رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

بلا شبهة ، فيحتمل اختصاصه بما في الصحيحة ، دون الرجوع عن الشهادة ، ويكون الحكم فيه ما ذكره الجماعة.

ولا بُعد في الاختصاص بعد ورود النص الصحيح به ، وإطباق الفتاوي عليه كما يأتي ، ووضوح ما ذكرناه من الفرق ، فإنّ الرجوع لم يثبت منه كون الشهادة الأُولى على الزور ليترتب عليه ما في الصحيح المزبور ، لما مرّ من التردّد بين صدق الاولى والثانية ، ومعه لا يقطع بكون الاولى على الزور.

وبالجملة : ما في الصحيح من الحكم برّد العين مع بقائها وضمان الشهود لها مع تلفها معلّق على شاهد الزور ، وهو فرع العلم به للحاكم بنحو من الشياع وغيره ، ولا يحصل بالرجوع ونحوه.

وبذلك صرّح الأصحاب ، ومنهم الشهيدان وغيرهما (١) ، حيث قالوا بعد الحكم بما في الصحيح الوارد في شاهد الزور ـ : وإنّما يثبت التزوير بقاطع ، كعلم الحاكم لا بشهادة غيرهما ، ولا بإقرارهما ؛ لأنّه رجوع.

وهذا القول صريح في الفرق الذي ذكرناه.

وأصرح منه ما ذكره الفاضل في المختلف ، حيث قال بعد أن نقل عن الإسكافي قوله بأنّه إذا علم الحاكم ببطلان الشهادة فإن كان الشي‌ء الذي حكم به قائماً ردّ على صاحبه ، إلى آخر ما في الصحيح ما لفظه : وهذا الكلام حق ؛ لأنّ العلم ببطلان الشهادة غير الرجوع ، لجواز أن يكون الرجوع باطلاً (٢). انتهى.

وبالجملة : لا ريب في كون ما ذكره غفلةً وضعيفاً في الغاية.

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٤٥ ، المسالك ٢ : ٤٢٠ ، المفاتيح ٣ : ٢٩٩.

(٢) المختلف : ٧٢٧.

٤٢١

وأضعف منه ترجيحه لهذا القول بعد استدلاله المتقدم إليه الإشارة ، وذلك فإنّه بعد تسليم ارتباط الصحيحة بمورد المسألة لا يمكن المصير إليها بمجرد الصحة ؛ لرجحان ما قدّمناه من المرسلة وغيرها عليها من وجوه عديدة ، ومنها اعتضادها دون الصحيحة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة كما عرفت حكايته في كلام جماعة ، مضافاً إلى الأدلة الأُخر المتقدمة.

مع رجوع الشيخ عما في النهاية في المبسوط والخلاف (١) إلى ما عليه الجماع ، فلم يبق إلاّ القاضي وابن حمزة ، وهما نادران بالإضافة إلى باقي الأصحاب بلا شبهة ، فلا ريب فيما ذكره الأصحاب في المسألة بحمد الله سبحانه.

ويستفاد من عبارة المبسوط المتقدمة وقوع الخلاف في الحكم إذا كان الرجوع قبل الاستيفاء ، وهو لازم للنهاية ومن تبعه ، وصرّح به ابن حمزة في الوسيلة ، وبه أفتى بعض متأخري متأخري الطائفة (٢) مع ميله إلى ما ذكره الأصحاب أو تردّده فيه من عدم نقض الحكم بالرجوع بعد الاستيفاء ومحصّله الفرق بين الرجوع قبل الاستيفاء فينقض الحكم جزماً ، وعدمه فلا ينقض كذلك أو احتمالاً.

وهو ضعيف جدّاً ؛ ولذا لم يحكم به أحد من الأصحاب القائلين بعدم النقض مع الرجوع بعد الحكم ، بل صرّحوا بالعدم ؛ لإطلاق الأدلة ، بل عمومها ، ومع ذلك مستند البعض غير واضح ، وحجة النهاية على تقدير تسليمها لا تدل على التفصيل الذي ذكره جدّاً ، وهو لا يقول بإطلاقها.

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٢٤٦ ٢٤٨ ، الخلاف ٦ : ٣٢٤.

(٢) الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٩٧.

٤٢٢

( الثانية : إذا ثبت أنّهما شاهدا زور ) وكذب ( نقض الحكم واستعيدت العين مع بقائها ، ومع تلفها أو تعذّر ) ارتجاع ( ها يضمن الشهود ) بغير خلاف ظاهر ، مصرّح به في السرائر (١) ، وهو الحجة ، مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة ، ونحوها صحيحة أُخرى (٢).

وعلّلوه أيضاً بتبيّن اختلال شرط الشهادة ، كما لو تبيّن فسقهما قبل الحكم ، وأولى بالبطلان هنا ، وقد مرّ بعض ما يتعلق بالمقام سابقاً.

