نهاية الأفكار

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

يمكن تصور الشك فيهما ، لامكان تطرق الشك في النبوة أو الإمامة عقلا على فرض الجعلية ، لاحتمال كونهما محدودة في الواقع إلى وقت خاص ، وعلى فرض الواقعية ، لاحتمال الانحطاط عن الرتبة ، أو لوجود من هو أكمل من السابق ( وحينئذ ) فمتى فرضنا ترتب اثر عملي من الأعمال الخارجية أو الجوانحية من مثل عقد القلب ونحوه على واقع النبوة أو الإمامة القابل لترتيبه بالاستصحاب يجري فيهما الاستصحاب ويترتب عليهما الأثر ، وان قلنا بأنهما من الأمور التكوينية الناشئة من كمال النفس ومتى لم يكن اثر عملي لواقع النبوة أو الإمامة بان كانت الآثار المزبورة من لوازم النبوة المعلومة بوصف معلوميتها ، لا مجال لجريان الاستصحاب فيها ، وان قلنا بأنها من المناصب المجعولة ، لان مجرد جعليتها لا يجدي في صحة الاستصحاب ما لم يترتب عليها اثر عملي ( هذا ) ولكن من البعيد جدا كون تلك الآثار من لوازم النبوة المعلومة ، إذ لم يساعده الدليل ولا الاعتبار ، بل الظاهر كونها آثارا لنفس النبوة الواقعية الثابتة في ظرف العلم والجهل بها ، لأنها من مراتب شكر المنعم ووسائط النعم الحاكم به العقل السليم والذوق المستقيم ، ولازمه بعد الفحص واليأس امكان ترتبها ببركة الامارة أو الأصل المنقح لموضوعها ، لولا دعوى عدم تمشي التسليم والانقياد الحقيقي لنبي أو امام مع التزلزل في نبوته أو إمامته ، وان أمكن دفعه بان مالا يتمشى مع الشك انما هو التسليم والانقياد الجزمي ، واما التسليم والانقياد له بعنوان كونه نبيا أو إماما ظاهرا بمقتضى الامارة أو الأصل المنقح فلا بأس به.

( ولكن ) الذي يسهل الخطب انتفاء الشك الذي هو ركن الاستصحاب في نحو هذه الاستصحابات ، فان المسلم المتدين بالاسلام لا يكون شاكا في بقاء نبوة عيسى (ع) ، بل هو بمقتضى تدينه قاطع بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ( كيف ) ولا طريق له إلى اليقين بنبوة عيسى (ع) ولو في سالف الزمان الا القرآن واخبار نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والا فمع قطع النظر عن ذلك لا يقين له بأصل نبوته بمحض تدين جماعة بدينه ، ومن المعلوم ان القرآن وكذا نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أخبرا عن

٢٢١

نبوته سابقا ، كذلك أخبرا باختتام نبوته ونسخ شريعته ، ومعه ( كيف ) يتصور للمسلم المتدين بنبوة النبي اللاحق ، الشك في بقاء نبوة النبي السابق وبقاء شريعته كي ينتهى المجال إلى الاستصحاب ، كما أن المتدين بدين النصارى والمتثبت فيه قاطع ببقاء شريعة عيسى (ع) ( نعم ) قد يتصور الشك في البقاء بالنسبة إلى بعض النصارى ممن اطلع على مزايا الاسلام على ساير الأديان ، فان مثله ربما يشك في نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيشك في بقاء نبوة نبي السابق وشريعته ( ولكن ) الاخذ بالاستصحاب لمثل هذا الشاك في الشريعتين لو يجدى فإنما هو فيما يرجع إلى عمل نفسه ، ولا ينفع في الزامه المتدين بدين الاسلام ( لان ) الاستصحاب وظيفة عملية للشاك والمتحير ، ولا شك للمسلم في بقاء نبوة السابق لكونه قاطعا بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ النبي اللاحق ، ولا حجة للجاهل على العالم ( كما أن ) صحة اخذه بالاستصحاب ولو في عمل نفسه انما هو في فرض علمه بحجية الاستصحاب في الشريعتين لعلمه اجمالا حينئذ اما ببقاء السابق واقعا أو بكونه محكوما بالبقاء بحكم الاستصحاب ( والا ) فعلى فرض عدم علمه بحجيته الا في الشريعة السابقة أو في خصوص الشريعة اللاحقة ، فلا يجديه الاستصحاب ولو لعمل شخص نفسه ، لان علمه بحجية على الأول دوري ، وعلى الثاني غير مجد لمكان جزمه بمخالفة الاستصحاب حينئذ للواقع بلحاظ ملازمة حجيته في الشريعة اللاحقة لنسخ الشريعة السابقة ، فلا يحصل له العلم الاجمالي ببقاء الشريعة السابقة اما واقعا أو استصحابا كما هو واضح.

( وبما ذكرنا ) ظهر ان تمسك الكتابي بالاستصحاب في مناظرته مع السيد المتبحر السيد باقر القزويني في بلدة ذي الكفل ان كان لأجل اقناع نفسه في عمله بالشريعة السابقة فما ارتكب في دعواه شططا ، واما ان كان ذلك لأجل الزامه المسلمين على التدين بدين النصرانية ، ففساده غنى عن البيان ، لما عرفت من أنهم وان كانوا مذعنين بنبوة عيسى (ع) حسب اخبار نبينا الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك وتصديقهم إياه في كل ما قال ، الا انهم عالمون بانقطاع نبوته ونسخ شريعته فلا شك لهم في ذلك

٢٢٢

كي ينتهى المجال إلى الزامهم بالالتزام بالشريعة السابقة بمقتضى الاستصحاب المعلوم حجيته لديهم ، ( وان كان ) لا هذا ولا ذاك ، بل لأجل الزام المسلمين على إقامة الدليل على مدعاهم من الدين الجديد ، فله وجه وجيه ، الا ان مدعى بقاء الدين السابق أيضا يحتاج إلى إقامة الدليل على بقائه ، ولا يكفيه الاخذ بالاستصحاب الذي هو الوظيفة الفعلية العملية للمتحير الشاك في اثبات البقاء ، ولكن هذا المعنى خلاف ما هو المحكى عنه من قوله فعليكم كذا وكذا ، فإنه ظاهر بل صريح في أن غرضه الزام المسلمين على الاخذ بالدين السابق بالاستصحاب بمقتضى يقينهم السابق بنبوة عيسى (ع) ، ولذا أفاد السيد الجليل في جوابه في مجلس المناظرة بما هو مضمون ما ذكره الرضا (ع) في جواب جاثليق من انا نعترف بنبوة كل موسى وعيسى الخ ، وعليه عرفت ما فيه من أن الاستصحاب وظيفة عملية للشاك في البقاء والارتفاع لا للمتيقن بالارتفاع ، واليه يرجع ما افاده السيد قدس‌سره من الجواب في مجلس المناظرة من انا نؤمن ونعترف بنبوة كل موسى وعيسى أقر بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان الغرض من هذا الجواب بيان ان علمنا بنبوة الشخص الخارجي المسمى بموسى أو عيسى (ع) لا يلزمنا البقاء على شريعتهما ، لأنا كما نقطع بنبوتهما سابقا كذلك نقطع بنسخ شريعتهما ، بل وباعترافهما بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله حسب تصديقنا النبوة للنبي الجديد صلى‌الله‌عليه‌وآله وتصديقنا إياه في كل ما قال الذي منها اخباره باخبارهما بمجئ نبي بعدهما اسمه احمد ، بل ووجوب البشارة عليهما لا متهما بمجئ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان المقصود من ذكر القيد اخذه معرفا للشخص الخارجي المسمى بموسى وعيسى كسائر معرفاته من كونه طويلا أو أسمر اللون ونحو ذلك ، لا ان المقصود اخذه منوعا قد جيئ به تضييقا لدائرة الكلى كي يتوجه عليه الاشكال بان موسى أو عيسى موجود واحد جزئي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوته ( ومن الواضح ) ان اعتراف المسلمين بنبوة هذا الشخص المبشر لا يكاد يضرهم ولا ينفع الكتابي أيضا فتدبر فيه فإنه ظاهر واضح.

