تراثنا ـ العددان [ 66 و 67 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 66 و 67 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٠

أيضاً ، فقال (١) : وأخرج رسول الله عمّه العبّـاس وغيره من المسجد ، فقال له العبّـاس : تخرجنا وتسكن عليّاً؟! فقال : ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكن الله أخرجكم وأسكنه.

وقال زيد بن أرقم (٢) : كان لنفر من أصحاب رسول الله أبواب شارعة في المسجد ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ. فتكلّم الناس في ذلك ، فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب إلاّ باب عليّ ، فقال فيه قائلكم ، وإنّي والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكنّي أُمرت بشيء فاتّبعته.

وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عبّـاس (٣) : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قام يومئذ فقال : ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي ولا أنا تركته ، ولكن الله أخرجكم وتركه ، إنّما أنا عبـد مأمور ، ما أُمرت به فعلت ، (إن أتّبعُ إلاّ ما يوحى إليّ) (٤).

وقال رسول الله صـلّى الله عليه وآله وسلّم (٥) : يا عليّ! لا يحلّ لأحد

____________

(١) كما في أوّل صفحة ١١٧ من الجزء ٣ من المستدرك ، وهذا الحديث من صحاح السُـنن ، وقد أخرجه غير واحد من أثبات السُـنّة وثقاتها.

(٢) في ما أخرجه عنه الإمام أحمد في ص ٣٦٩ من الجزء الرابع من المسند. وأخرجه الضياء أيضاً كما في كنز العمّال وفي منتخبه ، فراجع من المنتخب ما هو في هامش ص ٢٩ من الجزء ٥ من المسـند.

(٣) نقله عنه المتّقي الهندي في آخر هامش الصفحة التي أشرنا الآن إليها.

(٤) سورة الأنعام ٦ : ٥٠ ، سورة يونس ١٠ : ١٥ ، سورة الأحقاف ٤٦ : ٩.

(٥) في ما أخرجه الترمذي في صـحيحه ، ونقله عنه المتّقي الهندي في ما أشرنا الآن إليه من منتخبه. وأخرجه البزّار عن سعد كما في الحديث ١٣ من الأحاديث التي أوردها ابن حجر في الفصل ٢ من الباب ٩ من صـواعقه ، فراجع منها ص ٧٣.

٦١

أن يجنب في المسجد غيري وغيرك.

وعـن سـعد بـن أبـي وقّـاص ، والبـراء بـن عـازب ، وابـن عبّـاس ، وابن عمر ، وحذيفة بن أسيد الغفاري ، قالوا كلّهم (١) : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المسجد فقال : إنّ الله أوحى إلى نبيّه موسى أن ابنِ لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ أنت وهارون ، وإنّ الله أوحى إليّ أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ أنّا وأخي عليّ.

وإملاؤنا هذا لا يسع استيفاء ما جاء في ذلك من النصوص الثابتة عن كلّ من : ابن عبّـاس ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن أرقم ، ورجل صحابي من خثعم ، وأسماء بنت عميس ، وأُمّ سلمة ، وحذيفة بن أسيد ، وسعد بن أبي وقّاص ، والبراء بن عازب ، وعليّ بن أبي طالب ، وعمر ، وعبـد الله بن عمر ، وأبي ذرّ ، وأبي الطفيل ، وبريدة الأسلمي ، وأبي رافع مولى رسول الله ، وجابر بن عبـد الله ، وغيرهم.

وفي المأثور من دعاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : (ربّ اشرح لي صدري * ويسّر لي أمري * واحلُل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيراً من أهلي* هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري) (٢) فأوحيت إليه : (سنشـدّ عضدك بأخيكَ ونجعلُ لكما سلطاناً) (٣) ، اللّهمّ وإنّي عبـدك ورسولك محمّـد ، فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ،

____________

(١) في ما أخرجـه عنـهم جميعاً علي بن محمّـد الخطيب الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلي في كتابه المناقب بالطرق المختلفة. ونقله الثقة المتتبّع البلخي في الباب ١٧ من ينابيعه.

(٢) سورة طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٣٢.

(٣) سورة القصص ٢٨ : ٣٥.

٦٢

واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً أخي .. الحديث (١).

ومثله ما أخرجه البزّار من إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أخذ بيد عليّ فقال : إنّ موسى سأل ربّه أن يطهّر مسجده بهارون ، وإنّي سألت ربّي أن يطهّر مسجدي بك. ثمّ أرسل إلى أبي بكر أنْ سـدّ بابك ، فاسترجع ، ثمّ قال : سمعاً وطاعة ، ثمّ أرسل إلى عمر ، ثمّ أرسل إلى العبّاس بمثل ذلك ، ثمّ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب عليّ ، ولكن الله فتح بابه ، وسـدّ أبوابكم. انتهى (٢).

