نهاية الأفكار

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

اليقين متعلقا بالجامع العرضي والعنوان الاجمالي المحتمل الانطباق على كل واحد من الفردين المعلوم ارتفاع أحدهما وبقاء الآخر ( إذ لا فرق ) بينهما الا بصرف كون الجامع المعروض للعلم ذاتيا في أحدهما وعرضيا في الآخر ( وتوهم ) ان الوحدة السنخية بين الحصص التي هي منشأ انتزاع مفهوم واحد بعد أن تكون جهة زائدة عن الحصص فلا بد من وجودها خارجا ، فلا يمكن انتزاع مفهوم واحد منها مع تغاير كل واحدة من الحصص مع الأخرى ( مدفوع ) بمنع كونها جهة زائدة عنها بنحو يكون لها وجود مستقل قبال وجودات الحصص ، بل هي جهة ذاتية لها وان وجودها بعين وجود الحصص لا بوجود زائد عن وجودها كما هو واضح ( ولعله ) إليه نظر من يقول بان وجود الطبيعي بمعنى وجود افراده فيكون المقصود عينية وجوده مع وجود حصصه المحفوظة في ضمن الافراد وانه لا وجود له مستقلا في الخارج في قبال وجودات الحصص ، لا ان المقصود هو عينية وجوده لوجود افراده ، والا فمن الواضح انه بالنسبة إلى الافراد يكون وجوده ضمنيا لا عينيا ( وحينئذ ) فالعمدة في الاشكال على استصحاب الفرد المردد ما ذكرناه من انتفاء الأثر الشرعي فيما تم فيه أركانه وهو العنوان الاجمالي العرضي وعدم تمامية أركانه فيما له الأثر الشرعي ، هذا كله في استصحاب الفرد المردد ( واما الاستصحاب الكلى ) فهو على اقسام.

( القسم الأول )

استصحاب الكلى المتحقق في ضمن فرد بعينه كالانسان المتحقق في ضمن زيد ولا اشكال في صحة استصحابه ( فإنه بعد ) ما يلازم العلم بوجود الفرد للعلم بوجود الكلى المتحقق في ضمنه ويلازم الشك في بقاء الفرد للشك في بقاء الكلى ، فلا محاله يجرى الاستصحاب في كل من الفرد والكلي لتمامية أركانه فيهما ( نعم ) لا بد في صحة الاستصحاب من لحاظ ما يترتب عليه الأثر الشرعي ، فان الأثر الشرعي تارة يكون

١٢١

لكل من الفرد والكلي ، وأخرى لخصوص الكلى دون الفرد ، وثالثة بعكس ذلك ، ورابعة يكون الأثر لمجموع الفرد والكلي بنحو يكون كل من الفرد والكلي جزء الموضوع للأثر ( فعلى الأول ) يجرى الاستصحاب في كل من الفرد والكلي ، ويترتب على استصحاب كل منهما اثره الخاص ( وعلى الثاني ) يجرى الاستصحاب في خصوص الكلى دون الفرد ( وعلى الثالث ) بالعكس ( وعلى الرابع ) يجرى الأصل في كل من الفرد والكلي باعتبار اثره الضمني على ما هو والتحقيق من كفاية هذا المقدار من الأثر في صحة التعبد بالشيء كما يجرى في مجموع الفرد والكلي.

( القسم الثاني من اقسام الكلى )

استصحاب الكلى المتيقن وجوده في ضمن أحد الفردين الذين يعلم بزوال أحدهما بعينه على تقدير حدوثه وبقاء الآخر كذلك ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر ، والحيوان المردد بين قصير العمر وطويله ، حيث إنه بارتفاع أحد الفردين يشك في بقاء الكلى المتيقن وجوده في ضمن أحدهما ( ولا ينبغي الاشكال ) في جريان الاستصحاب في هذا القسم أيضا لتمامية أركانه فيه من اليقين السابق والشك اللاحق ، فان العلم بحدوث أحد فردي الترديد علم بوجود الكلى والقدر المشترك بينهما ، والقطع بزوال أحد الفردين لو كان هو الحادث وبقاء الاخر كذلك موجب للشك في بقاء الكلى ، لاحتمال ان يكون الحادث هو الفرد الباقي الذي يلازم بقائه بقاء الكلى ( فإذا ) كان الكلي بنفسه اثرا شرعيا أو موضوعا لاثر شرعي ، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر ، الحيوان المردد بين قصير العمر وطويله ، فيجري فيه الاستصحاب ، ويترتب على استصحابه ما له من الآثار ، كالمانعية عن الدخول في الصلاة وحرمة مس كتابة القرآن في نحو الحدث المردد ( نعم ) لا يترتب على استصحابه الآثار الشرعية المترتبة على خصوصية الفرد من نحو حرمة الدخول في المسجد والمكث فيه وحرمة قرائة

١٢٢

العزائم ، لأنها من آثار كون الحادث هو الحدث الأكبر والأصل الجاري في الكلي القدر المشترك لا يثبت مثل تلك الآثار.

( ثم ) لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون العلم بوجود الكلي المردد بين الفردين قبل العلم بارتفاع أحد فردي الترديد ، وبين ان يكون بعد العلم بارتفاعه ، كما لو خرج منه بلل تخيل كونه بولا فتوضأ ثم بعد ذلك حصل له العلم الاجمالي بان البلل بول أو مني ، كما لا فرق بين ان يكون الأثر مترتبا على صرف وجود الكلي ، وبين ان يكون مترتبا على وجود الساري على اشكال في الأخير كما سنذكره ( وتوهم ) خروج الفرض الأول عن مجرى الاستصحاب بلحاظ ان اثر المانعية عن الدخول في الصلاة وعدم جواز مس كتابة القران مترتب بنفس العلم الاجمالي بالحدث المردد بين الأصغر والأكبر في المرتبة السابقة عل تحقق موضوع الاستصحاب وهو الشك في بقاء الحادث خصوصا على القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، فيكون فعل ما يوجب رفع الحدث الأصغر بمنزلة تلف أحد الأطراف بعد العلم الاجمالي في تأثيره في التنجيز ، فلا ينتهي التوبة معه إلى اثبات المانعية باستصحاب بقاء الحدث ( مدفوع ) غاية الدفع ، فان مجرد علية العلم الاجمالي لحكم العقل بالاشتغال ووجوب الموافقة القطعية لا يمنع عن جريان استصحاب الحدث بعد حكومة الأصل المزبور على قاعدة الاشتغال نعم ثمرة الاستصحاب تظهر في صورة حدوث العلم الاجمالي بعد تلف أحد الفردين ولكن ذلك لا يقتضي تخصيص جريانه في هذه الصورة.

