه : حدّثنا أبو غسّان محمّد بن عمرو الرازي ، قال : سمعت جريراً يقول : لقيت جابر الجعفي فلم أكتب عنه ، كان يؤمن بالرجعة.

وقال جرير بن عبد الحميد لثعلبة : لا تأتِ جابراً فإنّه كذّاب. وقال النسائي : متروك. وقال يحيى : لا يكتب حديثه ولا كرامة. وقال زائدة : هو كذّاب ، يؤمن بالرجعة. وقال سفيان : كان يؤمن بالرجعة. وروى الحميدي عن سفيان : سمعت رجلاً سأل جابراً الجعفي عن قوله : (فلن أبرح الأرضَ حتّى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي) (١) قال : لم يجيء تأويلها. قال سفيان : كذب. قلت : وما أراد بهذا؟ قال : الرافضة تقول : إنّ عليّاً في السماء لا يخرج مع من يخرج من ولده حتّى ينادي مناد من السماء : اخرجوا مع فلان. يقول جابر : هذا تأويل هذه الآية ، لا تروي عنه ، كان يؤمن بالرجعة ، كذب بل كانوا إخوة يوسف. وقال زائدة أيضاً : جابر الجعفي : رافضي يشتم أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. انظر : الميزان ١ / ٣٧٩.

٦ ـ أمّا حديث أبي أيوب : «يا فاطمة! أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطلّع إلى أهل الأرض فاختار منهم أباك نبيّاً ، ثمّ اطلّع الثانية فاختار بعلك .. الحديث» فهو حديث ضعيف بسبب عباية بن ربعي ; فهو شيعي غال. هامش مسند الإمام أحمد ٥ / ٣١.

قال الذهبي في ترجمة عباية بن ربعي من الميزان قال : عباية بن

____________

(١) سورة يوسف ١٢ : ٨٠.

٤٤

ربعي عن علي ، وعنه موسى بن طريف ، كلاهما من غلاة الشيعة. له عن علي : أنا قسيم النار. الميزان ٣ / ٣٨٧.

أرأيت ـ أخي المسلم ـ إلى هذه الآثار التي ساقها الموسوي وعدّها أحاديث متواترة ، وهي بين موضوع وضعيف بيّن الضعف ، كما حكم عليها أهل العلم بالحديث. فتنبّه لهذا أخي المسلم فهذا هو مذهب الموسوي. فلا تعجب.

ثمّ إنّ الموسوي أعظم على الله الفرية يوم أن اتّهم قوماً من الصحابة بالنفاق والحسد ، وساق كلاماً لم يذكره أحد من أهل العلم في كتاب ، حيث قال عن هؤلاء : «وبعثوا نساءهم إلى سيّدة نساء العالمين ينفّرنها فكان ممّا قلن لها : إنّه فقير ليس له شيء ... إلى آخر هذه الفرية».

ولا شكّ أنّه كان يقصد من وراء هذه الفرية أن يلصق تهمة النفاق والحسد بالشيخين أبي بكر وعمر ، اللذين تقدّما لخطبة فاطمة رضي الله عنها ، قبل أن يخطبها علي رضي الله عنه لنفسه ، بدليل أنّه ساق في التعليق الروايات التي تثبت هذه القضية.

والجواب على هذا الاتّهام :

أوّلاً : ليس غريباً على الموسوي أن يقذف الشيخين بالكفر والنفاق ، وأن يكرّر هذا في كلّ مناسبة ، فهذه عقيدة الرافضة في أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم.

ثانياً : أنّ رواية زواج فاطمة من علي التي ساقها الموسوي ، قد أشار الذهبي في ترجمة محمّد بن دينار من الميزان أنّها كذب ، فقال : أتى بحديث كذب ، ولا يُدرى من هو. وبذلك تكون الرواية ضعيفة لجهالة محمّد بن دينار وكذبه.

٤٥

ثالثاً : على فرض صحّتها. فليس فيها ما يدلّ على النفاق والحسد. إذا علمنا أنّ الروايات متّفقة على تقدّم أبي بكر وعمر لخطبة فاطمة قبل أن يخطبها عليّ لنفسه ، ولو كان الأمر بعكس هذا لأمكن أن يكون لكلام الموسوي وجه من الصحّة.

