نهاية الأفكار

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

بالوصف تارة ، والعدم أخرى ، كما في القضايا التصورية ، حيث إن من نتائج التقييد في هذه المرحلة قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات للاتصاف بالوجود والعدم المستتبع لاعتبار نقيضه ما دامت الذات محفوظة في عالم تقررها ( ولازم ) ذلك توسعة نقيض التقيد والاتصاف بل القيد بما هو قيد على نحو يصدق مع السلب بانتفاء الموضوع أيضا بلا انحصاره بخصوص السلب بانتفاء المحمول ، فيجرى فيه استصحاب العدم بكل من مفاد ليس التامة والناقصة ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الوصف ملحوضا بما هو شيء في حيال ذاته ، أو بما هو نعت لموصوفه وقائم به خارجا ، فان مجرد كون الوصف نعتا لموصوفه ومتأخرا عن وجوده خارجا لا يقتضى تأخر قيديته المساوق لاعتبار تقييد الموصوف به كي يمنع عن جريان استصحاب عدمه ( والا ) لاقتضى المنع عنه ولو مع لحاظ الوصف في حيال ذاته المعبر عن وجوده بالجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن ( وحينئذ ) فبعد فرض اعتبار قيدية الوصف في صقع ذات الموصوف بنحو القضية التصورية السابق في لحاظ العقل على مرتبة وجودهما ، فلا محالة عند الشك في اتصاف الموضوع حين وجوده بالوصف ، تجري أصالة العدم في اتصافه ولو قبل وجوده ، كجريانه في ذات القيد والوصف بما هو قيد بنحو السلب المحصل بكل من مفاد ليس التامة والناقصة لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ، فيقال : ان الذات الكذائية قبل وجودها لم تكن متصفة بكذا فشك في اتصافها به حين وجودها والأصل بقائها على ما كانت ( والوجه ) فيه ما عرفت من أن من لوازم اعتبار التقييد في هذه المرتبة قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات للاتصاف بالوجود والعدم ولازمه توسعة دائرة نقيض التقيد المزبور بنحو يصدق مع السلب بانتفاء الموضوع بلا انصحار نقيضه بالسلب بانتقاء المحمول ( هذا ) إذا اعتبر قيدية الوصف في مرتبة ذات الموصوف السابق في لحاظ العقل على مرتبة وجوده.

( واما ) إذا اعتبر قيديته للذات في المرتبة المتأخرة عن وجودها بنحو القضية التصديقية بحيث اخذ في الموصوف في مقام اعتبار التقييد صفة الموجودية للذات ، كما إذا اخذ الموضوع في طي القضية الشرطية مشروطا بالوجود ثم قيد

٢٠١

بقيد وجودي أو عدمي بمثل قوله ان وجد زيد وكان راكبا فكذا ، ففي مثله لا مجال لجريان استصحاب العدم الثابت في حال عدم الموصوف ، لا في حيث الاتصاف ، ولا في ذات القيد والوصف بما هو قيد ( لوضوح ) ان اعتبار قيدية الوصف في المرتبة المزبورة يقتضى خروج مرتبة ذات الموضوع عن صقع التقيد ، إذ صقع التقيد حينئذ انما هو في ظرف وجود الذات على نحو القضية التصديقية بنحو يرى حيث التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الذات ، ومع خروج مرتبة الذات عن صقع التقيد لا يكاد يصدق نقيض التقيد ولا القيد في ظرف عدم الموضوع ، لان نقيض كل شيء ما كان في مرتبة وجوده ، فإذا كان صقع التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع فلا يكون نقيضه إلا العدم في هذه المرتبة دون العدم في مرتبة الذات ، ( ولأجله ) يتضيق دائرة القيد بما هو قيد أيضا وجود أو عدما بما يكون في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع ( ومن الواضح ) حينئذ انه لا مجال في مثله لجريان استصحاب العدم الأزلي ، لان ما كان نقيضا لموضوع الأثر وهو العدم في ظرف وجود الموضوع لا يكون موردا لليقين السابق بالثبوت حتى يجرى فيه الاستصحاب ، وما كان موردا لليقين بالثبوت انما هو القضية السالبة بانتفاء الموضوع ، وهي من جهة عدم كونها نقيضا لموضوع الأثر لا يجري فيها الاستصحاب ، كما أن ابقائها تعبدا إلى زمان وجود الموضوع لا يثبت العدم الخاص الذي هو نقيض موضوع الأثر الا بالملازمة العقلية التي لا نقول به ( بل إن تأملت ) ترى عدم اجداء الأصل المزبور ولو على القول المثبت ، لمكان عدم الملازمة بين بقاء المستصحب أعني العدم المحفوظ في المرتبة السابقة على وجود الموضوع ، وبين العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع ، إذ في مثله لا يكاد يجدي أصالة عدمه الثابت في مرتبة الذات لاثبات العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع ولو على القول بالمثبت ( وحينئذ ) فعلى كل تقدير لا يجري استصحاب العدم في الفرض المزبور ( من غير فرق ) بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم اعتبار القيدية نعتا للموضوع المعبر عنه بالوجود النعتي وعن عدمه بالعدم النعتي ، وبين ان يكون ملحوظا بما هو في حيال ذاته المعبر عنه

٢٠٢

بالوجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن.