وهذا القدر كافٍ لِما أردناه من تشبيه عليّ بهارون في جميع المنازل والشؤون. والسلام».

أقـول :

إنّ مـن جملة الأدلّة على إمامة أمـير المؤمنين وولايته العامّة بعد رسـول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حديث : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ... المعروف بـ : حديث المنزلة.

وقد ذكر السـيّد قبل الورود في البحث الآيات الكريمة الواردة في منازل هارون من موسى ، ثمّ شرع في البحث من الناحيتين : السـند والدلالـة (٣) ..

____________

(١) أخرجه الإمام أبو إسحاق الثعلبي عن أبي ذرّ الغفاري في تفسير قوله تعالى : (إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا) في سورة المائدة من تفسيره الكبير. ونقل نحوه المتتبّع البلخي عن مسـند الإمام أحـمد.

(٢) وهذا الحديث هو الحديث ٦١٥٦ من أحاديث الكنز ص ٤٠٨ من جزئه السادس.

(٣) وتبقى ناحية المتن ، ولم يتعرض لها السـيّد ، وذلك ـ باختصارٍ ـ أنه لمّا رأى

٦٣

فأورد في الناحية الأُولى أسماء جمعٍ كبير من أئمّة السُـنّة الرواة لهذا الحديث ، وتعرّض لتشكيك الآمدي في صحّته وأجاب عنه.

وأوضح في الناحية الثانية كيفية الاستدلال بالحديث على المدّعى ، مؤكّداً دلالته على العموم ، وعلى أنّه قد ورد في موارد كثيرة غير تبوك ، كما في كتب القوم ... فلا تبقى شبهةٌ في إفادته للعموم.

وختم البحث ببعض المشابهات الموجودة بين عليّ وهارون على ضوء الروايات.

رواته من الصحابة وكثرة طرقه وتواتره :

ذكر السـيّد ـ رحمه الله ـ أسماء عدّةٍ من رواة هذا الحديث من الصحابة ، ولم يكن بصدد الاستقصاء ، فرواته منهم في كتب القوم بالأسانيد أكثر بكثير ، خاصّةً بالنظر إلى موارد وروده ، وقد رواه الحافظ ابن عساكر عن أكثر من عشرين ؛ ولذا قال ابن كثير : «قد تقصّى ابن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة عليّ من تاريخـه ، فأجاد وأفاد ، وبرز على النظراء والأشباه والأنداد ، فرحمه ربّ العباد يوم التناد» (١).

وقال الحافظ ابن حجر : «قد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة عليّ» (٢).

وكذا القاضي أبو القاسم التنوخي ، المتوفّى سنة ٤٤٧ ـ قال الخطيب :

____________

بعضهم أنْ لا جدوى في المناقشة في السـند والدلالة ، عمد إلى التصرّف في لفظ الحديث ، وحرّف «هارون» إلى «قارون» فذكّرنا قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»!

(١) البداية والنهاية ٧ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٠.

٦٤

كتبت عنه وسمعته ، وكان محتاطاً صدوقاً في الحديث ـ في كتابٍ مفردٍ (١).

بل ذكر الحاكم الحسكاني عن شيخه أبي حازم الحافظ ، أنّه كان يقول : «خرّجته بخمسة آلاف إسناد» (٢).

بل عن غير واحدٍ من الأئمّة التصريح بأنّه من أثبت الأخبار وأصحّها ، كالحافظ ابن عبـد البرّ (٣) ، والحافظ المزي (٤).

بل عن غير واحدٍ منهم التنصيص على تواتره ، كالحاكم النيسابوري (٥) وجلال الدين السيوطي (٦) ، والشيخ علي المتّقي الهندي (٧).

وجوده في الصحيحين :

ثمّ إنّ هذا الحديث مخرَّج في كتابي البخاري ومسلم المشهورين بالصحيحين ..

قال ابن حجر : «هما أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدُّ به» (٨).

وقال جماعة من الأئمّة بأن أحاديثهما مقطوعة الصدور (٩).

وهو أيضاً في سائر الصحاح ، وفي المسانيد والمعاجم المشهورة المعتبرة عندهم ، وكذا في غيرها من كتب الحديث والتفسير والتراجم ، وقد

____________

(١) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ١ / ٧٥ الطبعة الحديثة.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ١٩٥ الطبعة الحديثة.

(٣) الاستيعاب ٣ / ١٠٩٧.

(٤) تهذيب الكمال ٢ / ٤٨٣.

