رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

عليه الأصحاب من غير خلاف بينهم أجده ؛ جمعاً بينها وبين الروايات المتقدّمة الآمرة بالتأخير ، بحملها على عدم ( خوف تعطيل الحدّ ) (١) بالتأخير ، وهذه على خوف تعطيله بموت وشبهه ، كما هو ظاهرها.

( ولا يسقط الحدّ ) مطلقاً ، جلداً كان أو رجماً ( باعتراض الجنون ) أي عروضه بعد أن زنى في حال عقله وبلوغه ؛ للأصل ، والعموم ، مع اختصاص ما دلّ على عدم حدّ المجنون (٢) بحكم التبادر بما إذا زنى حال الجنون.

وللصحيح : في رجل وجب عليه حدّ فلم يضرب حتى خولط ، فقال : « إن كان أوجب على نفسه الحدّ وهو صحيح لا علّة به من ذهاب عقله ، أُقيم عليه الحدّ كائناً من كان » (٣).

وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في المجنون بين المطبق والذي يعتوره أدواراً ، تألّم بالضرب وانزجر به أم لا.

واحتمل بعضٌ في المعتور : انتظار إفاقته إن كان الحدّ جلداً (٤). وآخر : السقوط في المطبق مطلقاً (٥).

وثالث : السقوط مطلقاً إن يحسّ بالألم وكان بحيث لا ينزجر به (٦). والأظهر ما ذكرناه.

( ولا يقام ) الحدّ يعني : الجلد ، ويحتمل الرجم أيضاً إن احتمل‌

__________________

(١) في « ح » : تعطيل الحدّ ، وفي « ن » : فوت الحقّ.

(٢) الوسائل ٢٨ : ١١٧ أبواب حدّ الزنا ب ٢١.

(٣) الفقيه ٤ : ٣٠ / ٨٤ ، التهذيب ١٠ : ١٩ / ٥٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٥ أبواب حدّ الزنا ب ٢٦ ح ١.

(٤) المسالك ٢ : ٤٣٠.

(٥ و ٦) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٠٥.

٥٠١

سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره على قول ـ ( في الحرّ الشديد ولا ) في ( البرد الشديد ) خشية الهلاك ، وللنصوص :

منها : « إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار ، وإذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار » (١).

( و ) كذا ( لا ) يقام عليه الحدّ (٢) ( في أرض العدو ) لئلاّ يلحقه غَيْرَة فليحق بهم ، كما في النصّ : « لا أُقيم على أحد حدّا بأرض العدو حتى يخرج منها ؛ لئلاّ يلحقه الحميّة فيلحق بالعدو » (٣).

وظاهر العبارة ونحوها من عبائر الجماعة كون النهي هنا للحرمة ، وصريح المسالك كونه للكراهة (٤) ، كما يحكى عن ظاهر المنتهي والتذكرة (٥) ؛ ولعلّه لعدم صحّة الرواية ، وإشعار التعليل فيها بالكراهة (٦).

( و ) كذا ( لا ) يقام الحدّ مطلقاً ( على من التجأ إلى الحرم ) لقوله تعالى ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٧) والمراد به : حرم الله سبحانه. وألحق به جماعة ومنهم : الحلّي (٨) حرم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

( و ) لا يسقط عنه الحدّ بذلك إجماعاً ؛ لاستلزامه المفاسد ، بل‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢١٧ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٣٩ / ١٣٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢١ أبواب مقدّمات الحدود ب ٧ ح ٢.

(٢) في « س » و « ن » : الجلد.

(٣) التهذيب ١٠ : ٤٠ / ١٣٩ ، علل الشرائع : ٥٤٤ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٤ أبواب مقدمات الحدود ب ١٠ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) المسالك ٢ : ٤٣٠.

(٥) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ٤٠٣ ، وهو في المنتهي ٢ : ٩٥٤ ، والتذكرة ١ : ٤٣٦.

(٦) في « ن » زيادة : فتأمل.

(٧) آل عمران : ٩٧.

(٨) السرائر ٣ : ٤٤٧.

٥٠٢

( يضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج لل ) استيفاء منه و ( إقامة ) الحدّ عليه.

وللصحيح : في الرجل يجني في غير الحرم ، ثم يلجأ إلى الحرم ، قال : « لا يقام عليه الحدّ ، ولا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يكلّم ، ولا يبايع ، فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ » (١)

( ولو أحدث في الحرم موجب الحدّ ، حُدَّ فيه ) لهتكه الحرمة ، وللصحيحة السابقة ، المتضمّنة لقوله عليه‌السلام بعد ما مرّ منها ـ : « وإن جنى في الحرم جناية ، أُقيم عليه الحدّ في الحرم ، فإنّه لم يرَ للحرم حرمة ».

