رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

ففي الصحيح : « لا تجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة ، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان » (١).

خلافاً للعماني والمفيد والديلمي (٢) ، فلم يثبتوه به ، بل خصّوه بالأوّل ؛ لكونه المنصوص في الكتاب الكريم ، فيرجع في غيره إلى الأصل ، وللصحيح : « إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم » (٣) مضافاً إلى النصوص المانعة عن قبول شهادتهنّ في الحدّ (٤) ، ولذا توقّف في المختلف (٥).

وهو في غاية الضعف ؛ إذ ليس في الكتاب ما يدلّ على الحصر.

والأصل مخصّص بما مرّ.

والصحيح : مع قصوره عن معارضته من وجوه موافق لما عليه أكثر العامّة ، كما ذكره الشيخ ، حاملاً له لذلك على التقيّة (٦).

والنصوص الأخيرة مخصّصة بما ذكرناه من الأدلّة المعتضدة مع كثرتها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، ولذا لم ينقل الأكثر فيه خلافاً ، وحسبه جملة إجماعاً أو ما يقرب منه ، أو‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩١ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٦٤ / ٧٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٣ / ٧٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٣ كتاب الشهادات ب ٢٤ ح ١٠.

(٢) حكاه عن العماني في المختلف : ٧١٤ ، المفيد في المقنعة : ٧٧٥ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٢.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٦٥ / ٧٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ / ٧٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٨ كتاب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٨.

(٤) انظر الوسائل ٢٧ : كتاب الشهادات ب ٢٤ ح ٢٩ ، ٣٠ ، ٤٢.

(٥) المختلف : ٧١٥.

(٦) الاستبصار ٣ : ٢٤.

٤٦١

محمولة على شهادتهنّ منفردات ، أو غير ذلك.

( ولو شهد رجلان وأربع نساء ، يثبت بهم الجلد لا الرجم ) وفاقاً للنهاية والإسكافي والحلّي وابن حمزة والفاضل في التحرير والإرشاد والقواعد والشهيدين في اللمعتين (١) ، وبالجملة : المشهور ، على الظاهر المصرّح به في كلام الخال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله (٢).

ومستندهم غير واضح ، عدا ما قيل (٣) من الخبر : « تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال » (٤) وحيث انتفى الرجم ثبت الجلد.

وفيه بعد الإغماض عن السند ـ : عدم قولهم بعمومه ، مع معارضته بعموم ما مرّ من النصوص بعدم قبول شهادتهنّ في الحدود.

وخصوص الصحيح : « وتجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم » (٥).

وليس في ذكر الزنا مع الرجم فائدة إلاّ بيان عدم ثبوت الجلد أيضاً بشهادتهن ، وتخصيص الزنا بالرجم يوجب التكرار ، فمع ذلك كيف يمكن‌

__________________

(١) النهاية : ٦٩٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف. ٧١٥ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٣١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٠٩ ، التحرير ٢ : ٢٢٠ ، الإرشاد ٢ : ١٧٢ ، القواعد ٢ : ٢٥١ ، الروضة البهية ٣ : ١٤٠.

(٢) مرآة العقول ٢٤ : ٢٣٩ ، ملاذ الأخيار ١٠ : ١٣٤ ، ١٣٦.

(٣) انظر المسالك ٢ : ٤١٣.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٧٠ / ٧٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠ / ١٠٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٦ ، كتاب الشهادات ب ٢٤ ح ٢١.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩١ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٣١ / ٩٤ ، التهذيب ٦ : ٢٦٤ / ٧٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٣ / ٧٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٢ كتاب الشهادات ب ٢٤ ح ٧.

٤٦٢

الخروج عن الأصل؟! ولعلّه لذا ذهب جماعة منهم : الصدوقان والقاضي والحلبي والفاضل في المختلف (١) وغيره من المتأخّرين (٢) إلى عدم ثبوت الجلد بذلك أيضاً ؛ عملاً بالأصل.

لكن في الموثّق كالصحيح : عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان « وجب عليه الرجم ، وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ، ولكن يضرب حدّ الزاني » (٣).

وهو مع اعتبار سنده وحجّيته ، سيّما بعد اعتضاده بالشهرة الظاهرة والمحكيّة صريح فيما ذكروه ، فقولهم في غاية القوّة.

وأمّا قول الشيخ في الخلاف بثبوت الرجم هنا أيضاً (٤) ، فضعيف جدّاً ؛ لتصريح جملة من النصوص المتقدّمة ومنها الصحيح المتقدّم (٥) بعدم ثبوت الرجم به ؛ ولعلّه لذا لم يوافقه أحد ، ولم ينقل موافق له.

( و ) بفحوى أدلّة المنع هنا يستدلّ على أنّه : ( لا تقبل شهادة ستّ نساء ورجل ، ولا شهادة النساء منفردات ) عن الرجال مطلقاً ؛ مع أنّه‌

__________________

(١) حكاه عن الصدوقين في المختلف : ٧١٥ ، وانظر المقنع : ١٣٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٨ ، ولكنّه صرّح في كتاب الحدود ( ٢ : ٥٢٦ ) بثبوت الجلد بها ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٦ ، المختلف : ٧١٥.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٤١٣ ، والمفاتيح ٢ : ٦٥ ، والكفاية : ٢٨٤.