(٥) مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لأبي عبـد الله الكنجي الشافعي ـ : ٢٨٣.

(٦) الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ـ حرف الألف.

(٧) قطف الأزهار المتناثرة ـ حرف الألف.

(٨) الصواعق المحرقة : ٣١ الطبعة الحديثة.

(٩) تدريب الراوي ١ / ٦٨ ؛ وغيره من كتب علم الحديث.

٦٥

ذكر السـيّد بعضها ، ولا حاجة إلى التطويل.

فيكون حديث المنزلة من الأحاديث المتواترة المقطوع بصدورها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

تشكيك الآمـدي :

لكنّهم متى كان الحديث يضرّ بمذهبهم في الخلافة حاولوا تضعيفه أو التشكيك في صـحّته ، حتّى مع كونه في الصحيحين وبطرقٍ متعدّدة!! ولذا تراهم يستندون في الجواب عن حديث المنزلة إلى تشكيك الآمدي ..

قال في شرح المواقف : «والجواب : منع صحّة الحديث كما منعه الآمدي ...» (١).

هذا ، مع علمهم بحال الآمدي ، الذي ذكر الذهبي أنّه : «قد نُفي من دمشق لسوء اعتقاده ، وصحّ أنّه كان يترك الصلاة. نسأل الله العافية» (٢).

وعجيبٌ أمر هؤلاء!!

فمتى شاءت أهواؤهم رجعوا إلى كتابي البخاري ومسلم لإثبات حديثٍ ، قائلين : هو من أحاديث الصحيحين ، أو لردّ حديثٍ ، متشبّثين بعـدم إخراج الشيخين له ، ومتى ما شاءت أهواؤهم أنْ يردّوا حديثاً ، تكلّموا فيه وشكّكوا في صحّته ، مع وجوده فيهما ، متناسين ما يزعمونه لهما من المنازل والمقامات ، في اليقظة والمنامات!!

وكذلك الاعتماد على الأشخاص والاستناد إلى أقوالهم ، فلو راجعت كتبـهم في الحديث والرجال لرأيتهم يكثرون من النقل عن عبـد الرحمن

____________

(١) شرح المواقف ٨ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٢٥٩.

٦٦

ابن خراش والأخذ بآرائه ، لكنّه لمّا قال بكذب حديث : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة» جعلوا يسبّونه سبّ الّذين كفروا (١)!!

وأيضاً تراهم يعتمدون في جرح من أرادوا جرحه على تجريحات أبي الفتح الأزدي ، فإنْ جَرَح من يريدون توثيقه قالوا : «ليت الأزدي عرف ضعف نفسـه!!» (٢).

وعلى الجملة ، فإنّهم يتّبعون الأهواء والميول في الردّ والقبول ، للأحاديث والأقوال ، ولنكتفِ بهذا القدر لضيق المجال ..

هذا كلّه في ما يتعلّق بجهة السـند.

وفي جهة الدلالة نقاط :

ظهور لفظه في العموم :

إنّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة» ظاهر في عموم المنزلة ؛ لأنّ كلمة «المنزلة» اسم جنسٍ جاء مضافاً إلى «هارون» ، ثمّ استثنى من ذلك «النبوّة» بكلمة «إلاّ» الاستثنائية ..

وقـد نصّـوا على أنّ اسـم الجنس المضاف مـن ألفاظ العمـوم ، كما لا يخفـى على من يراجع كتب الأُصول والأدب وغيرهما من العلوم ، كـ : شرح مختصر الأُصول في مبحث الصيغ الموضوعة للعموم ، وفي مباحث العموم والخصوص من شرح جمع الجوامع ، وعقد له ابن نجيم قاعدةً في كتاب الأشباه والنظائر ، وتعرّض له شرّاح المطوّل والمختصر بشرح كلام

____________

(١) راجع ترجمته في : تذكرة الحفّاظ ، سير أعلام النبلاء ، ميزان الاعتدال ٢ / ٦٠٠.

(٢) مقدّمة فتح الباري : ٤٣٠.

٦٧

التفتازاني في بيان قول الماتن : «فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب للحال والمقام» ، والنحويّون في مباحث لزوم حذف الخبر ، كما في شرح المفصّل لابن الحاجب ، وشـرح الكافية للرضي الاسترآبادي.

وأيضاً فقد نصّوا على أنّ : «معيار العموم جواز الاستثناء» ، كما لايخفى على من راجع منهاج الوصول في علم الأُصول للبيضاوي وشروحه ، وفواتح الرحموت (١).

وبهذا يتمُ المقتضي للاستدلال بهذا الحديث ، وهل من مانع؟!

