رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

وبالجملة : المسألة عند العبد محل توقف ، كما هو ظاهر الدروس (١) حيث نقل فيه الخلاف في المسألة مقتصراً عليه من دون ترجيح ، وهو حسن ، إلاّ أنّ مقتضى الأُصول حينئذ عدم القبول ، كما مرّ نظيره.

( ولا تقبل شهادة السائل بكفّه ) أي من يباشر السؤال والأخذ بنفسه ، عند الأكثر كما في الكفاية (٢) ، بل المشهور كما في المسالك والدروس (٣) وعن المحقق الثاني (٤) ، بل لا خلاف في المنع في الجملة وإن اختلفوا في إطلاقه ، كما هو ظاهر المتن وعن الشيخ والقاضي (٥) ، وفي المختلف (٦) ، أو تقييده بما إذا اتخذه صنعة وحرفة ، دون ما إذا سأل نادراً للضرورة ، كما عن الحلّي (٧) ، وفي الشرائع والسرائر والإرشاد والتنقيح والدروس والمسالك (٨) ، وغير ذلك من كتب الأصحاب (٩) ، ولعلّه المشهور بين المتأخرين.

والأصل في المنع في الجملة بعد عدم ظهور الخلاف فيه بين الطائفة المعتبران :

أحدهما الصحيح : عن السائل الذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٣١.

(٢) الكفاية : ٢٨٣.

(٣) المسالك ٢ : ٤٠٦ ، الدروس ٢ : ١٣١.

(٤) لم نعثر عليه ، ولا على من نقله عنه.

(٥) النهاية : ٤٢٦ ، المهذب ٢ : ٥٥٨.

(٦) المختلف : ٧١٨.

(٧) السرائر ٢ : ١٢٢.

(٨) الشرائع ٤ : ١٣٠ ، التحرير ٢ : ٢١٠ ، الإرشاد ٢ : ١٥٨ ، التنقيح ٤ : ٢٩٩ ، الدروس ٢ : ١٣٢ ، المسالك ٢ : ٤٠٦.

(٩) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٤٠٣.

٣٠١

فقال : « كان أبي عليه‌السلام لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه » (١).

والثاني الموثق : « ردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة السائل الذي يسأل في كفّه لأنّه لا يؤمن على الشهادة ، وذلك لأنّه إذا اعطي رضي وإن منع سخط » (٢).

وفي هذا التعليل وتعليل الماتن وغيره الحكم بقوله : ( لما يتصف به من مهانة النفس ) ودناءته ( فلا يؤمن ) من ( خدعه ) في شهادته إيماء إلى تهمته وعدم حرمة السؤال ، وإلاّ لعلّل بحرمته الموجبة لفسق فاعله بمجرده ، أو بالإصرار عليه واستمراره.

وفيه نظر ؛ فإنّ عدم التعليل بالحرمة لا يستلزم الإباحة ، فقد يكون وجهه لزوم حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة ، بناءً على عدم اتصاف كل سؤال بالحرمة ، بل الذي لا تدعو إليه حاجة ولا ضرورة محرّم خاصّة ، وحينئذ فكيف ينسب السائل إلى فعل محرم بمجرد سؤاله الذي هو من الحرام أعم.

ولنعد إلى حكم أصل المنع عن قبول الشهادة هل هو على إطلاقه ، أو مشروط باتخاذه السؤال صنعةً وحرفة والإصرار عليه واستمراره؟ إطلاق الخبرين يقتضي الأوّل ، وعدم انصرافهما بحكم التبادر والغلبة إلاّ إلى الثاني يقتضيه ، ولعله أظهر ، سيّما مع كونه بين المتأخرين أشهر.

( وفي قبول شهادة المملوك روايتان ، أشهرهما ) كما حكاه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ١٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦٠٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٢ كتاب الشهادات ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٦ / ١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٣ / ٦٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٢ كتاب الشهادات ب ٣٥ ح ٢.

٣٠٢

جماعة (١) حدّ الاستفاضة جدّاً ( القبول ) في الجملة ، وعليه متأخرو الأصحاب كافّةً ، بل عليه الإجماع في الانتصار والسرائر والغنية (٢) ، وهو الحجة المعاضدة لهذه الرواية المشهورة ، وهي مع ذلك متعددة متضمنة للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

فمن الأوّلة : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً » (٣).

ونحوه الصحيح الوارد في قضية درع طلحة المتضمن لقوله عليه‌السلام لشريح بعد ردّه شهادة قنبر له عليه‌السلام : « ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا » (٤).

وهو صريح في ردّ من ردّ شهادته لمولاه كالصدوقين ، والشيخ في كتابي الحديث ، والحلبي (٥).

وقريب منه في الردّ عليهم الصحيحة الآتية في المسألة الآتية بعد مسألة.

ومنها : عن المملوك تجوز شهادته؟ قال : « نعم ، وإنّ أوّل من ردّ‌

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ٤ : ١٣١ ، والفاضل المقداد في كنز العرفان ٢ : ٥٣ والمجلسي في مرآة العقول ٢٤ : ٢٣٧.