ثمّ إنّ الروايات متّفقة على حثّ أبي بكر وعمر لعليّ رضي الله عنه أن يخطبها لنفسه بعد أن لم يجبهما النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على خطبتهما لفاطمة رضي الله عنها ، وفعلهما هذا ينفي عنهما ما اتّهمهما به الموسوي من النفاق والحسد نفياً قاطعاً ، بل يثبت محبّتهما لعليّ رضي الله عنه وأنّهما يحبّان له ما يحبّانه لنفسيهما. فتأمّل هذا.

فعن أنس كما عند ابن أبي حاتم ولأحمد نحوه ، قال : جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فسكت ، ولم يرجع إليهما شيئاً ، فانطلقا إلى عليّ رضي الله عنه يأمرانه بطلب ذلك ، قال علي : فنبّهاني لأمر فقمت أجرّ ردائي حتّى أتيت إلى النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فقلت : تزوّجني فاطمة؟ قال : وعندك شيء؟ قلت : فرسي ، وبُدْني. فقال : أمّا فرسك فلا بدّ لك منها ، وأمّا بُدْنُك فبعها. فبعتها بأربعمائة وثمانين فجئته بها فوضعها في حجره ، فقبض منها قبضة فقال : أي بلال ابتع لنا بها طيباً ، وأمرهم أن يجهّزوها .. إلى آخر الرواية.

رابعاً : إنّ ما رواه من أنّهم أرسلوا نساءهم إلى فاطمة لينفّروها من الزواج من عليّ ـ محض كذب وافتراء ـ لم يأت في شيء من المصنّفات أو الكتب المعتبرة عند أهل العلم.

والرواية التي ساقها الموسوي وأخرجها الخطيب في المتّفق بسنده إلى ابن عبّاس : «أما ترضين أنّ الله اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما

٤٦

أبوك ، والآخر بعلك» قال الذهبي في تلخيصه : بل موضوع على سريج بن يونس.

وساق رواية أبي الصلت عبد السلام بن صالح ، ثنا عبد الرزّاق ، ثنا معمر ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قالت فاطمة : زوّجتني من عائل لا مال له. فذكر نحوه. قال الذهبي : والآخر كذاب. المستدرك ٣ / ١٢٩.

أضف إلى هذا فإنّ مجرّد العزو إلى الخطيب مشعر بضعف الراوية ، كما ذكر ذلك في مقدّمة المنتخب. انظر ما هو على هامش مسند الإمام أحمد ١ / ٩.

أمّا رواية معقل بن يسار : أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عاد فاطمة في مرض أصابها على عهده ، فقال لها : كيف تجدينك؟ قالت : والله لقد اشتدّ حزني ، واشتدّت فاقتي ، وطال سقمي» إلى هذا الحد من الحديث هي رواية ضعيفة بسبب خالد بن طهمان ، فقد ضعّفه ابن معين ، وقال أبو حاتم : من عتق الشيعة.

وعلى فَرْضِ صحّته فليس هذا هو موطن الشاهد في الحديث ، والشاهد هو الزيادة التي زادها الموسوي في الحديث : وهي قوله : قال : «أوَ ما ترضين أنّي زوّجْتُكِ أقدم أُمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً» وهذه الزيادة ليست من الحديث ، وإنّما هي من رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه وجادة ، كما هو مصرّح به في مسند الإمام أحمد ٥ / ٢٦. قال أبو عبد الرحمن : وجدت في كتاب أبي بخطّ يده في هذا الحديث قال : أو ما ترضين ... الحديث.

ولو سلّمنا بهذه الزيادة ، فليس فيها ما يزيد على فضل عليّ رضي الله

٤٧

عنه ، ولا دليل فيها على أولوية عليّ بالخلافة والإمامة. فتأمّل هذا.

