نهاية الأفكار

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

ظرف الفراغ عن تطبيق المستصحب وهو الرابعة عليها ، لا مطلقا حتى مع الشك في انطباق المستصحب عليها ، ( وحينئذ ) فبعد عدم تكفل الاستصحاب المزبور لاثبات حيث اتصاف الركعة بالرابعية لا يتمكن من اتمام هذه الصلاة ، نظرا إلى الوقوع في محذور التشهد والتسليم ، ومعه لا يبقى مجال لجريانه لعدم ترتب اثر شرعي عليه ( وبما ذكرنا ) تظهر نكتة الفرق بين الاستصحاب في المقام وبين أدلة البناء على الأكثر ، فان الالتزام بوجوب التشهد والتسليم في الثاني انما هو من جهة تكفل تلك الأدلة بالبناء على الأكثر ، لاثبات اتصاف الركعة الموجودة بكونها ثالثة أو رابعة ، فيترتب عليه وجوب التشهد والتسليم ( بخلاف الاستصحاب ) فإنه بالنسبة إلى مفاد كان الناقصة وهو ثالثية الموجود أو رابعيته لا يكون له حالة سابقة حتى يجرى فيه الاستصحاب ، واما بالنسبة إلى مفاد كان التامة وهو عدم وجود الثالثة أو الرابعة فهو وان تم فيه أركانه على اشكال فيه أيضا كما تقدم ، ولكنه لا يترتب عليه اثر شرعي ، لان الأثر الشرعي من وجوب التشهد والتسليم مترتب على مفاد كان الناقصة ومثله لا يثبت باستصحاب مفاد كان التامة الا على المثبت المرفوض عند المحققين.

( وقصارى ) ما يمكن ان يجاب به عن هذا الاشكال ، الالتزام بحجية المثبت في خصوص المقام بقرينة تطبيق الإمام (ع) الاستصحاب على المورد فإنه من جهة حفظ التطبيق عن اللغوية لا بد من الالتزام بحجية المثبت ولو باستكشاف تنزيل آخر في الرتبة السابقة عن هذا التطبيق ، فان ما تسالموا عليه من عدم حجية مثبتات الأصول انما هو لأجل قصور دليل التعبد فيها لاثبات غير اللوازم الشرعية المترتبة على المتعبد به ، لا انه من جهة محذور عقلي أو لقيام دليل بالخصوص على عدم الحجية ، فإذا فرض ان في مورد قام الدليل بالخصوص على حجية كما في المقام يؤخذ به لا محالة ، إذ بعد عدم ترتب اثر شرعي على استصحاب عدم وجود الرابعة بنحو مفاد ليس التامة لابد من استكشاف تنزيل آخر في الرتبة السابقة عن التطبيق المزبور ليترتب عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين على رابعية الموجود ( ولكن ) يرد على هذا التوجيه استلزامه سقوط الاستصحاب عن الجريان في مفاد كان التامة ، لأنه بكشف

٦١

تنزيل رابعية الركعة الأخرى في المرتبة السابقة عن التطبيق المزبور يرتفع الشك تعبدا عن وجود الرابعة فلا يبقى فيه شك حتى يجرى فيه الاستصحاب ، فيلزم من جريان استصحاب العدم في الركعة الرابعة عدم جريانه فيها وهو محال ( ولا يقاس ) ذلك بسائر المثبتات كثبات اللحية بالقياس إلى الحياة ، فان كشف التنزيل فيها في الرتبة السابقة على التطبيق على الحياة لا يقتضى رفع الشك بالنسبة إلى الحياة ، بل الشك فيها بعد على حاله فيجرى فيها الاستصحاب ( بخلاف ) المقام فان كشف تنزيل رابعته الموجود في المرتبة السابقة على التطبيق يقتضى رفع الشك عن وجود الرابعة تعبدا ( ومعه ) لا يجرى فيه الاستصحاب ( فالأولى ) حمل الرواية على وجه آخر لا ينافي الاستدلال بها على المطلوب وهو تطبيق الاستصحاب في الرواية على الاشتغال بالتكليف بالصلاة والشك في ارتفاعه بالاكتفاء بالركعة المرددة كونها بين الثالثة والرابعة ، فيكون المقصود من قوله (ع) قام فأضاف إليها أخرى هو التنبيه على حجية الاستصحاب وعدم جواز الاكتفاء بالأقل في مرحلة الفراغ ، للشك في مفرغيته لاحتمال نقيصته وانه لا بد في حصول الجزم بالفراغ وسقوط العهدة من الاتيان بركعة أخرى ، ولكن لما كان في المورد اقتضاء التقية وكان المغروس في ذهن السائل أيضا هو الاتيان بالركعة موصولة لم يتمكن الامام من التعرض لكيفية الاتيان بها تفصيلا حذرا من المخالفين ، ومع ذلك لم يدع السائل أيضا ان يأخذ بما هو المغروس في ذهنه أو ما يقتضيه اطلاق الفتوى من جواز الاتيان بالركعة موصولة ، بل تكفل لبيان حكم المسألة للسائل على نحو الايماء والإشارة بقوله (ع) : ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ايماء بالأول إلى عدم مفرغية الاكتفاء بما في يده من الركعة لاحتمال النقيصة ، وبالثاني إلى عدم مفرغية الركعة الموصولة لاحتمال الزيادة ، وغرضه من هذا التكرار التشكيك على من حضر في المجلس من المخالفين وتلبيس الامر عليهم كي لا يفهم من كلامه (ع) ما هو مذهبه ، ولكن السائل لما كان من أهل الدراية فهم من كلامه (ع) حكم المسألة وقنع بما افاده بنحو الايماء ، فكان الإمام (ع) جمع بما افاده من البيان بين التقية وغيرها فمن جهة ان السائل ليس له الاكتفاء في مقام الفراغ بما في يده من الركعة

٦٢

المرددة بين الثالثة والرابعة طبق الاستصحاب على المورد بقوله (ع) قام فأضاف إليها أخرى ولا ينقض اليقين بالشك ، ومن جهة اقتضاء المورد للتقية وعدم تمكنه من التعرض لكيفية الاتيان بالركعة تفصيلا ، وردع السائل أيضا عن الاخذ بما هو المغروس في ذهنه أو ما يقتضيه اطلاق الفتوى ، كرر عليه بقوله ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ايماءا إلى حكم المسألة للسائل وايقاعا للشبهة على غيره ممن حضر في حكم المسألة من الاتيان بها موصولة أو مفصولة ( وعلى ذلك ) ففي الرواية دلالة على حجية الاستصحاب ولا يرد عليه شيء من المحاذير.