( وبما ذكرنا ) انقدح ما هو المناط في جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية في نحو هذه القضايا التوصيفية وعدم جريانها : وانه يختلف باختلاف مرحلة اعتبار صقع القيدية للوصف المأخوذ في موضوع الأثر ، ( فمناط ) جريان الاستصحاب فيها انما يكون باعتبار القيدية في ظاهر الخطاب في صقع الذات السابق في لحاظ العقل على مرحلة وجودهما بنحو قابل لحمل الوجود على المقيد بالوصف ، تارة ، والعدم أخرى ، كما في موارد اخذ الذات بمعناه التصوري في طي التقييد ( كما أن مناط ) عدم جريانه انما هو باعتبار القيدية في المرتبة المتأخرة عن وجود الذات ( لما عرفت ) من أن من نتائج اعتبار القيدية في هذه المرتبة ، خروج مرتبة الذات بالمرة عن صقع التقييد الموجب لخروج العدم الثابت في مرتبة الذات عن كونه نقيضا لموضوع الأثر ، فلا يجرى فيه استصحاب العدم الأزلي ( من غير فرق ) في الصورتين بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم القيدية بما هو في حيال ذاته أو بما هو نعتا لموضوعه ( لا ان ) المناط فيه وجودا بمجرد لحاظ الوصف في حيال ذاته ، وعدما بلحاظه نعتا لموضوعه وقائما به كما توهم ، لما عرفت من أن مجرد لحاظ الوصف شيئا في حيال ذاته لا يقتضى جريان أصالة العدم فيه بنحو السلب المحصل لامكان اعتبار القيدية حينئذ في الصقع المتأخر عن وجود الموضوع ، كما أن مجرد لحاظه نعتا لموصوفه وقائما به لا يقتضى المنع عن استصحاب عدمه الثابت حال عدم الموضوع ، لا مكان اعتبار التقييد في مرتبة ذات الموضوع السابقة في لحاظ العقل على وجودهما بلا لحاظ تقدم وجود الموصوف في مقام اعتبار التقييد في مرحلة الموضوعية للأثر كما هو ظاهر ( وتنقيح الكلام ) بأزيد من ذلك موكول إلى محل آخر ( فان ) المقصود في المقام مجرد الإشارة إلى بيان مجرى الاستصحاب العدم الأزلي ، وانه انما يكون بلحاظ اعتبار التقييد في مرحلة الموضوعية للأثر في صقع الذات ، لا بلحاظ مرحلة الاتصاف الخارجي وانما أطلنا الكلام فيه حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الصافية.

( ثم إن ) ما ذكرنا من جريان أصالة العدم بالسلب المحصل من نحو أصالة عدم

٢٠٣

اتصاف المرأة بالقرشية وعدم اتصاف الحادث حين وجوده بعنوان التقدم والتأخر والتقارن بالقياس إلى حادث آخر ، انما هو إذا كان الأثر لسلب الاتصاف لا للمعنى المتصف بالعدم بنحو القضية المعدولة ( والا فعلى ) فرض ان موضوع الأثر هو الامر المتصف العدم في زمان الآخر ، فلا مجري فيه للأصل لعدم اليقين بالحالة السابقة من ارتباط الموضوع واتصافه بالعدم ، إذا الوجود من الأول غير معلوم الاتصاف بالعدم المذكور لأنه ، اما وجد متأخرا عن زمان وجود الآخر ، أو متقدما عليه ، أو مقارنا له ، وأصالة عدم اتصافه بالتقدم أو التقارن أو التأخر بنحو السلب المحصل الراجع إلى سلب الاتصاف لا يثبت الموضوع المتصف بالسلب الذي هو مفاد المعدولة الا على القول بالمثبت ، ومجرد وحدة منشأ هذه المفاهيم في الخارج غير كاف في جريان الاستصحاب في بعضها بلحاظ الأثر المترتب على بعض آخر كما هو ظاهر.

( ثم إن ذلك ) كله في فرض ترتب الأثر على وجود أحد الحادثين بلحاظ اضافته إلى الحادث الآخر بكل من عنوان التقدم ، والتأخر أو التقارن ، وقد عرفت انه على المختار في مثل تلك الإضافات من كونها بنفسها أمورا خارجية وصفاتا زائدة على الذوات الخارجية مسبوقة بأعدامها الأزلية ، لا قصور في جريان أصالة العدم فيها بمفاد ليس التامة والناقصة وترتب نقيض الأثر المرتب على النقيض عليه ما لم يكن معارضا بجريانه في الحادث الآخر أو فيه بعنوان آخر ( واما ) لو كان الأثر لعدم أحدهما في زمان وجود الآخر بحيث يكون زمان الآخر ظرفا لما هو موضوع الأثر ، كاسلام الوارث وموت المورث ، وكبيع الراهن ورجوع المرتهن عن اذنه وقد شك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتأخره عنه أو تقارنه ( فتارة ) يعلم بتاريخ أحدهما المعين ويشك في تاريخ الآخر في أنه قبله أو بعده أو مقارن له ( وأخرى ) يكون كل منهما مجعول التاريخ ( فعلى الأول ) لا قصور في جريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ في الأزمنة المشكوك حدوثه فيها إلى زمان يقطع فيه بوجوده ، ففي المثال المتقدم لو علم بموت المورث في يوم الخميس مثلا وشك في اسلام الوارث في أنه قبل يوم الخميس الذي هو زمان موت المورث يجري الأصل في المجهول فيترتب عليه آثار عدم اسلامه إلى زمان

٢٠٤

موت مورثه التي منها عدم ارثه منه ، حيث إنه يثبت به بضم وجدان موت المورث في الزمان المعين اجتماع عدم اسلام الوارث وموت المورث في الزمان ( وكذلك ) الامر فيما لو انعكس الفرض بان علم باسلام الوارث في يوم معين ويشك في موت المورث في أنه قبله أو فيه أو بعده ، فإنه باستصحاب عدم موته أو حياته إلى زمان اسلام الوارث يثبت موضوع التوارث الذي هو اجتماع الاسلام وحياة المورث في الزمان.

( هذا ) إذا كان الأثر لمجرد عدم أحد الحادثين في زمان الآخر ( واما ) إذا كان الأثر لوجود أحدهما المتصف بالعدم في زمان الآخر ، فلا يجري فيه أصالة بالعدم لعدم اليقين بالحالة السابقة ، وعدم اثمار استصحاب ذات عدم الامر الكذائي إلى زمان الحادث الآخر لاثبات ارتباط الموجود واتصافه بالعدم ، لان غاية ما يثبت به هو ان زمان وجود الحادث المعلوم ، زمان عدم الآخر ، وأين ذلك واثبات موضوع الأثر الذي هو الذات المتصف بالعدم في زمان الاخر ( والى ذلك ) نظر المحقق الخراساني قدس‌سره في تفصيله بين ان يكون الأثر للحادث المتصف بالعدم في زمان كذا ، وبين ان يكون الأثر لذات عدم أحدهما في زمان الآخر ( هذا ) في مجهول التاريخ.