(٢) الانتصار : ٢٤٦ ، السرائر ٢ : ١٣٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ / ٦٣٤ ، الإستبصار ٣ : ١٥ / ٤٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٨٥ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٦٣ / ٢١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٧٣ / ٧٤٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٤ / ١١٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٦٥ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٤ ح ٦.

(٥) المقنع : ١٣٣ ، حكاه عن والده الصدوق في المختلف : ٧٢٠ ، التهذيب ٦ : ٢٤٩ ، الإستبصار ٣ : ١٦ ، الكافي في الفقه : ٤٣٥.

٣٠٣

شهادة المملوك لفلان » (١).

وفي رواية معتبرة بل قيل : صحيحة (٢) ـ : « إنّ أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب » الخبر (٣).

ومنها : « تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم » (٤).

وهو صريح في ردّ الإسكافي ، حيث قبل شهادته على مثله وعلى الكافر ، وردّها على الحرّ المسلم (٥).

ومنها : « تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب » (٦).

وليس فيه دلالة على مذهب الإسكافي في الشق الثاني إلاّ بمفهوم اللقب ، ولا نقول بحجيته.

ومنها : عن المكاتب تجوز شهادته؟ فقال : « في القتل وحده » (٧).

وبفحواه يستدل على قبول شهادته كلّيةً ، إلاّ أنّ ذكر خصوص القتل‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ / ٦٣٥ ، الإستبصار ٣ : ١٦ / ٤٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ٢.

(٢) قال في مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٤١٠ وحسنة محمّد بن مسلم بالقاسم بن عروة ، وإن ثبت توثيقه كما قيل كانت صحيحة. وقد صحّح العلاّمة في المختلف : ٧٢ حديث بريد بن معاوية وهو ( القاسم بن عروة ) في الطريق.

(٣) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ / ٦٣٣ ، الإستبصار ٣ : ١٥ / ٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ أبواب الشهادات ب ٢٣ ح ٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦ / ٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢٤٩ / ٦٣٦ ، الإستبصار ٣ : ١٦ / ٤٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٦ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ٥.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٧٢٠.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٩ / ٦٣٨ ، الإستبصار ٣ : ١٦ / ٤٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٦ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ٤.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٥٠ / ٦٤١ ، الإستبصار ٣ : ١٧ / ٤٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٨ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ٩.

٣٠٤

وتأكيده بوحدة ربما ينافي ذلك ، بل أصل الحجية ؛ لكونه شاذّاً لا قائل به من الطائفة ، لكنه مع ذلك صالح لتأييد الأخبار السابقة.

ونحوه في شذوذ الظاهر والصلوح للتأييد والتقوية الموثقة كالصحيحة بعثمان وفضالة اللذين أجمعت على تصحيح ما يصح عنهما العصابة (١) : عن الرجل المسلم تجوز شهادته لغير مواليه؟ فقال : « تجوز في الدين والشيخ اليسير » (٢).

وهذه النصوص مع صحة أكثرها ، واستفاضتها ، واشتهارها بين الأصحاب ، واعتضادها بالإجماعات المحكية موافقة لعمومات الكتاب ، والسنّة المستفيضة ، بل المتواترة الدالّة على قبول شهادة من اجتمعت فيه شرائط قبول الشهادة ، ومخالفة لما عليه أكثر العامّة بل عامّتهم ، كما يستفاد من شيخ الطائفة (٣) وغيره (٤) ، ونسبه في كنز العرفان (٥) إلى فقهائهم الأربعة ، وعلى هذا يجب أن يحمل على التقية الرواية الثانية المانعة عن قبول شهادته بالكلّية ، كالصحيح : عن شهادة ولد الزنا ، فقال : « لا ، ولا عبد » (٦).

والموثق : عما يردّ من الشهود ، فقال : « المريب » إلى أن قال : « والعبد » (٧).

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٥٠ / ٦٤٠ ، الإستبصار ٣ : ١٧ / ٤٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٧ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ٨.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٤٩ ، الاستبصار ٣ : ١٦.

(٤) المفاتيح ٣ : ٢٨٢.

(٥) كنز العرفان ٢ : ٥٣.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦١٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٦.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٤٢ / ٥٩٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٣.

٣٠٥

إلى غير ذلك من النصوص القاصر كثير منها سنداً ، وجميعها مكافئةً لما مضى قطعاً من وجوه شتى ، مع ندرة القائل بها ؛ إذ ليس إلاّ العماني (١).

نعم ربما نسبه الفاضل في التحرير إلى الإسكافي (٢) ، لكنه في غيره وباقي الأصحاب نسبوه إلى ما قدّمنا عنه من التفصيل ، وهو كسابقه أيضاً نادر ، ومع ذلك مستنده غير واضح ، عدا ما يتوهم له من الجمع بين الأخبار ، والصحيح : « لا تجوز شهادة العبد على الحرّ المسلم » (٣).

