أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري
المحقق: علي محمد البجاوي ومحمد ابوالفضل ابراهيم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨
وقال ذو الرمة (١) :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل |
|
وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم (٢) |
وقال بعض المتأخرين (٣) :
أريقك أم ماء الغمامة أم خمر
وقلت :
أغرّة إسماعيل أم سنّة البدر |
|
وفيض ندى كفّيه أم باكر القطر |
وقلت أيضا :
أثغر ما أرى أم أقحوان |
|
وقد ما بدا أم خيزران |
وطرف ما تقلّب أم حسام |
|
ولفظ ما تساقط أم جمان |
وشوق ما أكابد أم حريق |
|
وليل ما أقاسى أم زمان |
وقال ابن المعتز (٤) :
كم ليلة عانقت فيها بدرها |
|
حتّى الصباح موسّدا كفّيه |
وسكرت لا أدرى أمن خمر الهوى |
|
أم كأسه أم فيه أم عينيه |
وقال أعرابى :
أيا شبه ليلى ما لليلى مريضة |
|
وأنت صحيح إنّ ذا لمحال |
أقول لظبى مرّ بى وهو راتع |
|
أأنت أخو ليلى؟ فقال : يقال! |
__________________
(١) معجم البلدان ٣ : ١١٩ ، معاهد التنصيص ٣ : ١٦٧.
(٢) الوعساء : الرابية من الرمل ، وجلاجل : جبل من جبال الدهناء : والنقا : القطعة المحدودبة من الرمل.
(٣) هو المتنبى ، ديوانه ٢ : ١٢٣ ، وبقيته :
بفى برود وهو فى كبدى جمر
(٤) ديوان المعانى ١ : ٢٣٧.
الفصل الرابع والعشرون
فى الاستطراد
الاستطراد |
وهو أن يأخذ المتكلّم فى معنى ، فبينا يمرّ فيه يأخذ فى معنى آخر ؛ وقد جعل الأول سببا إليه ؛ كقول الله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) ، فبينا يدلّ الله سبحانه على نفسه بإنزال الغيث واهتزاز الأرض بعد خشوعها قال : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى) فأخبر عن قدرته على إعادة الموتى بعد إفنائها وإحيائها بعد إرجائها ، وقد جعل ما تقدّم من ذكر الغيث والنبات دليلا عليه ، ولم يكن فى تقدير السامع لأوّل الكلام ، إلا أنّه يريد الدلالة على نفسه بذكر المطر ، دون الدّلالة على الإعادة ، فاستوفى المعنيين جميعا.
مثاله من المنظوم |
ومثاله من المنظوم قول حسان (١) :
إن كنت كاذبة الّذى حدّثتنى |
|
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ترك الأحبة أن يقاتل عنهم (٢) |
|
ونجا برأس طمّرة ولجام (٣) |
وذلك أن الحارث بن هشام فرّ يوم بدر عن أخيه أبى جهل ، وقال يعتذر (٤) :
الله يعلم ما تركت قتالهم |
|
حتى علوا فرسى بأشقر مزبد |
وعلمت أنّى إن أقاتل واحدا |
|
أقتل ولا يضرر (٥) عدوّى مشهدى |
وشممت ريح الموت من تلقائهم |
|
فى مأزق والخيل لم تتبدّد |
فصددت عنهم والأحبّة فيهم |
|
طمعا لهم بعقاب يوم مرصد (٦) |
وهذا أول من اعتذر من هزيمة رويت عن العرب.
__________________
(١) ديوانه ٩٥ وسيرة ابن هشام ٣ : ٣٨٣ ، إعجاز القرآن للباقلانى ٩٣.
(٢) فى الديوان : «دونهم».
(٣) الطمر ، بتشديد الراء : الفرس الجواد ، وقيل : المستفز للوثب ، والأنثى طمرة.
(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٨٥.
(٥) فى السيرة : «ينكى».
(٦) فى السيرة : «مفسد».
ومن الاستطراد قول السموأل (١) :
وإنا أناس لا نرى القتل سبة |
|
إذا ما رأته عامر وسلول |
فقوله : «إذا ما رأته عامر وسلول» استطراد.
