نهاية الأفكار

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره
الجزء ١ و ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ - ١

بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار وان عناية لحوق النقض باليقين كان من ناحية المتيقن لا بما هو هو لا يناسب القول بحكومة الاستصحاب على الأصول المغيا بالعلم كما هو ظاهر.

( فالتحقيق ) حينئذ ما ذكرناه من أن المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم وان اليقين في القضية مع كونه مأخوذا على وجه الطريقية لا الصفتية ملحوظ في تعلق النقض به استقلالا بما هو هو بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال ، ولا مرآة لمتعلقه ليكون محط التنزيل حقيقة هو المتيقن ، ولا طريقا لايصال التنزيل إلى متعلقة كسائر العناوين الطرقية ، ليكون مرجع النهي عن نقضه إلى الامر بترتيب خصوص آثار الواقع المترتبة عليه لأجل اليقين ولا يشمل آثار نفسه ( فان لازمه ) هو المصير إلى عموم الحجية لمورد الشك في الرافع والمقتضى ، كما أن لازمه هو الاخذ باطلاق التنزيل لمطلق ما يترتب على اليقين من الأعمال حتى بالنسبة إلى ما يترتب عليه من جهة احكام نفس اليقين لرجوع النهي عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب العمل حال الشك في البقاء عمل حال اليقين به كما لو كان متيقنا بالبقاء وجدانا ، كان العمل مستندا إلى اثر شرعي لنفس اليقين ، أو كان مستندا إلى اثر شرعي للمتيقن ( واما توهم ) عدم امكان شمول التنزيل في هذه الأخبار لكل من آثار نفس اليقين وآثار المتيقن المرتبة عليه لأجل اليقين لاستلزامه محذور اجتماع اللحاظين المتنافيين في اليقين استقلالا ومرآة ( فمدفوع ) بأنه بعد أن كان للأثر المترتب على الواقع أيضا إضافة إلى اليقين لكونه سببا لترتب أعماله عليه ، يكون معدودا من آثاره وبهذه الجهة يكون اليقين ملحوظا في توجيه التنزيل إليه بلحاظ واحد وهو اللحاظ الاستقلالي ( وان شئت ) قلت إن هذا الاشكال انما يرد لو كان التنزيل بلحاظ الآثار الشرعية المتمشية من الشارع ، لا بلحاظ الآثار العملية المتمشية من المكلف ، والا فلا مورد لهذا الاشكال ، لان ترتب هذه أيضا انما يكون على اليقين بالأحكام الشرعية لا على نفس الواقع ، ومعه لا يكون اليقين في القضية الا ملحوظا مستقلا بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال ، ولازم اطلاق

٨١

التنزيل حينئذ هو العموم لمطلق ما يترتب عليه من الأعمال سواء كان العمل من جهة احكام نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من جهة احكام المتيقن كاليقين الطريقي كما في مورد الرواية ( وبذلك ) انقدح انه لا وجه لما في الكفاية من الاشكال في المقام بقوله لا محيص عنه ، كما لا وجه أيضا لما افاده في الجواب عنه بقوله : انما يلزم ذلك لو كان اليقين بنفسه ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل قضية لا تنقض حيث تكون ظاهرا عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل الخ ( إذ فيه ) أولا منع الاستظهار المزبور ، بل ظاهر القضية خلافه لظهورها في أن اليقين فيها ملحوظ في مقام الاستعمال وتوجيه النقض إليه بما هو هو استقلالا لا مرآة إلى متعلقه ، كما هو الأصل المعمول عليه في جميع عناوين الألفاظ الواقعة في طي القضايا الطلبية وغيرها في ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة مفهومه استقلالا ( واما ما افاده ) من الاشكال على هذا التقدير فقد عرفت انه غير وارد وانه لا يكاد ينافي ذلك مع مورد الرواية ( وثانيا ) لا وجه لجعل اليقين في القضية بمفهومه مرآة إلى المتعلق ، لان لازم المرآتية على ما اعترف به في المعان الحرفية ان يكون اليقين بمفهومه مغفولا عنه في مقام الاستعمال ، مع أن اليقين في هذه القضية ليس كذلك قطعا ، بل لازم ذلك هو ان يكون لفظ اليقين الذي هو من الأسماء مستعملا حسب مختاره في خلاف وضعه ، فإنه على مختاره من وحدة المعنى الاسمي والحرفي ذاتا موضوع لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال مستقلا بما هو هو وفي نفسه ، بخلاف الحرف ، فإنه موضوع لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال مرآة لمتعلقه ( ودعوى ) سراية المرآتية من مصاديقه الخارجية إلى مفهومه بلحاظ ان الطبيعي عين مصاديقه فيتبع مصاديقه في الآلية والاستقلالية ( مدفوعة ) بمنع سراية المرآتية من المصداق الذي هو اليقين الخارجي إلى المفهوم منه ، بداهة كمال الالتفات حين الاستعمال من مثل هذا اللفظ إلى مفهوم نفسه ولذا قد يجعل كونه تمام الموضوع أو جزئه ( كيف ) ولازم سراية المرآتية من المصداق الخارجي إلى المفهوم منه هو عدم الالتفات إلى حيث استحكامه أيضا ، ومعه كيف يمكن جعل هذه الجهة مصححا لإضافة النقض إليه ، فلابد حينئذ من

٨٢

الالتزام بان المصحح لاطلاق النقض هو حيث اتصال المتيقن الناشئ من اقتضائه للبقاء والدوام ، وهو خلاف مختاره من كون المصحح له هو ما في نفس اليقين من الابرام ولا استحكام ان يقال : ان شأن المرآت وان كان هو الغفلة عن ذاتها ولكن بعد سراية صفاتها إلى مرئيها كما في تلون السراج بلون الزجاج لا بأس بدعوى اكتساب المتيقن من اليقين حيثية الابرام والاستحكام ، فإنه لأجل هذا الاكتساب يصير المتيقن كأنه مستحكما بنحو استحكام اليقين ويكتفى بهذا المقدار في عناية اطلاق النقض ولو لم يكن فيه اقتضاء البقاء والاستمرار.