( ومنها ) ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) : من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين ( وفي رواية ) أخرى عنه (ع) من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ، فان اليقين لا يدفع بالشك ( وقد أورد ) الشيخ قدس‌سره على الاستدلال بهما ، بما حاصله ان الروايتين بقرينة اشتمالهما على لفظ كان الظاهر في اختلاف زمان الوصفين وتعاقبهما ظاهرتان في الانطباق على قاعدة اليقين لا الاستصحاب ، فان المعتبر في الاستصحاب هو اختلاف زمان متعلق الوصفين مع جواز اتحاد زمان الوصفين ، وفي قاعدة اليقين يكون المعتبر اختلاف زمان الوصفين مع وحدة زمان متعلقهما ، كان يقطع يوم الجمعة بعدالة زيد في زمان ثم يشك يوم السبت في عدالته في ذاك الزمان ، فمع ظهور لفظ كان في تعاقب الوصفين يتعين حمل الروايتين على قاعدة اليقين بلحاظ كشفه عن دخل هذه الجهة في الحكم بالمضي كما هو شأن كل عنوان مشتمل على خصوصية مأخوذ في لسان الدليل ( لوضوح ) ان مثل هذه الجهة انما تناسب القاعدة لا الاستصحاب ( ولكن فيه ) أولا منع دلالة مثله على الزمان ، بل أقصى ما تقتضيه هي الدلالة على مجرد السبق الشامل للزماني والرتبي وغيرهما نظير سبق العلة على معلولها والموضوع على حكمه ، كما تشهد له صحة قولك كان الزمان ، وكانت العلة ولم يكن معها معلول ، وقولك ادخل البلد فمن كان مطيعا فأكرمه ومن كان عاصيا فاضرب عنقه بلا عناية أو تجوز ، مع وضوح عدم كون السبق

٦٣

المستفاد منها هو السبق الزماني ، بل هو اما سبق ذاتي كما في الأول أو سبق رتبي كما في الأخيرين ( والسبق ) المستفاد في المقام بعينه من هذا القبيل فيكون السبق فيه رتبيا بالقياس إلى الحكم الذي هو وجوب المضي عليه لا سبقا زمانيا ( وعلى فرض ) تسليم الدلالة على خصوص السبق الزماني ، لا معين لحمل الرواية على قاعدة اليقين بعد عدم ابلئها عن الحمل على الاستصحاب أيضا خصوصا مع كون الغالب فيه هو حدوث الشك بعد حدوث اليقين ، والا لاقتضى ذلك الحمل عليها في الصحاح السابقة أيضا ، وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ، بل بمقتضى قوله (ع) فليمض على يقينه لا بد من حملها على الاستصحاب نظرا إلى ظهوره في بقاء وصف اليقين السابق على فعليته في ظرف الشك الذي هو زمان وجوب المضي عليه ، كما هو الشأن في جميع العناوين الاشتقاقية وغيرها المأخوذة في القضايا الطلبية كقوله أكرم العالم ، واهن الفاسق ، ويكره البول تحت الشجرة المثمرة الظاهرة في لزوم اتحاد ظرف الجري والتطبيق فيها مع ظرف النسبة الحكمية ، ولذلك خصصوا الكراهة في المثال بما إذا كانت الشجرة مثمرة حين إضافة البول إليها ، والتزموا في نحو مثال أكرم العالم بلزوم اتصاف الذات بالوصف العنواني حين إضافة الاكرام إليها ولو على القول بوضع العناوين الاشتقاقية للأعم من المتلبس الفعلي والمنقضي عنه البدء ، ولا يكون ذلك الا من جهة ظهور هذه القضايا في لزوم اتحاد ظرف التطبيق فيها مع ظرف النسبة الحكمية ( وعليه ) نقول : ان من البديهي عدم انطباق هذا المعنى في المقام على غير الاستصحاب ، إذا لا بقاء لوصف اليقين في القاعدة في ظرف الشك الذي هو ظرف المضي على اليقين ، فبذلك لا محيص من حمل الرواية على خصوص الاستصحاب ورفع اليد عن ظهور القيد في الدخل في الحكم بالمضي بحمله على الغالب نظير وربائبكم اللاتي بملاحظة ان الغالب في باب الاستصحاب هو حدوث الشك بعد حدوث اليقين ، أو دعوى ان اعتبار هذا الترتب بين الوصفين عرضي ناشئ من ملاحظة الترتب بين متعلقيهما ( واما توهم ) معارضة هذا الظهور مع ظهور قوله (ع) من كان على يقين فشك أو اصابه شك في تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين السابق دقة الموجب لتعين انطباقه على خصوص قاعدة اليقين بلحاظ تعلق الشك فيها بعين ما تعلق

٦٤

به اليقين السابق بحسب الحقيقة والدقة ، بخلاف الاستصحاب ، فان فيه يكون الاتحاد الحاصل بين المتعلقين مسامحيا عرفيا ، لان اليقين فيه بحسب الدقة متعلق بأصل ثبوت الشيء ، والشك متعلقا بحيث بقائه في ثاني زمان وجوده ( فمدفوع ) بمنع ظهور الرواية في الاتحاد الحقيقي بين متعلق الوصفين ، بعد صدق إصابة الشك بالشيء بالشك فيه ولو في بقائه ( وعلى فرض ) تسليم ذلك فلا شبهة في كونه ظهورا بدويا غير صالح للمقاومة مع ظهور قوله (ع) : فليمض على يقينه في اعتبار فعلية وصف اليقين في ظرف الشك الذي هو ظرف وجوب المضي ( فلا اشكال ) حينئذ في ظهور الرواية في الانطباق على الاستصحاب خصوصا بعد ملاحظة وقوع نحو هذا التعبير المنطبق على الاستصحاب في سائر الموارد.

( ومنها ) مكاتبة علي بن محمد القاساني قال : كتبت إليه وانا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب (ع) : اليقين لا يدخله الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية ( وقد جعلها ) الشيخ قدس‌سره أظهر الروايات في الدلالة على حجية الاستصحاب ( بتقريب ) ان تفريع تحديد وجوب كل من الصوم والافطار على رؤية هلالي رمضان وشوال لا يستقيم الا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا بالشك اي مزاحما به وهو عين الاستصحاب ( ولكن فيه ) انه لا مجال لتطبيق وجوب الصوم والافطار في الرواية على الاستصحاب ، لوضوح ان وجوب الصوم وكذا الافطار انما يكون مترتبا على ثبوت كون النهار المشكوك من رمضان أو شوال بنحو مفاد كان الناقصة ، ومن المعلوم انه بهذا المفاد لا يجري فيه الاستصحاب لعدم احراز الحالة السابقة ، فالاستصحاب الجاري في المقام وجوديا كان أو عدميا ممحض بكونه على نحو مفاد كان التامة وليس التامة ، كاصالة بقاء رمضان وأصالة عدم دخول شوال ، وهو بهذا المفاد لم يترتب عليه اثر شرعي ، بل الأثر الشرعي من وجوب صوم رمضان ووجوب افطار أول يوم من شوال مترتب على اثبات كون الزمان المشكوك من رمضان أو من شوال على نحو مفاد كان الناقصة ، لا على مجرد بقاء رمضان في العالم وعدم دخول شوال كك ( وبعد ) ملازمة أحد المفادين للآخر عقلا وعدم تكفل أصالة بقاء شعبان