(٣) الفقيه ٤ : ١٦ / ٢٦ ، التهذيب ١٠ : ٢٦ / ٨٠ ، الوسائل ٢٨ : ١٣٢ أبواب حدّ الزنا ب ٣٠ ح ١.

(٤) الخلاف ٦ : ٢٥١.

(٥) في ص ٤٦١.

٤٦٣

لا خلاف فيه إلاّ من الخلاف ، فقال : يثبت بشهادتهم الحدّ دون الرجم (١). ولا ريب في شذوذه ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٢) ، مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه ، فلا يُعبأ به ، سيّما بعد قيام الأدلّة المتقدّمة على ردّه.

( ولو شهد ما دون الأربعة ) أو ما في معناها ( لم يثبت ) الحدّ مطلقاً ( وحُدّوا للفِرية ) بالإجماع ، ونصّ الكتاب ، والسنّة (٣) ، فقال سبحانه ( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) (٤) وسيأتي أنّه إذا لم يحضر الرابع ، وشهد ثلاثة ، حُدّوا للفِرية ولم يرتقب حضوره (٥).

( ولا بدّ في الشهادة من ذكر ) الشهود ( المشاهدة ) للإيلاج في الفرج ( كالميل في المكحلة ) للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح : « لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج » (٦) وبمعناه آخر (٧) ، والخبران (٨).

__________________

(١) الخلاف ٦ : ٢٥١.

(٢) المفاتيح ٢ : ٦٥.

(٣) انظر الوسائل ٢٨ : ٩٦ ، ٩٧ أبواب حد الزنا ب ١٢ ح ٨ ، ٩.

(٤) النور : ١٣.

(٥) في ص ٤٦٧.

(٦) الكافي ٧ : ١٨٣ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٢ / ٣ ، الإستبصار ٤ : ٢١٧ / ٨١٤ ، الوسائل ٢٨ : ٩٤ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ٢.

(٧) الكافي ٧ : ١٨٣ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٢ / ٤ ، الإستبصار ٤ : ٢١٧ / ٨١٥ ، الوسائل ٢٨ : ٩٤ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ١.

(٨) أحدهما في : الفقيه : ٤ : ١٥ / ٢٤ ، الوسائل ٢٨ : ٩٧ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ١١.

والآخر في : الكافي ٧ : ١٨٤ / ٥ ، الوسائل ٢٨ : ٩٥ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ٥.

٤٦٤

وفي الموثّق : « لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة » (١).

ولأنّ الشهادة إنّما تُسمَع بما عُوينَ أو سُمِع ، ولا معنى للزنا حقيقةً إلاّ ذلك ، فلا تسمع الشهادة به إلاّ إذا عُوينَ كذلك ، وربما أُطلق على غيره من التفخيذ ونحوه ، فلو لم يصرّح الشهود به لم تكن الشهادة نصّاً في الموجب للحدّ.

وأمّا الموثّق : « إذا شهد الشهود على الزاني أنّه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، أُقيم عليه الحدّ » الخبر (٢).

فقاصرٌ عن مقاومة ما مرّ سنداً وعدداً وعملاً ؛ إذ لا قائل به عدا الشيخ ، حيث احتمل العمل به بعد تخصيصه الحدّ بالجلد دون الرجم (٣) ، ومحصّله : عدم اعتباره المعاينة في الجلد خاصّة.

واحتمله أيضاً خالي العلاّمة المجلسي رحمه‌الله فقال بعد ذكر نحو هذه الرواية ممّا ورد بتمام الحدّ في الرجلين أو الرجل والمرأة يوجدان تحت لحاف واحد ، والأخبار المعارضة لها ، المتقدّم إلى جميعها الإشارة (٤) ـ : والأظهر في الجمع بين الأخبار مع قطع النظر عن الشهرة أن يؤخذ بالأخبار الدّالة على تمام الحدّ ، بأن يقال : لا يشترط في ثبوت الجلد‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٨٤ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٢ / ١ ، الإستبصار ٤ : ٢١٧ / ٨١٢ ، الوسائل ٢٨ : ٩٥ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٨٢ / ٨ ، التهذيب ١٠ : ٤٢ / ١٥٢ ، الإستبصار ٤ : ٢١٥ / ٨٠٣ ، الوسائل ٢٨ : ٨٨ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ١٣.

(٣) الاستبصار ٤ : ٢١٨.

(٤) في ص ٤٥٠.

٤٦٥

المعاينة كالميل في المكحلة ، ويحمل الأخبار الدّالة على اشتراط ذلك على الرجم كما هو الظاهر من أكثرها ، ويحمل الأخبار الدالّة على ما نقص على التقيّة لموافقتها لمذهبهم. إلى آخر ما ذكره (١).

