نهاية الأفكار

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

الحدثين ذاتا وحدا ، فيجري فيه استصحاب الكلى في الحدث المعلوم المردد وجوده حال خروج البلل بين الأصغر والأكبر لكونه من استصحاب القسم الثاني من اقسام الكلى ( حيث إنه ) باتيان الوضوء يشك في ارتفاع الحدث المعلوم وجوده اجمالا والأصل يقتضى بقائه ، ولازمه وجوب الغسل وعدم جواز الاكتفاء بصرف الوضوء في رفع اثر المانعية ( وأصالة ) عدم حدوث الأكبر غير مجدية ، لعدم كونها رافعة للشك في بقاء الكلى والقدر المشترك ، ولا لرفع اثره من مانعيته للصلاة الا على القول بالأصول المثبتة ، كما أن أصالة بقاء الأصغر بحده الخاص حال خروج البلل المردد غير مجدية أيضا لرفع الشك الوجداني عن بقاء الجامع ، ولا لرفع اثره ، بل ولا للاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الدخول في الصلاة ( لوضوح ) ان رافعية الوضوء للحدث في هذا الحال انما هو من لوازم انحصار طبيعة الحدث بالأصغر وجدانا ، والا فشأنه ليس الا رفع الحدث الأصغر بخصوصه ، واثبات هذه الجهة من الانحصار خارج عن عهدة الأصل المزبور ، الا على فرض القول بالمثبت ( وحينئذ ) فيجري استصحاب كلي الحدث المعلوم بالاجمال حال خروج البلل المشتبه ، ولازمه بحكم العقل هو الجمع بين الطهارتين تحصيلا لليقين بارتفاع الحدث ، هذا ( ولكن ) الظاهر هو عدم التزامهم بذلك ، حيث إن بنائهم على الاكتفاء بالوضوء محضا لمن كان محدثا بالأصغر واحتمل طرو الجنابة عليه لأجل البلل المردد بين البول والمنى ، نظرا منهم إلى قاعدة الاستصحاب ( فلا بد ) حينئذ اما من الكشف عن بنائهم على عدم التضاد بين الحدثين رأسا ، أو يكون التضاد بينهما في خصوص حديهما لا في ذاتيها ، كما لعله هو الظاهر المستفاد من الأدلة أيضا من مثل قوله (ع) الوضوء نور وان الوضوء بعد الوضوء نور على نور ، وقوله (ع) اي وضوء أنقى من الغسل ، حيث إن المستفاد منها هو ان الوضوء والغسل ولو باعتبار الأثر الحاصل منهما وهو النورية والنظافة المعنوية من نسخ الحقايق التشكيكية التي لها مراتب متفاوتة شدة وضعفا ، فيستفاد بقرينة المقابلة ان الحدث الذي هو من القذارة المعنوية والكسالة الروحية أيضا من الحقايق التشكيكية المختلفة حدا ومرتبة ، كما يومي إليه قوله (ع) في المرأة التي ترى الدم وهي جنب قد اتاها

١٤١

ما هو أعظم من ذلك ( واما ) من دعوى ان موضوع وجوب الوضوء على ما يستفاد من الأدلة عبارة عن المركب من امر وجودي وهو النوم مثلا ، وامر عدمي وهو عدم الجنابة ، فيندرج المثل في الموضوعات المركبة التي يحرز بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ، فان النائم الذي احتمل جنابته من جهة البلل المردد بين البول والمنى ، قد أحرز جزئي الموضوع لوجوب الوضوء ، أحدهما وهو النوم بالوجدان ، وثانيهما عدم الجنابة بالأصل فيحب عليه الوضوء ويكتفى به في صحة صلوته ، كان هناك استصحاب حدث أم لا ( ولكن ) دعوى الأخير مبنى على أن لا يكون الطهارة شرطا للصلاة ولا الحدث مانعا ، بل كان الشرط هو نفس الوضوء عند تحقق موجبه وهو النوم ونحوه ، ونفس الغسل عند تحقق الجنابة ( والا ) فعلى فرض شرطية الطهارة للصلاة كما هو مقتضى قوله (ع) : لا صلاة الا بطهور ، أو مانعية الحدث عن صحة الصلاة ، فلا يجدي هذا التقريب للاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الصلاة ، نظرا إلى الشك في مؤثرية الوضوء في هذا الحال في الطهارة ورافعيته للحدث المعلوم وجوده باجمال فتأمل.

( تذييل ) الذي يظهر من كلمات الأصحاب قدس اسرارهم هو التسالم على جريان أصالة عدم التذكية عند الشك في تذكية الحيوان واثباتهم بها حرمة لحمه ونجاسته ( وقد خالف ) في ذلك جماعة منهم الفاضل التوني قده ، حيث أورد على المشهور في حكمهم بنجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية ، بان عدم المذبوحية لازم لامرين الحياة ، والموت حتف الانف ( والموجب ) للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو ، بل ملزومه الثاني وهو الموت حتف الانف ، فعدم المذبوحية لازم أعم لموجب النجاسة ( فعدم ) المذبوحية اللازم للحيوة مغاير لعدم المذبوحية اللازم للموت حتف الانف والمعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأول ، لا الثاني الخ ( وقد استدل ) عليه أيضا بوجهين آخرين ( الأول ) ان الموضوع لكل من حرمة لحم الحيوان ونجاسته وحليته وطهارته امر وجودي ، فموضوع الحرمة والنجاسة هي الميتة التي هي عبارة عن الحيوان الذي مات حتف أنفه ، كما أن موضوع الحلية والطهارة عبارة عن المذكى ، فهما أمران وجوديان ولابد من احرازهما ، وأصالة عدم

١٤٢

التذكية بعد ما لم يثبت عنوان الميتة ، بلحاظ عدم اقتضاء نفي أحد الضدين بالأصل لاثبات الضد الاخر الا على المثبت ، فلا جرم يجري استصحاب العدم من الطرفين ، وبعد تساقط الأصلين بالمعارضة يرجع إلى أصالة الحل والطهارة في الحكم المشكوك ( الثاني ) انه على تقدير ان يكون الموضوع للحرمة والنجاسة هو نفس عدم التذكية لا عنوان الميتة التي هي امر وجودي ( فلا شبهة ) في أنه ليس الموضوع للحرمة والنجاسة مطلق عدم التذكية وعدم المذبوحية ، بل هو العدم المقيد في حال خروج روح الحيوان ، فلعنوان الحالية أيضا دخل في موضوع الحكم ( وواضح ) انه ليس لهذا العنوان المقيد حالة سابقة حتى يستصحب ( لان ) خروج الروح اما ان يكون عن تذكية ، واما لا عن تذكية ، فلم يتحقق زمان كان فيه خروج روح الحيوان ولم يكن عن تذكية حتى يجري فيه الأصل ( واما ) عدم التذكية في حال حياة الحيوان بمفاد ليس التامة فهو وان كان على يقين منه سابقا ، ولكن الأصل فيه لا يثبت العدم الخاص الا على القول بالأصول المثبتة فينتهي الامر حينئذ إلى أصالة الحل والطهارة ، هذا ( ولكن ) لا يخفى ما في هذين الوجهين.