٢٢٣

التنبيه الثاني عشر

إذا ورد عام افرادي يتضمن العموم الزماني وخرج بعض افراد العام عن الحكم بالتخصيص في بعض الأزمنة فشك في أن خروجه عنه في تمام الأزمنة أو في بعضها ، فهل المرجع بعد انقضاء الأمد المتيقن خروجه عنه هو عموم العام كما عن بعض ، أو استصحاب حكم المخصص كما عن بعض آخر ، وجهان ( وقد ) عد من ذلك قوله سبحانه أوفوا بالعقود باعتبار أدلة الخيارات كخيار الغبن ونحوه إذا شك في أنه للفور أو التراخي ( وتنقيح ) الكلام فيه يستدعى تقديم أمور.

( الامر الأول ) ان الزمان في دليل العام اما ان يكون قيدا للموضوع أو الحكم ، واما ان يكون ظرفا لهما ( وعلى الأول ) تارة يكون مجموع آنات الزمان لوحظ على وجه الارتباطية قيدا واحدا ، نظير العام المجموعي بحيث لو خلا آن واحد عن وجود الموضوع أو الحكم لا ارتفع الموضوع والحكم من أصله ، كما لعله من هذا القبيل باب الصوم من حيث إن حقيقة الصوم المأمور به هو الامساك المتقيد بكونه في مجموع آنات النهار من طلوع الفجر إلى الغروب من حيث المجموع بنحو يتحقق العصيان وينتفى المأمور به بخلو آن من آنات النهار عن الامساك تعمدا ( وانما قلنا ) ان منه باب الصوم احتمالا لا جزما ، لقوة احتمال عدم كونه من باب التقييد بالزمان ( بل من باب ) كونه عبارة عن مرتبة خاصة من الامساك المحدود بالحدين أوله بما يقارن الفجر وآخره بما يقارن الغروب بنحو يكون الفجر والغروب معينين للحدين وكاشفين عنها بنحو كشف اللازم عن الملزوم وكان النهار من أوله إلى آخره ملازما لتلك المرتبة من الامساك الخاص ، لا انه اخذ قيدا فيه ( وعلى كل حال ) فعلى القيدية ، اما ان يكون مجموع الأزمنة من حيث المجموع على نحو الارتباطية لوحظ قيدا

٢٢٤

واحدا للموضوع أو الحكم ، واما ان يكون لوحظ كل آن من آنات الزمان قيدا مستقلا بنحو يتكثر الموضوع أو الحكم بتكثر آنات الزمان ويصير الموضوع الوحداني الخارجي باعتبار تكثر الآنات موضوعات متعددة يتبعها احكام عديدة نظير العام الأصولي كما لو ورد في الخطاب يجب اكرام زيد في كل زمان ، أو ان اكرام زيد واجب في كل زمان ، فان تقسيم العام إلى المجموعي والأصولي كما يجري في العموم الافرادي ، كذلك يجري في العموم الازماني ، غير أن الارتباط والاستقلال في العموم الافرادي يلاحظان بالنسبة إلى الافراد ، وفي العموم الزماني يلاحظان بالنسبة إلى اجزاء الزمان وآناته ، ومن غير فرق بين سعة دائرة الزمان بكونها ما دام العمر ، أو محدودة بالسنة أو الشهر أو اليوم ( والفرق ) بين هذين القسمين انما هو من حيث وحدة الإطاعة والمعصية وتعددهما التابع لوحدة التكليف والموضوع وتعدده.

( وعلى الثاني ) وهو الظرفية للموضوع أو الحكم ( فتارة ) يكون مفاد العام اثبات حكم شخص مستمر وحداني لكل فرد من افراد موضوعه المستمر على نحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا بحيث لو انقطع هذا الشخص لم يكن الخطاب متكفلا لحكم آخر لشخص موضوعه ( وأخرى ) يكون مفاده اثبات حكم سنخي لذات كل فرد بما هي سارية في جميع الحالات والأزمان على وجه قابل للانحلال حسب القطعات المتصورة للفرد الشخصي بحسب الأحوال والأزمان إلى احكام متعددة ثابتة لكل قطعة من القطعات الموجودة للفرد الشخصي المستمر ، ومن غير نظر في تكفله لثبوت ذلك الحكم السنخي لذات كل فرد إلى كل زمان ليكون قطعات الزمان افرادا مستقلة للعام كما يقتضيه فرض اخذ الزمان قيدا للموضوع أو الحكم ( وثالثة ) يكون مفاد العام اثبات حكم سنخي لطبيعة الموضوع القابل للانطباق على كل فرد على وجه الاطلاق والسريان بالنسبة إلى الحالات والأزمان مع فرض كون الزمان في جميع هذه الفروض ظرفا بحيث لو اخذ في لسان الدليل كان لمحض الإشارة إلى أمد استمرار الحكم أو موضوعه.

