كتاب الصّناعتين الكتابة والشعر

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري

كتاب الصّناعتين الكتابة والشعر

المؤلف:

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري


المحقق: علي محمد البجاوي ومحمد ابوالفضل ابراهيم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٨

والنادر العجب الذى لا شبه له قول عدىّ بن الرّقاع ، وذكر الله سبحانه ، فقال (١) :

وكفّك سبطة (٢) ونداك غمر

وأنت المرء تفعل ما تقول

فجعل إلهه امرأ ، تعالى الله عما يقول :

وأخبرنا أبو أحمد عن الصولى ، قال : أخبرنا أبو العيناء عن الأصمعى قال : اجتمع جرير والفرزدق عند الحجّاج. فقال : من مدحنى منكما بشعر يوجز فيه ويحسن صفتى فهذه الخلعة له ؛ فقال الفرزدق (٣) :

فمن يأمن الحجاج والطير تتّقى

عقوبته إلّا ضعيف العزائم

فقال جرير (٤) :

فمن يأمن الحجّاج أمّا عقابه

فمرّ وأمّا عقده فوثيق

يسرّ لك البغضاء كلّ منافق

كما كلّ ذى دين عليك شفيق

فقال الحجاج للفرزدق : ما عملت شيئا ، إنّ الطير تنفر من الصبىّ (٥) والخشبة ؛ ودفع الخلعة إلى جرير.

والجيد فى المديح قول زهير (٦) :

هنالك أن يستخولوا المال يخولوا

وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا (٧)

__________________

(١) الموازنة ٢٠ وفيها : «ونداك سح»

(٢) رجل سبط اليدين : سخى سمح

(٣) الموشح : ١١٢

(٤) ديوانه : ٣٩٨ ، ٣٩٩

(٥) عبارة الموشح : لأن الطير تتقى كل شيء ، الثوب والصبى.

(٦) الأبيات من قصيدته التى مطلعها :

صحا القلب عن سلمى وقد كان لا يسلو

وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل

ديوانه صفحة ١١٢ ، العمدة ٢ : ١٢٧

(٧) فى الديوان : «يستخبلوا المال يخبلوا». والاستخبال : أن يسألوهم شيئا فيملكوهم إياه.

١٠١

وفيهم مقامات حسان وجوهها

وأندية ينتابها القول والفعل (١)

فلما استتمّ وصفهم بحسن المقال ، وتصديق القول بالفعل ، وصفهم بحسن الوجوه.

ثم قال :

على مكثريهم حقّ من يعتريهم

وعند المقلّين السماحة والبذل (٢)

فلم يخل مكثرا ولا مقلّا منهم من برّ وفضل.

ثم قال :

فإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم

مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل

فوصفهم بالحلم.

ثم قال :

وإن قام منهم قائم قال قاعد

رشدت فلا غرم عليك ولا خذل

فوصفهم أيضا بالتّضافر والتّعاون.

فلما آتاهم هذه الصفات النفيسة ذكر فضل آبائهم فقال :

وما يك (٣) من خير أتوه فإنّما

توارثه آباء آبائهم قبل (٤)

وهل ينبت الخطىّ إلّا وشيجه

وتغرس إلّا فى منابتها النّخل (٥)

وكقول ذى الرمة (٦) :

إلى ملك (٧) يعلو الرّجال بفضله

كما بهر (٨) البدر النّجوم السّواريا

فما مرتع الجيران (٩) إلّا جفانكم (١٠)

تبارون أنتم والرياح تباريا

__________________

(١) المقامات : المجالس. والندى : المجلس. ينتابها القول والفعل : يقال فيها الجميل ويفعل.

(٢) يعتريهم : يطلب منهم.

(٣) فى الديوان : «فما كان من خير».

(٤) توارثه : ورثه كابر عن كابر.

(٥) الخطى : الرماح. والوشيج : القنا.

(٦) ديوانه ٩٤ ، ٩٥.

(٧) فى الديوان : لدى ملك.

(٨) فى الديوان : كما يبهر.

(٩) فى الديوان : فما مربع.

(١٠) الجفان : القصاع.

١٠٢

أخذه بعضهم ، فقال وأحسن :

رأيتكم بقيّة حىّ قيس

وهضبته الّتى فوق الهضاب

تبارون الرّياح إذا تبارت

وتمتثلون أفعال السّحاب

يذكرنى مقامى فى ذراكم

مقامى أمس فى ظلّ الشّباب

وكقول الراعى :

إنى وإياك والشكوى التى قصرت

خطوى وبابك والوجد الذى أجد

كالماء والظالع الصّديان يطلبه

وهو الشّفاء له لو أنّه يرد

ضافى العطيّة ، راجيه وسائله

سيّان ، أفلح من يعطى ومن يعد

وقول مروان بن أبى حفصة (١) :

بنو مطر يوم اللّقاء كأنّهم

أسود لهم فى غيل خفّان (٢) أشبل

هم المانعون (٣) الجار حتّى كأنّما

لجارهم فوق السّماكين منزل

بها ليل فى الإسلام سادوا ولم يكن

كأوّلهم فى الجاهليّة أوّل

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا

أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

ولا يستطيع الفاعلون فعالهم

وإن أحسنوا فى النّائبات وأجملوا

تلاث بأمثال الجبال حباهم

وأحلامهم منها لدى الوزن أثقل

ويقول الآخر :

علّم الغيث الندى حتى إذا

ما حكاه علّم البأس الأسد

فله الغيث مقرّ بالنّدى

وله اللّيث مقرّ بالجلد

وكقول الآخر :

شبه الغيث فيه والليث وآل

بدر فسمح ومحرب وجميل

__________________

(١) العمدة ٢ ـ ١٣٤.