( واما ) في معلوم التاريخ منهما فلا مجرى فيه للاستصحاب ، لانتفاء الشك اللاحق بالنسبة إليه فإنه قبل يوم الخميس الذي هو ظرف حدوث الاسلام مثلا كان اسلام الوارث معلوم العدم وفي يوم الخميس كان معلوم التحقق فلا يتصور الشك فيه في زمان كي يجري فيه استصحاب العدم ( وقد يتوهم ) ان المعلوم انما هو وجوده بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، واما بالإضافة إلى زمان الواقعي لحدوث الآخر ، فحدوثه مشكوك فيه فيستصحب عدمه بهذا الاعتبار ، فيعارض مع الأصل الجاري في مجهول التاريخ ( وأجيب عنه ) بأنه ان أريد لحاظه بالإضافة إليه على وجه يكون زمان الآخر ظرفا محضا لوجوده على وجه الاجمال فهو عبارة أخرى عن لحاظه بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، وقد عرفت انه مع العلم بتاريخ حدوثه لاشك في وجوده حتى يستصحب ( وان أريد ) لحاظه بالإضافة إليه على وجه يكون زمان الآخر قيدا ووصفا لوجوده فلا حالة له سابقا حتى يستصحب ، ولذا يمنع عن استصحاب وجود المتصف بالتقدم

٢٠٥

أو بعدمه لمكان عدم الحالة السابقة ( أقول ) : ولا يخفى ان مجرد كون زمان الآخر ظرفا له لا يمنع عن استصحابه بعد صدق الشك في بقاء عدمه بالإضافة إلى زمان وجود الآخر واقعا ، فإنه يصح ان يقال في معلوم التاريخ : ان بقاء عدمه في زمان الواقعي لوجود الآخر مشكوك ( واما ) على التقيدية وان لم يجر فيه الاستصحاب لمكان عدم الحالة السابقة ، الا انه لا بأس بجريان الاستصحاب لسلب اتصاف المعلوم به ولو قبل وجوده ، لما ذكرنا من أن الأثر إذا كان للذات المتصف بكذا ، كان لحيث الاتصاف دخل في ترتبه ، فيكفي في نفي الأثر المترتب على الذات المتصف نفي اتصافها به ولو قبل الموجود إلى حين وجودها ، فيترتب عليه نقيض اثر النقيض الكافي هذا المقدار في باب الاستصحاب.

( فالأولى ) في دفع الشبهة ان يقال : ان عدم جريان الأصل ولو على الظرفية في معلوم التاريخ بلحاظ زمان الواقعي لوجود الآخر انما هو لأجل عدم احراز مقارنة الابقاء التعبدي مع زمان وجود الآخر ، لان معنى ابقاء شيء وجودا أو عدما إلى زمان الواقعي لوجود غيره ، هو ابقائه إلى زمان يقطع فيه بكونه ذاك الزمان الواقعي لوجود الآخر ، والا فبدون اليقين به لا يمكن تطبيق كبرى الأثر على المورد ( وحينئذ ) مع تردد زمان وجود الآخر بين زمانين لا يكاد يمكن الجزم بالتطبيق الا بفرض جر عدم المعلوم في جميع محتملات أزمنة وجود مجهول التاريخ ، وهو غير ممكن ( لان ) من محتملات زمان وجوده زمان اليقين بارتفاع المستصحب وانقلابه بالنقيض ، فلا يمكن جر عدمه إلى هذا الزمان ، ومع عدم جره كذلك كان البقاء التعبدي فيه مشكوك المقارنة مع زمان وجود الغير ، ومع الشك المزبور لا يثمر الأصل في ترتيب اثر البقاء المقارن لزمان وجود الغير ( هذا كله ) إذا كان أحدهما المعين معلوم التاريخ والآخر مجهوله.

( وأما إذا كانا ) مجهولي التاريخ ، فالذي يظهر من جماعة منهم العلامة الأنصاري قدس‌سره جريان الاستصحاب فيهما ذاتا ، غاية الامر سقوطهما بالمعارضة في فرض ترتب الأثر المهم على كل منهما كما في الأمثلة المتقدمة من مثال موت المتوارثين

٢٠٦

الوالد والولد غير مقترنين والشك في المتقدم والمتأخر ، أو موت المورث واسلام الوارث كذلك ونحوهما من الأمثلة التي أوردها الشيخ قدس‌سره.

( ولكن التحقيق ) خلافه وانه لا مجرى للاستصحاب في واحد منهما ولو بلا معارض ( وذلك ) لا لما افاده المحقق الخراساني من شبهة الانفصال باليقين بالانتقاض ( بل لما أشرنا ) إليه آنفا من عدم اجدائه في التطبيق على موضوع الأثر في فرض امكان جر المستصحب ، وعدم امكان جره في فرض احراز التطبيق ( ولتوضيح ) المرام نفرض الأزمنة في الأمثلة المذكورة ثلاثة أيام ( الأول ) يوم الخميس الذي هو زمان اليقين بعدم موت المورث وعدم اسلام الوارث فيه ( الثاني ) يوم الجمعة الذي هو زمان الشك في حدوث موت المورث واسلام الوارث فيه ( الثالث ) يوم السبت الذي هو زمان اليقين بحدوث كل من موت المورث واسلام الوارث بنحو الاجمال مرددا كل منهما بان يكون حدوثه فيه أو في زمان سابق عليه وهو يوم الجمعة ( بعد ذلك ) نقول : ان شأن الاستصحاب بعد أن كان جر المستصحب وامتداده إلى زمان الشك ، لا إلى زمان اليقين بالانتقاض ( فتارة ) يكون منشأ الشك في بقاء شيء وجودا أو عدما إلى زمان وجود غيره ، من جهة الشك في أصل بقائه في الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين به ، مع الجزم بان الزمان المتأخر ، الذي حكم فيه بامتداد المستصحب وبقائه فيه هو زمان وجود الآخر ، كما في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين ، فإنه لو حكم ببقاء مجهول التاريخ إلى ذلك الزمان يجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الآخر ( وأخرى ) يكون منشأ الشك فيه من جهة الشك في مقارنة البقاء التعبدي لزمان وجود الغير ( وبعبارة ) أخرى يكون الشك فيه من جهة الشك في كون الزمان الذي حكم ببقاء المستصحب فيه هو زمان وجود غيره بلحاظ تردد زمانه بين الزمانين ، حيث إنه بذلك يشك في مقارنة بقائه التعبدي في زمان مع زمان وجود غيره ( فان كان ) الشك في بقاء المستصحب إلى زمان وجود غيره ممحضا بالجهة الأولى ، فلا قصور في جريان الاستصحاب ، فيستصحب في المثال عدم كل من اسلام الوارث وموث المورث إلى زمان وجود الآخر ويترتب على كل منهما اثره في فرض الجزم

٢٠٧

بالمقارنة مع زمان وجود الآخر ( واما ) ان كان الشك من الجهتين أو من الجهة الأخيرة ، فلا يجري الاستصحاب في واحد منهما ولو بلا معارض ( لوضوح ) ان شأن الاستصحاب انما هو مجرد الغاء الشك من جهة خصوص امتداد المستصحب إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين به ، لا الغاء الشك فيه من جهة اقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع زمان وجود غيره ( وحينئذ ) فمع تردد الزمان الذي هو ظرف وجود الآخر بين الزمانين ، زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني ، وزمان يقينه الذي هو الزمان الثالث ، يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الآخر على حاله ، فلو أريد من الابقاء ابقائه إلى الزمان الثاني ، فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد ، الا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الآخر التي منها الزمان الثالث ، وهو أيضا غير ممكن ، لان الزمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جر المستصحب إلى الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر ( ومجرد ) كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره لا يجدي في امكان الجر إلى هذا الزمان بعد كونه زمان انتقاض يقينه كما هو واضح.