وقال الآخر :
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه |
|
فليس به بأس وإن كان من عكل |
وقول زهير (٢) :
إن البخيل ملوم حيث كان ول |
|
كنّ الجواد على علّاته (٣) هرم |
ومن ظريف الاستطراد قول مسلم :
أجدك ما تدرين أن ربّ ليلة |
|
كأنّ دجاها من قرونك ينشر |
لهوت بها حتى تجلّت بغرّة |
|
كغرّة يحيى حين يذكر جعفر |
وقال أبو تمام (٤) :
وسابح هطل التّعداء هتّان |
|
على الجراء أمين غير خوّان |
أظمى الفصوص ولم تظمأ (٥) عرائكه |
|
فخلّ عينيك فى ظمآن ريّان |
فلو تراه مشيحا والحصى زيم (٦) |
|
تحت السّنابك من مثنى ووحدان |
أيقنت ـ إن لم تثبّت ـ أن حافره |
|
من صخر تدمر أو من وجه عثمان |
فبينا يصف قوائم الفرس خرج إلى هجاء عثمان ؛ وهو من قول الأعرابى : لو صكّ بوجهه الحجارة لرضّها ، ولو خلا بالكعبة لسرقها.
ومثله قول ابن المعتز :
لو كنت من شيء خلافك لم تكن |
|
لتكون إلا مشجبا فى مشجب |
يا ليت لى من جلد وجهك رقعة |
|
فأقدّ منها حافرا للأشهب |
__________________
(١) ديوان الحماسة ١ : ٢٨ ، الباقلانى ٩٢.
(٢) ديوانه ١٥٢.
(٣) على علاته : على يسره وعسره.
(٤) إعجاز القرآن للباقلانى : ٩٣.
(٥) فى الإعجاز : «قوائمه».
(٦) فى الإعجاز : «فلق».
وقول البحترى فى الفرس (١) :
ما إن يعاف قذى ولو أوردته |
|
يوما خلائق حمدويه الأحول |
وقال مسلم :
وأحببت من حبها الباخلى |
|
ن حتى ومقت ابن سلم سعيدا |
إذا سيل عرفا كسا وجهه |
|
ثيابا من البخل زرقا وسودا |
يغار على المال فعل الجواد |
|
وتأبى خلائقه أن يجودا |
وقال بشار (٢) :
خليليّ من كعب أعينا أخاكما |
|
على دهره إن الكريم معين |
فلا تبخلا بخل ابن قزعة إنه |
|
مخافة أن يرجى نداه حزين |
إذا جئته فى الخلق أغلق بابه |
|
فلم تلقه إلّا وأنت كمين |
وقوله (٣) :
فما ذرّ قرن الشمس حتى كأننا |
|
من الغىّ نحكى أحمد بن هشام |
وقريب منه قول البحترى :
إذا عطفته الريح قلت التفاتة |
|
لعلوة فى جاديّها المتعصفر |
وهذا الباب يقرب من باب حسن الخروج ، وقد استقصيناه فى آخر الكتاب.
ومن الاستطراد ما قلته :
انظر إلى قطر السماء ووبلها |
|
ودنوّ نائلها وبعد محلّها |
وشمول ما نشرته من معروفها |
|
فانبثّ فى حزن البلاد وسهلها |
بل ما يروعك من وفور عطائها |
|
وعلوّ موضعها ولذّة ظلها |
انظر بنى زيد فإن محلّهم |
|
من فوقها وعطاؤهم من قبلها |
ومن الاستطراد ضرب آخر ، وهو أن يجيء بكلام يظن أنه يبدأ فيه بزهد وهو يريد غير ذلك ؛ كقول الشاعر :
يا من تشاغل بالطّلل |
|
أقصر فقد قرب الأجل |
واصل غبوقك بالصّبو |
|
ح وعدّ عن وصف الملل |
__________________
(١) إعجاز القرآن للباقلانى : ٩٣.
(٢) إعجاز القرآن : ٩٢.
(٣) إعجاز القرآن : ٩٣.
الفصل الخامس والعشرون
فى جمع المؤتلف والمختلف
مثاله من القرآن |
وهو أن يجمع فى كلام قصير أشياء كثيرة مختلفة أو متفقة ؛ كقول الله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ).
وقوله عزّ اسمه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ).