( ثم انه ) أورد على استصحاب الكلي بوجوه ( منها ) ان الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الباقي وأصالة عدم حدوثه ترفع الشك عن الكلي ، لان الأصل الجاري في السبب رافع ومزيل لموضوع الأصل الجاري في المسبب ومع جريان الأصل فيه لا مجال لجريانه في الكلي والقدر المشترك ( وقد ) أجاب عنه الشيخ قدس‌سره بان ارتفاع القدر المشترك انما هو من لوازم كون الحادث الفرد المقطوع الارتفاع ، لا من لوازم عدم حدوث الفرد الباقي ، وانما لازمه ارتفاع القدر المشترك الذي كان في ضمنه لا ارتفاع القدر المشترك بين الامرين وبينهما فرق

١٢٣

واضح ( وفيه انه ) كما أن احتمال ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث هو الفرد الزائل ، كذلك احتمال بقائه من لوازم كون الحادث هو الفرد الباقي ، فلا وجه لجعل الشك في بقاء الكلى من لوازم خصوص احتمال كون الحادث هو الفرد الزائل ( فالأولى ) في الجواب عن الشبهة منع السببية والمسببية بينهما ( بدعوى ) ان الشك في بقاء الكلى وارتفاعه انما كان مسببا عن العلم الاجمالي بان الحادث هو الفرد الزائل أو الباقي ، ولا أصل يصلح لتعيين ما هو الحادث ( فان ) أصالة عدم كون الحادث هو الفرد الطويل بنحو مفاد ليس الناقصة مع أنها لا مجرى لها في نفسها لانتفاء ركنها الذي هو اليقين السابق ، لا يثبت كون الحادث هو الفرد القصير ، ولا ارتفاع القدر المشترك ( واما ) أصالة عدم حدوث الفرد الطويل بنحو مفاد ليس التامة فهي أيضا غير مثبتة لارتفاع القدر المشترك ولو على فرض السبية والمسببية بينهما ، ( لان ) الترتب بينهما عقلي لا شرعي ، بداهة عدم كون الترتب بين الكلى والفرد في الوجود والعدم من المجعولات الشرعية وانما هو عقلي محض حتى في مثل الحدث والجنابة ( لان ) ما هو مترتب عليها انما هو طبيعة الحدوث مهملة ، لا الطبيعة المطلقة والقدر المشترك بينهما وبين غيرها ، وترتب عدم هذه على عدم الجنابة عقلي لا شرعي ، فتجري حينئذ أصالة بقاء الكلى والقدر المشترك بلا مزاحم ( نعم ) لو اغمض النظر عن هذه الجهة وقيل بشرعية الترتب بين وجود الكلى ووجود الفرد اما مطلقا أو في بعض المقامات ( فلا مجال ) لاشكال بعض الأعاظم عليه بمعارضة الأصل فيه مع أصالة عدم حدوث الفرد القصير فيبقى استصحاب بقاء الكلى والقدر المشترك بحاله بعد تساقطهما ( إذ فيه ) انه مع خروج الفرد الزائل عن مورد الابتلاء لا يجري فيه الأصل كي يعارض مع الأصل الجاري في الفرد الطويل ( ودعوى ) انه بمجرد العلم بحدوث أحد الفردين والشك فيما هو الحادث تجرى أصالة عدم الحدوث في كل منهما فتسقط بالمعارضة ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا كان العلم الاجمالي حاصلا قبل خروج أحد الفردين عن مورد الابتلاء ، لا ما إذا كان حاصلا بعد تلفه وخروجه عن الابتلاء ( وحينئذ ) لا معنى لجريان أصل العدم في طرف التالف والخارج عن الابتلاء ، مع أن ثمرة استصحاب الكلى انما

١٢٤

تظهر في هذه الصورة ، والا ففي الصورة الأولى تكفي قاعدة الاشتغال لاثبات المطلوب وان لم نقل بجريان استصحاب الكلى كما هو واضح.

( ومنها ) ان الكلى الطبيعي مما ينتزع عن الفرد ولا وجود له في الخارج حتى يتعلق العلم بوجوده وانما الخارج موطن منشأ انتزاعه من الافراد الخاصة الجزئية وهي التي تكون موضوعا للآثار الشرعية ( ومع ذاك ) كيف يجري الاستصحاب في الكلى بما هو كلي ( ويظهر ) فساده مما قد مناه سابقا ، فان المراد من الكلى الذي هو معروض الاحكام هو ما يكون منشأ لانتزاع هذا المفهوم أعني الجهة المشتركة المحفوظة بين الحصص الموجودة الخارجية ولا اشكال في تحققه في الخارج بعين وجود الحصص المقرونة بالتشخصات الفردية ( نعم ) هي بنحو الكلية وسعة الانطباق على كل فرد لا يكون موطنها الا الذهن ، حيث ينال العقل من شخص الموجود الخارجي الواجد لحيثية الطبيعي ولحيثيات أخرى صرف الجهة المشتركة بينه وبين غيره فتجيء في الذهن مجردة عن العلائق والضمائم بنحو تكون لها سعة الانطباق على كل فرد من غير أن يكون ما في الذهن من الصورة المجردة مخالفا مع ما في الخارج من صرف الشيء المقرون بالتشخصات كما هو ظاهر.

( ومنها ) انه مع احتمال كون الكلى في ضمن الفرد القصير الذي يعلم بارتفاعه لو كان هو الحادث ، يحتمل انتقاض اليقين السابق بيقين آخر ، ومع هذا الاحتمال لا مجال للتمسك بعموم حرمة نقض اليقين بالشك ، لأنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام لا للمخصص المنفصل ( وفيه ) ما لايخفى ، فان غاية ما يقتضيه اليقين بانعدام شخص الفرد انما هو اليقين بانعدام الطبيعي المحفوظ في ضمنه ، لا اليقين بانعدام الطبيعي المحفوظ في الفردين أعني الجهة المشتركة بينهما ، ومتعلق اليقين السابق انما هو الجهة المحفوظة بينهما على نحو يكون له نحو تعلق بكل واحد منهما ( ومثله ) من المستحيل ان يتعلق به اليقين الناقض بمحض تعلقه بفرد واحد ، ومعه كيف يحتمل انتقاض اليقين السابق المتعلق بالجهة المشتركة بين الفردين بمحض اليقين بانعدام أحد الفردين كي يكون التمسك بعموم لا تنقض قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية

١٢٥

لنفس العام.

( ومنها ) معارضة استصحاب الكلى بأصالة عدمه المتحقق في ضمن الفرد الطويل بضميمة عدمه المحرز بالوجدان بالإضافة إلى الفرد القصير ، حيث إنه بذلك يثبت عدم الكلى فيترتب عليه نقيض الأثر المترتب على وجود الكلى ، نظير الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل فيتعارضان.