( وحيث اتضح ذلك ) نقول : ان المقام من هذا القبيل ، ففي المثال المزبور يكون منشأ الشك في حياة الوارث أو اسلامه إلى زمان موت مورثه كلا الامرين أعني الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم اسلامه في الزمان الثاني الذي فرضناه يوم الجمعة ، والشك في حيثية مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ تردد حدوثه بين الزمانين ( ولقد ) عرفت عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتيب الأثر المترتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير ، لان ما يمكن جره بالاستصحاب انما هو جر عدم اسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه أعني الزمان الثاني ، ومثله لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لعدم احراز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير ، وعدم تكفل دليل الاستصحاب الا لالغاء الشك من جهة خصوص الامتداد دون غيره ، وما يثمر

٢٠٨

في التطبيق انما هو جر المستصحب إلى الزمان الثالث الذي فرضناه يوم السبت وهو غير ممكن لان زمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل واحد منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جر المستصحب إلى مثل هذا الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه.

( لا يقال ) ذلك انما يكون إذا قيس استصحاب عدم أحد الامرين بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية ( واما ) لو قيس ذلك بالنسبة إلى الزمان الواقعي الاجمالي لوجود الآخر ، فلا قصور في استصحاب بقاء كل منهما إلى زمان الواقعي لوجود بديله ، إذ يصدق على كل منهما بالإضافة إليه الشك في البقاء إلى ذاك الزمان ، فيستصحب في المثال عدم اسلام الوارث إلى زمان موت مورثه وبالعكس ( غاية ) الامر يتعارض الاستصحابان ( فإنه يقال ) : ان أريد من استصحاب عدم اسلام الوارث أو حياة مورثه إلى الزمان الاجمالي ، جره إلى زمان يشك فيه في انطباق المجمل عليه فهو غير مثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لعدم تكفل دليل الأصل لالغاء الشك من هذه الجهة ( وان أريد ) جره إلى زمان يقطع فيه بانطباق الزمان الاجمالي عليه بنحو الاجمال ، فهو وان كان مثمرا في التطبيق ، ولكنه يحتاج إلى جره في جميع محتملاته من الأزمنة التي منها الزمان الثالث ، وهو غير ممكن ، وبدون جره كذلك لا يحرز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجوده غيره ( مع أنه ) لو كان هذا المقدار كافيا في جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ، فلم لا يلتزم بكفايته في جريانه في معلوم التاريخ في الفرض المقدم ، فإنه يصدق عليه أيضا بالإضافة إلى زمان الواقعي في مجهول التاريخ الشك في بقاء عدمه إلى زمان الواقعي لوجود الآخر ( ومن المعلوم ) انه لا يكون الوجه فيه الا ما ذكرناه ، فتدبر فيما قلناه بعين الانصاف فإنه دقيق وبالقبول حقيق.

( ثم إن للمحقق الخراساني قدس‌سره ) تقريبا آخرا في منع جريان الأصل في مجهولي التاريخ من جهة شبهة الانفصال باليقين الناقض الموجب لكون التمسك بعموم لا تنقض من باب التمسك بالعام مع الشك في انطباق عنوانه على المورد ( وملخص ) ما أفاد في تقريب الشبهة بتوضيح منا هو ان في فرض العلم بحدوث الحادثين كاسلام

٢٠٩

الوارث وموت المورث والشك في المتقدم منهما والمتأخر ، لابد من فرض الأزمنة التفصيلية ثلاثة بفرض الزمان الأول زمان اليقين بعدمهما ، والزمان الثاني زمان العلم بحدوث أحدهما فيه اجمالا ، اما اسلام الوارث ، واما موت مورثه ، والزمان الثالث زمان اليقين بتحقق الاسلام والموت فيه مع اليقين الاجمالي بكونه ظرفا لحدوث أحدهما ، اما اسلام الوارث ، واما موت مورثه ( وهناك ) زمانان اجماليان أيضا : ( أحدهما ) زمان اسلام الوارث المحتمل الانطباق على كل من الزمان الثاني والثالث على البدل ، والثاني زمان موت مورثه المحتمل الانطباق أيضا على كل واحد من الزمانين على البدل بحيث لو انطبق أحدهما على الزمان الثاني ، كان الآخر منطبقا على الزمان الثالث ، حسب العلم بتقدم زمان حدوث أحدهما على زمان حدوث الآخر ( وحينئذ ) فبعد احتمال كون الزمان الثاني أعني يوم الجمعة مثلا ظرفا لحدوث الاسلام أو الموت ، لا مجال لاستصحاب عدم اسلام الوارث المعلوم يوم الخميس إلى زمان موت مورثه ، لاحتمال ان يكون زمان موت المورث يوم السبت الذي هو الزمان الثالث ويكون زمان الاسلام يوم الجمعة الذي هو زمان انتقاض يقينه باليقين بالخلاف ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن جر المستصحب من زمان يقينه إلى زمان الآخر المحتمل كونه بعد زمان اليقين بارتفاعه ، وهكذا في استصحاب عدم موت المورث إلى زمان اسلام الوارث ، فإنه مع احتمال كون زمان الاسلام بعد زمان موت المورث يحتمل انتقاض يقينه باليقين بالخلاف ( وبعد تذيل ) بعض اخبار الباب بقوله : ولكن انقضه بيقين آخر الذي هو من القيود المتصلة بالكلام ، لابد في التمسك بعموم دليل الاستصحاب من احراز تطبيق عنوانه بقيوده على المورد ، فمع الشك في مثل هذا القيد يشك في تطبيق عنوانه ، وفي مثله لا مجال للتمسك بعموم لا تنقض حتى بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصصات المنفصلة ( هذا ملخص ) المقال في تقرير الشبهة المزبورة.