مثاله من النثر |
ومثاله من النثر ما كتب به الشيخ أبو أحمد : فلو عاش حتى يرى ما منينا به من وغد حقير ، نقير ، نذل ، رذل ، غثّ ، رثّ ، لئيم ، زنيم ، أشحّ من كلب ، وأذلّ من نقد ، وأجهل من بغل ، سريع إلى الشر ، بطىء عن الخير ، مغلول عن الحمد ، مكتوف عن البذل ، جواد بشتم الأعراض ، سخى بضرب الأبشار ، لجوج ، حقود ، خرق ، نزق ، عسر ، نكد ، شكس ، شرس ، دعىّ ، زنيم ؛ يعتزى إلى أنباط سقّاط ، أهل لؤم أعراق ، ورقة أخلاق ، وينتمى إلى أخبث البقاع ترابا ، وأمرّها شرابا ، وأكمدها ثيابا ؛ فهو كما قال الله تعالى : (وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً).
ثم كما قال الشاعر :
نبطى آباؤه لم يلده |
|
ذو صلاح ولم يلد ذا صلاح |
معشر أشبهوا القرود ولكن |
|
خالفوها فى خفّة الأرواح |
مثاله من المنظوم |
ومن المنظوم قول امرئ القيس (١) :
سماحة ذا وبرّ ذا ووفاء ذا |
|
ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر |
__________________
(١) ديوانه : ١٢٨.
وقوله (١) ـ وقد جمع أوصاف الدمع من كثرته وقلته :
فدمعهما سكب وسحّ وديمة |
|
ورشّ وتوكاف وتنهملان (٢) |
وما جمع من أنواع المكروه فى بيت كما جمع ابن أحمر (٣) :
نقائذ برسام وحمى وحصبة |
|
وجوع وطاعون وفقر ومغرم (٤) |
وقال سويد بن خذاق (٥) :
أبى القلب أن يأتى السّدير وأهله |
|
وإن قيل عيش بالسّدير (٦) غزير |
بها البقّ والحمّى وأسد خفية |
|
وعمرو بن هند يعتدى ويجور (٧) |
وقال أبو داود (٨) :
حديد القلب والناظ |
|
ر والعرقوب والكعب |
عريض الصدر والجبه |
|
ة والصّهوة والجنب |
جواد الشّدّ والتّقري |
|
ب والإحضار والعقب |
وقال دريد :
سليم الشّظى عبل الشّوى شنج النّسا |
|
طوال القرا نهد أسيل المقلد (٩) |
وقال ابن مطير (١٠) :
بسود نواصيها وحمر أكفها |
|
وصفر تراقيها وبيض خدودها |
وقال أوس بن حجر :
يشيعها فى كل هضب ورملة |
|
قوائم عوج مجمرات مقاذف |
__________________
(١) ديوانه : ١٢٤.
(٢) قال أبو بكر البطليوسى : «عطف الفعل على المصدر لقوة شبه الفعل بالمصدر».
(٣) الشعر والشعراء : ٣١٨.
(٤) النقائذ : جمع نقيذة ، وأصلها فى الخيل ما أنقذته من العدو.
(٥) الشعر والشعراء : ٣٤٧.
(٦) السدير : موضع بالحيرة.
(٧) الخفية : غيضة ملتفة ، يتخذ الأسد عرينه فيها.
(٨) أمالى القالى : ٢ ـ ٢٥٠ ، واللآلى : ٧٨٩ ، مع اختلاف فى الرواية وعدد الأبيات.
(٩) الشظى : جمع شظية ، وهى عظم الساق. والشوى : الأطراف. والعبل : الضخم. وشنج النسا : متقبضه. والنسا : عرق فى الفخذ. والقرا : وسط الظهر.
(١٠) ديوان الحماسة : ٢ ـ ٦٥.
توائم ألّاف توال لواحق |
|
سواه لواه مزبدات خوانف |
مزبدات : خفاف. خوانف : تهوى بأيديها إلى ضبعها.