( وإذا اجتمع الحدّ والرجم ) على أحد ( جُلِد أوّلاً ) ثم رجم .. وكذا إذا اجتمعت حدود ، أو حقوق قصاص ، أو حدّ وقصاص ، بدئ بما لا يفوت معه الآخر ؛ جمعاً بين الحقوق ، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة : في رجل اجتمع عليه حدود فيها القتل ، قال : « يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ، ويقتل بعد » كما في الصحيح (٢) ، ونحوه كثير (٣) باختلاف في الألفاظ يسير.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أيضاً ، وإن اختلفوا في وجوب تأخير الرجم عن الجلد إلى أن يبرأ منه ، كما عن الشيخين والحلبي والقاضي وبني زهرة وحمزة وسعيد (٤) ؛ تأكيداً للزجر.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٢٧ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٣٣ / ٥٦١ ، التهذيب ٥ : ٤١٩ / ١٤٥٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٢٥ أبواب مقدّمات الطواف ب ٣٤ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٢٥٠ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٤٥ ، ١٢٢ / ١٦٤ ، ٤٨٨ ، الوسائل ٢٨ : ٣٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٥ ح ٦.

(٣) انظر الوسائل ٢٨ : ٣٤ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٥.

(٤) المفيد في المقنعة : ٧٧٥ ، الشيخ في النهاية : ٦٩٩ ، الحلبي في الكافي : ٤٠٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٣ ، ابن سعيد في الجامع : ٥٥٠.

٥٠٣

أو العدم وإن استحبّ ، كما عن الحلّي (١) ، ومال إليه جماعة من المتأخّرين ومتأخّريهم (٢).

بل زاد بعضهم المنع عن التأخير (٣) ؛ لظهور أنّ المقصود إنّما هو الإتلاف ، مع ما ورد من أنّه لا نظرة في الحدود (٤).

ويحكى عن الإسكافي قول بوجوب الجلد قبل الرجم بيوم (٥) ؛ لما مرّ في الخبر من أنّ الأمير عليه‌السلام جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة (٦).

وهو شاذٌّ كالمنع عن التأخير ، بل لعلّه إحداث قول ؛ لاتّفاق الفتاوى على الظاهر على جوازه ، وإن اختلفوا في وجوبه وعدمه.

وعلى هذا ، فالتأخير لعلّه أحوط ، وإن لم يظهر للوجوب مستند عليه يعتمد. نعم ، نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب (٧)

( و ) لا ( يدفن المرجوم ) إلاّ ( إلى حقويه ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، كما في صريح الموثّق : « ولا يدفن الرجل إذا رجم‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٣٨.

(٢) منهم العلاّمة في المختلف : ٧٦٠ ، والإرشاد ٢ : ١٧٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٩ : ٨٧ ، والمسالك ٢ : ٤٣٠.

(٣) مفاتيح الشرائع ٢ : ٨٠.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٤ / ٥٦ ، التهذيب ١٠ : ٤٩ ، ٥١ / ١٨٥ ، ١٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدمات الحدود ب ٢٥ ح ١.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٧٦٠.

(٦) راجع ص ٤٧٩.

(٧) السرائر : ٤٣٩.

٥٠٤

إلاّ إلى حقويه » (١) وعليه يحمل ما أُطلق فيه الحفر (٢) حَمْلَ المطلق على المقيّد.

( و ) تدفن ( المرأة ) المرجومة ( إلى صدرها ) على الأظهر الأشهر أيضاً كما مرّ ؛ للخبر : « أتت امرأة أمير المؤمنين عليه‌السلام فقالت : إنّي فجرت ، فأعرض عنها ، ثم استقبلته » إلى أن قال : « فحفر لها حفيرة في الرحبة ، وخاط عليها ثوباً جديداً ، وأدخلها الحفرة إلى الحقو وموضع الثديين » الخبر (٣).

وضعفه بالشهرة منجبر ، مع اعتضاده بما يروى من أخبار أُخر :

كالمرويّ في قضية الغامديّة ، حيث حفر لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصدر (٤).

وقريب منه ما روي من دفن شراحة إلى منكبيها أو ثدييها (٥).

وما روي من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثُّنْدُوَة (٦) (٧).

وعليها يحمل ما أُطلق فيه الحفر لها إلى الوسط ، كالموثّقين : « تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها » (٨).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٨٤ / ٤ ، الوسائل ٢٨ : ٩٩ أبواب حدّ الزنا ب ١٤ ح ٣.

(٢) انظر الوسائل ٢٨ : ١٠٢ أبواب حدّ الزنا ب ١٥ ح ٢.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٠ / ٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٧ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٥.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٣٤٨ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٢١ ، ٢٢٩.

(٥) شرح معاني الآثار ٣ : ١٤٠ ، وانظر كشف اللثام ٢ : ٤٠٣.

(٦) الثُّنْدُوَة : لحم الثدي ، وقيل : أصله لسان العرب ٣ : ١٠٦.

(٧) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٤٣ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٢١.

(٨) أحدهما في : الكافي ٧ : ١٨٤ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٣٤ / ١١٦ ، الوسائل ٢٨ : ٩٨ أبواب حدّ الزنا ب ١٤ ح ١ والآخر في : الكافي ٧ : ١٨٤ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٣٤ / ١١٥ ، الوسائل ٢٨ : ٩٨ أبواب حدّ الزنا ب ١٤ ذيل ح ١.