١ ـ أين هي وصيّة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم؟ وهل ثبتت حتّى تجحد؟ إنّ من أمعن النظر في الأحاديث التي ساقها هذا الرافضي في هذه المراجعة يجدها أحاديث مكرّرة سبق ذكرها في مراجعات سابقة ، ونحن بدورنا قد بيّنا كلام أهل العلم بالحديث في هذه الأحاديث ، فلا نرى حاجة هنا في إعادة الكلام مرّة ثانية ، فمن أراد معرفة ذلك فليرجع إلى ردودنا السابقة.

وخلاصة القول في هذه الأحاديث أنّها أحاديث هالكة ، لا تعدو أن تكون ضعيفة بيّنة الضعف ، أو موضوعة مكذوبة. وما صحّ منها فليس فيه دلالة على مدّعى الموسوي ، وإنّما هي أحاديث تدلّ على فضائل عليّ رضي الله عنه ليس إلاّ ، وعند أهل السُنّة ما هو أقوى منها وأصحّ في فضل هذا الصحابي الجليل ، وفي فضل أهل البيت والعترة الطاهرة.

٢ ـ وقول الموسوي : أمّا أهل المذاهب الأربعة فإنّما أنكرها منهم المنكرون ، لظنّهم أنّها لا تجتمع مع خلافة الأئمّة الثلاثة. فقد أراد بهذا القول أن يبيّن السبب الذي حمل أهل السُنّة والجماعة على إنكار أحاديث الوصيّة ، ثمّ صرح بالسبب فقال : «لظنّهم أنّها لا تجتمع مع خلافة الأئمّة الثلاثة».

فالجواب على هذا القول : بأنّ أهل السُنّة والجماعة يعتقدون أنّ أحاديث الوصيّة بواطيل من أباطيل وأكاذيب الرافضة ، ولم يصحّ منها حديث ، كما سبق بيانه ، ولهذا لم يأخذوا بها ، ولو صحّ منها شيء لما أنكروه بدعوى معارضتها لإمامة أبي بكر وعمر وعثمان.

إنّ أهل السُنّة والجماعة لا يردّون النصوص تعصبّاً للرجال ، كما تفعل

٤٨

الرافضة ، وإنّما يتمسّكون بنصوص القرآن ، والصحيح من أحاديث النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، ويضربون بآراء الرجال عرض الحائط عند تصادمها في ما يتمسّكون به.

ولا أدلّ على كذب هذه الأحاديث من ردّ الصحابة لها ، ومن عدم تصريح عليّ بواحد منها سواء قبل خلافته أو بعدها.

قال القرطبي : كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أوصى بالخلافة لعليّ ، فردَّ عليهم جماعة من الصحابة ذلك ، وكذا من بعدهم ، فمن ذلك ما استدلّت به عائشة ، ومن ذلك أنّ عليّاً لم يدّعِ ذلك لنفسه ، ولا بعد أن ولي الخلافة ، ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة ..

وهؤلاء ـ أي الشيعة ـ تنقّصوا عليّاً من حيث قصدوا تعظيمه ، لأنّهم نسبوه ـ مع شجاعته العظمى وصلابته في الدين ـ إلى المداهنة والتقية والإعراض عن طلب حقّه مع قدرته على ذلك. انتهى. فتح الباري ٥ / ٣٦١ ـ ٣٦٢.

بل ثبت أنّه عليه الصلاة والسلام قد أوصى بأُمور في مرض موته الذي دام بضع عشرة يوماً ، فوعاها الصحابة عنه ونقلوها لنا وليس فيها استخلاف لأحد ، كما صرّحت بذلك السيدة عائشة ، وغيرها من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بما في ذلك عليّ رضي الله عنه.

وأخرج أحمد وابن ماجة عن ابن عبّاس في أثناء حديث فيه أمر النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه أبا بكر أن يصلّي بالناس ، قال في آخر الحديث : «مات رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ولم يـوص».

٤٩

وعن عمر رضي الله عنه : «مات رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ولم يستخلف».

وأخرج أحمد والبيهقي في «الدلائل» عن عليّ أنّه لمّا ظهر يوم الجمل قال : «يا أيّها الناس! إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئاً».

وفي المغازي لابن إسحاق عن عبيد الله بن عتبة ، قال : «لم يوص رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عند موته إلاّ بثلاث : لكلّ من الداريين والرهاويين والأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان ، وأن ينفذ بعث أُسامة».