٦٥

أو رمضان وأصالة عدم رمضان أو شوال بمفاد كان وليس التامتين لاثبات كون الزمان المشكوك من أيتها يلغو الاستصحابين المزبورين لعدم ترتب اثر شرعي عليهما ، ومعه لا يبقى مجال تطبيق مفاد الرواية على الاستصحاب ( فلا بد ) حينئذ من حمل اليقين في الرواية على اليقين بدخول رمضان ودخول شوال ، فيكون المراد من عدم دخول الشك في اليقين هو عدم ترتب آثار اليقين بدخول رمضان ودخول شوال بالشك بهما ، لا ترتيب آثار اليقين بالشعبان وآثار اليقين برمضان على المشكوك ، وحاصل التحديد بالرؤية فيها هو اعتبار اليقين بدخول رمضان وشوال في وجوب الصوم والافطار وانه لا يجوز الصوم ولا يصح بعنوان رمضان في اليوم الذي يشك انه من شعبان أو من رمضان ، ولا يجوز الافطار في اليوم الذي يشك انه من رمضان أو شوال ( ويؤيد ) ما ذكرناه في مفاد الرواية الأخبار المتواترة المصرحة بان الصوم للرؤية وانه ليس منا من صام قبل الرؤية ( وعلى هذا ) تكون الرواية أجنبية عن باب الاستصحاب.

( ومنها ) رواية عبد الله بن سنان الواردة في من يعتريه ثوبه الذمي وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير وفيها هل علي ان اغسله فقال (ع) : لا لأنك اعترته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه ( حيث ) ان في التعليل دلالة واضحة على أن الوجه في عدم وجوب غسله هو سبق طهارته وعدم العلم بارتفاعها بعد اعارته إياه ، لا انه من جهة قاعدة الطهارة ، والا لم يكن للتعليل المزبور مجال ، لان الحكم في القاعدة مستند إلى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة ، فتدل الرواية على حجية الاستصحاب في هذا الباب فيتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل.

( ومن الاخبار ) التي استدل بها على حجية الاستصحاب في الجملة قوله (ع) في موثق بكير إذا استيقنت انك توضأت فإياك ان تحدث وضوءا حتى تستيقن انك أحدثت ، ودلالتها على حجية الاستصحاب ظاهرة ، فان في التحذير عقيب قوله إذا استيقنت دلالة على لزوم الجري على طبق اليقين السابق بالطهارة وعدم الاعتناء بالشك في انتقاضها ما لم يستيقن بالحدث ولا نعنى من الاستصحاب المصطلح الا ذلك ، وموردها وان كان مختصا بباب الطهارة ولكنه بضميمة عدم الفصل بينها وبين غيرها

٦٦

الأبواب ( واما التحذير ) فيها مع جواز الاتيان بالوضوء رجاءا من باب حسن الاحتياط ، فلعله لدفع الوسواس المحتمل حصوله بالاعتناء بالشك ، أو لردع السائل عن اعتقاد لزوم الاخذ بقاعدة الاشتغال المحكومة بمثل الاستصحاب.

( ومنها ) قوله (ع) : في رواية مسعدة بن صدقه كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه « وقوله (ع) » في موثق عمار كل شيء طاهر أو نظيف حتى تعلم أنه قذر « وقوله (ع) » : في رواية حماد بن عثمان الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس ( وقد استدل بها ) جماعة من الاعلام على حجية الاستصحاب ( بتقريب ) ظهور هذه الروايات بصدرها في الدلالة على ثبوت الحلية والطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها الأولية ، وبالاستمرار المدلول عليه في ذيلها بحتى بقرينية جعل الغاية هو العلم بالحرمة والقذارة الظاهر في الحكم الظاهري على حجية الاستصحاب ، فكان المستفاد من تلك الأخبار حكمان مجعولان ، أحدهما الحكم الواقعي بالحل والطهارة للأشياء بعناوينها الأولية ، وثانيهما الحكم الظاهري باستمرار المحكوم به في القضية من الحيلة والطهارة إلى زمان العلم بالخلاف ، والأول مدلول عليه فيها بالمغيا ، والثاني بما في ذيلها من الغاية المدلول عليها بحتى.

( بل عن المحقق الخراساني قدس‌سره ) في حاشيته امكان استفادة القواعد الثلاثة منها ، أعني الحلية والطهارة الواقعية والطهارة والحلية الظاهرية التي هي مفاد القاعدة واستصحابهما ( وقد أفاد في تقريب ذلك بما ملخصه ان قوله (ع) : كل شيء لك حلال أو طاهر مع قطع النظر عن الغاية بعمومه الافرادي المستفاد من لفظ ( كل ) يدل على ثبوت الحلية والطهارة للأشياء بعناوينها الواقعية كالماء والتراب ونحوهما ، وعلى ثبوت الحلية والطهارة الظاهرية لها بمقتضى الاطلاق الأحوالي التي منها حال الشك في طهارة الشيء أو حلية بالشبهة الحكمة أو الموضوعية ، لأن الشك في حكم الشيء مما يصح ان يكون منشأ لانتزاع عنوان عرضي للشيء ، يكون من أحواله كعنوان كونه مشكوك الحلية أو الطهارة ، فتكون الرواية من جهة المغيا دليلا اجتهاديا على طهارة الأشياء وقاعدة الحلية والطهارة فيما اشتبه حليته وطهارته من غير محذور اجتماع اللحاظين في

٦٧

استعمال واحد ( وبتقريب ) آخر يمكن ان يراد من الموضوع والمحمول في قوله : كل شيء طاهر الجامع بين الموضوعين والحكمين ( بان يراد ) من الموضوع في الصدر نفس ذات الشيء الملحوظ كونها في مرتبين ، تارة في المرتبة السابقة على الحكم عليها بالحلية أو الطهارة الواقعية ، وأخرى في المرتبة المتأخرة عن الشك بحكمها ولو بجعل الشك المزبور جهة تعليلية غير موجبة لتقييد الذات بعنوان مشكوك الحكم في الحكم الظاهري ، لا جهة تقييدية موجبة لذلك ، فتكون الذات بالاعتبار الأول موضوعا للحكم الواقعي وبالاعتبار الثاني موضوعا للحكم الظاهري ( ويراد ) من المحمول وهو قوله طاهر أو حلال طبيعة الطهارة والحلية مهملة والقدر الجامع بين الطهارتين أو الحليتين ( وحينئذ ) فإذا كانت الطهارة الواقعية والظاهرية فردان لطبيعة الطهارة المهملة فلا باس باثباتهما بجامع واحد للذات دفعة بجعل واحد وانشاء فارد وان كانت إحديهما في طول الأخرى ، فتكون الطهارة الثابتة للذات الملحوظة كونها في الرتبة السابقة طهارة واقعية ، والطهارة الثابتة لها في المرتبة المتأخرة طهارة ظاهرية بلا ورود محذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد من ذلك في طرف الموضوع أو المحمول أصلا ( غاية الامر ) انه تحتاج في مقام التطبيق إلى تعدد الدال والمدلول ، ولو يجعل الدال على موضوع الأولى هو ذات الشيء وعلى موضوع الثانية اطلاقه وعمومه الا حوالي ( هذا كله ) بالنسبة إلى مدلول المغيا وهو قوله كل شيء طاهر.