( اما الوجه الأول ) ففيه أولا منع كون الميتة هي خصوص ما مات حتف الانف ، بل هي في عرف الشارع عبارة عن مطلق ما لم يقع عليه التذكية بشرائطها المقررة من الذبح بالحديد وكونه مع التسمية ومستقبل القبلة مع اسلام الذابح ، فمتى اختل أحد هذه الأمور كان الحيوان ميتة وان لم يزهق روحه حتف أنفه ( وعلى فرض ) ان تكون الميتة خصوص الموت حتف الانف ، فلا ريب في عدم اختصاص موضوع الحرمة والنجاسة بالعنوان المزبور ، فان الحكم بالحرمة والنجاسة كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة ، كذلك رتب على عدم المذكى في قوله سبحانه : « ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه » وقوله تعالى : « وكلوا مما ذكيتم » فيكفي أصالة عدم التذكية في المشكوك لاثبات الحرمة بل النجاسة ، وان لم يثبت بها عنوان الميتة ( ومع ) الاغماض عن ذلك أيضا لاوجه للرجوع إلى أصل الحل والطهارة فيما شك في تذكيته عند تعارض الأصلين ، بل اللازم حينئذ هو الرجوع إلى أصالة الحرمة

١٤٣

والطهارة الثابتتين للحيوان في حال حياته لحكومتهما على قاعدتي الحلية والطهارة والتفكيك بين الطهارة والحلية في الظاهر غير ضائر ، لأنه غير عزيز في الاحكام الظاهرية ، فيمكن التعبد بطهارة ما شك في تذكيته وحرمة اكله ، وان لم يمكن ذلك بحسب الواقع ( وهذا ) أيضا بناء على تلازم الحكمين في غير المذكى في نفس الامر والواقع ، والا فعلى احتمال اختصاص موضوع النجاسة بعنوان الميتة والموت حتف الانف فالامر أظهر.

( واما الوجه الثاني ) ففيه أيضا منع دخل الإضافة الحالية في المقام في موضوع الحرمة بل الموضوع لها عبارة عن الجزئين المجتمعين في زمان واحد أعني زهوق روح الحيوان وعدم تذكيته والتعبير بعنوان الحالية انما هو لمجرد الظرفية واجتماعهما في الزمان ، لا من جهة دخل تلك الإضافة في موضوع الحكم ، فيمكن حينئذ اثبات موضوع الحرمة والنجاسة باستصحاب عدم تذكية الحيوان إلى زمان خروج روحه ، لكونه كسائر الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ( وكون ) عدم تذكية الحيوان في حال حياته مما لا اثر له شرعا غير ضائر بعد كونه في ظرف خروج الروح ذا اثر شرعي ( وعلى فرض ) ان يكون لإضافة الحالية دخل في ترتب الحكم ، نقول : ان المقصود من عنوان الحال في نحو هذه المقامات انما هو مجرد إضافة الشيء المشروط إلى شرطه وقيده الأعم من الواقع والظاهر ، نظير الصلاة في حال الطهارة وغيرها من المشروطات والمقيدات ، فيمكن اثباتها باستصحاب عدم التذكية إلى حين زهوق الروح ، فإنه كما أن بوجود القيد واقعا يعتبر العقل الإضافة بين الشيئين ، كذلك يعتبرها باحراز وجوده ظاهرا وتعبدا ، ولا يرتبط ذلك بباب المثبت ( ولذا ) لم يستشكل أحد في الحكم بصحة الصلاة عند الشك في الطهارة باستصحابها إلى حين الدخول في الصلاة بمثبتية الأصل المزبور ، ولا يكون ذلك الا من جهة كون مثل هذه التقيدات من لوازم الأعم من وجدان القيد واقعا أو تعبدا وتنزيلا ( وان ) شئت قلت إن اعتبار مثل هذه الإضافات تابع تحقق طرفيها فمتى تحقق طرفاها بالوجدان أو التعبد يعتبر العقل تلك الإضافة الخاصة بينهما ولا يكون ذلك مرتبطا بباب المثبت ( نعم ) انما يكون كذلك فيما كان الموضوع هو الذات المتصف بالوصف العنواني

١٤٤

بان كان القيد مأخوذا نعتا لموضوع الحكم لا مجرد كونه طرف اضافته ( ولكن ) اني باثباته في نحو المقام فتأمل.

( التنبيه الرابع )

قد يستشكل في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية غير القارة ، كالزمان والزمانيات المبنية على التجدد والانصرام ( بتوهم ) ان مورد الاستصحاب كما يقتضيه تعريفه ويستفاد من أدلته انما يكون في فرض الشك في بقاء ما كان ، ولا يتصور البقاء في مثل الزمان ، ولا في الزمانيات من الموجودات التصرمية التي توجد وتنصرم شيئا فشيئا على التدريج كالحركة والتكلم ونحوهما حتى يشك في بقائها ، فيجري فيها الاستصحاب ( لان ) بقاء الشيء عبارة عن استمرار وجود الشيء بجميع حدوده في الآن الثاني بعين وجوده في آن حدوثه وهو غير متصور في الموجودات التصرمية زمانا كانت أو زمانية ، فإنها بقطعتها الموجودة سابقا كانت منعدمة في الآن الثاني وبقطعتها الأخرى تكون مشكوكة الحدوث ، فلا يجرى فيها الاستصحاب ، بل ولا في القار الذي كان الزمان قيدا له ( ونظير ) هذا الاشكال ، الاشكال المعروف في مبحث المشتق في نحو أسماء الزمان كالمقتل وغيره. حيث قيل بخروجها عن محل النزاع بلحاظ ان الذات المتلبسة بالمبدء فيها بنفسها متقضية مع المبدء لا ان الانقضاء مختص باتصافها بالمبدء ، فلا يصدق على الزمان الفعلي الموجود انه ذات انقضى عنها المبدء كي يجري فيها النزاع ( ولكن ) التحقيق صحة الاستصحاب فيها كغيرها من الأمور القارة ( تنقيح ) المرام يستدعى عقد الكلام في مقامات.