من أشعار المحدثين |
ومن أشعار المحدثين قول أبى تمام (١) :
غدا الشيب مختطا بفودىّ خطة |
|
سبيل الرّدى منها إلى النفس مهيع |
هو الزور يجفى والمعاشر يجتوى |
|
وذو الإلف يقلى والجديد يرقّع |
وقوله (٢) :
كالغصن فى القدّ والغزالة فى ال |
|
بهجة وابن الغزال فى غيده |
وقوله (٣) :
رب خفض تحت السّرى وغناء |
|
من عناء ونضرة من شحوب |
وقول ابن المعتز :
والله ما أدرى بكنه صفاته |
|
ملك القلوب فأوبقت فى أسره |
أبوجهه أم شعره أم ثغره |
|
أم نحره أم ردفه أم خصره |
وقول أبى تمام (٤) :
فى مطلب أو مهرب أو رغبة |
|
أو رهبة أو موكب أو فيلق |
وقول البحترى :
بحلّ وعقد وحزم وفصل |
|
ونبل وبذل وبأس وجود |
وقلت :
حليف علاء ومجد وفخر |
|
وبأس وجود وخير وخير |
وقال أبو تمام (٥) :
يروعك أن تلقاه فى صدر فيلق |
|
وفى نحر أعداء وفى قلب موكب |
__________________
(١) ديوانه : ١٩٠.
(٢) ديوانه : ٩١.
(٣) ديوانه : ٣٦.
(٤) ديوانه : ٢١٢.
(٥) ديوانه : ٢٤ ، والرواية فيه :
يهولك أن تلقاه صدرا لمحفل |
|
ونحرا لأعداء وقلبا لموكب |
وقلت :
وما هو إلا المزن يصفو ظلاله |
|
ويعلو مبواه ويبكر هاطله |
وقلت :
أنت الربيع الغضّ رقّ نسيمه |
|
واخضر روضته وطاب غمامه |
وقلت :
فتى لم نزنه بالقوافى وإنّما |
|
حططنا إليه كى يزين القوافيا |
من الغرّ لا حوا أشمسا ومضوا ظبى |
|
وصالوا أسودا واستهلّوا سواريا |
وقلت :
يسبيك منه مفلّج ومضرّج |
|
ومقوّم ومعوّج ومهفهف |
الفصل السادس والعشرون
فى السلب والإيجاب
السلب والإيجاب |
وهو أن تبنى الكلام على نفى الشىء من جهة ، وإثباته من جهة أخرى ، أو الأمر به فى جهة ، والنهى عنه فى جهة وما يجرى مجرى ذلك ؛ كقول الله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً).
مثاله من القرآن |
وقوله تعالى : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ).
وقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً).
مثاله من النثر |
ومثاله من النثر قول رجل ليزيد بن المهلب : قد عظم قدرك من أن يستعان بك ، أو يستعان عليك ؛ ولست تفعل شيئا من المعروف ، إلا وأنت أكبر منه ، وهو أصغر منك ، وليس العجب من أن تفعل ، وإنما العجب من ألّا تفعل. وقول الشّعبىّ للحجاج : لا تعجب من المخطئ كيف أخطأ ، واعجب من المصيب كيف أصاب.
وأخبرنا أبو أحمد ، قال : حدثنا ابن الأنبارى ، قال : حدثنا أبى عن بعض أصحابه عن العتبى ، قال : قيل لبعض العلماء : إن صاحبنا مات وترك عشرة آلاف ، فقال : أما العشرة آلاف فلا تترك صاحبكم.
وقال بعض الأوائل : ليس معى من فضيلة العلم إلا أنى أعلم أنى لا أعلم.
من المنظوم |
ومن المنظوم قول امرئ القيس (١) :
هضيم الحشا لا يملأ الكف خصرها |
|
ويملأ منها كل حجل ودملج (٢) |
وقال السموأل (٣) :
وننكر إن شئنا على الناس قولهم |
|
ولا ينكرون القول حين نقول |
__________________
(١) الصحيح أنه للشماخ ، ديوانه : ٦.
(٢) الحجل : الخلخال. والدملج ، المعضد من الحلى.
(٣) ديوانه الحماسة : ١ ـ ٣١.