( واما الغاية ) فهي بقرينة جعلها عبارة عن العلم بالقذارة تدل على استمرار الطهارة الثابتة للذات عناية في المرتبة المتأخرة عن ثبوتها إلى زمان العلم بالقذارة ، وهو معنى الاستصحاب ، ففي الحقيقة يكون للمتكلم في نحو هذه القضايا نظران ، نظر إلى اثبات أصل الطهارة في قوله طاهر ، ونظر إلى استمرارها ظاهرا إلى زمان العلم في قوله حتى تعلم مع كون نظره الثاني من تبعات النظر الأول حسب تبعية استمرار الشيء لثبوته بلا كونه في مقام استعمال « حتى » في استقلال مفاده عن سابقه كي تخرج عن الحرفية إلى الاسمية ( هذا غاية ) ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب استفادة القواعد الثلاثة من تلك الروايات ( ولكن فيه ) ما لا يخفى ، فإنه من الممتنع استفادة الحلية

٦٨

والطهارة الواقعية وقاعدتها ثبوتا من هذه الروايات فضلا عن استفادة المعاني الثلاثة منها ، وذلك لا لمحذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد في قوله كل شيء طاهر أو حلال في طرف الموضوع أو المحمول ( بل لامتناع ) شمول اطلاق المحمول الواحد المأخوذ في طي انشاء واحد لمرتبتي الواقع والظاهر ( فان ) الحكم الواقعي بعدما كان ثابتا لذات الشيء في المرتبة السابقة على الشك بنفسه يستحيل ان يكون له سعة وجود يشمل المرتبة المتأخرة عن الشك بنفسه ، كما أن الحكم الظاهري أيضا باعتبار كونه مجعولا في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي يستحيل شمول اطلاقه للمرتبة السابقة عليه ، من غير فرق بين اخذ الشك فيه جهة تعليلية ، أو جهة تقييدية موجبة لتعنون موضوعه بعنوان مشكوك الحكم ( وبهذا الوجه ) نقول بامتناع اطلاق الاحكام الواقعية بالنسبة إلى مرتبة الشك بنفسها فضلا عن المرتبة المتأخرة عن الشك بها ، كامتناع تقييدها أيضا بهذه المرتبة ، وانه لا بد من وقوفها في المرتبة السابقة المقارنة مع الشك زمانا لا رتبة ، فان ما يتصور لها من الاطلاق بالإضافة إلى الحالات المتأخرة انما يكون ذاتيا على معنى مقارنتها زمانا مع الشك بها ، لا لحاظيا بحيث كان لها سعة وجود تشمل المراتب المتأخرة عنها ( كما أنه ) بذلك نقول انه لا بد من أن يكون البقاء الحقيقي للشيء واستمراره في مرتبه ذاته وعدم تعديه من مرتبة ذاته إلى مرتبة الشك بنفسه ، وانه لو حكم عليه أحيانا بالبقاء والاستمرار في مرتبة الشك به فلا بد وأن يكون بقاء ادعائيا راجعا إلى التعبد به ظاهرا في مقام ترتيب اثره في ظرف الفراغ عن أصل ثبوته ومن هنا لا يمكن ان يكون الاستصحاب مجعولا بعين جعل مستصحبه وفي ضمنه ، بل لابد وأن يكون متعلقا لجعل مستقل في ظرف الفراغ عن وجود مستصحبه واقعا ( وعليه نقول ) : انه من الممتنع ان يكون للمحكوم به في قوله طاهر أو حلال اطلاق يشمل لمرتبي الواقع والظاهر بحيث يتحقق بجعله وانشائه في مرتبة واحدة مجعولان طوليان يكون أحدهما موضوعا للاخر وفي مرتبة سابقة عليه ( بداهة ) ان من لوزام وحدة الجعل ان يكون المجعول على فرض تعدده في مرتبة واحدة ( فإذا كان ) جعل الحكم الظاهري في ظرف الفراغ عن ثبوت الحكم الواقعي وفي المرتبة المتأخرة عن الشك به ، اما بأخذ الشك

٦٩

المزبور قيدا لموضوعه ، أو بأخذه جهة تعليلية له ، وكان جعل الحكم الواقعي لذات الموضوع في المرتبة السابقة على الشك بنفسه بحيث لا يتعقل تصور الشك فيه قبل تمامية جعله ( يمتنع ) تحقق هذين الحكمين الطوليين بانشاء وجعل واحد في مرتبة واحدة ( ومع امتناعه ) لا مجال لتوهم استفادتهما من المعني من جهة مجرد تعميم الشيء بالنسبة إلى العناوين الثانوية التي منها عنوان كونه مشكوك الحكم ، أو من اطلاقه بالنسبة إلى الحالات وبالإضافة إلى شخص الذات الملازم مع الشك بحكمه ( فإنه ) مضافا إلى منع اطلاق الأول ، واستلزامه لكون الشيء الواحد باعتبار عناوينه المتعددة أشياء متعددة ، وعدم اثمار اطلاق الثاني على وجه يوجب خروج الحكم الثابت للذات الملازم مع الشك بحكمها عن واقعيته ، ( لوضوح ) بقاء الاحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها على واقعيتها في جميع الحالات حتى في حال ملازمتها مع الشك بنفسها ( وان الطهارة ) الثابتة للشيء في جميع الحالات التي منها حال الشك فيها في عين الطهارة الواقعية ، لا انها طهارة ظاهرية ، لان قوام ظاهرية الحكم انما هو بلحاظه في مقام الجعل في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي ، لا انه بصرف ثبوته في حال الشك به ( ان غاية ) ما يجدى البيان المزبور انما هو رفع محذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد ، لا رفع استحالة اطلاق المحمول ثبوتا وامتناع تحقق مجعولين الطوليين بانشاء وجعل واحد على وجه يكون أحدهما موضوعا للاخر ( وحيث ) ان هذه الجهة هي العمدة في المنع عن استفادة الحكمين من مدلول هذه الروايات ( فلا بد ) من حمل القضية على أحد الامرين ، اما الحكم الواقعي ، أو القاعدة ( وعليه ) نقول : ان ظاهر صدر الرويات وان كان يعطى كون المحمول فيها حكما واقعيا ( ولكن الغاية المذكورة في ذيلها بقرينة كونها العلم بالخلاف تهدم هذا الظهور وتوجب حصر المفاد منها بكونه حكما ظاهريا هو مفاد الاستصحاب ولو بالتفكيك بين المغيا والغاية بارجاع الغاية إلى حيث خصوصية المحمول الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا ، لا إلى ذاته ( من غير فرق ) بين جعل الغاية قيدا للموضوع أو جعلها قيدا للمحمول أو قيدا للنسبة الحكمية ( وذلك ) اما على الأخير فظاهر ، فان مرجع كونها قيدا للنسبة الحكمية إلى كونها مبينة لايقاع النسبة

