رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

فلو طلب من اثنين يثبت بهما لزمهما الأداء ، وليس لأحدهما الامتناع ، بناءً على تخيّلهما الاكتفاء بحلف المدّعى مع الآخر فيأبيان عن الأداء ؛ للعموم ، وأنّ من مقاصد الإشهاد التورّع عن اليمين.

ولو كان الشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب عليهما كفايةً كما مضى.

ولو كان واحداً لزمه الأداء إن كان ممّا يثبت بشاهد ويمين ، وإلاّ فلا إن لم يحتمل معه وجود من يتم به العدد ، وإلاّ فيجب أيضاً.

قالوا : ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه تعريفه إن خاف بطلان الحق بدون شهادته. ولا بأس به.

ولو لم يكن الشهود عدولاً ، فإن أمكن ثبوت الحق بشهادتهم ولو عند حاكم الجور وجب الإعلام أيضاً ؛ للعموم ، وإلاّ فوجهان ، أجودهما الوجوب ؛ لذلك ، مع إمكان حصول العدالة بالتوبة.

( ولو دُعي ) من له أهلية الشهادة ( للتحمّل ) لها ( فـ ) في وجوبه عليه مع عدم خوف ترتب ضرر غير مستحق به عليه أو على غيره من إخوانه ( قولان ) و ( المروي ) في المعتبرة المستفيضة ( الوجوب .. )

ففي الصحيح : في قول الله عزّ وجلّ ( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ ) قال : « قبل الشهادة » وقوله تعالى ( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) قال : « بعد الشهادة » (١).

ونحوه آخر ، لكن إلى قوله : « قبل الشهادة » (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨١ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٤ / ١١٢ ، التهذيب ٦ : ٢٧٥ / ٧٥٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٠٩ كتاب الشهادات ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٠ / ٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣١١ كتاب الشهادات ب ١ ح ٨.

٣٨١

وفي ثالث : في الآية المزبورة ، فقال : « لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن يقول : لا أشهد لكم » وقال : « فذلك قبل الكتاب » (١).

ونحوه الموثق (٢) ، وما يقرب من الصحيح مثله متناً وسنداً بل ربما يعدّ صحيحا (٣).

وفي مثله سنداً في الآية المزبورة أيضاً ، فقال : « إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه » (٤).

وفي الخبر : قال : « لا يأب الشهداء أن تجيب حين تدعى قبل الكتاب » (٥).

وفي آخر : « إذا دعيت إلى الشهاد فأجب » (٦).

وقصور سندهما أو ضعفهما كبعض ما تقدّم إن كان مجبور ، مع قصور دلالة « لا ينبغي » في بعضها على التحريم بعمل الأصحاب وفهمهم كافّة ، عدا الحلّي خاصّة (٧) ، وهو شاذّ نادر كما في الدروس (٨) ، مشعراً‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٧٩ / ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣١٠ كتاب الشهادات ب ١ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٣٧٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٧٥ / ٧٥٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣١٠ كتاب الشهادات ب ١ ح ٥.

(٣) الكافي ٧ : ٣٧٩ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٧٥ / ٧٥١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٠٩ كتاب الشهادات ب ١ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٣٨٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٧٦ / ٧٥٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣١٠ كتاب الشهادات ب ١ ح ٧.

(٥) الكافي ٧ : ٣٨٠ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٧٦ / ٧٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣١٠ كتاب الشهادات ب ١ ح ٦.

(٦) الكافي ٧ : ٣٨٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٧٥ / ٧٥٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٠٩ كتاب الشهادات ب ١ ح ٣.

(٧) السرائر ٢ : ١٢٦.

(٨) الدروس ٢ : ١٢٣.

٣٨٢

بدعوى الإجماع على خلافه ، وهو الحجة.

مضافاً إلى تلك المعتبرة ، وما استدل به جماعة (١) من أنّه من الضروريات التي لا ينفكّ الإنسان عنها ؛ لوقوع الحاجة إلى المعاملات والمناكحات ، فوجب في الحكمة إيجابه ليحسم مادّة النزاع المترتب على تركه غالباً.

هذا مضافاً إلى نفس الآية المسئول عن تفسيرها في المعتبرة المزبورة ، بناءً على وضوح دلالتها على وجوب التحمّل ولو لم تكن فيها واردة ؛ لأنّها منساقة في معرض الإرشاد بالإشهاد ، للأمر بالكتابة ونهي الكاتب عن الإباء ، ثم الأمر بالإشهاد ونهي الشاهد من الإباء ، فالسياق يعيّن إرادة التحمل دون الأداء.

ومستند الحلّي غير واضح ، عدا الأصل ، والطعن في الأخبار بأنّها من الآحاد ، ومنع الدلالة في الآية ؛ لظهورها في الأداء ، فإنّ إطلاق الشهيد حقيقةً إنّما هو بعد التحمّل.

ويضعّف الأصل بلزوم الخروج عنه بما مرّ من النص ، والطعن فيه بكونه من الآحاد غير جيّد حتى على أصله ، لشهادة فتاوي العلماء ومنهم كافّة القدماء كما هو الظاهر ، المصرّح به في المختلف (٢) على صحته.