( الثالثة : ) ما ذكر في المسألة الاولى من عدم الحكم مع الرجوع قبله لا يختص بالمال وإن كان مورودها ، بل جارٍ في جميع الحقوق ، فإن كان نحو الزنى جرى على الراجع حكم القذف ، فيجب الحدّ إن كان موجباً له ، أو التعزير إن أوجبه ، هذا إن اعترف بالافتراء والتعمد.

وإن قال : توهمت ، أو : اشتبه عليّ الأمر ، ففي وجوب الحدّ عليه وجهان.

وإن رجع الشاهد بعد القضاء وقبل الاستيفاء والعمل بمقتضى الشهادة في مثل القتل أو الحدّ أو التعزير نقض الحكم مطلقاً ، سواء كان المشهود به حقاً لله تعالى مثل الزنا ، أو لآدمي مثل القطع في السرقة والحدّ في القذف بالزنا.

و ( لو كان المشهود به قتلاً أو رجماً أو قطعاً فاستوفي ) بمقتضى الشهادة ( ثم رجع الشهود ، فإن قالوا ) جميعاً : ( تعمّدنا اقتصّ ) الولي ( منهم ) جميعاً ( أو من بعضهم ) أو أخذ الدية في موضع لا يقتصّ فيه‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٤٩.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٤ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٦٠ / ٦٨٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٨ كتاب الشهادات ب ١١ ح ٣.

٤٢٣

من المتعمّد إن شاء ( ويردّ ) هو تمام ما فضل عن جناية صاحبه على ورثة المقتصّ منهم إن كانوا جميع الشهود ، وإلاّ فعلى ( البعض ) الباقين أن يردّوا على ورثة المقتصّ منه بقدر ( ما وجب عليهم ) من الجناية ( ويتمم الولي إن بقي عليه شي‌ء ) كما إذا اقتصّ من أكثر من واحد ، وإن قتل واحداً لا يجب عليه الإتمام ، لحصوله بردّ الباقين.

( ولو قالوا ) جميعاً : ( أخطأنا ، لزمهم الدية ، ولو ) اختلفوا في الوصف فـ ( قال بعضهم : أخطأنا ، لزمه نصيبه من الدية ولم يمض إقراره على غيره ) مطلقاً ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل الجميع مقطوع به في كلامهم كما في الكفاية (١) ، مؤذناً بدعوى الإجماع.

والأصل فيه بعده حديث : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٢) وما سيأتي من الأدلة إن شاء الله تعالى فيما بعد على باقي التفاصيل المزبورة.

وفي رواية : أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فرجم ، ثم رجع أحدهم وقال : شككت ، قال : « عليه الدية ، فإن قال : شهدت متعمّداً يقتل » (٣).

وظاهرها وإن أوهم وجوب تمام الدية على المعترف بالخطإ ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب وجوب نصيبه منها خاصّة دون تمامها ، ووجهه واضح ؛ لعدم كونه تمام السبب في الرجم ، بل جزءه ، فنصيبه من الدية بحسابه.

ويشهد له أيضاً تتبع كثير من النصوص الآتي جملة منها ، مضافاً إلى رواية أُخرى ، وفيها : ثم رجع أحدهم ، قال : « يغرم ربع الدية » (٤).

__________________

(١) الكفاية : ٢٨٨.

(٢) الوسائل ٢٣ : ١٨٤ كتاب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٠ / ٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٩ كتاب الشهادات ب ١٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٨٥ / ٧٨٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٢ كتاب الشهادات ب ١٤ ح ٢.

٤٢٤

وبالجملة : لا إشكال ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( و ) لا في أنّه ( لو قال ) بعضهم : ( تعمّدت ردّ عليه الولي ما يفضل ) عن دية صاحبه ( ويقتصّ منه إن شاء ) وليس على باقي الشهود شي‌ء إذا لم يرجعوا وكان شهادتهم في غير الرجم ، عملاً منهم بالأصل الآتي ، مع سلامته هنا عن المعارض من النص والفتوى ؛ لاختصاصهما بشهود الرجم خاصّة ، ولذا فرض الأصحاب الخلاف فيه خاصّة ، فقالوا بعد أن ذكروا الحكم الموافق للأصل في غير شهود الرجم وفي شهوده أيضاً إذا صدّق المتعمّدَ الباقون من غير نقل خلاف ـ : أمّا لو لم يصدّقوه لم يمض إقراره إلاّ على نفسه حسب (١).

( و ) قال الشيخ ( في النهاية : يقتل ويردّ الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية ) إلى المقتصّ منه (٢).

أقول : وفي قول الماتن : من شهود الزنا ، تلويح إلى اختصاص خلاف النهاية به كما قدّمنا ، ويشير إليه أيضاً ما عرفت من اختصاص مستنده به ، وهو الصحيح : عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فلمّا قتل رجع أحدهم ، قال : فقال : « يقتل الراجع ، ويؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية » (٣).

وممّا ذكرنا ظهر أنّ إعادة الأصحاب ذكر الحكم في خصوص شهود الرجم بعد استفادته من عموم حكمهم السابق إنّما هو للتنبيه على ما مرّ من‌

__________________

(١) منهم الحلّي في السرائر ٢ : ١٤٤ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٣٥٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٢٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣٩٧.