والأوّل مشروط بالتكافؤ ، وليس ، ولو سلّم فلا شاهد عليه. والثاني معارض بمثله وقد مرّ ، مع أنّ نفي الجواز فيه لا يدلّ على الردّ ؛ لاحتمال حمله على معناه بإرادة عدم جواز شهادته بدون إذن مولاه ؛ لما في ذلك من تعطيل حق سيده والانتفاع به بغير إذنه ، ولو كان هذا خلاف الظاهر لكان المصير إليه أولى مراعاةً للجمع. كذا ذكره شيخنا في المسالك (٤).

وربما يعضده المروي في الوسائل عن مولانا الحسن العسكري في تفسيره عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : « قال : كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يذاكرنا بقوله تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) قال : أحراركم دون عبيدكم ، فإنّ الله تعالى شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادة وعن أدائها » (٥) فتدبّر.

مع أنّ دلالته بمفهوم الوصف ، وليس بحجة على الأشهر الأظهر.

__________________

(١) المختلف : ٧٢٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢١٠.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٤٩ / ٦٣٧ ، الإستبصار ٣ : ١٦ / ٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٨ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ١٢.

(٤) المسالك ٢ : ٤٠٧.

(٥) تفسير العسكري عليه‌السلام : ٦٥٦ / ٣٧٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٠ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ١٥.

٣٠٦

وما يقال : من أنّه على تقدير عدم الحجية يستدل على قبول شهادته على الذميّ بما مرّ من الصحيح (١) ، وعلى العبد بما روي في الخلاف عن علي عليه‌السلام أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض ، ولا يقبل شهادتهم على الأحرار (٢).

فضعّف بما مرّ من معارضة الصحيح السابق بمثله ، وعدم دلالة هذا الصحيح على نفي القبول على غير أهل الكتاب إلاّ بالمفهوم الضعيف أيضاً.

والرواية غير معلومة الصحة ، فلا تصلح للحجية ، سيّما مع قصورها كما سبقها على تقدير الدلالة عن مقاومة الأدلة المتقدمة ، وبالجملة فهذا القول كسابقه ضعيف غايته.

واعلم أنّ الصحاح المتقدمة (٣) وإن اقتضت بإطلاقها قبول شهادته مطلقاً إلاّ أنّ المشهور القائلين بها اختلفوا في إبقائها على إطلاقها أو تقييدها بغير الشهادة على المولى ، وإلى هذا الخلاف أشار بقوله :

( وفي ) قبول ( شهادته على المولى قولان أظهرهما المنع ، ) وهو أشهرهما على الظاهر ، المصرّح به في كلام كل من ادعى الشهرة فيما مضى ، وهو مختار الشيخين والسيدين والديلمي والقاضي وابن حمزة والحلبي والحلّي والفاضلين والصيمري (٤) ، وأكثر‌

__________________

(١) راجع ص ٣٠٣.

(٢) الخلاف ٦ : ٢٦٩.

(٣) راجع ص ٣٠٢.

(٤) المفيد في المقنعة : ٧٢٦ ، الطوسي في النهاية : ٣٣١ ، المرتضى في الانتصار : ٢٤٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤ ، الديلمي في المراسم : ٢٣٢ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٥ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٣٥ ، المحقق في الشرائع ٤ : ١٣١ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٢١٠ ، الصيمري في غاية المرام ٤ : ٢٨٤.

٣٠٧

المتأخرين (١) ، بل عامّتهم.

عدا شيخنا الشهيد الثاني (٢) وجملة ممّن تبعه من متأخري المتأخرين (٣) ، فاختاروا الجواز ، وفاقاً منهم لابن عم الماتن نجيب الدين يحيى بن سعيد في الجامع (٤) ؛ أخذاً بإطلاق الصحاح المؤيّدة بالعمومات.

وهو قوي متين ، إلاّ أنّ في كلام السيدين والحلّي (٥) دعوى الإجماع على المنع ، فيتعين بسببه المصير إليه ، سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة القديمة والحديثة.

مع ندرة القائل بالجواز على الإطلاق ، كما هو مذهب شيخنا وتابعيه ، بل يستفاد من كثير مجهوليته وعدم معروفيته ، بل ولم يسمّه أحد عداه ومن بعده ، فما هذا شأنه يكاد أن يقطع بمخالفته الإجماع ، فلا يجوز اختياره ، سيّما بعد دعوى الإجماع على خلافه ، وظهور عبارة الفاضل المقداد في كنز العرفان بورود الرواية في ردّه ، فإنّه قال :

واختلف في شهادة العبد إلى أن قال : وعن أهل البيت عليهم‌السلام روايات أشهرها وأقواها القبول إلاّ على سيده خاصّة ، فتقبل لسيده ولغيره وعلى غيره (٦).

وهذه الرواية وإن لم نقف عليها إلاّ أنّ غايتها الإرسال المنجبر بفتوى‌

__________________

(١) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٤٣٠ ، والفاضل المقداد في كنز العرفان ٢ : ٥٣ والتنقيح ٤ : ٣٠١.