( ومن نتائج ) هذه الفروض انه على الأول لو ورد دليل على نفي الحكم عن فرد في زمان معين فشك في ثبوت الحكم له بعد زمان التخصيص ، لا مجال للتشبث بدليل

٢٢٥

العموم لاثبات حكمه بعد زمان التخصيص ( بل لابد ) حينئذ من التماس دليل آخر ( والا ) فالدليل الأول لم يتكفل الا لاثبات حكم شخصي مستمر زمانا لموضوع شخصي مستمر ومثله انقطع بالدليل المخرج ( بخلاف ) الأخيرين ، فان الدليل الأول بلحاظ تكفله لاثبات الحكم الشخصي القابل للانحلال لذات الفرد أو الطبيعي الجامع على نحو الاطلاق والسريان بالنسبة إلى الحالات والأزمان يكون مثبتا لحكم هذا الفرد فيما بعد زمان التخصيص ، ومن هذه الجهة لا قصور في التشبث به لثبوت حكمه بعد التقطيع ( من غير فرق ) بين ان يكون التقطيع من الوسط أو من الأول ( والسر في ذلك ) هو ان ما يقتضيه نفس دليل الحكم انما هو ثبوت الحكم لذات الفرد أو الطبيعي في الجملة بحيث لو شك فيه بالنسبة إلى بعض الأحوال أو الأزمان يرجع فيه إلى الأصول العملية ( واما ) ثبوته له مستمرا إلى الأبد وفى جميع الأحوال فإنما هو بمقتضي اطلاق دليله ، وبذلك يستكشف من الدليل المخصص المزبور المخرج للزمان ، تحديده من الأول إلى الزمان الخاص ، فيكون الدليل المخصص في الحقيقة محددا له إلى زمان خاص ، لا انه مخصص ومخرج للفرد عن حكم العام ، والا يلزم عدم ثبوت حكم العام من الأول لمثل هذا الفرد ، وليس كذلك بل العام باق على عمومه حتى بالنسبة إلى هذا الفرد ( غاية الامر ) يرفع اليد عن اطلاقه بالنسبة إلى بعض الأزمنة ويؤخذ باطلاقه فيما عداه ، إذ لا وجه لرفع اليد عن اطلاقه بالنسبة إلى غير هذا الزمان ، لان المطلق لا يخرج عن الحجية بمجرد ورود تقييد على بعض جهاته ( وبهذه ) الجهة نفرق في الفرض الأول بين منقطع الوسط ومنقطع الأول والأخير ، حيث نقول بمرجعية العام باطلاقه المتكفل لشخص الحكم في الأخيرين بلحاظ عدم خروج الحكم الشخصي الثابت للفرد بعد التقطيع المزبور بالنسبة إلى غير زمان المخرج عن الوحدة والشخصية ( بخلاف ) التقطيع من الوسط فإنه من المستحيل بقاء الحكم المزبور على وحدته مع تخلل العدم بينهما ( فلو ) ثبت له حكم بعد الزمان المخرج ، يلزم تكفل دليل العام لاثبات الحكمين ، والمفروض عدم تكفله الا لاثبات حكم وحداني شخصي كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) لا اشكال في أن اعتبار العموم الزماني بنحو القيدية أو

٢٢٦

الظرفية لنفس الحكم أو لمتعلقه لابد وأن يكون بقيام الدليل عليه ، والدليل المتكفل لذلك ( كما أنه ) قد يكون هو الدليل الخارجي ( كذلك ) قد يكون نفس الدليل المتكفل للحكم ( فإنه ) يمكن ان يكون هو المتكفل للعموم الزماني بالنصوصية أو بقضية اطلاقه ( من غير فرق ) في هذه الجهة بين ان يكون مصب العموم الزمان متعلق الحكم الذي هو فعل المكلف كقوله يجب اكرام العالم في كل زمان أو دائما ومستمرا إلى الأبد ، وبين ان يكون مصبه نفس الحكم من الوجوب أو الحرمة كقوله يجب مستمرا أو في كل زمان اكرام العالم ، أو ان اكرام العالم واجب في كل آن ، أو واجب بوجوب مستمر في كل زمان مع إقامة القرينة الحافة بكلامه على وجه يصير ظاهرا في رجوع القيد إلى نفس الحكم دون متعلقه ( فعلى كل تقدير ) يمكن ان يتكفل اعتباره نفس دليل الحكم بلا احتياج إلى التماس دليل آخر منفصل كما هو ظاهر.

( ولكن ) الذي يظهر من بعض الأعاظم قدس‌سره على ما في التقرير عدم امكان تكفل نفس دليل الحكم لبيان التقييد إذا كان مصب العموم الزماني نفس الحكم ( بتقريب ) ان استمرار الحكم ودوام وجوده انما هو فرع أصل ثبوته ووجوده ، فنسبة الحكم إلى عموم أزمنة وجوده نسبة الحكم والموضوع ، والعرض والمعروض ، إذ العموم الزماني كان واردا على الحكم وواقعا فوق دائرته فلا يمكن ان يكون الدليل المثبت لأصل ثبوت الحكم متكفلا لبيان أزمنة وجوده ( بل لابد ) من التماس دليل آخر منفصل يكون هو المتكفل لبيانه ( بخلاف ) ما لو كان مصب العموم المزبور متعلق الحكم ، فإنه يمكن ان يكون المتكفل لبيانه نفس دليل الحكم ، لان العموم الزماني حينئذ كان تحت دائرة الحكم وكان الحكم واردا عليه كوروده على المتعلق ، فلو شك حينئذ في أصل التخصيص أو في مقداره يجوز التمسك بعموم العام الازماني في فرض كون مصب العموم هو المتعلق ، بخلاف فرض كون مصبه نفس الحكم ، فإنه لا يجوز التمسك بدليل الحكم لعدم امكان تكفله لأزمنة وجوده ، ولا بما دل على عموم أزمنة وجوده ، بلحاظ ان الشك في أصل التخصيص الزماني ، أو في مقداره مستتبع للشك في وجود الحكم ( وحيث ) ان وجود الحكم بمنزلة الموضوع للعموم الزماني ، فلا يمكن تكفل

٢٢٧

العموم الزماني لوجود الحكم مع الشك فيه ، لأنه يكون بمنزلة اثبات الموضوع بالحكم انتهى ملخص مرامه بطوله.

( وفيه ) ان استمرار كل شيء ودوامه موضوعا كان أو حكما ليس الا عبارة عن سعة دائرة وجوده في أزمنة بعد حدوثه فعنوان البقاء وان كان بمنشأ انتزاعه متأخرا عن الحدوث ، ولكنه ليس من قبيل تأخر المعلول عن علته والحكم عن موضوعه والعرض عن معروضه بنحو موجب لتخلل فاء بينهما الكاشف عن اخلاف مرتبتهما ، بل تأخره عن الحدوث انما كان ذاتا لا مرتبة ، لوضوح انه انما ينتزع عن وجود الشيء في ثاني زمان حدوثه وثالثه ، والا فالباقي عين الحادث وجودا ومرتبة ( وحينئذ ) فإذا كان ذلك شأن الحدوث والبقاء ( نقول ) ان كل مورد يكون مصب العموم الزماني نفس الحكم لابد من جعل الحكم الذي هو مصب هذا العموم مهملة عن هذا القيد ليكون العموم واردا عليه ، كما هو شأن كل موضوع بالنسبة إلى المحمول الوارد عليه ( وحينئذ ) فكلمة يجب في قوله يجب اكرام كل عالم مستمرا انما تدل على ثبوت هذا الحكم المهمل من حيث القيد المزبور لكل فرد ، ويكون الدوام والاستمرار من عوارض هذه الطبيعة المهملة.