٥٠٥

ويمكن استفادته من الموثّق الذي مرّ ، فإنّ في صدره كما فيهما. ولو لا أنّ المراد بالوسط فيه إلى الصدر لما كان فرق بينها وبين الرجل ؛ مع حكمه بالفرق بينهما بحفر الرجل إلى الحقو والمرأة إلى الوسط. ولو كان المراد بالوسط إلى السرّة مثلاً كانت مع الحقو قريب المحلّ ؛ لقلّة الزيادة بينهما ، بحيث لا تظهر في الدفن ، فتدبّر ؛ مع أنّ الحفر لها إليها لا قائل به ، فليحمل الوسط على ابتداء الصدر.

وهنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ ، كالمحكيّ عن المقنع من أنّ الحفر للرجل بمقدار ما يقوم فيه ، فيكون بطوله إلى عنقه (١).

وعن المقنعة والغنية : التسوية بين الرجل والمرأة في الحفر لهما إلى الصدر (٢).

وعن المراسم : الحفر له إلى الصدر ، ولها إلى الوسط (٣).

وظاهر النصوص وأكثر الأصحاب لزوم الحفر والدفن.

خلافاً للمحكيّ عن ابن حمزة ، فنفى الأوّل إن ثبت الزنا بالإقرار (٤).

ويردّه صريح الرواية السابقة في دفن الأمير عليه‌السلام المرأة إلى موضع الثديين ، مع ثبوت زناها بإقرارها دون البينة.

وللصدوقين والديلمي وابن سعيد في الثاني ، فلم يذكروه كما‌

__________________

(١) المقنع : ١٤٤.

(٢) المقنعة : ٧٨٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٣) المراسم : ٢٥٢.

(٤) الوسيلة : ٤١١.

٥٠٦

حكي (١) مطلقاً.

وعن الحلبي والغنية : أنّهما يدفنان إن ثبت زناهما بالبيّنة أو بعلم الإمام ، [ لا إن ثبت بالإقرار ] (٢) ليمكنه الفرار إذا أراد (٣).

وعن المفيد : أنّه لم يعتبر دفنه مطلقاً ، وقصر دفنها على ما إذا ثبت زناها بالبيّنة لا بالإقرار (٤).

وحجّة هذه الأقوال (٥) غير واضحة ، زيادة على منافاتها لظاهر النصّ كما عرفته ، مع استلزام عدم وجوب الدفن بعد الحفر خلوّه عن الفائدة ، بل وجوده حينئذٍ كعدمه ، فلا يناسب الحكمة.

واحتمل شيخنا في المسالك (٦) وبعض من تبعه (٧) إيكال الأمر في الحفر إلى الإمام ؛ لما روي من تركه في بعض القضايا (٨).

وفيه : أنّ الظاهر أنّ الرواية عامية ، فلا تصلح للحجّية ، سيّما في مقابلة نصوصنا المعتبرة المستفيضة.

( فإن فرّ ) أحدهما من الحفرة ( أُعيد ) إليها ، إن ثبت الموجب لرجمها بالبيّنة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (٩) ؛

__________________

(١) حكاه عنهم في كشف اللثام ٢ : ٤٠٣.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى ، مع استفادته من عبارة المصدرين.

(٣) الحلبي في الكافي : ٤٠٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٤) المقنعة : ٧٨٠.

(٥) في « ن » زيادة : مع ندرتها.

(٦) المسالك ٢ : ٤٣٠.

(٧) مفاتيح الشرائع ٢ : ٨١.

(٨) سنن الدارمي ٢ : ٨١ ، مسند أحمد ٤ : ٤٣٧ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٤ / ١٦٩٦ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٧ ٢١٨ و ٢٢١.

(٩) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٤١ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٥ : ٣٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٠٣.

٥٠٧

وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ، وصريح النصوص الآتية.

( ولو ثبت الموجب بالإقرار لم يُعد ) إلى الحفيرة ، بلا خلاف إذا كان الفرار بعد إصابة ألم الحجارة ، وكذلك إذا كان قبلها ، وفاقاً للمفيد (١) وجماعة (٢) ، وادّعى عليه الشهرة في الروضة (٣) ؛ لأنّ الفرار بمنزلة الرجوع عن الإقرار ، وهو أعلم بنفسه.

ولإطلاق المرسل بل عمومه ـ : عن المرجوم يفرّ ، قال : « إن كان أقرّ على نفسه فلا يردّ ، وإن كان شهد عليه الشهود يردّ » (٤).

وعموم مفهوم التعليل في قصة ماعز بن مالك ، فإنّه لمّا فرّ ولحقه الزبير وضربه بساق بعير فوقع فلحقوه فقتلوه ، أنكر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : « هلاّ تركتموه إذا هرب يذهب ، فإنّه هو المقرّ على نفسه ، أما لو كان عليٌّ حاضراً لما ضللتم » ، قال : « ووداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيت المال » (٥).