( المقام الأول ) في استصحاب الزمان وما يعرضها من العنوان الطارئ كاليوم والليل والشهر ونحوها من العناوين المنتزعة من مجموع الأزمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدين والمحصورة بين الحاصرين ( ولا ينبغي ) الاشكال في جريان الاستصحاب فيها

١٤٥

فان الآنات والأزمنة المتعاقبة وان كانت في الحقيقة وجودات متعددة متحدة سنخا ، ولكنها لما كانت على نهج الاتصال ولم يتخلل سكون بينها ، كان الجميع بنظر العرف موجودا واحدا مستمرا ، وبهذا الاعتبار يعد الموجود اللاحق بقاء لما حدث أولا ، فيصدق عليه الشك في بقاء ما حدث وتتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة ، وان لم يكن كذلك بحسب الحقيقة والدقة ( وحينئذ ) إذا صدق الموجود الواحد المستمر على الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال ، وكان مدار الوحدة في متعلق الوصفين على الأنظار العرفية لا على المداقة العقلية ، فلا جرم يجرى فيها الاستصحاب كجريانه في الأمور القارة لتمامية أركانه جميعا من اليقين السابق بالوجود والشك اللاحق في البقاء ( بل ) يمكن ان يقال : انه ليس لعنوان البقاء اثر في أدلة الاستصحاب ، فان الموجود فيها هو النهي عن نقض اليقين بالشك ، ولا ريب في أن دائرة صدق النقض عرفا أوسع من البقاء الحقيقي والمسامحي ، فيكون رفع اليد عن ترتب الأثر على الامر التدريجي الذي ينعدم ويوجد على التعاقب بالشك في انقطاع سلسلة وجوداته ، نقضا لليقين بالشك عرفا ( مع أن ) الانصرام والتجدد المانع عن الاستصحاب كما افاده المحقق الخراساني انما هو في الحركة القطعية في الأين وغيره المنتزعة من الأكوان المتعاقبة على نهج الاتصال الموافية للحدود الواقعة بين المبدء والمنتهى ، وهي الصورة الممتدة المرتسمة في الوهم المجتمعة الاجزاء في مرحلة الخيال والمتفرقة في الخارج ، كحركة الجوالة الموجبة لارتسام دائرة في الخيال ، فهي باعتبار منشأ انتزاعها الذي هي الأكوان المتعاقبة المتفرقة في الخارج تدريجية ، فيأتي فيها الاشكال المزبور ( واما الحركة ) التوسطية وهي الكون بين المبدء والمنتهي والآن السيال في الزمان ، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيها ( إذ هي ) بهذا الاعتبار من الأمور القارة ، فيصدق عليها البقاء حقيقة لا مسامحة ، هذا ( ولكن ) الانصاف انه لا سبيل إلى دعوى صدق القار على الحركة بمعنى التوسط كي يتصور فيها البقاء الحقيقي ، لما عرفت من أن البقاء الحقيقي للشيء عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بما له من المراتب والحدود المشخصة له في آن حدوثه ( ومثله ) غير متصور في الحركة التوسطية في مثل

١٤٦

الزمان ونحوه بداهة انها ليست بحقيقتها الا عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل ، فالموجود المتحقق منها في الخارج انما هو الحصول في حد معين وهو أمر آني لا قرار له ، فهي بهذا الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرجة الموافية للحدود المعينة ، لان كل واحد منها كون واقع بين المبدء والمنتهي وفرد للحركة التوسطية ومرتبة من مراتب وجودها خارجا ( ومعه ) كيف يمكن التفكيك بين الحركتين وجعلها بمعنى التوسط من القار الذي يتصور له البقاء الحقيقي ( فلا محيص ) حينئذ من دفع شبهة البقاء بما ذكرناه من كفاية الوحدة العرفية الناشئة من كون الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال وعدم تخلل السكون بينها ، في صدق البقاء الحقيقي أو دعوى كفاية كون الوجودات التصرمية على نهج الاتصال في صدق النقض عرفا على رفع اليد عن الامر التدريجي بالشك في انقطاع سلسلة الوجودات ، لا وسعية صدق النقض عرفا من البقاء الحقيقي والمسامحي ( وعلى كل ) من التقريبين لا فرق بين الحركة بمعنى القطع أو التوسط ( فان ) المصحح للاستصحاب حقيقة انما هو الاتصال المزبور الموجب لصدق البقاء الحقيقي أو العرفي ، وهو كما يجدى في الحركة بمعنى التوسط ، كذلك يجدى في الحركة بمعنى القطع ( وعليه ) فلا اشكال في جريان الاستصحاب في نفس الزمان ( وكذا ) الكلام فيما يعرضه من العناوين الطارية المنتزعة من مجموع الأزمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدين كاليوم والليل ونحوهما ، فإنه بهذا الاعتبار يكون كل آن جزء من الليل والنهار فيكون وجود الليل والنهار عرفا بوجود أول جزء منهما وبقائهما بتلاحق بقية الآنات المحدودة كونها بين الحدين ، فإذا شك في بقائهما يجري فيهما الاستصحاب لاجتماع أركانه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد القضيتين ، هذا إذا كان الشك في البقاء من جهة الشبهة المصداقية ( واما ) لو كان الشك فيه من جهة الشبهة المفهومية ، كالشك في أن النهار ينتهى حده إلى آن غروب الشمس أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية بعد القطع بغيبوبة الشمس فلا يجري فيه استصحاب ، لكونه من استصحاب العنوان الاجمالي الذي لا يكون مثله موضوعا لاثر شرعي ، لان ما له الأثر انما هو المحدود بأحد الحدين ، ولا شك فيه في البقاء

١٤٧

لكونه مقطوع البقاء على تقدير ومقطوع الارتفاع على تقدير آخر.

( ثم إن ) ما ذكرناه من جريان الاستصحاب عند الشك في حدوث الزمان أو بقائه من الليل أو النهار أو الشهر ونحوها انما هو إذا كان الأثر الشرعي مترتبا عليه بنحو مفاد كان أو ليس التامة ( واما ) إذا كان الأثر مترتبا عليه بمفاد كان أو ليس الناقصة ، ككون الزمان الحاضر من الليل أو النهار أو من رمضان ، ففي جريان الاستصحاب اشكال ، ينشأ من أن المتصف بمفاد كان أو ليس الناقصة ليس له حالة سابقة حتى يستصحب ، لان الزمان الحاضر الذي شك في ليليته أو نهاريته حدث اما من الليل واما من النهار ، فلا يقين باتصافه بكونه من الليل أو النهار ( واستصحاب ) بقاء الليل والنهار بمفاد كان التامة لا يثبت نهارية الزمان الحاضر أو ليليته حتى يترتب عليه اثره الخاص من وقوع متعلق التكليف أو موضوعه في الزمان الذي اخذ كونه ظرفا لامتثاله ( ولأجل ) ذلك يشكل الامر في كلية الموقتات كالصلوات اليومية والصوم في رمضان ونحوهما ، نظرا إلى أن غاية ما يقتضيه استصحاب الليل أو النهار بمفاد كان التامة في مثل تلك الموقتات انما هو اثبات بقاء التكليف بالموقتات ووجوب الاتيان بها ( واما ) اثبات وقوعها في الليل أو النهار أو رمضان الذي اخذ ظرفا لها ليترتب عليه الامتثال والخروج عن العهدة فلا ( لان ) صدق كون العمل واقعا في الوقت المضروب له شرعا مبني على اثبات نهارية الزمان الحاضر أو ليليته أو رمضانيته ، ( وبعد ) عدم اثبات الأصل المزبور نهارية الزمان الحاضر أو ليليته ، فلا يترتب عليه الامتثال والخروج عن عهدة التكليف بالموقت ( وبذلك ) تقل فائدة استصحاب الوقت والزمان ، لان الأثر المهم فيه انما هو في الموقتات.