(٢) النهاية : ٣٣٥.

(٣) الكافي ٧ : ٣٨٤ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٦٠ / ٦٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٩ كتاب الشهادات ب ١٢ ح ٢.

٤٢٥

اختصاص الخلاف به ، فليس تكرارها خالياً عن الفائدة ، كما ربما يفهم من بعض الأجلّة (١).

( و ) كيف كان ، ينبغي تحقيق القول في العمل بهذه ( الرواية ) فنقول : إنّها وإن كانت ( صحيحة السند ) وحكي العمل بها أيضاً عن الإسكافي والقاضي (٢) ( غير أنّ فيها ) ما يخالف الأُصول ؛ لتضمّنها ( تسلّطاً على الأموال المعصومة بقول واحد ) وإقراره.

وتخصيصها بها وإن كان ممكناً ، إلاّ أنّه فرع التكافؤ بينهما ، وهو مفقود جدّاً ؛ لندرة العامل بالرواية ، وإطباق باقي الأصحاب ولا سيّما المتأخرين منهم على اطراحها والعمل بالأُصول ، فلتكن مطرحة ، أو محمولة هي ككلام العاملين بها على ما ذكره الفاضل في المختلف وغيره (٣) على ما إذا رجعوا جميعاً وقال أحدهم : تعمّدت ، وقال الباقون : أخطأنا.

( الرابعة : لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت ثم رجعا ) أو أحدهما ، قال الشيخ في النهاية : ( ضمنا ) أو أحدهما ( المهر ) كلاًّ أو بعضاً للثاني ( وردّت إلى الأوّل بعد الاعتداد من الثاني ) (٤) وتبعه القاضي (٥).

استناداً إلى الصحيح : في رجلين شهدا على رجل غائب عنه امرأته أنّه طلّقها ، فاعتدّت المرأة وتزوجت ، ثم إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم يطلّقها ، وأكذب نفسه أحد الشاهدين ، قال : « لا سبيل للأخير عليها ،

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٤٢٠.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٢٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ٥٦٣.

(٣) المختلف : ٧٢٦ ، وانظر المسالك ٢ : ٤٢٠.

(٤) النهاية : ٣٣٦.

(٥) المهذّب ٢ : ٥٦٣.

٤٢٦

ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع ، ويردّ على الأخير ، ويفرّق بينهما ، وتعتدّ من الأخير ، ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها » (١).

( و ) ينبغي أن ( يحمل ) إطلاق ( هذه الرواية على أنّها نكحت بسماع الشهادة ، لا مع حكم الحاكم ، و ) ذلك لما مرّ من الأدلة الظاهرة على أنّه ( لو حكم ) بشهادة الشاهدين المقبولين ( لم يقبل الرجوع ) عنها.

ويستفاد من جماعة (٢) أنّ المراد بالرواية المشار إليها في العبارة هو الموثقة : في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها ، فتزوجت ، ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق ، قال : « يضربان الحدّ ، ويضمنان الصداق للزوج ، ثم تعتدّ ، ثم ترجع إلى زوجها الأوّل » (٣).

وفيه نظر ؛ إذ ليس فيها رجوع الشاهدين أو أحدهما كما هو مورد العبارة وفتوى النهاية ، بل فيها مجرد إنكار الزوج خاصة ، وليس سبباً للحكم الذي في الرواية اتفاقاً ، فهي شاذّة لا عامل بها ، فكيف تكون هي المراد من الرواية في العبارة؟!

اللهم إلاّ أن تحمل على ما حملها عليه الشيخ في الاستبصار من أنّه لمّا أنكر الزوج الطلاق رجع أحد الشاهدين عن الشهادة ، فحينئذ وجب عليهما ما تضمنه الخبر ، قال : فلو لم يرجع واحد منهما لم يلتفت إلى إنكار‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٦ / ١٢٠ ، التهذيب ٦ : ٢٨٥ / ٧٨٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٨ / ١٢٩ ، مستطرفات السرائر : ٨٢ / ١٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣١ كتاب الشهادات ب ١٣ ح ٣.

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٢٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٢١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٨٨.

(٣) الكافي ٧ : ٣٨٤ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٦٠ / ٦٨٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٠ كتاب الشهادات ب ١٣ ح ١.

٤٢٧

الزوج ، إلاّ أن تكون المرأة بعدُ في العدّة ، فإنّه يكون إنكاره الطلاق مراجعة (١). واستشهد عليه بالصحيحة المتقدمة.

وظاهره هنا الموافقة لما ذكره في النهاية ، حيث لم يحمل الروايتين على التزويج قبل الحكم ، وهو مشكل ؛ لما عرفت من مخالفتهما الأُصول المتقدمة ، مضافاً إلى قصور سند الثانية ، وتضمنها كالأُولى حدّ الشاهدين مع أنّه لا حدّ هنا ، بل ولا تعزير إن أبديا عذراً يكون مسموعاً.