وفي هذه الوجوه نظر ؛ لاختصاص الحكم بالسقوط بالرجوع به بنفسه لا بما هو بمنزلته ، على تقدير تسليم المنزلة ، وإلاّ فهي محلّ المنع ، فإن الفرار أعمّ من الرجوع ، والمنزلة تحتاج إلى دليل.

__________________

(١) المقنعة : ٧٧٥.

(٢) منهم الديلمي في المراسم : ٢٥٢ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، الآبي في كشف الرموز ٢ : ٥٥٢ ، العلاّمة في المختلف : ٧٦١ ، فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٤٨٤ ، الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٤٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٣٠.

(٣) الروضة البهيّة ٩ : ٩١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٤ / ٥٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٣ أبواب حدّ الزنا ب ١٥ ح ٤.

(٥) الكافي ٧ : ١٨٥ / ٥ ، المحاسن : ٣٠٦ / ١٩ ، الوسائل ٢٨ : ١٠١ أبواب حدّ الزنا ب ١٥ ح ١.

٥٠٨

والمرسل بعد الإغماض عن سنده إطلاقه غير نافع ، بعد قوّة احتمال اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة ، كما هو الظاهر في فرار من أقرّ بالزنا على نفسه.

والتعليل في قصّة ماعز وارد في صورة الإصابة ، فلم يشمل غيرها وإن كان العبرة بالعموم دون المورد ؛ بناءً على أنّ صدر الرواية المعلّلة ظاهرٌ في اعتبار الإصابة في عدم الإعادة إلى الحفيرة ، فإنّ فيه : عن المحصن إذا هرب من الحفيرة ، هل يردّ حتى يقام عليه الحدّ؟ فقال : « يُردُّ ، ولا يُردُّ » فقلت : وكيف ذاك؟ فقال : « إن كان هو المقرّ على نفسه ، ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي‌ء من ألم الحجارة لم يُردُّ ، وإن كان إنّما قامت عليه البيّنة وهو يجحد ثم هرب رُدّ وهو صاغر حتى يقام عليه الحدّ ، وذلك أنّ ماعز بن مالك » ثم ساق التعليل كما تقدّم ، فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم الشرط والقيد في صدره ، فيتساقطان لو لم يكن الأوّل صارفاً للثاني عن ظاهره ومخصّصاً له بمورده فلا حجّة فيهما.

والذبّ عن مفهوم الشرط (١) وإن كان ممكناً بدعوى ورود القيد مورد الغالب كما عرفته ، إلاّ أنّ في بعض النصوص ما يدلّ على اعتبار مفهومه هنا ، كالمرسل في الفقيه بغير واحد المحتمل للصحّة عند بعض (٢) ـ : « إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يردّ ، وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة يردّ » (٣).

( و ) لعلّه لذا ( قيل : إن لم تصبه الحجارة يُردّ ) كما عن الشيخ في‌

__________________

(١) في « ن » زيادة : أو القيد.

(٢) مجمع الفائدة ١٣ : ٦٦ ، وروضة المتقين ١٠ : ٤١ وملاذ الأخيار ١٦ : ٩٨.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤ / ٥٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٣ أبواب حدّ الزنا ب ١٥ ح ٥.

٥٠٩

النهاية والقاضي والإسكافي (١).

لكن قصور سند الروايتين بل ضعفهما يمنع عن العمل بهما ، إلاّ أنّ مقتضى الأصل بقاء الحدّ ، وينبغي الاقتصار في إسقاطه على القدر المتيقّن سقوطه منه بالنصّ والإجماع ، وهو الزائد عن ألم الحجارة ، ويمكن أن يجبر به قصور السند. لكن الشهرة الظاهرة والمحكية ربما توجب التردّد ، كما هو ظاهر السرائر والتحرير والصيمري (٢) ، ومقتضاه عدم الإعادة درءاً للحدّ بالشبهة.

كلّ ذا في الرجم.

وأمّا الجلد ، فالفرار منه غير نافع ، بل يعاد إليه مطلقاً ولو ثبت زناه بالإقرار وفرّ بعد إصابة الألم ، بلا خلاف ؛ للعمومات ، مضافاً إلى الأصل ، واختصاص المخرج عنه بالرجم.

ولصريح الخبر : الزاني يجلد فيهرب بعد أن أصابه بعض الحدّ ، أيجب عليه أن يخلّى عنه ولا يردّ كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال : « لا ، ولكن يردّ حتى يضرب الحدّ كاملاً » قلت : فما فرق بينه وبين المحصن وهو حدّ من حدود الله تعالى؟ قال : « المحصن هرب من القتل ، ولم يهرب إلاّ إلى التوبة ، لأنّه عاين الموت بعينه ، وهذا إنّما يجلد فلا بدّ أن يوفى الحدّ ؛ لأنّه لا يقتل » (٣).

( ويبدأ الشهود بالرجم ) ثم الإمام ، ثم الناس ، إن ثبت الموجب‌

__________________

(١) النهاية : ٧٠٠ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢٧ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٦٠.

