تراثنا ـ العددان [ 75 و 76 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 75 و 76 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل ، فقال لها : (سبحان الذي خلقك) ، وإنّما أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم : إنّ الملائكة بنات الله ، فقال الله : (أفأصفاكم ربُّكم بالبنينَ واتّخذ من الملائكة إناثاً إنّكم لتقولونَ قولا عظيماً) (١) ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لمّا رآها تغتسل ـ : (سبحان الذي خلقك) أن يتّخذ ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال.

فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوله لها : سبحان الذي خلقك ، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك ، وظنّ أنّه قال ذلك لِما أعجبه من حسنها ، فجاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله! إنّ امرأتي في خلقها سوء ، وإنّي أُريد طلاقها.

فقال له النبيّ : أمسك عليك زوجك ، واتّقِ الله.

وقد كان الله عرّفه عدد أزواجه ، وأنّ تلك المرأة منهن ، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد ، وخشي الناس أن يقولوا : إنّ محمّداً يقول لمولاه : إنّ امرأتك ستكون لي زوجة ، فيعيبوه بذلك ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) ، يعني بالإسلام ، (وأنعمت عليه) ، يعني بالعتق ، (أمسك عليك زوجك واتّقِ الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه).

ثمّ إنّ زيد بن حارثة طلّقها ، واعتدّت منه ، فزوّجها الله عزّ وجلّ من نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنزل بذلك قرآناً ; فقال عزّ وجلّ : (فلمّا قضى زيد منها وطراً زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطراً وكان أمر الله مفعولا) (٢).

____________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ٤٠.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٧.

١٠١

ثمّ علم الله عزّ وجلّ أنّ المنافقين سيعيبوه ; فأنزل الله : (ما كان على النبيّ من حرج في ما فرض الله له) (١)».

فقال المأمون : لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله ، وأوضحت لي ما كان ملتبساً ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيراً (٢).

ونظير ذلك : ما روي عن الصادق (عليه السلام) : «إنّ الله بعث نبيّه بـ : إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة» (٣) ، ومثّل المفسّرون لذلك بموارد عديدة ، مثل : قوله تعالى : (فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك) (٤).

وقوله تعالى : (يا أيّها النبيّ إذا طلّقتم النساء) (٥).

و : (يا أيّها النبيُّ اتّقِ اللهَ ولا تُطِع الكافرينَ) (٦).

و : (لئن أشركتَ ليحبطنّ عملك).

و : (ءأنت قلت للناس) في شأن عيسى (عليه السلام).

و : (ولئن اتّبعْتَ أهواءَهُم) (٧).

و : (لا تجعلْ مع الله إلهاً آخَرَ) (٨).

إلى غير ذلك من الوجوه ، التي يطول المقام بذكرها ، إلاّ أنّ المتعيّن هو التمسّك بالمحكم وحمل المتشابه عليه.

____________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٨.

(٢) الاحتجاج ـ للطبرسي ـ ٢ / ٢٢٣.

(٣) بحار الأنوار ٩ / ٢٢٢.

(٤) سورة يونس ١٠ : ٩٤.

(٥) سورة الطلاق ٦٥ : ١.

(٦) سورة الأحزاب ٣٣ : ١.

(٧) سورة البقرة ٢ : ١٢٠ و ١٤٥ ، سورة الرعد ١٣ : ٣٧.

(٨) سورة الإسراء ١٧ : ٢٢.

١٠٢

ومن ذلك : تمسكهم بقوله تعالى : (عبس وتولّى * أن جاءه الأعمى) ..

قال الطبرسي في مجمع البيان ، والسيّد المرتضى : ليس في ظاهر الآية دلالة على توجّهها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل هو خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه ، وفيها ما يدلّ على أنّ المعني به غيره ; لأنّ العبوس ليس من صفات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الأعداء المباينين ، فضلا عن المؤمنين المسترشدين.

ثمّ الوصف بأنّه يتصدّى للأغنياء ، ويتلهّى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة ، ويؤيّد هذا القول : قوله سبحانه في وصفه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (وإنّك لعلى خُلُق عظيم) ، وقوله : (ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانْفضّوا من حولك).

فالظاهر أنّ قوله : (عبس وتولّى) المراد به غيره ، وقد روي عن الصادق (عليه السلام) : «إنّها نزلت في رجل من بني أُمية ، كان عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء ابن أُمّ مكتوم ، فلمّا رآه تقذّر منه وجمع نفسه ، وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه» (١).

وروي أنّ العابس هو : عثمان (٢).

ثاني عشر : تمسّكهم بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّكم لتختصمون إليّ ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فمَن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه ، فإنّما أقطع له قطعة من النار» ، وذلك يدلّ على أنّه يقضي بما لا يكون حقّاً في نفس الأمر.