وهو حسن ، إلاّ أنّه لمخالفته الأصحاب كافّة هنا حيث اعتبروا المعاينة مطلقاً من غير خلاف بينهم أجده ، والأمر الاعتباري الذي تقدّم إليه أخيراً الإشارة مشكلٌ غايته ، سيّما مع عدم ظهور فتوى الشيخ بذلك ، حيث ذكره على وجه الاحتمال ، ومع ذلك احتمل فيه أيضاً ما يوافق الأصحاب من إرادة التعزير من الحدّ ، فليس الاحتمال فيه إلاّ للجمع.

والخال رحمه‌الله أيضاً احتمل محامل أُخر ، بحيث يظهر منه عدم تعيّن الأوّل عنده ؛ مع إشعار قوله : مع قطع النظر عن الشهرة ، به. هذا.

مع أنّ النصوص التي احتمل بها عدم اعتبار المعاينة في الجلد خاصّة لا تدلّ عليه كلّيةً ، بل غايتها الدلالة عليه في موردها خاصّة ، وهو صورة اجتماع الرجلين مثلاً تحت لحاف واحد ، فلا دلالة فيها على المدّعى كلّيةً ، ولا إجماع مركب يوجبها ؛ لما عرفت من وجود قائل بها وإن ندر ، كالمقنع والإسكافي (٢).

وقوّاها أيضاً شيخنا الشهيد الثاني (٣) ، لا من حيث الاحتمال الذي ذكره ولذا لم يحتمله هو ولا غيره في محلّ البحث بل من حيث كونها‌

__________________

(١) مرآة العقول ٢٣ : ٢٧٦ ٢٧٧.

(٢) راجع ص ٤٥١.

(٣) انظر المسالك ٢ : ٤٣٣.

٤٦٦

أكثر عدداً وأصحّ سنداً من نصوص التعزير عنده ، فكأنّه خرج عن الأصل بها في موردها خاصّة.

وبالجملة : الأظهر عدم إمكان المصير إلى ذلك الاحتمال ، فينبغي طرح الموثّق ، أو حمله على الاحتمال الثاني للشيخ ، أو على ما ذكره بعض الأصحاب من كون التعبير بهذه العبارة في كلامه عليه‌السلام كناية عن قول الشاهد : إنّه وطئها (١).

( ولا بدّ ) مع ذلك ( من تواردهم ) واتّفاقهم ( على الفعل الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد ) فلو اختلفوا في أحدها بأن شهد بعضهم على وجه مخصوص والباقون على غيره ، أو شهد بعضهم بالزنا غدوة والآخرون عشية ، أو شهد بعضهم في زاوية مخصوصة أو بيت والآخرون في غيره لم يُحَدّ المشهود عليه ، وحُدّوا للفِرية ، بلا خلاف ؛ لأنّ كلّ واحد من الفعل الواقع على أحد الوجوه غير الفعل الآخر ، فلم يقم على الفعل الواحد أربعة شهود.

وللموثّق : ثلاثة شهدوا أنّه زنى بفلانة ، وشهد رابع أنّه لا يدري بمن زنى ، قال : « لا يحدّ ولا يرجم » (٢) وظاهره كالعبارة ونحوها أنّه لا بدّ إذا تعرّض بعضهم لخصوصيّة أحد القيود الثلاثة من تعرّض الباقي لها واتّفاقهم عليها.

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٣٩٦.

(٢) الكافي ٧ : ٢١٠ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٢٨ / ٧١ ، التهذيب ١٠ : ٢٥ / ٧٥ ، الإستبصار ٤ : ٢١٨ / ٨١٧ ، الوسائل ٢٨ : ٩٥ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.

٤٦٧

خلافاً لشيخنا في المسالك والروضة (١) وبعض من تبعه (٢) ، فقالا بعدم اشتراط التعرّض لها مطلقاً ولو تعرّض بعضهم لها ؛ لخلوّ النصوص وكلام المتقدّمين عنه ، وعدم دليل عليه ، قالا : ويمكن تنزيل العبارة ونحوها على ذلك ، بحمل عدم القبول على تقدير التعرّض لذلك والاختلاف فيه.

وهو حسن لولا الموثّق المتقدّم الظاهر في الاشتراط في بعض الأفراد ، ويتمّ في غيره بعدم القائل بالفرق بين الأصحاب.

( و ) لا بدّ أيضاً من اجتماعهم حال إقامة الشهادة دفعةً ، بمعنى : أن لا يحصل بين الشهادات تراخٍ عرفاً ، لا بمعنى : تلفّظهم بها دفعةً ، وإن كان جائزاً ، فـ ( لو أقام الشهادة بعض ) الشهود في غيبة الباقي ( حُدّوا ) للفرية (٣) ( ولم يُرتَقَب ) (٤) أي لا ينتظر ( إتمام البيّنة ) لأنّه لا تأخير في حدّ ، كما في الخبر : « في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أين الرابع؟ فقالوا : الآن يجي‌ء ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : حدّوهم ، فليس في الحدود نظرة ساعة » (٥).

وفي آخر : عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا وقالوا : الآن يأتي الرابع ، قال : « يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ رجل منهم » (٦).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٢٧ ، الروضة ٩ : ٥١ ٥٣.