ومع أنّه رحمه‌الله رجع عما اختاره في النهاية إلى مقتضى الأُصول في الخلاف والمبسوط (٢) ، ووافقه الحلّي (٣) وعامّة المتأخرين ، عدا الشهيد في اللمعة (٤) ، حيث اقتصر على نقل القولين من دون ترجيح ، معرباً عن التردّد بينهما ، ولعلّه كما في شرحها لمعارضة الرواية المعتبرة.

والمناقشة فيه واضحة ؛ إذ المعارضة بمجردها غير كافية في التردّد إلاّ بعد حصول التكافؤ المفقود في هذه الرواية ، لما عرفت من شذوذها برجوع الشيخ عنها ، فلم يبق إلاّ القاضي ، ولا يقدح خروجه في الإجماع على خلافها ، مع مخالفتها الأُصول من وجوه أُخر عرفتها ، وإن أمكن الذبّ عنها بما مضى ، مع عدم صراحتها واحتمالها التخصيص الذي قدّمناه.

ثم على المختار هل يغرمان الصداق برجوعهما؟ ينظر ، فإن كان قبل الدخول غرما نصف المهر المسمّى ، وإن كان بعده لم يغرما شيئاً ، كما قاله الشيخ في المبسوط والخلاف والحلّي وعامة متأخري الأصحاب.

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٣٨.

(٢) الخلاف ٦ : ٣٢٢ ، المبسوط ٨ : ٢٤٧.

(٣) السرائر ٢ : ١٤٦.

(٤) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٥٥.

٤٢٨

وظاهر الأوّل في المبسوط دعوى إجماعنا على الحكم في الشقّ الأوّل ، وهو الحجة فيه ، مضافاً إلى ما ذكروه فيه من إتلافهما عليه نصف المهر اللازم بالطلاق فيضمنانه.

وفي الثاني من أصالة البراءة ، وعدم تحقق إتلاف ؛ لاستقرار تمام المهر بالدخول ، والبضع لا يضمن بالتفويت على المشهور ، بل الكل كما يظهر بالتتبع ، قالوا : ومن ثَمّ لو قتلها قاتل أو قتلت نفسها لم يضمن القاتل ، ولو غصب أمةً وماتت في يده فإنّه يضمن بذلك قيمتها وقيمة منافعها وإن لم يستوفها ، دون بضعها مع عدم استيفائه (١).

وأمّا ما يتخيل وروده على تعليلهم في الشقّ الأوّل من لزوم النصف بمجرد العقد ، فليس يتضمن الشهادة إتلافه ؛ للزومه على أيّ تقدير ، فلا وجه لغرمهما له فضعيف في الغاية ، يظهر وجهه بالتدبّر فيما ذكره الأصحاب في سياق التعليل ليكون كالجواب له ، وهو أنّهما ألزماه للزوج بشهادتهما وقرّراه عليه ، وكان بمعرض السقوط بالردّة والفسخ من قبلها ، فكأنّه لم يكن لازماً ولزم بإقرارهما. وأجاب بهذا صريحاً الفاضل في التحرير (٢) بعد أن استشكل بالخيال المتقدم فيما مرّ من التعليل.

وهنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ ، مع ابتناء بعضها على ضمان البضع بالتفويت ، وقد عرفت ما فيه.

واعلم أنّهم أطلقوا الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن والرجعي ، ووجهه حصول السبب المزيل للنكاح في الجملة ، خصوصاً بعد انقضاء عدّة الرجعي ، فالتفويت حاصل على التقديرين.

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٤٢٠ ، والكفاية : ٢٨٨.

(٢) التحرير ٢ : ٢١٧.

٤٢٩

ولو قيل بالفرق واختصاص الحكم بالبائن كان حَسَناً ، وفاقاً لشيخنا في الروضة ، قال : فلو شهدا بالرجعي لم يضمنا إذا لم يفوّتا شيئاً ؛ لقدرته على إزالة السبب بالرجعة ، ولو لم يراجع حتى انقضت المدّة احتمل إلحاقه بالبائن والغرم ، وعدمه لتقصيره بترك الرجعة (١) ، انتهى.

ويظهر من تعليله العدم بالتقصير اختصاص احتماله بصورة تقصيره ، فلو فرض عدمه بجهله بالحال أو عذر لا يصدق معه تقصيره تعيّن الاحتمال الأوّل ، وهو الإلحاق بالبائن ؛ لصدق التفويت حينئذ.

وحينئذ فلو زاد بعد قوله : فلو شهدا بالرجعي ، قوله : مع علم الزوج بالحال وتمكنه من الرجوع ، كان أجود وإن كان يمكن استفادته من سياق عبارته.

ويجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقاً بعدم عروض وجه مزيل للنكاح ، فلو شهدا به ففرّق ، فرجعا فقامت بيّنة أنّه كان بينهما رضاع محرّم مثلاً فلا غرم ؛ إذ لا تفويت أصلاً.