ومنه يظهر فساد منع دلالة الآية ؛ لوروده في تفسيرها ، مضافاً إلى ما عرفت من شهادة السياق بصحته.

نعم في الوسائل عن مولانا العسكري عليه‌السلام في تفسيره عن مولانا‌

__________________

(١) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٤٤٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣١٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤١٥.

(٢) المختلف : ٧٢٣.

٣٨٣

أمير المؤمنين عليه‌السلام في الآية المزبورة قال : « من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها ، وليقمها ، ولينصح فيها ، ولا تأخذه فيها لومة لائم ، وليأمر بالمعروف ، ولينه عن المنكر » (١).

وهو ظاهر في ورودها في الأداء ، لكن قال عليه‌السلام بعد ذلك : « وفي خبر آخر قال : نزلت فيمن إذا دعي لسماع الشهادة أبى ، ونزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) يعني كافر قلبه » (٢) وهو نص فيما ذكره الأصحاب ويرجع بفتواهم.

( و ) على المختار فهل ( وجوبه على الكفاية ) كما عليه الشيخ في المبسوط والنهاية ، والإسكافي ، والفاضلان في كتبهما ، وفخر الدين (٣) ، والمفلح الصيمري ، والشهيدان في كتبهما (٤) ، وغيرهم من متأخري الأصحاب ومتأخريهم (٥) ، أم على الأعيان كما يحكى في الإيضاح وشرح الشرائع للصيمري عن ظاهر المفيد والحلبي والقاضي والديلمي وابن زهرة (٦)؟

__________________

(١) تفسير العسكري عليه‌السلام : ٦٧٦ / ٣٧٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣١٤ كتاب الشهادات ب ٢ ح ٧.

(٢) تفسير العسكري عليه‌السلام : ٦٧٦ / ٣٧٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣١٤ كتاب الشهادات ب ٢ ح ٨.

(٣) المبسوط ٨ : ١٨٦ ، النهاية : ٣٣٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٢٥ ، المحقق في الشرائع ٤ : ١٣٨ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٢١٣ ، فخر الدين في الإيضاح ٤ : ٤٤٣.

(٤) غاية المرام ٤ : ٢٩٧ ، الشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ١٢٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٣٧.

(٥) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٨٦ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ٢٨٥.

(٦) الإيضاح ٤ : ٤٤٢ ، غاية المرام ٤ : ٢٩٦ ، المفيد في المقنعة : ٧٢٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٦٠ ، الديلمي في المراسم : ٢٣٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

٣٨٤

ظاهر الآية والأخبار : الثاني ، إلاّ أنّ إطباق المتأخرين على الأوّل يرجّحه ، سيّما مع ما يظهر منهم من عدم الخلاف فيه ، وأنّ محله إنّما هو أصل الوجوب ، لا كونه عينياً أو كفائياً ؛ ولذا لم ينقلوا في كفائيته خلافاً عدا من مرّ.

نعم ربما يتوهم من عبارة الماتن في الشرائع والفاضل في التحرير والقواعد (١) وقوع الخلاف في الكفائية أيضاً ؛ حيث إنّهما حكما بها هنا من غير دعوى إجماع ، وادعوه عليها في الأداء.

وهو ضعيف جدّاً ؛ لظهور عبارتهما في رجوع دعواهما الإجماع في الأداء إلى مطلق الوجوب ، دون خصوصية كفائيته ، ومقتضاها حينئذ عدم الإجماع على الوجوب هنا ، لا على عدم كفائيته ، هذا.

وربما يرشد إلى الكفاية هنا سياق الأخبار ، حيث جعلوا الوجوب فيه مقابلاً للوجوب في الأداء ، وهو فيه على الكفاية في الجملة أو مطلقاً ، فليكن هنا كذلك أيضاً.

مضافاً إلى فحوى الخطاب المستفاد من الحكم بكفائية وجوب الأداء ؛ فإنّ كفائيته مع الاتفاق على وجوبه يستلزم كفائية الوجوب هنا ، لأضعفيته منه ، نظراً إلى وقوع الخلاف في أصله ، دونه ، فتأمّل جدّاً.

( و ) على القولين ( يتعين ) التحمّل على من دعي إليه ( مع عدم من يقوم بالتحمّل ) بلا إشكال ولا خلاف إلاّ من الحلّي ، وقد مرّ ضعفه.

( و ) اعلم أنّه ظهر مما مرّ من اشتراط العلم في الشهادة أنّه ( لا ) يجوز أن ( يشهد ) الشاهد على أحد ولا له ( إلاّ مع المعرفة ) بما يشهد عليه من شخصه أو نسبه.

وإنّما أعاده هنا مع معلوميته سابقاً تنبيهاً على عدم انحصار مستندها‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٣٨ ، التحرير ٢ : ٢١٣ ، القواعد ٢ : ٢٤٠.

٣٨٥

في العلم الحقيقي ، بل يجوز استنادها إليه ( أو ) إلى ( شهادة عدلين بالمعرفة ) فيعرّفانه ما يريد الشهادة عليه من شخص المشهود عليه أو نسبه ويكون شاهد أصل لا فرعاً ، ومحصّله كفاية العلم الشرعي في الشهادة.