( ولكن ) يمكن دفع الاشكال ، ( اما شبهة ) استصحاب مفاد كان الناقصة فبان يقال : ان ذوات الآنات المتعاقبة كما تكون تدريجية ، كذلك وصف الليلية والنهارية الثابتة لها أيضا تدريجية ، تكون حادثة بحدوث الآنات وباقية ببقائها ، فإذا اتصف بعض هذه الآنات بالليلية أو النهارية وشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية ، فكما يجري الاستصحاب في نفس الزمان ، ويدفع شبهة الحدوث فيما كان

١٤٨

اسما لمجموع ما بين الحدين ، كذلك يجري الاستصحاب في وصف الليلية أو النهارية الثابتة للزمان ، لان صدق البقاء في الزمان كما يكون بتلاحق بقية الآنات بالآنات السابقة ولحاظ المجموع من جهة كونها على نعت الاتصال وجودا واحدا ممتدا ، كذلك بقاء وصف ليلتها يكون بتلاحق القطعة من الوصف الثابت للزمان الحاضر بقطعات الوصف الثابت للآنات السابقة ، فلو شك حينئذ في ليلية الزمان الحاضر ، فلا قصور في استصحاب الليلية الثابتة للآنات السابقة وجرها إلى زمان الحاضر ، لرجوع الشك المزبور بعد اليقين باتصاف الآنات السابقة بالليلية أو النهارية إلى الشك في البقاء لا في الحدوث فيقال : بعد الغاء خصوصية القطعات ولحاظ مجموع الآنات من جهة اتصالها أمرا واحدا مستمرا ، ان هذا الزمان الممتد كان متصفا بالليلية أو النهارية سابقا والآن كما كان ، فيثبت بذلك اتصاف الآن المشكوك ليليته أو نهاريته بالليلية أو النهارية ( والا ) فلو فتحنا باب هذا الاشكال يلزم سد باب الاستصحاب في الزمان في مثل الليل والنهار ولو بمفاد كان التامة ، لجريان الاشكال المزبور فيه أيضا من حيث عدم تصور اليقين بالحدوث في مثل الليل والنهار الذي هو اسم لمجموع ما بين الحدين من حيث المجموع وكون القطعة الحاضرة من الزمان غير القطعة الموجودة سابقا ، ( وكما يصح ) استصحاب الليل والنهار بمفاد كان التامة ، وتدفع شبهة عدم اليقين بالحدوث ، بكفاية اليقين بوجود أول جزء من الليل عرفا في احراز وجود الليل ، كذلك يصح استصحاب اتصاف الزمان الشخصي الممتد إلى زمان الحاضر بالليلية أو النهارية :

( واما ) شبهة المثبتية في استصحاب الزمان بمفاد كان التامة في الموقتات ، فتندفع أيضا بما سيتضح لك من بيان كيفية اخذ الزمان في أدلة الموقتات ( فنقول ) : ان صور اخذ الزمان في أدلة الموقتات بنحو القيدية أو المقارنة : والمعية أربعة ، لأنه اما ان يكون راجعا إلى الهيئة والوجوب بناء على ما حققناه في محله من امكانه ( واما ) ان يكون راجعا إلى المادة ( وكل ) منهما باعتبار القيدية أو الظرفية ، أو المقارنة والمعية ينقسم إلى قسمين ، فتكون الصور أربعة ( بعد ذلك ) نقول : اما ما كان راجعا بحسب ظاهر الدليل إلى الهيئة والوجوب بنحو القيدية أو المقارنة والمعية ، فلا شبهة

١٤٩

في صحة استصحابه عند الشك في بقائه وانه يترتب عليه الوجوب بلا كونه مرتبطا بباب المثبت ، لأنه من قبيل استصحاب الموضوع واثبات الحكم الفعلي به.

( واما ) ما كان راجعا إلى الموضوع والمادة ، فان كان على نحو المقارنة والمعية ، كما لعله الظاهر في أكثر أدلة التوقيت في الموقتات ، من نحو قوله (ع) : إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، وقوله سبحانه أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ، حيث كان المستفاد منها مجرد لزوم وقوع المأمور به صلاة أو صوما عند تحقق أوقاتها ، بلا اقتضائها لكون الوقوع في الوقت المضروب لها شرطا شرعيا ، فلا اشكال في جريان الاستصحاب ، فإنه باستصحاب بقاء الليل أو النهار أو رمضان يترتب وجوب الاتيان بالصوم أو الصلاة ، ويترتب عليه تحقق الامتثال والخروج عن عهدة التكليف عقلا باتيان المأمور به في الوقت المستصحب ، لكونه من اللوازم العقلية المترتبة على الأعم من الواقع والظاهر ، وان لم يتحقق معنى الظرفية والقيدية ولا يصدق على المأتي به عنوان وقوعه في أزمان الذي كان من الليل أو النهار أو رمضان ( إذ لا يحتاج ) إلى اثبات هذا العنوان بعد عدم اخذ عنوان الظرفية قيدا لموضوع التكليف شرعا.