____________

(١) مجمع البيان ٥ / ٤٣٧.

(٢) نور الثقلين ٥ / ٥٠٨.

١٠٣

ولا يخفى تمويه هذا الاستدلال على الحقيقة ..

* أوّلا : فإنّ تعبيرهم : «يقضي بما لا يكون حقّاً في نفس الأمر» يحمل في طياته شنيع الطعن على مقام النبوة ; فإنّ ميزان الحكم بالحقّ في باب القضاء هو كون الحكم القضائي قد صدر على الموازين المقرّرة من قبل الشريعة المقدّسة ، والحكم بالباطل هو الحكم الذي يصدر عن غير الموازين المقرّرة وإن أصاب الواقع ، كما في الحديث الشريف : «القضاة أربعة ، ثلاثة في النار وواحد في الجنّة ... ورجل قضى وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة» (٢).

* ثانياً : إن إصابة البينة للواقع ، أو موازين القضاء ـ من كيفية صورة النزاع بين الطرفين بحيث يصيغ أحدهما زعمه بصورة المنكر والآخر بصورة المدّعي ـ وعدم إصابتها ، لا ربط له بحكم الحاكم والتشريع القضائي نفسه ، أو كون الحاكم ظانّ في حكمه ، أو وصوله للحكم القضائي ; هل هو عن طريق الاجتهاد والاستنتاج الظنّي ، أم هو عن طريق الإحاطة اليقينية اللدنية بجميع منظومة التشريعات الشرعية؟!

فهل يتخيل أُولئك أنّ إدراك مَن له شهود روحي ملكوتي بكلّ المعادلات القانونية الشرعية للنتيجة ، هو عن طريق حركة الفكر من المبادئ في مخزون الذاكرة إلى المجهول المطلوب كشفه؟!

فإنّ حركة الفكر هي للمحجوب ، مع أنّه من المقرّر في الحكمة : إنّ حركة الفكر ليست علّة فاعلية لإدراك النتيجة ، إنّما هي إعداد لاستعطاء الإلهام من عوالم الغيب الإلهي ، فالذي يكون على ارتباط دائم بالغيب كيف

____________

(١) وسائل الشيعة : أبواب صفات القاضي ، باب ٤ ح ٦.

١٠٤

يُتصوّر احتياجه كغيره لحركة ذهنية إعدادية؟!

بل هو ملتحم روحاً مع تلك الأرواح الكلّيّة ، التي هي ألواح العلم الغيبي الإلهي.

* ثالثاً : إنّ موازين القضاء في جهة إصابتها للواقع وعدم إصابتها هي في المجال الموضوعي ، لا التشريع العام ..

وحكمة تقرُّر العمل بها في الشريعة ما أُشير إليه في الحديث الشريف عنهم (عليهم السلام) : إنّ داود (عليه السلام) قال : يا ربّ! أرني الحقّ كما هو عندك ، حتّى أقضي به ، فقال : إنّك لا تطيق ذلك. فألحّ على ربّه حتّى فعل ، فجاء رجل يستعدي على رجل فقال : إنّ هذا أخذ مالي ، فأوحى الله إلى داود : إنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا وأخذ ماله ، فأمر داود بالمستعدي فقتل وأخذ ماله ، فدفع إلى المستعدى عليه ، قال : فعجب الناس ، وتحدّثوا حتّى بلغ داود (عليه السلام) ، ودخل عليه من ذلك ما كره ، فدعا ربّه أن يرفع ذلك ، ففعل ، ثمّ أوحى الله إليه : أن احْكم بينهم بالبيّنات ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به» (١).

فالحديث الشريف يبيّن الحكمة في ظاهر الحكم على طبق موازين الفقهاء ، من حفظ الحدود والنظم في علاقات الناس في ما بينهم ، فالظنّية في الميزان لا الظنّية في تعيين الميزان الظني المقرّر في الشرع ، وقد خلطوا بين الأمرين.

ثالث عشر : تشبّثهم بالحديث الشريف : «العلماء ورثة الأنبياء» ، وأنّ الاجتهاد لا بُدّ أن يكون موروثاً عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كي يصحّ انطباق الحديث

____________

(١) وسائل الشيعة : أبواب كيفية الحكم ، باب ١ ح ٢.

١٠٥

عليهم ، فيقضى بحكمه بالاجتهاد.

والخبط واقع في نقاط :

الأُولى : تفسيرهم العلماء بـ : المجتهدين ، مع أنّ معنى اللفظة ينطبق على الأوصياء ، الّذين اصطفوا للإمامة ، ويقومون مقام الأنبياء ..