ورود الحديث في موارد كثيرة :

قالوا : إنّ هذا الكلام إنّما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لدى خروجه إلى تبوك بسبب تكلّم بعض المنافقين ، فيكون قرينةً على عدم إرادة العموم ، واختصاص الاستخلاف بذلك المورد فقط ، فيسقط الاستدلال.

فأجاب السـيّد ـ رحمه الله ـ بوجهين :

الوجه الأوّل : إنّ الحديث في نفسه عامّ كما علمت ، فمورده ـ لو سلّمنا كونه خاصّاً ـ لا يخرجه عن العموم ، لأنّ المورد لا يخصّص الوارد ، كما هو مقرّر في محلّه.

قلت :

فإشكال ابن تيميّة (٢) بذلك جهلٌ أو تعصّب ، ولذا يقول التفتازاني

____________

(١) فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت ١ / ٢٩١ هامش المستصفى.

(٢) منهاج السُـنّة ٧ / ٣٢٧.

٦٨

بعد ذكر هذا الإشكال : «فربّما يدفع بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصـوص السـبب» (١)ُ.

الوجه الثاني : إنّ الحديث لم تنحصر موارده باستخلاف عليّ على المدينة في غزوة تبوك ، ليتشـبّث الخصم بتخصـيصه ... فذكر رحمه الله موارد عديدة ، مستنداً فيها إلى كتب القوم.

قلت :

وقد كتبت سابقاً رسالةً (٢) في موارد حديث المنزلة ، وصحّحت بعض أسانيدها ، وأنا ذاكرٌ هنا خلاصة تلك الرسالة :

المـورد ١ و ٢ : المؤاخاة الأُولى والثانية ؛ روى ذلك : أحمد بن حنبل (٣) ، والطبراني (٤) ، وأبو نعيم (٥) ، وابن عساكر (٦) ، وغيرهم ..

رووه عن ابن أبي أوفى ، ومحدوج بن زيد الذهلي ، وعبـد الله بن العبّـاس ، وأنس بن مالك ، وعمر بن الخطّاب ، ويعلى بن مرّة.

وسيأتي بعض الكلام على قضـيّة المؤاخاة وأنّها كانت مرّتين ، وأنّ ابن تيمـيّة كذّبها بالمرّة.

المـورد ٣ و ٤ : عند ولادة الحسـن وولادة الحسـين عليهما السلام ؛

____________

(١) شـرح المقاصـد ٥ / ٢٧٥.

(٢) مطبوعة في آخر الجزء (١٨) من كتابنا الكبير نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار.

(٣) كما في كنز العمّال ٩ / ١٦٧ ح ٢٥٥٥٤ ، وج ١٣ / ١٠٥ ح ٣٦٣٤٥.

(٤) المعجم الكبير ١١ / ٦٢ ح ١١٠٩٢.

(٥) كما في طريق ابن عساكر.

(٦) تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٢ ـ ٥٣ وص ١٦٩.

٦٩

روى ذلك : الملاّ في سيرته (١) ، ومحبّ الدين الطبري (٢) ، والخوارزمي عن البيهقي بسنده ، عن الإمام عليّ بن موسى الرضا ، عن آبائه ، عن أسماء بنت عميس (٣).

المـورد ٥ : يوم خيبر ؛ روى ذلك بالأسانيد : ابن المغازلي (٤) ، والموفّق الخوارزمي (٥) ، وأبو عبـد الله الكنجي (٦).

المـورد ٦ : عـنـد النـهـي عـن الـرقـاد فـي المسـجد ؛ روى ذلـك : ابن عساكر (٧).

المـورد ٧ : عند سدّ الأبواب ؛ روى ذلك : ابن المغازلي الشافعي (٨).

وسيأتي الكلام على حديث سـدّ الأبواب.

المـورد ٨ : يوم خرج متّكئاً على عليّ ؛ روى ذلك : المتّقي الهندي عن جماعة (٩) ، وابن عساكر (١٠) ، وغيرهم.

المـورد ٩ : في بيت أُمّ سلمة ؛ روى ذلك : الطبراني (١١) ، وابن عساكر (١٢) ، وغيرهما.

____________

(١) وسيلة المتعبّـدين ٥ / ٢٢٥.

(٢) ذخائر العقبى : ١٢٠.

(٣) مقتل الحسـين ١ / ٨٧ ـ ٨٨.

(٤) مناقب عليّ بن أبي طالب : ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(٥) مناقب عليّ بن أبي طالب : ٧٥.

(٦) كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب : ٢٦٤.

(٧) تاريخ دمشق ٤٢ / ١٣٩.

(٨) مناقب عليّ بن أبي طالب : ٢٥٥.