(٢) السرائر ٣ : ٤٥٢ ، التحرير ٢ : ٢٢٢ ، غاية المرام ٤ : ٣١٨.

(٣) التهذيب ١٠ : ٣٥ / ١١٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٤٠ أبواب حدّ الزنا ب ٣٥ ح ١.

٥١٠

بالبيّنة. ( ولو كان مقرّاً ) أي ثبت زناه بإقراره ( بدأ الإمام ) ثم الناس ، كما في المرسلة (١) كالصحيحة بعبد الله بن المغيرة المرويّة في الفقيه وغيره لكن من دون عبد الله.

وظاهرها كالأكثر وصريح جمع (٢) الوجوب في المقامين ، وعن صريح الخلاف وظاهر المبسوط دعوى الإجماع عليه فيهما (٣) ؛ وهو الحجّة المقيّدة مضافاً إلى المرسلة لإطلاق ما دلّ على بدأة الإمام ، بحمله على الصورة الثانية.

ويؤيّد الحكم فيها بدأة الأمير عليه‌السلام بالرجم في قصّة شراحة الهمدانيّة (٤) وغيرها (٥) ، الثابت زناهما بإقرارهما دون البيّنة.

قيل : ويحتمل الاستحباب ؛ لضعف المستند عن إثبات الوجوب ، وللأخبار المستفيضة بقصّة ماعز (٦) ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحضر فضلاً عن بدأته به (٧).

وفيه نظر ؛ لانجبار الضعف بالعمل زيادةً على ما مرّ إن أُريد به الضعف من حيث السند ؛ وإن أُريد به من حيث الدلالة فمسلّم إن أُريد به الضعف عن الصراحة ، لكنّه غير قادح في الحجّية ؛ وإن أُريد به الضعف‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٨٤ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٩ / ٤٣ ، التهذيب ١٠ : ٣٤ / ١١٤ ، الوسائل ٢٨ : ٩٩ أبواب حدّ الزنا ب ١٤ ح ٢.

(٢) منهم المحقّق في الشرائع ٤ : ١٥٧ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٥٦ ، والإرشاد ٢ : ١٧٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ٩ : ٩٥ ، وانظر الوسيلة : ٤١٢.

(٣) الخلاف ٥ : ٣٧٧ ، المبسوط ٨ : ٤.

(٤) المتقدّمة في ص ٤٧٩.

(٥) انظر الوسائل ٢٨ : ١٠٧ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٥.

(٦) المتقدّمة في ص ٥٠٧.

(٧) انظر المسالك ٢ : ٤٣٠.

٥١١

عن الظهور ففيه منع.

والمستفيضة ، قيل : ما تضمّنت أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحضر ، بل غايتها عدم تضمّنها أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضر ، وأحدهما غير الآخر ، فيحتمل الحضور ولم ينقل. ولو سلّم الدلالة على عدم حضوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيحتمل كونه لمانع.

( ويجلد ) الرجل ( الزاني قائماً مجرّداً ) كما في المعتبرة المستفيضة ، منها الموثّق كالصحيح : « يضرب الرجل قائماً ، والمرأة قاعدة ، ويضرب كلّ عضو ، ويترك الرأس والمذاكير » (١).

وفي مثله : عن الزاني كيف يجلد؟ قال : « أشدّ الجلد » فقلت : من فوق الثياب؟ فقال : « بل يجرّد » (٢).

ونحوهما موثّقان آخران (٣).

وبمضمونها أفتى الفاضلان هنا وفي الشرائع والإرشاد والقواعد ، وشيخنا في الروضة (٤) ، والصيمري في شرح الشرائع مدّعياً أنّه المشهور (٥). وفيه نظر.

( وقيل ) كما عن الشيخ (٦) وجماعة (٧) ، بل ادّعى عليه الشهرة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٨٣ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٠ / ٤٥ ، التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠٤ ، الوسائل ٢٨ : ٩١ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ١ ؛ بتفاوت.

(٢) الكافي ٧ : ١٨٣ / ٣ ، الوسائل ٢٨ : ٩٢ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٣.

(٣) أحدهما في : الكافي ٧ : ١٨٣ / ٢ ، الوسائل ٢٨ : ٩٢ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٢.

والآخر في التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠٢ ، الوسائل ٢٨ : ٩٢ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ذيل ح ٣.

(٤) الشرائع ٤ : ١٥٧ ، الإرشاد ٢ : ١٧٣ ، القواعد ٢ : ٢٥٤ ، الروضة ٩ : ١٠٧.

(٥) غاية المرام ٤ : ٣٢٠.

(٦) النهاية : ٧٠٠.

(٧) منهم الصدوق في المقنع : ١٤٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٧ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٣ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢٧.

٥١٢

جماعة (١) ، وعليه الإجماع في ظاهر الغنية (٢) ـ : أنّه يضرب على الحالة التي وجد عليها ، فإن وجد عارياً جلد كذلك ، و ( إن وجد بثيابه جلد بها ).