(٢) خفان : مأسدة.

(٣) فى العمدة : هم يمنعون.

١٠٣

ومع ما ذكرناه فإنّه لا ينبغى أن يخلو المدح من مناقب لآباء الممدوح ، وتقريظ من يعرف به وينسب إليه.

وأنشد أبو الخطاب الفضل بن يحيى :

وجد له يا ابن أبى علىّ

بنفحة من ملك سخىّ

فإنّه عود على بدىّ

فإنّما الوسمىّ بالولىّ (١)

فقال الفضل : بنفحة من نفح برمكى ؛ فجعله كذلك.

وأنشده مروان بن أبى حفصة :

نفرت فلا شلّت يد خالديّة

رتقت بها الفتق الذى بين هاشم

فقال له الفضل : قل برمكية ؛ فقد يشركنا فى خالد بشر كثير ، ولا يشركنا فى برمك أحد.

والهجاء أيضا إذا لم يكن يسلب الصفات المستحسنة التى تختصّها النفس ؛ ويثبت الصفات المستهجنة التى تختصها أيضا لم يكن مختارا.

والاختيار أن ينسب المهجوّ إلى اللؤم والبخل والشّره وما أشبه ذلك.

وليس بالمختار فى الهجاء أن ينسبه إلى قبح الوجه وصغر الحجم وضئولة الجسم ؛ يدلّ على ذلك قول القائل (٢) :

فقلت لها : ليس الشّحوب على الفتى

بعار ولا خير الرجال سمينها

وقول الآخر :

تنال الخير ممّن تزدريه

ويخلف ظنّك الرّجل الطّرير

وقول الآخر (٣) :

رأوه فازدروه وهو خرق

وينفع أهله الرجل القبيح

__________________

(١) الوسمى : مطر أول الربيع. والولى : مطر بعد مطر.

(٢) نقد الشعر : ١١٣.

(٣) نقد الشعر : ١١٣.

١٠٤

وذكر السموأل أنّ قلة العدد ليست بعيب ، فقال (١) :

تعيّرنا أنّا قليل عديدنا

فقلت لها إنّ الكرام قليل

ومن الهجاء الجيّد قول بعضهم (٢) :

اللّؤم أكرم من وبر ووالده

واللّؤم أكرم من وبر وما ولدا

قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا

من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا (٣)

وقول أعشى باهلة (٤) :

بنو تيم قرارة كلّ لؤم

كذاك لكلّ سائلة قرار (٥)

وتبعه أبو تمام ، فقال (٦) :

ملقى الرجاء وملقى الرّحل فى نفر

الجود عندهم قول بلا عمل

أضحوا بمستنّ (٧) سبل اللّؤم (٨) وارتفعت

أموالهم فى هضاب المطل والعلل

ونقله إلى موضع آخر ، فقال (٩) :

وكانت زفرة (١٠) ثمّ اطمأنّت

كذاك لكلّ سائلة قرار

وقول الآخر (١١) :

لو كان يخفى على الرّحمن خافية

من خلقه خفيت عنه بنو أسد

وقول الحكم الحضرى (١٢) :

ألم تر أنّهم رقموا بلؤم

كما رقمت بأذرعها الحمير

__________________

(١) شعراء اليهود : ٢٢ ، نقد الشعر : ٥٦ ، ١١٣.

(٢) نقد الشعر : ٥٨.

(٣) بقصاص.

(٤) نقد الشعر : ٥٧.

(٥) القرارة : ما بقى فى القدر بعد الغرف منها. والقرار : المستقر من الأرض. وعجز البيت فى نقد الشعر :

لكل مصب سائلة قرار

(٦) ديوانه : ٢٥٠ ، ونقد الشعر : ٥٧

(٧) المستن : المنصب. الهضاب : المرتفعات.

(٨) فى الديوان : أضحوا بمستن سيل الذم

(٩) ديوانه : ١٤١ ، نقد الشعر : ٥٧

(١٠) فى الديوان : وكانت لوعة

(١١) نقد الشعر : ٥٧

(١٢) نقد الشعر : ٥٧

١٠٥

ومن خبيث الهجاء قول الآخر (١) :

إن يغدروا أو يجبنوا

أو يبخلوا لا يجفلوا (٢)

يغدوا عليك مرجّلي

ن كأنّهم لم يفعلوا

وقول الآخر (٣) :

لو اطّلع الغراب على تميم

وما فيها من السّوءات شابا (٤)

وقول مرة بن عدى الفقعسى (٥) :

وإذا تسرّك من تميم خصلة

فلما يسوؤك من تميم أكثر

ومن المبالغة فى الهجاء قول ابن الرومى (٦) :

يقتّر عيسى على نفسه

وليس بباق ولا خالد

ولو يستطيع لتقتيره

تنفّس من منخر واحد

والناس يظنون أنّ ابن الرومى ابتكر هذا المعنى ، وإنما أخذه ممن حكاه أبو عثمان أنّ بعضهم قبر إحدى عينيه وقال : إنّ النظر بهما فى زمان واحد من الإسراف.