( ولكن ) فيه ان الناقض لليقين السابق ليس الا اليقين بارتفاع المتيقن ، لا نفس ارتفاعه واقعا ولم يتخلل بين اليقين بعدم حدوث كل من الحادثين والشك في

٢١٠

الحدوث يقين آخر بالحدوث ليوجب عدم اتصال زمان الشك بالحدوث في كل منهما باليقين به ( واما ) اليقين الاجمالي بارتفاع المستصحب في أحد الزمانين ، اما الزمان الثاني ، أو الثالث فهو غير قابل للفصل بين اليقين بالمستصحب والشك في بقائه في زمان وجود الغير الا في فرض قابلية انطباقه على الزمان الثاني الذي هو أحد طرفي العلم ولكنه من المستحيل جدا ( لما عرفت ) غير مرة من أن قوام العلم والشك بل جميع الصفات الوجدانية كالإرادة والكراهة والتمني والترجي وغيرها انما هو بنفس العناوين والصور الذهنية بما هي ملحوضة كونها خارجية بلا سراية منها إلى المعنون الخارجي ، لان الخارج انما هو ظرف اتصافها بالمعلومية ، لا ظرف عروضها بشهادة انه قد لا يكون للمعنون وجود خارجي أصلا كما في موارد تخلف العلم عن الواقع ، فمعروض العلم في جميع موارد العلوم الاجمالية عبارة عن عنوان وصورة اجمالية مبائنة مع ما هو معروض الشك والترديد ، حيث إن معروضه عبارة عن صور تفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء الآخر مثلا بعنوانهما التفصيلي مع وقوف كل من الوصفين في عالم عروضهما على نفس معروضه من الصور الذهنية ، من غير أن يكون وحدة المنشأ والمعنون الخارجي لهما موجبا لسراية أحد الوصفين من معروضه إلى معروض الآخر ، بشهادة اجتماع اليقين الاجمالي مع الشك التفصيلي بكل واحد من الأطراف ، مع وضوح المضادة بين الوصفين ( وبعد ) ذلك نقول : انه بعد استحالة انطباق المعلوم بالاجمال بما هو معلوم على طرفيه ، فلا يعقل احتمال الفصل باليقين بارتفاع المستصحب في أحد الزمانين بين زمان اليقين بعدم المستصحب وزمان الذي يراد جر المستصحب إليه ، فان المفروض ان الزمان الفاصل بين زمان اليقين بالمستصحب سابقا وزمان وجود غيره الذي يراد جره إليه بالاستصحاب ليس الا ما هو طرف العلم الاجمالي بين الزمانين وهو الزمان الثاني ، ومع استحالة قابلية انطباق المعلوم بوصف معلوميته على هذا الزمان الذي هو طرف العلم الاجمالي ، كيف يحتمل الفصل باليقين الناقض بين زمان اليقين بالمستصحب وزمان الذي يراد جره إليه ليكون التمسك بدليل الاستصحاب في المقام تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للعام المزبور ، بلحاظ الشك في قيده

٢١١

المتصل به.

( نعم ) ما هو محتمل الفصل باليقين الناقض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا ، حيث يحتمل انطباق ما هو المعلوم بالاجمال في موطن الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك ، ولكنه مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة الا على توهم مرفوض وهو سراية العلم من معروضه الذهني إلى موطن الخارج ، لا يمنع هذا المقدار عن جريان استصحاب العدم في كل من الحادثين ( والا ) لاقتضى المنع عن جريانه في مجهول التاريخ منهما أيضا بلحاظ ان حدوثه بعد أن كان مرددا بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك بعدمه وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه بانطباق زمان اليقين بالاجمال بحدوثه على ذلك الزمان ، بل وكذلك في جميع فروض العلوم الاجمالية ( وحينئذ ) فلولا ما ذكرناه من الوجه للمنع عن جريان استصحاب العدم في مجهولي التاريخ من لزوم احراز مقارنة زمان بقاء المستصحب ولو تعبدا مع زمان وجود غيره ، وعدم صلاحية جريان الاستصحاب إلى الزمان الثاني لرفع الشك في المقارنة المزبورة ، وعدم جريانه إلى الزمان الثالث الذي هو زمان اليقين بوجود الغير لكونه زمان اليقين بارتفاع المستصحب ، لما يمنع عنه ، شبهة الفصل المزبور.

( ثم لا فرق ) فيما ذكرنا من عدم صلاحية العلم الاجمالي بالارتفاع في الزمان الاجمالي للفاصلية بين ان يكون المعلوم بالاجمال من الأول مجملا مرددا بين أمرين كأحد الانائين أو الثوبين في العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما ، وبين ان يكون من الأول عنوانا تفصيليا كاناء ، زيد أو الاناء الشرقي ، فطرء عليه الاجمال والترديد من جهة اشتباهه بغيره ، كما لو علم بنجاسة اناء زيد بخصوصه وطهارة غيره ثم اشتبه بالاناء الآخر ، أو علم بنجاسة الاناء الشرقي وطهارة الاناء الغربي فاشتبه أحدهما بالآخر ، فإنه مع تقوم الصفات الوجدانية التي منها العلم والشك بالصور الذهنية ولولا بما يلتفت إلى ذهنيتها ، بل بما انها ترى خارجية ، يكون معروض العلم الاجمالي بما هو معروضه في جميع تلك الفروض عبارة عن صورة اجمالية مبائنة مع الصورة التي هي معروض الشك

٢١٢

ذهنا بنحو يستحيل اتحادهما في عالم المعروضية للشك واليقين وان كانتا متحدتين وجودا خارجا ، كاستحالة سراية كل من الوصفين من معروضه إلى معروض الآخر ، أو سرايتهما إلى موطن الخارج ( لا يعقل ) الفصل باليقين الناقض في شيء من هذه الفروض كي يمنع عن جريان الاستصحاب ( نعم ) ما هو محتمل الفصل باليقين في جميع هذه الفروض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا ، حيث يحتمل انطباق ما هو معروض اليقين في الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك ( ولكنه ) مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة ، لا يمنع هذا المقدار عن جريان الاستصحاب ( والا ) لاقتضى المنع عن جريانه في كل علم اجمالي بالنسبة إلى طرفه ولو كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما ( وعليه ) فما عن بعض الاعلام من تشقيق تلك الفروض وتسليم احتمال الفصل باليقين الناقض المانع عن الاستصحاب فيما كان من قبيل الاناء الشرقي المتميز عن الاناء الغربي ، اما بفرض الترديد والاجمال مقارنا للعلم ، كالعلم بإصابة المطر لما هو في الطرف الشرقي ، واما بطرو الاجمال والترديد بعد ما علم بإصابة المطر له ، وعدم تسليمه فيما كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كالعلم بإصابة المطر لاحد الانائين اما الشرقي أو الغربي ، منظور فيه ( نعم ) لا بأس بذلك في عالم الاتصاف والانطباق الخارجي ، ولكنه لا يختص بالأمثلة المزبورة بل يجري في جميع موارد العلم الاجمالي ولو كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن جريان مثل هذا الاستصحاب ما ذكرناه ، والا فلا قصور في الاستصحاب إذ لا يمنع عنه الا المعارضة بجريانه في الآخر في فرض ترتب الأثر على كل منهما.