(٢) مفاتيح الشرائع ٢ : ٦٦.

(٣) ليست في « س » و « ب ».

(٤) في المختصر المطبوع (٢١٥) : لو لم يُرتَقَب.

(٥) الكافي ٧ : ٢١٠ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٤ / ٥٦ ، التهذيب ١٠ : ٤٩ ، ٥١ / ١٨٥ ، ١٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٩٦ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ٨.

(٦) التهذيب ١٠ : ٥١ / ١٨٩ ، الوسائل ٢٨ : ٩٧ أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ٩.

٤٦٨

وقصور السند مجبور بعدم الخلاف في الحكم ، إلاّ من محتمل الخلاف ، حيث قال : إذا تكاملت شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم ، سواء شهدوا في مجلس واحد أو مجالس وشهادتهم متفرّقين أحوط (١).

وفي المختلف حمل كلامه على تفرّقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعةً ؛ نظراً إلى أنّ ذلك هو المذهب عندنا (٢) ، مشعراً بدعوى الإجماع على الحكم.

وأظهر منه عبارة المسالك ، حيث نسبه إلى مذهب الأصحاب (٣).

ويقرّب حمل كلام الخلاف على ما ذكر تصريحُ الحلّي بنحو عبارته ، ومع ذلك قال قبلها : ولا تقبل شهادة الشهود على الزنا إلاّ إذا حضروا في وقت واحد ، فإن شهد بعضهم وقال : الآن يجي‌ء الباقون ، جُلِد حدّ المفتري ؛ لأنّه ليس في ذلك تأخير (٤).

فلا إشكال في الحكم وإن حكي المخالفة فيه صريحاً عن ابن عمّ الماتن يحيى بن سعيد في الجامع (٥) ؛ إذ لا ريب في شذوذه.

وهل يشترط حضورهم في مجلس الحكم دفعةً قبل اجتماعهم على الإقامة؟ قولان.

اختار أوّلهما الفاضل في القواعد وولده في شرحه (٦).

__________________

(١) الخلاف ٥ : ٣٨٨.

(٢) المختلف : ٧٦٤.

(٣) المسالك ٢ : ٤٢٧.

(٤) السرائر ٣ : ٤٣١.

(٥) الجامع للشرائع : ٥٤٨.

(٦) القواعد ٢ : ٢٥١ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٤٧٥.

٤٦٩

وثانيهما في التحرير (١). وهو الأجود وفاقاً لجمع (٢) ؛ لتحقّق الشهادة المتّفقة ، وعدم ظهور المنافي ، مع الشّك في اشتراط الحضور دفعةً ، والخبران لا يدلاّن على أزيد من اعتبار عدم تراخي الشهادات.

ويتفرّع عليهما ما لو تلاحقوا فاتّصلت شهادتهم بحيث لم يحصل التأخير ، فيحدّون على الأوّل قطعاً ، وعلى الثاني احتمالاً ، مع احتمال العدم ؛ نظراً إلى فقد شرط الاجتماع حال الإقامة دفعةً ، وانتفاء العلّة الموجبة للاجتماع ، وهي : تأخير حدّ القاذف ، فإنّه لم يتحقق هنا.

واعلم : أنّ الحكم هنا بحدّ الشهود قبل الاجتماع للإقامة يدلّ بفحواه على الحكم بحدّهم إذا أبى بعضهم عن الشهادة ، وبه صرّح الشيخ في الخلاف والمبسوط والحلّي نافيين للخلاف فيه (٣) ، بل صرّح بالإجماع في الخلاف ، وجعله مقتضى المذهب في تاليه ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الأولوية المتقدّمة ، وقصّة المغيرة المشهورة الصريحة في ذلك (٤) ، كالصحيح ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا أكون أوّل الشهود الأربعة على الزنا ، أخشى أن ينكل بعضهم فأُجلَد » (٥).

خلافاً للفاضل في المختلف ، فلم يوجب هنا حدّ القذف (٦).

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٢١.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٩ : ٥٣ ٥٤ ، والمسالك ٢ : ٤٢٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٩٧.

(٣) الخلاف ٥ : ٣٨٩ ، المبسوط ٨ : ٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٣٤.

(٤) الخلاف ٥ : ٣٨٩ ، دُرر اللئالئ ٢ : ١٢٩ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٧٧ ، كتاب الحدود والتعزيرات ب ٤٢ ح ١١ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٣٥.

(٥) الكافي ٧ : ٢١٠ / ٢ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٤ أبواب حدّ القذف ب ١٢ ح ٢.

(٦) المختلف : ٧٥٥.

٤٧٠

وهو غريب ، ودليله مع كونه اجتهاداً في مقابلة النصّ الصحيح وغيره غير مسموع ، لا يسمن ولا يغني من جوع.

( وتقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد ) كما هنا وفي السرائر والتحرير والإرشاد (١) ، وغيرها من كتب الأصحاب (٢) ، ولعلّه لا خلاف فيه ؛ لعموم أدلّة قبول الشهادة السليمة عن المعارض.