وهي وإن خالفت الأصل ؛ لوجوب حمل العلم الوارد في النص والفتوى اعتباره في صحة الشهادة على معناه الحقيقي عرفاً ولغةً ، وهو ما لا يحتمل النقيض أصلاً ، ولعلّه لهذا يظهر من الكفاية في بحث شهادة الأعمى التأمّل فيه ، حيث قال : قالوا والأعمى إذا انضمّ إلى سماعة معرّفان يشهدان على العاقد جاز له الشهادة عليه (١). انتهى.

إلاّ أنّه لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم في اعتبارهم العلم الشرعي المستند إلى شهادة العدلين أيضاً ، بل ظاهر السرائر الإجماع عليه ، فإنّه قال : فإذا حضر الشاهد فلا يجوز له أن يشهد إلاّ على من يعرفه ، فإن أراد أن يشهد على من لا يعرفه فليشهد بتعريف من يثق إلى ديانته من رجلين عدلين عند أصحابنا ، فأمّا الواحد والنساء فلا يشهد بتعريفه ولا تعريفهن ؛ لأنّه لا دليل على ذلك (٢).

وظاهره كما ترى أنّ المستند في الجواز هنا إنّما هو فتوى الأصحاب ؛ إذ لم يذكر دليلاً آخر ، وفتواهم عنده لا يكون حجّة إلاّ مع بلوغها درجة الإجماع كما يستفاد من الجمع المضاف في كلامه المفيد للعموم لغة ، كما تشعر به أيضاً عبارة الكفاية المتقدّمة ، بل لعلّها فيه ظاهرة.

وقد ذكر جماعة من الأصحاب منهم الحلّي في السرائر والفاضل في التحرير وغيره (٣) أنّه حيثما استند شهادته إلى شهادتهما لا يذكرهم مطلقة ،

__________________

(١) الكفاية : ٢٨٤.

(٢) السرائر ٢ : ١٢٦.

(٣) السرائر ٢ : ١٢٦ ، التحرير ٢ : ٢١١ ؛ وانظر القواعد ٢ : ٢٣٩.

٣٨٦

بل يقول : أشهد على فلان بتعريف فلان وفلان.

( ويجوز أن تسفر المرأة ) وتكشف عن وجهها ( ليعرفها الشاهدان ) لها أو عليها إذا لم يمكنهما معرفتها بشهادة العدلين العارفين لها شخصاً أو نسباً ، كما ذكره جماعة (١) ، بلا خلاف بينهم أجده ؛ للضرورة ، والصحيح : كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز وبيّنها (٢) بعينها. فوقّع عليه‌السلام : « تتنقب وتظهر للشهود إن شاء الله تعالى » (٣) فتأمّل.

والخبر : « لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عُرفت بعينها أو حضر من يعرفها ، فأمّا إذا كانت لا تُعرف بعينها ولا يحضر من لا يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها أو على إقرارها دون أن تسفر وينظروا إليها » (٤).

ويستفاد منه جواز الشهادة بتعريف العدلين كما مضى ، وهو وإن لم يصرّح بعددهما إلاّ أنّه المعهود شرعاً ، مضافاً إلى عدم قائل بكفاية الأقل هنا ، مع تصريح الحلّي بالعدم كما مضى.

وربما يستفاد من الخبر الأوّل عدم جواز الشهادة بتعريفهما وأنّه لا بدّ‌

__________________

(١) منهم القاضي في المهذّب ٢ : ٥٦٠ ، والشهيدين في اللمعة والروضة البهية ٣ : ١٣٥.

(٢) في المصادر : ويثبتها.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٠ / ١٣٢ ، التهذيب ٦ : ٢٥٥ / ٦٦٦ ، الإستبصار ٣ : ١٩ / ٥٨ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠١ كتاب الشهادات ب ٤٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٤٠٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٥٥ / ٦٦٥ ، الإستبصار ٣ : ١٩ / ٥٧ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠٢ كتاب الشهادات ب ٤٣ ح ٣.

٣٨٧

من إسفارها ، لكنه لا يعارض الثاني وإن قصر أو ضعف سنده ؛ لانجباره بفتوى الأصحاب ورجحانه على الأوّل بها. مع احتماله الحمل على التقية ، كما يشعر به الصحيح الآخر : « لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها ، ولا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر فينظر إليها » (١) فإنّ الظاهر أنّ مرجع ضمير الجمع هو العامّة العمياء.

مضافاً إلى كونه مكاتبة والغالب فيها التقية ، فتأمّل جدّاً.

( و ) لو أراد أن ( يشهد ) الإنسان ( على الأخرس ) بإقراره فليشهد ( بالإشارة ) التي رآها منه دالّة عليه ( ولا يقيمها بالإقرار ) الذي فهمه فيها ؛ لاحتمال خطائه في الفهم فيتحقق الكذب ، ولعلّه مراد من علّل المنع عن الإقامة بنفس الإقرار بالكذب المطلق ، لا باحتماله ، كالحلي (٢) ، وغيره (٣) ، وإلاّ فيشكل الحكم بإطلاق الكذب ، فقد يعلم الشاهد بإقراره ويحصل له القطع به من إشارته فلا يكون كذباً ، فكيف يعلّل به؟!