وقال :
لا يعجبان بقول الناس عن عرض |
|
ويعجبان بما قالا وما سمعا |
وقال آخر :
خفيف الحاذ نسّال الفيافى |
|
وعبد للصحابة غير عبد |
وقال الأعشى :
صرمت ولم أصرمكم وكصارم |
|
أخ قد طوى كشحا وآب ليذهبا |
وقال آخر :
حتى نجا من خوفه وما نجا
ومن شعر المحدثين قول البحترى (١) :
فابق عمر الزّمان حتى نؤدى |
|
شكر إحسانك الذى لا يؤدى |
وقال أبو تمام (٢) :
إلى سالم الأخلاق من كل عائب |
|
وليس له مال على الجود سالم |
وقال آخر (٣) :
أبلغ أخانا تولى الله صحبته |
|
أنى وإن كنت لا ألقاه ألقاه |
الله يعلم أنى لست أذكره |
|
وكيف يذكره من ليس ينساه |
وقال آخر :
هى الدرّ منثورا إذا ما تكلمت |
|
وكالدرّ منظوما إذا لم تكلّم |
تعبّد أحرار القلوب بدّلها |
|
وتملأ عين الناظر المتوسّم |
وقال آخر :
ثقى بجميل الصّبر منى على الدهر |
|
ولا تثقى بالصّبر منى على الغدر |
ولست بنظّار إلى جانب الغنى |
|
إذا كانت العلياء فى جانب الفقر |
__________________
(١) ديوانه : ١ ـ ١٢٨.
(٢) ديوانه : ٢٨٦.
(٣) عيون الأخبار : ٣ ـ ١٧ ، من أبيات ثلاثة ، نسبها إلى على بن الجهم.
وقال أبو تمّام (١) :
خليلىّ من بعد الجوى والأسى قفا |
|
ولا تقفا فيض الدموع السواجم |
وقلت :
أفى هذه الأيام زدت ولم تزد |
|
سناء تعالى فيه قدرك عن قدرى |
وقلت :
أخو عزائم لا تفنى عجائبها |
|
والدّهر ما بينها تفنى عجائبه |
تقضى مآربه من كل فائدة |
|
لكن من المجد ما تقضى مآربه |
__________________
(١) ديوانه : ٣٨٥.
الفصل السابع والعشرون
فى الاستثناء
الاستثناء على ضربين |
مثال الضرب الأول |
والاستثناء على ضربين ؛ فالضرب الأول هو أن تأتى معنى تريد توكيده والزيادة فيه فتستثنى بغيره ؛ فتكون الزيادة التى قصدتها ، والتوكيد الذى توخيته فى استثنائك ؛ كما أخبرنا أبو أحمد ، قال : أخبرنى أبو عمر الزاهد ، قال : قال أبو العباس : قال ابن سلام ، لجندل بن جابر الفزارى (١) :
فتى كملت أخلاقه غير أنّه |
|
جواد فما يبقى من المال باقيا |
فتى كان فيه ما يسرّ صديقه |
|
على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا |
فقال هذا استثناء ، فتبين هذا الاستثناء لهم ؛ كما قال النابغة (٢) :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
ومثله قول أبى تمام (٣) :
تنصّل ربّها من غير جرم |
|
إليك سوى النصيحة فى الوداد |
وقلت :
ولا عيب فيه غير أن ذوى الندى |
|
خساس إذا قيسوا به ولئام |
الضرب الآخر ومثاله |
والضرب الآخر استقصاء المعنى والتحرز من دخول النقصان فيه ، مثل قول طرفة (٤) :
فسقى ديارك غير مفسدها |
|
صوب الربيع وديمة تهمى |
وقول الآخر :
فلا تبعدن إلا من السوء إننى |
|
إليك وإن شطّت بك الدار نازع |
__________________
(١) الشعر للنابغة الجعدى ، إعجاز القرآن للباقلانى : ٩٤.
(٢) ديوانه : ٦.
(٣) ديوانه : ٨١.
(٤) ديوانه : ٦٢.
وقال الربيع بن ضبع :
فنيت ولا يفنى صنيعى ومنطقى |
|
وكل امرئ إلا أحاديثه فان |
وقال أعرابى يصف قوسا :
خرقاء إلّا أنها صناع
وقال آخر فى الخيل :
منها الدّجوجىّ ومنها الأرمك (١) |
|
كالليل إلّا أنها تحرّك |
__________________
(١) الدجوجى : الشديد السواد ، الأرمك : اللون الذى يخالط غبرته سواد.
الفصل الثامن والعشرون
فى المذهب الكلامى
جعله عبد الله بن المعتزّ الباب الخامس من البديع (١) ، وقال : ما أعلم أنّى وجدت شيئا منه فى القرآن. وهو ينسب إلى التكلّف ، فنسبه إلى التكلّف وجعله من البديع.