وكذلك معنى الوراثة ; فإنّه ينطبق أيضاً على ما يعمّ الوراثة اللدنّية ، كما في قوله تعالى : (ثمّ أوْرثْنا الكتابَ الّذينَ اصطفينا من عبادنا) (١).

الثانية : لو فرض إرادة علماء العلم الاكتسابي ، فليس وراثتهم للأنبياء من ناحية قصور المجتهدين عن الوصول إلى اليقين ; كي يقال : إنّ قصورهم ورثوه من قصور الأنبياء ، والعياذ بالله تعالى ، بل من ناحية ما تركه الأنبياء من الأحاديث والسنن ، وأنّه مَن أخذ بها فقد أخذ بحظّ وافر.

وبعبارة أُخرى : إنّ منظومة العمومات والخصوصات وأُصول القواعد وتفريعاتها تنتظم في منظومة ذات مدارج بترابط عضوي معادلي ، نظير : القواعد الرياضية والهندسية ; فإنّ قصور علماء الرياضيات والهندسة عن الإحاطة بتلك المنظومة وترامياتها واتّساع دوائرها وآفاق مداها لا يعني عدم إتقان تلك المنظومة ، المؤثّرة على كلّ سنن الطبيعة المادية ، وحلّ كلّ المجهولات ، كذلك الحال في منظومة الشريعة ; فإنّ قصور المجتهدين والفقهاء لا ينسحب على منظومة الشريعة ، التي أورثها الأنبياء (عليهم السلام).

ومن ذلك يظهر جملة فروق أُخرى بين مقام النبوّة والمجتهدين :

أوّلا : فإنّ النبوّة لا تدرك الأحكام بنحو الانتقال الفكري الذهني من قاعدة إلى أُخرى ، أو من أصل إلى تفريع ، كما يحدث لدى المجتهد ، بل

____________

(١) سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.

١٠٦

النبوّة تحيط بكلّ تلك المنظومة على نسق واحد.

ثانياً : وعلى ضوء الفرق السابق ; لا مجال للخطأ في العلم النبوي بالأحكام ، بخلاف المجتهد ; فمَن لا يحيط بالمنظومة لا يحيط بكلّ ما له ارتباط بحكم المسألة ، التي يسعى لاستنباط الحكم فيها ، ومن ثمّ لا يستيقن بالنتيجة والاستنتاج.

ثالثاً : إنّ المجتهد إنّما يدرك الأحكام من وراء حجاب دلالة الألفاظ ، وما يرافق ذلك من مراحل وعقبات ، حتّى يصل إلى الحكم والإرادة التشريعية ، وهذا بخلاف مقام الوحي النبويّ ، الذي تتنزّل عليه الإرادات الإلهية ، ومن ثمّ يسمّى : «المجتهد» مجتهداً ; لبذله الجهد والسعي الفكري كي يرفع حجاب الجهل عن نفسه.

للبحث صلة ...

١٠٧

زواج أُم كلثوم

قراءة في نصوص

زواج عمر من أمّ كلثوم بنت علي (عليه السلام)

(١)

السيّد علي الشهرستاني

بسـم الله الرحمن الرحيم

إنّ قضية تزويج أُمّ كلثوم ابنة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من عمر بن الخطّاب من الأُمور التي تُثار بين الحين والآخر ، على شبكات الإنترنيت والصحف والمجلاّت ، وهي ليست بالقضية الجديدة ، بل هي من القضايا القديمة ، وقد أُثيرت لأوّل مرّة في عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ، واستمرّت حتّى يومنا هذا.

وبما أنّ المسألة ترتبط بالتاريخ من جهة ، والفقه والعقائد من جهة أُخرى ، فقد التزمنا دراسة هذه القضية مع ملابساتها الاجتماعية والتاريخية بقدر ما يسعنا الوقت في هذه العجالة.

لكن قبل بيان حقيقة الأمر لا بُدّ من الإشارة إجمالاً إلى الأقوال المذكورة في هذه المسألة ; كي يكون القارئ على بصيرة من ذلك.

والأقوال في المسألة ثمانية :

أربعة منها من مختصّات الشيعة ، والقول الخامس والسادس والسابع

١٠٨

قال بها بعض الشيعة وبعض العامّـة ، والقول الثامن هو المشهور عند أبناء العامّـة ..

أمّا الأقوال الأربعة التي قالت بها الشيعة ، فهي :

الأوّل : عدم وقوع التزويج بين عمر وأُمّ كلثوم.

وقد ذهب إلى هذا الرأي الشيخ المفيد (ت ٤١٣ هـ) في المسائل السروية (المسألة العاشرة) ، وكذا في المسائل العكبرية (المسألة الخامسة عشر) ، وله رسالة بهذا الصدد ، طبعت مستقلّة ضمن منشورات مؤتمر الشيخ المفيد.