للخبر : « لا يجرّد في حدّ ولا يشبح يعني : يمدّ ويضرب الزاني على الحالة التي وجد عليها ، إن وجد عرياناً ضرب عريانا ، وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه » (٣).

وضعف سنده مع قصوره عن مقاومة ما قابلة يمنع عن العمل به ، إلاّ أن يجبر جميع ذلك بالشهرة وحكاية الإجماع المتقدّمة ، مع بناء الحدود على التخفيف ، فتدرأ بالشبهة. ولا بأس به ، لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يمنع الثوب من إيصال شي‌ءٍ من ألم الضرب كما عن ظاهر المبسوط وصريح الحلّي (٤) تحصيلاً لفائدة الجلد ، وعملاً بما دلّ على ضربه ( أشدّ الضرب ) كما هو الأظهر الأشهر.

ففي الموثّق زيادةً على ما مرّ ـ : « حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود » (٥) ونحوه غيره (٦).

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٤٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٣١ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٠٢.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٠ / ٤٧ ، التهذيب ١٠ : ٣٢ / ١٠٦ ، قرب الإسناد : ١٤٣ / ٥١٤ ، الوسائل ٢٨ : ٩٣ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٧.

(٤) المبسوط ٨ : ٦٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٥٢.

(٥) الفقيه ٤ : ٤٦ ، التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠٣ ، الوسائل ٢٨ : ٩٢ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٤.

(٦) الكافي ٧ : ١٨٣ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠٢ ، الوسائل ٢٨ : ٩٢ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٣.

٥١٣

وفيما كتب مولانا الرضا عليه‌السلام لمحمّد بن سنان : « وعلّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد كلّه به ، فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره ، وهو أعظم الجنايات » (١).

وفيه تأييد لاعتبار التجريد ، مضافاً إلى ما قيل من أنّ حقيقة الجَلد ضرب الجلد ، كقولهم : جلد ظهره وبطنه ورأسه ، أي ضرب ظهره وبطنه ورأسه (٢).

( وقيل ) : يضرب ( متوسّطاً ) (٣) أي ضرباً بين الضربين ، كما في المرسل (٤). وهو شاذّ.

( ويفرّق ) الضرب ( على ) جميع ( جسده ) من أعالي بدنه إلى قدمه ؛ لمّا مرّ من التعليل بأنّه استلذّ بجميع أعضائه.

( و ) لكن ( يتّقي ) رأسه و ( وجهه وفرجه ) على المشهور ، كما في النصوص :

منها زيادةً على ما مرّ المرسل : « يفرّق الحدّ على الجسد كلّه ، ويتّقى الفرج والوجه » (٥).

والخبر : « الرجم والضرب لا يصيبان الوجه » (٦).

واقتصر جماعة على استثناء الوجه والفرج ، كما عن الشيخ في‌

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٥ / ١ ، علل الشرائع : ٥٤٤ / ٢ ، الوسائل ٢٨ : ٩٤ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٨.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٠٢.

(٣) المبسوط : ٨ : ٦٨.

(٤) التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠٥ ، الوسائل ٢٨ : ٩٣ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٦.

(٥) التهذيب ١٠ : ٣١ / ١٠٥ ، الوسائل ٢٨ : ٩٣ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٦.

(٦) التهذيب ١٠ : ٥١ / ١٩١ ، الوسائل ٢٨ : ١٠١ أبواب حدّ الزنا ب ١٤ ح ٦.

٥١٤

المبسوط والخلاف (١) ، وحكى في الأوّل استثناء الرأس قولاً ، وفي الخلاف عن أبي حنيفة ، وادّعى الإجماع على خلافه.

واقتصر الحلبي على الرأس والفرج (٢) ، ولعلّه أدخل الوجه في الرأس.

ويؤيّد استثناءه زيادةً على النصّ أنّ ضربه ربما أوجب العمى ، واختلال العقل ، ونحو ذلك ممّا ليس بمقصود من الجلد.

( وتضرب المرأة جالسة ) كما في الموثّق السابق (٣) ( وتربط ) عليها ( ثيابها ) على الأشهر الأقوى ؛ لما ذكره الشيخان (٤) وغيرهما (٥) من أن لا تهتك فتبدو عورتها ، وللأمر به لمّا أُريد رجمها في بعض النصوص ، في امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام بالفجور ، قال : « فحفر لها حفيرة في الرحبة ، وخاط عليها ثوباً جديداً ، وأدخلها الحفيرة » (٦).

وفيما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر فشدّت على الجهنيّة ثيابها ثم رجمت (٧).

خلافاً للمقنع ، فجعلها كالرجل في جلدها عريانةً إن وجدت كذلك (٨).

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٨ ، ٦٩ ، الخلاف ٥ : ٣٧٥.

(٢) الكافي في الفقه : ٤٠٧.

(٣) راجع ص ٥١٠.

(٤) المفيد في المقنعة : ٧٨٠ ، الشيخ في النهاية : ٧٠١.

(٥) كالحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٧ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ٩ : ١٠٧.

(٦) الفقيه ٤ : ٢٠ / ٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٧ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٥.