(٢) المسالك ٢ : ٤٠٧.

(٣) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٨٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٨١ ، والمجلسي في مرآة العقول ٢٤ : ٢٣٧.

(٤) الجامع للشرائع : ٥٤٠.

(٥) الانتصار : ٢٤٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤ ، السرائر ٢ : ١٣٥.

(٦) كنز العرفان ٢ : ٥٣.

٣٠٨

الأصحاب ، لكنهم لم يذكروها ، حتى هو في شرح الكتاب ، وإنّما استدل هو وغيره على المنع بأنّه تكذيب للسيد ، وعقوق في حقه ، فيكون كشهادة الولد على والده.

وكلّ هذا ظاهر في عدم رواية عليه بالخصوص ، وأنّ ما ذكره في الكنز من الرواية لعله اشتباه ، ويشبه أن يكون مراده بها إمّا الروايات المانعة مطلقاً بعد حملها على المنع هنا خاصّة جمعاً. وهو بعيد جدّاً.

أو خصوص الصحيحة الآتية في المسألة الآتية بعد مسألة. وهو وإن قرب ؛ لاستدلال الفاضل بها في المختلف على المنع هنا ، حيث قال : وهي دالّة على قبول شهادته لسيده ، والمنع من قبولها على سيده ، وإلاّ لم يكن للعتق فائدة (١). لكن الاستدلال بها ضعيف ؛ لأنّ لفظ العتق لم يقيد به الإمام عليه‌السلام ليكون دليلاً على اعتباره في القبول ، بل هو لفظ الراوي بياناً للواقع.

سلّمنا لكن مفهوم الصفة ليس بحجة.

ونحوه في الضعف الدليلان السابقان ، يظهر وجهه فيما ذكره شيخنا في المسالك بعد نقل الاستدلال بهما بنحو يقرب مما قدمنا ما لفظه : وفيه نظر ؛ لأنّ حمل أخبار المنع على ذلك غير متعين ؛ لما ذكرناه سابقاً ، ولما سيأتي من الأخبار الدالة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار ، فيمكن حملها عليه ، وتشبيهه بالولد ممنوع ، ولو سلّم فالأصل ممنوع أيضاً (٢). انتهى.

ويضعف الدليل الثاني وهو الجمع بين الروايات ، زيادةً على‌

__________________

(١) المختلف : ٧٢٠.

(٢) المسالك ٢ : ٤٠٧.

٣٠٩

ما ذكره بمخالفته وجه الجمع المستفاد من نفس الأخبار ، وهو حمل أخبار المنع على الإطلاق على التقية ، وبه صرّح أيضاً جماعة (١) كما عرفته.

وبالجملة : لولا الإجماعات المتقدم إليها الإشارة المعتضدات بالشهرة العظيمة لكان المصير إلى مقتضى الإطلاقات والعمومات المتقدمة في غاية القوّة ؛ لسلامتها لولاها عما يصلح لتقييدها بالكلية.

ومن هنا يظهر ضعف القول بعدم قبول شهادته مطلقاً إلاّ على المولى ، مع عدم معروفية قائله أصلاً وإن ذكره الأصحاب قولاً ، ومنافاته لكل من النصوص المجوّزة والمانعة مطلقاً ، واستلزامه طرحها طرّاً ، وارتكاب الجمع بينها بذلك فرع التكافؤ والشاهد عليه ، وليسا ، مع تصريح جملة من النصوص المجوّزة بقبول شهادته للمولى ، وقد عرفتها مما مضى ، فهذا القول أضعف الأقوال جدّاً.

( ولو أُعتق ) العبد ( قبلت ) شهادته ( للمولى وعليه ) بلا خلاف في الثاني ؛ لوجود المقتضي من الحرية وباقي الشرائط المعتبرة ، وانتفاء المانع بالمرّة ؛ إذ ليس إلاّ الرقّية وقد زالت.

وللصحيح : عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ، أتجوز شهادته له بعد أن فارقه؟ قال : « نعم ، وكذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته » (٢).

ونحوه الصحيح الآخر : عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمّي ويعتق العبد ، أتجوز شهادتهما على ما كانا اشهدا عليه؟ قال‌

__________________

(١) راجع ص ٣٠٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٥٧ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٢١ / ٦٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ كتاب الشهادات ب ٢٩ ح ١.

٣١٠

« نعم ، إذا علم منهما خير بعد ذلك جازت شهادتهما » (١).

والقوي : « أنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها ، وكذلك اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم ، والعبد إذا اشهد على شهادة ثم أُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق ، وقال عليّ عليه‌السلام : إن أُعتق العبد لموضع الشهادة لم تجز شهادته » (٢).

قال الشيخان المحدثان في الفقيه والتهذيبين (٣) في قوله : « إذا لم يردّها الحاكم » إلى آخره ـ : يعني بها أن يردّها بفسق ظاهر أو حال تخرجه عن العدالة ، لا لأنّه عبد ؛ لأنّ شهادة العبد جائزة ، وأوّل من ردّ شهادة المملوك عمر.