اللهم إلاّ أن يكون المراد أنّ الإقرار حقيقة في الإخبار عن الحق باللفظ الدال عليه بحكم التبادر وغيره ، فيكون الإشارة مجازاً ، وإرادته من الإقرار المطلق المنصرف إلى اللفظ بغير قرينة غير جائز ، فإطلاقه من دونها يصيّره كذباً.

وفيه نظر ؛ فإنّ خرسه قرينة حال واضحة على إرادته الإخبار بالإشارة من الإقرار المطلق ، دون الحقيقة ، فلا كذب.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٠ / ١٣١ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠١ كتاب الشهادات ب ٤٣ ح ١.

(٢) السرائر ٢ : ١٢٧.

(٣) انظر المهذّب ٢ : ٥٦٠.

٣٨٨

وهنا‌ ( مسائل ) أربع :

( الأُولى : ) قد مرّ جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة ، وهل يفتقر إلى مشاهدة اليد والتصرف معها إن لم تفد العلم بالملكية؟ قولان ، يبتنيان على الخلاف المتقدم في اشتراط إفادتها العلم في الشهادة على الملك بها ، أم لا ، فيفتقر إلى الضميمة على الأوّل ، ولا على الثاني.

ولا إشكال في الاكتفاء بها من دون الضميمة إذا أفادت العلم ، كما لا إشكال في جواز الشهادة بها مع ضميمة الأمرين مطلقاً ، بل ولا خلاف فيه أيضاً على الظاهر ، المصرَّح به في الكفاية (١) ، بل في التنقيح والمسالك (٢) دعوى الوفاق عليه ، وهو الحجة ، المعتضدة بما سيأتي من الأدلة على كفاية الضميمة وحدها في الشهادة على الملكية ، فمع الاستفاضة أولى.

وبالجملة : فلا إشكال ولا خلاف يعتدّ به في شي‌ء من ذلك ، وإنّما هو في الاكتفاء بالضميمة إذا لم تكن للعلم بالملكية مفيدة.

فـ ( قيل : ) إنّه ( يكفي في ) جواز ( الشهادة بالملك مشاهدته ) أي مشاهدة الشاهد لذي اليد ( يتصرف فيه ) مكرّراً بنحو من البناء والهدم والإجارة وغيرها بلا منازع.

والقائل هو شيخ في الخلاف والحلبي والقاضي والحلّي (٣) ، وهو‌

__________________

(١) الكفاية : ٢٨٤.

(٢) التنقيح ٤ : ٣١٤ ، المسالك ٢ : ٤١١.

(٣) الخلاف ٦ : ٢٦٤ ، الحلبي في الكافي : ٤٣٧ ، القاضي في المهذب ٢ : ٥٦١ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٣٠.

٣٨٩

ظاهر الكليني رحمه‌الله والصدوق حيث رويا في الكافي والفقيه (١) ما يدل عليه من غير معارض ، مع أنّ الثاني قال في صدر كتابه : إنّه لا يروي فيه إلاّ ما يفتي به ويحكم بصحته (٢). وعليه عامّة المتأخرين ، مدّعياً جملة منهم الشهرة المطلقة عليه (٣).

ويظهر من الماتن في الشرائع عدم الخلاف فيه ؛ فإنّه قال : لا ريب أنّ المتصرف بالبناء والهدم والإجارة بغير منازع يشهد له بالملك المطلق ، أمّا من في يده دار فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد ، وهل يشهد له بالملك؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وفيه إشكال (٤). إلى آخر ما ذكره. وذلك لتخصيصه نقل الخلاف باليد الغير المتصرفة ، معرباً عن عدمه فيها.

ونحوه غيره (٥) ، ونسبه في المبسوط إلى روايات الأصحاب (٦) ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه ، وبه صرّح في الخلاف (٧) ، وهو الحجة.

( و ) مع ذلك وردت ( به رواية ) قصور سندها أو ضعفها منجبر برواية المشايخ الثلاثة لها معتمدين عليها ، وبالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة كما عرفت حكايته.

وفيها : عن رجل رأى في يد رجل شيئاً أيجوز له أن يشهد أنّه له؟

قال : « نعم » قلت : فلعلّه لغيره ، قال : « ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ ، الفقيه ٣ : ٣١.

(٢) الفقيه ١ : ٣.

(٣) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٨٤ ، والمحقق الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٨٨.

(٤) الشرائع ٤ : ١٣٤.

(٥) انظر المفاتيح ٣ : ٢٨٨.

(٦) المبسوط ٨ : ١٨٢.

(٧) الخلاف ٦ : ٢٦٤.

٣٩٠

ملكاً لك ثم تقول بعد الملك : هو لي ، وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك [ من ] قِبَلِه ، ولو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق » (١).