مثال من النثر |
ومن أمثلة هذا الباب قول أعرابى لرجل : إنى لم أضر وجهى عن الطلب إليك قصر نفسك عن ردى (٢) ، فضعنى من كرمك ، بحيث وضعت نفسى من رجائك.
وقول أبى الدرداء : أخوف ما أخاف أن يقال لى : عملت فما عملت؟ وقول طاهر ابن الحسين للمأمون : يا أمير المؤمنين ؛ يحفظ على من قلبك ، ما لا أستعين على حفظه إلّا بك. وقال بعض الأوائل : لو لا أنّ قولى لا أعلم [تثبيت](٣) لأنى أعلم لقلت : لا أعلم. وقال آخر : لو لا العمل لم يطلب العلم ، ولو لا العلم لم يكن عمل ؛ ولأن أدع الحق جهلا به أحب إلىّ أن أدعه زهدا فيه.
وأنشد عبد الله قول الفرزدق (٤) :
لكل امرئ نفسان : نفس كريمة |
|
وأخرى يعاصيها الهوى فيطيعها |
ونفسك من نفسيك تشفع للندى |
|
إذا قلّ من أحرارهن شفيعها |
وأنشد لإبراهيم بن المهدى يعتذر للمأمون (٥) :
البرّ بى منك وطّأ العذر عندك لى |
|
فما فعلت فلم تعذل ولم تلم |
وقام علمك بى فاحتج عندك لى |
|
مقام شاهد عدل غير متّهم |
وأنشد (٦) :
إنّ هذا يرى ـ ولا رأى لل |
|
أحمق ـ إنى أعده إنسانا |
ذاك بالظنّ عنده وهو عندى |
|
كالذى لم يكن وإن كان كانا |
ومثله :
أما يحسن من يحسن |
|
أن يغضب أن يرضى |
أما يرضى بأن صرت |
|
على الأرض له أرضا |
__________________
(١) كتاب البديع : ١٠١
(٢) هكذا بالأصول
(٣) زيادة من ا
(٤) العمدة : ٢ ـ ٧٥ ، البديع لابن المعتز : ١٠١.
(٥) البديع : ١٠٢ ، العمدة : ٢ ـ ٧٦.
(٦) هو أبو نواس ، البديع : ١٠٢.
الفصل التاسع والعشرون
فى التشطير
التشطير |
وهو أن يتوازن المصراعان والجزءان ، وتتعادل أقسامهما مع قيام كل واحد منهما بنفسه ، واستغنائه عن صاحبه.
مثاله من النثر |
فمثاله من النثر قول بعضهم : من عتب على الزمان طالت معتبته ، ومن رضى عن الزمان طابت معيشته. وقول الآخر : الجود خير من البخل ، والمنع خير من المطل. وقول الآخر : رأس المداراة ترك المماراة ، فالجزآن من هذه الفصول متوازنا الألفاظ والأبنية.
وقد أوردت من هذا النوع فى باب الازدواج ما فيه كفاية.
مثاله من المنظوم |
وأما مثاله من المنظوم ، فكقول أوس بن حجر :
فتحدركم عبس إلينا وعامر |
|
وترفعنا بكر إليكم وتغلب |
وقول ذى الرمة :
أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا |
|
أم راجع القلب من أطرابه طرب |
وقول الآخر :
فأما الذى يحصيهم فمكثّر |
|
وأما الذى يطربهم فمقلّل |
وقول الآخر :
فكأنها فيه نهار ساطع |
|
وكأنه ليل عليها مظلم |
ومن شعر المحدثين قول البحترى (١) :
شوقى إليك تفيض منه الأدمع |
|
وجوى إليك تضيق عنه الأضلع |
وقول أبى تمام (٢) :
بمصعد من حسنه ومصوّب |
|
ومجمّع من نعته ومفرّق |
__________________
(١) ديوانه : ٢ ـ ٧٥.
(٢) ديوانه : ٢١٢.