وما ذكراه حسن لو قلنا بقبول شهادة العبد قبل العتق مطلقاً ، أمّا لو منعنا عنه على المولى خاصّة كما هو المشهور ، أوله كما هو مذهبهما ، فلا وجه لحصر وجه ردّ الحاكم شهادته قبل العتق بما عدا العبودية ، بل يمكن جعلها وجهاً له أيضاً ولو في الجملة.

ولذا إنّ شيخنا في المسالك لم يحصر وجه الردّ فيما ذكراه ، بل أطلق بحيث يشمل مثل العبودية ؛ فإنّه قال بعد الحكم بقبول شهادته مطلقاً في المسألة لما مرّ من الأدلة ـ : لكن لو كان قد أدّاها حال الرقّية فردّت افتقر إلى إعادتها بعده ؛ لأنّ السابقة مردودة (٤). انتهى.

وقالا في قوله عليه‌السلام : « إنّ أُعتق لموضع الشهادة » إلى آخره : كأنّه عليه‌السلام يعني : إذا كان شاهداً لسيده ، فأمّا إذا كان شاهداً لغير سيده جازت شهادته‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤١ / ١٣٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٧ كتاب الشهادات ب ٣٩ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨٠ ، التهذيب ٦ : ٢٥٠ / ٦٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١٨ / ٥١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٩ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ١٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٥١ ، الإستبصار ٣ : ١٨.

(٤) المسالك ٢ : ٤٠٨.

٣١١

عبداً كان أو معتقاً إذا كان عدلاً.

وهو حسن ، ويستفاد وجهه من اللام في : « لموضع الشهادة » الظاهرة في التهمة.

ولعلّهما لأجله حكما بعدم قبول شهادته للمولى.

وفيه ما مرّ من دلالة الصحيحين على خلافه ، مضافاً إلى الأُصول والعمومات ، والإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة العظيمة ، سيّما مع دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على قبول شهادته للمولى بعد عتقه مطلقاً (١) ، فلا يعارضها مثل هذه القوية ؛ لوحدتها ، وقصور سندها ، وموافقتها التقية كما عرفته ، ويشير إليه كون الراوي السكوني ، وهو من قضاة العامّة ، فلا محمل لها غير ورودها مورد التقية.

( ولو أشهد عبديه بحمل ) له من مملوكته ( أنّه ولده ، فورثهما غير الحمل ، وأعتقهما الوارث ) لهما في الظاهر ( فشهدا للحمل ) بذلك ( قبلت شهادتهما ، ورجع الإرث إلى الولد ) فيرثهما ، كما في الصحيح : في رجل مات وترك جارية ومملوكين ، فورثهما أخ له ، فأعتق العبدين وولدت الجارية غلاماً ، فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان يقع على الجارية وأنّ الحمل منه ، قال : « تجوز شهادتهما ، ويردّان عبدين كما كانا » (٢).

ونحوه الموثق ، لكن فيه بدل : « ويردّان عبدين » : « ولا يسترقّهما الغلام الذي شهدا له ، لأنّهما أثبتا نسبه » (٣).

__________________

(١) الخلاف ٦ : ٢٩٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٥٠ / ٦٤٢ ، الإستبصار ٣ : ١٧ / ٥٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٧ كتاب الشهادات ب ٢٣ ح ٧.

(٣) الكافي ٧ : ٢٠ / ١٦ ، الفقيه ٤ : ١٥٧ / ٥٤٤ ، التهذيب ٩ : ٢٢٢ / ٨٧٠ ، الإستبصار ٤ : ١٣٦ / ٥١٢ ، الوسائل ١٩ : ٤٠٣ كتاب الوصايا ب ٧١ ح ١.

٣١٢

وهو بطرف الضد من بدله ، إلاّ أنّه صريح في الرقّية ، ولا كذلك البدل ؛ إذ ليس فيه غير النهي عن الاسترقاق المحتمل للحمل على الكراهة ، فلتحمل عليها جمعاً ، سيّما مع إشعار التعليل في الموثق بها ، ولذا ذهب الأكثر (١) ( و ) منهم الماتن إلى أنّه ( يكره له استرقاقهما ).

خلافاً لنادر (٢) ، فقال بالتحريم ؛ أخذاً بظاهر النهي. وقد مرّ الكلام عليه مع ما يتعلق بالمسألة في أواخر كتاب الوصية ، فمن أراد تمام التحقيق فيها فليراجعها ثمّة (٣).