( ولعمري ) ان المنشأ كله في الالتزام بمرآتية اليقين وطريقيته في توجيه النقض إليه هو تخيل ان التنزيل في القضية ناظر إلى الأحكام الشرعية لا إلى مطلق الآثار العملية ، ان مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى جعل مماثل المتقين تعبدا إذا كان حكما ولحكمه إذا كان موضوعا ، حيث إنه بعد أن يرى أن اليقين الطريقي المحض ليس له اثر شرعي مجعول وانه لا يمكن ان يراد من النهي عن نقض اليقين بالشك اليقين الموضوعي وآثاره لمنافاته مع المورد بلحاظ ان الحكم المترتب في مورد الرواية على حرمة النقض هي صحة الصلاة ونحوها وهي من احكام الطهارة الواقعية المشكوكة لا من احكام اليقين بها ، التجأ إلى جعل اليقين في القضية مرآة إلى متعلقه أو طريقا لتوجيه التنزيل إليه بلحاظ الأحكام الشرعية المترتبة عليه كي لا يشمل آثار نفس اليقين حذرا من لزوم محذور اجتماع اللحاظين في اليقين استقلالا ومرآة ( والا ) فلو دقق النظر وأبقى اليقين في القضية على ظاهره في كونه ملحوظا مستقلا بلحاظ جميع ما يترتب عليه من الأعمال المتمشية من المكلف ، فلا محذور في الاخذ باطلاقه حتى بالنسبة إلى الأعمال المرتبة على اليقين من جهة احكام نفسه ، إذ مرجع النهى عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب ترتيب اعمال اليقين بالبقاء كما لو كان حاصلا له بالوجدان ، كان العمل مستندا إلى اثر شرعي لنفس اليقين كاليقين الموضوعي ، أو كان مستندا إلى اثر شرعي للمتيقن كما في مورد الرواية.

( ثم انه ) يترتب على هذين المسلكين نتائج مهمه ( منها ) حكومة

٨٣

الاستصحاب على مسلك المختار على الأصول المغياة بالمعرفة ، وقيامه مقام اليقين المأخوذ في الموضوع على الوجه الطريقي بنحو تمام الموضوع أو جزئه ما لم يؤخذ فيه نفى الشك ( بخلاف المسلك الاخر ) فإنه عليه لا مجال لقيامه مقام اليقين الموضوعي ، ولا لتقديمه على مثل تلك الأصول بمناط الحكومة ، بل لابد وأن يكون بمناط آخر غير الحكومة من الورود أو التخصيص ( ومنها ) انه على المختار لا قصور في شمول الاخبار للموارد التي يكون الشك فيها في بقاء المستصحب ملازما مع الشك في القدرة على امتثال حكمه كالحياة التي هي موضوع وجوب الاكرام والاطعام ونحو ذلك ، فإنه على المختار لا قصور في جريان الاستصحاب فيها فيجب في نحو المثال ايجاد مقدماته إلى أن ينكشف الحال ، بخلاف المسلك الاخر ، فإنه عليه يشكل جريان الاستصحاب في القرض المزبور ، لان جعل الحكم الظاهري مع الشك في القدرة على امتثاله غير معقول ( ومنها ) غير ذلك مما يأتي الإشارة إليه في تنبيهات المسألة ( وكيف كان ) فهذا كله في الجواب عن التقريبين الأولين.

( واما التقريب الثالث والرابع ) فيرد عليها انه لا اعتبار بمثل هذه الاعتبارات بعد اكتفاء العرف في وحدة متعلق الوصفين وصدق النقض في المقام بصرف وحدتهما ذاتا والتغافل عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين ، فإنه بذلك يرى كون الشك ناقضا لليقين فيصدق نقض اليقين بالشك ، بلا احتياج إلى اعمال عناية في اليقين في تصحيح إضافة النقض إليه ، خصوصا مع بعده عن أذهان العرف ، واقتضائه للالتزام بشمول اخبار الباب لقاعدة المقتضي والمانع بلحاظ ان اليقين بوجود مقتضى الشيء بالعناية عين اليقين بالشيء الذي شك في بقائه ، مع انحفاظ.

وحدة المتعلقين فيه دقة أيضا ( فإنه ) لا يندفع هذه الشبهة الا بما ذكرنا من الارتكاز العرفي في مثل القضية على تجريد متعلق الشك واليقين عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين ، وتقديم المسامحة في وحدة المتعلقين على العناية في اليقين في صدق النقص واستناده إلى اليقين.

( وبهذه ) الجهة منعنا عن جعل اليقين بالوضوء في صغرى القياس في الرواية

٨٤

قرينة على تعدد متعلق الوصفين ، لتكون الكبرى دليلا على قاعدة المقتضى والمانع ، ويكون المراد منها عدم نقض اليقين بالمقتضى بالشك بالمانع من نحو النوم وأمثاله ( حيث ) قلنا ان ظهور القضية عرفا في وحدة متعلق الوصفين ، وفي كون نقض اليقين بالشك من جهة المعاندة بين نفس الوصفين لا من جهة المعاندة بين متعلقيهما ، بمثابة لا يكون قابلا للانكار ، فلابد من جعل اليقين بالوضوء في صغرى القياس كناية عن اليقين بأثره وهو الطهارة القابلة لتعلق الشك ببقائها كي بعد التجريد عن التقطيع الزماني يتحد متعلق الوصفين ، فيصدق على اليقين به انه يقين حقيقي بشيء قد شك في بقائه ، لا يقين عنائي ، هذا ( مضافا ) إلى استلزام القول بالتفصيل المزبور لسد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية رأسا في الشبهات الحكمية ، بل الموضوعية أيضا الا في موارد نادرة ، كمورد الشك في النسخ ، أو المبتلى بالمزاحم الأهم ، أو حصول ما يرتفع به فعلية التكليف ، كالشك في لزوم العسر والحرج أو الضرر ونحو ذلك من العناوين الثانوية الموجبة لارتفاع فعلية التكليف ( فإنه ) بعد تبعية التكاليف على مذهب العدلية للمصالح والملاكات الكائنة في متعلقاتها ، لا يكاد مورد يشك فيه في بقاء الحكم الشرعي الا ويشك في ثبوت الملاك الذي اقتضى حدوثه ( وتوضيح ذلك ) هو ان مقتضى الشيء في الأمور التكوينية كما يكون ، تارة مؤثرا في صرف حدوث الشيء لا في بقائه ، نظير البناء والبناء ، وأخرى مؤثرا في بقائه أيضا بحيث يدور الأثر في بقائه مدار بقاء علته نظير الفئ للشيء ( كذلك ) يتصور ذلك في الأمور التشريعية ( فان ) ما يدعو إلى جعلها وتشريعها من المصالح والملاكات النفس الامرية ، تارة على نحو يقتضى صرف تشريع الحكم واحداث جعله بلا دخل له في بقائه بل كان المجعول في بقائه مستندا إلى استعداد ذاته ، وأخرى على نحو يكون مقتضيا لبقائه أيضا ، بحيث يفتقر المجعول في بقائه إلى بقاء ما يقتضى حدوثه من الملاكات والمصالح النفس الامرية ( وبعد ) ذلك نقول : ان الأحكام الوضعية انما تكون من قبيل الأول في أن المقتضى لجعلها من أسبابها مؤثرا في احداثها فقط ، وان بقائها كان مستندا إلى استعداد ذاتها ، ولا ترتفع الا