هذا ، وقد كذّب خبر التزويج علماء آخرون ، كـ : السيّد مير حامد حسين اللكهنوي الهندي ، في كتابه إفحام الأعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيّدتنا أُمّ كلثوم ، والشيخ محمّد جواد البلاغي ، في كتابه تزويج أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين وإنكار وقوعه ، وغيرهم.

الثاني : وقوع التزويج لكنّه كان عن إكراه.

مستدلّين بنصوص متعدّدة ، ذكروها في كتبهم.

وقد ذهب إلى هذا الرأي السيّد المرتضى (ت ٤٣٦ هـ) في كتابه الشافي ، وتنزيه الأنبياء ، والمجموعة الثالثة من رسائله (١).

____________

(١) الشافي ٣ / ٢٧٢ ، تلخيص الشافي ٢ / ١٦٠ ، تنزيه الأنبياء : ١٩١ ، مجموعة رسائل السيّد المرتضى ٣ / ١٤٩ و ١٥٠ ; وانظر : بحار الأنوار ٤٢ / ١٠٧ ، الصوارم المهرقة : ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، الصراط المستقيم ٣ / ١٣٠.

١٠٩

وفي بعض روايات وأقوال الكليني (ت ٣٢٩ هـ) في الكافي (١) ، والكوفي (ت ٣٥٢ هـ) في الاستغاثة (٢) ، والقاضي النعمان (ت ٣٦٣ هـ) في شرح الأخبار (٣) ، والطبرسي (ت ٥٤٨) في إعلام الورى (٤) ، والمجلسي (ت ١١١١ هـ) في مرآة العقول وبحار الأنوار (٥) ، وغيرهم ; ما يشير إلى ذلك.

الثالث : إنّ المتزوَّج منها لم تكن ابنته (عليه السلام) بل ربيبته.

وهي : ابنة أسماء بنت عميس زوجة الإمام عليّ بن أبي طالب ، أي أنّها : ابنة أبي بكر ، وأُخت محمّد بن أبي بكر ; وبذلك تكون أُمّ كلثوم ربيبة الإمام عليّ وليست ابنته.

انظر هذا الكلام عند الشيخ النقدي في الأنوار العلوية : ٤٢٦.

قال السيّد شهاب الدين المرعشي في تعليقاته على إحقاق الحقّ : ثمّ ليُعلم أنّ أُمّ كلثوم التي تزوّجها الثاني كانت بنت أسماء وأخت محمّد هذا ، فهي ربيبة مولانا أمير المؤمنين ولم تكن بنته ، كما هو المشهور بين المؤرّخين والمحدِّثين ، وقد حقّقنا ذلك ، وقامت الشواهد التاريخية في ذلك واشتبه الأمر على الكثير من الفريقين ، وإنّي بعدما ثبت وتحقّق لديّ أنّ الأمر كان كذلك ، استوحشت التصريح به في كتاباتي ; لزعم التفرّد في هذا الشأن ، إلى أن وقفت على تأليف في هذه المسألة للعلاّمة المجاهد

____________

(١) الكافي ٥ / ٣٤٦ ح ١ و ٢.

(٢) الاستغاثة : ٨٠ ـ ٨٢ ; وعنه في مستدرك الوسائل ١٤ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

(٣) شرح الأخبار ٢ / ٥٠٧.

(٤) إعلام الورى ١ / ٣٩٧ ; وعنه في بحار الأنوار ٤٢ / ٩٣.

(٥) مرآة العقول ٢٠ / ٤٢ ، بحار الأنوار ٤٢ / ١٠٩.

١١٠

السيّد ناصر حسين الموسوي اللكنوي أبان عن الحقّ وأسفر ، وسمّى كتابه : إفحام الخصوم في نفي تزويج أُمّ كلثوم (١).

وقال ـ رحـمه الله ـ في مكان آخر : أسماء بنت عميس تزوّجها جعفر ابن أبي طالب ، فولدت له : عوناً وجعفراً ، ثمّ تزوّجها أبو بكر ، فوُلد له منها عـدّة أولاد ، منـهم : أُمّ كلثوم ، وهي التي ربّاها أمير المؤمنين وتزوّجها الثاني ، فكانت ربيبته (عليه السلام) وبمنزلة إحدى بناته ، وكان (عليه السلام) يخاطب محمّداً بـ : ابني ، وأُمّ كلثوم هذه بـ : بنتي ، فمن ثمّ سرى الوهم إلى عدّة من المحدّثين والمؤرّخين ، فكم لهذه الشبه من نظير؟! ومنشأ توهُّم أكثرهم هو الاشتراك في الاسم والوصف ، وأنّ مولانا عليّاً (عليه السلام) تزوّجها بعد موت أبي بكر (٢).