وقول البحترى (٧) :

وردّدت العتاب عليك حتّى

سئمت وآخر الودّ العتاب

وهان عليك سخطى حين تغدو

بعرض ليس تأكله الكلاب

__________________

(١) نقد الشعر : ٥٦

(٢) كذا البيت الأول فى الأصول ، وفى النقد قال : ومن خبث الهجاء ما أنشدناه أحمد بن يحيى أيضا :

إن يغدروا أو يفجروا

أو يبخلوا لا يحفلوا

ثم أورد البيت الثانى كما أورده المؤلف.

(٣) نقد الشعر : ٥٧

(٤) البيت من شعر العباس بن يزيد الكندى يهاجى جريرا كما فى نقد الشعر صفحة ٥٧ وقبله :

إذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلهم غضابا

(٥) نقد الشعر : ٥٧

(٦) ديوانه : ٣٧٥

(٧) ديوانه : ٤٨

١٠٦

ومن خطأ الوصف قول كعب بن زهير (١) :

ضخم مقلّدها فعم مقيّدها (٢)

لأن النجائب توصف بدقّة المذبح (٣).

ومن خطأ اللفظ قول ذى الرّمة :

حتّى إذا الهيق أمسى شام أفرخه

وهنّ لا مويس نأيا ولا كثب (٤)

لأنّه لا يقال شام إلّا فى البرق.

ومن رديء التشبيه قول لبيد (٥) :

فمتى ينقع صراخ صادق

يحلبوها ذات جرس وزجل

فخمة ذفراء ترتى بالعرا

قردمانيّا وتركا كالبصل

فشبّه البيضة بالبصل ، وهو بعيد ، وإن كانا يتشابهان من جهة الاستدارة لبعد ما بينهما فى الحنس.

وقول أبى العيال (٦) :

ذكرت أخى فعاودنى

صداع الرّأس والوصب (٧)

__________________

(١) ديوانه : ١٠

(٢) صدر بيت من قصيدته المشهورة ببانت سعاد ، وعجزه :

فى خلقها عن بنات الفحل تفضيل

المقلد : الرقبة. والفعم : الممتلئ. والمقيد : موضع القيد من رجل الفرس.

(٣) قال السكرى فى شرح ديوان كعب : قال الأصمعى : هذا خطأ من الصفة لأنه قال هى غليظة الرقبة ، وخير النجائب ما يدق مذبحه ويعرض منحره ويدق أعلى عنقه (صفحة ١١)

(٤) الهيق : الظليم ، والأنثى هيقة

(٥) الموشح : ٨٧ ، اللسان ـ مادة : رتى ومادة نقع وقردم وذفر ، وقد اختلفت روايات النسخ فى هذين البيتين ، وهذه هى رواية اللسان.

ينقع : يرتفع ، وقيل يدوم ويثبت ، والضمير فى يحلبوها للحرب وإن لم يذكره لأن فى الكلام دليلا عليه ، أحلبوا الحرب : أى جمعوا لها. الزجل : الجلبة ورفع الصوت. الدفراء : من الدفر وهو النتن ، وفى إحدى روايتى اللسان مادة قردم ومادة ذفر : بالذال المعجمة وهو سهك صدأ الحديد وقوله : ترتى ـ من الرتو ، وهو الشد. وعدى ترتى إلى مفعولين لأن فيه معنى تكسى.

والقردمانية : الدروع الغليظة.

(٦) أشعار الهذلين ٢ : ٢٤٢ ، والموشح ٩٠.

(٧) الوصب : الوجع ، وهو النصب والتعب أيضا.

١٠٧

فذكر الرأس مع الصّداع فضل ، لأنّ الصداع لا يكون فى الرّجل ولا فى غيرها من الأعضاء. وفيه وجه آخر من العيب ؛ وهو أن الذّاكر لما قد فات من محبوب يوصف بألم القلب واحتراقه لا بالصّداع.

وقول أوس بن حجر (١) :

وهم لمقلّ المال أولاد علّة

وإن كان محضا فى العمومة مخولا

فقوله : «المال» مع المقلّ فضل.

وقول عبد الرحمن بن عبد الله الخزرجى (٢) :

قيدت فقد لان حاذاها (٣) وحاركها

والقلب منها مطار القلب مذعور (٤)

فما سمعنا بأعجب من قوله : فالقلب منها مطار القلب.

وقول الآخر : (٥)

ألا حبّذا هند وأرض بها هند

وهند أتى من دونها النّأى والبعد

فقوله : «النّأى» مع «البعد» فضل ، وإن كان قد جاء من هذا الجنس فى كلامهم كثير ، والبيت فى نفسه بارد.

ومن عيوب اللفظ ارتكاب الضرورات فيه كما قال المتلمس (٦) :

إن تسلكى سبل الموماة منجدة

ما عاش عمر وما عمّرت قابوس (٧)

__________________

(١) الموشح : ٩٠.