(٧) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٤٢٩ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٧.

(٨) المقنع : ١٤٤.

٥١٥

ومستنده مع مخالفته لما مرّ غير واضح ؛ مع شذوذه ، وإن نسبه في الروضة إلى الشيخ وجماعة (١). والخبر المتقدّم (٢) بضرب الزاني عرياناً إن وجد عرياناً مختصّ بالرجل ؛ لظاهر الصيغة ، وإرادة الجنس منه بحيث يشمل الزانية تغليباً مجازٌ يحتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة ، بل القرينة على خلافه بعد التبادر موجودة ، كما عرفته.

( ولا يضمن ديته لو قتله الحدّ ) كما هنا وفي السرائر (٣) ؛ للأصل ، مع عدم المخرج عنه بعد وقوع الفعل بأمر الشارع ، ولصريح المرسل : « من ضربناه حدّا من حدود الله تعالى فمات فلا دية له علينا ، ومن ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإن ديته علينا » (٤).

( ويدفن المرجوم ) والمرجومة ( عاجلاً ) في مقابر المسلمين ، بعد تغسيله إن لم يكن قد اغتسل ، والصلاة عليه ، بلا خلاف في الظاهر محكيّ عن المبسوط (٥) ؛ لإسلامه ، وعدم مانعيّة ذنبه السابق.

وفي النبويّ في المرجومة : « لقد تابت توبة لو قسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟! » (٦).

ونحوه آخر : « لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس (٧) لغفر له ، ثم‌

__________________

(١) الروضة ٩ : ١٠٧.

(٢) في ص ٥١١.

(٣) السرائر ٣ : ٤٥٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٥١ / ١٨٣ ، الوسائل ٢٨ : ١٧ أبواب مقدّمات الحدود ب ٣ ح ٤.

(٥) المبسوط ٨ : ٤.

(٦) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٤٢٩ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٧.

(٧) المَكْس : ما يأخذه العشّار. أو : الضريبة التي يأخذها الماكس واصلة الجنابة لسان العرب ٦ : ٢٢٠.

٥١٦

أمر بها فصلّى عليها ودفنت » (١).

وفي المرتضوي : « فأمر فحفر له وصلّى عليه ودفنه ، فقيل : يا أمير المؤمنين ، ألا تغسّله؟ فقال : قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة ، لقد صبر على أمر عظيم » (٢).

وفي آخر في المرجومة : « ادفعوها إلى أوليائها ، ومروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم » (٣).

( ويستحبّ ) للإمام أو الحاكم ( إعلام الناس ) بحدّه ؛ للتأسّي ، و ( ليتوفّروا ) على حضوره ؛ تحصيلاً للاعتبار والانزجار ، كما يقتضيه حكمة الحدود.

( ويجب أن يحضره طائفة ) كما في ظاهر الآية ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) وبه صرّح الحلّي (٥) وجماعة (٦).

( وقيل ) : إنّه ( يستحب ) للأصل ، وبه صرّح آخرون ، ومنهم : الماتن في الشرائع ، تبعاً للشيخ في المبسوط والخلاف (٧) نافياً عنه الخلاف ، فإن تمّ صرف به ظاهر الأمر ، وإلاّ فالأصل مخصّص به لا صارف له.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٣٤٨.

(٢) الكافي ٧ : ١٨٨ / ٣ ، تفسير القمّي ٢ : ٩٧ ، الوسائل ٢٨ : ٩٩ أبواب حدّ الزنا ب ١٤ ح ٤.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٠ / ٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٧ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٥.

(٤) النور : ٢.

(٥) السرائر ٣ : ٤٥٣.

(٦) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٥٤ ، الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٤٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٣٠.

(٧) الشرائع ٤ : ١٥٧ ، المبسوط ٨ : ٨ ، الخلاف ٥ : ٣٧٤.

٥١٧

( وأقلّها ) أي الطائفة ( واحد ) كما هنا وفي الشرائع وشرحه للصيمري والإرشاد وعن الجامع وفخر الدين ومجمع البيان وظاهر التبيان وأبي العبّاس وابن عبّاس (١) ؛ للأصل ، مع شمول لفظها للواحد في اللغة كما عن الفرّاء (٢) بناءً على كونها بمعنى : القطعة ؛ ولقوله تعالى ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (٣) بدليل قوله سبحانه ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) (٤) ولقول الأمير عليه‌السلام في الآية : « الطائفة : واحد » (٥) وقد روي ذلك في التبيان والمجمع عن الباقر عليه‌السلام (٦).

خلافاً للخلاف ، فأقلّها عشرة ؛ للاحتياط ، لاشتمالها على جميع ما قيل هنا (٧). وهو كما ترى.

وللحلّي ، فثلاثة ؛ للعرف ، قال : وشاهد الحال يقتضي ذلك أيضاً وألفاظ الأخبار ؛ لأنّ الحدّ إذا كان قد وجب بالبيّنة فالبيّنة ترجمه وتحضره ، وهم أكثر من ثلاثة ، وإن كان الحدّ باعترافه فأوّل من يرجمه الإمام ، ثم الناس مع الإمام (٨).