الرابع : إن ّ عليّاً زوّج عمر جنّية تشبه أُمّ كلثوم.

إذ الثابت عند الشيعة أنّ للنبيّ والإمام سلطةً على الجنّ بإذن الله ، كما كان لسليمان (عليه السلام) سلطة عليهم (٣) ، وأنّ وقوع الشبه ليس ببعيد ; فقد شُبِّه على الظلمة عيسى بن مريم بيهوذا فقتل وصلب.

هذا ما رواه القطب الراوندي (ت ٥٧٣ هـ) في كتابه الخرائج والجرائح (٤).

____________

(١) إحقاق الحقّ ٢ / ٣٧٦.

(٢) إحقاق الحقّ ٣ / ٣١٥ بتصرّف.

(٣) انظر مثلا : سورة ص ٣٨ : الآيات ٣٥ ـ ٤٠.

(٤) الخرائج والجرائح ٢ / ٨٢٥ ـ ٨٢٧ ; وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٤٢ / ٨٨ ح ١٠٦ ، وفي مرآة العقول ٢١ / ١٩٨ ..

١١١

هذه هي الأقوال المختصة بالشيعة.

وأمّا الأقوال التي ذهب إليها بعض الشيعة وبعض العامّة فهي :

الخامس : إنكار وجود بنت لعليّ (عليه السلام) اسمها أُمّ كلثوم.

لأنّ أُمّ كلثوم كنية لزينب الصغرى (١) أو الكبْرى (٢) أو لرقيّة (٣) ، أمّا وجود بنت اسمها : أُمّ كلثوم ، فلم يُعرف عند المحقّقين ; إذ لو كان ذلك لعُرف تاريخ ولادتها ، ومكان دفنها ، وبما أنّ الأخبار خالية من ذلك ، فإنّ هذا يشير إلى التشكيك في وجودها.

وقد ذهب إلى هذا الرأي جمع من العامّـة والشيعة ; فقد نقل عن الدميري أنّه قال : أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر لمّا تزوّج زينب بنت عليّ ; فإنّه أصدقها أربعين ألف دينار (٤) ..

ومعنى كلام الدميري : أنّ زينب هو اسم لأُمّ كلثوم ; وذلك لاشتهار تزويج عمر بأُمّ كلثوم لا بزينب.

وروى البيهقي : عن قثم مولى آل العبّاس ، قال : جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية ، وكانت امرأة عليّ(رضي الله عنه) ، وبين أُمّ كلثوم

____________

وانظر : المجدي في أنساب الطالبيّين : ١٧ ، ومستدرك سفينة البحار ٢ / ١٢١ ، ومدينه المعاجز ٣ / ٢٠٣ ، والصراط المستقيم ـ للبياضي ـ ٣ / ١٣٠ ، وغيرها.

(١) انظر : الإرشاد ـ للمفيد ـ ١ / ٣٥٤ ; وعنه في بحار الأنوار ٤٢ / ٧٤ ; وهذا هو الرأي المشهور عند المؤرّخين.

(٢) وهو ما يفهم من شعر الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي والسيّد عبد الرزّاق المقرم الآتي ، وغيرهم.

(٣) المجدي في أنساب الطالبيّين ـ للعمري ـ : ١٧ ، عمدة الطالب ـ لابن عنبة ـ : ٦٣ ، ينابيع المودّة : ٣ / ١٤٧ ، ملحقات إحقاق الحقّ ١٠ / ٤٢٦.

(٤) التراتيب الإدارية ٢ / ٤٠٥ ، عن المختار الكتبي في الأجوبة المهمّة.

١١٢

بنت عليّ لفاطمة (عليها السلام) (١) ..

ومعنى كلامه : أنّ أُمّ كلثوم هي زينب ; لأنّها كانت زوجته على القطع واليقين ، ولم يثبت طلاقه لها ، حتّى ماتت وهي عنده.

وقد كتـب الشيخ إبراهيم بن يحيى بن محمّد العاملي (ت ١٢١٤ هـ) على جدار مقام السيّدة زينب بدمشق هذه الأبيات ; لاعتقاده بأنّ زينب هي أُمّ كلثوم :

مقام لعـمرو الله ضمّ كريمـة

زكا الفرع منه البرية والأصلُ

لها المصطفى جَدٌّ وحيدرة أبٌ

وفاطمةٌ أُمٌّ وفاروقهم بَعْـلُ (٢)

ومن الشيعة الإمامية : السيّد عبد الرزّاق المقرم ، في بعض كتبه كـ : نوادر الأثر (المخطوط) ، والسيّدة سكينة : صفحة ٣٨ ، وعدّة مواضع من كتابه مقتل الحسين.