٧٠

الخاصة بين ذات الموضوع والمحمول ، ومثل تلك النسبة لما كانت في ظرف الجهل كانت لا محالة نسبة ظاهرية ، وهي تستبع قهرا كون المحمول أيضا حكما ظاهريا ثابتا لذات الموضوع في الرتبة المتأخرة ، فتختص الرواية بخصوص القاعدة ليس الا ( لان ) مفادها حينئذ هو ان الطهارة ثابتة للشيء بثبوت مستمر في ظرف الجهل بالواقع إلى زمان العلم بالخلاف ، ومثل هذا المفاد لا يكون الا عبارة عن القاعدة ، والا ففي الاستصحاب لابد من أن يكون استمرار الحكم في مرتبة غير مرتبة ثبوته ، ومثله خلاف ما تقتضيه ظهور الرواية في اتحاد مرتبة ثبوت الحكم مع مرتبة استمراره ( واما ) على الثاني وهو فرض كون الغاية قيدا للمحمول كما لعله هو الظاهر فكذلك ( توضيح ) ذلك هو ان المعان الحرفية على ما حققناه في محله بعد ما كانت من سنخ النسب والارتباطات القائمة بالمفاهيم الاسمية المعبر عنها بتقيدات المعان الاسمية نظير الوجودات الرابطية الخارجية لا الوجود الربطي كما زعمه بعض ، فأداة الغاية مثل إلى وحتى انما تدل على تخصص المغيا بخصوصية ينتزع عنها مفهوم الاستمرار وتحدده بما يرتفع عنه الايهام من حيث القصر والطول ، لا انها تدل على مفهوم الاستمرار الذي هو معنى اسمي ، كما هو الشأن في سائر المعان الحرفية حيث كان أداتها موضوعة للدلالة على خصوصيات في غيرها متحدة الوجود معه تكون منشأ لانتزاع مفاهيم اخر كالابتداء والانتهاء ونحوهما ، لا على نفس هذه المفاهيم كي يلزم خروجها عن الحرفية إلى الاسمية ( فالمغيا ) موضوعا كان أو حكما عبارة عن امر وحداني خاص هو مصداق الامتداد والاستمرار ، لا انه مقيد بمفهوم الاستمرار ( وعليه ) نقول : ان من لوازم جعل الغاية قيدا للمحمول في قوله كل شيء طاهر أو حلال ان يكون المحكوم به من الطهارة أو الحلية أمرا وحدانيا حقيقيا خاصا ، غاية الامر على نحو قابل للتحليل بالنظر الثانوي إلى ذات وخصوصية ، لا ان المحكوم به في القضية أمران مستقلان بنسبتين مستقلتين ، أحدهما جعل أصل الطهارة للشيء ، والآخر جعل استمرارها إلى كذا بنحو يكون المحكوم في أحد الحكمين موضوعا للمحكوم به في الحكم الآخر ( بداهة ) وضوح الفرق بين قولنا كل شيء طاهر طاهر حتى تعلم ، وبين قولنا كل شيء طاهر حتى تعلم أو تستمر طهارته إلى كذا.

٧١

( والذي ) يستفاد منه تعدد المحكوم به انما هو الثاني لا الأول ( ولازم ) ذلك بعد ظهور القضية في رجوع الغاية إلى ذات المحمول لا إلى حيث استمراره هو انحصار مفادها بالقاعدة محضا لاقتضائها كون المغيا المحكوم به بشراشر وجوده الخاص المحدود إلى زمان العلم بالخلاف مجعولا بجعل واحد متعلق به استقلالا وبقيده وخصوصية ضمنا ، فتكون مفاد الجملة في قوله كل شيء لك حلال أو طاهر حتى تعلم ، ان الشيء تثبت له الحلية والطهارة الظاهرية في كل آن إلى زمان العلم بالحرمة والقذارة ، وهو عين مفاد القاعدة ، غاية الامر ان غاية النسبة الحكمية في القضية غير مذكورة ولا مقصودة أيضا ، لان غايتها هو نسخ هذا الحكم الخاص ( وعليه ) فلا مجال لما عن المحقق الخراساني قده من ابتناء استفادة القاعدة من مدلول هذه الأخبار على ارجاع الغاية إلى الموضوع لا المحمول ( كما لا مجال ) لتوهم استفادة القاعدة والاستصحاب معا من تلك الأخبار ( بداهة ) ان لازم اخذ الاستصحاب منها هو ان يكون النظر في اثبات الطاهر المحمول في القضية مقصورا بحيث خصوصية استمراره التي هي مفاد الغاية بلا نظر إلى جعل أصل الطهارة التي هي معروض هذه الخصوصية ، إذ لابد في هذا النظر من أن يكون أصل الطهارة مفروغ الثبوت من الخارج ( كما أن ) لازم اخذ القاعدة منها ان يكون النظر أي اثبات أصل الطهارة التعبدية الممتدة إلى زمان العلم بلا نظر إلى جعل استمرارها ، لان ذلك من لوزام جعلها في كل ان إلى زمان العلم بالقذارة ، لا انه متعلق جعل مستقل ( ومن المعلوم ) ان في انشاء واحد متعلق بالطهارة الخاصة التي هي المحمول في القضية لا يمكن الجمع بين النظرين المستلزم أحدهما لصرفه عن أصل الطهارة وقصره على اثبات الاستمرار ، والاخر لقصره على اثبات الطهارة الممتدة إلى زمان العلم بالقذارة وصرفه عن الاستمرار ( وذلك ) لمناط استحالة استعمال اللفظ في المعنيين وان لم يكن عينه ( وبهذا الوجه ) أيضا نمنع عن استفادة الحكم الواقعي والاستصحاب معا من مدلول هذه الأخبار ، مضافا إلى ما تقدم من امتناع تحقق الحكم الواقعي الذي هو موضوع استمراره تعبدا في الحكم الآخر بانشاء وجعل واحد ( نعم ) انما يصح ذلك فيما لو كانت القضية المشتملة على

٧٢

على المغيا والغاية مشتملة على جعلين طوليين ، أحدهما متعلق بذات المغيا ، والآخر بمفاد الغاية الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا في ظرف الشك في بقائه ( كما أنه ) بذلك يمكن تصحيح الجمع بين مفاد القاعدة واستصحابه ، بان يراد من الطهارة في المغيا خصوص المجعول في الرتبة المتأخرة عن الشك بالواقع بنحو الاجمال بلا اطلاق فيه ، وبلا احتياج في ظاهريته إلى ارجاع الغاية إليه ، ومن الغاية باستمراره الحكم مستقلا إلى زمان العلم بالقذارة ، بحيث يكون العلم المزبور رافعا لموضوع المستصحب الشخصي وغاية لاستصحابه ، وان كان الشك في بقاء الطهارة المجعولة للطبيعة المشكوكة باقيا بحاله حتى مع العلم بالقذارة الشخصية وكان غاية استصحابها هو العلم بنسخها ( ولكن ) ذلك بحسب الامكان محضا ، والا فلا طريق إلى اثباته ، بل هو مخالف لظاهر القضية من وجوه.