( توضيح ) ذلك هو ان وجود الطبيعي إذا كان عين وجود افراده يكون عدمه أيضا عين عدم افراده بحيث يتسع ويتضيق دائرته وجودا وعدما بكثرة الافراد وقلتها ( غيران ) في طرف الوجود يكون تحقق الطبيعي بوجود فرد واحد ، وفي طرف العدم يكون عدمه بانعدام جميع الافراد ، بلحاظ ان عدمه هو العدم المنبسط في ضمن عدم تمام الافراد بنحو يكون لهذا العدم الواحد مراتب متفاوتة على حسب قلة افراده وكثرتها ( وبهذه ) الجهة قلنا بجريان البراءة العقلية في موارد تعلق التكليف النفسي أو الغيري بعدم الطبيعي في الشبهات المصداقية عند الشك في كون الشيء من افراد الطبيعي المأخوذ عدمه قيدا للمأمور به ، كالشك في كون الحيوان المأخوذ منه الوبر من مصاديق غير المأكول ، نظرا إلى اندراجه بذلك في صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ، باعتبار مراتب عدم الطبيعي ( حيث ) يعلم بتعلق التكليف بمرتبة من العدم المنطبق على عدم الافراد المعلومة ويشك في تعلقه بمرتبة أخرى من العدم المنطبق على عدم ما شك كونه من افراده ومصاديقه ( وعلى ذلك ) نقول انه بعد أن كان لعدم الطبيعي المنبسط على اعدام الافراد مراتب متفاوتة حسب تكثر اعدام الافراد وقلتها ، فلا جرم يصير بمنزلة الامر البسيط الذي له مراتب ، فإذا شك في تحقق مرتبة منه مع العلم ببقية المراتب ، يكون كالمركب المحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان فيجري فيه أصل العدم بالإضافة إلى الجهة المشكوكة ، وبضميمة الجزم بانتفاء الفرد القصير يثبت عدم الكلي والقدر المشترك بينهما في قبال استصحاب بقاء الكلي ، وان لم يثبت به عدم حدوث الجامع من قبل الحادث المشكوك ، ولذا يبقى الشك فيه بحاله ويكون منشأ لجريان استصحاب بقاء الجامع ( وبذلك ) انقدح انه

١٢٦

ليس المقصود من عدم الطبيعي عدمه المستند إلى عدم الحدوث رأسا ، كي يشكل بانتقاضه بالعلم الاجمالي بالحدوث ، بل ولا العدم المستند إلى الارتفاع أيضا ، كي يشكل بان أصالة عدم حدوث الفرد الطويل لا يثبت ارتفاع الكلي والقدر المشترك ، اما لعدم السببية والمسببية بينهما ، واما لكون الترتب بينهما عقليا لا شرعيا ( بل المقصود ) هو العدم الملفق من الارتفاع ببعض المراتب ، ومن عدم الحدوث ببعض المراتب الاخر ( وبمثل ) هذين العدمين يثبت عدم الطبيعي الذي هو نقيض الكلى ، فيترتب عليه نقيض الأثر المترتب على وجود الكلى ، وبعد عدم امكان الجمع بين التعبدين في طرفي النقيض يقع بينها التعارض فيتساقطان ( نعم ) لو كان عدم الطبيعي عبارة عن مرتبة خاصة من العدم الملازم لعدم الافراد خارجا لا عين عدم الافراد ، أمكن الاشكال فيه بمثبتية الأصل المزبور ( ولكن ) ليس كذلك جزما ، والا لاقتضى كونه في طرف الوجود كذلك ، وهو كما ترى خلاف التحقيق ، وحينئذ فإذا كان وجود الطبيعي بعين وجود افراده فلا محالة يكون عدمه أيضا بعين عدمها ، ومعه يتسجل اشكال المعارضة المزبورة ( هذا غاية ) ما يمكن ان يقال في تشييد هذا الاشكال.

( ولكن ) التحقيق ان يقال ان ما أفيد من عينية عدم الطبيعي لعدم جميع الافراد انما يصح بالنسبة إلى غير صرف الوجود مما كان له قابلية الانطباق عرضيا على كل واحد من وجودات الافراد المتعاقبة كالطبيعة المهملة والسارية ( واما بالنسبة ) إلى صرف الوجود الذي ليس له قابلية انطباقه الا على أول وجود الطبيعي لا ثانيه فلا يصح ذلك في مفروض البحث ، لان وجود الطبيعي بهذا المعنى هو ما يكون ملازما للسبق بالعدم ، ومن الواضح ان نقيض هذا المعنى لا يكون الا العدم الخاص الملازم للسبق بنفسه لاعدام الافراد لا عينها ، فان نقيض كل شيء رفعه ، فإذا كان صرف الوجود عبارة عن الوجود الخاص الملازم للسبق بالعدم ، فنفيضه ليس الا رفع هذا المعنى ، ولا يكون ذلك الا العدم الخاص الملازم للسبق لاعدام الافراد لا عينها ( وحينئذ ) فإذا كان الأثر الشرعي مترتبا على صرف الوجود ، كالمانعية وعدم جواز مس كتابة القرآن في مثال الحدث يكون نقيض الأثر مترتبا على نقيض صرف الوجود

١٢٧

الذي هو العدم الخاص ( ومثله ) مما لا يمكن اثباته بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل بضميمة الجزم بزوال الفرد القصير ، ولا يجري فيه حكم المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل ، ولو مع جريانه في البسائط بالنسبة إلى مراتبه فيبقى استصحاب بقاء الكلي حينئذ بحاله ( وان شئت ) قلت إن ما يمكن اثباته من ضم الوجدان والأصل على فرض جريان حكم المركب المحرز بعضه بالواجدان وبعضه بالأصل في البسائط التي لها مراتب انما هو العدم المطلق ، وهو من جهة عدم كونه نقيضا لصرف الوجود لا يكون موضوعا للأثر الشرعي ، وما يكون موضوعا للأثر الشرعي انما هو العدم الخاص الذي هو نقيض صرف الوجود ، ومثله مما لا يمكن اثباته بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل بعد عدم جريان حكم المركب المحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان فيه ، فتجري أصالة بقاء الكلي حينئذ بلا معارض ويترتب على استصحابه آثاره ، فتدبر فيما ذكرنا فإنه دقيق وبالتحقيق حقيق.