( الخامسة : لو شهد اثنان على رجل بسرقة فقطع ) يده ( ثم ) رجعا ، فإن قالا : أوهمنا ، غرما دية اليد ، وإن قالا : تعمّدنا ، فللولي قطعهما وردّ دية عليهما ، أو قطع يد واحدة ويردّ الآخر نصف دية اليد على المقطوع منه ، بلا خلاف ، ويعلم وجهه مما سبق.

وإنّما خصّ هذا بالذكر لبيان مسألة أُخرى ، وهي أنّهما لو ( قالا : أوهمنا و ) أتيا بآخر قائلين إنّ ( السارق غيره ) مشيرين إليه ( اغرما دية يد الأوّل ، ولم يقبلا على الأخير ) كما هنا وفي السرائر والقواعد والتحرير (٢) ،

__________________

(١) الروضة ٣ : ١٥٨.

(٢) السرائر ٢ : ١٥٠ ، القواعد ٢ : ٢٤٤ ، التحرير ٢ : ٢١٨.

٤٣٠

قالوا : ( لما يتضمن ) وهمهما ذلك ( من عدم الضبط ) المشترط في قبول شهادة العدل.

أقول : والأجود الاستدلال عليه بالنصوص ، منها الصحيح : « في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق ، فقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق ، وليس الذي قطعت يده ، إنّما شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية ولم يجز شهادتهما على الآخر » (١) ونحوه القوي بالسكوني وصاحبه (٢).

ومرّ في المرسل : « من شهد عندنا بشهادة ثم غيّرها أخذنا بالأُولى وطرحنا الثانية » (٣) فتدبّر.

( السادسة : يجب أن يشهر شاهد الزور ) في بلدهم وما حولها ، لتجتنب شهادتهم ويرتدع غيرهم.

( وتعزيره بما يراه الإمام ) والحاكم ( حسماً للجرأة ) لرواية سماعة المروية في الفقيه والتهذيب وغيرهما بعدّة طرق معتبرة ، وفيها الموثق والقوي وغيرهما : « إنّ شهود الزور يجلدون حدّا وليس له وقت ، ذلك إلى الإمام ، ويطاف بهم حتى يعرفوا » وزيد في بعضها : « ولا يعودوا » قال : قلت : فإن تابوا وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ قال : « إذا تابوا تاب الله عليهم وقبلت شهادتهم بعد » (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٤ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ / ٦٩٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٢ كتاب الشهادات ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٨٥ / ٧٨٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٢ كتاب الشهادات ب ١٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٣ كتاب الشهادات ب ١٤ ح ٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٥ / ١١٧ ، عقاب الأعمال : ٢٢٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٣ كتاب الشهادات ب ١٥ ح ١.

٤٣١

وفي بعضها قوله : وتلا قوله تعالى ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا ) (١) قلت : بم تعرف توبته؟ قال : « يكذّب نفسه على رؤوس الأشهاد حيث يضرب ، ويستغفر ربّه عزّ وجلّ ، فإذا هو فعل ذلك فَثمَّ ظهر توبته » (٢) ونحوها غيرها.

وفي الموثق وغيره : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريباً بعث به إلى حيّه ، وإن كان سوقياً بعث به إلى سوقه فطيف به ، ثم يحبسه أيّاماً ، ثم يخلّي سبيله » (٣).

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك على الظاهر (٤) ، حتى من الحلّي الغير العامل بأخبار الآحاد ، وذكر أنّ الإشهار هو أن ينادى في محلّتهم ومجتمعهم وسوقهم : فلان وفلان شهدا زوراً ، ولا يجوز أن يشهرا بأن يركبا حماراً ويحلق رؤوسهما ، ولا أن ينادياهما على نفسهما ، ولا يمثل بهما (٥).

واعلم أنّه ليس كذلك الحكم فيمن تبيّن غلطه ، أو ردّت شهادته لمعارضة بيّنة أُخرى ، أو ظهور فسق بغير الزور ، أو تهمة ؛ لعدم صدق الزور المترتب عليه الحكم في شي‌ء من ذلك ، مع إمكان كونه صادقاً في نفس الأمر ، فلم يحصل منه أمر زائد.

__________________

(١) النور : ٥ و ٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٦ / ١٢١ ، التهذيب ٦ : ٢٦٣ / ٦٩٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٤ كتاب الشهادات ب ١٥ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٥ / ١١٨ ، التهذيب ٦ : ٢٨٠ / ٧٧٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٣٤ كتاب الشهادات ب ١٥ ح ٣.

(٤) في « ح » زيادة : المصرّح به.

(٥) السرائر ٢ : ١٥٠.

٤٣٢

( كتاب الحدود والتعزيرات )

جمع حدّ ، وهو لغةً : المنع. وشرعاً : عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام بدن المكلّف بواسطة تلبّسه بمعصية خاصّة ، عيّن الشارع كمّيتها في جميع أفراده. ووجه مناسبة التسمية : أنّ العقوبة مانعة من المعاودة.