( منها ) ما عرفت من ظهورها في كون الجاعل بانشائه بصدد جعل واحد متعلق بأمر وحداني خاص ، لا بصدد جعلين مستقلين ( ولذا ) قلنا بالفرق بين قوله كل شيء طاهر حتى تعلم ، وبين قوله كل شيء طاهر ، طاهر حتى تعلم ، أو تستمر طهارته حتى تعلم ( واما ) الالتزام بالتقدير في الأول فهو وان كان ممكنا ، ولكنه خلاف الأصل.

( ومنها ) ظهور مثل هذه القيود المأخوذة في طي الانشاء في كونها ملحوظة تبعا للمغيا المحكوم به ومنشأ بعين انشائه ، لا بانشاء مستقل في طول انشاء المغيا. ( ومنها ) ظهور الغاية فيها في الاستمرار الحقيقي لا الادعائي ، ومثله لا يلائم مع إرادة الحكم الواقعي من المغيا والاستصحاب من الغاية ( بداهة ) ان الاستمرار الحقيقي للشيء لابد من أن يكون في مرتبة ثبوت الشيء ، لاستحالة بقاء الحقيقي للشيء في المرتبة المتأخرة عن الشك بنفسه ( فلا محيص ) من رفع اليد عن ظهور الغاية في الاستمرار الحقيقي بحمله على الاستمرار الادعائي ، وهو كما ترى لا وجه له بعد امكان الاخذ بظاهره في الاستمرار الحقيقي ( وحينئذ ) حفظا لظاهر القضية من الجهات المزبورة لابد من حملها على خصوص القاعدة محضا ، مضافا إلى ما عرفت من ظهور قوله كل شيء حلال أو طاهر في كونه مسوقا لاثبات الحلية والطهارة الظاهريتين للشيء

٧٣

إلى أن يعلم الخلاف الذي لازمه الاستمرار ، لا لاثبات مفاد الغاية مستقلا الذي هو عبارة عن استمرارها تعبدا كما هو ظاهر ( وعليه ) فالروايات تكون أجنبية عن الاستصحاب المعروف ، فلا مجال للاستدلال بها في المقام على حجية الاستصحاب ( هذا كله ) على تقدير سوق هذه الروايات في مقام انشاء الحلية والطهارة للأشياء.

( واما ) على تقدير سوقها في مقام الاخبار عن ثبوت الحلية والطهارة لها ولو بانشاءات متعددة كما لعله هو الظاهر من رواية الحلية بقرينية الأمثلة المذكورة في ذيلها ، فلا بأس باستفادة القواعد الثلاثة منها ولو من جهة اطلاق الحلية المحكوم بها للأعم من الواقعية والظاهرية بإرادة الحلية المجعولة لذات الشيء بجعل مستقل في المرتبة السابقة ، والحلية الظاهرية المجعولة لها أيضا يجعل آخر مستقل في طول الجعل الأول ، مع إرادة مطلق الاستمرار الظاهري من ارجاع القيد إلى المحمول الشامل للاستمرار الحقيقي بالنسبة إلى الحكم الظاهري والادعائي منه بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، غير أنه يحتاج إلى تعدد الدال والمدلول وعليه فلا يرد محذور في البين من نحو اجتماع للحاظين في مفاد المحمول أو الغاية أصلا ، غاية الامر حصول العلم بالجعلين من مفاد هذه الأخبار يكون في مرتبة واحدة ( ومثله ) مما لا ضير فيه ، وانما الضير كله في انشائها كذلك ثبوتا وهو غير لازم كما عرفت.

( وكيف كان ) فهذه جملة ما وقفنا عليه من الاخبار العامة التي استدل بها في المقام على حجية الاستصحاب ( ولقد عرفت ) وضوح الدلالة في بعضها مع صحة سنده ( نعم يبقى الكلام ) في مقدار دلالة هذه الأخبار وعمومها للأقسام المتصورة المذكورة سابقا للاستصحاب ، باعتبار اختلاف المستصحب من حيث كونه وجوديا أو عدميا موضوعا خارجيا أو حكما شرعيا ، جزئيا أو كليا ، تكليفيا أو وضعيا ( وباعتبار ) الشك المأخوذ فيه من حيث كون منشأ الشك في بقاء المستصحب من جهة الشك في المقتضي أو في وجود الرافع ، أو في رافعية الموجود ( وباعتبار ) الدليل الدال على ثبوت المستصحب من كونه لبيا من عقل أو اجماع ، أو لفظيا إلى غير ذلك من الأمور التي لأجلها كثرت الأقوال في المسألة ( فنقول ) انه لولا قوله (ع) في المروى عن الحضال من كان على

٧٤

يقين فشك فليمض على يقينه ( وقوله ع ) في التعليل الوارد في بعض النصوص المتقدمة بقوله ، فإنه لا ينقض اليقين بالشك ابدا ، لكان للخدشة في عموم دلالة النصوص لمطلق المتيقن المشكوك فيه مجال ( ولكن ) بعد قوة ظهور الاخبار المزبورة في العموم لا مجال لشيء من التفاصيل المذكورة في المقام ، فيجعل حينئذ سائر الأخبار الاخر مؤيدا لتلك النصوص ، كما أنه يجعل التعليل الوارد في بعضها معاضدا لدلالة البقية على العموم لجميع اقسام الاستصحاب ( وعليه ) فلا يهمنا التعرض لما أفادوه من التفاصيل في المسألة ( نعم ) انما المهم هو التعرض للتفصيل الذي أبدعه المحقق الخوانساري وارتضاه العلامة الأنصاري قده سرهما بين الشك في الرافع والمقتضي ( والتفصيل ) الآخر المحكي عن الفاضل التوني قده بين الأحكام التكليفية والوضعية ( فنقول : وبه نستعين ( اما التفصيل الأول ) فقد أفيد في تقريب تخصيص الحجية بالشك في الرافع دون الشك في المقتضي بوجوه

( منها ) ان حقيقة النقض المستعمل في نقض الحبل ومنه قوله سبحانه « كالتي نقضت غزلها » هو رفع الهيئة الاتصالية فيختص متعلقه بما كان له اجزاء مبرمة تأليفا كخيوط الغزل ، ولما امتنع إرادة ذلك في المقام يدور الامر بين حمله على رفع اليد عن الامر الثابت لوجود مقتضيه ، وحمله على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم مقتضي البقاء فيه في الزمان الثاني ( ولا ريب ) في أن الأول أقرب إلى المعنى الحقيقي لأنه من جهة اقتضاء البقاء فيه يشبه خيوط الغزل واجزاء الحبل من حيث الاتصال والاستمرار ، فالنقض في الحقيقة يكون متعلقا بنفس المتيقن وكان المصحح لاستعارته في المقام هو حيث استمراره وبقائه وان اضافته إلى اليقين لأجل كونه مرآة للمتيقن لا انه بنفسه متعلق للنقص.