وقوله (١) :
تصدّع شمل القلب من كلّ وجهة |
|
وتشعبه بالبثّ من كل مشعب (٢) |
بمختبل ساج من الطّرف أكحل |
|
ومقتبل صاف من الثغر أشنب |
وقوله (٣) :
أحاولت إرشادى فعقلى مرشدى |
|
أو استمت (٤) تأديبى فدهرى مؤدبى |
وقول البحترى (٥) :
فقف مسعدا فيهن إن كنت عاذرا |
|
وسر مبعدا عنهن إن كنت عاذلا |
وقال (٦) :
ومذهب حبّ لم أجد عنه مذهبا |
|
وشاغل بثّ لم أجد عنه شاغلا |
وقال (٧) :
طليعتهم إن وجّه الجيش غازيا |
|
وساقتهم إن وجّه الجيش قافلا |
وقال (٨) :
إذا اسودّ فيه الشكّ كان كواكبا |
|
وإن سار فيه الخطب كان حبائلا |
لأذكرته بالرّمح ما كان ناسيا |
|
وعلّمته بالسّيف ما كان جاهلا |
فمن كان منهم ساكتا كنت ناطقا |
|
ومن كان منهم قائلا كنت فاعلا |
وقال (٩) :
فلأجرينّ الدمع إن لم تجره |
|
ولأعرفنّ الوجد إن لم تعرف |
وقال فى جيش (١٠) :
يسودّ منه الأفق إن لم ينسدد |
|
وتموت منه الشمس إن لم تكسف |
وقلت :
وعلى الرّبى حلل وشاهنّ الحيا |
|
فمسهم ومعصّب ومفوّف |
والبرق يلمع مثل سيف ينتضى |
|
والسيل يجرى مثل أفعى تزحف |
والقطر يهمى وهو أبيض ناصع |
|
ويصير سيلا وهو أغبر أكلف |
__________________
(١) ديوانه : ٢٣. (٢) تصدع : تفرق. تشعبه : تشتته. البث : نشر السر المشعب : الطريق.
(٣) ديوانه : ٢٤. (٤) استمت : أردت.
(٥ و ٦ و ٨) ديوانه : ٢ ـ ٢١٢.
(٧) ديوانه : ٢ ـ ٢١٣.
(٩) ديوانه : ٢ ـ ١٢٠.
(١٠) ديوانه : ٢ : ١٢١.
الفصل الثلاثون
فى المجاورة
المجاورة |
المجاورة : تردد لفظتين فى البيت ، ووقوع كل واحدة منهما بجنب الأخرى أو قريبا منها ، من غير أن تكون إحداهما لغوا لا يحتاج إليها ؛
مثالها |
وذلك كقول علقمة :
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه |
|
أنّى توجّه والمحروم محروم |
فقوله : «الغنم يوم الغنم» مجاورة ، و «المحروم محروم» مثله.
وقول الآخر :
وتندق منها فى الصدور صدورها
وقول أوس بن حجر (١) :
كأنها ذو وشوم بين مأفقة |
|
والقطقطانة والبر عوم (٢) مذعور (٣) |
وقول أبى تمام (٤) :
إنا أتيناكم نصور مآربا |
|
يستصغر الحدث العظيم عظيمها (٥) |
وقوله (٦) :
ردعوا الزمان وهم كهول جلّة |
|
وسطوا على أحداثه أحداثا (٧) |
وقول الآخر :
أنضاء شوق على أنضاء أسفار
وقول الآخر :
إنما يغفر العظيم العظيم
__________________
(١) ديوانه : ١٤.
(٢) الوشوم : العلامات ، ومأفقة والقطقطانة والبرعوم : أسماء مواضع.
(٣) معجم ما استعجم للبكرى : ٢٤١.
(٤) ديوانه : ٣١٠.
(٥) نصور : نجتنى ، وفى ط : نصون.
(٦) ديوانه : ٦٥.
(٧) أحداث : صغار.
وقول أبى تمام (١) :
وما ضيق أقطار البلاد أضافنى |
|
إليك ولكن مذهبى فيك مذهبى |
وقول أبى الشيص :
فأتوك أنقاضا على أنقاض
وقول أبى النجم :
تدنى من الجدول مثل الجدول
وقول رؤبة (٢) :
ترمى الجلاميد بجلمود مدق (٣)
وقول الآخر :
قم فاسقنى من كروم الرند ورد ضحا |
|
ماء العناقيد فى ظل العناقيد (٤) |
وقول آخر ، وقد بعث إلى جارية يقال لها راح براح :
قل لمن تملك القلوب |
|
وإن كان قد ملك |
قد شربناك فاشربى |
|
وبعثنا إليك بك |
ومن هذا النوع قول الشاعر :
فلونى والمدام ولون ثوبى |
|
قريب من قريب من قريب |
وقلت :
كأن الكأس فى يده وفيه |
|
عقيق فى عقيق فى عقيق |
وقلت أيضا :
دعونا ضرّة البدر المنير |
|
فوافتنا على خضر نضير |
مطرّزة الشوارب بالغوالى |
|
مضمّخة السوالف بالعبير |
ترى ما شئت من قد رشيق |
|
وما أحببت من ردف وتير |
__________________
(١) ديوانه : ٢٥.