(٩) كنز العمّال ١٣ / ١٢٢ ح ٣٦٣٩٢.

(١٠) تاريخ دمشق ٤٢ / ١٦٦.

(١١) المعجم الكبير ١١ / ١٤ ح ١٢٣٤١.

(١٢) تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٢.

٧٠

المـورد ١٠ : فـي قضـية يرويـها أنـس بـن مـالـك ؛ روى ذلك : ابـن مردويـه (١).

المـورد ١١ : في قضية بنت حمزة عليه السلام ؛ روى ذلك : النَسائي (٢) ، وابن عساكر (٣).

المورد ١٢ : يوم غدير خمّ ؛ روى ذلك : ابن خلّكان في تاريخه (٤).

المورد ١٣ : في كلامٍ له مع عقيل ؛ روى ذلك : ابن عساكر (٥).

أقـول :

إنّ عدداً من أحاديث هذه الموارد صحيح بلا ريب ، ونحن نكتفي بواحدٍ منها ـ ومن شاء المزيد فليرجع إلى الأسانيد وإلى الرسالة التي ألَّفتها في هذا الموضوع ـ :

قال أبو القاسم الطبراني : «حدّثنا محمود بن محمّـد المروزي ، قال : حـدّثنا حامـد بن آدم ، قال : حـدّثنا جـرير ، عن ليث ، عن مجاهـد ، عن ابن عبّـاس ، قال : لمّا آخى النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بين أصحابه وبين المهاجرين والأنصار ، فلم يؤاخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم ، خرج عليّ مغضباً ، حتّى أتى جدولاً من الأرض ، فتوسّـد ذراعه ، فتسفي عليه الريح ، فطلبه النبيّ صلّى الله عليه [وآله] حتّى وجده ، فوكزه برجله فقال له :

____________

(١) وعنه في كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ١ / ٣٤٣.

(٢) خصائص أمير المؤمنين عليّ : ٨٨.

(٣) تاريخ دمشق ٤٢ / ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٤) وفيات الأعيان ٤ / ٣١٨.

(٥) تاريخ دمشق ٤١ / ١٧.

٧١

قم ، فما صلحت أنْ تكون إلاّ أبا تراب ، أغضبت علَيَّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ، ولم أُؤاخ بينك وبين أحدٍ منهم؟ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ؟!

ألا مَن أحبّك حُـفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية وحوسب بعمله في الإسلام» (١) ..

* فأمّا «الطبراني» : فهو الحافظ الإمام الثقة الغني عن الترجمة.

* وأمّا «محمود بن محمّـد المروزي» : فقد ترجم له الخطيب في تاريخه ، وذكر أنّه قدم بغداد وحدّث بها ..

قال : «روى عنه : محمّـد بن مخلد ، وعبـد الصمد بن علي الطستي ، وأبو سهل بن زياد ، وإسماعيل بن علي الخطبي ، وأبو علي بن الصوّاف أحاديث مستقيمة».

ثمّ روى عن طريقه حديثاً ، وأرّخ وفاته بسنة سـبع وتسعين (٢).

* وأمّا «حامد بن آدم» : فقد أخرج عنه الحاكم في المستدرك (٣) ، وذكره ابن حبّان في الثقات (٤) ، وقال الذهبي : مشّاه ابن عدي (٥).

هذا ، ولم يذكروا في المقابل إلاّ تكلُّم السـعدي الجوزجاني فيه ، لكنّه لا يصلح لمعارضة التوثيق ؛ لأنّ ابن عدي تعقّبه بقوله : «وحامد بن آدم هذا يروي عن عبـد الله بن المبارك ، ومحمّـد بن الفضل بن عطية ، والفضل بن موسى ، والنضر بن محمّـد ، والنضر بن شميل ، وعامّة المراوزة ..

____________

(١) المعجم الكبير ١١ / ٦٢ ح ١١٠٩٢.

(٢) تاريخ بغداد ١٣ / ٩٤.

(٣) لسان الميزان ٢ / ١٩٩ ، الطبعة الحديثة.

(٤) الثقات ٨ / ٢١٨.

(٥) المغني ١ / ٢٢٩.

٧٢

ولم أرَ في حديثه إذا روى عن ثقة شيئاً منكراً ، وإنّما يؤتى ذلك إذا حدَّث عن ضـعيف» (١) .. هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّ السـعدي الجوزجاني لا يعتمدون على تجريحاته ، كما نصّ عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره.

هذا ، ولم يذكر الرجل في شيء من كتب الضعفاء والمتروكين للنَسائي والبخاري والدار قطـني ، وأورده الذهـبي في المغـني (٢) فلم يذكر إلاّ قدح الجوزجاني ، وقد عرفت ما فيه.