( ثم انه ) لا فرق في جريان الاستصحاب في هذا القسم بين ان يكون الكلي موضوعا للأثر الشرعي ، كما في مثال الحيوان المردد بين طويل العمر وقصيره إذا فرض ترتب اثر شرعي عليه ، ومثال الحدث المردد بين الأصغر والأكبر ، وبين ان يكون بنفسه حكما واثرا شرعيا ( كالمردد ) بين كونه واجبا نفسيا ، أو واجبا غيريا لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه ، وكما في العلم الاجمالي بوجوب الظهر أو الجمعة مع الاتيان بالجمعة ، فإنه على المختار في مفاد حرمة النقض من رجوعه إلى الامر بالمعاملة مع اليقين الزائل أو المتيقن معاملة الباقي من حيث الجري العملي ، يجري الاستصحاب بالنسبة إلى الكلى والقدر المشترك ويترتب عليه آثاره ، سواء فيه بين ان يكون الكلى موضوعا لاثر شرعي ، وبين ان يكون بنفسه تكليفا واثرا شرعيا ، كمثال الوجوب المردد بين الغيري والنفسي ووجوب الصلاة المردد بين الظهر والجمعة ( نعم ) على القول برجوع هذه التنزيلات إلى جعل الأثر والمماثل ، يشكل جريان الاستصحاب في الكلى فيما كان اثرا شرعيا ، ينشأ ذلك من امتناع جعل كلي الأثر والقدر المشترك بلا كونه في ضمن فصل خاص ( فإنه ) كما يستحيل جعل الوجوب الواقعي مجردا عن الخصوصية النفسية والغيرية ، كذلك يستحيل جعل الوجوب

١٢٨

الظاهري مجردا عن إحدى الخصوصتين ( فلا بد ) حينئذ ، اما من الالتزام بعدم جريان الاستصحاب فيه رأسا ، أو الالتزام بجريانه مع المصير إلى كونه محدودا قهرا بالحد النفسي بالملازمة العقلية ، كما التزم به بعض الأعاظم قده على ما حكى عنه ( بدعوى ) ان ذلك من لوازم الأعم من الواقع والظاهر ، فمتى جرى الاستصحاب بالنسبة إلى الكلى وامتنع تحدده بالحد الغيري لمكان اليقين بارتفاع ما ثبت وجوبه لأجله بنسخ ونحوه يتعين كونه محدودا بالحد النفسي ( ولكنهما ) كما ترى ، فان الالتزام بعدم جريان الاستصحاب في الكلى في نحو المثال مشكل ، كما أن الالتزام بجريانه فيه واقتضائه بالملازمة العقلية لكونه وجوبا نفسيا أشكل.

( ولكن ) الذي يهون الخطب هو فساد أصل المبنى ، لابتنائه على كون المتكفل للتنزيل في أمثال المقام هو الشارع نظير قوله الطواف بالبيت صلاة ( والا ) فبناء على تكفل المكلف لذلك بايجاب من الشارع بالبناء على بقاء اليقين أو المتيقن عملا الراجع إلى الامر بالمعاملة مع اليقين الزائل أو المتيقن السابق معاملة الباقي عند الشك في بقائه بالجري العملي على طبقه من حيث الحركة أو السكون ، فلا مجال لاستفادة جعل الأثر أو المماثل من نحو هذه الأوامر الظاهرية ، لو ضوح ان التنزيل الناشئ من كل شخص لابد من أن يكون بلحاظ الأثر الناشئ من قبله ، والأثر الناشي من قبل المكلف في أمثال المقام لا يكون إلا عمله ، لاجعل الأثر والمماثل كما هو ظاهر ( ولا فرق ) في ذلك بين القول برجوع النقض في لا تنقض إلى نفس عنوان المتيقن ، أو إلى المتيقن بلحاظ اليقين مرأتا إلى المتيقن في ارجاع النقض إليه ، إذا هو على الأول ظاهر لعدم ترتب اثر شرعي على اليقين الطريقي حتى يكون التنزيل راجعا إلى جعل حقيقة الأثر أو المماثل ، فتعين رجوعه إلى الامر بالمعاملة بابقائه عملا ، ( وكذلك ) على الثاني ، فإنه وان أمكن تصدى الشارع بنفسه للتنزيل بلحاظ جعل حقيقة الأثر أو المماثل ، الا انه يلزم كون النهي المستفاد من الهيئة ارشاديا مخصا ، نظير قوله أطيعوا الله ، لان التنزيل مستفاد حينئذ من مادة النقض فيكون النهي المستفاد من الهيئة ارشاديا ( بخلاف ) ما ذكرناه ، فإنه عليه تكون الهيئة على ظاهرها من المولوية ( وعليه ) ترتفع الشبهة المتقدمة في استصحاب

١٢٩

الكلى في نفس الآثار.

( وهم ، ودفع ) قد يورد على استصحاب الكلي في هذا القسم باستلزامه المصير إلى نجاسة الملاقى لأطراف العلم الاجمالي في فرض وقوع الملاقاة بعد تطهير أحد أطرافه معينا ، كما لو علم بنجاسة أحد جانبي عباءة من الأسفل أو الأعلى فغسل منها جانب معين يحتمل كونه هو الجانب المتنجس.

ثم لاقى بدن المصلى مع الرطوبة كلا من جانبيها المطهر وغير المطهر ( حيث ) ان لازم صحة استصحاب الكلى في الفرض المزبور هو الحكم بنجاسة الملاقى لجانبي العباءة المطهر وغير المطهر ، لان ملاقي مستصحب النجاسة كالملاقي للنجس محكوم شرعا بالنجاسة ( مع ) انه باطل قطعا ، ضرورة انه لا يحكم بنجاسة الملاقى للطرف غير المغسول منها ، للشك في ملاقاته مع النجس ، فكيف يحكم بنجاسته بضميمة ملاقاته للطرف المطهر منها ، مع وضوح عدم تأثير ملاقاته للجانب المطهر في نجاسته ( وهذه ) الشبهة مما أورده السيد المحقق السيد إسماعيل الصدر ( قده ) في بعض مجالسه في النجف الأشرف وقد اشتهرت بالشبهة العبائية.

( وقد أجيب ) عنها بوجوه ( منها ) ما عن بعض الأعاظم قدس‌سره حيث أفاد في المنع عن جريان الاستصحاب في الفرض المزبور على ما في تقرير بعض تلاميذه بان محل الكلام في استصحاب الكلى هو ما يكون المتيقن السابق مما بهويته وحقيقته مرددا بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ( واما ) إذا كان الاجماع والترديد في محل المتيقن وموضوعه لا في نفسه وهويته ، فلا يكون من استصحاب الكلى ، بل يكون كاستصحاب الفرد المردد الذي تقدم المنع عن جريان الاستصحاب فيه عند ارتفاع أحد الفردين ، كما لو علم بوجود الحيوان الخاص في الدار وتردد بين ان يكون في الجانب الشرقي أو الغربي ثم انهدم الجانب الغربي واحتمل ان يكون الحيوان في الجانب الغربي وتلف بانهدامه ( أو علم ) بوجود درهم خاص لزيد فيما بين الدراهم العشر ثم ضاع درهم من الدراهم واحتمل كونه درهم زيد ( أو علم ) بإصابة العباءة نجاسة خاصة وتردد بين كونها في الطرف الأسفل أو الاعلى ثم ، طهر طرفها