وإذا لم تقدَّر العقوبة يسمّى تعزيراً ، وهو لغةً : التأديب.

والأصل فيهما الكتاب والسنّة وإجماع الأُمّة.

وتفاصيله في الآيات والأخبار لكثرة أفراده كثيرة.

( وفيه ) أي في الكتاب ( فصول ) سبعة :

٤٣٣

( الأوّل)

( في حدّ الزنا )

وهو ممّا أجمع على تحريمه أهل الملل ؛ حفظاً للنسب ، وهو من الأُصول الخمسة التي يجب تقريرها في كلّ شريعة (١) ، وهو من الكبائر ، كما مرّ في كتاب الشهادة (٢).

( والنظر في ) هذا الفصل يقع في موارد ثلاثة : ( الموجب ، والحدّ ، واللواحق ).

( أمّا ) الزنا ( الموجب ) للحدّ ( فهو : إيلاج الإنسان ) وإدخاله ( فرجه ) وذكره الأصلي ( في فرج امرأة ) محرّمة عليه أصالةً ( من غير عقد ) نكاح ولو متعةً بينهما ( ولا ملك ) من الفاعل للقابل (٣) ، ( ولا شبهة ) دارئة ، وضابطها : ما أوجب ظنّ الإباحة ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الغنية (٤) ، ولعلّه المفهوم منه عرفاً ولغةً.

وإطلاق العبارة وإن شمل غير المكلّف ، إلاّ أنّه خارج بما زدناه من قيد التحريم ؛ مع احتمال أن يقال : إنّ التكليف من شرائط ثبوت الحدّ بالزنا لا أنّه جزء من مفهومه ، فلا يحتاج إلى ازدياد قيد التحريم من هذا الوجه ، وإن احتيج إليه لتحقيق معنى الزنا ؛ لعدم تحقّقه عرفاً ولغةً إلاّ به ، وإلاّ‌

__________________

(١) وهي : الدين ، النفس ، المال ، النسب والعقل. ويقال لها : المقاصد الخمسة. انظر التنقيح الرائع ١ : ١٥.

(٢) راجع ص ٢٤٨.

(٣) في « ن » زيادة : ولو منفعة.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٦٢٢.

٤٣٤

فدخول المجنون بامرأة مثلاً لا يعدّ فيهما زناءً ما لم تكن المدخول بها محرّمة عليه أصالةً.

وقولنا في التعريف : أصالة ، يخرج ( المحرّمة ) (١) عليه بالعرض بنحوٍ من الحيض وشبهه بعد حلّيتها عليه بأحد الأُمور الثلاثة ، فإنّه لا يعدّ زناءً لغةً ولا عرفاً ولا شرعاً ، ولذا لا يجب عليه حدّه إجماعاً.

( ويتحقّق ) الدخول الموجب ( بغيبوبة الحشفة ) أو قدرها من الذكر ( قُبُلاً أو دُبُراً ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح الحلّي في شمول الفرج للقبل والدبر (٢) ؛ لإطلاق الأدلّة فتوًى وروايةً ، ففي الصحيح (٣) وغيره (٤) : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم » فتأمّل.

والأصل في تحريم الزنا وثبوت الحدّ به بعد إجماع الأُمّة الكتاب والسنّة المستفيضة ، بل المتواترة الآتي إليها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.

( ويشترط في ثبوت الحدّ ) به على كلّ من الزانية والزاني : ( البلوغ و ) كمال ( العقل والعلم بالتحريم ، والاختيار ) بلا خلاف أجده ، إلاّ في الثاني ، فقد وقع الخلاف فيه كما سيأتي (٥) ؛ ولعلّه لهذا لم يذكره الماتن (٦) ( اقتصاراً منه ) (٧) على المتفق عليه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ن » : ما لو دخل بمن تحرم.

(٢) السرائر ٣ : ٤٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦ / ١ ، التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٨ / ٣٥٨ ، الوسائل ٢ : ١٨٢ أبواب الجنابة ب ٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٦٤ / ١٨٦٢ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٠ أبواب المهور ب ٥٤ ح ٩.

(٥) في ص ٤٣٨.

(٦) لم يذكره في الشرائع ٤ : ١٥٠ ، ولكنه مذكور في المطبوع من المختصر : ٢١٣.

(٧) في « ح » و « ب » و « س » : وأكثر الأصحاب اقتصاراً منهم.

٤٣٥

فلا حدّ على الصغير والمكرَهة إجماعاً ؛ لحديث رفع القلم (١) ، وما يأتي من النصّ في المجنون (٢) ، وللنصوص المستفيضة ، منها الخبر : « ليس على المستكرَهة شي‌ء إذا قالت : استُكرِهت » (٣).

ولا على المكرَه على الأشهر الأظهر ؛ بناءً على تحقّق الإكراه فيه.

خلافاً للمحكيّ عن الغنية (٤) ، واحتمله في القواعد (٥) وغيره (٦) ؛ لعدم تحقّقه فيه ؛ لعدم انتشار الآلة إلاّ عن الشهوة المنافية للخوف.