( ولا يسقط الحدّ ) مطلقاً ( بالتوبة بعد قيام البيّنة ) فليس للإمام العفو عنه على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ لثبوت الحدّ فيستصحب ، وللنصوص المستفيضة :

منها زيادةً على ما تقدّم في بحث جواز العفو بالتوبة عن الحدّ إذا ثبت بالإقرار (٣) المرسل كالصحيح بصفوان بن يحيى : في رجل أُقيمت عليه البيّنة بأنّه زنى ، ثم هرب قبل أن يضرب ، قال : « إن تاب فما عليه شي‌ء ، وإن وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ ، وإن علم مكانه بعث إليه » (٤).

بناءً على أنّ المراد بقوله : « إن تاب فما عليه شي‌ء » أي فيما بينه وبين الله سبحانه ، ولكن إذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ ، كالمرتدّ فطريّاً إذا تاب على الأصح ، هذا.

مضافاً إلى فحوى النصوص الدّالة على ردّه في الحفيرة مع هربه عنها‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٤٣١ ، التحرير ٢ : ٢٢٢ ، الإرشاد ٢ : ١٧٢.

(٢) كالشرائع ٤ : ١٥٣ ، والإرشاد ٢ : ١٧٢ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١٣ : ٤٥.

(٣) راجع ص ٤٥٩.

(٤) الكافي ٧ : ٢٥١ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٦ / ٦١ ، التهذيب ١٠ : ٤٦ / ١٦٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٧ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٤.

٤٧١

إذا ثبت عليه الحدّ بالبيّنة ، وعدمه إذا ثبت بالإقرار (١).

خلافاً للمفيد والحلبي ، فخيّرا الإمام بين الإقامة عليه والعفو عنه (٢).

للأصل.

وفيه : أنّه بالعكس بعد ثبوت الحدّ في الذمّة ، ومنعه لا وجه له.

ولسقوط عقوبة الآخرة بالتوبة ، فالدنيا أولى.

وفيه : أنّه يسقط الأُخرويّة حتماً ، والأولويّة تقتضي حتميّة سقوط الدنيويّة أيضاً لا جوازه ، ولا يقولان بها.

( ويسقط ) الحدّ ( لو كانت ) التوبة ( قبلها ) أي قبل قيام البيّنة مطلقاً ( رجماً كان أو غيره ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح بعض الطائفة (٣) ، وبالوفاق بعض الأجلّة (٤) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى صريح المرسلة كالصحيحة ، المؤيّدة بعد الوفاق بالأولويّة المتقدّمة سنداً للمفيد ومن تبعه ، وفيها : رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى ، فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح ، فقال : « إذا صلح وعرف منه أمرٌ جميل لم يقم عليه الحدّ » (٥).

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٨ : ١٠١ ، ١٤٠ أبواب حد الزنا ب ١٥ ، ٣٥.

(٢) المفيد في المقنعة : ٧٧٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٧.

(٣) مفاتيح الشرائع ٢ : ٦٨.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٣٩٨ ، مرآة العقول ٢٣ : ٣٨٩.

(٥) الكافي ٧ : ٢٥٠ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٤٦ ، ١٢٢ / ١٦٦ ، ٤٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦ ، أبواب مقدمات الحدود ب ١٦ ح ٣.

٤٧٢

( النظر الثاني )

( في ) بيان ( الحدّ ) وأقسامه

اعلم أنّه ( يجب القتل على الزاني بالمحرّمة ) عليه نسباً ( كالأُمّ ، والبنت ) والأُخت ، وبناتها ، وبنات الأخ ، والعمّة ، والخالة ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة حدّ الاستفاضة (١) ، بل عليه الإجماع في الانتصار والخلاف والغنية (٢) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة العامّية والخاصّية ، ومنها الحسن « من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضُرِب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت ، وإن كانت طاوعته ضُربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت » (٣).

وأمّا غيرهنّ من المحارم بالمصاهرة كبنت الزوجة وأُمّها فكغيرهنّ من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى ، والنصوص خالية من تخصيص النسبي ، بل الحكم فيها معلّق على ذات محرم مطلقاً. لكن سند أكثرها ضعيف ، والحسن منها قاصر عن الصحّة ، والصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها التهجّم على النفوس المحترمة ، سيّما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة ؛ بناءً على عدم انصراف ذات محرم بحكم التبادر إلى السببيّات ، بل المتبادر منها النسبيّات خاصّة.

ومن هنا يظهر ضعف إلحاق المحرم للرضاع بالنسب ، مع عدم ظهور‌

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٣٣٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٢٧ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٧٠.

(٢) الانتصار : ٢٥٩ ، الخلاف ٥ : ٣٨٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٣) الكافي ٧ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٤ : ٣٠ / ٨١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣ / ٦٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٨ / ٧٧٧ ، الوسائل ٢٨ : ١١٣ أبواب حدّ الزنا ب ١٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

٤٧٣

قائل به ، عدا الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن عمّ الماتن (١).