والشيخ المامقاني في تنقيح المقال ; إذ قال : أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين : هذه كنية لزينب الصغرى ، وقد كانت مع أخيها الحسين بكربلاء ،

____________

(١) السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ١٦٧ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ٤٦٥.

وقال ابن حجر في فتح الباري : عن ابن مهران ، أنّه قال : جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت عليّ وامرأة عليّ ليلى بنت مسعود.

وقد حاول الزهري الجمع بين الروايتين ـ في زينب وأُمّ كلثوم ـ بأنّه تزوّجهما واحدة بعد الأُخرى ، مع بقاء ليلى في عصمته.

انظر : فتح الباري ٩ / ١٢٧ ، وتهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٤ ترجمة قثم بن لؤلو.

لكنّ جمعه باطل بنظرنا ; وذلك لصغر سنّ أُمّ كلثوم عن زينب عندهم ، ولأنّ عبد الله ـ أكبر أولاد جعفر ـ كان قد تزوّج زينب ـ أكبر بنات علي ـ أوّلاً ، ولم يثبت تطليقه لها حتّى ماتت عنده ، ومن المعلوم بأنّ الشرع لا يجيز الجمع بين الأُختين ; فتأمّل.

(٢) انظر : أعيان الشيعة ٥ / ٥١٤.

١١٣

وكانت مع السجّاد إلى الشام ، ثمّ إلى المدينة ، وهي جليلة القدر ، فهيمة بليغة ، وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة ، وفي الكتب مسطورة ، وإنّي اعتبرها من الثقات ..

والمشهور بين الأصحاب أنّه تزوّجها عمر بن الخطّاب غصباً ، كما أصر السيّد المرتضى وصمّم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة ، وهو الأصحّ ; للأخبار المستفيضة (١).

السادس : هو أنّ أُمّ كلثوم لم تكن من بنات فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل كانت من أُمّ ولـد.

وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض أعلام العامّـة والشيعة كذلك ; ففي تاريخ مواليد الأئمّة (٢) ، ونور الأبصار (٣) ، ونهاية الإرب (٤) : ... وكان له زينب الصغرى وأُمّ كلثوم الصغرى من أُمّ ولد.

السابع : تزويجها من عمر ، لكنّ عمر مات ولم يدخل بها.

وإلى هذا ذهب بعض أعلام الشيعة وبعض العامّـة ; فقد قال النوبختي

____________

(١) انظر : تنقيح المقال ط قديمة (الفصل الثاني : في الكنى) ٣ / ٧٣ .. هـذا ، وقـد اعترض السيّد الأمين في أعيان الشيعة ٣ / ٤٨٥ (ما بدأ بـ : أُمّ) على ما قاله الشيخ الطريحي في تكملة الرجال بقوله : فما في تكملة الرجال ، من الجزم بأنّ زينب الصغرى المكنّاة : أُمّ كلثوم هي زوجة عمر ، في غير محلّه ، بل هي غيرها

(٢) مواليد الأئمّة : ١٥.

(٣) نور الأبصار : ١٠٣.

(٤) نهاية الإرب ٢٠ / ٢٢٣.

١١٤

ـ من أعلام القرن الثالث الهجري ـ من الشيعة الإمامية في كتابه الإمامة : أُمّ كلثوم كانت صغيرة ، ومات عنها عمر قبل أن يدخل بها (١).

وقال الشيخ جعفر النقدي في الأنوار العلوية : ... فروي أنّه] أي عمر] لمّا دخل عليها كان ينظر شخصها من بعيد ، وإذا دنا منها ضُرِبَ حجاب بينها وبينه فاكتفى بالمصاهرة (٢).

وقال أبو الحسن العمري في المجدي في أنساب الطالبيّين : وآخرون من أهلنا يزعمون أنّه لم يدخل بها (٣).

وقال الزرقاني المالكي (ت ١١٢٢ هـ) في شرح المواهب اللدنّية : وأُمّ كلثوم زوجة عمر بن الخطّاب ، مات عنها قبل بلوغها (٤).

هذا ، ولم يذكر المسعودي أُمّ كلثوم بنت عليّ في أُمّهات أولاد عمر في كتابه مروج الذهب ، بل عدّ عبد الله وعبيد الله وحفصة وزيداً وعاصماً من أُمّ واحدة (٥).