(٢) الموشح : ٩٠

(٣) فى الموشح : وقد لان هاديها.

الحاذان : ما وقع عليه الذنب من الفخذين. والحارك : أعلى الكاهل. وقيل : هو منبت أدنى العرف إلى الظهر الذى يأخذ به الفارس إذا ركب. وقيل : هو عظم مشرف من جانبى الكاهل.

(٤) فى الموشح : مطار القلب محذور

(٥) الموشح : ٩١ ، ونسبه إلى الحطيئة فيه.

(٦) الموشح : ٩١ ، ومعجم ما استعجم ١ : ٢٨٤.

(٧) الموماة : المفازة ، وقيل :

التى لا ماء فيها ولا أنيس. وعمرو ، وقابوس : هما ابنا المنذر بن ماء السماء. والبيت فى معجم ما استعجم : ١ ـ ٢٨٤ :

لن تسلكى سبل البوباة منجدة

ما عشت عمرو وما عمرت قابوس

وقال : البوباة ثنية فى طريق نجد ينحدر منها راكبها إلى العراق.

١٠٨

أراد [ما عاش عمرو](١) وما عمّر قابوس.

وقول الأعشى (٢) ـ حكاه بعض الأدباء وعابه :

من القاصرات سجوف الحجا

ل لم تر شمسا ولا زمهريرا

قال : لا توضع الشّمس مع الزمهرير. قال : وكان يجب أن يقول ، لم تر شمسا ولا قمرا ، ولم يصبها حرّ ولا قر ، وقد أخطأ لأنّ القرآن قد جاء فيه موضع هاتين اللفظتين معا.

ومن المطابقة أن يتقارب التضاد دون تصريحه ، وهذا كثير فى كلامهم. وقد أوردناه فى باب الطباق.

وكقول علقمة (٣) :

يحملن أترجّة نضخ العبير بها

كأنّ تطيابها فى الأنف مشموم

والتطياب هاهنا على غاية السماجة. والطيب أيضا مشموم لا محالة ، فقوله : كأنه مشموم هجنة. وقوله : فى الأنف أهجن ؛ لأن الشمّ لا يكون بالعين.

وقول عامر بن الطفيل (٤) :

تناولته فاحتل سيفى ذبابه

شراشيفه العليا وجذّ المعاصما (٥)

وهذا البيت على غاية التكلف.

وقول خفاف بن ندبة (٦) :

إن تعرضى وتضنّى بالنّوال لنا

تواصلين (٧) إذا واصلت أمثالى

وكان ينبغى أن يقول : إن تضنّى بالنوال علينا ، على أنّ البيت كله مضطرب النّسج.

__________________

(١) الزيادة من الموشح.

(٢) الموشح : ٩١ ، ويفهم من سياق كلامه أن البيت للمتلمس.

(٣) فى الموشح : وقوله : ٩١.

(٤) الموشح : ٩١

(٥) ذباب السيف : طرفه الذى يضرب به أو حده. والشراسيف ، واحده شرسوف : أطراف أضلاع الصدر التى تشرف على البطن.

(٦) الموشح : ٩١.

(٧) فى الموشح : فواصلن.

١٠٩

وقول الحطيئة (١) :

صفوف وماذىّ الحديد عليهم

وبيض كأولاد النّعام كثيف (٢)

جعل بيض النّعام أولادها.

ومن عيوب اللّفظ استعماله فى غير موضعه المستعمل فيه ، وحمله على غير وجهه المعروف به ؛ كقول ذى الرمة (٣) :

نغار إذا ما الرّوع أبدى عن البرى

ونقرى عبيط اللّحم والماء جامس (٤)

لا يقال : ماء جامس ، وإنما يقال : ودك جامس.

وقول جرير (٥) :

لمّا تذكّرت بالدّيرين أرّقنى

صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس

قالوا : لا يكون التّأريق إلّا أوّل الليل. والدجاج : الديكة هاهنا.

وقول عدىّ بن زيد فى الفرس : «فارها متابعا». لا يقال : فرس فاره ، إنما يقال بغل فاره.

وقول النابغة (٦) :

رقاق النّعال طيّب حجزاتهم

يحيّون بالرّيحان يوم السّباسب (٧)

يمدح بذلك ملوكا بأنهم يحيّون بالريحان يوم السباسب ، ويوم السباسب يوم عيد لهم ؛ ومثل هذا لا يمدح به السوقة فضلا عن الملوك.

__________________

(١) الموشح : ٨٩.

(٢) الماذى : الدرع اللينة السهلة.

(٣) ديوانه : ٤٦ ، واللسان ـ مادة جمس.

(٤) البرى : مثل الورى لفظا ومعنى. والجامس : الجامد. والبيت فى الديوان :

نغار إذا ما الروع أبدى عن البرى

ونقرى عبيط اللحم والماء جامس

(٥) ديوانه : ٣٢١.

(٦) ديوانه : ١٢.

(٧) يوم السباسب : يوم الشعانين وهو يوم عيد للنصارى ، وكان الممدوح نصرانيا.