٨٥

بطرو رافع لها كالملكية والزوجية ونحوهما من الوضعيات ، فلو شك في بقائها أحيانا كان الشك فيها من جهة الشك فيما يزيلها وهو الرافع لا من جهة الشك في المقتضى ( واما الاحكام ) التكليفية فهي طرا من قبيل الثاني في أن المقتضى لاحداثها من المصالح والاغراض الكائنة في متعلقاتها هو المبقي لها أيضا ( بداهة ) ان الإرادة الحقيقية وكذا الكراهة التي هي روح الوجوب والحرمة انما تتبعان المصالح والاغراض الكائنة في متعلقاتهما ( فمهما ) كان الشيء فيه المصلحة يتعلق به الإرادة الحقيقية من المولى ، فيريد حصوله ويبعث نحوه ( ومهما ) لم تكن فيه المصلحة أو كانت فيه ولكن انتفت عنه بجهة من الجهات تنتفي عنه الإرادة بمباديها فلا يريد حصوله وتحققه ولا يبعث نحوه ( فإذا ) شك حينئذ في بقاء الحكم الشرعي بجهة من الجهات يكون الشك فيه لا محالة راجعا إلى الشك في وجود مقتضى البقاء فيه أعني الملاك والمصلحة لاستحالة استعداد التكليف للبقاء بدون بقاء المصلحة في متعلقه ، فيلزم من القول بعدم حجية الاستصحاب عند الشك في المقتضى سد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية الا في موارد نادرة كمورد الشك في السنخ بناء على كونه رفعا لا دفعا ، وموارد الشك في فعلية التكليف من جهة الشك في طرو ما يمنع عن فعليته من وجود مزاحم أو طرو عجز عن امتثاله ونحوه ، وهو كما ترى ، فان حصر مورد تلك الأخبار الكثيرة الدالة بالسنة مختلفة وتأكيدات بليغة على عدم نقض اليقين بالشك في التكليفيات بالموارد النادرة من البعد بمكان لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ( خصوصا ) مع عدم الحاجة إلى الاستصحاب عند التأمل في أكثر الموارد المزبورة ، بلحاظ ان موارد الشك في وجود المزاحم مما استقرت عليه السيرة العرفية وبناء العقلاء على لزوم الجري على طبق المقتضى وعدم الاعتناء باحتمال وجود المزاحم الأقوى إلى أن ينكشف الحال ، نظير بنائهم على حجية العام ووجوب العمل به عند عدم قيام حجة أقوى على خلافه ، ولذا لا يعتنون باحتمال وجود خاص أو معارض في البين على الخلاف ، كما أن موارد الشك في التكليف من جهة الشك في قيد من القيود زمانا أو زمانيا مما يرجع إلى الشك في القدرة أيضا كذلك ، لاستقلال العقل عند

٨٦

احراز ملاك التكليف والشك في القدرة بلزوم الاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال عدم القدرة على الامتثال ( فالتحقيق ) حينئذ هو حجية الاستصحاب مطلقا سواء في الشك في المقتضى أو الرافع أو رافعية الموجود ، وسواء فيه بين كون المستصحب مغيا بغاية شك في تحققها من جهة الشبهة الحكمية أو المفهومية أو الموضوعية ، وبين غيره كل ذلك لعموم حرمة نقض اليقين بالشك الشامل لجميع هذه الأقسام : وانما أطلنا الكلام في المقام حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الناشئ من مصير مثل الشيخ قدس‌سره إلى التفصيل المزبور والله العالم بحقائق الأمور ( هذا كله ) في التفصيل الأول.

( واما التفصيل الاخر ) وهو المنسوب إلى الفاضل التوني قده بين الأحكام التكليفية والوضعية بحجية الاستصحاب في الأول دون الثاني ( فمنشئه ) هو تخيل ان الأحكام الوضعية أمور عقلية انتزاعية لا تكون بنفسها اثرا مجعولا ولا موضوعا لاثر كذلك حتى يجري فيها الاستصحاب ( ولكنه تخيل فاسد ) فان قصر حجية الاستصحاب بما إذا كان المستصحب كذلك دعوى بلا بينة ولا برهان ( فان ما لابد منه ) في باب الاستصحاب هو ان يكون الأثر المصحح لجريانه مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشأ انتزاعه ، إذ لا نعني من شرعية الأثر ومجعوليته في نحو المقام الا هذا المقدار ( وبعد ) ان كانت الأحكام الوضعية طرا مما ينتهي أمرها إلى الشارع وتنالها يد الجعل والرفع التشريعي ولو بتوسيط مناشئها ، فلا محالة يجري فيها الاستصحاب لعموم أدلته القاضي بعدم اختصاصه بما هو اثر شرعي بنفسه بلا واسطة ( وعليه ) فلا وقع لهذا التفصيل ، ولا يحتاج في دفعه بأزيد مما ذكرناه

وحيث انتهى الكلام إلى ذلك

فالحري هو عطف عنان القلم إلى البحث عن حقيقة الأحكام الوضعية وبيان مجعوليتها أو انتزاعيتها وتفصيل أقسامها بقدر ما يسعه المجال ( فنقول ) : وعليه الاتكال انه قد اختلف كلماتهم في الأحكام الوضعية ( تارة ) في عددها ومقدارها ( وأخرى )

٨٧

في مجعوليتها وانتزاعيتها ( وذلك ) بعد وفاقهم على مجعولية الأحكام التكليفية ، كما ينبئ عنه تخصيصهم النزاع في المجعولية بالأحكام الوضعية ( ولعل ) نظرهم في تسلم الجعل في باب التكليف إلى مرحلة البعث والالزام والايجاب المنتزع من مرحلة انشاء الآمر على وفق ارادته ، بلحاظ ما يرى من احتياج مثل هذه العناوين في تحققها إلى انشاء الحاكم بحيث لولا انشائه لما كان لاعتبارها مجال ولو مع تحقق الإرادة الحقيقية من الآمر فعلا ، لأنه حينئذ وان صدق انه مريد بالفعل ويحكم العقل أيضا بوجوب الامتثال مع العلم بإرادة المولى ، ولكن لا يصدق عليه انه ملزم ولا موجب ولا باعث ( كما ) لعله إلى ذلك نظر من جعل حقيقة الطلب غير الإرادة ، فكان الغرض من الطلب هو هذا الامر الاعتباري المنتزع من مرحلة الانشاء ، لا انه معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة على وجه يحكى عنه الانشاء كحكايته عن الإرادة حتى يتوجه عليه انه لا يتصور معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة يسمى بالطلب ، وباستلزامه للالتزام بالكلام النفسي ( ولكن ) دقيق النظر يقتضى خلافه وانه لا يرتبط باب التكليف بالأمور الجعلية الا بنحو من الادعاء والعناية كما سنشير إليه ( فان ) الحقايق الجعلية عبارة عن اعتبارات متقومة بالانشاء الناشئ عن قصد التوصل به إلى حقايقها على نحو يكون القصد والانشاء واسطة في ثبوتها ومن قبيل العلة التامة لتحققها بحيث لولا القصد والانشاء لما كان لها تحقق في وعاء الاعتبار المناسب لها كما هو الشأن في جميع الأمور القصدية كالتعظيم والتوهين والملكية ونحوها من العناوين التي يكون الجعل المتعلق بها مصحح اعتبارهما في موطنها ( وبذلك تمتاز ) عن الأمور الاعتبارية المحضة التي تتبع صرف لحاظ المعتبر وتنقطع بانقطاعه كأنياب الأغوال ، منها الأمور الادعائية في موارد التنزيلات كالحياة ونحوها ، فإنها ليست مما يتعلق به الجعل بالمعنى المتقدم ولا كان لها واقعية ولا تقرر في وعاء الاعتبار وان اطلاق الجعلية عليها انما هو بمعنى الادعاء ( كما انها ) تمتاز بذلك عن الأمور الانتزاعية ، إذ هي تابعة لمنشأ انتزاعها قوة وفعلية ولا تقوم لها بالجعل والانشاء ( نعم ) قد يكون الجعل محقق منشأ انتزاعها فيما إذا كان منشأ الانتزاع من الاعتباريات الجعلية كمفهوم الملكية

٨٨

بالنسبة إلى حقيقتها الحاصلة بالجعل والانشاء.