وقريب منها الصحيح المروي في الوسائل عن علي بن إبراهيم في تفسيره في حديث فدك : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر : أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟! قال : لا ، قال : فإن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ، ادّعيت أنا فيه ، من تسأل البينة؟ قال : إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين ، قال : فإذا كان في يدي شي‌ء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوه عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟! » الخبر (٢). ولو لا أنّ لليد أثراً في إفادة الملك لما كان لذكره وجه ، فتدبّر.

وقريب منها النصوص الكثيرة الواردة في تعارض البيّنات الدالة على ترجيح بيّنة ذي اليد أو الخارج (٣).

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في دلالة اليد على الملكية ، وهي على تقدير تسليم عدم وضوح دلالتها على ذلك فلا ريب في كونها مؤيّدات قويّة للرواية.

مضافاً إلى قوتها بما مضى من حكاية الإجماع المتقدمة والشهرة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ / ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ / ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ أبواب كيفية الحكم ب ٢٥ ح ٢.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٥٥ / ٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ أبواب كيفية الحكم ب ٢٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٢٤٩ أبواب كيفية الحكم ب ١٢.

٣٩١

العظيمة ، بل لم أقف على مخالف لها ، عدا ما يستفاد من الأصحاب من كونه قولاً ، ولكن لم يسمّوا له قائلاً ، ولعلّهم أخذوه من المبسوط حيث نقله من دون تصريح بكونه منّا (١) ، وربما نسب إليه جماعة (٢) التردّد في المسألة ، حيث حكى القولين فيه من غير ترجيح ، لكن سياق عبارته ومنه نسبته القول الأوّل إلى روايات الأصحاب ربما يشعر بتقويته الأوّل ، وبذلك صرّح الفاضل في المختلف (٣).

وبالجملة : المخالف منّا غير معلوم عدا الماتن هنا حيث قال :

( والأولى الشهادة بالتصرف ) دون الملكية ( لأنّه ) أي التصرف ( دلالة ) على ( الملك ، وليس بملك ).

وفي التعليل ما لا يخفى ؛ إذ بعد تسليم الدلالة على الملكية لا وجه للمنع من الشهادة به عليها ، وإن هو حينئذ إلاّ كالاستفاضة ، فكما تجوز الشهادة على الملكية بها من غير لزوم إقامة الشهادة على الاستفاضة دونها ، فكذا هنا ، ولعلّه لذا قطع بجواز الشهادة على الملكية بالتصرف في الشرائع ، وإنّما استشكل في جوازها بمجرد اليد الخالية عنه ، قائلاً : إنّه من حيث إنّ اليد لو أوجب الملك لم تسمع دعوى من يقول : الدار التي في يد هذا لي ، كما لا تسمع لو قال : ملك هذا لي (٤).

وهذا كسابقه في الضعف جدّاً ؛ لورود النقض عليه أوّلاً بالتصرف مع عدم خلاف المعارض فيه.

__________________

(١) المبسوط ٨ : ١٨٢.

(٢) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٤٤٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣١٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤١١.

(٣) المختلف : ٧٢٩.

(٤) الشرائع ٤ : ١٣٤.

٣٩٢

وثانياً بالحل ، بأنّ دلالة اليد ظاهرة ، والإقرار بالملك قاطع ، والصرف عن الظاهر بقرينة جائز بخلاف القاطع والقرينة هنا موجودة ، وهي ادّعاؤه بها ، والمفروض أنّ الظن كاف في الشهادة ، كما يشير إليه جواز الشهادة بالتصرف الذي غايته إفادة المظنة ، ويكفي في الظن دلالة اليد الظاهرة بلا شبهة.

وعلّل المنع في كل من اليد والتصرف أيضاً زيادةً على ما مرّ في كلامه بحصول كل منهما من غير المالك كالوكيل والمستأجر والغاصب والموصى له بالمنفعة وغيرهم.

ونصر هذا التعليل المولى الأردبيلي (١) رحمه‌الله وصاحب الكفاية ، فقال بعد ذكر استدلال الشيخ والجماعة على جواز الشهادة على الملكية باليد المتصرفة من قضاء العادة بأنّ ذلك لا يكون إلاّ بالملك ، وجواز شرائه منه ، وأنّه متى حصل عند المشتري جاز له دعوى الملكية ، ولو ادّعي عليه فأنكر جاز له الحلف ـ ما صورته :

وفيه إشكال ؛ لأنّ العادة لا تقضي على وجه يوجب العلم ، وجواز الشراء لا يقتضي الحكم بملكية البائع قطعاً ؛ لجواز الشراء من الوكيل والعاقد فضولاً والغاصب مع عدم العلم ، ودعوى الملكية بعد الشراء لا تقتضي جواز الشهادة على ملكية البائع أوّلاً ، وجواز الحلف على بعض الوجوه لا ينفع مطلقاً في محل المنع ، ولو سلّم فغير دال على المطلوب (٢).

وفيه نظر : فإنّه إن أُريد بذكر الاحتمالات المزبورة في اليد والتصرف من كون كل منهما من الوكيل والمستأجر إنكار حصول المظنة بالملكية‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٤٥٨.

(٢) الكفاية : ٢٨٤.