١١٠

ومنه قوله فيهم (١) :

وأكسية الإضريج فوق المشاجب (٢)

جعل لهم أكسية حمرا يضعونها على مشاجب. فترى لو كان لهم ديباج أين كانوا يضعونه ؛ وليس هذا مما يمدح به الملوك.

ومن الردىء أيضا قول امرئ القيس (٣) :

أرانا موضعين لأمر غيب

ونسحر بالطعام وبالشراب

عصافير وذبّان ودود

وأجر من مجلّحة الذئاب (٤)

هذا وإن لم يكن مستحيلا ، فهو على غاية القباحة فى اللفظ وسوء التمثيل.

وقول بشر :

على كل ذى ميعة سابح

يقطع ذو أبهريه الحزاما (٥)

وإنّما له أبهر واحد.

ومن الأبيات العارية الخربة من المعانى قول جرير للأخطل (٦) :

قال الأخيطل إذ رأى راياتكم

يا مار سرجس لا أريد قتالا

ومن المتناقض قول عروة بن أذينة (٧) :

نزلوا (٨) ثلاث منى بمنزل غبطة

وهم على غرض لعمرك ما هم

__________________

(١) ديوانه : ١٢.

(٢) المشاجب : جمع مشجب ، وهو عود ينشر عليه الثوب. وصدر البيت :

تحييهم بيض الولائد بينهم

قال الأصمعى فى معنى البيت : هم ملوك أهل نعمة فخدمهم الإماء البيض الحسان وثيابهم مصونة بتعليقها على الأعواد.

(٣) ديوانه : ١٢٠ ، واللسان ـ مادة جلح.

(٤) موضعين ، من الإيضاع : ضرب من السير. وذئب مجلح : جرىء.

(٥) الميعة من الفرس : أول جريه ونشاطه. وقيل : الميعة من كل شيء : معظمه.

(٦) ديوانه : ٤١٤.

(٧) الموشح : ٢١١.

(٨) فى الموشح : لبثوا ثلاث.

١١١

متجاورين بغير دار إقامة

لو قد أجدّ رحيلهم لم يندموا

فقال : لبثوا فى دار غبطة ، ثم قال : لو رحلوا لم يندموا.

ومثله قول جرير (١) :

فلم أر دارا مثلها دار غبطة

وملقى إذا التفّ الحجيج بمجمع

أقلّ مقيما راضيا بمقامه

وأكثر جارا ظاعنا لم يودّع

وهل يغتبط عاقل بمكان من لا يرضى به (٢).

وقول جميل (٣) :

خليلىّ فيما عشتما هل رأيتما

قتيلا بكى من حبّ قاتله مثلى (٤)

فلو تركت عقلى معى ما طلبتها (٥)

ولكن طلابيها لما فات من عقلى

زعم أنه يهواها لذهاب عقله ، ولو كان عاقلا ما هويها.

والجيّد قول الآخر (٦) :

وما سرنى أنّى خلىّ من الهوى

ولو أن لى من بين شرق إلى غرب

فإن كان هذا الحبّ ذنبى إليكم

فلا غفر الرّحمن ذلك من ذنب

وقول الآخر :

أحببت قلبى لما أحبّكم

وصار رأيى لرأيه تبعا

وربّ قلب يقول صاحبه

تبّا لقلبى فبئس ما صنعا

والجيد فى هذا المعنى قول البحترى (٧) :

ويعجبنى فقرى إليك ولم يكن

ليعجبنى لو لا محبّتك الفقر

وقول العرجى :

من ذكر ليلى وأىّ الأرض ما سكنت

ليلى فإنى بتلك الأرض محتبس

__________________

(١) الموشح : ٢١٢ ونسب فيه البيتان إلى كثير.

(٢) عبارة الموشح : وهل يغتبط عاقل بمكان ولا يرضى به.

(٣) ديوانه : ٤٨ ، والموشح : ١٥٩.

(٤) فى الموشح : قبلى.

(٥) فى رواية للموشح صفحة ١٦٠ : ما بكيتها.

(٦) هو مجنون بنى عامر كما فى سر الفصاحة صفحة ٢٤٦.

(٧) ديوانه : ٢١٨.

١١٢

ومنه :

مثل الضفادع نقّاقون وحدهم

إذا خلوا وإذا لاقيتهم خرس

وقال ابن داود : من التشبيه الّذى لا يقع أبرد منه قول أبى الشيص :

وناعس لو يذوق الحبّ ما نعسا

بلى عسى أن يرى طيف الحبيب عسى

وللهوى جرس ينفى الرّقاد به

فكلما كدت أغفى حرّك الجرسا

وقول الآخر :

إنّ قلبى سلّ من غير مرض (١)

وفؤادى من جوى الحبّ غرض (٢)

كجراب كان فيه جبن

دخل الفأر عليه فقرض

وقال عبد الملك يوما لجلسائه : أعلمتم أنّ الأحوص أحمق لقوله :

فما بيضة بات الظّليم يحفها

ويجعلها بين الجناح وحوصله

بأحسن منها يوم قالت تدلّلا

تبدّل خليلى إننى متبدّله

فما أعجبه وهى تقول هذه المقالة! والجيد قول أبى تمام (٣) :

لا شيء أحسن منه ليلة وصله (٤)

وقد اتخذت مخدّة من خدّه

وأنشد عبد الملك قول نصيب (٥) :

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت

فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدى (٦)

فقال بعض من حضر ؛ أساء القول ؛ أيحزن لمن يهيم بها بعده؟ فقال عبد الملك : فلو كنت قائلا ما كنت تقول؟ فقال :

__________________

(١) فى ا ، ب : «إن جسمى».