والظاهر وقوع الخلط على ابن حجر بينه وبين رجلٍ آخر ، فليتأمّل.

وعلى الجملة ، فهذا القدر يكفينا للاحتجاج على ضوء القواعد المقررّة.

* وأمّا «جرير» و «ليث» و «مجاهد» : فأئمّة أعلام عندهم بلا خلاف بينهم.

وتلخّص :

أوّلاً : إنّ حديث المنزلة صحيح سنداً ، بل هو من أشهر الأحاديث المتواترة عن رسول الله ، فالطعن في سنده تعصُّـب.

وثانياً : إنّه ناظرٌ إلى الآيات الواردة في منازل هارون من موسى ، وهي : «الأُخوّة» (٣) و «الوزارة» (٤) و «القرابة القريبة» (٥) و «الخلافة» (٦)

____________

(١) الكامل في الضعفاء ـ لابن عدي ـ ٣ / ٤٠٩.

(٢) المغني ١ / ٢٢٩.

(٣) سورة مريم ١٩ : ٥٣.

(٤) سورة طـه ٢٠ : ٢٩ ، سورة الفرقان ٢٥ : ٣٥ ، سورة القصص ٢٨ : ٣٤.

(٥) سورة طـه ٢٠ : ٢٩ و ٣٠.

(٦) سورة الأعراف ٧ : ١٤٢.

٧٣

و «شـدّ الأزر» (١).

وثالثاً : إنّ لفظه ظاهر في عموم المنزلة ؛ لاشتماله على «اسم الجنس المضاف» وعلى «الاستثناء» وهو معيار العموم ، كما نصّ عليه الأئمّة منهم في مختلف العلوم.

ورابعاً : إنّه وارد في موارد متعدّدة ، كما في كتب القوم المشهورة ، وبعضها صحيح سنداً بلا إشكال ، استناداً إلى كتبهم في التراجم والرجال.

وبذلك تفنّد جميع المكابرات ، في السـند بدعوى ضعفه ـ كما عن الآمدي ـ أو في الدلالة ـ كما عن ابن تيميّة ـ بدعوى كونه مجرّد تشبيه بين عليّ وهارون ، أو أنّـه وارد في خصـوص تـبوك ، وإذا كان مـورده خاصّاً فلا يبقى له عموم!!

بل يدّعي بعضهم ـ زوراً وبهتاناً ـ اتّفاق العلماء على أنّ النبيّ لم يتكلّم بحديث المنزلة إلاّ مرّةً واحدةً وذلك في غزوة تبوك!! وكأنّ الّذين نقلنا عنهم الموارد ليسوا من علمائهم بل هم من جهّالهم!!

فانظر كيف يسوقهم العناد مع الحقّ إلى الكذب وإلى سوء الأدب والافتراء على أكابر علمائهم أيضاً!! والطعن في أعلام التابعين ومشاهير رواة الحديث!!

وعلى الجمـلة ، فعلماؤهـم الكبار يروون الموارد التي ذكرها السـيّد ـ والمـوارد الأُخـرى التي أضفناها إليها ـ في كتبهم المعروفة المشهورة ، وبأسانيد كثيرة ، فإذا كانوا كاذبين على الله ورسوله فما ذنبنا؟!!

ولكنّ الذي يتّهم العلماء بذلك هو ابن تيميّة وأتباعه ، وقد انتقد هذه

____________

(١) سورة طـه ٢٠ : ٣١.

٧٤

الطريقة منه علماء السُـنّة الكبار حتّى من اشتهر منهم بالتعصّب كالذهبي ، وابن حجر العسقلاني ..

يقول ابن حجر ـ بترجمة ابن تيميّة ـ : «استشعر أنّه مجتهد ، فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم ، قديمهم وحديثهم» ، قال : «كان إذا حوقق وأُلزم يقول : لم أرد هذا وإنّما أردت كذا. فيذكر احتمالاً بعيداً» ، قال : «وافترق الناس فيه شيعاً ، فمنهم من نسبه إلى التجسيم ومنهم من نسبه إلى الزندقة ، ومنهم من نسبه إلى النفاق» ، قال : «وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر ، ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد ... وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص عليّ رضـي الله عنه» (١).

هذا ، في حين أنّه يدافع عن معاوية ، فينكر أن يكون باغياً على أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه قد أمر بسبّه على المنابر ، ويزعم أنّ الحديث الذي دار بين معاوية وسـعد بن أبي وقّاص المخرّج في صحيح مسلم وغيره ، لا يدلّ على أنّه كان يأمر بلعن الإمام عليه السلام؟!