( وبعد ما عرفت ) ذلك نقول : ان من المعلوم عدم تصور الجعلية بالمعنى المزبور في الأحكام التكليفية في شيء من مراتبها ( واما بالنسبة ) إلى مرحلة المصلحة والعلم بها فظاهر ( واما ) بالنسبة إلى لب الإرادة التي هي روح التكليف ، فلأنها من الكيفيات النفسانية التابعة للعلم بالمصلحة في الشيء بلا مزاحم لمفسدة أخرى فيه أو في لازمه فلا ترتبط بالانشائيات ( وهكذا ) الامر بالإضافة إلى الانشاء المبرز للإرادة ، فإنه أيضا امر واقعي وكان من مقولة الفعل الخارج عن الاعتباريات الجعلية ، فلا يبقى حينئذ الامر حلة الايجاب والبعث واللزوم ونحوهما من العناوين المنزعة من ابراز الإرادة بالانشاء القولي أو الفعلي وهذه أيضا غير مرتبطة بالجعليات المتقومة بالانشاء والقصد ( لأنها ) اعتبارات انتزاعية من مرحلة ابراز الإرادة الخارجية ، حيث ينتزع العقل كل واحدة منها من الانشاء المظهر للإرادة بعنايات خاصة ( ولذا ) يكتفى في انتزاع تلك الأمور ، وكذا في حكم العقل بلزوم الاتباع بصرف انشاء الآمر بداعي الاعلام بإرادته ولو لم يقصد به مفهوم الطلب ولا خطر بباله عنوان البعث والايجاب ، ( وعليه ) فلا أصل لما اشتهر وتداول في الألسنة من جعلية الأحكام التكليفية ( نعم ) لا بأس بدعوى الجعل فيها بمعنى التكوين والايجاد ولو بلحاظ ايجاد المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة ، فإنها بهذه الجهة تكون تابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الطلب والامر الذي هو عين انشائه الاختياري بالقول أو الفعل ، فيكون الغرض من جعليتها حينئذ مجرد احتياجها في مقام انتزاع مفاهيمها إلى الانشاء المبرز للإرادة ، لا الجعلية بالمعنى المتقوم بالقصد والانشاء من القول أو الفعل الجاري في الأحكام الوضعية كما هو ظاهر ( هذا كله ) في الأحكام التكليفية.

( واما الأحكام الوضعية ) فقد عرفت اختلافهم فيها ، تارة في تعدادها وأخرى في جعليتها وانتزاعيتها من التكليف بعد الفراغ عن كونها بحقايقها من الأمور الاعتبارية وخارجات المحمول ، لا المحمولات بالضمية ، وعدم انتزاعها من الجهة التي ينتزع عنها مفاهيم التكاليف ، والا يلزم مرادفتها مع مفهوم التكليف من الوجوب

٨٩

والحرمة ( ولكن ) الجهة الأولى لا يهمنا التكلم فيها لعدم ترتب ثمرة مهمة عملية أو علمية عليها ، مع وضوح ان ملاك حكميتها انما هو بانتهائها إلى جعل الشارع تأسيسا أو امضاء وارادته في مقام التشريع بلا واسطة أو معها ، حيث إنه بذلك ينضبط وضعية الحكم ويميز عن غيره لانحصار مصداقه حينئذ بالاعتباريات المجعولة أو المنتزعة بحقايقها عن التكليف ( وانما المهم ) هو التكلم فيها من الجهة الثانية في أن حقايقها مجعولة بالجعل المتعلق بها أصالة أو تبعا ، أو انها منتزعة من التكليف محضا ( وتنقيح المقال فيها ) يستدعى افراد كل ما عد كونه من الوضعيات بالبحث ليتضح ما هو المجعول منها استقلالا أو تبعا ، وما هو المنتزع من التكليف محضا.

( فنقول ) ان ما عدا كونه من الوضعيات أمور ( منها ) الجزئية والشرطية والمانعية والسببية ( وقد يتوهم ) كونها بأجمعها أمورا انتزاعية صرفة من التكليف لا تنالها يد الجعل التأسيسي والامضائي لا استقلالا ولا تبعا ( ولكنه ) توهم فاسد ( بل الحري ) الحقيق هو التفصيل بين المذكورات فنقول : ( اما الجزئية ) للواجب فهي كما أفادوه انتزاعية صرفه من التكليف المتعلق بعدة أمور متكثرة خارجية ( بداهة ) ان اعتبار عنوان الجزئية للشيء في المركبات الاعتبارية كعنوان الكلية انما ينتزع من نحو ارتباط بين الأمور المتكثرة الحاصل من طرو وحدة اعتبارية عليها من قبل وحدة التكليف أو اللحاظ أو الغرض ونحوها ، حيث إنه بطرو إحدى الوحدات عليها يحصل نحو ارتباط بين تلك الأمور ، فينتزع به عنوان الجزئية لكل واحد منها وعنوان الكلية للمجموع ويختلف ذلك باختلاف ما يضاف إليه الجزئية من الملحوظ أو الغرض أو الواجب والمأمور به ، والا فمع قطع النظر عن طرو وحدة ما عليها لا كلية ولا جزئية بل لا تكون الا متكثرات خارجية ( وعليه ) فمنشأ اعتبار الجزئية للواجب يتمحض بالوحدة الطارية على المتكثرات من قبل تعلق تكليف واحد بها وانبساطه عليها دون غيرها من الوحدات الاخر لحاظية أو غيرها ، وبدونه لا مجال لاعتبار الكلية ولا الجزئية بالإضافة إلى الواجب ، وان كان هناك وحدات اخر لحاظية أو غيرها ، لان هذه انما تجدي في اعتبار الجزئية بالنسبة إلى الملحوظ وغيره لا بالنسبة إلى الواجب

٩٠

والمأمور به كما ) هو ظاهر ( هذا كله ) بالنسبة إلى عنوان الجزئية للواجب ولقد عرفت كونها انتزاعية محضة عن التكليف لا مجعولة بالجعل الاستقلالي ، بل ولا التبعي أيضا الا بضرب من المسامحة ولو باعتبار إناطتها لسعة دائرة التكليف وانبساطه بنحو يشمل ذات الجزء الكذائي فيقال بهذه العناية انها مجعولة قهرا تبعا لجعل التكليف وبسطه على الذوات المعروضة له.