(٢) الغرض : الضجر والملال.

(٣) ديوانه : ٤٤٠

(٤) فى الديوان : ليلة وصلنا.

(٥) الموشح : ١٦٠ ، ١٨٩.

(٦) فى ط : ممن يهيم.

١١٣

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت (١)

أو كلّ بدعد من يهيم بها بعدى

فقال عبد الملك : أنت والله أسوأ قولا ؛ أتوكّل من يهيم بها! ثمّ قال : الجيّد (٢) :

أهيم بدعد ما حييت (٣) فإن أمت

فلا صلحت دعد لذى خلّة بعدى

وأخذ الأصمعىّ على الشّماخ قوله (٤) :

رحى حيزومها كرحى الطّحين (٥)

وقال : السعدانة (٦) توصف بالصّغر. فقال من احتجّ للشماخ : إنما شبهها بالرّحى لصلابتها (٧) ، كما قال :

قلائص يطحنّ الحصى بالكراكر (٨)

ومن المعيب قول عمر بن أبى ربيعة هذا (٩) :

أومت بكفّيها من الهودج

لولاك فى (١٠) ذا العام لم أحجج

أنت إلى مكة أخرجتنى

حبّا ولو لا أنت لم أخرج

لا ينبئ الإيماء عن هذه المعانى كلها.

ونحوه قول المثقب العبدى (١١) :

__________________

(١) رواية الموشح ١٨٩ :

تحبكم نفسى حياتى فإن أمت

(٢) الموشح : ١٦٠ ، ١٨٩.

(٣) رواية الموشح ١٨٩ :

تحبكم نفسى حياتى فإن أمت

(٤) ديوانه : ٩٢ ، واللسان ـ مادة رحى.

(٥) الرحى : الأولى كركرة البعير والناقة ؛ أى زور البعير الذى إذا برك أصاب الأرض وهى نائتة عن جسمه كالقرصة. وقيل : هى الصدر من كل ذى خف. والحيزوم : الصدر ، وقيل : الوسط. وصدر البيت كما فى اللسان :

فنعم المعترى ركدت إليه

مادة رحى. وصدره فى الديوان :

فنعم المرتجى ركدت إليه

(٦) السعدانة : الرحى.

(٧) عبارة شارح ديوانه : شبهها بالرحى فى الصلابة لا فى العظم لأنه يعاب فى الإبل.

(٨) القلائص ، جمع قلوص ؛ وهى الفتية من الإبل.

(٩) الموشح : ٩٢.

(١٠) فى الموشح : لولاك هذا العام.

(١١) الموشح : ٩٢ ، واللسان ـ مادة درأ ، ووضن.

١١٤

تقول إذا درأت لها وضينى

أهذا دينه أبدا ودينى (١)

أكلّ الدهر حلّ وارتحال

أما يبقى علىّ ولا يقينى

والذى يقارب الصواب قول عنترة (٢) :

فازور من وقع القنا بلبانه

وشكا إلىّ بعبرة وتحمحم

لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى

ولكان لو علم الكلام مكلّمى

ومن النسيب الردىء قول نصيب (٣) :

فإن تصلى أصلك وإن تعودى

لهجر (٤) بعد وصلك لا أبالى

وذلك أنّ التجلّد من العاشق مذموم. وفى خلاف ذلك قول زهير (٥) :

لقد باليت مطعن أمّ أوفى

ولكن أمّ أوفى لا تبالى

وقول عمر بن أبى ربيعة (٦) :

قالت لها أختها تعاتبها (٧)

لا تفسدنّ الطّواف فى عمر

قومى تصدّى له ليبصرنا (٨)

ثم اغمزيه يا أخت فى خفر (٩)

قالت لها قد غمزته فأبى

ثم اسبكرّت تشتدّ فى أثرى (١٠)

فشبّب بنفسه ووصفها بالقحة ، وناقض فى حكايته عن صاحبتها ؛ فذكر نهيها إياها عن إفساد الطّواف فيه ، ثم إنها قالت لها : «قومى انظرى».

__________________

(١) درأت وضين البعير : إذا بسطته على الأرض ، ثم أبركته عليه لتشده به. والوصين : بطان عريض منسوج من سيور أو شعر يشد به الرحل على البعير. وفى اللسان ـ مادة وضن :

أهذا دأبه أبدأ ودينى

(٢) ديوانه : ٨٦ ، والموشح : ٩٢

(٣) الموشح : ١٦٣ ، وسر الفصاحة : ٢٤٦

(٤) فى سر الفصاحة : وإن تبينى بهجر ، وفى الموشح : وإن تبينى بصرمك قبل وصلك.

(٥) ديوانه : ١٤٢.

(٦) الموشح : ١٦٢ ، ١٦٣ ، العمدة ٢ : ١١٨

(٧) رواية الموشح :

قالت لترب لها تحدثها

قال : ويروى :

قالت لأخت لها تعاتبها

(٨) فى رواية : تصدى له ليعرفنا.