( واما ) إذا كان الزمان مأخوذا في المأمور به على نحو القيدية أو الظرفية بحيث اعتبر عنوان وقوع الفعل في الوقت المضروب شرطا شرعيا وفيمكن تصحيحه أيضا بما بيناه من صحة استصحاب الليلية والنهارية للآنات التدريجية ( إذ حينئذ ) يصدق وقوع الفعل في زمان كان ذلك الزمان ليلا أو نهارا ، فإنه لا نعنى من القيدية المزبورة الا إضافة الفعل إلى زمان متصف بالليلية أو النهارية ، فوقوع أصل الفعل في زمان كان محرزا بالوجدان واتصاف ذلك الزمان بالليلية أو النهارية كان محرزا بالأصل فيترتب عليه الامتثال والخروج عن عهدة التكليف ( ويمكن ) اجراء الاستصحاب أيضا في نقص العمل المظروف أو المقيد ، بتقريب ان هذا العمل الشخصي لو اتى به سابقا قبل الآن المشكوك ليليته أو نهاريته لوقع متصفا بعنوان كذا والآن كما كان ،

١٥٠

وهذا التقريب أولى مما افاده في الكفاية من استصحاب بقاء الامساك النهاري قبل ذلك على حاله في الآن المشكوك ، وذلك ، لما يرد عليه من أنه يتم بالنسبة إلى ما يترتب على بقاء الامساك النهاري بمفاد كان التامة ، لا بالنسبة إلى ما يترتب على كون شخص الامساك الموجود امساكا نهاريا بمفاد كان الناقصة ، ولعله إلى ذلك أشار بقوله فتأمل.

( المقام الثاني )

في استصحاب الزمانيات المتدرجة المبنية على التقضى والتصرم ، كالحركة والتكلم وجريان الماء وسيلان الدم ونحوها ( وملخص ) الكلام فيها هو ان الشك في بقاء الزماني التدريجي ( تارة ) يكون لأجل الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقائه بعد على صفة الجريان ( وأخرى ) يكون لأجل الشك في طرو ما يمنع عن حركته وجريانه مع القطع باستعداده للبقاء ، كما لو شك في بقاء التكلم لأجل احتمال طرو صارف عن الداعي الذي اقتضى التكلم ، وكما لو شك في جريان الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما يمنع عن ذلك ( وثالثه ) يكون لأجل الشك في كمية المبدء ومقدار استعداده ، كما لو شك في مقدار استعداد عروق الأرض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم ( ورابعة ) لأجل احتمال قيام مبدء آخر مقام المبدء الأول مع العلم بارتفاعه ، كما لو شك في بقاء التكلم من جهة احتمال انقداح داع آخر للمتكلم يقتضى التكلم بعد القطع بارتفاع الداعي الأول ، وكما لو شك في جريان الماء لاحتمال قيام منبع آخر مقام المنبع الأول الذي علم بنفاد مائه ( وهذا ) يتصور على وجهين ( فان ) المبدء الآخر الذي احتمل قيامه مقام المبدء الأول ( تارة ) على نحو يوجب تغييرا في عنوان المستصحب أو في الخصوصية

١٥١

المقومة لفرديته عرفا ، بحيث يعد معه الموجود اللاحق فردا مغايرا مع الموجود السابق نظير تغيير عنوان التكلم من مثل القرآن إلى الأدعية ، أو الخطبة أو الزيارة أو تغييره من فرد إلى فرد آخر ( وأخرى ) على نحو لا يوجب ذلك ، نظير تبدل أعمدة الخيمة غير الموجب لتغيير في هيئتها ، كما في تبدل عرق الأرض الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغيير في الماء وجريانه ( فهذه ) صور خمسة للشك في بقاء الامر الزماني التدريجي.

( ولا ينبغي ) الاشكال في جريان الاستصحاب في الصورة الأولى والثانية ( واما الصورة ) الثالثة ، فجريان الاستصحاب فيها أيضا مما لا غبار فيه ، لولا شبهة كونه من الشك في المقتضى ، وهي أيضا مندفعة بما حققناه في بعض المباحث المتقدمة من عموم حجية الاستصحاب حتى في مورد الشك في المقتضى ( واما الصورة ) الرابعة ، ففي الوجه الأول منها لا يجري الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلي الذي عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه ( واما الوجه ) الثاني منها ، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيه ، لكونه مما تم فيه أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق واتحاد متعلق الوصفين ، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة عند الشك في قيام عمود آخر مقام العمود الأول المنتفي قطعا ( ولعل ) من هذا القبيل استصحاب بقاء جريان الماء وسيلان الدم عند الشك في قيام مبدء آخر مقام المبدء الأول الذي علم بارتفاعه ، فان مجرد اختلاف المبادئ لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها ما لم يوجب اختلافها تغييرا في عنوان المستصحب عرفا أو في الخصوصية المقومة له بنحو يعد الموجود اللاحق مغايرا مع الموجود السابق عرفا ( وكذا ) الحال في مثل التكلم والقرائة في بعض افرادهما فلا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها مجرد تعدد الدواعي ( وحينئذ ) فلا وجه لما في التقرير عن بعض الأعاظم قده من اطلاق القول بالمنع عن جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة

١٥٢

وادراجها بقول مطلق في استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى ، بل لا بد من التفصيل حسب ما أشرنا إليه بين ما يكون اختلافه من قبيل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها المخصوصة غير الموجب لتغيير فيها ، وبين ما يكون موجبا لتغيير في المستصحب اما في عنوانه أو في خصوصيته المقومة لفرديته على نحو يعد الموجود اللاحق عرفا فردا آخرا مغايرا للموجود السابق ، كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى الخطبة أو الزيارة أو تغيير الخطبة إلى فرد آخر مغاير للفرد الأول عرفا ، بتخصيص المنع عن الاستصحاب بالثاني دون الأول ( وحيث ) انه يختلف ذلك باختلاف الموارد حتى في مثل التكلم وجريان الماء وسيلان الدم ، فلابد في تجويز الاستصحاب أو المنع عنه من ملاحظة خصوصيات الموارد ( والضابط ) في ذلك هو بقاء الوحدة العرفية بين القضيتين وعدم بقائها كذلك ، فكل مورد اقتضى تعدد المبدء أو الداعي اختلافا في المستصحب على وجه لا يصدق عليه البقاء عرفا لا يجرى فيه الاستصحاب ، وكل مورد لا يقتضي تعددهما اختلافا فيه ولا تشكيكا في صدق البقاء عرفا على الموجود السابق يجري فيه الاستصحاب.

( المقام الثالث ) في استصحاب الأمور المقيدة بالزمان كما لو وجب الجلوس إلى الزوال مثلا ، فشك في وجوبه بعد الزوال ( وقد وقع ) فيه الخلاف بين الاعلام ( وتحقيق ) الكلام في المقام ان يقال : ان الشك في ثبوت الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان ، تارة يكون من جهة الشك في بقاء القيد ، كالشك في بقاء الليل أو النهار ( وأخرى ) يكون من غير تلك الجهة مع القطع بانتفائه كما في نحو المثال فيما لو شك في بقاء الوجوب لاحتمال كون القيد من علل حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه ، أو احتمال كون الواجب بنحو تعدد المطلوب ( وعلى الأول ) فالشك في بقاء القيد ( تارة ) يكون من جهة الشبهة المصداقية ( وأخرى ) من جهة الشبهة المفهومية مع القطع ببقائه بمعنى ، وزواله بمعنى آخر ، كالشك في أن النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحرمة المشرقية ( وثالثة ) من جهة الشك في اخذ اي واحد من القيدين المبينين مفهوما ( وعلى التقادير ) اما ان يكون الزمان في ظاهر الدليل

١٥٣

مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما لنفس الحكم ، واما ان يكون مأخوذا في الموضوع كذلك ، فهذه شقوق متصورة للشك في بقاء الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان.