وأخرج مسلم في حديث ابن عبّاس : «وأوصى بثلاث : أن تجيزوا الوفد بنحو ما كنت أُجيزه» ..

وفي حديث ابن أبي أوفى : «أوصى بكتاب الله».

وفي حديث أنس عند النسائي وأحمد ، وابن سعد واللفظ له : «كانت عامّة وصيّة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم». انتهى. فتح الباري ٥ / ٣٦٢.

ثمّ إنّ الموسوي ردّ حديث عبد الله بن أبي أوفى الذي أخرجه البخاري بدافع التعصّب والهوى ، ولمجرّد مخالفته لمذهبه ، ولم يكتف بهذا حتّى اتّهم هذا الصحابي الجليل بالنفاق والمداهنة للسلطة ; فقال : فإنّ هذا الحديث غير ثابت عندنا على أنّه من مقتضيات السياسة وسلطتها.

ثمّ عاد مرّة ثانية ليناقض نفسه بنفسه ليثبت صحّة هذه الرواية ; فقال : أمّا ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى من أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أوصى بكتاب الله فحقّ غير أنّه أبتر. فتأمّل هذا تجد تناقض

٥٠

الموسوي واضحاً.

وقد استدلّ الموسوي على صحّة الوصيّة بالعقل والوجدان.

والجواب على هذا : إنّ الوصيّة حكم شرعي لا يثبت إلاّ بالنصّ الصحيح القطعي الدلالة ، والعقل والوجدان لا يصلحان بقليل ولا كثير لإثبات الأحكام.

أقول :

لقد استدلّ أو استشهد السيّد رحمه الله ـ بعد الإشارة إلى تواتر نصوص الوصيّة عن أئمّة العترة الطاهرة ـ بأحاديث من كتب أهل السنّة ، وهذا بعض الكلام في تشييد كلامه وتبيين مرامه ..

(فمنها) : حديث الدّار يوم الإنذار.

وهو من أقوى أدلّة الوصيّة وإمامة سيّد العترة أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد أوضحنا سابقاً ثبوته سنداً ووجه الاستدلال به ; فراجع المراجعة رقم ٢٠ ولا نعيد ..

(ومنها) : حديث ابن بريدة عن أبيه.

وقد أخرجه الحافظ ابن عساكر ، قال : «أخبرنا أبو عبد الله الفراوي وأبو محمّد السيّدي وأبو القاسم الشحامي ، قالوا : أنا أبو سعد الجنزرودي ، أنا عبد الوهّاب بن محمّد بن عبد الوهّاب الرازي ، نا يوسف ابن عاصم الرازي ، نا محمّد بن حميد ، نا علي بن مجاهد ، عن محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله النخعي ، عن أبي ربيعة الأيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه : أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً ووارثاً ، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي.

٥١

أخـبرناه أبو القاسـم ابن السمرقـندي ، أنا أبو الحسـين ابن النقور ، أنا أبو القاسم عيسى بن علي ، أنا أبو القاسم البغوي ، نا محمّد بن حميد الرازي ، نا علي بن مجاهد ، نا محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «لكلّ نبي وصيّ ووارث وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي» (١).

وأخرجه الحافظ ابن عدي ; إذ قال بترجمة شريك بن عبد الله النخعي : «قد روى عنه من الأجلاّء : محمّد بن إسحاق صاحب المغازي و ...» قال : «فأمّا حديث محمّد بن إسحاق ، فحدّثنا محمّد بن منير ، ثنا علي بن سهل ، ثنا محمّد بن حميد ، ثنا سلمة ، حدّثني محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : لكلّ نبيّ وصيٌّ ووارث ، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي» (٢).

وأخرجه الحاكم النيسابوري في تاريخه كما في تنزيه الشريعة (٣) وسنذكره بالإسناد من كتاب الموضوعات

. وأخرجه أبو القاسم البغوي ، وقد عرفت إسناده من رواية ابن عساكر ورواه الحافظ محبّ الدين الطبري عن معجم الصحابة له (٤).

____________

(١) تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٢.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال ٧ / ٢١.