١٣٠

الأسفل ، ففي جميع هذه الأمثلة استصحاب بقاء المتيقن لا يجرى ، ولا يكون من استصحاب الكلى ، لان المتيقن السابق امر جزئي حقيقي لا ترديد فيه ، وانما الترديد في المحل والموضوع ، فهو أشبه شيء باستصحاب الفرد المردد عند ارتفاع أحد فردي الترديد وليس من الاستصحاب الكلى ، ثم قال : ومنه يظهر الجواب عن الشبهة العبائية المعروفة ( أقول ) : ولا يخفي ما فيه ( اما المثال ) الأول ، فهو وان كانت تام المطابقة مع الممثل في أن الترديد فيه في محل المستصحب لا في حقيقته وهويته ( ولكن نقول ) انه بعدما كان الشك في المحل موجبا للشك في وجود ما هو معلوم الهوية ، فلا قصور في استصحابه وإذ هو نظير ما لو علم بوجود زيد في الدار وقد علم بأنه شرب مايعا مرددا بين كونا ماء أو سما قاتلا من حيث اقتضاء الترديد في المشروب الترديد في حياته ( فكما ) يجري فيه الاستصحاب ويترتب على بقائه في الزمان المتأخر آثاره الشرعية من حرمة تزويج زوجته وعدم جواز تقسيم أمواله ونحو ذلك ( كذلك ) في نحو المثال ، ومجرد عدم كونه من باب الاستصحاب الكلى غير ضائر بالمقصود ، لان المقصود جريان الاستصحاب في نحو المثال المزبور وان لم يكن من استصحاب الكلى المردد في هويته ، بل كان من باب الاستصحاب الشخصي ( واما المثالين ) الأخيرين ، ( ففيه ) أولا في كونهما من قبيل المثال الأول مناقشة واضحة ، وذلك في الأول منهما وهو مثال الدرهم ظاهر ( لوضوح ) ان الترديد فيه انما يكون من الترديد في الوجود الملازم للترديد في الهوية ، لا من الترديد في محل المتيقن وموضوعه ، فكان الاجمال والترديد في شخص الدرهم الذي كان لزيد في كونه هو الدرهم التالف أو الباقي ( وكذلك ) المثال الأخير ، فإنه بعد الجزم بان النجاسة كالقذارات الخارجية من سنخ الاعراض الخارجية المتقومة بالموضوع والمحل والجزم أيضا بامتناع انتقال العرض القائم بالمحل المتقوم به إلى محل آخر ( نقول ) ان الترديد المتصور في المثال يكون من الترديد بين الوجودين الراجع إلى الترديد في الهوية لا من الترديد في المحل والموضوع ، حيث كان مرجع ذلك إلى تردد تلك النجاسة المعلومة في المثال بين الوجودين أحدهما مقطوع البقاء والآخر مقطوع الارتفاع ، فلا يرتبط ذلك بباب

١٣١

اجمال موضوع المتيقن ومحله كما في مثال الحيوان المردد كونه في جانب الشرقي من الدار أو الغربي منها كما هو واضح ( وثانيا ) على فرض تمامية الأمثلة المزبورة في كونها من باب الترديد في محل المتيقن وموضوعه : لا في حقيقته ( نقول ) : ان الترديد في المحل بعد ما كان موجبا للترديد في وجود ما هو المتيقن سابقا بشخصيته وهويته ، فلا قصور في استصحابه لتمامية أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء ، فيستصحب بقاء شخص الدرهم الذي كان لزيد ، وبقاء شخص تلك النجاسة التي أصابت العبائة بعد غسل الجانب الأسفل منها ، فيترتب على بقائها في الزمان المتأخر آثارها الشرعية من المانعية عن صحة الصلاة معها ، فيتوجه حينئذ الشبهة المعروفة ( إذ هي ) غير مبتنية على كون الاستصحاب المزبور من باب الاستصحاب الكلى ، بل هي جارية ولو على فرض كونه من باب استصحاب الشخصي ( واما ) دعوى عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام ولو شخصيا حتى بلحاظ اثر المانعية عن صحة الصلاة ، فهو كما ترى.

( فالانصاف ) ان ايراد ما أفيد تقريبا للاشكال أولى من كونه دفعا له ( فالتحقيق ) في دفع الشبهة ان يقال : انه بعد الجزم بان الطهارة والنجاسة من سنخ الاعراض الخارجية الطارية على الموجودات الخارجية بحيث لابد في عروضها على الشيء من كونه في ظرف الفراغ عن وجوده خارجا ، لا من سنخ الأحكام التكليفية المتعلقة بالطبيعة الصرفة القابلة للانطباق خارجا ( والجزم ) أيضا بان في صحة استصحاب الشيء والتعبد ببقائه لابد من لحاظ الأثر الشرعي المصحح له في كونه من آثار وجوده بنحو مفاد كان التامة أو من آثاره بنحو مفاد كان الناقصة ( ان عدم الحكم ) بنجاسته الملاقى في الفرض المزبور انما هو لأجل ان نجاسة الملاقى من آثار نجاسة الملاقى بالفتح بنحو مفاد كان الناقصة ، لا من آثار صرف وجود النجاسة بنحو مفاد كان التامة ( ومن المعلوم ) ان مثل هذا العنوان لم يتعلق به اليقين السابق حتى يجري فيه الاستصحاب ، إذ كل واحد من طرفي العباءة من الأسفل والأعلى يكون مشكوك النجاسة من الأزل ، والقدر الجامع بين المحلين أيضا بمقتضى المقدمة

١٣٢

الأولى لا يكون معروضا للنجاسة وانما المعروض لها هو الطبيعي الموجود في ظرف انطباقه على الفرد وهو لا يكون إلا هذا الفرد والمحل أو ذاك الفرد والمحل الآخر الذي عرفت عدم تعلق اليقين به ( واما ) استصحاب نجاسة القطعة الشخصية المرددة فهو من استصحاب الفرد المردد الذي عرفت عدم جريانه فيه ( واما ) صرف وجود النجاسة في العباءة بنحو مفاد كان التامة ، فاستصحابه وان كان جاريا لتمامية أركانه فيه من اليقين بالوجود ، والشك في البقاء ( ولكنه ) بهذا العنوان لا يجدي في الحكم بنجاسة الملاقى بالكسر إذ هي من آثار كون الملاقى بالفتح نجسا بنحو مفاد كان الناقصة بحكم سراية النجاسة من الملاقي إلى الملاقى بالكسر ( نعم ) هو بهذا العنوان موضوع لاثر المانعية عن صحة الصلاة ، فإنها على ما يستفاد من الاخبار وكلمات الأصحاب من آثار وجود النجاسة في ثوب المصلى أو بدنه بمفاد كان التامة ، فيجري فيه الاستصحاب بلحاظ الأثر المزبور ، لا بلحاظ اثر نجاسة الملاقى ( وحينئذ ) تندفع الشبهة المعروفة ، إذا لا يلزم من استصحاب طبيعة النجاسة المرددة انطباقها على الجانب الأسفل من العباءة أو الاعلى بلحاظ اثر المانعية بعد تطهير الجانب المعين منه نجاسة الملاقى لطرفي الزائل والباقي كي ترد الشبهة المعروفة فافهم واغتنم ( هذا كله ) فيما يتعلق بالقسم الثاني من استصحاب الكلى.

( القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلى )

ما يكون الشك في بقاء الكلى لاحتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المعلوم الذي كان الكلى في ضمنه ( وهذا ) يتصور على وجوه ( فان ) الفرد المحتمل الآخر ( تارة ) يحتمل وجوده مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، كما لو علم بوجود زيد في الدار يوم الجمعة وخروجه عنها يوم السبت واحتمل وجود عمرو في الدار في حال وجود زيد فيها بحيث بقى هو فيها بعد خروج زيد عنها ( وأخرى ) يحتمل حدوثه مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم ، كما لو احتمل دخول عمرو في الدار مقارنا لخروج زيد

١٣٣

عنها ( وفي هذا القسم ) ( تارة ) يكون المحتمل بقائه فردا مبائنا في الوجود مع الفرد المعلوم وان اشتركا في النوع أو الجنس ، كالمثال المتقدم ( وأخرى ) يكون من مراتبه ، كالسواد الضعيف المحتمل قيامه مقام السواد الشديد ، مع كونه ( تارة ) بمثابة يعد كونه عرفا من مراتب الموجود السابق ( وأخرى ) بنحو يعد كونه عرفا مبائنا معه ، كالحمرة الشديدة التي زالت بورود الماء عليها ولم يبق منها الا مرتبة ضعيفة كادت تلحق الصفرة ، وهذان القسمان تختصان بالتشكيكيات بخلاف الأول فإنه مختص بالمتواطئات وفيه يكون الشك في تبدل فرد بفرد آخر مغاير معه في الوجود ، وفيهما في تبدل حد بحد آخر ( فهذه ) وجوه متصورة للقسم الثالث من اقسام الكلى ( وفي جريان ) الاستصحاب في الجمع ، أو عدم جريانه كذلك ، أو التفصيل فيها بجريانه في الوجهين الأخيرين دون الأولين ، أو جريانه في الوجه الثالث وهو ما يكون المشكوك اللاحق على نحو يعد عرفا من مراتب الموجود السابق ، دون الأولين والوجه الرابع ، وجوه وأقوال ( أقواها الأخير ) اما عدم جريانه في الوجهين الأولين ، وهما صورتا كون الشك في بقاء الكلى لأجل احتمال وجود فرد آخر مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، أو حدوثه مقارنا لارتفاعه ( فلانه ) لا منشأ لتوهم جريان استصحاب الكلى فيهما الا تخيل ان الطبيعي بعد ما كان وجوده في الخارج بعين وجود فرده وحصته ، فلا محالة يكون العلم بوجود الفرد والحصة ملازما للعلم بوجود الكلى في الخارج ، وبارتفاع الفرد المعلوم والشك في وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد الأول أو مقارنا لارتفاعه ، يشك في بقاء الكلى وارتفاعه ، فيجري فيه الاستصحاب لاجتماع أركانه جميعا من اليقين بالوجود والشك في البقاء ( ولكنه ) تخيل فاسد ، فان الطبيعي وان كان موجودا في الخارج بعين وجود فرده لا بوجود آخر ممتاز عن وجود فرده ( ولكن ) بعد ما يغاير وجوده في الخارج في ضمن كل فرد وجوده في ضمن الفرد الآخر وكان بقائه أيضا كحدوثه تابع بقاء الفرد وحدوثه بلحاظ ان بقاء الشيء هو عين حدوثه حدا في كونه من تبعات الخصوصية الفردية حدوثا وبقاء ، فلا محالة يكون العلم بانعدام الفرد ملازما مع العلم بارتفاع وجود الطبيعي

١٣٤

الذي حدث في ضمنه ( لاستحالة ) بقائه بحده بحدوث فرد آخر منه ، لان ما حدث في ضمن فرد آخر انما هو وجود آخر للكلي غير ما علم بحدوثه في ضمن الفرد السابق ( وحينئذ ) فاحتمال وجود فرد آخر للكلي وان كان احتمالا لوجود الكلى في الخارج في الزمان اللاحق ، ولكن الوجود المشكوك لا يكون بقاء للوجود المعلوم سابقا ، لأنه مما علم بارتفاعه بارتفاع الفرد المعلوم ، فلا يكون الشك في الوجود المشكوك شكا في بقاء ما علم بحدوثه حدا حتى يجرى فيه الاستصحاب ( وبذلك ) يتضح الفرق بين هذا القسم من الكلى وبين القسم السابق ، فان في القسم السابق يكون نفس الكلى والقدر المشترك بين الفردين بوجوده المتحقق في ضمن أحد الفردين مشكوك البقاء والارتفاع في الزمان المتأخر من جهة احتمال كون الحادث هو الفرد الباقي ، ففيه يكون وجود الكلى بحده مركزا لليقين والشك ، بخلاف هذا القسم فان الشك فيه لم يتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق ، وانما هو متعلق بوجود آخر للكلي غير ما علم بحدوثه ، فلذلك لا يجرى فيه الاستصحاب ( نعم ) غاية ما تقتضيه العينية بينهما انما هو العينية الذاتية ( ولكن ) مثله لا يكون مدارا لصدق النقض والابقاء في باب الاستصحاب كما لا يخفى.

( وقد أورد ) على الاستصحاب المزبور بوجه آخر وحاصله منع ملازمة العلم بوجود الفرد للعلم لوجود الكلي والقدر المشترك ، بدعوى ان العلم بوجود الفرد انما يلازم العلم بوجود حصة من الكلى المتحقق في ضمنه ، لا العلم بوجود الكلى بما هو هو ، فمع تغاير الحصص لا مجال لجريان الاستصحاب ، لان ما علم بوجوده هي الحصة المتحققة في ضمن الفرد المعلوم ، وقد علم بارتفاعها ، وما شك فيه هي الحصة الأخرى من الكلى غير الحصة المعلومة سابقا ( وفيه ) مالا يخفي ، فان الكلى بعد ما كان بنفسه موجودا في الخارج بعين وجود فرده وحصته ، لا بوجود آخر مغاير لوجود فرده ، لا وجه للمنع عن ملازمة العلم بوجود الفرد والحصة للعلم بوجود الكلى والقدر المشترك الذي هو منشأ انتزاع هذا المفهوم ( كيف ) ولازم المنع المزبور هو المنع عن استصحاب الكلى في القسم الثاني أيضا ، بلحاظ اقتضاء تغاير الحصص لتردد

١٣٥

المعلوم بين الحصتين الموجب لعدم جريان الاستصحاب فيه بعين ما التزم في المنع عن استصحاب الفرد المردد كما أشرنا إليه سابقا ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن استصحاب الكلى في هذا القسم هو ما ذكرناه ( هذا كله ) في استصحاب الوجه الأول والثاني من القسم الثالث من استصحاب الكلى.