وقد ذكر الطبري أسماء أولاد عمر ، فقال : وزيد الأصغر وعبيد الله قُتلا يوم صفّين مع معاوية ، وأُمّهما : أُمّ كلثوم بنت جرول بن مالك بن مسيب بن ربيعة ، وكان الإسلام فرّق بين عمر وأُمّ كلثوم بنت جرول (٦).

أمّا القول الثامن : وهو المشهور عند العامّـة ، فملخّصه : إنّ عمر

____________

(١) بحار الأنوار ٤٢ / ٩١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ٨٩.

(٢) الأنوار العلوية : ٤٣٥.

(٣) المجدي في أنساب الطالبيّين : ١٧.

(٤) شرح المواهب اللدنّية ٧ / ٩.

(٥) مروج الذهب ٢ / ٣٣٠.

(٦) تاريخ الطبري ٣ / ٢٦٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٥٠ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥٦.

١١٥

تزوّج أُمّ كلثوم ودخل بها وأولدها : زيداً ورقيّة.

ونحنُ وإن كان المنهج العلمي يدعونا إلى دراسة الأقوال الثمانية كلّها ثمّ الوقوف في ضوء ذلك على الرأي المختار.

لكنّ تلك الأقوال تستدعي الدراسة الوافية لها والترجيح بينها ، وهو ممّا يحتاج إلى مزيد وقت لا نمتلكه الآن ; فاكتفينا بالتعليق على القول الأخير ، على أمل أن نلتقي مع القُرّاء في دراسة شاملة عن هذه القضية ، آملين أن نكون قد قدّمنا شيئاً في هذا المضمار ، مشيرين إلى أن عملنا سيكون في ثلاثة جوانب :

١ ـ الجانب التاريخي :

وفيه نبيّن ملابسات القول الثامن تاريخياً وعقائدياً واجتماعياً ، ونناقش النصوص التاريخية الواردة فيه على وجه التحديد ، وهل أنّ هذا القول يمسّ عقائد الشيعة الإمامية ، أم أنّه يمسّ العامّـة ، أم أنّه لا يمسّ أيّاً منهما ، أو أنّه يمسّهما معاً؟

٢ ـ الجانب الفقهي :

وفيه بيان لكيفية دخول الروايات الداعمة للرأي الثامن في كتب الفقه والحديث الشيعية ، ومدى حجّية تلك الأحاديث ودلالتها.

٣ ـ الجانب العقائدي :

وفيه نبحث عن الإشكاليات المطروحة في هذا الزواج ، وأن القول بالتزويج لا يمسّ بعقائد الشيعة بقدر ما يمسّ بأُصول الفكر السُـنّي ; لأنّ

١١٦

لازم هذا القول هو خروج عمر بن الخطّاب عن الموازين الأخلاقيّة ، والضوابط العرفية ، المتعارف عليها في المجتمعات الإسلاميّة.

وعليه ; فنحن لسنا ـ وحسبما أكّدنا ـ بصدد ترجيح رأي على آخر ، أو تبنّي رأي تاسع في المسألة ، بل كلّ ما في الأمر هو بيان ملابسات القول الأخير ـ أي الثامن ـ ومحاكمة النصوص فيه ، وكيفية تداخل النصوص بين الطائفتين ، ومدى تأثيرها على الأُصول والمفاهيم عند الفريقين ، لا اعتقاداً منّا بصحّة تلك الأخبار سنداً أو دلالة ، بل إلزاماً للآخرين القائلين بوقوع هذا التزويج ، ليس أكثر من ذلك.

مؤكّدين للقارئ العزيز بأنّ عملنا هذا ما هو إلاّ محاولة بسيطة في هذا السياق ، وإجابة لأشهر الأقوال ، وأكثرها شيوعاً على شبكات الإنترنيت ; إذ لم نحقّق بعد كلّ جوانب هذه المسألة ، للخروج بالنتيجة المطلوبة.

وإليك بعض النصوص في تزويج عمر من أُمّ كلثوم ، أتينا بها من كتب السيَر والتاريخ في مدرسة الخلفاء ، لتكون مقدّمة لِما نبغي الوصول إليه.

* * *

١١٧

نصوص في التزويج

ترجم ابن سعد لأُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الطبقات الكبرى ، فقال :

تزوّجها عمر بن الخطّاب وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أن قُتل ، وولدت له : زيد بن عمر ، ورُقيّة بنت عمر ...

ـ إلى أن يقول : ـ أخبرنا أنس بن عياض الليثي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أُمّ كلثوم ، فقال عليّ : إنّما حبست بناتي على بني جعفر.

فقال عمر : أنكحنيها يا عليّ ، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد.

فقال عليّ : قد فعلت.

فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ، وكانوا يجلسون ثَمّ عليّ وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف ، فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق ، جاءهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه ..