(٣) تنزيه الشريعة الغرّاء ١ / ٣٥٦.

(٤) الرياض النضرة في مناقب العشرة ٢ / ١٧٨.

٥٢

أقول :

قد تكلّم في هذا الحديث ; لأنّ فيه : «محمّد بن حُميد الرازي» ، فمن هو هذا الرجل؟

قال المزّي : «روى عنه : أبو داود والترمذي وابن ماجة».

ثمّ ذكر في الرواة عنه : أحمد بن حنبل ، ومحمّد بن يحيى الذهلي ، ويحيى بن معين ، وعبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي ، ومحمّد بن إسحاق الصاغاني ، ومحمّد بن جرير الطبري ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ...».

ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ (١).

وقال الخطيب البغدادي : «قدم بغداد وحدّث بها عن ... روى عنه : أحمد بن حنبل ، وابنه عبد الله بن أحمد ، والحسن بن علي بن شبيب المعمري ، وأحمد بن علي الأبار ، وعبد الله بن محمّد البغوي ، ومحمّد ابن محمّد الباغندي ، وغيرهم ...» ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ له (٢).

وقال ابن عدي : «محمّد بن حميد : أبو عبد الله الرازي ، حدّثني محمّد بن ثابت ، سمعت بكر بن مقبل يقول : سمعت أبا زرعة الرازي يقول : ثلاثة ليس لهم عندنا محاباة ، فذكر فيهم محمّد بن حميد.

سمعت محمّد بن إبراهيم المنقري يقول : سمعت فضلك الصائغ يقول : قال أبو زرعة الرازي : سمعت أبا عبد الله محمّد بن حميد وكان عندي ثقة. ذكره في قصّة.

____________

(١) تهذيب الكمال ٢٥ / ٩٩.

(٢) تاريخ بغداد ٢ / ٢٥٩.

٥٣

حدّثنا الجنيدي ، ثنا البخاري ، قال : محمّد بن حميد الرازي عن يعقوب القمّي وجرير ، فيه نظر.

سمعت ابن حمّاد يقول : قال السعدي : محمّد بن حميد الرازي كان رديء المذهب ، غير ثقة.

ثنا القاسم بن زكريا ، ثنا محمّد بن حميد ، حدّثنا علي بن مجاهد وحكام وهارون ، عن عنبسة ، عن أبي هشام الواسطي ، عن ميمون بن سياه ، عن أنس ، عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في قوله : (سدرة المنتهى) (١) ، قال : شجرة نبق.

حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد العزيز بن أحمد ، ثنا محمّد بن حميد ، ثنا جرير ، عن سليمان بن أرقم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر : أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقرأ : (ومَن عنده علم الكتاب) (٢) ، وسمعته يقول : (بل هو آيات بيّنات في صدور الّذين أُوتوا العلمَ) (٣).

ثنا إسماعيل بن حمّاد أبو النضر ، ثنا محمّد بن حميد ، حدّثنا هارون ابن المغيرة ، عن عنبسة بن سعيد ، عن سالم الأفطس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : إنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : قوموا فصلّوا على أخيكم النجاشي. فصفّوا خلفه كما يصفّون على الجنازة ، وكبّر عليه أربعاً.

قال الشيخ : وتكثر أحاديث ابن حميد التي أُنكرت عليه إنْ ذكرناها ،

____________

(١) سورة النجم ٥٣ : ١٤.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٤٣.

(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ٤٩.

٥٤

على أنّ أحمد بن حنبل قد أثنى عليه خيراً ، لصلابته في السنّة» (١).

وإنّما ذكرت كلام ابن عدي بتمامه لأُمور :

الأوّل : إنّه قد أورد حديث الوصيّة بترجمة شريك ، ولم يورده بترجمة محمّد بن حميد ، مع أنّه قد أورد أحاديث أُخر.

والثاني : إنّه قد استشهد بحديث الوصيّة لرواية محمّد بن إسحاق عن شريك ، ولم يذكر حديثاً آخر ـ بخلاف غير ابن إسحاق من الرواة عن شريك ، فذكر أكثر من حديث ـ وذلك ظاهر في أنّ لا رواية له عنه غيرها ، فلو كان حديث الوصيّة موضوعاً لَما استشهد به على كون شريك من مشايخ ابن إسحاق.