( واما الوجه الثالث ) من القسم المزبور ، وهو ما كان الشك في البقاء لأجل احتمال بقاء مرتبة من المستصحب بعد اليقين بارتفاعه بمرتبة أخرى ، كالسواد الشديد الذي علم بورود الماء عليه فشك في زواله بالمرة أو بقائه بمرتبة أخرى دونه ، فقد عرفت كونه على وجهين من حيث إن المرتبة التي تحتمل بقائها تارة تكون في الضعف بمثابة يحسبها العرف مبائنة مع الموجود السابق ، وأخرى بمثابة تعد كونها عرفا من مراتبه ( اما الوجه ) الأول ، فجريان الاستصحاب فيه مبني على كفاية وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة بالمداقة العقلية في جريان الاستصحاب ، والا فعلى ما سيأتي من عدم كفاية ذلك واعتبار وحدتهما بالأنظار العرفية ، فلا يجرى فيه الاستصحاب ( واما ) الوجه الثاني ، فيجرى فيه الاستصحاب بلا كلام لاجتماع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد القضيتين بالمداقة العقلية والانظار العرفية ، حيث إنه بعد عدم اقتضاء تبادل الحدود اختلافا في ذات المحدود ، كان الموجود السابق بذاته وهويته محفوظا في جميع المراتب المتبادلة شدة وضعفا ، لان التبادل انما كان ممحضا في خصوص الحدود الموجبة لتشخص المرتبة وتميزها عما عداه ، لا في ذات المحدود المحفوظ في جميع المراتب ( فإذا ) احتمل بقاء المستصحب ولو بمرتبة ضعيفة ، فلا جرم يجرى فيه الاستصحاب الكلى لصدق البقاء في مثله على كل من النظر الدقى والعرفي ( بل إن تأملت ) ترى اندراج مثل الفرض في القسم الأول من اقسام استصحاب الكلى الجاري فيه استصحاب كل من الشخص والكلي ، لانحفاظ الموجود الأول بهويته وشخصيته في جميع المراتب المتبادلة وعدم كون الحدودات المختلفة الا من الحدودات العارضة على الفرد فارغا عن فرديته للطبيعي لا من الحدودات المقومة لفردية الفرد فتأمل.

١٣٦

( تذنيبان )

( الأول ) لو كان هناك اثر بسيط للجامع بين الفردين المتفقين في الحقيقة بنحو الطبيعة السارية ، لا صرف الوجود ، وقد علم بوجود فرد للكلي المزبور في زمان وارتفاعه في زمان فشك في وجود فرد آخر للكلي في حال وجود الفرد المعلوم أو حدوثه مقارنا لارتفاعه بلا تخلل عدم بينهما ، فبالنسبة إلى السبب لا شبهة في أنه لا يجري فيه الاستصحاب ، لما تقدم من انتفاء الشك في البقاء ( واما ) بالنسبة إلى المسبب فالظاهر أنه لا قصور في استصحابه لاجتماع جميع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد متعلق الوصفين ، حيث يصدق انه كان على اليقين من وجود الأثر فشك في بقائه بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث ، لاحتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة بحالها عند احتمال قيام عمود آخر مقام العمود الأول ( واما الاشكال ) عليه باستلزامه المصير إلى الاستصحاب في نظائره من الأسباب والمسببات الشرعية في أبواب التكاليف والأوضاع ، كالزوجية والوكالة والولاية ونحوها ، ( كما لو علم ) انه تزوج زيد هندا بعقد الانقطاع إلى مدة قد علم بانقضائها فشك في بقاء زوجيتها بعد ذلك ، لاحتمال تزويجها ثانيا مقارنا لانقضاء الأول بعقد جديد ، أو علم بوكالة زيد لعمرو في التصرف في ما له في زمان محدود فشك بعد انقضاء الزمان في بقاء وكالته ، لاحتمال انشاء وكالة جديدة له مقارنا لانقضاء الأول ( وكذا ) لو علم بوجوب الصوم عليه إلى مدة معينة بنذر وشبهه فشك في حدوث نذر آخر منه متعلق بصومه من حين انقضاء المدة إلى مدة أخرى إلى غير ذلك من الأمثلة ( حيث ) ان لازم البيان المزبور هو الالتزام بجريان الاستصحاب في نحو الأمثلة المزبورة ، وهو كما ترى لا يظن التزامه من أحد ( فمدفوع ) بالفرق بين ما ذكرناه وبين تلك الأمثلة ، فان الاستصحاب الجاري فيها

١٣٧

انما هو من استصحاب الوجه الأول والثاني من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي ، لان المعلوم السابق فيها فرد من الزوجية والوكالة وهو مما علم بارتفاعه بانقضاء اجله ، وما شك فيه فرد آخر من الزوجية والوكالة احتمل حدوثه بسبب جديد ، فلا يكون المشكوك في الزمان المتأخر عين الفرد المعلوم السابق ، بل مقتضى الأصل فيها هو عدم حدوث ما شك في وجوده في الزمان المتأخر ( وأين ذلك ) وما ذكرنا من استصحاب المسبب في نحو مثال هيئة الخيمة ، فان المستصحب فيه امر وحداني شخصي لا يتغير عما هو عليه من الوحدة الشخصية ولا يتعدد وجوده بتبادل أعمدة الخيمة ( مع أن ) بين مفروض الكلام والأمثلة المزبورة فرق آخر ، وهو ابتلاء الأصل الجاري فيها بالأصل الحاكم عليه وهو استصحاب عدم وجوب السبب الجديد ، فإنه يترتب على استصحابه بضم الوجدان السابق عدم وجود المسبب شرعا ( بخلاف ) ما فرضناه من نحو مثال الخيمة ، فإنه من جهة كونه من الأسباب والمسببات الخارجية لا يجري فيه الأصل في السبب حتى يقدم على استصحاب المسبب أو يعارضه ، لعدم كون الترتب في مثله الا عقليا محضا ، بخلاف الأمثلة المزبورة ، فإنها من جهة كونها من قبيل الأسباب والمسببات الشرعية يكون الترتب فيها شرعيا لا محالة ، وبذلك يجري فيها الأصل في السبب وبانضمام ذلك مع الوجدان السابق يترتب انتفاء المسبب فتدبر.