( واما الشرطية ) والمانعية ( فيقع الكلام ) فيهما تارة في شرطية الشيء ومانعيته للواجب ، وأخرى للوجوب والتكليف ( اما الأول ) فلا شبهة في عدم كونها من الأحكام الوضعية المجعولة ولا المنتزعة من التكليف ( اما عدم ) مجعوليتها بالجعل المستقل فظاهر ( واما ) عدم انتزاعيتها من التكليف ، فلأنها أمور واقعية منتزعة من الإضافة والربط بين الشيء وذات الواجب في المرتبة السابقة على وجوبه ، بحيث كان الوجوب قائما بالربط المزبور ، كقيامه بذات العمل ( لوضوح ) ان شرطية الشيء للواجب كعنوان مقدميته انما تنتزع من الجهة التي تكون علة لسراية الوجوب الغيري إلى الذات ، المتصفة بهذا الوصف ، وهي لا تكون الا عبارة عن طرفية الشيء للإضافة والقيد الذي هو معروض الوجوب ( فان ) كون الشيء قيدا للواجب ومقدمه له ليس الا كونه طرفا لشخص الإضافة والتقيد المأخوذ في موضوع الوجوب ، ولأجل هذه الطرفية تكون الإضافة المعبر عنها بالتقيد قائمة به ، فيصير مثله مقدمة للتقيد الذي هو معروض الوجوب ، فيسري إليه الوجوب الغيري ( والا ) فمع قطع النظر عن طرفيته للتقيد الذي هو جزء موضوع الوجوب لاوجه لمقدميته للواجب ولا لسراية الوجوب الغيري إليه ( لان ) ذات الشرط بالإضافة إلى ذات الواجب ربما يكون في عرض واحد بلا تقدم رتبي لأحدهما على الآخر ( وحينئذ ) فإذا كان عنوان شرطية الشيء للواجب كعنوان مقدميته منتزعا من جهة دخله وطرفيته للتقيد الذي هو جزء موضوع الوجوب ، ( نقول ) : ان من البديهي أجنبية مثل هذه الطرفية والإضافة المزبورة عن مرحلة التشريعيات الجعلية والانتزاعيات من التكليف ، إذ هي بذاتها من الأمور الواقعية القائمة بين الشيئين والمحفوظة بذاتها قبل التكليف

٩١

( والتشريع ) انما هو يدخل مثلها في موضوع التكليف لا بايجاد حقيقتها ، فيستحيل تحققها من قبل التكليف المتأخر رتبة عنها ( نعم ) ما هو جاء من قبل التكليف انما هو اضافتها إلى الواجب بوصف وجوبه ( حيث ) انه بتشريع دخلها في موضوع الحكم وتعلق الوجوب بالذات المرتبط على نحو خروج القيد ودخول التقيد يصير القيدية المحفوظة بذاتها مضافة إلى الواجب ، نظير إضافة سائر الأمور إليه من نحو مكان الواجب وزمان الواجب ( ففي الحقيقة ) التكليف انما كان مقوم إضافة القيدية إلى الواجب ، لا انه مقوم ذات المضاف وهي القيدية والشرطية ( وهكذا الكلام ) في المانعية حيث إنها كالشرطية منتزعة من تقيد الشيء بعدم امر كذا ولا دخل للامر والتكليف الا في اضافتها إلى الواجب كما هو ظاهر.

( وبما ذكرنا ) اتضح الفرق بين الجزئية وبين الشرطية والمانعية ( فان ) الجزئية بحقيقتها منتزعة من الوحدة الاعتبارية الطارية على الأمور المتعددة من قبل تعلق تكليف واحد بها ، فالتكليف بالنسبة إليها محقق حقيقة المضاف وهي الجزئية واضافتها إلى الواجب بحيث لولاه لا يكون منشأ لاعتبار أصل الجزئية للواجب ، بل وحدة أخرى لحاظية أو غيرها ، بخلاف الشرطية والمانعية ( فان ) حقيقة الشرطية والمانعية انما نشأت من طرفية الشيء للإضافة المحفوظة بذاتها قبل التكليف وبعده والتكليف انما كان منشأ لمجرد إضافة الشرط إلى الواجب كمنشئيته لإضافة سائر الأمور إليه كالمكان والزمان ونحوهما ( وعليه ) فلا مجال لجعل مثل الشرطية والمانعية في عداد الجزئية التي من الانتزاعيات الصرفة هي بذاتها انتزاعية صرفة من التكليف ، الا بالالتزام بانتزاع الشرطية والمانعية من تلك الإضافة الجائية من قبل التكليف ، لا من واقع الإضافة المأخوذة في الموضوع وطرفية الشيء لها ، ومثله كما ترى لا يمكن الالتزام به ( إذ لازمه ) عدم صحة انتزاع قيدية شيء لشيء لولا وجود حكم في البين ، مع أن البداهة قاضية بفساده ، لوضوح ان الشيء قد يكون قيدا للشيء وطرفا لإضافته. ولو لم يكن في العالم حكم كالرقبة المؤمنة وزيد العالم ( بل ولازمه ) ادخال سائر الأمور المضافة إلى الواجب في الأحكام الوضعية أيضا كزمان الواجب ومكانه ونحوهما مما كان تأخره عن

٩٢

الواجب بصرف اضافته إلى الواجب لا بنفس ذاته ، بلحاظ ان اضافتها إلى الواجب انما هي كإضافة القيد والشرط إليه ، ومثله لا يظن التزامه من ذي مسكة ( فيكشف ) ذلك عن خروج مثل الشرطية والمانعية للواجب عن كونه من الأحكام الوضعية ، فان العبرة في وضعية الحكم انما هو بكون الشيء من الاعتبارات المجعولة بجعل من الجاعل وارادته في مقام التشريع ، أو بكونه من الاعتباريات المنتزعة المتأخرة بذاتها من التكليف ، لا بمجرد اضافتها إليه ( هذا كله ) في الشرطية والمانعية للواجب.

( واما الشرطية ، والسببية ) والمانعية للحكم ، فلا شبهة في أنها من الأمور الاعتبارية ، وانما الكلام في منشأ اعتبارها في أنه هل هو الجعل المتعلق بها بحيث كانت من الاعتبارات المجعولة أصالة أو تبعا ، أو انه هو التكليف المرتب على موضوعاتها ، أو لا هذا ولا ذلك بل هي خصوصية تكوينية في ذات السبب تقتضي الرشح وإفاضة الوجود ، فيه وجوه وأقوال.