والثالث : إنّ ابن عدي لم يقدح في محمّد بن حميد ، بل إنّ كلمته في آخر كلامه بترجمته ظاهرةٌ في المدح ، غير أنّ في أحاديثه ما أُنكر عليه.

وبعد ..

فإنّ الرجل قد تضاربت آراء العلماء فيه ; ففي تهذيب الكمال : «قال أبو قريش محمّد بن جمعة بن خلف الحافظ : قلت لمحمّد بن يحيى الذهلي : ما تقول في محمّد بن حميد؟

قال : ألا تراني؟! هو ذا أُحدّث عنه.

قال : وكنت في مجلس أبي بكر الصاغاني محمّد بن إسحاق ، فقال : حدّثنا محمّد بن حميد.

فقلت : تحدّث عن ابن حميد؟!

____________

(١) الكامل في الضعفاء ٧ / ٥٢٩ ـ ٥٣٠.

٥٥

فقال : وما لي لا أُحدّث عنه ، وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين؟!» ..

وقال النسائي : ليس بثقة ..

وقال البخاري : حديثه فيه نظر ..

قال الجوزجاني : رديء المذهب ، غير ثقة.

ولدى التحقيق يظهر : أنّ الموثّقين له أكثر وأكبر ممّن تكلّم فيه ، لا سيّما وأنّ المنقول عن البخاري : «حديثه فيه نظر» ، فليس النظر فيه نفسه ، كما أنّ مفاد كلام الجوزجاني هو الطعن في مذهبه ، لكنّ المنقول عن أحمد أنّه قد أثنى عليه خيراً «لصلابته في السنّة» ; فكيف الجمع بين هذا وكونه رديء المذهب؟!

بل لقد وقع التضارب بين رأي أحمد ورأي البخاري في حديثه ; ففي الكامل عن البخاري : «محمّد بن حميد الرازي عن يعقوب القمّي وجرير ، فيه نظر» ، لكنْ في تاريخ بغداد عن أحمد : «أمّا حديثه عن ابن المبارك وجرير ، فهو صحيح» ..

وفي الكامل : «على أنّ أحمد بن حنبل قد أثنى عليه خيراً لصلابته في السنّة» ، لكنْ في الميزان : «قال أبو علي النيسابوي : قلت لابن خزيمة : لو أخذت الإسناد عن ابن حميد ; فإنّ أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه؟ قال : إنّه لم يعرفه ، ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً».

بل لقد نسبت الآراء المتضاربة إلى الواحد منهم ; ففي الكامل : «عن فضلك الصائغ ، عن أبي زرعة ، أنّه وثّق محمّد بن حميد» ، لكنْ في الميزان : «كذبّه أبو زرعة»!!

٥٦

وتلّخص :

١ ـ إنّ محمّد بن حميد الرازي من رجال ثلاثة من الصحاح السـتّة ..

٢ ـ إنّه من مشايخ عدّة كبيرة من الأئمّة الأعلام الّذين لا تجوز نسبة الرواية عن الكذّابين إليهم ، وإلاّ لتوّجه الطعن عليهم.

٣ ـ إنّه قد وثقه غير واحد من الأئمّة المرجوع إليهم عندهم في الجرح والتعديل.

٤ ـ إنّ كلمات القوم في الأكثر ترجع إنكار بعض أحاديث الرجل.

٥ ـ نعم ، قد طعن فيه الجوزجاني ، لكنّه من مشاهير النّواصب (١) ، وطعن فيه أيضاً ابن خراش ، الذّي كذب حديث «إنّا معاشر الأنبياء ...» وخرَّج مثالب أبي بكر وعمر (٢).

٦ ـ إنّ الرجل بريء من تلك الأحاديث التي أنكروها عليه ; ولذا قال المزّي في تهذيب الكمال : «قال أبو بكر بن أبي خيثمة : سئل يحيى بن معين عن محمّد بن حميد الرازي؟

فقال : ثقة ليس به بأس ، رازي كيّس.