( ولو تحمل الشهادة الصبي ، أو الكافر ، أو العبد ، أو الخصم ، أو الفاسق ) المعلن ، أو نحوهم من مردودي الشهادة ( ثم زال المانع ) الموجب لردّها ( وشهدوا قبلت شهادتهم ) بعد استجماع الشرائط الأُخر ؛ لوجود المقتضي وانتفاء الموانع ؛ وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

منها زيادةً على ما مرّ في المسألة السابقة من الصحيحين والقوية (٤) ، وما مرّ في مسألة قبول شهادة القاذف بعد توبته من المعتبرة المستفيضة (٥) الصحيح (٦) وغيره (٧) : عن نصراني كما في الثاني ويهودي كما في الأوّل اشهد على شهادة ثم أسلم أتجوز شهادته؟ قال :

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٥١ ، والعلاّمة في الإرشاد ٢ : ١٥٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٠٢.

(٢) النهاية : ٣٣١ ، ٦١٢.

(٣) راجع ج ١٠ ص ٣٧٨ ٣٨٠.

(٤) راجع ص ٣٠٩ ، ٣١٠.

(٥) راجع ص ٢٧٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٤١ / ١٣٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٧ كتاب الشهادات ب ٣٩ ح ٢.

(٧) الكافي ٧ : ٣٩٨ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٥٣ / ٦٥٦ ، الإستبصار ٣ : ١٨ / ٥٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٧ كتاب الشهادات ب ٣٩ ح ٣.

٣١٣

« نعم ».

ونحو الثاني صحيح آخر (١).

والصحيح : عن الصبي والعبد والنصراني يشهدون شهادة ، فيسلم النصراني ، أتجوز شهادته؟ قال : « نعم » (٢).

والقوي : « اليهودي والنصراني إذا اشهدوا ثم أسلموا جازت شهادتهم » (٣).

وأمّا الصحيح : عن نصراني اشهد على شهادة ثم أسلم بعد ، تجوز شهادته؟ قال : « لا » (٤) فقال الشيخ : إنّه شاذّ ، وحمله على التقية ، قال : لأنّه مذهب بعض العامّة.

ويحتمل الحمل على ما لو شهد بها في حال كفره ، فلا تقبل وإن أسلم بعد.

أو على فسقه بعد الإسلام.

أو على التهمة في إسلامه ، بأن كان مستتراً لكفره وشهد ، فردّ لأجله ، ثم أسلم وأعادها دفعاً لعار الكفر.

ولكنه خلاف المعروف من مذهب الأكثر كالفاضلين في الشرائع‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٥٤ / ٦٥٩ ، الإستبصار ٣ : ١٨ / ٥٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٨ كتاب الشهادات ب ٣٩ ح ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٥٣ / ٦٥٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٨ كتاب الشهادات ب ٣٩ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٥٣ / ٦٥٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٨ كتاب الشهادات ب ٣٩ ح ٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٥٤ / ٦٦١ ، الإستبصار ٣ : ١٩ / ٥٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٩ كتاب الشهادات ب ٣٩ ح ٧.

٣١٤

والتحرير ، وفخر الدين (١) وغيرهم (٢) في نظير المسألة ، وهو مسألة الفاسق المستتر لفسقه إذا أقام الشهادة فردّت لأجله ثم تاب وأعادها ؛ حيث اختاروا فيها القبول.

ولكن تردّد فيه الفاضل في القواعد (٣) ، ولعلّه ينشأ : من وجود المقتضي للقبول ، وهو العدالة الثابتة بالتوبة ، وانتفاء المانع ؛ إذ ليس بحكم الفرض إلاّ الفسق ، وقد ارتفع بالتوبة. ومن حصول التهمة بدفع عار الكذب ، وهي مانعة عن قبول الشهادة كما عرفته.

وحكى هذا قولاً ، ولم أقف على قائله ، فكأنّه شاذّ ، ومع ذلك ردّ بأنّ العدالة دافعة لمثل هذه التهمة.

وهو حسن مع ظهور صدق التوبة والثقة بعدم استنادها إلى ما يوجب التهمة ، وربما أشعر به بعض المعتبرة ، كالقوي : « أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام شهد عنده رجل وقد قطعت رجله ويده ، فأجاز شهادته ، وقد كان تاب وعرفت توبته » (٤) فتأمّل.

ولعلّ مراد الأصحاب ذلك أيضاً ، ولكن إطلاق كثير من المعتبرة المتقدمة في قبول شهادة القاذف بعد توبته (٥) كفاية إظهارها ولو لم يظهر صدقها ، ولعلّه لذا قال الشيخ والحلّي (٦) بقبول شهادة المتجاهر بالفسق بعد‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٣١ ، التحرير ٢ : ٢١٠ ، الإيضاح ٤ : ٤٢٩.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٠٦ والسبزواري في الكفاية : ٢٨٣.

(٣) القواعد ٢ : ٢٣٨.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣١ / ٩٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٥ / ٦١٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٧ / ١٢٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٥ كتاب الشهادات ب ٣٧ ح ٢.

(٥) راجع ص ٢٧٢.

(٦) النهاية : ٣٢٧ ، السرائر ٢ : ١٢٣.

٣١٥

توبته بعد أن يقول له الحاكم : تب لأقبل شهادتك.