( وبعد ) ذلك نقول ، انه لو كان الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في بقاء القيد المبين مفهوما ، فلا شبهة في أنه يجري الاستصحاب في نفس القيد الذي هو الزمان الخاص ، كالنهار الذي قيد به الصوم ، فيترتب عليه وجوب الامساك وعدم جواز الافطار ، من غير فرق بين ان يكون الزمان مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما ، لنفس الحكم ، أو لموضوعه كذلك ، فإنه باستصحابه يثبت المقيد ، فيترتب عليه حكمه ، كما أنه يجري الاستصحاب في نفس المقيد ، هذا إذا كان الأثر الشرعي لوجود القيد أو المقيد بمفاد كان التامة ( واما ) لو كان الأثر لوجوده بمفاد كان الناقصة ، ففيه الاشكال السابق من عدم احراز الحالة السابقة لهذا المعنى وعدم اقتضاء الأصل في الوقت المستصحب أو المقيد بمفاد كان التامة لاثبات نهارية الزمان الحاضر أو رمضانيته ، ويأتي فيه أيضا ما دفعنا به الاشكال المزبور على كل من تقريبي الاستصحاب بمفاد كان التامة والناقصة فراجع ( واما ) إذا كان الشك في الحكم الشرعي ناشئا من الشك في القيد من جهة الشبهة المفهومية ، كتردد النهار بين كونه منتهيا إلى غياب القرص ، أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية ، كما لو شك في وجوب الامساك في النهار بعد غياب القرص ، فلا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد ، فإنه بالنسبة إلى ما تم فيه أركانه وهو العنوان الاجمالي المأخوذ في موضوع الحكم ، لا يكون موردا للأثر الشرعي حتى يستصحب ، وبالنسبة إلى ما هو المورد للأثر الشرعي يكون من قبيل استصحاب الفرد المردد الذي تقدم في طي استصحاب الكلى المنع عن جريان الاستصحاب في أمثاله ( ومثله ) الكلام فيما لو كان الشك في بقاء الحكم من جهة الشبهة الحكمية في اخذ أحد المعنيين المبينين مفهوما قيدا لموضوع الحكم ، ففيه أيضا لا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد ، لعدم تصور الشك في البقاء فيما هو موضوع الأثر بعد تردد القيد بين الزائل والباقي ، فينتهى الامر حينئذ إلى استصحاب نفس الحكم الشرعي ، ولا بأس بجريان الاستصحاب

١٥٤

فيه بناء على فهم العرف ظرفية القيد لا مقوميته لموضوعه ، والا فلا يجري فيه الاستصحاب لرجوع الشك في اخذ أحد القيدين المردد بين الزائل والباقي إلى الشك في بقاء موضوع التكليف ( هذا كله ) إذا كان الشك في بقاء الحكم الشرعي ناشئا من الشك في بقاء القيد من جهة الشبهة الموضوعية أو الشبهة المفهومية في القيد أو الشبهة الحكمية في اخذ أحد المعنيين قيدا للتكليف أو لموضوعه ( واما ) إذا كان الشك فيه ناشئا من جهة أخرى ، بان كان الحكم مبهما من حيث الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد انقضاء الزمان الخاص ( فان كان ) الزمان مأخوذا في ظاهر الدليل على وجه الظرفية أو القيدية للحكم الشرعي ، كقوله : يجب الجلوس في المسجد في النهار ، يجري فيه استصحاب الوجود ، دون العدم ( اما ) جريان استصحاب الوجود ، فعلى الظرفية ظاهر ، وكذلك على القيدية لاجتماع أركانه فيه ( فان ) شخص الحكم الخاص الثابت لموضوع كذلك مما علم بثبوته سابقا فشك في بقائه بعد انقضاء النهار ، لاحتمال كون القيد الخاص من علل حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه في الليل ، أو لاحتمال قيديته لبعض مراتبه ، لا لاصله حتى ينتفي بزواله ( وتوهم ) انه على القيدية يكون الوجوب المجعول وجوبا موقتا ولا يعقل بقائه بشخصه بعد ارتفاع قيده ، وانما المعقول هو ثبوت شخص وجوب آخر مقارنا لارتفاع الوجوب الموقت ، ومعه يكون الاستصحاب المزبور من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى الذي تقدم المنع عن جريانه ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا كان الحكم الثابت في الوقت محدودا ومبينا بالتفصيل بداية ونهاية ، ولكنه خارج عن مفروض البحث بينهم ( إذ على ذلك ) لا يتصور الشك في بقاء الحكم المجعول حتى يتأتى فيه النزاع بينهم في استصحابه حتى على فرض ظرفية الزمان للحكم المجعول ( فلا بد ) حينئذ من فرض البحث بينهم في مورد يكون الحكم والتكليف مبهما من جهة الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد ارتفاع قيده بأحد الوجهين المتقدمين ، وفي هذا الفرض لا قصور في استصحابه على كل من الظرفية والقيدية ، فان قيدية الزمان ليس الا كسائر القيود المأخوذة في طي الخطاب للحكم أو لموضوعه ، فيجري فيه استصحاب الشخص والكلي القسم الأول ( واما عدم