( واما ) استفادة العموم الزماني فإنما هو من استمرار وجود هذه الطبيعة المهملة من هذه الجهة في الأزمنة المتمادية لا من نفسها ، لأنها ليست الا المعنى المهمل من هذه الجهة ، فلا يمكن استفادة العموم الزماني منها ( بل لا فرق ) في هذه الجهة بين ان يكون مصب العموم الزماني نفس الحكم أو المتعلق ( فإنه ) على كل تقدير لابد من تجريد مصبه حكما كان أو موضوعا من هذه الجهة ، ( ومعه ) يكون استفادة العموم الزماني ممحضا بما دل على استمرار وجوده في أزمنة بعد حدوثه ، لا من نفس ما طرء عليه العموم ( وعليه ) فالتفصيل بين كون مصب العموم الزماني هو المتعلق وبين كونه نفس الحكم في امكان تكفل دليل الحكم لبيان العموم الزماني في الأول وعدم امكانه في الثاني واحتياجه إلى دليل منفصل عنه ( منظور فيه ) لما عرفت من احتياج كل منهما في استفادة العموم الزماني إلى ما دل على استمرار وجوده زائدا عما دل على ما طرء

٢٢٨

عليه العموم ( وبما ذكرنا ) انقدح عدم تمامية ما أفيد من التفريع على التفصيل المزبور أيضا من مرجعية أصالة العموم عند الشك في أصل التخصيص أو مقداره في فرض كون مصب العموم الزماني هو المتعلق ، وعدم مرجعية العموم ولزوم الرجوع إلى استصحاب حكم العام عند الشك في التخصيص ، واستصحاب حكم المخصص في فرض كون مصبه نفس الحكم ( إذ نقول ) ان العموم وان كان من قبيل المحمول بالنسبة إلى الحكم ، الا ان دليل الحكم بعد ما لم يكن متكفلا الا للطبيعة المهملة لا الطبيعة السارية في الأزمنة المتمادية ، بل كان المتكفل لحيث الاستمرار الحاكي عن انبساط وجود الحكم في جميع الأزمنة ، غير الدليل المتكفل لأصل ثبوته ، فلا جرم عند الشك في انقطاع هذا الاستمرار يكون المرجع هو الدليل المتكفل لعمومه الزماني بلا احتياج إلى دليل منفصل ( ومعه ) لا يكاد رجوع الشك فيه إلى الشك في أصل وجود الحكم المهمل لان وجوده انما كان محرزا بدليله ، وانما الشك في سعة وجود الحكم من جهة الزمان ( ولا ملازمة ) بين الشك في استمرار الحكم وعمومه ، وبين الشك في أصل وجوده ( وان شئت ) مزيد بيان لذلك فاستوضح بالمثال المعروف من أوفوا بالعقود في ما لو شك في وجوب الوفاء في زمان بعقد من العقود ( فإنه ) بعد أن كان له عموم افرادي متكفل لثبوت الحكم لكل فرد من العقود بنحو الاجمال ، وعموم زماني متكفل لسريان الحكم الثابت لكل فرد في جميع الأزمنة ، وكان عمومه الازماني تابعا للعموم الافرادي لكونه واردا عليه ورود الحكم على موضوعه ، بحيث لو لم يكن له عموم افرادي يقتضى ثبوت وجوب الوفاء لكل عقد لا يتصور له عموم أزماني ( فتارة يكون الشك في حكم فرد من العقود من جهة احتمال التخصيص في عمومه الافرادي بنحو يوجب خروج الفرد عن حكم العام ( وأخرى ) يكون الشك في سعة وجود الحكم الثابت لكل فرد واستمراره في الأزمنة المتمادية ( فان كان ) الشك من الجهة الأولى ، فلا شبهة في أن الرافع لهذا الشك لا يكون الا ما يقتضي عمومه الافرادي ، والا فدليل العموم الازماني غير متكفل لرفع هذا الشك ، لما عرفت من أن العموم الازماني وارد عليه ورود الحكم على موضوعه ، فعلى فرض هذا التخصيص يكون

٢٢٩

الفرد المزبور خارجا من أصل الحكم فلا يتحقق موضوع للعموم الازماني بالنسبة إليه ( وان كان ) الشك من الجهة الثانية فالرافع لهذا الشك انما يكون هو الدليل المثبت لعمومه الازماني بلا حاجة إلى التماس دليل آخر منفصل ( ولا مجال ) حينئذ لدعوى استتباع الشك في العموم الزماني بالنسبة إلى هذا الفرد للشك في أصل ثبوت حكم العام لهذا الفرد ( لان ) الشك في الاستمرار والعموم الزماني فرع دخوله في العموم الافرادي ، فكان هذا التخصيص كتعميمه فرع عمومه الافرادي ( ففي المثال ) المزبور لو خرج فرد من العقود عن الحكم في زمان وشك في أن خروجه للتالي أو في بعض الأزمنة ، فمقتضى تبعية العموم الازماني للعموم الا فرادى وان كان لا مجال بدوا للعموم الازماني ( ولكن ) بعد أن كان العموم الافرادي مثبتا للحكم بالنسبة إلى هذا الفرد ، يرجع فيه إلى عمومه الازماني المثبت لاستمرار حكمه في بقية الأزمنة ، ومعه لا يكاد انتهاء الامر إلى استصحاب حكم المخصص كما هو واضح.

( الامر الثالث ) كل ما ذكرنا من الشقوق في دليل العام يجري في دليل المخصص ، ففيه أيضا تارة يكون الزمان مأخوذا في دليله قيدا للموضوع أو الحكم على نحو المفردية بنحو يقتضى تكثر الحكم والموضوع حسب تكثر الأزمنة ، كقوله : لا تكرم زيدا في كل يوم أو زمان بعد قوله : أكرم العلماء في كل يوم أو زمان ، ( وأخرى ) على وجه الظرفية للموضوع أو الحكم بنحو موجب لاثبات حكم مستمر لموضوعه المستمر ، ( وكونه ) على الثاني تارة في مقام اثبات حكم شخصي تبع استمرار موضوعه ( وأخرى ) اثبات حكم سنخي لذات موضوعة المطلق بما هي سارية في جميع الأحوال والأزمان كما هو الشأن في كل مطلق متكفل لاثبات الحكم للطبيعة المطلقة السارية في جميع الأحوال والأزمان على وجه قابل للانحلال حسب قطعات موضوعه الساري في اجزاء الزمان ، مع كون مفاد دليله ، تارة نقيضا لحكم العام ، وضدا له أخرى ( وحيث ) اتضح هذه الجهات ( نقول ) : ان الدليل المتكفل للعموم الزماني قسمان ( قسم ) يكون الزمان فيه ملحوظا على وجه العموم بحيث يكون كل فرد من افراده بالنسبة إلى كل قطعة من قطعات الزمان موضوعا مستقلا لحكم