( بقى الكلام )

( في تعاقب الحادثين المتضادين )

مع الشك في المتقدم منهما والمتأخر من حيث جريان الاستصحاب فيهما وعدمه ، كالطهارة والنجاسة ، والطهارة والحدث في المسألة المعروفة ( وفيه ) أيضا تجري

٢١٣

الشقوق السابقة من الجهل بتاريخهما ، تارة وبأحدهما ، أخرى ( والمقصود ) بالكلام في المقام هو الاستصحاب الوجودي دون العدمي ( كما أن ) المقصود هو استصحاب وجود كل منهما في حد نفسه ، لا بلحاظ كونه إلى زمان وجود الآخر أو عدمه ( فنقول ) : انه لو علم بالطهارة والحدث وشك في المتقدم والمتأخر منهما فمع الجهل بتاريخهما ، قد يظهر من الشيخ قدس‌سره بل نسب إلى المشهور جريان الاستصحاب في كل من الطهارة والحدث وتساقطهما بالتعارض ( وأورد ) عليه المحقق الخراساني قدس‌سره بما تقدم من شبهة الفصل باليقين الناقض لاحتمال انفصال زمان الشك في بقاء الطهارة عن زمان اليقين بها بزمان اليقين بالحدث بان يكون الطهارة في الساعة الأولى والحدث في الساعة الثانية وكذلك الامر بالعكس ( ولقد ) تقدم الجواب عنه بما لا مزيد عليه.

( والتحقيق ) في المقام عدم جريان الاستصحاب فيهما أيضا ولو مع قطع النظر عن التعارض ( لعدم اتصال ) زمان الشك فيه بزمان اليقين بتقريبات ( ولتوضيح ) المرام نقول : انه حفظا لموضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما انطبق عليه البقاء لابد من فرض الأزمنة فيه ثلاث ساعات مثلا ، الأولى والثانية زمان اليقين الاجمالي بتحقق كل من الحادثين الطهارة والحدث ، والثالثة زمان الشك في بقاء كل منهما ، والا فلو فرض انه ما مضى الا الزمانان اللذان علم بحدوث الطهارة والحدث فيهما وشك في المتقدم والمتأخر منهما ، فلا مجال لتوهم جريان الاستصحاب فيهما لعدم تصور الشك في البقاء حينئذ ، لان في الزمان الأول لا يقين بحدوث الطهارة ، ولا بالحدث ، وفي الزمان الثاني وان علم بحدوثهما ولكن امر كل واحد منهما فيه مردد بين الحدوث والارتفاع ، فلا يتصور الشك في البقاء في واحد منهما ، وهذا بخلاف فرض الأزمنة ثلاثة ، حيث إن في الزمان الثالث يتصور الشك في البقاء في كل واحد منهما ، فكان موضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما ينطبق عليه البقاء محرزا ( وبعد ذلك ) نقول : ان عدم جريان الاستصحاب في المتضادين المجهولين تاريخهما لوجوه.

٢١٤

( الأول ) ان المستفاد من أدلة الباب بمقتضى لزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ، اعتبار اتصال زمان الشك في بقاء المستصحب بزمان اليقين بوجوده بحيث يصدق الشك في البقاء على الحادث في الزمان المشكوك فيه وليس هنا كذلك ( لان ) ما حدث وهو الطهارة في المثال بعد أن كان زمانه زمانا اجماليا مرددا بين زمان الأول والثاني ، فقهرا يكون زمانه المتصل لحدوثه أيضا مرددا بين زمان الثاني والثالث ، وهكذا في طرف الحدث ، ففي الزمان الثالث لم يحرز اتصاله بزمان اليقين ، لان الطهارة ان كانت واقعة في الساعة الأولى ففي الساعة الثانية كانت مرتفعة قطعا فيكون الزمان الثالث الذي هو زمان الشك في البقاء منفصلا عنه ، وان كانت واقعة في الساعة الثانية ، فزمان الثالث وان كان متصلا بزمان حدوثهما ، الا انه على هذا التقدير لا يكون الزمان الثالث زمان الشك في البقاء والارتفاع للقطع حينئذ ببقاء الطهارة فيه ( وان شئت قلت ) بانتفاء الشك في البقاء في الزمان الثالث بالنسبة إلى كل واحد من الطهارة والحدث ، لأنه على تقدير يقطع بارتفاعه ، وعلى تقدير يقطع ببقائه ، فان ما يتصور من الشك في البقاء فيه انما هو من جهة الشك في الحدوث المتصل به لا من جهة الشك في نفس بقاء ما هو الحادث فارغا عن حدوثه المتصل به ، وموضوع الاستصحاب صرفا أو انصرافا انما كان هو الثاني لا الأول ، ولا مطلق الشك في البقاء ولو كان من جهة الشك في الحدوث في الآن المتصل به ( وحينئذ ) فلا ينتقض ما ذكرناه بموارد الشكوك البدوية ( فإنه ) لو علم بالطهارة في ساعة فشك في بقائها في الساعة الأخرى كان زمان الشك في البقاء متصلا بزمان اليقين بحدوثها حيث يحتمل ملازمة حدوثها في الساعة الأولى لبقائها في الساعة الثانية ويحتمل عدم ملازمة حدوثها للبقاء ، وشأن الاستصحاب ابقاء ما شك في بقائها في الزمان المتصل بالحدوث.