(٩) الخفر : شدة الحياء.

(١٠) المسبكر : المسترسل ، ورواية الموشح : «اسبطرت».

١١٥

ومما جاء فى ذلك من أشعار المحدثين قول بشّار (١) :

إنّما عظم سليمى حبّتى (٢)

قصب السّكر لا عظم الجمل

وإذا أدنيت منها (٣) بصلا

غلب المسك على ريح البصل

وقوله (٤) :

وبعض الجود خنزير

ومن المعانى البشعة قول أبى نواس (٥) :

يا أحمد المرتجى فى كلّ نائبة

قم سيّدى نعص جبّار السّماوات

فهذا مع كفره ممقوت.

وكذا قوله :

لو أكثر التسبيح ما نجّاه

وقوله (٦) :

من رسول الله من نفره

وقد تبع فى هذا القول حسان بن ثابت فى قوله (٧) :

أكرم بقوم رسول الله شيعتهم

إذا تفرّقت الأهواء والشّيع

والخطأ من كل واحد خطأ.

وقول أبى نواس أيضا (٨) :

أحبب قريشا لحبّ أحمدها

وقوله (٩) :

تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها

خلقا وخلقا كما قد الشّراكان

__________________

(١) الموشح : ٢٤٨ ، ٢٥٠.

(٢) فى الموشح : خلتى. وحبتى : محبوبتى ، وفى رواية له

إن سليمى خلقت من قصب

(٣) فى الموشح رواية : منى بصلا.

(٤) الموشح : ٢٥٠.

(٥) الموشح : ٢٦٩.

(٦) ديوانه : ٦٨. وصدره :

كيف لا يدنيك من أمل

(٧) ديوانه : ٢٥٠

(٨) ديوانه : ١٥٧ ، وتمامه :

وأعرف لها الجزل من مواهبها

(٩) الموشح : ٢٦٩.

١١٦

فزعم أنّ ابن زبيدة (١) مثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى خلقه وخلقه.

ومثل ذلك قول أبى الخلال فى يزيد بن معاوية :

يا أيها الميت بحوّارينا

إنّك خير النّاس أجمعينا

وقول أبى العتاهية :

غنيت عن الوصل القديم غنيتا

وضيّعت ودّا كان لى ونسيتا (٢)

ومن أعجب الأشياء (٣) أن مات مألفى

ومن كنت ترعانى (٤) له وبقيتا

تجاهلت عمّا كنت تحسن وصفه

ومتّ عن الإحسان حين حييتا

وليس من العجب أن يموت إنسان ويبقى بعده إنسان آخر ؛ بل هذه عادة الدنيا والمعهود من أمرها ، ولو قال : «من ظلم الأيام» كان المعنى مستويا.

وسمعت بعض العلماء يقول : ومن المعانى الباردة قول أبى نواس فى صفة البازى :

فى هامة علياء تهدى منسرا

كعطفة الجيم بكفّ أعسرا

فهذا جيّد مليح مستوفى.

ثم قال :

يقول من فيها بعقل فكّرا

لو زادها عينا إلى فاء ورا

فاتّصلت بالجيم صار جعفرا

فمن يجهل أن الجيم إذا أضيف إليها العين والفاء والراء تصير جعفرا.

وسواء قال هذا ، أو قال :

لو زادها حاء إلى دال ورا

فاتصلت بالجيم صار جحدرا

وما يدخل فى صفة البازى من هذا القول.

__________________

(١) قد قال هذا الشعر فى الأمين.

(٢) فى ديوانه :

وضيعت عهدا كان لى ونسيتا

(٣) فى الديوان : ومن عجب الأيام.

(٤) ومن كنت تغشانى به.

١١٧

وتبعه أبو تمام فقال (١) :

هنّ الحمام فإن كسرت عيافة

من حائهنّ فإنّهنّ حمام (٢)

فمن ذا الذى جهل أنّ الحمام إذا كسرت حاؤها صارت حماما.

وإنما أراد أبو نواس أنه يشبه الجيم لا يغادر من شبهها شيئا ، حتى لو زدت عليها هذه الأحرف صارت جعفرا لشدّة شبهها به ، وهو عندى صواب ، إلا أنه لو اكتفى بقوله : «كعطفة الجيم بكف أعسرا» ولم يزد الزيادة التى بعدها كان أجود وأرشق وأدخل فى مذاهب الفصحاء ، وأشبه بالشعر القديم.

وأما قول أبى تمام فله معنى خلاف ما ذكره ، وذلك أنه أراد أنك إذا أردت الزّجر والعيافة أدّاك الحمام إلى الحمام ، كما أنّ صوتها الذى يظنّ أنه بكاء إنما هو طرب ، ويؤدّيك إلى البكاء الحقيقى (٣) ؛ وهذا المعنى صحيح ؛ إلا أن المعنى إذا صار بهذه المنزلة من الدّقة كان كالمعمّى ؛ والتعمية حيث يراد البيان عىّ.