( والتحقيق ) ان يقال : ان السببية للشيء انما ينتزع من إناطة الشيء بالشيء وترتبه عليه ( فان ) كان الشيء المنوط من الأمور الخارجية كالاحراق بالنسبة إلى النار فالسببية تكون حقيقة ، لكونها حينئذ عبارة عن مؤثرية الموجود الخارجي في الشيء لخصوصية ذاتية فيه تكوينية اقتضت الرشح وإفاضة وجود المسبب ، لا انها انتزاعية من التكليف ، ولا جعلية ( بداهة ) عدم قابلية هذا المعنى من السببية للجعل التكويني فضلا عن الجعل التشريعي ( كيف ) وان الجعل التشريعي لا يوجب الا احداث امر اعتباري لا يكون وعائه الا الذهن كسائر الأمور الجعلية ، ومثله يستحيل ان يغير الوجود الخارجي عما عليه من الخصوصية الذاتية التي بها قوام مؤثريته ( وان كان ) المنوط من الاعتبارات الجعلية كالملكية والوجوب بناء على جعليته كانت الإناطة والسببية أيضا تبعا لاعتبارية المنوط اعتبارية ومجعولة بتبع جعله ، لا انها واقعية ، ولا منتزعة من التكليف ( حيث ) انه بجعل الملكية أو الوجوب منوطا بأمر خاص في نحو قوله : من حاز ملك ، وقوله إذا تحقق الدلوك تجب الصولة تتحقق الإناطة والملازمة بين الحيازة والملكية ، وكذا بين الدلوك والوجوب ، وبدون هذا الجعل

٩٣

لا ينتزع الملازمة المزبورة بينهما.

( وحيث ) ان محط البحث في المقام في موضوع السببية هي الأمور المأخوذة في تلو أداة الشرط في القضايا الشرعية المشروطة في نحو قوله : من حاز ملك لا المعنى الأول بمعنى المؤثرية والمتأثرية الخارجية ، فلا محالة تكون السببية مجعولة بعين جعل الملكية والوجوب معلقا على الحيازة والدلوك لا بجعل آخر مغاير ( ومعه ) لا مجال لدعوى انتزاعيتها من التكليف بل ولا التكليف عنها ، كما لا مجال لدعوى كونها واقعية بمقتضى الخصوصية الذاتية التكوينية ( اما الأول ) فظاهر إذ هما حينئذ اعتباران منتزعان من جعل خاص في مرتبة واحدة ، لا ان أحدهما منشأ لاعتبار الآخر ، من غير فرق بين ان يكون الخطاب بلسان جعل المعلق عليه والوجوب المنوط أو بلسان جعل الإناطة والقضية التعليقية ( فان ) مجرد لحاظ الإناطة معنى حرفيا تارة ، واسميا أخرى لا يوجب فرقا من هذه الجهة الا في مجرد التعبير ( واما الثاني ) فكذلك ، كيف وانه لو تم ذلك فإنما هو فيما له الدخل في أصل الإرادة وتشريع الحكم من المصالح والملاكات بوجودها اللحاظي ، لا بالنسبة إلى ما أنيط به المجعول الشرعي في القضايا الشرعية في نحو قوله من حاز ملك كما هو محط البحث ( بداهة ) امتناع كون السببية فيه حقيقية بمعنى المؤثرية ، والا يلزم عدم جعلية حقيقة الجزاء ، لان لازم جعلية الجزاء بحقيقته هو عدم تحققه بدون جعله ، فمع فرض جعليته وكونه فعلا اختياريا للجاعل كيف يمكن دخل مثل الدلوك والحيازة في تحقق الملكية والوجوب بمقتضي الخصوصية الذاتية ( فلا محيص ) حينئذ من نفي السببية الحقيقة عن مثله والالتزام بكونها فيه مجعولة بعين جعل الملكية أو الوجوب معلقا على الحيازة والدلوك ، لا بجعل آخر مغاير لجعله ( نعم ) كما يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا هو الوجوب وتكون الإناطة والملازمة ملحوظة في مقام الجعل تبعا للوجوب ، كذلك يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا نفس السببية والملازمة بلحاظها معنا اسميا على نحو يكون النظر إليها في مقام الجعل استقلاليا والى الوجوب تبعيا ، وبهذين الاعتبارين تكون السببية قابلة للجعل التبعي والاستقلالي ، ويفرق بين

٩٤

كون القضية بلسان جعل الوجوب المنوط بالدلوك ، وبين كونها بلسان جعل الملازمة بين الدلوك والوجوب.

( والى ما ذكرنا ) نظر المحقق الخراساني قدس‌سره في مصيره إلى نفي كون السببية مجعولة وانها من الأمور الواقعية والخصوصيات التكوينية ( حيث ) ان التأمل في كلامه يقضى بان تمام همه انكار جعلية السببية بمعنى المؤثرية ، نظرا إلى بنائه على أن السببية الحقيقية عبارة عن خصوص الإناطة المؤثرية الناشئة من خصوصية ذاتية في الشيء تقتضي التأثير والتأثر ، لا مطلق الإناطة والترتب بين الشيئين ولو بنحو ترتب الامر الاعتباري على منشئه ( ففي الحقيقة ) مرجع انكاره إلى نفي السببية الحقيقية عما رتب عليه الحكم الوضعي أو التكليفي في الخطابات الشرعية كالدلوك والعقد والاستطاعة وان السببية المنتزعة عنها من إناطة الحكم الوضعي أو التكليفي بها في الخطابات ادعائي لا حقيقي ببيان ان مثل الدلوك لو كان شرطا وسببا حقيقيا يستحيل الجعل ، لأنه اما واجد لملاك الشرطية الواقعية من الخصوصية الذاتية أو فاقد له وعلى اي تقدير لا معنى لجعل السببية له ، لا ان المقصود هو انكار الجعلية في السببية المنتزعة من إناطة الوجوب به في حيز الخطاب ( ولذلك ) أتم مدعاه ، بقوله والا لزم الخ ، وبقوله : ومنه انقدح عدم صحة انتزاع السببية للدلوك من ايجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها كذلك نعم لا بأس باتصافه بها عناية واطلاق السبب عليها مجازا الخ ، ( وعليه ) فلا يبقى المجال لما عن بعض الأعاظم قدس‌سره من الاشكال عليه بأنه خلط بين علل التشريع وموضوعات الاحكام ( كيف ).