١٥٥

جريان ) استصحاب العدم فيه ، فللعلم الوجداني بانتقاض العدم الأزلي المطلق بصرف الوجود وانقلابه بالنقيض ( واما توهم ) لزوم كون القيود الراجعة إلى الحكم في ظاهر الدليل قيودا للموضوع ، اما لما افاده الشيخ قدس‌سره من أن معنى الهيئة معنى حرفي وهو لجزئيته غير قابل للاطلاق والتقييد ، واما لما افاده في الكفاية من أن ما يكون قيدا للحكم لابد من كونه قيدا للموضوع أيضا ، لاستحالة أوسعية دائرة الموضوع من دائرة حكمه ، ومع تقييده به يتعدد الموضوع لا محالة ، فيمتنع استصحاب الوجود لكونه من اسراء حكم ثابت لموضوع خاص إلى موضوع آخر ، ومع امتناع استصحابه يتعين كونه مجرى لاستصحاب العدم ( فمدفوع ) اما التقريب الأول ، فبما حققناه في محله من أن تقييد الهيئة بمكان من الامكان ، لعموم المعنى والموضوع له في الحروف والهيئات ( واما التقريب ) الثاني فبمنع اقتضاء تقييد الحكم والهيئة تقييد الموضوع والمادة ، بل هو من المستحيل لاستحالة قيدية شيء لكل من الهيئة والمادة ، لما يلزمه من لزوم كون الشيء الواحد في مرتبتين ( فان ) لازم قيدية شيء للموضوع هو ان يكون ملحوظا في المرتبة السابقة على الحكم المتعلق به للزوم تأخر كل حكم عن موضوعه ومتعلقه بما له من القيود كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه ( ولازم قيديته لنفس الحكم كونه ملحوظا في رتبة متأخرة ، فيلزم من قيدية الشيء لكل من الحكم والموضوع ان يكون ملحوظا في مرتبتين ، وهذا مما لا خفاء في بطلانه واستحالته ( نعم ) قضية لزوم تطابق دائرة الحكم والموضوع في مفروض البحث هو عدم اطلاق موضوع الحكم ولزوم اختصاصه بحصة من الذات التوائمة مع وجود القيد ، ولكن ذلك غير تقييده به كما هو ظاهر ( وعليه ) فلا قصور في استصحاب الحكم الثابت لتلك الذات إلى ما بعد القيد لاتحاد موضوع القضيتين ولو على النظر الدقى العقلي فضلا عن العرفي التسامحي ، فيقال : انه كان على يقين بحكم الذات في الوقت فشك في بقاء حكمه بعده من جهة احتمال كون الوقت المحدود من علل حدوث الحكم ، أو احتمال كونه قيدا لبعض مراتبه لا قيدا لاصله ، ولا ينقض اليقين بالشك ، هذا إذا كان الزمان في ظاهر الدليل مأخوذا في الحكم على وجه الظرفية أو القيدية.

١٥٦

( واما ) إذا كان مأخوذا في الموضوع ، فان كان على وجه الظرفية ، فاما ان يكون المطلوب صرف وجود الطبيعي الذي لا تعدد فيه ولا تكثر ولو بالتعمل والتحليل ، أو يكون هو الطبيعة السارية في ضمن كل فرد التي لازمها انحلال الحكم المتعلق بها إلى احكام متعددة واختصاص كل فرد بحكم شخصي مستقل غير مرتبط بالآخر في مقام الإطاعة والمعصية ، ومرحلة المثوبة والعقوبة ( فعلى الأول ) لا يجري فيه الا استصحاب الوجود ، دون العدم للقطع بانتقاض العدم الأزلي بصرف الوجود ( وعلى الثاني ) يجري فيه كلا الاستصحابين استصحاب الوجود ، والعدم ( اما ) استصحاب الوجود فباعتبار ذلك الحكم المنشأ والمجعول الحقيقي الذي من شأنه الانحلال إلى احكام متعددة حسب تعدد افراد الموضوع بتعدد الآنات والأزمنة ، حيث إنه من جهة اهمال أمد ذلك الحكم المنشأ الذي من شأنه الانحلال وقابليته للزيادة والشمول للأفراد الحادثة بعد الوقت يشك في بقائه ، فيجري فيه الاستصحاب واما جريان استصحاب العدم فباعتبار أشخاص حصص الحكم المختصة بالافراد الحادثة بعد الوقت المضروب ، حيث إن كل واحد منهما تبعا لموضوعاتها المقدرة وجودها كان مسبوقا بالعدم الأزلي ، وبعد وجود موضوعاتها يشك في انقلابه إلى الوجود فيستصحب ، فيقع التعارض بين الاستصحابين كما ذهب إليه النراقي قدس‌سره فيما حكى عنه ( وعلى هذا ) التقريب لا يتوجه اشكال لزوم الجمع بين النظرين المختلفين مع وحدة الملحوظ ، إذ على ما ذكرنا يكون الملحوظ أيضا متعددا كاللحاظ ، أحدهما انقلاب عدم الحكم في الجملة إلى الوجود. ثانيهما عدم معلومية انقلابه بالوجود مطلقا حتى بالنسبة إلى الافراد الحادثة بعد انقضاء الوقت ( هذا ) إذا كان الزمان مأخوذا في الموضوع على وجه الظرفية ( وأما إذا كان ) مأخوذا فيه على وجه القيدية والمفردية بنحو يقتضي تعدد الموضوع بحسب الوقت وخارجه ، فلا مجال فيه لاستصحاب الحكم واثباته لذات الموضوع بعد انقضاء الوقت ، لمبائنة الموضوع مع عدم القيد للموضوع المقيد ، فلا يكون اثبات الحكم له حينئذ ابقاء للحكم الأول الثابت للمقيد ، لأنه مما قطع بارتفاعه بارتفاع موضوعه المقيد بزوال قيده ، بل احداثا له في موضوع آخر

١٥٧

( الا ان يقال ) : ان كون الزمان قيدا مقوما للموضوع انما هو بحسب لسان الدليل والنظر العقلي ( واما ) بالنظر العرفي المسامحي يكون من حالات الموضوع لامن مقوماته ، فيمكن حينئذ استصحابه ( أو يقال ) : انه من المحتمل ان يكون ثبوت الحكم للذات المتقيدة بالزمان من باب تعدد المطلوب بان يكون لذات الامساك مثلا مطلقا مصلحة ملزمة تقتضي مطلوبيته ، ولخصوصية كونه في النهار مصلحة أخرى ملزمة غير المصلحة القائمة بذات الامساك ، فتنبعث من هاتين المصلحتين إرادة قوية نحو المقيد بالنهار وبعد ارتفاع الخصوصية تبقي المصلحة الأولى بحالها فتقتضى مطلوبية ذات الامساك ، فإنه مع هذا الاحتمال لا يقين بارتفاع أصل الحكم الثابت للمقيد بزوال قيده ، بل يحتمل بقاء مرتبة من الحكم الأول المتعلق بنفس الذات حتى مع اليقين بزوال القيد ، غاية الامر يتبدل حده من الضمني إلى الاستقلالي ، وذلك أيضا بضميمة فهم العرف عدم المغايرة بين الذات في الوقت وخارجه الا بصرف الوجدان للقيد والفقدان له ، وبذلك يجري فيه استصحاب الوجود لتمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ووحدة القضيتين فتأمل ( واما ) استصحاب العدم فيجري فيه بلا كلام ، لان مرجع اخذ الزمان قيدا مفردا للموضوع بعد أن كان إلى تعدد الموضوع وكون الوجوب الثابت للذات مع القيد غير الوجوب الثابت للذات مع عدم القيد ، فلا محاله مهما يشك في ثبوته للفرد الفاقد للقيد ، يجري فيه استصحاب العدم لليقين بالعدم سابقا والشك في البقاء لاحقا ، لان ما علم بانتقاضه بالوجود انما هو عدم شخص الحكم المختص بالموضوع المقيد ، لا عدم طبيعي الحكم الجامع بينه وبين غيره كما هو ظاهر ( ولكن ) الذي يظهر من بعض الأعاظم قدس‌سره على ما في التقرير المناقشة في الاستصحاب المزبور ، ( فاورد عليه ) بما ملخصه ان الحكم الثابت للشيء على نحو القضية الحقيقية ينحل إلى احكام تقديرية ثابتة لموضوعات مقدرة الوجود دائرة مدارها في الفعلية والشأنية ، فإذا كان وجود الحكم الثابت للمقيد تبعا لموضوعه مقيدا بقيد خاص من الزمان أو الزماني ، فلابد من أن يكون عدمه أيضا مقيدا بذلك القيد ، لان نقيض الوجود المقيد بشيء هو العدم المقيد بذلك الشيء لا العدم المطلق ، فنقيض