ومن عيوب المعنى قول أبى نواس فى صفة الأسد (٤) :

كأنما عينه إذا نظرت

بارزة الجفن عين مخنوق

فوصف عين الأسد بالجحوظ ، وهى توصف بالغئور ؛ كما قال الرّاجز (٥) :

كأنّما ينظر من خرق حجر

وكقول أبى زبيد :

كأن عينيه فى وقبين من حجر

قيضا اقتياضا بأطراف المناقير (٦)

__________________

(١) ديوانه : ٢٧٩.

(٢) الحمام ، بكسر الحاء : الموت.

(٣) هذا إشارة إلى معنى بيتين سبقا هذا البيت وهما :

انحدرت عبرات عينك إن دعت

ورقاء حين تضعضع الإظلام

لا تشجين لها فإن بكاءها

ضحك وإن بكاءك استغرام

(٤) الشعر والشعراء ٧٧٥ ، والديوان ٩٠

(٥) أراجيز العرب : ٢٢ ، والراجز هو حميد الأرقط : وروايته هناك

كأنما عيناه فى حرفى حجر

(٦) الشعر والشعراء ٧٧٥ ، الوقب فى الحجر : نقرة يجتمع فيها الماء. وقيضا : حفرا.

١١٨

وقوله أيضا :

وعينان كالوقبين فى قلب صخرة

يرى فيهما كالجمرتين تسعر

وأنشد مروان بن أبى حفصة عمارة بن عقيل بيته فى المأمون (١) :

أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا

بالدّين ، والناس بالدنيا مشاغيل

فقال له : ما زدته على أن وصفته بصفة عجوز فى يدها مسباحها ؛ فهلا قلت : كما قال جدّى فى عمر بن عبد العزيز :

فلا هو فى الدنيا مضيع نصيبه

ولا عرض الدّنيا عن الدين شاغله

ومن الغلط قول أبى تمام (٢) :

رقيق حواشى الحلم لو أنّ حلمه

بكفّيك ما ماريت فى أنه برد (٣)

وما وصف أحد من أهل الجاهلية ولا أهل الإسلام الحلم بالرّقة ، وإنما يصفونه بالرجحان والرزانة ؛ كما قال النابغة (٤) :

وأعظم أحلاما وأكبر سيدا

وأفضل مشفوعا إليه وشافعا

وقال الأخطل (٥) :

صمّ عن الجهل عن قيل الخناخرس

وإن ألمّت بهم مكروهة صبروا (٦)

شمس العداوة حتى يستقاد لهم

وأعظم النّاس أحلاما إذا قدروا

وقال أبو ذؤيب (٧) :

وصبر على حدث النّائبات

وحلم رزين وعقل ذكىّ

__________________

(١) سر الفصاحة ٢٤٨

(٢) ديوانه : ١٢١ ، الموازنة ٦٣.

(٣) فى الديوان : لون خلقه. ماريت : جادلت.

(٤) ديوانه : ٧٤.

(٥) الشعر والشعراء : ٤٧٠ ، الموازنة : ٦٣

(٦) رواية البيت فى الشعر والشعراء :

حشد على الحق عيافو الخنا أنف

إذا ألمت بهم مكروهة صبروا

(٧) أشعار الهذليين : ١ : ٦٨ ، الموازنة : ٦٣.

١١٩

وقال عدىّ بن الرّقاع (١) :

أبت لكم مواطن طيّبات

وأحلام لكم تزن الجبالا

وقال الفرزدق (٢) :

إنّا لتوزن بالجبال حلومنا

ويزيد جاهلنا على الجهّال

ومثل هذا كثير.

وإذا ذمّوا الرجل قالوا : خفّ حلمه وطاش ، كما قال عياض بن كثير الضبى (٣) :

تنابلة (٤) سود خفاف حلومهم

ذوو نيرب فى الحىّ يغدو ويطرق

وقال عقبة بن هبيرة الأسدى :

أبنو المغيرة مثل آل خويلد

يا للرّجال لخفّة الأحلام

لا ، بل أحسبنى سمعت بيتا لبعض المحدثين يصف فيه الحلم بالرّقة وليس بالمختار.

ومن خطئه أيضا قوله (٥) :

من الهيف لو أنّ الخلاخل صيّرت

لها وشحا جالت عليها الخلاخل

ولو قال : «نطقا» لكان حسنا ، وهذا خطأ كبير ؛ وذلك أنّ الخلخال قدره فى السعة معروف ، ولو صار وشاحا للمرأة لكانت المرأة فى غاية الدّمامة والقصر ، حتى [لو كانت] هى فى خلقة الجرذ والهرّة ، ولو قال : «حقبا» لكان جيّدا ، كما قال النمرى (٦) :

ولو قست يوما حجلها بحقابها (٧)

لكان سواء ، لا ، بل الحجل أوسع

__________________

(١) الموازنة : ٦٤.

(٢) الموازنة : ٦٤.

(٣) الموازنة : ٦٤.

(٤) فى الموازنة : قبائله. تنابلة : واحده تنبال ، وذلك الرجل القصير. والنيرب : الشر والنميمة.

(٥) القائل أبو تمام ، ديوانه ٢٥٦ ، والموازنة ٦٩.

(٦) الموازنة ٦٦.

(٧) الحجل ، بفتح الحاء وكسرها : الخلخال. والحقاب : شيء تعلق به المرأة الحلى وتشده فى وسطها.

١٢٠