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٥٧ ، غاية المرام ٤ : ٣٢٠ ، إرشاد الأذهان ٢ : ١٧٣ ، الجامع للشرائع : ٥٤٩ ، فخر الدين في إيضاح الفوائد ٤ : ٤٨٢ ، مجمع البيان ٤ : ١٢٤ ، التبيان ٧ : ٤٠٦ ، أبو العبّاس في المقتصر : ٤٠٢ ، حكاه عن ابن عبّاس في المبسوط ٨ : ٨.

(٢) معاني القرآن ٢ : ٢٤٥.

(٣) الحجرات : ٩.

(٤) الحجرات : ١٠.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٥٠ / ٦٠٢ ، الوسائل ٢٨ : ٩٣ أبواب حدّ الزنا ب ١١ ح ٥.

(٦) التبيان ٧ : ٤٠٦ ، مجمع البيان ٤ : ١٢٤.

(٧) الخلاف ٥ : ٣٧٤.

(٨) السرائر ٣ : ٤٥٤.

٥١٨

أقول : وله شواهد من كلام أهل اللغة أيضاً (١) ، فقوله لا يخلو عن قوّة ، لو لا الرواية المتقدّمة المعتضدة بفتوى هؤلاء الجماعة ، وإلى هذا القول يميل الفاضل في المختلف والمقداد في التنقيح وشيخنا في الروضة (٢) ، حيث رجّحوا العرف ، ودلالته على الثلاثة فصاعداً واضحة ، كما صرّح به في الروضة.

( ولا ) يجوز أن ( يرجمه من لله تعالى قبله حدّ ) لظاهر النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح وما يقرب منه وغيرهما : « لا يقيم الحدّ من لله تعالى عليه حدّ ، فمن كان لله تعالى عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ » (٣).

وفي الصحيح المرويّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم والمرفوع : « لا يقيم حدود الله تعالى من في عنقه حدّ » (٤).

وفي مرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة : « من فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف » (٥) ونحوها خبران آخران (٦).

__________________

(١) انظر معجم مقاييس اللغة ٣ : ٤٣٢ ، وقال الجبائي : من زعم أنّ الطائفة أقلّ من ثلاثة فقد غلط من جهة اللغة. حكاه عنه في التبيان ٧ : ٤٠٦.

(٢) المختلف : ٧٦١ ، التنقيح ٤ : ٣٤٤ ، الروضة ٩ : ٩٦.

(٣) الكافي ٧ : ١٨٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٢ / ٥٢ ، التهذيب ١٠ : ٩ / ٢٣ ، و ١١ / ٢٤ ، الوسائل ٢٨ : ٥٣ أبواب مقدّمات الحدود ب ٣١ ح ١.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٩٦ ، الكافي ٧ : ١٨٨ / ٣ ، الوسائل ٢٨ : ٥٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ٣١ ح ٣.

(٥) الكافي ٧ : ١٨٨ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١١ / ٢٥ ، الوسائل ٢٨ : ٥٤ أبواب مقدّمات الحدود ب ٣١ ح ٢.

(٦) أحدهما في : الفقيه ٤ : ٢١ / ٥١ ، الوسائل ٢٨ : ٥٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ٣١ ح ٤.

والآخر في : الفقيه ٤ : ٢٤ / ٥٣ ، الوسائل ٢٨ : ٥٦ أبواب مقدّمات الحدود ب ٣١ ح ٥.

٥١٩

( وقيل : يكره ) ذلك ولا يحرم ، كما هو ظاهر الأكثر ، بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري (١).

قيل : للأصل ، مع قصور سند النهي عن إفادة التحريم ، فليحمل على الكراهة (٢).

وهو حسن إن سلّم قصور السند ، وهو ممنوع ؛ لما عرفت من وجود الصحيحة ، وكالصحيحة متعدّدة ، معتضدة بغيرها من أخبار كثيرة ، فيخصّص بها الأصل.

وأضعف منه ما استدلّ به بعض الأصحاب (٣) من وجوب القيام بأمر الله تعالى ، وعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والرجم من هذا القبيل ، وذلك فإنّ مقتضاه الوجوب ، وهو ينافي الكراهة المتّفق عليها ظاهراً.

وهل يختصّ الحكم بالحدّ الذي أُقيم على المحدود ، أو مطلق الحدّ؟

إطلاق العبارة ونحوها يدلّ على الثاني ، والمرسلة على الأوّل ، وصدر الصحيحة الأُولى يدلّ بإطلاقه على الثاني ، وذيلها يحتملهما. ولكنّه على الأوّل أدلّ ؛ لأنّ ظاهر المماثلة اتّحادهما صنفاً. ووجه احتمال إرادة ما هو أعمّ : أنّ مطلق الحدود متماثلة في أصل العقوبة.

__________________

(١) غاية المرام ٤ : ٣٢٠.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٤٣١ ، والمفاتيح ٢ : ٨١.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٣٤٥.

٥٢٠