( ومنها ) ان العناية المصححة لإضافة النقض إلى اليقين انما هي باعتبار استتباع اليقين للجري العملي على ما تقتضيه المتيقن ، لا باعتبار صفة اليقين ( لوضوح ) ان اليقين من الأمور التكوينية الخارجية وقد انتقض بنفس الشك ، ولا بلحاظ آثار نفس اليقين بما هو هو فإنه لم يترتب حكم شرعي على وصف اليقين بما هو ، وعلى فرض ترتبه عليه

٧٥

فليس ذلك مقصودا من اخبار الباب ، إذ هو أجنبي عن الاستصحاب ، فإضافة النقض إليه انما هو بلحاظ كونه مأخوذا طريقا إلى المتيقن بحيث كان لحوق النقض به من ناحية المتيقن لا انه ملحوظ بنفسه وبحيال ذاته ، وبذلك يختص بما إذا كان للمتيقن اقتضاء البقاء والاستمرار بحيث لو خلى وطبعه لكان الجري العملي على وفق اليقين ويصدق عليه نقض اليقين بالشك وعدم نقضه به ( بخلاف ) ما إذا لم يكن للمتيقن اقتضاء البقاء والدوام ، فان الجري العملي حينئذ ينتقض بنفسه فلا يصح ورود النقض على اليقين بعناية المتيقن ، لان المتيقن حينئذ غير مقتضى بنفسه للجري العملي على طبقه حتى يكون رفع اليد عنه نقضا لليقين به فالشك في اقتضاء المتيقن للبقاء حينئذ ملازم للشك في صدق النقض عليه فلا يندرج في عموم اخبار الباب.

( ومنها ) ان النقض وان كان متعلقا باليقين لا بالمتيقن ولكن صدق النقض في مثله لما كان منوطا بوحدة متعلق اليقين والشك لأنه بدونه يكون الشك مجامعا مع اليقين لا ناقضا له فلا يكون النقض واردا على اليقين ، فتوطئة لاعتبار الوحدة المزبورة وتصحيحا لصدق النقض يحتاج إلى اعتبار وجود مقتضى البقاء في المتيقن لكونه أقرب إلى اعتبار وحدة المتعلقين وعدم ملاحظة التقطيع الحاصل فيه في فرض عدم وجود المقتضى فيه.

( ومنها ) ان صدق نقض اليقين بالشك يتوقف على أن يكون الزمان اللاحق الذي يشك فيه في بقاء المتيقن متعلقا لليقين من حين حدوثه ولو مسامحة بحيث يقتضى اليقين بوجوده حين حدوثه ترتب الأثر عليه على الاطلاق حتى في الزمان اللاحق ( وهذا ) انما يكون إذا كان المتيقن من شأنه البقاء والاستمرار لأجل وجود مقتضيه ( إذ حينئذ ) يكون اليقين به من الأول باعتبار المزبور كأنه يقين بأمر مستمر باستمرار مقتضيه ويكون المتيقن في الزمان اللاحق كأنه متيقن الوجود من حين حدوث اليقين بوجوده وقد انتقض اليقين به بطرو الشك في البقاء ، فيصدق بذلك النقض عليه ، كما أنه يصح النهى عنه بحسب البناء والعمل ، بخلاف فرض عدم وجود مقتضى البقاء فيه ، فإنه عليه لا يكون المتيقن متعلقا لليقين بالوجود الا محدودا بزمان خاص وحد مخصوص ، ولا

٧٦

كان لليقين بوجوده اقتضاء ترتب الأثر عليه الا كذلك ، فلا يكون رفع اليد عنه في الزمان اللاحق نقضا لليقين به حتى يصح النهى عنه ( والفرق ) بين هذين التقريبين بعد اشتراكهما في كون المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم ، انه على التقريب ( الأول ) يكون دخل وجود مقتضى البقاء فيه في قلة المسامحة في اعتبار وحدة المتعلقين ( وعلى الثاني ) يكون دخله في المسامحة في اعتبار تعلق اليقين بأمر مستمر باستمرار مقتضيه ، لا في اعتبار وحدة المتعلقين ، بل الوحدة فيهما حينئذ تكون محفوظة دقة لا مسامحة ( هذا ) غاية ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه التفصيل بين مورد الشك في الرافع والشك في المقتضى ( ولكن ) في الجميع مالا يخفى.

( اما التقريب ) الأول ففيه منع كون العناية المصححة لاطلاق النقض في المقام هي جهة اتصال المتيقن الحاصل من استمراره في عمود الزمان كي يصير صور وجود مقتضى البقاء فيه منشأ لا قربية اعتبار النقض من غيرها فيتعين ارادته عند عدم امكان إرادة المعنى الحقيقي للنقض ( كيف ) ومع الغض عن اقتضائه مساوقة مفهوم النقض المستعمل في أمثال المقام مع مفهوم القطع الطارئ على الهيئات الاتصالية ، يلزمه صحة استعارته في الأمور المبنية على الثبوت والدوام ولو لم تكن ذات اجزاء مبرمة فيلزم صحة اطلاقه في مثل نقضت الحجر من مكانه وصحة صدق نقض القيام والقعود ونحو ذلك من الأمور التي يقطع ببقائه ما لم يرفعه رافع ، مع أن ذلك كما ترى ( بل المصحح ) لاطلاقه في المقام هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك نحو الابرام الحاصل في عقود الحبال ، فان مثل هذا العنوان منتزع من مرتبة الجزم الراسخ الذي لا يزول بالتشكيك ، وبهذه الجهة اختص اليقين من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة لصحة إضافة النقض إليه فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل ، ولذا لا يضاف النقض إلى غيره من مثل عنوان القطع والعلم والمعرفة فضلا عن الظن والشك ( وما يرى من اطلاقه أحيانا في مورد الشك كما في قوله (ع) ولكن ينقض الشك باليقين فإنما هو من باب الازدواج والمشاكلة ، لامن

٧٧

باب استحقاق الشك لصحة إضافة النقض إليه ( كما أن ) نكتة التعبير في أمثال المقام بعنوان اليقين مع كون موضوع الحكم بعدم الانتقاض مطلق الجزم بالشيء انما هو لأجل مناسبة هذا العنوان المبرم مع الحكم بعدم الانتقاض ، فكأنه بعد المسامحة في وحدة متعلق الوصفين ادعى بان مطلق العلم في هذا الباب يقين لا يزول بالتشكيك ولا ينقضه الشك ، لا ان ذلك من جهة غلبة استعمال اليقين في مورد ترتب آثار الواقع دون العلم والمعرفة كما توهم بخيال ان اطلاق العلم والمعرفة غالبا يكون في مقابل الظن والشك ( بل إن تأملت ) ترى ان ما ذكرناه هو المصحح لاستعارة النقض في غير المقام أيضا ، كمورد البيعة والعهد واليمين ، وكذا في مثل الصلاة والوضوء كما في الاخبار ، حيث كان المصحح لاستعماله فيها اعتبار نحو استحكام فيها يشبه الاستحكام الحاصل في عقود الحبال وخيوط الاغزال ، لا ان ذلك من جهة اعتبار هيئة إتصالية امتدادية في متعلقاتها.