وهما شاذّان ، ولذا لم يمل إلى مختارهما أحد من المتأخّرين ، عدا شيخنا في الروضة (٢) ، مع ظنّه عدم القائل به ، فقد جعله وجهاً ، قال : مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام ؛ للخبر (٣).

وذلك لأنّ غاية المأخذ على تقدير تسليمه إفادته مظنّة ما ضعيفة لا يجسر بها التهجّم على ما عرفته.

وكذا إلحاق زوجة الأب والابن وموطوءة الأب بالملك بالمحرم النسبي ، ( و ) إن كان ( ألحق الشيخ ) به والحلبي والقاضي والحلّي وبنو زهرة وحمزة وسعيد (٤) وجامعة من المتأخّرين (٥) ( امرأة الأب ) للخبر : « رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير محصن » (٦)

لضعفه ، إلاّ أن يجبر بكثرة القائل بمضمونه ، على الظاهر المصرّح به‌

__________________

(١) الخلاف ٥ : ٣٨٦ ، المبسوط ٨ : ٨ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٤٩.

(٢) الروضة البهية ٩ : ٦٣.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٣٧١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١.

(٤) الشيخ في النهاية : ٦٩٣ ، والخلاف ٥ : ٣٨٦ ، حكاه عن الحلبي في الإيضاح ٤ : ٤٧٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥١٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٣٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٦٢٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٠ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٥٠.

(٥) منهم العلاّمة في الإرشاد ٢ : ١٧٢ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٤٧٧ ، وابن فهد في المقتصر : ٣٩٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٢٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٩٨ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٧٠.

(٦) الفقيه ٤ : ٣٠ / ٨٣ ، التهذيب ١٠ : ٤٨ / ١٨٠ ، الوسائل ٢٨ : ١١٥ أبواب حدّ الزنا ب ١٩ ح ٩ ؛ بتفاوت يسير.

٤٧٤

في المسالك (١) ، بل الشهرة ، كما ربما يفهم من كلام بعض الأجلّة (٢) ، مع دعوى الإجماع عليه في الغنية.

وأمّا إلحاق الحلّي الثانية (٣) ، وابن حمزة الثالثة (٤) ، فشاذّ ، ومستندهما غير واضح ، عدا إطلاق النصوص المتقدّمة ، وفيه ما عرفته ، مضافاً إلى أنّها تعمّ الملحقة وغيرها ، ولم يذكراه ؛ مع عدم ظهورها في اعتبار القتل ، بل ظاهر أكثرها الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً أو في الرقبة ، وهي لا تستلزم القتل ، كما في صريح بعضها : عن رجل وقع على أُخته ، قال : « يُضرَب ضربة بالسيف » قلت : فإنّه يخلص؟ قال : « يحبس أبداً حتى يموت » (٥) وبمعناه آخر. (٦) وهو شي‌ء لم يذكره أحد ممّن تقدّم أو تأخّر ، بل عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب السيف وغيره.

نعم ، في الموثّق : « إذا زنى الرجل بذات محرم حُدَّ حَدَّ الزاني ، إلاّ أنّه أعظم ذنباً » (٧) وجمع الشيخ بينه وبين ما مرّ بأنّ الإمام مخيّر بين قتله بالسيف وبين رجمه ، فتدبّر.

( وكذا يقتل الذمّي ) بل مطلق الكافر ( إذا زنى بمسلمة ) كارهة أو مطاوعة ( و ) كذا ( الزاني ) بالمرأة ( قهراً ) إجماعاً في المقامين على‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٢٧.

(٢) مجمع الفائدة ١٣ : ٥٢.

(٣) السرائر ٣ : ٤٣٨.

(٤) الوسيلة : ٤١٠.

(٥) الكافي ٧ : ١٩٠ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٣ / ٧٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٨ / ٧٧٩ ، الوسائل ٢٨ : ١١٤ أبواب حدّ الزنا ب ١٩ ح ٤.

(٦) الفقيه ٣ : ١٩ / ٤٦ ، الوسائل ٢٨ : ١١٦ أبواب حدّ الزنا ب ١٩ ح ١٠.

(٧) التهذيب ١٠ : ٢٣ / ٧١ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٨ / ٧٨٠ ، الوسائل ٢٨ : ١١٥ أبواب حدّ الزنا ب ١٩ ح ٨.

٤٧٥

الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر ، كالإنتصار والغنية (١) وغيرهما من كتب الجماعة (٢) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الخبرين في الأوّل ، أحدهما الموثّق : عن يهودي فجر بمسلمة ، فقال : « يقتل » (٣).

ونحوه الثاني ، وهو طويل ، في نصراني فجر بمسلمة ، ثم أسلم بعد أن أُريد إقامة الحدّ عليه ، فكتب عليه‌السلام : « يضرب حتى يموت » ولمّا سئل عليه‌السلام عن وجه حدّه بعد إسلامه ، كتب عليه‌السلام : « بسم الله الرحمن الرحيم ( فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ ) (٤) » (٥).

وبمضمونه أفتى الشيخان في المقنعة والنهاية ، والحلّي في السرائر ، والفاضل في التحرير ، وشيخنا في الروضة (٦).