( الثاني ) انه لا شبهة في أن الشك الذي هو موضوع الاستصحاب هو الشك في بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان المتصل بزمان اليقين بحدوثه ، بحيث يحتمل ملازمة حدوثه في الزمان الأول مع بقائه في الزمان الثاني ، ويحتمل عدم

٢١٥

ملازمته وانفكاك وجوده في الزمان الثاني عن حدوثه في الزمان الأول ( ومثل ) هذا المعنى لاشك في تحققه في الشكوك البدوية ( بخلاف المقام ) فإنه لا يتصور فيه احتمال بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان الثالث الذي أريد جر المستصحب إليه ( فإنه على تقدير ) ان يكون حدوث الطهارة في الساعة الأولى ، يقطع بارتفاعها في الساعة الثانية بحدوث ضده الذي هو الحدث ، فلا يحتمل فيها البقاء في الساعة الثالثة ( وعلى تقدير ) ان يكون حدوثها في الساعة الثانية يقطع ببقائها في الساعة الثالثة ، فلا يحتمل انفكاك حدوثه عن بقائه في الزمان الثالث ، وهكذا بالنسبة إلى إلى الحدث ، ومع انتفاء الشك في البقاء والارتفاع لا يجري فيه الاستصحاب ( واما ) ما يرى من الشك في البقاء والارتفاع بالنسبة إلى كل من الطهارة والحدث ، فقد عرفت رجوعه في الحقيقة إلى الشك في زمان حدوثه المتصل به ، لا انه من جهة الشك في انقطاع ما هو الحادث فارغا عن حدوثه في الزمان المتصل به كما هو ظاهر.

( الثالث ) ان المنصرف من دليل الاستصحاب هو ان يكون زمان الذي أريد جر المستصحب إليه على نحو لو تقهقرنا منه إلى ما قبله من الأزمنة لعثرنا على زمان اليقين بوجود المستصحب ، كما في جميع موارد الاستصحابات الجارية في الشكوك البدوية ( وليس المقام ) من هذا القبيل ، فان في كل من الطهارة والحدث لو تقهقرنا من زمان الشك الذي هو الساعة الثالثة لم نعثر على زمان اليقين بوجود المستصحب ، بل الذي نعثر عليه فيما قبله من الأزمنة انما هو زمان اليقين بعدم حدوث المستصحب من الطهارة أو الحدث ( لان ) كلا من الساعة الثانية ، والأولى إذا لاحظنا فيه المستصحب طهارة أو حدثا يرى كونها ظرفا للشك في وجوده إلى أن ينتهى إلى الزمان الخارج عن دائرة العلم الاجمالي الذي هو زمان اليقين بعدم كل منهما ( وحيث ) انه لم نعثر في تقهقرنا على زمان تفصيلي نعلم فيه بالطهارة أو الحدث ، امتنع الاستصحاب لانصراف الدليل عنه ( هذا بالنسبة ) إلى الأزمنة التفصيلية ( واما بالنسبة ) إلى الزمان الاجمالي المشار إليه بكونه بعد زمان اليقين بحدوث المستصحب ، فاتصاله بزمان اليقين وان كان متحققا بنحو الاجمال ، ولا مانع من هذه الجهة من استصحاب

٢١٦

كل من الطهارة والحدث إلى الزمان الثاني الاجمالي المتصل بزمان اليقين بالحدوث في كل منهما ، ولكنه انما يثمر إذا لم يحتج إلى التطبيق على الأزمنة التفصيلية كما لو كان الأثر لمجرد بقاء الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا ، والا فعلى فرض الاحتياج إلى التطبيق على الأزمنة التفصيلية بلحاظ ترتب الأثر المهم من نحو صحة الصلاة على ثبوت الطهارة في زمان تفصيلي ( فلا مجال ) لهذا الاستصحاب ، لعدم اثماره في التطبيق على واحد من الأزمنة بخصوصه ، بل عدم صحته ( لما عرفت ) من أن الزمان الثاني الذي هو طرف العلم لا يحتمل فيه البقاء لكونه مرددا بين زمان الحدوث والارتفاع ( والزمان ) الثالث وان احتمل فيه البقاء لكن لا يحتمل فيه الارتفاع ، لكونه على تقدير مقطوع البقاء ، وعلى تقدير آخر مقطوع الارتفاع فيه ( هذا ) ( وقال الأستاذ قدس‌سره ان المحقق الخراساني قدس‌سره في سالف الزمان في مجلس بحثه قرر شبهة الانفصال بمثل ما ذكرناه ) ( ولكنه ) قررها في الكفاية من جهة شبهة الفصل باليقين الناقض.

( اشكال ودفع ) اما الاشكال فقد يورد على ما ذكرنا من شبهة عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب ، بان لازم اعتبار الاتصال بالمعنى المزبور في صحة الاستصحاب عدم جريانه حتى في الشك البدوي في الرافع الوارد على المعلوم بالاجمال من حيث الزمان ، كما لو علم اجمالا بطهارته اما في الساعة الأولى أو الثانية وشك بشبهة بدوية في حدوث حدث بعده في الزمان الأخير الذي هو طرف العلم على فرض حدوث المعلوم في الزمان الأول أو مطلقا ، حيث إنه بمقتضى البيان المزبور لا يجري استصحاب الطهارة ، لا في الزمان الثاني الذي هو طرف العلم بحدوث الطهارة لكونها مرددة فيه بين الحدوث والارتفاع ، ولا في الزمان الثالث ، لعدم احراز الاتصال بالمعنى المزبور ، إذ لو انتقلنا من زمان الشك إلى الوراء متقهقرا لم نعثر الا على زمان اليقين بعدم المستصحب ، لان كل واحدة من الساعة الأولى والثانية التي هي قبل زمان الشك إذا لوحظت يرى كونها زمان الشك في حدوث المستصحب من حيث احتمال حدوث المعلوم بالاجمال من حيث الزمان فيه أو فيما قبله أو ما بعده ، مع

٢١٧

انه لا يظن التزامه من أحد.