وعلى الجملة ، فالخطاب في بحوثنا هذه موجّه إلى المسلمين المنصفين ، الّذين يريدون التحقيق في أُمور الدين ، وليس الكلام مع المنافقين الحاقدين على أمير المؤمنين وأهل بيت النبيّ الطاهرين.

قرائن داخليـة :

بقي الكلام في قرائن في داخل ألفاظ حديث المنزلة ، تقوّي دلالته

____________

(١) راجع : الدرر الكامنة ١ / ١٥٠ ، ولسان الميزان ٦ / ٣١٩ ، كلاهما للحافظ ابن حجر العسقلاني.

٧٥

على الإمامة العامّة لعليٍّ بعد رسول الله ، ومنها :

١ ـ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في بعض الألفاظ ـ لعليّ : «لا بُدّ أن أُقيم أو تقيم».

وهذا في رواية ابن سـعد (١) ، وقال الحافظ ابن حجر : «إسناده قوي» (٢).

٢ ـ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم له ـ في بعض الألفاظ ـ : «إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك».

وهذا في رواية جماعة من الأئمّة ، منهم الحاكم في كتاب التفسير من مستدركه ، وقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» (٣).

٣ ـ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم له ـ في بعض الألفاظ ـ : «لك من الأجر مثل ما لي ، وما لك من المغنم مثل ما لي».

وهذا في رواية جماعة أيضاً ، منهم الحافظ محبّ الدين الطبري (٤).

٤ ـ قولـه صلّى الله علـيه وآله وسلّم لـه ـ في بـعض الألفاظ ـ : «إنّـه لا ينبغي أنّ أذهب إلاّ وأنت خليفتي».

وهـذا فـي روايـة جـماعـةٍ كبـيرة مـن الأئمّـة ، كأحمـد بن حنـبل ، وأبي يعلى ، والحاكم ، وابن عساكر ، وابن كثير ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي ، والمتّقي الهندي ، وغيرهم (٥).

____________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٢٤.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٠.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٣٧.

(٤) الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة ٢ / ١١٩.

(٥) راجع : مسند أحمد ١ / ٣٣١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ، الرياض النضرة ٢ / ١٧٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٣٨ ، الإصابة ٤ / ٢٧٠ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٦.

٧٦

٥ ـ تمنّي عمر وسعد لأن تكون لهما هذه المنزلة.

روى ذلك عن عمر : الحاكم النيسابوري ، وأبو بكر الشيرازي ، والزمخشري ، وابن النجّار ، ومحبّ الدين الطبري ، والسيوطي ، والمتّقي الهندي (١). أمّا ابن تيميّة فيقول : «هذا كذب»!!

وأمّا الأعور الواسطي فيقول : «إنّ عمر لو عقل ما تمنّى هذا التمنّي»!!

لكنّ سـعد بن أبي وقّاص أيضاً تمنّى ذلك.

ومن رواته : ابن جرير الطبري ، وعنه المتّقي الهندي (٢).

٦ ـ وقد استدلَّت الصـدّيقة الطاهـرة فاطمة الزهـراء بحديث المنزلة ، في كلامٍ لها مع الناس (٣).

٧ ـ وقالت الهاشمية أروى بنت الحارث بن عبـد المطّلب في كلامٍ لها مع معاوية : «كنّا ـ أهل البيت ـ أعظم الناس في هذا الدين بلاءً ، حتّى قبض الله نبيّه مشكوراً سعيه ، مرفوعاً منزلته ، فوثبت علينا بعده بنو تيـم وعدي وأُميّة ، فابتزّونا حقّنا ، ولّيتُم علينا تحتجّـون بقرابتكم من رسول الله ونحن أقرب إليه منـكم وأوْلى بهذا الأمر ، وكنّا فيكم بمنزلة بني إسـرائيل في آل عمـران ، وكان عليّ بن أبي طالب بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسـى» (٤).

هذا تمام الكلام في حديث المنزلة ، وكيفية الاستدلال به على إمامة

____________

(١) راجع : الرياض النضرة ٢ / ١١٨ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٢ ، وغيرهما.

(٢) كنز العمّال ١٣ / ١٦٢.

(٣) أسنى المطالب بمناقب عليّ بن أبي طالب ـ للحافظ ابن الجزري الشافعي ـ : ٥٠ ـ ٥١.

(٤) العقد الفريد ٢ / ١١٩ ، تاريخ أبي الفداء ١ / ١٨٨ ، وغيرهما.

٧٧

أمير المؤمنين عليه السلام ودفع الشبهات عنه ..