وقال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي : سمعت يحيى بن معين يقول : ابن حميد ثقة ، وهذه الأحاديث التي يحدّث بها ليس هو من قبله ، إنّما هو من قبل الشيوخ الّذين يحدّث عنهم».

وحديث الوصيّة ليس منها ; لأنّه قد ذكر ـ في الكامل وتبعه في الميزان ـ بترجمة «شريك القاضي» وهو من شيوخه الثقات ، وهنا تحيّر

____________

(١) تذكرة الحفّاظ ، المجلّد الأول : ٥٤٩ ، تهذيب التهذيب ١ / ١٥٩.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٥٠٩.

٥٧

الذهبي ; فكذّب بالحديث زوراً وبهتاناً ، ثمّ قال : «ولا يحتمله شريك».

قلت :

ولماذا لا يحتمله شريك ، وقد رويتم عنه بالأسانيد أنّه روى عن أبي إسحاق ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال : «عليّ خير البشر ، فمَن أبى فقد كفر»؟!

قال ابن عدي : «وقول شريك رواه رجل من أهل الكوفة يقال له : الحرّ بن سعيد ، وقد رواه عن الحرّ غير واحد. وروى عنه أحمد بن يحيى الصوفي وقال : ثنا الحرّ بن سعيد النخعي ـ وكان من خيار الناس ـ» (١).

فظهر : أنّه ليس الراوي عنه بعض الكذّابين ، كما زعم الذهبي ذلك زوراً وبهتاناً (٢).

تتمّـة :

إنّ لحديث بريدة طرقاً عديدة ، كما عرفت ، ومنها طريق الحاكم ـ وليس فيه محمّد بن حميد ـ وقد أخرجه ابن الجوزي ; إذ قال :

«أنبأنا زاهر بن طاهر ، قال : أنبأنا أبو بكر البيهقي ، قال : أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، قال : أنبأنا محمود بن محمّد أبو محمّد المطوعي ، قال : حدّثنا أبو حفص محمّد بن أحمد بن رازبة ، قال : حدّثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الله الفرياناني ، قال : حدّثنا سلمة بن الفضل ، عن محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة

____________

(١) الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ١٤ ـ ١٥.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٥٨

الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «إنّ لكلّ نبي وصيّاً ووارثاً ، وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب».

قال ابن الجوزي : «الفرياناني ; قال ابن حبّان : كان يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم ..

وفيه : سلمة ; قال ابن المديني : رمينا حديث سلمة بن الفضل» (١).

أمّا صاحب تنزيه الشريعة فلم يقل إلاّ : «حديث : لكلّ نبيّ وصيّ وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي (حا) من طريق أحمد بن عبد الله الفرياناني» (٢).

للبحث صلة ...

____________

(١) كتاب الموضوعات ١ / ٣٧٦.

(٢) تنزيه الشريعة الغرّاء ١ / ٣٥٧.

٥٩

عدالة الصحابة

(١٢)

الشيخ محمّد السند

بين عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدالة الصحابة

هناك جملة من الموارد قد شاقق فيها الثاني النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وخالفه ، ويدور الاعتراض والخلاف بين كونه قدحاً ; لأنّه ردّ على الله ورسوله ، وبين كونه إنكاراً لعصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; للمحافظة على دفع الطعن على الثاني تحت شعار عدالة الصحابة ، فترتقي العدالة إلى مدافعة عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهي إذاً عصمة باسم العدالة ، بل جعلت تلك الموارد مقاماً وفضيلة للثاني ، وأنّه قد نزل الوحي الإلهي بذلك ـ والعياذ بالله تعالى ـ ..

وهذا الزعم ينطوي على تصوّرات ومعتقدات ومزاعم أُخرى :

الأوّل : إنكار عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في التدبير التشريعي والسياسي للأُمّة ، وأنّه يتكلّف الرأي!!

الثاني : إنّ للأُمّة الردّ والمخالفة لأحكامه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجال التدبير ، بعد رفع شعار الفتنة : «إنّها اجتهادات وظنون» ، وأنّ للآخرين الاجتهاد فيها ، وبالتالي فهم قد يصلون إلى ظنون أقوى أو أصوب!!

٦٠