( واما الدفع ) ففيه أولا ان بنائهم على جريان الاستصحاب في مثله ليس باعتبار الأزمنة التفصيلية كي يصير نقضا على ما ذكرنا ، بل هو باعتبار جريانه في الأزمنة الاجمالية لحدوث المستصحب المستتبع لليقين في الزمان الثاني التفصيلي الذي هو طرف العلم الاجمالي ، اما بالطهارة الواقعية أو التعبدية ( ومن الواضح ) عدم جريان هذا التقريب في فرض العلم بحدوث الحدث مع الشك في تقدمه على الطهارة وتأخره عنه ( وثانيا ) يمكن دعوى جريان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض ، فإنه على تقدير عدم حدوثها في الزمان الأخير الذي هو طرف العلم يشك في بقائه فيه فيستصحب ولازمه العلم الاجمالي في زمان الآخر بوجود طهارة واقعية أو ظاهرية ( وهذا ) التقريب غير جار في المقام أيضا ( إذ في ) فرض العلم بالناقض والشك في المتقدم والمتأخر يكون امر كل واحد من الطهارة والحدث في الزمان الثاني مرددا بين الحدوث والارتفاع ، لا في البقاء والارتفاع ( ودعوى ) ان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض انما يجري في فرض كون موضوع حرمة النقض هو نفس الشيء بوجوده الواقعي ولولا بما هو معلوم ، والا فعلى فرض دخل اليقين في موضوع حرمة النقض فلا يجري الاستصحاب ، لعدم اليقين الفعلي حينئذ بوجود المستصحب ( مدفوع ) بان ما هو غير متحقق فعلا انما هو اليقين المطلق ، لا مطلق اليقين به ولو منوطا ، ولا شبهة في تحقق اليقين الفعلي المنوط فيه ( فإنه ) في فرض عدم حدوث المستصحب في الزمان الثاني الذي هو طرف العلم يصدق انه كان على يقين فعلي بوجوده غايته منوطا بالتقدير المزبور ، وهذا المقدار من اليقين المنوط يكفي في تحقق موضوع حرمة النقض فتدبر ( فتلخص ) مما ذكرنا انه لا مجال لجريان الاستصحاب في واحد من الحالتين المتضادتين ولو مع قطع النظر عن المعارضة ( هذا كله ) في صورة الجهل بتاريخ الحالتين المتضادتين.

( واما صورة ) العلم بتاريخ إحديهما ، فعلى تقرير شبهة الانفصال بما

٢١٨

افاده المحقق الخراساني قدس من احتمال الفصل بالانتقاض باليقين لا يجري الاستصحاب في هذا الفرض أيضا لا في مجهوله ولا في معلومه ( واما ) بناء على تقريرها بما ذكرناه من اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب فيمكن التفصيل بينهما بجريان الاستصحاب في معلومه دون مجهوله لعدم الاتصال فيه.

( التنبيه العاشر )

يعتبر في صحة الاستصحاب ان يكون المستصحب موضوعا كان أم حكما تكليفيا كان أم وضعيا ذا اثر عملي حين الاستصحاب ولو بوسائط عديدة كوجوب قضاء الفريضة باستصحاب نجاسة الماء الذي توضأ به ( واما ) مالا يقتضى عملا بالفعل ، كالخارج عن ابتلاء المكلف رأسا ولو بلحاظ اثره ، والحكم التعليقي قبل حصول المعلق عليه ، فلا يجرى فيه الاستصحاب لعدم كفاية مجرد شرعية الأثر بلا انتهائه إلى ترتب اثر عملي في جريانه ، واعتبار هذا الشرط على ما اخترناه من رجوع لا تنقض إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك معاملة المتيقن من حيث الجري العملي ظاهر ، فإنه بدونه يمتنع التعبد للغويته ( واما بناء ) على القول برجوعه إلى جعل المماثل أو الأثر فمن جهة ظهور اخبار الباب صرفا أو انصرافا بمقتضى ورودها في مقام بيان الوظيفة الفعلية العملية للشاك والجاهل المتحير في وظيفته في الاختصاص بمورد يترتب عليه اثر عملي حين توجيه الخطاب بحرمة النقض إلى المكلف وهذا مما لا اشكال فيه ، كما لا اشكال في لزوم كون الأثر من لوازم نفس الواقع أو الواقع المعلوم من حيث طريقيته لامن حيث نوريته في نفسه ، والا فلو كان الأثر من لوازم الواقع المعلوم من حيث كونه نورا في نفسه وصفة خاصة قائمة بالنفس ، فلا مجال للاستصحاب ووجهه واضح ( كما أن ) الامر كذلك لو كان المأخوذ في موضوع الأثر عدم استتاره ، كما لعله من هذا القبيل باب الشهادة ، لوضوح ان الاستصحاب انما يجري ويحرز الموضوع في ظرف الشك

٢١٩

بالواقع واستتاره ، فلا يمكن ان يكون رافعا لاستتاره ( وبهذه ) الجهة يمتاز الاستصحاب بناء على اخذه من الاخبار عن الامارة ، فان الامارة بمقتضى لسان دليل اعتبارها الدال على تتميم كشفها ترفع ستره الواقع ، بخلاف الاستصحاب فإنه باعتبار اخذ الشك في موضوعه يمتنع ان يكون رافعا لسترة الواقع ، لامتناع ان يكون الحكم رافعا لموضوعه ، وبهذه الجهة تكون الامارة حاكمة عليه لكونها رافعة للشك المأخوذ في موضوعه ( وحينئذ ) فلابد من ملاحظة كبريات الآثار الواقعية في أنها ثبتت باي كيفية ، والا فبعد الفراغ عن احراز كيفية ثبوتها لا اشكال في جريان الاستصحاب على بعض التقادير وعدم جريانه على بعض التقادير الاخر حسب ما عرفت من التفصيل.

التنبيه الحادي عشر

لا فرق في الاستصحاب بين ان يكون المستصحب من الموضوعات الخارجية ، أو اللغوية ، أو الأحكام الشرعية ، أصولية أم فرعية ، وبين ان يكون من الأمور الاعتقادية التي كان المطلوب فيها عمل الجوانح من نحو التسليم والانقياد والاعتقاد بمعنى عقد القلب على نبوة نبي أو امامة امام ، فيجري فيها الاستصحاب موضوعا وحكما في فرض تحقق أركانه ( فلو شك ) في نبوة شخص أو إمامته بعد اليقين بثبوتهما له سابقا يجري فيهما الاستصحاب ويترتب على استصحابهما الآثار المزبورة من لزوم الانقياد وعقد القلب بناء على كونها من آثار البنوة الواقعية لا من آثار النبوة المعلومة بوصف معلوميتها ( والا ) فلا مجال للاستصحاب وان فرض تمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق كما تقدم في التنبيه السابق ( من غير فرق ) في ذلك بين ان تكون النبوة وكذا الإمامة من المناصب الجعلية الأهلية ، أو من الأمور الواقعية الناشئة من كمال نفسه الشريفة وبلوغها إلى مرتبة عالية التي بها صار سببا متصلا بين الخالق والمخلوق وواسطة في ابلاغ الأحكام الإلهية ( فإنه ) على كل تقدير

٢٢٠