٢٣٠

مستقل على وجه لو خرج فرد في قطعة من الزمان عن حكم العام كان العام المزبور وافيا لاثبات حكمه في بقية القطعات ، نظير العموم الافرادي ( وقسم ) منه يكون الزمان ملحوظا فيه على وجه الاستمرار والدوام بالنظر الوحداني ( فمن الأول ) ما لو كان العموم بلسان كل يوم أو كل زمان كقوله : أكرم العلماء في كل يوم أو زمان ( ومن الثاني ) ما لو كان بلسان الدوام والاستمرار كقوله : أكرم العلماء دائما أو مستمرا أو ما يفيد ذلك ( اما القسم الأول ) فلا شبهة في أنه إذا خصص بعض افراد هذا العام في بعض الأزمنة وشك في خروجه للتالي يكون المرجع فيه بالنسبة إلى الأزمنة المشكوكة هو العموم الزماني ، كمرجعية العموم الافرادي فيما لو شك في أصل التخصيص الفردي ، أو في زيادة التخصيص ( من غير فرق ) بين أن يكون الزمان ملحوظا في دليله على وجه القيدية والمفردية للموضوع أو الحكم ، وبين أن يكون ملحوظا فيها على وجه الظرفية ( إذ لا ملازمة ) بين تكثر الحكم والموضوع حينئذ ، وبين قيدية الزمان ومفرديته ، لامكان تعدد الحكم والموضوع حينئذ ولو مع لحاظ الزمان على وجه الظرفية ، بان يكون المشخص لكل فرد من الاكرامات المتصورة في قطعات الزمان أمرا آخرا ملازما مع قطعات الزمان ، فلا يكون تعدد الموضوع والحكم دائرا مدار القيدية كما لا يكون وحدتهما دائرة مدار الظرفية ( ومن غير فرق ) بين أن يكون الزمان مأخوذا في دليل المخصص على نحو القيدية أو على نحو الظرفية ( ولا بين ) أن يكون الخروج من وسط الأزمنة أو من أولها أو آخرها ، فان المرجع على كل تقدير عند الشك في غير مورد دلالة المخصص على الخروج هو العموم الأزماني المتكفل لنحو ثبوت الحكم في كل قطعة من قطعات الزماني ، لبقائه على حجيته في غير ما دل عليه المخصص ، كان استفادة مثل هذا العموم من العموم اللغوي ، أو من قضية الاطلاق المنزل عليه بدليل الحكمة ، ومعه لا ينتهى المجال إلى جريان الاستصحاب مع وجود العموم الذي هو من الأدلة الاجتهادية ، لا في طرف المخصص ، ولا في طرف العام ( بل في بعض ) هذه الفروض لا مورد لجريان الاستصحاب ولو مع قطع النظر عن وجود هذا العام لكونه من اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر بل في مثله يكون المرجع استصحاب عدم ثبوت حكم

٢٣١

العام له في القطعات المشكوكة من الزمان بلحاظ سبق وجوب كل قطعة بالعدم الأزلي ، الا في فرض اخذ الزمان في طرف المخصص ظرفا محضا ، فإنه حينئذ لولا وجود العام أمكن المجال لاستصحاب حكم المخصص ( ومثل ) هذا العموم الزماني ، ما إذا كان هناك مطلق متكفل لاثبات الحكم للطبيعة المطلقة بما هي سارية في جميع الأحوال وجميع قطعات الزمان ، بلا نظر منه في سريان الطبيعي بحسب الحالات والأزمان إلى كون قطعات الأزمنة قيدا ، فإنه لو قيد مثل هذا الاطلاق بخروج فرد منه في بعض الأحوال أو الأزمان فشك في خروجه ، للتالي ، كان مثل هذا المطلق كالعموم الزماني وافيا لاثبات حكمه في بقية الحالات والأزمان ، اقتصارا ، في تقييده بقدر ما يقتضيه الدليل الدال عليه ، ولو مع الجزم بظرفية الزمان فيه كما هو الشأن في سائر المطلقات ( ومن هنا ) نقول في المطلقات الواردة لاثبات القصر في السفر انه لو خرج المسافر المقيم عن بلد الإقامة أو ما بحكمه كالثلثين مترددا بعد قطع حكم سفره بالإقامة ( لا يحتاج ) في وجوب القصر عليه إلى انشاء سفر جديد ، بل يكفيه مثل هذه المطلقات في وجوب القصر عليه ، لولا دعوى اقتضاء اطلاق التنزيل لاجراء جميع آثار الوطن الحقيقي على اقامته في محل حتى قصد المسافة الجديدة ، وان كان مثل هذا الدعوى لا يخلو عن اشكال لمكان عدم كون مثل هذه الجهة من الآثار الشرعية للوطن الحقيقي كي يكون التنزيل ناظرا إليه ، وانما هي من جهة اقتضاء طبع الوطن لتقطيع أصل السفر عند مروره إليه ، مع اختصاص مثل هذا التنزيل بالإقامة عشرا في محل وعدم شموله لمثل الثلثين مترددا ونحوه ( ولكن ) المسألة فقهية تنقيحها موكول إلى محل آخر ( والمقصود ) في المقام بيان وفاء هذا النحو من المطلقات كالعموم الزماني لتكفل اثبات الحكم لما بعد زمان الخارج من الأزمنة المتأخرة ولو مع الجزم بظرفية الزمان وانه مع وجوده لا ينتهى الامر إلى الاستصحاب ( واما القسم الثاني ) وهو ما كان الزمان ملحوظا في العموم الأزماني على وجه الاستمرار والدوام كقوله : أكرم العلماء دائما أو مستمرا ، فان كان العنوان المزبور ملحوظا في الموضوع أو المتعلق على نحو القيدية أو الظرفية وكان العام ناظرا إلى اثبات حكم سنخي لذات موضوعه المستمر

٢٣٢

في أجزاء الزمان على نحو قابل للتكثر تحليلا ، فلا إشكال أيضا في أن المرجع عند الشك هو عموم هذا العام دون الاستصحاب ، من غير فرق بين أن يكون التقطيع من الأول أو الوسط. فان الموضوع حينئذ وان كان واحدا شخصيا مستمرا إلا أن وحدته الشخصية لا ينافي تعدد الحكم المتعلق به تحليلا باعتبار قطعات وجوده التحليلي بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، بل يكفي مجرد قابليته لذلك في حمل الدليل المتكفل لحكم العام على بيان سنخ الحكم الا شخصه الآبي عن التعدد ولو تحليلا « وحينئذ » فإذا خرج بعض أفراد هذا العام عن الحكم في زمان وشك في أن خروجه في جميع الأزمنة أو في بعضها ، فلا قصور في مرجعية العموم المزبور بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين بخروجه ، لوقائه حينئذ في التكفل لحكم الفرد الخارج في زمان ، في الأزمنة المتأخرة ، ومعه لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب لا في مفاد العام ، ولا في مفاد المخصص.