وهذا المعنى مما اعترف به هو قده قبل ذلك وبين بان السببية بمعنى المؤثرية لا تكون مجعولة ولا منتزعة من التكليف المترتب على موضوعاتها لأنها من الأمور الواقعية والخصوصيات التكوينية التي تقتضيها ذات الشيء وان السببية المنتزعة من مجرد إناطة الوجوب بشيء في الخطاب ادعائي لا حقيقي ، ومع هذا الاعتراف أين يبقى المجال لهذا الرد والاشكال بحيث يجعل له عنوان مخصوص ( نعم ) لو كان محط البحث في كلام المحقق الخراساني قدس‌سره هي المصالح والملاكات بوجوداتها العلمية

٩٥

للإرادة وجعل الوجوب ، لصح نسبة الخلط إليه بين سببية الشيء للوجوب الواقع في خير الخطاب وبين شرطيته لأصل الجعل وتشريع الاحكام ( ولكنه ) ليس كذلك ، بل محط البحث في كلامه انما هو في سببية مثل الدلوك للوجوب الواقع في حيز الخطاب غير أنه أنكر فيه السببية الحقيقية بمعنى المؤثرية وجعلها ادعائية كما بيناه ( هذا بناء ) على انتزاع السببية عن الإناطة والترتب بين الشيئين ( واما ) بناء على انتزاعها عما تقوم به الإناطة ، لا من نفس الإناطة ففيها التفصيل المتقدم من كونها في المجعولية وعدمها تابع مجعولية المسبب وعدمه ، فإذا كان المسبب من الأمور المجعولة فلا محالة تكون السببية أيضا مجعولة ، فان كون العقد سببا للملكية والدلوك سببا لوجوب الصلاة لا يكون الا بجعل من الشارع والا فلا اقتضاء لذات العقد للملكية ولا للدلوك للوجوب أصلا ( هذا كله ) في الجزئية والشرطية والمانعية والسببية وقد عرفت اختلافها في المجعولية والانتزاعية وعدم كونها على نمط واحد ، فتكون الجزئية انتزاعية محضة من التكليف ، بخلاف الشرطية والمانعية ، فإنهما بالنسبة إلى الواجب تكون واقعية لا مجعولة ولا منتزعة من امر مجعول ، وبالنسبة إلى نفس الوجوب والتكليف تكون مجعولة بعين جعل الوجوب لا بجعل آخر مغاير لجعله ( غاية الامر ) ان جهة الإناطة والسببية ، تارة تكون ملحوظة في مقام جعل الوجوب تبعا للوجوب فتكون مجعولة بالتبع ، وأخرى تكون ملحوظة في مقام الجعل معنى اسميا فتكون مجعولة بالاستقلال كما شرحناه ( ولعله ) إلى مثل هذه الجهة نظر من يقول : بان للشارع في نحو المقام جعلين ، جعل متعلق بسببية العقد والدلوك للملكية والوجوب ، وجعل متعلق بالملكية والوجوب عقيب العقد والدلوك ، فيكون المقصود من أحد الجعلين هو الجعل التبعي بلحاظ استتباع الجعل الاستقلالي في كل منهما للجعل التبعي للآخر ، لا ان المقصود هو استقلال كل من السبب والمسبب بالجعل المستقل كي ترمى بالغرابة ( كما أنه ) إلى ذلك نظر القائل بان المجعول الشرعي تأسيسا أو امضاء امر واحد وهو سببية العقد والدلوك للملكية والوجوب ، فيكون المقصود من جعلية السببية هو الجعل الاستقلالي المستتبع للجعل التبعي للمسبب ، لا ان المقصود نفى الجعلية عن المسبب

٩٦

رأسا حتى تبعا ، فان ذلك مما لا يكاد توهمه من أحد.

( ومنها ) الصحة والفساد ، والطهارة والنجاسة ، والرخصة والعزيمة ( اما الصحة والفساد ) فالصحة على ما شرحناه في مبحث الصحيح والأعم عبارة عن تمامية الشيء بلحاظ الجهة المرغوبة منه ويقابلها الفساد تقابل العدم والملكة ( ففساد ) الشيء عبارة عن نقصه وعدم تماميته بلحاظ الأثر المرغوب منه ( نعم ) حيث إن الجهة المرغوبة من الشيء تختلف باختلاف الآثار والاغراض يختلف الشيء الواحد صحة وفسادا باختلاف الآثار والاغراض ، فيكون الشيء الواحد صحيحا بلحاظ اثر وغرض وفاسدا بلحاظ اثر وغرض آخر ، ( مثلا ) المركب من عدة أمور لتحصيل اثر مخصوص به إذا فقد منه بعض اجزائه الذي يخل ببعض آثاره دون بعض يكون هذا الناقص فاسدا باعتبار خصوص ذلك الأثر ، وصحيحا باعتبار اثر آخر ( وبهذه ) الجهة قلنا ان الاختلاف في تفسير الصحة في العبادة ، تارة باسقاط الإعادة والقضاء كما في لسان الفقيه ، وأخرى بموافقة المأتى به للشريعة وعدمها في لسان المتكلم ، وثالثة غير ذلك ، لا يكون اختلافا منهم في حقيقة الصحة لتكون من متعدد المعنى ( بل الصحة ) عند الجميع بمعنى واحد وهي التمامية ، ( وانما ) الاختلاف بينهم في تطبيق هذا المفهوم الوحداني على وجود واحد باعتبار ما هو المهم عند كل فريق من الجهة المرغوبة منه في انظارهم ( فالاثر ) المهم في نظر الفقيه في العبادة حيث إنه سقوط الإعادة والقضاء فسرها بما يوافق غرضه ، ( كما ) ان الأثر المهم في نظر المتكلم لما كان موافقة الامر والشريعة الموجبة لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما يوافق غرضه.

( وعليه ) نقول انه بعد أن تختلف صحة الشيء الواحد وفساده بلحاظ الجهة المرغوبة منه ، فلا بد في الحكم بانتزاعية الصحة وواقعيتها من ملاحظة الجهة التي أريد تمامية الشيء بالإضافة إليها ( فان كان ) تلك الجهة من الأمور الواقعية كالملاك والمصلحة تكون التمامية والصحة واقعية ، لان كون الشيء بحيث يفي بالغرض ويترتب عليه الملاك والمصلحة امر واقعي لا مجعول شرعي ولا منتزع من امر مجعول ومن هذا القبيل ، جهة المسقطية للقضاء والإعادة التي هي تلازم الاجزاء لا عينها ( فان )

٩٧

مثل هذه الجهة تكون دائرة مدار الوفاء بالغرض في الجملة ، وبذلك تكون الصحة والتمامية من الأمور الواقعية ( وان كانت ) من الأمور المجعولة من التكليف أو الوضع في أبواب المعاملات ، فالصحة تكون منتزعة من تلك الجهة ( لأنه ) لولا تلك الجهة لما كان مجال لانتزاع صحة الشيء وتمامية من تلك الجهة ، ( فانتزاعية ) الصحة حينئذ وواقعيتها تكون تابعة لجعلية الجهة التي لوحظ تمامية الشيء بالإضافة إليها وعدم جعليتها ( وعليه ) فلا بد في انتزاعيتها من التفصيل بحسب الآثار المقصودة من الشيء التي يراد تماميته بالإضافة إليها ( ولا مجال ) لدعوى انتزاعيتها من المجعول الشرعي مطلقا ، ولا للمنع عن انتزاعيتها كذلك ( نعم ) لا تكون الصحة من الأمور المتأصلة بالجعل تأسيسا أو امضاء بل هي اما واقعية محضه كالصحة بلحاظ الوفاء بالغرض أو المسقطية للإعادة والقضاء ، واما منتزعة من مجعول شرعي كالصحة في أبواب المعاملات من العقود والايقاعات ، فالقول بكونها متأصلة بالجعل ساقط عن الاعتبار.