٣٩٣

بهما ، فهو مكابرة صرفة ، بل إنكار للبديهة ، ولذا نفى في الكفاية بها العلم خاصّة.

وإن أُريد به ما ذكره فيها دون نفي المظنة فحسن لو لم يقم على اعتبارها دليل في المسألة ، والحال أنّه قد قام ؛ لما عرفت من الرواية المنجبرة بما مرّ إليه الإشارة وحكاية الإجماع المتقدمة ، وهي وإن اختصت باليد المتصرّفة ، إلاّ أنّ الرواية كافية في الحجية في اليد الخالية عنه ؛ لعمومها لها ، أو ظهورها فيها ، ويكون شمول حكمها حينئذ لليد المتصرفة بطريق أولى ، هذا.

مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة وما بعدها من الأخبار (١) المعاضدة ولو لم تكن بنفسها حجة مستقلة.

والشهرة الجابرة للرواية كما تحققت في اليد المتصرفة محققة ومحكية في كلام جماعة كما عرفته ، فكذلك هي هنا متحققه ؛ لإطباق جمهور المتأخرين على الحكم هنا أيضاً عدا الماتن هنا وفي الشرائع ، وحكى الأكثرية على ذلك بينهم في المسالك والكفاية (٢). هذا.

مضافاً إلى مناقشات أُخر ترد على صاحب الكفاية ليس في ذكرها هنا فائدة مهمة بعد وضوح المأخذ في المسألة بحذافيرها ، والحجةِ من الفتوى والرواية ، بل ربما يمكن دعوى الضرورة في إفادة اليد المتصرفة بل مطلقاً الملكية ، وعليه بناء الفقهاء بل والمسلمين كافّة ، كما يقف عليه المتتبع لأكثر الأحكام الشرعية بل كلّها غير هذه المسألة من المسائل المتعلقة بأحكام اليد.

__________________

(١) راجع ص ٣٩٠.

(٢) المسالك ٢ : ٤١١ ، الكفاية : ٢٨٤.

٣٩٤

ولو تعارضت الاستفاضة المجردة عن الضميمة من التصرف أو اليد معهما فالترجيح لهما على الأقوى ؛ لعموم الرواية ، فتأمّل. وبه صرّح جماعة كالفاضلين في الشرائع والتحرير والقواعد والشهيد في الدروس (١).

( الثانية : تجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرّفه ) له ( المتبايعان ) يعني البائع والمشتري بصفات يتوافقان عليها ويكون شاهداً على إقرارهما بتلك الصفات كما هنا وفي السرائر والتحرير والدروس (٢) ، ولا خلاف فيه على الظاهر ، ومستنده مع ذلك واضح.

وفي المكاتبة الصحيحة : في رجل باع ضيعة من رجل آخر ، وهي قطاع أرضين ، ولم يعرف الحدود في وقت ما أشهده ، وقال : إذا أتوك بالحدود فاشهد بها ، هل يجوز له ذلك ، أو لا يجوز له أن يشهد؟ فوقّع عليه‌السلام : « نعم يجوز ، والحمد لله تعالى ».

وكتب : هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له إذا تعرف حدود هذه القطاع بقوم من أهل القرية إذا كانوا عدولاً؟ فوقّع عليه‌السلام : « نعم يشهدون على شي‌ء مفهوم معروف ».

وكتب : رجل قال لرجلين : اشهدا أنّ جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بحدودها كلّها لفلان بن فلان ، وجميع ماله في الدار من المتاع ، هل يصلح للمشتري ما في الدار والبيّنة لا تعرف المتاع أي شي‌ء هو؟ فوقّع عليه‌السلام : « يصلح له ما أحاط به الشراء بجميع ذلك إن شاء الله تعالى ».

وكتب إليه : هل يجوز أن يشهد على الحدود إذا جاء قوم آخرون من‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٣٤ ، التحرير ٢ : ٢١١ ، القواعد ٢ : ٢٤٠ ، الدروس ٢ : ١٣٤.

(٢) السرائر ٢ : ١٣٠ ، التحرير ٢ : ٢١٥ ، الدروس ٢ : ١٣٥.

٣٩٥

أهل تلك القرية فشهدوا أنّ حدود هذه القرية التي باعها الرجل هذه ، وهل يجوز لهذا الشاهد الذي أشهده بالضيعة ولم يسمّ الحدود أن يشهد بالحدود بقول هؤلاء الذين عرفوا هذه الضيعة وشهدوا له ، أم لا يجوز له أن يشهد وقد قال لهم البائع : اشهدوا بالحدود إذا أتوكم بها؟ فوقّع عليه‌السلام : « لا يشهد إلاّ على صاحب الشي‌ء وبقوله إن شاء الله تعالى » (١).

قيل : والمنع عن الشهادة في هذا الجواب الأخير إلاّ على صاحب الشي‌ء محمول على أنّه لا يشهد إلاّ بقول المالك مجملاً ، ولا ينسب التفصيل الذي عرفه من غيره إليه ، بل يخبر بالصورة ، أو يشهد إجمالاً ، أو محمول على عدم تعيين المالك للذي يأتي بالحدود فيبقى على جهالته ويكون الإقرار مبهماً ؛ أو على عدم عدالتهم (٢).