فجاء عمر فقال : رفّئوني. فرفّؤوه وقالوا : بمن يا أمير المؤمنين؟ قال : بابنة عليّ بن أبي طالب.

ثمّ أنشأ يخبرهم ، فقال : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي ، وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون

١١٨

هذا أيضاً (١).

وفيه أيضاً : قال محمّد بن عمر وغيره : لمّا خطب عمر بن الخطّاب إلى عليّ ابنته أُمّ كلثوم ، قال : يا أمير المؤمنين! إنّها صبيّة.

فقال : إنّك والله ما بك ذلك ، ولكن قد علمنا ما بك.

فأمر عليّ بها فصُنّعت ، ثمّ أمر ببرد ، فطواه وقال : انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي : أرسلني أبي يقرئك السلام ، ويقول : إن رضيت البُرد فأمسكه ، وإن سخطته فردّه.

فلمّا أتت عمر قال : بارك الله فيك وفي أبيك ، قد رضينا.

قال : فرجعت إلى أبيها فقالت : ما نشر البُرد ولا نظر إلاّ إليّ.

فزوّجها إيّاه فولدت له غلاماً يقال له : زيد (٢).

وفي الإصابة ، وغوامض الأسماء المبهمة ، والنصّ للأوّل : عن ابن أبي عمر المقدسي ، حدثني سفيان ، عن عمرو ، عن محمّد بن عليّ : إنّ عمر خطب إلى عليّ ابنته أُمّ كلثوم ، فذكر له صغرها ، فقيل له : إنّه ردّك ، فعاوده فقال له عليّ : أبعثُ بها إليك ، فإن رضيتَ فهي امرأتك ، فأرسل بها

____________

(١) الطبقات الكبرى ٨ / ٤٦٣.

رفئوني ، أي : قولوا لي : بالرفاء والبنين ; وهذا كان من رسوم الجاهلية ، وقد نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقد روى الكليني في الكافي ٢ / ١٩ بإسناده عن البرقي رفعه ، قال : لمّا زوّج رسول الله فاطمة (عليها السلام) ، قالوا : بالرفاء والبنين.

فقال (صلى الله عليه وآله) : لا ، بل على الخير والبركة.

وفي مسند أحمد ٣ / ٤٥١ بسنده عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن محمّد ابن عقيل ، قال : تزوّج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا ، فقلنا : بالرفاء والبنين.

فقال : مه ، لا تقولوا ذلك ، فإنّ النبيّ قد نهانا عن ذلك وقال : قولوا : بارك الله لك ، وبارك الله عليك ، وبارك لك فيها.

(٢) الطبقات الكبرى ٨ / ٤٦٤ ، المنتظم ٤ / ٢٣٧ ، تاريخ دمشق ١٩ / ٤٨٦.

١١٩

إليه فكشف عن ساقيها.

فقالت : مه ، لولا أنّك أمير المؤمنين للطمت عينك (١).

وفي المنتظم لابن الجوزي ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ، والنصّ للأوّل : أنبانا الحسين بن محمّد بن عبد الوهاب بإسناده ، عن الزبير بن بكّار ، قـال : كان عمر بن الخطّاب ـ رض ـ خطب أُمّ كلثوم إلى عليّ بن أبي طالب ، فقال له عليّ : صغيرة.

فقال له عمر : زوّجـنيها يا أبا الحسن ، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد.

فقال له عليّ : أنا أبعثها إليك ، فإن رضيتَها زوّجتكها.

فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : قولي : هذا البرد الذي قلت لك.

فقالت ذلك لعمر ، فقال : قولي : قد رضيته ، رضي الله عنك ، ووضع يده على ساقها وكشفها.

فقالت له : أتفعل هذا؟! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت ، وجاءت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء.

فقال : مهلا يا ... (٢).

وفي رواية الطبري : إنّ عليّاً أرسل ابنته إلى عمر فقال لها : انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له : إنّ أبي يقرئك السلام ، ويقول لك : قد قضيتُ حاجتك التي طلبت ، فأخذها عمر فضمّها إليه ، فقال : إنّي خطبتها إلى أبيها

____________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة ٨ / ٤٦٥ ، غوامض الأسماء المبهمة ٢ / ٧٨٧.

(٢) المنتظم ٤ / ٢٣٧ ، تاريخ دمشق ١٩ / ٤٨٢ ، الطبقات الكبرى ٨ / ٤٦٤ ، مختصر تاريخ دمشق ٩ / ١٥٩ ـ ١٦٠ ، الفتوحات الإسلامية ٢ / ٤٥٥ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٠٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٥٠١ ، الاستيعاب ٤ / ١٩٥٤ ـ ١٩٥٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٣ ح ٤٦٨٤.

١٢٠