( نعم ) لو كان دليل العام في تكفله لاثبات الحكم لكل فرد ناظرا إلى حيث وحدة الحكم وشخصيته بنحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا ، كان للمنع عن الرجوع إلى العام كمال مجال ، لارتفاع ما تكفله دليل العام من الحكم الشخصي المستمر بالتقطيع في بعض الأزمنة وعدم تكفله أيضا لاثبات حكم آخر له بعد التقطيع المزبور ( إذ حينئذ ) لا محيص من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص ، لا إلى عموم العام ، بل ولا إلى استصحاب مفاده ، للقطع بعدم امكان بقائه على وحدته الشخصية بعد انقطاعه وتخلل العدم في البين ( ولكن ) ذلك في فرض كون التقطيع من الوسط ( والا ) ففي فرض كونه من الأول أو الآخر لا قصور في مرجعية دليل العام كما ذكرناه ( وبما ذكرنا ) يظهر الحال فيما لو كان العموم الزماني بنحو الدوام والاستمرار مأخوذا في الحكم لا في الموضوع أو المتعلق ، فإنه يأتي فيه أيضا ما ذكرناه من التشقيق في الدليل المتكفل لثبوته ، من حيث كون النظر فيه ، تارة إلى حيث وحدته واستمراره على نحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا ، وأخرى إلى صرف ثبوت الحكم الشخصي لذات موضوعه بما هي سارية في جميع الأحوال والآنات بلا نظر منه في اثباته إلى حيث وحدته الشخصية

٢٣٣

ولا إلى خصوصية استمراره إلى أمد مخصوص ، بل تمام النظر في قوله دائما أو مستمرا إلى بيان إطلاقه في نحو ثبوته لذات موضوعه الساري في جميع الآنات والأحوال ( فعلى الأول ) يكون المرجع عند الشك هو الاستصحاب في مفاد المخصص في فرض كون الزمان ظرفا بالنسبة إليه لا قيدا مكثرا ، ولا مجال للتشبث بدليل العام ، بل ولا باستصحابه ولو مع عدم جريان استصحاب الخاص ( وعلى الثاني ) يكون المرجع في غير مورد دلالة الخاص هو دليل العام ، نظرا إلى وفائه لاثبات حكم الفرد الخارج في زمان في الآنات المتأخرة ( ومعه ) لا يكاد انتهاء الامر إلى الاستصحاب لا في مفاد العام ولا في مفاد الخاص كما هو ظاهر ( ولكن ) مرجع ذلك في الحقيقة إلى التمسك بقضية الاطلاق الناشئ من تعليق الحكم على طبيعة موضوعه من حيث هي السارية في جميع الأزمنة والأحوال ، فالعموم الزماني كان مستفادا من هذا الاطلاق لا من جهة أخذ الزمان ولو بنحو الدوام والاستمرار قيدا للحكم ( نعم ) يكفي هذا المقدار في الرجوع إلى حكم العام ولو باطلاقه الا حوالي الراجع إلى تعليق الحكم بذات موضوعه الساري في جميع الأزمنة ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا ينقدح ما في كلام الشيخ قدس‌سره من اطلاق القول بمرجعية استصحاب الخاص في فرض كون العموم الأزماني على نحو الدوام والاستمرار مع اطلاق القول في طرف المخصص من حيث كون الزمان فيه مأخوذا ظرفا أو قيدا مكثرا ( فان ) مجرد أخذ العموم الأزماني في دليل العام بنحو الدوام والاستمرار المستلزم لكون جميع الآنات ملحوظا بلحاظ واحد لا بلحاظات متعددة لا يقتضي سقوط العام عن المرجعية بقول مطلق حتى في فرض عدم تكفل دليله لحيث وحدة الحكم بنحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا ، كما أن مجرد فرض تكفله لوحدة الحكم على النحو المزبور لا يوجب صحة التمسك باستصحاب حكم المخصص على الاطلاق ( لوضوح ) ان مدار الاستصحاب حينئذ على ملاحظة دليل المخصص من حيث ظرفية الزمان فيه وقيديته ، ولا ملازمة بين لحاظ الزمان في طرف العام ظرفا أو قيدا مكثرا ، وبين لحاظه كذلك في دليل الخاص ( فإنه ) يمكن ان يكون الزمان

٢٣٤

في العام مأخوذا على نحو الظرفية والاستمرار ، وفي طرف الخاص مأخوذا على نحو القيدية والمكثرية ، كما أنه يمكن أن يكون الامر بالعكس ( وحينئذ ) فإذا كان الاستصحاب تابعا لدليل المستصحب لا لغيره ، فلابد في استصحاب حكم المخصص من ملاحظة دليل المخصص من حيث ظرفية الزمان فيه أو قيديته ، فإذا كان الزمان مأخوذا فيه قيدا مكثرا لا مجال لاستصحابه لكونه من اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر ( من غير فرق ) بين أن يكون مفاد المخصص نقيضا لحكم العام أو ضدا له.

( تكملة )

بعد ما تبين لك تشخيص موارد التمسك بالعموم الزماني ، وموارد التمسك بالاستصحاب عند تبين العموم الزماني بنحو المفردية أو الاستمرار وتبين مصبه ، يبقى الكلام فيما يقتضيه الأصل عند الشك في أصل العموم الزماني أو في مصبه ( فنقول ) انه تارة يكون الشك في أصل العموم الزماني للحكم أو المتعلق ، وأخرى يكون الشك في مصبه بعد اليقين بأصله ( اما لو كان ) الشك في أصل العموم الزماني بنحو المفردية أو الاستمرار كما لو قال أكرم العلماء وشك في استمرار وجوبه في جميع الأيام ( ففيه صور ) فإنه ، اما ان يعلم بوجوب الاكرام في خصوص اليوم الأول وانما الشك في تعميم الخطاب حكما أو موضوعا فيما عداه ، واما لا يعلم بوجوبه فيه بخصوصه ( وعلى الثاني ) اما ان يتم البيان ولو بمقدمات الحكمة لاثبات الوجوب لصرف الطبيعة الجامعة بين افراد الأيام وكان الشك في وجوب كل فرد بحسب الأزمنة ، واما أن لا يتم البيان بالنسبة إلى صرف الطبيعة أيضا ( فعلى الأول ) يرجع فيما عدا اليوم الأول الذي ثبت فيه الوجوب إلى البراءة ، لان أخذ العموم الزماني بنحو الاستمرار أو المفردية في المتعلق أو الحكم يحتاج إلى لحاظه ثبوتا وبيانه اثباتا ، فإذا لم يقم عليه بيان فمقتضى الأصل البراءة عن التكليف فيما عدا اليوم الأول ( وعلى الثاني ) ينتهى الامر إلى العلم الاجمالي في الأيام التدريجية فيجب الاحتياط باكرام العلماء في