( الثالثة : لا يجوز ) للشاهد ( إقامة الشهادة إلاّ مع الذكر ) لمتعلّقها والتفطن له بالقطع ، فلو لم يتذكّره كذلك لم يجز له الإقامة مطلقاً ( ولو رأى خطّه ) وخاتمه فظن به ، بلا خلاف إذا لم يكن معه آخر ثقة ، ولا كان المدّعى ثقة ، وعلى الأشهر بين المتأخرين بل عامتهم إلاّ النادر (٣) مطلقاً ، وفاقاً منهم لجماعة من القدماء كالحلّي وابن زهرة والحلبي (٤).

للأصل ، وعموم ما مرّ من الأدلة على اعتبار العلم في مستند الشهادة ، وخصوص إطلاق بعضها ، كالقوي بالسكوني وصاحبه : « لا تشهد بشهادة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٢ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٥٣ / ٦٧٣ ٦٧٦ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠٧ كتاب الشهادات ب ٤٨ ح ١.

(٢) قال به صاحب الوسائل ٢٧ : ٤٠٨.

(٣) انظر المفاتيح ٣ : ٢٨٧ ٢٨٨.

(٤) الحلّي في السرائر ٢ : ١٣١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥ ، الحلبي في الكافي : ٤٣٧.

٣٩٦

لا تذكرها ، فإنّه من شاء كتب كتاباً ونقش خاتماً » (١).

والحسن : جاءني جيران بكتاب فزعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته ، ولست أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليها ، فأشهد لهم بمعرفتي أنّ اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة؟ أو لا تجب لهم الشهادة حتى أذكرها ، كان اسمي في الكتاب بخطّي أو لم يكن؟ فكتب : « لا تشهد » (٢).

وقصور الأسانيد أو ضعفها إن كان منجبر بما مرّ من الشهرة والأصل وعموم الأدلة ، مع دعوى الحلّي في السرائر كثرتها بحيث لا تحصى ، بل وتواترها والإجماع على مضامينها خصوصاً أو عموماً (٣).

( و ) لكن ( في رواية ) صحيحة مروية في الكتب الأربعة (٤) أنّه ( إن شهد معه ) أي مع الذي عرف خطّه وخاتمه ولم يذكر من الباقي قليلاً ولا كثيراً ، رجل ( آخر ) ثقة وكان صاحبه المدّعى أيضاً ثقة ( جاز ) له حينئذ ( إقامتها ) وقد عمل بها الشيخ في النهاية والمفيد والإسكافي والقاضي والديلمي ووالد الصدوق (٥) ، بل هو والكليني أيضاً ؛ لروايتهما لها‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٣ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٣ / ١٤٦ ، التهذيب ٦ : ٢٥٩ / ٦٨٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٢ / ٦٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٣ كتاب الشهادات ب ٨ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٢ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٥٩ / ٦٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٢ / ٦٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢٢ أبواب الشهادات ب ٨ ح ٢.

(٣) السرائر ٢ : ١٣١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٨٢ / ١ ، الفقيه ٣ : ٤٣ / ١٤٥ ، التهذيب ٦ : ٢٥٨ / ٦٨١ ، الإستبصار ٣ : ٢٢ / ٦٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٢١ أبواب الشهادات ب ٨ ح ١.

(٥) النهاية : ٣٣٠ ، المفيد في المقنعة : ٧٢٨ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٢٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٥٦١ ، الديلمي في المراسم : ٢٣٤ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٧٢٤.

٣٩٧

في كتابيهما ، ولا ينافي ذلك روايتهما بعد ذلك مضمون رواية السكوني ؛ لإطلاقه ، وصراحة هذه ، بحيث يحتمل التقييد بها عندهما.

وبالجملة : لا شبهة في شهرة العمل بها بين القدماء ، وبه صرّح الفاضل في المختلف والشهيد في الدروس (١) ، لكنه ادّعى الأكثرية بينهم دون الشهرة ، فشهرتها بينهم مع صحتها ترجّحها على ما قابلها من العمومات والإطلاقات ، سيّما مع كونها خاصّة صريحة بالإضافة إليها تصلح لتخصيصها وتقييدها.

لكن يمكن أن يقال : إنّها وإن كانت خاصّة صريحة من جهة ، لكنها عامّة لصورتي حصول العلم بالمشهود به بشهادة الثقة معه وعدمه ، والأدلة المتقدمة وإن كانت عامّة لصورتي وجود الثقة مع الخط والكتابة إلاّ أنّها خاصّة بالإضافة إلى اشتراط العلم والمعرفة ، فكما يمكن تخصيص هذه الصحيحة لها ، كذا يمكن العكس جدّاً ، فتخصّصها تلك الأدلة بصورة حصول العلم من شهادة الثقة مع الخطّ والكتابة.

وبالجملة : التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر ( و ) لهذا يحصل ( في ) العمل بهذه ( الرواية ) وترجيحها على تلك الأدلة بتخصيصها بها دون العكس ( تردّد ) كما هو صريح الماتن هنا وظاهر الشهيد في الدروس ، حيث نقل القولين مقتصراً عليهما ، وذلك لفقد المرجح لها ، وتعارض الشهرة من الطرفين كسائر وجوه التراجيح من الجانبين.