( التذنيب الثاني ) قد جرى ديدن الاعلام على التمثيل لاستصحاب القسم الثاني من الكلى باستصحاب الحدث المردد بين الأكبر والأصغر عند خروج البلل المردد بين البول والمني ( وحيث ) ان للفرض المزبور شقوق متعددة ، من حيث الجهل بالحالة السابقة على خروج البلل ، أو العلم بها من حيث الطهارة أو الحدث من الأكبر أو الأصغر ( فالحري ) هو التعرض لتلك الشقوق وافراد كل واحد منها بالبحث من حيث كونه مجرى للاستصحاب وعدمه ( فنقول ) : أما إذا لم يعلم بالحالة السابقة أو علم بها وكانت هي الطهارة ، فالأشبهة في كونه مجرى لاستصحاب الحدث ، بل هو المتيقن من مورد كلماتهم ، فإنه حين خروج البلل المردد يعلم بتحقق طبيعة الحدث والحالة المانعة عن صحة الصلاة ، وبعد فعل الوضوء يشك في ارتفاع الحدث فيجرى فيه

١٣٨

الاستصحاب بلحاظ آثار الجامع والقدر المشترك بين الفردين من نحو المانعية عن الصلاة وعدم جواز مس كتابة القرآن ، وان لم يترتب عليه آثار خصوصية الحدث الأكبر ، كحرمة دخوله في المسجد ومكثه فيه ، وحرمة قرائة العزائم ( واما ) إذا كانت الحالة السابقة هي الحدث ( فان ) كان الحدث المعلوم هو الأكبر اي الجنابة ، فلا شبهة في عدم كونه مجرى للاستصحاب الكلى ، بل هو خارج عن فرض كلامهم في المقام الذي هو فرض الشك في بقاء الحدث بعد فعل الوضوء قطعا ، بداهة عدم كون مثل الفرض من موارد العلم بالحدث المردد بين الزائل والباقي ، فلا محيص حينئذ من الغسل ، وبدونه يقطع تفصيلا ببقاء الحدث السابق ولو مع الاتيان بالوضوء ، من غير فرق بين القول بعدم تأثير الحدث بعد الحدث أو القول بتأثيره كما هو واضح ( واما ان كان ) الحدث السابق هو الأصغر ( فان قلنا ) بعدم المضادة بين الحدثين وامكان اجتماعهما في زمان واحد في محلين بحيث عند طرو الأكبر يكون المتحقق شخصان من الحدث ، غاية الامر انه مع اجتماعهما لا تأثير للأصغر في ايجاب الوضوء ، لانحصار الرافع حينئذ بما يقتضيه الأكبر وهو الغسل ، فلا مجال أيضا لاستصحاب الكلى ، لأنه من استصحاب الوجه الأول من القسم الثالث من اقسام الكلى الذي كان الشك في بقائه لأجل الشك في مقارنة فرد آخر للفرد المعلوم وجوده سابقا ، فإنه حين صدور البلل المشتبه يقطع بوجود شخص حدث ويشك في حدوث شخص حدث آخر ، فاستصحابه بعد الوضوء يكون من استصحاب القسم الثالث الذي قلنا بعدم جريانه فيه ( فيكتفي ) حينئذ بصرف الوضوء في فعل كل ما اشترط في صحته أو جوازه بالطهارة ، ولا اثر للعلم الاجمالي حين خروج البلل المشتبه ، إذ لا يعلم بتوجيه خطاب جديد من قبل البلل الحادث بعد تردده بين ما له الأثر وما ليس له الأثر ، واحتمال كونه منيأ شبهة بدوية مدفوعة بالأصل ، حيث تجري أصالة عدم حدوث سبب الجنابة ، ولا يعارضها أصالة عدم صدور البول ، لأنه لا اثر له بعد كونه محدثا بالحدث الأصغر ( وكذلك ) الامر فيما لو احتملنا عدم المضادة بين الحدثين ، فإنه وان علم حين خروج البلل بالحدث المردد بين الوجودين أو وجود واحد مردد بين الأصغر والأكبر بلا علم تفصيلي بما يوجب

١٣٩

انحلاله ( ولكن ) بعد احتمال اجتماعهما وجودا وبقاء الأصغر بحده الخاص لا يجري الاستصحاب الكلى ، لعدم احراز كون المشكوك الباقي بعد الوضوء عين المتيقن السابق ، لاحتمال كون المعلوم السابق غيره ، فيكتفي بموجب الحدث الأصغر وهو الوضوء في فعل كل ما اشترط فيه الطهارة ، باستصحاب بقاء الأصغر بحده الخاص إلى حين خروج البلل المشتبه بضميمة أصالة عدم صدور الحدث الأكبر ( وان قلنا ) بالمضادة بين الحدثين ، فتارة تكون المضادة بينهما في خصوص حديهما لا في ذاتيهما بحيث يكون الأصغر عند طرو الأكبر محفوظا بذات في ضمنه لا بحده ، نظير السواد الضعيف المندك في ضمن الشديد منه ( وأخرى ) تكون المضادة حتى بالقياس إلى ذاتيهما ، نظير ارتفاع لون بطرو لون آخر مضاد له ( فعلى الأول ) لا قصور ظاهرا في استصحاب الكلى بعد الاتيان بالوضوء ، إذ حين طرو البلل يعلم اجمالا بوجود الحدث المردد بين الحدين ، وبعد الوضوء يشك في ارتفاعه ، فيستصحب بقائه ، بل ويجري فيه الاستصحاب الشخصي أيضا ، بناء على عدم ارتفاع الأصغر المقرون مع الأكبر الا بالغسل ، واختصاص رافعية الوضوء له بحال انفراده عن الحدث الأكبر ، إذ حينئذ مع الشك في وجود الأكبر لأجل البلل المردد يشك في ارتفاعه بالوضوء فيستصحب بقائه ( نعم ) لو قلنا برافعية الوضوء للأصغر مطلقا ولو في ظرف وجود الأكبر ، مؤيدا ذلك بما ورد من مشروعية الوضوء للحائض في أوقات الصلوات والنوم الجنب لا يجري استصحب الشخص للقطع بارتفاعه بالوضوء على كل حال ، فينحصر مجرى الاستصحاب حينئذ في الكلى والقدر المشترك بين الأصغر والأكبر ، ولازمه هو الجمع بين الطهارتين وعدم الاكتفاء بصرف الوضوء في رفع مانعيته للصلاة ( اللهم ) الا ان يمنع عن هذا الأصل بكونه من استصحاب القسم الثالث الذي كان الشك في بقاء الكلى لأجل الشك في مقارنة فرد آخر مع الفرد المعلوم سابقا ، لمكان العلم التفصيلي حين طرو البلل بثبوت الحدث الأصغر ولولا بحده الخاص ، والشك في حدوث الأكبر ، فأصالة عدم حدوثه محكمة ومقتضاها عدم الحاجة إلى الغسل وجواز الاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الصلاة ( واما على الثاني ) من فرض تضاد

١٤٠