ولا خلاف فيه أجده ، إلاّ من بعض متأخّري متأخّري الطائفة ، فأحتمل سقوط القتل عنه بإسلامه ، قال : لجبّ الإسلام ما قبله ، والاحتياط في الدماء (٧).

__________________

(١) الانتصار : ٢٦١ ، الفنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٢) انظر المفاتيح ٢ : ٧٠ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٩٨.

(٣) الكافي ٧ : ٢٣٩ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٣٨ / ١٣٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٤١ أبواب حدّ الزنا ب ٣٦ ح ١.

(٤) غافر : ٨٤ ، ٨٥.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٧ / ٦٤ ، التهذيب ١٠ : ٣٨ / ١٣٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٤١ أبواب حدّ الزنا ب ٣٦ ح ٢.

(٦) المقنعة : ٧٧٨ ، النهاية : ٦٩٢ ، السرائر ٣ : ٤٣٧ ، التحرير ٢ : ٢٢٢ ، الروضة ٩ : ٦٥.

(٧) كشف اللثام ٢ : ٣٩٨.

٤٧٦

وهو ضعيف في الغاية ؛ لكونه اجتهاداً في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى هؤلاء الجماعة ، المؤيّدة باستصحاب الحالة السابقة.

وأضعف منه قوله فيما بعد : وحينئذٍ يسقط عند الحدّ رأساً (١) ولا ينتقل إلى الجلد ؛ للأصل.

لفحوى ما دلّ على عدم سقوط الحدّ مطلقاً عن المسلم بتوبته إذا ثبت عليه بالبيّنة (٢) ، وغاية الإسلام أن تكون توبة ، فتأمّل.

وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في الثاني.

ففي الصحيح : الرجل يغصب المرأة نفسها ، قال : « يُقتَل » (٣).

وفي آخرين : « يُقتَل ، محصناً كان أو غير محصن » (٤).

وفي رابع « إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضُرِب ضربةً بالسيف مات منها أو عاش » (٥).

( ولا يعتبر الإحصان ) في شي‌ء من الثلاثة ( و ) لا الحرّية ، ولا الإسلام ، ولا الشيخوخة ، بل ( يتساوى فيه ) المحصن وغيره ، و ( الحرّ والعبد ، والمسلم والكافر ) بأنواعه ، والشيخ والشاب ، بلا خلاف (٦) ؛

__________________

(١) هذه الكلمة أُثبتت في النسخ بعد كلمة : الجلد ، والأنسب ما أثبتناه من المصدر.

(٢) الفقيه ٤ : ٤٤ / ١٤٨ ، التهذيب ١٠ : ١٢٩ / ٥١٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٢ / ٩٥٥ ، الوسائل ٢٨ : ٤١ أبواب مقدمات الحدود ب ١٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٨٩ / ٥ ، الفقيه ٤ : ٢٩ / ٧٩ ، التهذيب ١٠ : ١٧ / ٤٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٨ أبواب حدّ الزنا ب ١٧ ح ٢.

(٤) أحدهما في : الكافي ٧ : ١٨٩ / ١ ، الفقيه ٤ : ٣٠ / ٨٠ ، التهذيب ١٠ : ١٧ / ٤٧ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٨ أبواب حدّ الزنا ب ١٧ ح ١.

والآخر في : الوسائل ٢٨ : ١٠٩ أبواب حدّ الزنا ب ١٧ ح ٥.

(٥) الكافي ٧ : ١٨٩ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٧ / ٤٩ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٩ أبواب حدّ الزنا ب ١٧ ح ٦.

(٦) في « ن » زيادة : بل عليه الإجماع في الغنية ، وهو في الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٦٢٢.

٤٧٧

للعموم أو الإطلاق ، مع التصريح بعدم الفرق بين المحصن وغيره في الصحيحين في الزنا قهراً.

( وفي جلده ) أي الزاني المحكوم بقتله في كلّ من الصور الثلاث ( قبل القتل تردّد ) : من إطلاق الأدلّة المتقدّمة فتوًى ونصّاً وإجماعاً منقولاً بالقتل من دون ذكر جلد قبله في شي‌ء منها ، مع ورودها في مقام الحاجة وبيان حكم المسألة.

ومن الجمع بينها وبين الأدلّة الدالّة بعمومها أو إطلاقها بجلد مطلق الزاني ، مع عدم منافاة بينهما ، فإنّ إثبات حدّ في كلّ منهما لا ينافي ثبوت الحدّ الآخر بالآخر.

وإلى هذا ذهب الشهيدان في اللمعتين وفاقاً منهما للحلّي ، لكنّهما حكما بالجلد ثم القتل مطلقاً (١) ، وهو فصّل بين موجب الجلد فكما قالا ، وموجب الرجم فالجلد قبله ، قال : لأنّ الرجم يأتي على القتل ويحصل الأمر بالرجم ، وإن كان غير محصن فيجب عليه الحدّ لأنّه زانٍ ثم القتل بغير الرجم. وليس في إطلاق قول أصحابنا ـ : يجب عليه القتل على كلّ حال دليل على رفع حدّ الزنا عنه (٢).