١٥٨

الوجود المقيد كالوجود المقيد يكون متقوما بوجود القيد ، ثم استنتج من ذلك في المقام بأنه إذا أوجب الجلوس في المسجد إلى الزوال على نحو كان الزوال قيدا للحكم أو الموضوع ، فشك في وجوبه بعد الزوال فوجوب الجلوس بعد الزوال حسب مفردية الزمان وان كان من الحوادث المسبوقة بالعدم ، ولكن عدمه المسبوق به لا يكون هو العدم الأزلي المطلق ، لأنه مما انتقض بالوجود قطعا بوجوب الجلوس قبل الزوال ، وانما هو العدم الخاص والمقيد ببعد الزوال ، وهذا العدم الخاص باعتبار كونه كالوجود الخاص مما قوام تحققه بوجود القيد ، فقبل الزوال لا يكون الوجوب المقيد بما بعد الزوال متحققا ولا عدم الوجوب المقيد به متحققا حتى يصح استصحابه الا بنحو السالبة بانتقاء الموضوع ( وبالجملة ) العدم المتحقق سابقا انما هو العدم المطلق وهو مع أنه منتقض بالوجود قطعا ، لا يكون نقيضا للوجود المقيد بما بعد الزوال ، وانما النقيض هو العدم الخاص الذي موطنه بعد الزوال ، وهذا قبل تحقق موطنه لا يكون له تحقق الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلذلك لا يجري فيه استصحاب الوجود ولا العدم ، بل لابد من الرجوع فيه عند الشك إلى البراءة أو الاشتغال ( ثم قال ) نعم لا بأس باستصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى هذا الموطن ، لأنه لا مانع من انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة من يوم الخميس ، بل انشاء الأحكام الشرعية كلها أزلية ، فإذا شك في انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة وجعله أزلا ، فالأصل عدم الجعل ، لان كل جعل شرعي مسبوق بالعدم ، من غير فرق بين اخذ الزمان قيدا أو ظرفا ، غاية الامر انه على القيدية لوجوب الجلوس لم يعلم انتقاض عدم الجعل بالنسبة إلى يوم الجمعة أو بعد الزوال ، لأنه على القيدية يحتاج وجوب الجلوس يوم الجمعة أو بعد الزوال إلى جعل آخر مغاير لجعل الوجوب يوم الخميس أو بعد الزوال ( وحيث ) انه يشك في جعل الوجوب يوم الجمعة أو بعد الزوال ، فالأصل عدمه ، الا انه لا اثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يلزمه من عدم المجعول ، واثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يكون من أوضح افراد المثبت انتهى ملخص كلامه ( وفيه ما لايخفى ) فان مرجع كون الزمان قيدا للموضوع ومفردا له بعد أن كان إلى تعدد الموضوع بحسب

١٥٩

الأزمنة واختصاص كل موضوع بحكم شخصي مستقل غير الحكم المختص بالآخر ، فلا جرم يكون المجعول في المقام فردين من الوجوب الثابت أحدهما للمقيد بما قبل الزوال والآخر للمقيد بما بعد الزوال ، غاية الامر يكون الفردان تبعا لتدريجية موضوعهما المقيدين بالزمان تدريجيين.

( وحينئذ ) فإذا كان الفردان من الحوادث المسبوقة بالعدم وكان مرجع الحدوث في كل شيء إلى سبقه بعدم نفسه ، لا بعدم الطبيعي الجامع بنيه وبين غيره ، يكون الفرد الثاني أيضا حادثا مسبوقا بعدم نفسه الراجع إلى سبقه بالعدم المضاف إلى المقيد ، لا إلى العدم المقيد بنحو التوصيف ، إذ العدم المقيد لا يكون نقيضا للوجود المقيد وانما نقيضه عدم المقيد بالإضافة لا بالتوصيف ، والا يلزم ارتفاع النقيضين بارتفاع القيد وهو كما ترى من المستحيل ( وبالجملة ) نقول ان مرجع القيد في أمثال هذه القضايا إلى كونه مأخوذا في ذات المهية المسبوقة في اللحاظ على طرو الوجود عليها ، وان الوجود والعدم كانا طاريين على المهية المقيدة ، لا ان القيد مأخوذ في طرف الوجود نفسه ليكون النقيض هو العدم المقيد ( فلا بد ) حينئذ من جعل الوجود والعدم مرسلين عن القيد في مرحلة طروهما على المقيد ، لاستحالة تقييدهما بما هو مأخوذ في معروضهما ( غاية الامر ) يكون تقييد المعروض مانعا عن اطلاقهما كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه ، لا انه موجب لتقييدهما ( وحينئذ ) فإذا كان القيد مأخوذا في ذات الموضوع الملحوظ كونه في الرتبة السابقة على طرو الوجود عليه وكان الوجود مرسلا من القيد في مرحلة طروه على المقيد ، فقهرا يصير النقيض للوجود المزبور هو العدم المضاف إلى المقيد ، لا العدم المقيد بالتوصيف ( وحيث ) ان هذا العدم المضاف لا يكون الا أزليا ، لان ما ليس بازلى هو العدم المقيد ، فلا محالة يجري فيه الاستصحاب لتحقق أركانه فيه ، حيث إن شخص وجوب الجلوس بعد الزوال من الحوادث المسبوقة بعدم نفسه أزلا ، فإذا شك قبل الزوال أو حينه في ثبوته للمقيد ببعد الزوال يجري فيه استصحاب العدم ( ولعمري ) ان المنشأ كله للمناقشة المزبورة هو تخيل رجوع القيود في نحو هذه القضايا إلى

١٦٠