٢٣٥

جميع الأيام ما لم ينته إلى غير المحصور ( هذا الفرض ) وان كان بعيدا في نفسه ، ولكن المقصود من هذا التشقيق بيان عدم صحة اطلاق القول بوجوب خصوص اليوم الأول والرجوع إلى البراءة في غيره كما افاده بعض الاعلام ، وانه يصح في الفرض الأول دون بقية الفرض ، مع احتياجه أيضا إلى قيام دليل عليه يقتضى وجوب خصوصه ( والا ) فصرف الخطاب لا يقتضى الا وجوب اكرام كل فرد في الجملة المساوق لمطلوبية صرف الجامع بين الافراد التدريجية ( ثم إن ) ما ذكرنا من مرجعية البراءة عند الشك انما هو إذا لم يلزم من عدم العموم الزماني لغوية تشريع الحكم ( والا ) فربما تقتضي الحكمة عدم كون الحكم في الخطاب بنحو صرف الوجود ، بل على نحو الدوام والاستمرار خصوصا إذا كان العام افراديا ، فان مقدمات الحكمة تقتضي عدم الاهمال بالنسبة إلى الزمان كما في قوله تعالى أوفوا بالعقود ( وحينئذ ) فإذا كان للعام عموم زماني اجمالا فهل الحكمة تقتضي كونه على نحو العموم الافرادي الملازم للمفردية أو على نحو العموم المجموعي الملازم للاستمرار ( وجهان ) أقربهما عند العرف الثاني ( وعليه ) فلو شك في التخصيص ، فان كان الشك في أصل التخصيص فالمرجع هو العموم ، وان كان الشك في زيادة التخصيص ، ففيه التفصيل المتقدم بين كون الحكم سنخيا أو شخصيا غير قابل للتكثر ولو تحليلا بالرجوع إلى العموم في الأول والى الاستصحاب في مفاد المخصص في الثاني ( وذلك ) أيضا في فرض كون التقطيع وسطا لا أولا كما ذكرناه ( هذا ) إذا كان الشك في أصل العموم الزماني ( واما ) لو كان الشك في مصبه في كونه هو المتعلق أو الحكم بعد العلم بأصل العموم بأحد الوجهين من المفردية أو الاستمرار ( فان ) علم كونه على نحو المفردية ، فالمرجع هو العموم على كلا تقديري كون مصبه هو المتعلق أو الحكم ( ولكن ) يظهر من بعض الأعاظم قده تعين رجوعه إلى الحكم حينئذ من جهة جريان أصالة الاطلاق في المتعلق مبتنيا ذلك على ما تقدم منه ، ومن دعوى عدم امكان تكفل دليل الحكم لبيان أزمنة وجوده ، وانه لابد من كونه بدليل آخر منفصل ، فعلى هذا الأساس ، التزم في المقام بأن مقتضى الأصل اللفظي وهو

٢٣٦

أصالة الاطلاق ، عدم اعتبار العموم الزماني في المتعلق فيتعين ان يكون مصبه نفس الحكم الشرعي ، والتزم لأجله بعدم جواز التمسك بالعموم عند الشك في أصل التخصيص أو في مقداره ، وانه لابد من الرجوع إلى الاستصحاب باستصحاب حكم العام في الأول ، واستصحاب حكم المخصص في الثاني ( ولكن ) قد عرفت فساد أصل المبني بما لا مزيد عليه فراجع ، مع أنه على مختاره من كون مصب العموم الزماني نفس الحكم لا معنى لمرجعية الاستصحاب عند الشك في التخصيص أو في مقداره ، إذا لا قصور حينئذ في التمسك بما دل على عمومه واستمراره الثابت لموضوعه ولو بدليل آخر كما هو ظاهر ( هذا إذا كان ) العموم الزماني الذي شك في مصبه على نحو المفردية ، وقد عرفت انه على المختار لا أصل يقتضي اعتباره في خصوص المتعلق أو الحكم ، فكان اعتبار هذا المعنى من السريان في جميع الأزمنة المتمادية مشكوكا في كل من المتعلق والحكم ، وان كان لا ثمرة مهمة على المختار تترتب على هذه الجهة ، باعتبار مرجعية دليل العموم على كل تقدير ( واما لو كان ) العموم الزماني على نحو العموم المجموعي الملازم للاستمرار فشك في مصبه في كونه هو المتعلق أو نفس الحكم الشرعي ، ففيه أيضا لا أصل يقتضي تعيين أحد الامرين ( ولكن ) عند الشك في التخصيص يكون المرجع أصالة العموم ( وكذا ) الشك في مقداره إذا كان التخصيص من الأول لامن الوسط ، والا فالمرجع استصحاب حكم المخصص إذا لم يكن الزمان مأخوذا في طرف المخصص قيدا مكثرا ، فان احتمال كون المفيد نفس الحكم الشرعي دون متعلقه كاف حينئذ في المنع عن الرجوع إلى العموم كما شرحناه سابقا ( وبذلك ) يظهر حال ما لو علم برجوعه إلى الحكم وشك في مفردية العموم أو استمراريته ، فان احتمال عدم مفرديته كاف في المنع من الرجوع إلى العموم ( وهذا ) بخلاف ما لو علم برجوعه إلى المتعلق وشك في مفرديته واستمراريته ، فان المرجع حينئذ عند الشك في مقدار التخصيص كالشك في أصله هو العموم ولا يرجع مع وجوده إلى الاستصحاب ، لما تقدم من امكان كون الحكم المتعلق به حكما سنخيا مستمرا يتبع استمرار شخص موضوعه على نحو قابل للتعدد

٢٣٧

تحليلا حسب القطعات التحليلية لموضوعه في الأزمنة المتمادية ، ومعه لا قصور في التمسك بما دل على استمرار هذا الحكم الثابت لموضوعه ( هذا ) في الأحكام التكليفية ( واما ) الأحكام الوضعية ، فما كان منها متعلقا بالأعيان الخارجية كالملكية والزوجية والطهارة والنجاسة ، فيمكن ان يقال فيها بأنه من جهة عدم قابلية الأعيان الخارجية عرفا للتقطيع بحسب الزمان يكون مصب العموم الزماني فيها نفس الحكم الوضعي دون الموضوع ( واما ) ما كان منها متعلقا بغير الأعيان كالمنافع في مثل سكنى الدار ونحوه ، فحيث انها كانت قابلة للتقطيع في الزمان عرفا ، فلا قصور في جعل مثلها مصبا للعموم الزماني ، فإذا شك فيها في مصب العموم الزماني يجري فيها ما ذكرناه في تأسيس الأصل ، ولا مجال حينئذ لاطلاق القول بكون مصب العموم الزماني في الأحكام الوضعية نفس الحكم الوضعي دون المتعلق فتدبر.