وأيّده جماعة (٣) بما مرّ من الخبر في الزاني بذات محرم ، المتضمّن لقوله عليه‌السلام : « حُدَّ حَدَّ الزاني ، إلاّ أنّه أعظم ذنباً » (٤) بناءً على أنّه عليه‌السلام قد‌

__________________

(١) الروضة البهيّة ٩ : ٦٨ ٦٩.

(٢) السرائر ٣ : ٤٣٧ ٤٣٨.

(٣) منهم ابن فهد في المهذّب البارع ٥ : ٢٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٢٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٩٨.

(٤) راجع ص ٤٧٥.

٤٧٨

ساواه مع الزاني أوّلاً ، ثم زاده عظماً ، ومعلوم أنّ الرجم لا يجب على كلّ زان ، فلو رجمناه خاصّة كما مرّ عن الشيخ (١) لم يكن قد سوّيناه ببعض الزناة ، بخلاف ما إذا جلدناه أوّلاً إذا لم يكن محصناً ثم قتلناه بالسيف ، فإنّ الجلد وجب عليه بقوله : « حُدَّ حَدَّ الزاني » والقتل بقوله : « أعظم ذنباً ».

وأيضاً ، فإنّه قد يكون محصناً وهو شيخ ، وأعظم ما يتوجّه إليه على قول الشيخ الرجم ، فيكون أحسن حالاً منه إذا زنى بالأجنبيّة المطاوعة ؛ لأنّه يجمع عليه بينهما إجماعاً ، فلا يتحقّق الأعظميّة.

وفي التأييد مناقشة ، وكذا في دعوى عدم المنافاة بين الأدلّة ، بعد ما عرفت من ورود أدلّة القتل في مقام الحاجة ، الموجب للدلالة على عدم حدّ آخر ، وإلاّ للزم تأخير البيان عنها ، وهو غير جائز بلا شبهة ؛ ولعلّه لذا اختار المشهور القتل خاصّة ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٢) ، وبشذوذ قول الحلّي صرّح آخر (٣) ، مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه.

فإذاً المشهور لا يخلو عن قوّة ، سيّما وأنّ الحدّ يُدرأ بالشبهة.

( ويجب الرجم على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة ) بالنصّ (٤) والإجماع كما في كلام جماعة (٥).

( ويجمع للشيخ والشيخة ) مع الإحصان ( بين الحدّ ) أي الجلد‌

__________________

(١) راجع ص ٤٧٥.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٣٩٨.

(٣) مفاتيح الشرائع ٢ : ٧١.

(٤) الوسائل ٢٨ : ٦١ أبواب حدّ الزنا ب ١.

(٥) الخلاف ٥ : ٣٦٥ ، والتهذيب ١٠ : ٦ ، وكشف الرموز ٢ : ٥٤٦ ، والإيضاح ٤ : ٤٧٨ ، والمسالك ٢ : ٤٢٨.

٤٧٩

( والرجم إجماعاً ) كما هنا وفي كلام جماعة (١) ، هو كذلك. إلاّ أنّ العماني أطلق الرجم على المحصن ولم يذكر الجلد (٢) ؛ لإطلاق جملة من النصوص (٣) ، وفيها الصحيح وغيره ، وحملها الشيخ على التقيّة ، قال : لأنّه مذهب جميع العامّة (٤).

فقوله ضعيف ، والنصّ بخلافه كما ستقف عليه (٥) مستفيض.

( وفي ) الجمع بينهما على ( الشابّ ) والشابّة ( روايتان ) باختلافهما اختلف الأصحاب :

فبين من جمع بينهما عليهما ، كالشيخين والمرتضى والحلّي (٦) وعامّة المتأخّرين ، وادّعى الشهرة المطلقة عليه جماعة (٧) ، وجعله في الانتصار من متفرّدات الإماميّة ، ويقرب منه عبارة الخلاف المحكيّة (٨) ، والرواية الدّالة ، عليه مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيحين : « في المحصن والمحصنة جلد مائة جلدة ، ثم الرجم » (٩).

__________________

(١) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ : والعلاّمة في التحرير ٢ : ٢٢٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٥٦.

(٣) انظر الوسائل ٢٨ : ٦١ أبواب حدّ الزنا ب ١.

(٤) التهذيب ١٠ : ٥ ٦.

(٥) في مسألة الجمع بينهما على الشابّ والشابّة.

(٦) المفيد في المقنعة : ٧٧٥ ، الطوسي في التبيان ٧ : ٤٠٥ ، المرتضى في الانتصار : ٢٥٤ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٤١.

(٧) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٢٢ ، غاية المرام ٤ : ٣١٦.

(٨) انظر الخلاف ٥ : ٣٦٧.

(٩) أحدهما في : التهذيب ١٠ : ٤ / ١٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٠١ / ٧٥٣ ، الوسائل ٢٨ : ٦٣ أبواب حدّ الزنا ، ب ١ ح ٨.

والآخر في : التهذيب ١٠ : ٥ / ١٦ ، الوسائل ٢٨ : ٦٥ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ١٤.

٤٨٠