ولكن المشهور خلافه ، فلم يقولوا به ، بل اعتبروا اختباره مدّةً يغلب على الظن فيها أنّه قد أصلح عمله وسريرته ، وأنّه صادق في توبته ، ولعلّ هذا هو الأصح.

وكيف كان ، فلا خلاف في شي‌ء مما ذكر عدا ما مرّ فيه من الخلاف حتى في قبول شهادة الفاسق المعلن بعد توبته مطلقاً ، سواء شهد بها قبل التوبة ثم أعادها بعدها ، أو شهد بغيرها من دون إعادة ، قالوا : والفرق بينه وبين الفاسق المستتر حيث اتفق على قبول شهادة الأوّل بعد التوبة مطلقاً واختلف فيه في الثاني ، وإن كان المشهور مساواتهما حرص المستتر على إصلاح الظاهر ودخول الغضاضة عليه بظهور كذبه ، بخلاف المعلن بالفسق ؛ لأنّه لا يدخله غضاضة مع ظهوره ، بل ربما يفتخر به ، فيحصل التهمة في الأوّل دون الثاني.

( السادسة : طهارة المولد ) عن الزنا ( فلا تقبل شهادة ولد الزنا ) على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامّة متأخري أصحابنا ، بل وقدمائهم أيضاً ، عدا نادر منهم يأتي ذكره ، وهو شاذّ ، ولذا ادّعى المرتضى والشيخ وابن زهرة (١) عليه إجماعنا ؛ وهو الحجة ؛ مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة :

ففي الصحيح : « لا تجوز شهادة ولد الزنا » (٢).

وفي آخر : عن شهادته ، فقال : « لا ، ولا عبد » (٣).

__________________

(١) الانتصار : ٢٤٧ ، الخلاف ٢ : ٦٢٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٥ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦١٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٥ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦١٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٦.

٣١٦

ونحوه الخبر (١) المنجبر ضعفه بسهل في الكافي ، وبالاشتراك في التهذيب بالعمل ، مع أنّ ضعفه سهل ، بل قيل : ثقة (٢) ، وليس فيه بعده عدا أبان الموثق وأبي بصير ليس فيهما اشتراك يضعّف كما ظنّ ، بل أبان هنا هو ابن عثمان ؛ لأنّه الغالب المنصرف إليه الإطلاق ، مع التصريح به فيما يأتي من الطرق المنقولة عن رجال الكشي وبصائر الدرجات ، وأبو بصير ثقة على الإطلاق ، وفاقاً لجماعة من المحققين (٣) ، كما حقّق في محله ، مع أنّ قبلهما في الكافي ابن أبي نصر المجمع على تصحيح ما يصح عنه وعن أبان الذي فيه ، فلا ريب في اعتبار سند الخبر وقوّته ، سيّما وأن روي في بصائر الدرجات ورجال الكشي إلى أبان بطرق أُخر (٤).

وفي الموثق : « لو أنّ أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد الزنا لجلدتهم جميعاً ، لأنّه لا تجوز شهادته ، ولا يؤمّ الناس » (٥).

وفي المروي في تفسير العياشي : « ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز شهادته ولا يؤمّ بالناس ، لم يحمله نوح عليه‌السلام في السفينة ، وقد حمل فيها الكلب والخنزير » (٦).

والمراد بـ « لا ينبغي » فيه التحريم بدلالة الأخبار السابقة ، مع أنّ حمله‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٥ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦١٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٤ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ١.

(٢) رجال الطوسي : ٤١٦.

(٣) منهم القهبائي في مجمع الرجال ٥ : ١٤٩ ، والوحيد البهبهاني في تعليقاته على منهج المقال : ٣٨٤ ، وأبو علي الحائري في منتهى المقال ٧ : ١٢١.

(٤) بصائر الدرجات : ٩ / ٣ ، رجال الكشي ٢ : ٤٦٩ / ٣٧٠.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٦ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦١٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٤.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ١٤٨ / ٢٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٧ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٩.

٣١٧

على الكراهة يوجب شذوذ الرواية ؛ إذ لا قائل بإطلاقها وإن قوّاه في المبسوط ؛ لعدم معلومية كون التقوية مذهباً له ، سيّما وأن قال بعدها : لكن أخبار أصحابنا يدلّ على أنّه لا تقبل شهادته (١). وفيه إشعار ما بكون الأخبار المزبورة مجمعاً عليها بيننا ، فتأمّل جدّاً.

وأمّا المروي عن قرب الإسناد : عن ولد الزنا هل تجوز شهادته؟ قال : « نعم ، تجوز شهادته ولا يؤمّ » (٢) فقد حمله لضعف سنده بعض الأصحاب على التقية (٣).

وهو قريب ؛ لأنّ الجواز مذهب أكثر العامّة كما في المسالك (٤) ويستفاد من غيره.

مع أنّ هذا الخبر مرويّ عن كتاب علي بن جعفر صحيحاً بدل : « نعم ، تجوز شهادته » : « لا تجوز شهادته » (٥).