( التنبيه الثالث عشر )

في استصحاب صحة العبادة ( وقد ) وقع هذا التنبيه في كلمات السابقين في مواضع عديدة ، ونحن وان ذكرنا شطرا من الكلام فيها في ذيل تنبيهات الأقل والأكثر الا انه لا بأس بالتعرض لها ثانيا لعدم خلوه عن الفائدة ( وتوضيح ) المرام يحتاج إلى بيان أمرين ( الأول ) ان طرو الفساد في العبادة يتصور على وجوه ، فإنه تارة يكون من جهة وجود ما هو ضد للعبادة ومناف لها جعلا أو عقلا أو عرفا باعتبار محدوديتها عند الجاعل أو العقل أو العرف بحد ينافيها بعض الأمور كالوثبة في الصلاة مثلا والأكل والشرب ونحوها مما يضاد وجودها مع العبادة ( وأخرى ) من جهة فقد ما اعتبر وجود في العبادة شرطا ، كالطهارة والستر ونحوهما ( وثالثة ) من جهة وجود ما اعتبر عدمه قيدا فيها المعبر عنه بالمانع ( ورابعة ) من جهة وجود ما يكون قاطعا للهيئة الخاصة المعتبرة فيها ( والفرق ) بينه وبين المانع ظاهر ، فان المانع بنفسه يقدح في العبادة ولو بملاحظة دخل عدمه في صحتها ، بخلاف القاطع فإنه بنفسه لا يمنع عن صحة العبادة وانما شأنه الاخلال بما اعتبر فيها وهو الجزء الصوري

٢٣٨

المعبر عنه بالهيئة الاتصالية ( وقد يفرق ) بينهما بوجه آخر وهو كون المانع قادحا في صحة العبادة إذا تحقق في حال الاشتغال بالاجزاء ، بخلاف القاطع فإنه يقدح وجوده في صحتها مطلقا ولو كان في حال السكونات المتخللة بين الاجزاء ( وفيه نظر ) جدا ، فان المانع كما يمكن ثبوتا كونه مانعا عن صحة العبادة في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء ، كذلك يمكن ثبوتا كونه مانعا مطلقا ولو في حال السكونات المتخللة بين الاجزاء ، لكونه تابعا لكيفية اعتبار الشارع إياه ، وهكذا الامر في القاطع فإنه يتصور فيه ثبوتا كونه قاطعا مطلقا أو في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء ، هذا في مقام الثبوت ( واما ) في مقام الاثبات فلابد في استفادة أحد الامرين من ملاحظة كيفية لسان الأدلة الواردة في باب الموانع والقواطع ( ولا يبعد ) دعوى استفادة المانعية والقاطعية المطلقة مما ورد بلسان النهى عن ايجاد المانع أو القاطع في الصلاة بنحو تكون الصلاة ظرفا لعدم وقوع المانع أو القاطع فيها ومع انتهاء الامر إلى الشك يندرج في الأقل والأكثر الارتباطيين ( الامر الثاني ) ان الصحة في اجزاء المركب التدريجي ، تارة يطلق ويراد بها الصحة التأهلية الاقتضائية وهي كون الجزء بحيث لو انضم إليه سائر الأجزاء لا التئم منها الكل وتتصف بالمؤثرية الفعلية ( ولا يخفى ) ان الصحة بهذا المعنى انما يتوقف على تمامية الجزء في نفسه ولا يعتبر فيها لحقوق بقية الاجزاء والشرائط ، ( لوضوح صدق هذه القضية الشرطية ولو مع اليقين بعدم لحوق بقية الاجزاء ، ومن هذه الجهة لا يطرء فيها الشك ولا ينفع استصحابها أيضا ) وأخرى يطلق ويراد بها الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية ، وهذا المعنى من الصحة في الدفعيات والاجزاء المجتمعة في الوجود ، والا ففي التدريجيات لا يتصور اتصاف جزء منها بالمؤثرية الفعلية الا بفرض تدريجية الأثر أيضا بحصوله شيئا فشيئا ( وثالثة ) يطلق ويراد بها الصحة بمعنى قابلية الاجزاء السابقة للحوق الاجزاء اللاحقة منها بنحو يلتئم منها المركب ويترتب عليه الأثر ( وبعد ) ما اتضح ذلك ( نقول ) ان منشأ الشك في صحة العبادة بعد أن كان أحد الأمور المتقدمة ( فلابد ) عند الشك من لحاظ المنشأ المزبور ( فإذا ) تسبب الشك في

٢٣٩

الصحة من جهة احتمال انتفاء ما اعتبر وجوده قيدا في العبادة كالشرط ، أو احتمال وجود ما اعتبر عدمه قيدا لها كالمانع ، أو احتمال وجود ما هو القاطع للهيئة المعتبرة فيها ، فلا شبهة في أنه يجري الأصل في طرف السبب ويستغنى به عن جريانه في المسبب وهو الصحة ، لان بجريان الأصل فيه يترتب صحة العبادة ( واما ) لو تسبب الشك فيها من جهة احتمال وجود القاطع ( فان قلنا ) ان القاطع اعتبر عدمه شرطا للهيئة المعتبرة في الصلاة فلا شبهة في أنه مع الشك يجري فيه الأصل ويترتب عليه بقاء الهيئة والصحة ( وان قلنا ) انه لم يعتبر عدمه شرطا لها شرعا وانما قاطعيته من جهة مضادة وجوده عقلا أو عرفا مع الهيئة المعتبرة في الصلاة فلا مجرى فيه للأصل لعدم اجدائه في اثبات ترتب بقاء الهيئة والصحة الفعلية إلا على القول بالمثبت ، فينتهي الامر حينئذ إلى جريانه في نفس الهيئة الاتصالية المعتبرة في العبادة ، ويترتب على جريانه فيها الصحة الفعلية ، فان الهيئة ، حينئذ كسائر الاجزاء والشرائط ، فمتى أحرزت ولو بالأصل يترتب عليها الصحة ( وأما إذا ) تسبب الشك في الصحة من جهة احتمال وجود ما يكون ضدا للعبادة ، فلا يجري الأصل بالنسبة إلى نفس السبب الذي هو الضد لمكان عدم اجدائه لاثبات صحة العبادة بعد كون الترتب فيه عقليا لا شرعيا ( واما ) بالنسبة إلى المسبب وهو الصحة ، ففي جريان الأصل فيها ( خلاف مشهور ) والذي اختاره الشيخ ( قد سره ) هو المنع عنه ( ومحصل ) ما افاده ( قد سره ) في تقريب المنع هو ان المراد من الصحة المستصحبة للاجزاء ، ان كان هو الصحة الشأنية فهي مما لا يطرء فيه الشك حتى يستصحب للقطع ببقائها ولو مع القطع بعدم انضمام بقية الاجزاء والشرائط إلى الاجزاء الماضية فضلا عن الشك في ذلك ( وان كان ) المراد منها الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية ، فهي مما لا سبيل إلى استصحابها لعدم كون الصحة بهذا المعنى مما له حالة سابقة ، لأنها انما تكون في ظرف الاتيان بالمأمور به بما له من الاجزاء والشرائط وعدم الموانع والأضداد ( ومع الشك ) في مانعية الموجود لا يقين بالصحة الفعلية بمعنى المؤثرية للاجزاء السابقة حتى يستصحب ( ولكن فيه ) ان ما أفيد في غاية المتانة إذا كان الأثر المترتب

٢٤٠