(٢) أراجيز العرب ٣٠ ، اللسان (ق).
(٣) مدق ، يدق الأشياء. وانظر اللسان.
(٤) الرند : الآس ، وقيل هو العود الذى يتبخر به.
ألامسها وقد لبست حريرا |
|
فأحسبها حريرا فى حرير |
فأنس ثم لهو ثم زهر |
|
سرور فى سرور فى سرور |
وقلت أيضا :
ودار الكاس فى يد ذى دلال |
|
رشيق القدّ يعرف بالرشيق |
ومنه أيضا قول أبى تمام (١) :
دأب عينى البكاء والحزن دأبى |
|
فاتركينى وقيت ما بى لما بى |
وقوله أيضا (٢) :
كأن العهد عن عفر (٣) لدينا |
|
وإن كان التلاقى عن تلاقى |
وقوله (٤) :
طلبت أنفس الكماة فشقت |
|
من وراء الجيوب منها الجيوبا (٥) |
وقوله (٦) :
أيام للأيام فيك غضارة |
|
والدهر فىّ وفيك غير ملوم |
وقال ابن الرومى :
مشترك الحظ لا محصّله |
|
محصّل المجد غير مشتركه |
منتهك المال لا ممنّعه |
|
ممنّع العرض غير منتهكه |
وقول مسلم :
أتتك المطايا تهتدى بمطيّة |
|
عليها فتى كالنّصل يؤنسه النصل |
__________________
(١) ديوانه : ٣٥٥.
(٢) ديوانه : ٢١٥.
(٣) عفر : زمن.
(٤) ديوانه : ٢٨.
(٥) الكماة : الذين كموا أنفسهم بالسلاح ، أى ستروها. والجيوب : جمع جيب ، وهو ما ينفتح على النحر من القميص.
(٦) ديوانه : ٣٠٥.
الفصل الحادى والثلاثون
فى الاستشهاد والاحتجاج
معناه |
وهذا الجنس كثير فى كلام القدماء والمحدثين ، وهو أحسن ما يتعاطى من أجناس صنعة الشعر ، ومجراه مجرى التذييل لتوليد المعنى ، وهو أن تأتى بمعنى ثم تؤكده بمعنى آخر يجرى مجرى الاستشهاد على الأول ، والحجة على صحته.
مثل من النثر |
فمثاله من النثر ما كتب به كافى الكفاة فى فصل له : فلا تقس آخر أمرك بأوّله ، ولا تجمع من صدره وعجزه ، ولا تحمل خوافى صنعك على قوادمه ، فالإناء يملؤه القطر فيفعم ، والصغير يقترن بالصغير فيعظم ، والداء يلمّ ثم يصطلم ، والجرح يتباين ثم ينفتق ، والسيف يمس ثم يقطع ، والسهم يرد ثم ينفذ.
من الشعر |
ومن الاستشهاد قول الآخر :
إنما يعشق المنايا من الأق |
|
وام من كان عاشقا للمعالى |
وكذاك الرّماح أول ما يك |
|
سر منهنّ فى الحروب العوالى |
وقال أبو تمام (١) :
هم مزّقوا عنه سبائب حلمه |
|
وإذا أبو الأشبال أحرج عاثا |
وقال أيضا (٢) :
عتقت وسيلته وأية قيمة |
|
للمشرفى العضب (٣) ما لم يعتق |
وقال أيضا (٤) :
يأخذ الزائرين قسرا ولو كفّ |
|
دعاهم ربع خصيب |
غير إن الرامى المسدد يحتا |
|
ط مع العلم أنه سيصيب |
__________________
(١) ديوانه : ٦٤.
(٢) ديوانه : ٢١٤.
(٣) العضب : القاطع.
(٤) ديوانه : ٥٨.