( واما الطهارة والنجاسة ) فهما بمعنى النظافة والقذارة ، وقد جعلها الشيخ قده من الأمور الواقعية ، وهو كما افاده قدس‌سره في النظافة والقذارة العرفية المحسوسة ، إذ لا ينبغي الاشكال في كونهما من الأمور الواقعية الخارجية التي يدركها العرف والعقلاء ولذلك تريهم يستقذرون عن بعض الأشياء كعذرة الانسان ولا يستقذرون عن بعض الآخر.

( وانما الكلام ) فيهما شرعا فيما لم يكن في البين جهة محسوسة عرفية كنجاسة الخمر والكافر ونحوهما في أنهما أيضا من الأمور الواقعية الخارجية التي كشف عنها الشارع لنا بحكمه بوجوب الاجتناب ، أو انهما من الاعتبارات الجعلية ( ويمكن ) ترجيح الثاني بجعلهما من الاعتبارات الجعلية الراجعة إلى نحو ادعاء من الشارع بنجاسة ما يراه العرف طاهرا وبالعكس بلحاظ ما يرى من المناط المصحح لهذا الادعاء بحيث لو اطلع العرف عليه لرتبوا عليه آثار النجاسة ( كما يشاهد ) نظيره في العرف حيث يرى عندهم بعض المصاديق الادعائية للطهارة والنجاسة ، كاستقذارهم من أيدي غسال الموتى وأيدي من شغله تنظيف البالوعة واخرج الغائط منها واباء طبعهم عن المؤاكلة مع

٩٨

هؤلاء من اناء واحد ولو كانت أياديهم حين الاكل في كمال النظافة الظاهرية ، وعدم استقذارهم من أيدي مثل الفلاح المستعمل للفواكه ولو كانت أيديهم من جهة استعمال الفواكه من الوسخ ما بلغ ( ومن المعلوم ) ان ذلك لا يكون الا من جهة ادعائهم القذارة في الأول الموجب لترتيبهم الآثار القذارة الخارجية عليه وعدم اعتبارهم إياها في الثاني.

( وعليه ) نقول : انه يمكن ان يكون حكم الشارع بنجاسة مالا يراه العرف قذرا كالخمر والكافر ونحوهما من هذا القبيل ، فيكون مرجعه إلى نحو ادعاء من الشارع بقذارة ما يراه العرف طاهرا ، وبالعكس بلحاظ ما يرى منه من المناط المصحح لهذا الادعاء بحيث لو يراه العرف أيضا لرتبوا عليه آثار قذاراتهم من دون ان يكون المناط المزبور هو عين الطهارة والنجاسة الشرعية كي تكونان من الأمور الواقعية التي كشف الشارع عنها ببيانه كما توهم ( وبالجملة ) فرق بين كون الشيء طاهرا أو قذرا خارجيا ، وبين كونه طاهرا أو قذرا ادعائيا لمناط مخصوص ( وعليه ) لا وجه لجعلها بقول مطلق من الأمور الواقعية ( نعم ) على كل تقدير لا تكونان من الأحكام الوضعية حتى يأتي فيهما النزاع في كونهما مجعولة أو منتزعة من التكليف ( إذ هما ) اما من الأمور الواقعية ، واما من الأمور الادعائية ، فعلى الأول لا تكونان من الأمور الوضعية ولا مرتبطة بالجعل ، ( وعلى الثاني ) وان كانتا مجعولة ولكن بالجعل بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي كما هو ظاهر.

( واما الرخصة والعزيمة ) فقد عدهما بعض من الأحكام الوضعية ( ولكن ) فيه منع واضح ( فان ) الرخصة والعزيمة عبارة عن السقوط على وجه التسهيل والسقوط على وجه الحتم والالزام ، وهما مندرجان في الأحكام التكليفية لا الوضعية.

( ومنها ) الحجية وقد اختار المحقق الخراساني قدس‌سره وبعض آخر كونها مجعولة بنفسها لا منتزعة من امر مجعول نظير الملكية ونحوهما من منشئات العقود والايقاعات ( ولكن ) لا يخلو ذلك عن غموض واشكال ( فان ) حقيقة الحجية على ما تقدم ض في مبحث القطع لا تكون الا عبارة أخرى عن منشئية الشيء لقطع عذر العبد

٩٩

ومصححيته لاستحقاق العقوبة على المخالفة ، ومن المعلوم ان هذا المعنى نظير السببية الحقيقية امر ذاتي للشيء لكونه في الحقيقة عبارة عن الملازمة بين انكشاف الواقع واستحقاق العقوبة على مخالفته ، من غير فرق في ذلك بين القطع وغيره من الامارات والحجج الشرعية ( غير أن ) في القطع يكون المعروض لهذه الحيثية ذات القطع لكونه عين انكشاف الواقع بلا تعلق جعل شرعي بحيث معروضيته ، وفي غيره يكون معروضها مما تعلق به الجعل الشرعي تأسيسا أو امضاء من الطريقية والكاشفية ، كما في الامارات الجعلية ، حيث إنه بتتميم كشفها وادعاء كونه علما تصير الامارة بما يستتبعه من الحكم الطريقي سببا لقطع عذر العبد ومصححا لاستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ، بلا تعلق جعل منه بحيث منشئيتها لاستحقاق العقوبة ، ففي الحقيقية مرجع الجعل فيها إلى تتميم ما هو معروض للحيثية المزبورة ، لا إلى احداث العارض على نفس الذات ، ومرجعه إلى احداث الجزم ببلوغ الحكم المحتمل وجوده في الاهتمام لدى المولى بمرتبة لا يرضى بمخالفته حتى في ظرف الشك به الذي هو بنفسه سبب لاستحقاق العقوبة على المخالفة.

( وبتقريب ) آخر مرجع ذلك إلى قلب عدم البيان الذي هو موضوع حكم العقل بقبح العقوبة بالنقيض الذي هو البيان على الواقع ( نعم ) لو بيننا على عدم كفاية مجرد هذا الجعل ولو بما يستتبعه من الحكم الطريقي لتنجيز الواقع وقلب اللابيان الموضوع لقبح العقوبة بالبيان المصحح لها ( لاتجه ) القول بمجعولية الحجية بنفسها في الامارات والطرق الشرعية ، ولو بدعوى كونها من الاعتباريات الجعلية التي متى تحققت تستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع والقاطعية للعذر ( ولكنه ) مع فساد المبني كما أوضحناه في مبحث الظن عند التعرض لوجه منجزية أو امر الطرق والامارات ، مبني على اعتبار الواسطة في مثل القطع أيضا بين حيث كاشفيته ومنجزيته ، وليس كذلك ( بداهة ) انه لا يرى العقل مصححا في حكمه بمنجزية القطع وقاطعيته للعذر الا حيث كاشفيته بلا اعتبار جهة زائدة عليها ، وعليه لا مجال لاعتبار الواسطة في الامارات والالتزام بكونها مجعولة فيها ، بل لا محيص من الالتزام بانتزاعية الحية في

١٠٠