وفيه : أنّ التخويف بترك الفعل ، والفعل لا يخاف منه ، فلا يمنع الانتشار.

ولا على الجاهل بتحريم الوطء حينه ولو كان مكلّفاً ، ( فلو تزوّج محرَّمة ) عليه ( كالأُمّ ) أو المرضعة ( أو المحصنة ) ذات البعل ( سقط الحدّ مع الجهالة بالتحريم ) للمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : « لو وجدت رجلاً كان من العجم أقرّ بجملة الإسلام لم يأته شي‌ء من التفسير ، زنى ، أو سرق ، أو شرب خمراً ، لم أُقم عليه الحدّ إذا جهله ، إلاّ أن تقوم عليه بيّنة أنّه قد أقرّ بذلك وعرفه » (٧) ونحوه‌

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ : ٤٥٦ / ١٦٠٧ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ١٣ أبواب مقدّمات الحدود ب ٦ ح ١.

(٢) يأتي في ص ٤٣٨.

(٣) التهذيب ١٠ : ١٨ / ٥٣ ، الوسائل ٢٨ : ١١١ أبواب حدّ الزنا ب ١٨ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٥) قواعد الأحكام ٢ : ٢٤٩.

(٦) انظر التحرير ٢ : ٢٢٠ ، والإيضاح ٤ : ٤٦٩.

(٧) الكافي ٧ : ٢٤٩ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٢١ / ٤٨٦ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٤ ح ٣.

٤٣٦

الصحيحان (١) ، والمرسل (٢) القريب منهما سنداً بجميل وابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما ، وغيرها (٣).

( ويثبت مع العلم ) به ، إلاّ مع الشبهة الدارئة ( ولا يكون العقد بمجرّده ) من غير توهّم صحّته ( شبهةً ) تنفع ( في السقوط ) بلا خلاف عندنا ، بل في ظاهر التنقيح (٤) وغيره (٥) : أنّ عليه إجماعنا ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى عدم صدق الشبهة بذلك بلا شبهة ، خلافاً لأبي حنيفة (٦).

نعم لو حصلت معه شبهة أسقطته هي دونه ، كما لو انفردت عنه.

ولو اختصّت بأحدهما اختصّ بالسقوط كما يأتي ، ( فلو تشبّهت الأجنبيّة ) على الرجل ( بالزوجة ) ونحوها ممّن تحل له ( فعليها الحدّ ) إجماعاً ( دون واطئها ) على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، بل ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع والتحرير (٧) وغيرها (٨) الإجماع عليه ؛ لأصالة البراءة ، والشبهة الدارئة.

( وفي رواية ) ضعيفة بالإرسال وعدّة من الجهلة أنّه ( يقام عليها

__________________

(١) أحدهما في : الفقيه ٤ : ٣٩ / ١٢٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٤ ح ١.

والآخر في : الكافي ٧ : ٢٤٨ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٩٧ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٢٤٩ / ٣ ، الوسائل ٢٨ : ٣٣ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٤ ح ٤.

(٣) انظر الوسائل ٢٨ : ٣٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٤.

(٤) التنقيح الرائع ٤ : ٣٢٩.

(٥) الروضة البهية ٩ : ٣٠.

(٦) انظر بدائع الصنائع ٧ : ٣٥ ، والمغني لابن قدامة ١٠ : ١٤٨.

(٧) شرائع الإسلام ٤ : ١٥٠ ، تحرير الأحكام ٢ : ٢١٩.

(٨) انظر كشف الرموز ٢ : ٥٣٩ ، والتنقيح ٤ : ٣٢٩ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٩٣.

٤٣٧

الحدّ جهراً وعليه سرّاً (١) ، وهي ) مع ضعفها ( متروكة ) لا عامل بها ، عدا القاضي (٢).

وهو شاذّ ، فلتُطرَح ، أو تُحمَل على ما حكي في الوسائل عن أكثر الأصحاب من شكّ الرجل أو ظنّه وتفريطه في التأمّل ، وأنّه حينئذٍ يعزّر ؛ لما ورد في تزويج امرأة لها زوج ، وغير ذلك (٣) ؛ ويعضده رواية المفيد لها في المقنعة بزيادة : فوطئها من غير تحرّز (٤).

أو على أنّه عليه‌السلام أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّاً ، ولم يقم عليه الحدّ ؛ استصلاحاً وحسماً للمادّة ، لئلاّ يتّخذ الجاهل الشبهة عذراً ، كما حكي عن بعض فقهائنا في نكت النهاية (٥).

( ولو وطئ المجنون ) امرأة ( عاقلة ، ففي وجوب الحدّ ) عليه ( تردّد ) :

من ورود النصّ به ، ففي الخبر : « إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ ، وإن كان محصناً رجم » قلت : وما الفرق بين المجنون والمجنونة ، والمعتوه والمعتوهة؟ فقال : « المرأة إنّما تؤتى ، والرجل يأتي ، وإنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذّة ، وأنّ المرأة إنّما تُستَكرَه ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها » (٦) وقصور السند مجبور بنسبة الشيخ في المبسوط روايته إلى‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٦٢ / ١٣ ، التهذيب ١٠ : ٤٧ / ١٦٩ ، الوسائل ٢٨ : ١٤٣ أبواب حدّ الزنا ب ٣٨ ح ١.