( وعلى ذلك ) نقول : انه بعد أن كان المصحح لاستعارة النقض في المقام كونه متعلقا بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم ، لا حيث اتصال المتيقن ، فلا يفرق فيه بين ان يكون متعلقا بما فيه اقتضاء الثبوت والبقاء وبين ان يكون متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء ، إذ لا قصور حينئذ في شمول اطلاق اخبار الباب لكل من مورد اليقين بوجود مقتضى البقاء في المتيقن ومورد الشك فيه ( ومعه ) لا مجال لاعتبار استعداد المتيقن للبقاء تصحيحا للنقض وتوطئة للتفصيل المزبور ، لان حيث استعداده للبقاء حينئذ أجنبي عن الدخل في الصحيح المزبور ( كما لا قصور ) أيضا في شمول اطلاقها لمطلق الآثار العملية المترتبة على اليقين أعم من كونها من آثار نفس اليقين كاليقين المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه ، أو من آثار الواقع المترتبة عليه لأجل اليقين ( فان المراد ) من مادة النقض المتعلق باليقين بعد أن كان هو النقض الادعائي بحسب البناء والعمل ، لا النقض الحقيقي ، يكون مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال الراجع إلى وجوب المعاملة مع اليقين المنقوض معاملة عدمه من حيث الجري العملي ، فكل عمل يجب في حال اليقين

٧٨

بشئ يجب في حال الشك في بقائه سواء كان العمل من آثار نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من آثار المتيقن المترتب عليه بسبب اليقين كاليقين الطريقي المحض ( وبذلك ) نلتزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي لا الصفتي ما لم يؤخذ في موضوعه نفى الشك ، كما نلتزم بحكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية للحكم بنحو تمام الموضوعي كما نبهنا عليه غير مرة.

( وبما ذكرنا ) يظهر فساد ما أفيد من التقريب الثاني أيضا ، حيث إنه مبني كما اعترف به على كون اليقين في القضية ملحوظا في توجيه النقض إليه طريقا لتوجيه التنزيل إلى المتيقن بلحاظ خصوص الآثار المترتبة عليه ، لا ملحوظا مستقلا على وجه العنوانية ( ومثله ) بمعزل عن التحقيق ، إذ هو خلاف ما يقتضيه ظهور القضية في كون اليقين المأخوذ فيها ملحوظا في إضافة النقض إليه مستقلا ( كما هو ) الأصل المعول عليه في جميع عناوين الألفاظ المأخوذة في طي القضايا من حيث ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة معناه مستقلا ( مضافا ) إلى استلزامه عدم قيامه مقام العلم الموضوعي ولو على الوجه الطريقي بنحو تمام الموضوع أو جزئه ، وعدم حكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية تمام الموضوع للحكم بالحلية والطهارة ( بداهة ) ان قيامه مقام العلم المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه انما هو من لوازم ثبوت العلم التنزيلي بالواقع ، وهو متفرع على كون نظر التنزيل في القضية إلى نفس اليقين مستقلا ، لا مرآة إلى المتيقن ولا طريقا إلى الواقع كي يختص بخصوص آثار الواقع المترتب عليه لأجل اليقين ولا يعم آثار نفس اليقين ( فان ) هذا المقدار وان كان مجديا في قيامه مقام القطع الطريقي المحض ، الا انه لا يجدي في قيامه مقام العلم المأخوذ في الموضوع على نحو جزء الموضوع أو تمامه ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي ، ولا يصحح حكومته على مثل دليل الحلية المأخوذ فيه المعرفة غاية بنحو تمام الموضوع بلا دخل للحرمة الواقعية ابدا ( ومن هنا ) التجاء المحقق الخراساني قدس‌سره إلى جعل تقديمه على مثل هذه الأدلة بمناط الورود لا الحكومة ، بدعوى ان الغاية فيها هي المعرفة بمطلق الحرمة والنجاسة ولو ظاهرية ، وان كان ما افاده أيضا لا يخلو من اشكال بلحاظ ظهور هذه

٧٩

القضايا في اتحاد متعلق الشك واليقين الموجب لكون الغاية فيها خصوص المعرفة بالحكم الواقعي الذي تعلق به الشك لا مطلق المعرفة بحكم الشيء ولو ظاهريا ( فان ) التزامه بتقديمه على تلك الأدلة بمناط الورود لا الحكومة لا يكون الا لما ذكرنا من انتفاء الحكومة على هذا المسلك ( ومن هنا ) نقول : ان كل من التزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي ، وحكومته على سائر الأصول المغيا بالعلم والمعرفة كالشيخ قدس‌سره لا محيص له من التزام بان اليقين في لا تنقض ملحوظ في تعلق النقض به على وجه الاستقلال بنحو يكون محيط التزيل هو نفس اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المخصوصة المتمشية من المكلف ، ولازمه المصير إلى عمومه لمطلق آثار العلم حتى المترتبة عليه من جهة احكام نفسه ، كما أن لازمه المصير إلى عموم الحجية حتى في مورد عدم احراز استعداد المتيقن للبقاء ( لما عرفت ) من أن حيث استعداد المتيقن للبقاء حينئذ غير مرتبط بصدق النقض حتى يلزم مراعاته تصحيحا للنقض ( نعم ) انما يثمر ذلك في فرض ارجاع التنزيل في القضية إلى المتيقن ، اما بأخذ اليقين في القضية مرآة للمتيقن في توجيه النقض إليه ، أو طريقا لايصال التنزيل إليه بحيث يكون لحوق النقض باليقين من ناحية المتيقن ( ولكن ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف ظاهر القضية ، موجب لانهدام أساس حكومة الاستصحاب على سائر الأصول المغيا بالمعرفة ، وعدم قيامه مقام العلم الموضوعي ( ومن العجب ) ان بعض الأعاظم قدس‌سره مع التزامه في المقام برجوع النهي عن نقض اليقين في القضية إلى وجوب ترتيب خصوص آثار المتيقن المرتبة عليه لأجل اليقين والتفصيل لأجله بين الشك في الرافع والمقتضى ، التزم بحكومة الاستصحاب على الأصول المغيا بالعلم والمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي ( ويا ليت ) شعري انه مع التزامه بذلك كيف يصح حكومة الاستصحاب على سائر الأصول المغيا بالمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي ، ( إذا ) الالتزام بكون اليقين بعنوانه ملحوظا استقلالا في مقام التنزيل لا يناسب القول باعتبار احراز استعداد المتيقن للبقاء توطئة لصدق النقض وتصحيحا له ، كما أن تسليم كون المتيقن هو المنزل حقيقة

٨٠