هـذا ، ولولا تمامـية دلالتـه على الإمامـة العامّة لعليّ بعد رسول الله لَما اضطرّ بعضهم إلى أن يضع عنه : «أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى» فإنّه ـ في الحقيقة ـ إقرار بالدلالة مع صـحّة السند ، وردّ على جميع المعترضـين.

ثمّ إنّ السـيّد ـ رحمه الله ـ تعرّض هنا لحديث المؤاخاة وحديث سـدّ الأبواب ، بمناسبة اشتمال بعض ألفاظهما على حديث المنزلة ، فذكر جملةً من موارد تنصيص النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على الأُخوّة بينه وبين أمـير المؤمنـين ، كما في كتب السُـنّة ، وألفاظاً مـن حـديث سـدّ الأبواب إلاّباب عليّ ، ونحن نوضّـح الكلام في هذين الحديثـين بنحو الإيجاز :

حديث المؤاخـاة :

ذكر السـيّد ـ رحمه الله ـ أنّ المؤاخاة كانت مرّتين ، وأنّ النبيّ في كلتا المرّتـين اصـطفى لنفسه منهم عليّاً واتّخـذه من دونهم أخاً ، ثمّ روى عن كنز العمّال أنّ المؤاخاة الأُولى أخرجـها أحـمد في كتاب مناقب عليّ ، وابن عساكر في تاريخـه ، والبغوي والطبراني في معجميهما ، والباوردي في كتاب المعرفة ، وابن عدي ، وغيرهم ..

وروى عن كنز العمّال أيضاً أنّ الثانية رواها الطبراني في المعجم الكبير.

ثمّ أورد أحاديث أُخرى عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصف فيها عليّاً بالأُخوّة ، عن مصادر كثيرة من كتب القوم.

٧٨

فقيـل :

أمّا الأحاديث التي زعمها يوم المؤاخاة الأُولى ، فالجواب عليها من وجوه :

١ ـ إنّه لم ينقل لنا حديثاً واحداً منها ..

٢ ـ إنّ المؤاخاة الأُولى ـ والتي كانت بين المهاجرين بعضهم مع بعض من جهة ، وبين الأنصار بعضهم مع بعضٍ ـ لم تثبت في كتابٍ من كتب السُـنّة الصحيحة ، ولم تخرج حديثاً واحداً فيها ، وإنّما جاء ذلك في كتب السير والمغازي ، من طريق محمّـد بن إسحاق بن يسار ، وقد اختلف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به ، فوثّقه بعضهم ووهّاه آخرون .. وبسبب ذلك ، فقد اختلف العلماء في صحّة المؤاخاة الأُولى ، قال ابن تيميّة رحمه الله : ... كلّ ما روي في ذلك باطل.

وقال ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ منكراً على ابن تيميّة قوله هذا ، ومثبتاً صحّة المؤاخاة الأُولى بين المهاجرين بعضهم مع بعض : وأنكر ابن تيميّة في كتاب الردّ على ابن المطهّر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبيّ لعليّ ... وهذا ردّ للنصّ بالقياس.

إنّ ابن حجر ـ رحمه الله ـ قسا على ابن تيميّة ..

٣ ـ إنّ المؤاخاة بين النبيّ وعليّ بن أبي طالب متفرّعة عن أصل المؤاخاة بين المهاجرين ، فإذا عدم الأصل عدم الفرع.

للبحـث صـلة ...

٧٩

عـدالة الصـحابة

(٧)

الشيخ محمد السند

قد تبيّن ممّا مرّ كراراً أنّ البحث في عنوان عدالة الصحابة غير عاكس لحقيقة البحث بصورة عامّة ، بل الحقيقة هو البحث عن أصحاب السقيفة ، الذين بايعوا أبا بكر دون عامّة الأنصار ، والذين خالفوا البيعة تبعاً لسعد بن عبادة ، ودون بني هاشم ، وكذا من والى عليّاً عليه السلام ممّن ذكرنا أسمائهم في الحلقات السابقة ، كما أنّ البحث ليس في الصحبة للنبيّ الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ، وأنّما البحث الجاري في مشروعية ما أُقيم وأُسّس في السقيفة من نهج الخلافة وما تبع ذلك من النهج الأُموي والمرواني كل ذلك إقصاءً لعترة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

ورغم الوعي بهذه الحقيقة فمسايرة مع عنوان البحث نتابع النقطة التالية :

من موازين التعديل والجرح في الصحابي :

المودّة للعترة أو نصب العداوة لهم :

وذلك لكون المودّة فريضة قرآنية كبرى أوجبها الله تعالى على كلّ مسلم وعظّمها في الذكر الحكيم ، قال تعالى : (والذين آمنوا وعملوا

٨٠