(٢) المهذّب ٢ : ٥٢٤.

(٣) الوسائل ٢٨ : ١٤٣.

(٤) المقنعة : ٧٨٤.

(٥) نكت النهاية ٣ : ٢٩٥.

(٦) الكافي ٧ : ١٩٢ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٩ / ٥٦ ، الوسائل ٢٨ : ١١٨ أبواب حدّ الزنا ب ٢١ ح ٢.

٤٣٨

الأصحاب كافّة (١) ، مشعراً بدعوى إجماعهم عليه ، ولذا ( أوجبه الشيخان ) والصدوق والقاضي (٢).

ومن تأمّل في الجابر لضعف الخبر ؛ لوهنه بندرة العامل به ، مع أنّ الناقل له ذكر قبل النسبة ما يشعر بالإجماع على العدم ، كما هو ظاهر السرائر وصريح الغنية (٣) ، وبالعدم صرّح في الخلاف مفتياً به (٤) ، وحكي عن المفيد في العويص (٥) ، فيتقوّى الندرة الموهنة ، فينبغي الرجوع إلى الأُصول العامّة ، مثل حديث : « رفع القلم عن المجنون حتى يفيق » (٦).

وبه استدلّ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام على عمر حين أمر بحدّ المجنونة ، فيما رواه المفيد في إرشاده ، فقال عليه‌السلام : « أما علمت أنّ هذه مجنونة ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ، وأنّها مغلوبة على عقلها ونفسها ، فردّوها ، فدرأ عنها الحدّ » (٧) وخصوصيّة المورد مدفوعة بعموم التعليل.

ونحوه فيه الصحيح : في امرأة [ مجنونة ] زنت ، قال : « إنّها لا تملك أمرها ، ليس عليها شي‌ء » (٨) هذا.

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٣.

(٢) المفيد في المقنعة : ٧٧٩ ، الطوسي في النهاية : ٦٩٦ ، الصدوق في المقنع : ١٤٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢١.

(٣) السرائر ٣ : ٤٤٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.

(٤) الخلاف ٥ : ٣٧٢.

(٥) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٣٩٤ ، وهو في العويص ( مصنّفات الشيخ المفيد ٦ ) : ٤٥.

(٦) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٧) إرشاد المفيد ١ : ٢٠٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢٣ أبواب مقدمات الحدود ب ٨ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٨) الكافي ٧ : ١٩١ / ٢ ، الوسائل ٢٨ : ١١٧ أبواب حدّ الزنا ب ٢١ ح ١ ؛ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٤٣٩

مضافاً إلى عموم خصوص بعض النصوص : « لا حدّ على مجنون حتى يفيق ، ولا على صبيّ حتى يدرك ، ولا على النائم حتى يستيقظ » (١).

وفي الصحيح : « لا حدّ لمن لا حدّ عليه » يعني : لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال : يا زان ، لم يكن عليه حدّ (٢). ونحوه الموثّق (٣) ، وغيره (٤).

وهي ظاهرة أيضاً في رفع الحدّ عنه على العموم. وهذا القول أظهر ، وفاقاً لمن مرّ ، والديلمي والحلّي (٥) ، وعامّة المتأخرين ، حتى الماتن ؛ لمصيره إليه في النكت على ما حكي (٦) ، فينبغي طرح الرواية ، أو تأويلها بما يرجع إلى الأدلّة المانعة من حملها على بقاء تمييز وشعور له بقدر مناط التكليف ، كما ربما يشير إليه ما فيها من التعليل.

( ولا حدّ على المجنونة ) مطلقاً اتّفاقاً فتوًى وروايةً ، وبه صرّح في التنقيح (٧) ، والماتن فيما يأتي (٨).

( ويسقط الحدّ بادّعاء الزوجيّة ) ونحوها ، ما لم يعلم كذبه.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٣٦ / ١١٥ ، التهذيب ١٠ : ١٥٢ / ٦٠٩ ، الوسائل ٢٨ : ٢٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٢٥٣ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٣٨ / ١٢٥ ، التهذيب ١٠ : ١٩ / ٥٩ ، الوسائل ٢٨ : ٤٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٩ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٢٥٣ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٨٢ / ٣٢٤ ، الوسائل ٢٨ : ٤٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٩ ذيل ح ١.

(٤) دعائم الإسلام ٢ : ٤٦٢ / ١٦٣٤ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٣ أبواب مقدمات الحدود ب ١٧ ح ١.

(٥) الديلمي في المراسم : ٢٥٢ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٤٤.

(٦) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٣٩٤ ، وهو في النكت ٣ : ٢٩١.

(٧) التنقيح الرائع ٤ : ٣٣٠.

(٨) يأتي في ص ٤٤٥.

٤٤٠