ومع ذلك قاصر عن معارضة الأخبار السابقة من وجوه عديدة ، ومنها كونه على إطلاقه شاذّاً ، كما عرفته في الرواية السابقة.

( وقيل ) والقائل الشيخ في النهاية وابن حمزة (٦) : إنّه ( تقبل ) شهادته ( في الشي‌ء الدون ) اليسير ( وبه ) وردت ( رواية ) عن شهادة‌

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٢٨٨.

(٢) قرب الإسناد : ٢٩٨ / ١١٧١ وفيه : لا تجوز .. ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٧.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٣٧٧.

(٤) المسالك ٢ : ٤٠٩.

(٥) مسائل علي بن جعفر : ١٩١ / ٣٩١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٧ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٨.

(٦) النهاية : ٣٢٦ ، الوسيلة : ٢٣١.

٣١٨

ولد الزنا ، فقال : « لا تجوز إلاّ في الشي‌ء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً » (١).

وهي مع كونها ( نادرة ) على الظاهر ، المصرّح به هنا وفي الشرائع (٢) ؛ لرجوع الشيخ الذي هو الأصل في العمل بها عنها في الخلاف (٣) إلى القول بالمنع مطلقاً ، كما عليه أصحابنا لا تعارض الأخبار السابقة ، لما هي عليه من الكثرة والاستفاضة ، والاعتضاد بالشهرة العظيمة كما صرّح بها جماعة حدّ الاستفاضة ، بل الإجماع كما عرفته من المرتضى ، وبه تشعر العبارة كعبارة المبسوط المتقدمة.

ومع ذلك معتضدة بأدلة أُخرى ذكرها جماعة كالمرتضى (٤) ، فقد استدل عليه زيادةً على الإجماع بالخبر الذي ورد أنّ ولد الزنا لا ينجب (٥).

وأجاب عن ظواهر الآيات المقتضية لقبول شهادة ولد الزنا من جهة العموم إذا كان عدلاً ، وأنّها ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) ، فلا يتعدى إليه ذنب من خلق نطفته بأنّ الله سبحانه علم فيمن خلق من نطفة زنا ألاّ يختار هو الخير والصلاح ، فإذا علمنا بدليل قاطع أنّه لا ينجب لم يلتفت إلى ما يظهره من الإيمان والعدالة ؛ لأنّه يفيد ظنّ صدقه ، ونحن قاطعون بخبث باطنه وقبح سريرته ، فلا تقبل شهادته.

وأمّا ما في المسالك من أنّ استدلاله مبني على ثبوت الخبر بذلك ، بل تواتره ؛ لأنّ غير المتواتر لا يوجب الحجّة عنده ، ونحن ومن قبلنا‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٤٤ / ٦١١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ كتاب الشهادات ب ٣١ ح ٥.

(٢) الشرائع ٤ : ١٣٢.

(٣) الخلاف ٦ : ٣٠٩.

(٤) الانتصار : ٢٤٨.

(٥) انظر الفصول المهمّة ٣ : ٢٥٨ أبواب نوادر الكليات ب ١.

٣١٩

لا يمكننا إثباته بسند معتمد ، فضلاً عن كونه متواتراً ، واعتذر عنه في المختلف بجواز كونه متواتراً في زمانه ثم انقطع ، ولا يخفى ما فيه من التكلف وظهور المنع (١).

ففيه نظر لا يخفى ؛ لمنع أنّ غير المتواتر لا يوجب الحجة عنده مطلقاً ، بل الذي نفى حجيته إنّما هو الأخبار الآحاد التي لا توجب علماً ، ولا ريب أنّها غير الأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية ، فلعل الرواية كانت عنده من الآحاد المحفوفة بها ، أو متواترة كما اعتذر له العلاّمة.

وليس فيه تكلّف كما ذكره ؛ لتصريح السيد في قوله : فإذا علمنا بدليل قاطع ، إلى آخره ، بكون الرواية عنده قطعية ، وإلاّ فالآحاد على تقدير حجيتها عنده لا تفيد علماً بلا شبهة ، فكيف يدّعيه؟ فدعواه إيّاه يعرب عن قطعيتها عنده ، ولا يحصل إلاّ بالتواتر أو القرينة.

ومعها لا يتوجه ردّه إلاّ بعد علمنا بخطإ ما ذكره وثبوت عدم التواتر ، أو فساد القرينة ، وهو غير حاصل لنا إلاّ من حيث عدم تمكّننا من إثبات التواتر أو القرينة ، وهو لا يوجب فساد ما ذكره جدّاً.

وكالإسكافي ، فقد علّل المنع بورود الخبر أنّه شرّ الثلاثة ، وعنى به إيّاه والزانيين. قال : فإذا كنّا لا نقبل شهادتهما كان ردّ شهادة من هو شرّ منهما أولى (٢).

وكالحلّي ، فقد استدل عليه بالإجماع على كفره ، فلا تقبل شهادته كغيره من الكفار (٣).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٩.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧١٨.

(٣) السرائر ٢ : ١٢٢.

٣٢٠