مع أنّ الأصل والكثرة مع دعوى التواتر والإجماع في الأدلة الأوّلة‌

__________________

(١) المختلف : ٧٢٥ ، الدروس ٢ : ١٣٤.

٣٩٨

أقوى مرجح لها على هذه الصحيحة ؛ لأنّها بطرف الضدّ لتلك الأدلة بالنسبة إلى هذه المرجحات المزبورة ، مع أنّ الشهرة المتأخرة المرجحة لها أعظم من الشهرة القديمة المرجحة لهذه الصحيحة ، مع إمكان التأمّل في شهرتها بين القدماء كما هي ؛ لدلالتها على اعتبار كون المدّعى أيضاً ثقة ولم يعتبره من الجماعة غير والد الصدوق خاصّة ، فالعامل بها على هذا نادر ، فطرحها أو تقييدها بصورة حصول العلم كما فعله في المختلف فيها وفي أقوال العاملين بها أيضاً (١) متعين ، فالمصير إلى ما عليه المتأخرون متّجه ، سيّما مع كونه أحوط ، كما صرّح به الشيخ في الاستبصار والقاضي (٢).

( الرابعة : من حضر حساباً ) بين رجلين ( أو سمع شهادة ) في قضيتهما فإن استشهد وجب عليه الإقامة ، بلا خلاف ، وإن اختلفوا في عينيّته مطلقاً كما عليه الشيخ وجماعة (٣) ، أو كفائيته إلاّ إذا انحصر ثبوت الحق في شهادته فكما قالوه.

( و ) إن كان ( لم يستشهد كان بالخيار في الإقامة ما لم يخش بطلان الحق إن امتنع ) وقد مضى البحث في جميع ذلك في بحث وجوب إقامة الشهادة ( و ) أنّ هذا الحكم الأخير ليس ( فيه ) (٤) ( تردّد ) لأنّ مقتضاه وجوب الإقامة حينئذ كفاية ، وهو ليس محل خلاف يعرف ، بل مرّ عن جمع دعوى الإجماع عليه.

وحينئذ فإن أُريد بمحل التردد في العبارة هذا فهو كما ترى ، وإن كان‌

__________________

(١) المختلف : ٧٢٥.

(٢) الاستبصار ٣ : ٢٢ ، القاضي في المهذب ٢ : ٥٦١.

(٣) لم نعثر على قول الشيخ وانظر السرائر ٢ : ١٣٢ ، وكشف الرموز ٢ : ٥٣١ ، والتنقيح ٤ : ٣١٤.

(٤) في المطبوع من المختصر (٢٩٠) : في الرواية.

٣٩٩

ما يفهم من سياقها من عينية الوجوب مطلقاً إن استشهد كما عليه الشيخ وجماعة فحسن ، وقد مرّ وجه التردّد حينئذ ، وأنّ ما اختاره لا يخلو عن قوّة ، إلاّ أنّ احتمال إرادة هذا من العبارة بعيد عن سياقها ، بل ظاهرها إرادة الاحتمال الأوّل ، وعليه فيتوجه النظر إليه بما عرفته.

نعم لو كان رأي الشيخ ومن وافقه عدم وجوب الإقامة مع عدم الاستدعاء مطلقاً حتى لو خاف بطلان الحق لو امتنع ، ومحصّله عدم الوجوب حينئذ لا عيناً ولا كفايةً ، كما فهمه منهم جماعة (١) توجّه التردّد حينئذ ، بل تعيّن بطلانه وإن شهد له إطلاق ما مرّ من كثير من المعتبرة ، إلاّ أنّ المستفاد من جملة أُخرى منها كما مضى عدم عينيته حينئذ خاصّة ، لا عدم كفائيته أيضاً ، بل تجب لو خشي بطلان الحق لو امتنع ، كما ذكره الماتن هنا ، وصرّح به الشيخ (٢) أيضاً وجملة من موافقيه (٣) وإن أطلقوا عدم الوجوب مع عدم الاستشهاد بحيث يتوهم منهم عدم الوجوب ولو كفايةً ، إلاّ أنّ الظاهر إرادتهم صورة عدم الخوف من بطلان الحق مع عدم الإقامة ، ولذا نسب في الدروس (٤) إليهم عين ما في العبارة من عدم الوجوب إلاّ مع خشيته بطلانه مع عدمها ، وجعل الفاضل في المختلف النزاع بينهم وبين الحلّي الحاكم بوجوب الإقامة ونفي الخيار فيها لفظياً ، فقال بعد نقل عبائرهم جملة ـ :

والتحقيق أنّه لا نزاع في المعنى هنا ؛ لأنّ الشيخ قصد بالجواز والخيار‌

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣١٧ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٥٢٠ والسبزواري في الكفاية : ٢٨٦.

(٢) النهاية : ٣٣٠.

(٣) منهم القاضي في المهذب ٢ : ٥٦١ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ١٣٩.

(٤) الدروس ٢ : ١٣٤.

٤٠٠