رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

قال : فقال : « الظنين والخصم » كما في أحدها (١) ، وبدّل الخصم بالمتهم في آخر منها (٢) ، وجمعت الثلاثة في ثالثها : قلت : فالفاسق والخائن ، فقال : « كل هذا يدخل في الظنين » (٣).

وفي الموثق : عما يردّ من الشهود ، فقال : « المريب ، والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم » (٤) ونحوها غيرها (٥).

وظاهر إطلاقها المنع عن قبول شهادة المتهم مطلقاً كائناً من كان ، وهو خلاف ظاهر كثير من الروايات الواردة في قبول شهادة الرجل لزوجته وبالعكس (٦) ، وشهادته لابنه ولأخيه (٧) ، وكذا خلاف ظاهر الأصحاب فيما ذكروه من قبول شهادة الصديق لصديقه والوارث لمورّثه وغير ذلك ممّا يتضمّن تهمة ، فليست هذه الأخبار باقية على إطلاقها.

وعلى ذلك نبّه الشهيدان وغيرهما (٨) ، ففي الروضة : ولا يقدح مطلق التهمة ، فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة ، والوارث لمورّثه بدين وإن كان‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٢ / ٦٠٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٣ كتاب الشهادات ب ٣٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٢ / ٦٠١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٣ كتاب الشهادات ب ٣٠ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٥ / ٦٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٤ كتاب الشهادات ب ٣٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٤٢ / ٥٩٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٣.

(٥) الوسائل ٢٧ : ٣٧٧ كتاب الشهادات ب ٣٢.

(٦) الوسائل ٢٧ : ٣٦٦ كتاب الشهادات ب ٢٥.

(٧) الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ كتاب الشهادات ب ٢٦.

(٨) الدروس ٢ : ١٢٧ ، الروضة ٣ : ١٣٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٢ ، كشف اللثام ٢ : ٣٧٤.

٢٨١

مشرفاً على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها ، وكذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم يكونوا مأخوذين ويتعرضوا لذكر ما أُخذ لهم. انتهى.

ونحوه الدروس بزيادة دعوى الإجماع عليه ، فقال : وليس كل تهمة تدفع الشهادة بالإجماع ، فإنّ شهادة الصديق لصديقه ، إلى آخر ما في الروضة من الأمثلة بتغييرات في الجملة ، منها ذكره الخلاف في المثال الثالث ، فقال : قيل : لا يقبل ، والقبول قوي ، وما هو إلاّ كشهادة بعض غرماء المديون لبعض ، وكما لو شهد الاثنين بوصية من تركة وشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية منها أيضاً.

وزاد على الأمثلة فقال : ولا تردّ شهادة غرماء المديون له بمال قبل الحجر ، ولا شهادة السيد لمكاتبه في أحد قولي الفاضل. انتهى.

وظاهرهما سيّما الثاني من حيث تفريعه قبول شهادة المذكورين على دعوى الإجماع بعنوان التعليل كون قبول شهادتهم مجمعاً عليه غير ما أشار إلى الخلاف فيه ، فلا إشكال فيه في محل الإجماع ، استناداً في تقييد الأصل وإطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول الشهادة بالتهمة إليه.

ويشكل في غيره ينشأ من الاتفاق على كل من ردّها بها وقبولها معها ، مع عدم وضوح الفرق بين المقامين ، مع اشتراكهما في أصل التهمة ، ولم يذكروا لها ضابطة يرجع إليها في تمييز المانع منها عن قبول الشهادة والمجامع منها معه.

ولكن التحقيق في المسألة يقتضي الرجوع إلى إطلاق الأخبار المتقدمة ؛ نظراً إلى أنّها بالإضافة إلى ما دلّ على قبول شهادة العدل عموماً أو إطلاقاً ، إمّا خاصّة فيقيد بها ، أو عامّة فيصير التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه. وحيث لا مرجّح لأحدهما على الآخر من إجماع‌

٢٨٢

أو غيره ينبغي الرجوع إلى حكم الأُصول ، وهو هنا عدم القبول مطلقاً.

إلاّ أن يتردّد في التهمة في بعض الأفراد أنّها هل هي تهمة ، أو داخلة في إطلاق التهمة في النصوص المانعة عن قبول الشهادة معها؟ كما سيأتي من شهادة الوصي والوكيل فيما لهما الولاية فيه مع عدم نفع لهما إلاّ خصوص التصرف فيه ، فإنّ قبول الشهادة في مثله أوفق بالأصل من حيث العموم الدال عليه على الإطلاق ، مع سلامته عن معارضة عموم الأخبار ؛ لما عرفت من التأمّل ، إمّا في أصل حصول التهمة ، أو دخولها في إطلاق التهمة المذكورة فيها.

وإلى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في مسألة شهادة الوصي والوكيل ، حيث قال بعد نقل عدم قبول شهادتهما عن أكثر الأصحاب ـ : وفيهما تأمّل ؛ إذ لا نص فيهما بخصوصهما ، والعقل لا يدرك التهمة فيهما ، بل الولاية في مثل ذلك ضرر وتعب ، إلاّ أن يكون يجعل بحسب مقدار المال ، فتأمّل ، ولا إجماع ؛ إذ نقل عن ابن الجنيد عدم ردّ شهادتهما فيما ذكر ، وعموم أدلة قبول الشهادة يدل على القبول ، والعدالة تمنع ، بل ظاهر حال المسلم يمنع شهادة الزور ، بل من التهمة الممنوعة ووجوب الحمل على الصحة. ويؤيّده مكاتبة الصفار الصحيحة قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى اليمين » (١) الحديث (٢). انتهى.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٤ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٣ / ١٤٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ كتاب الشهادات ب ٢٨ ح ١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٥.

٢٨٣

وقريب منه الشهيد في الدروس ، حيث قال : ولو شهد الوصي بمال لليتيم فالمشهور الردّ ، وقال ابن الجنيد : تقبل. ودفع بأنّ الوصي متهم بالولاية على المال. وفي تأثير هذه التهمة نظر ، وخصوصاً في مال لا اجرة له على حفظه أو إصلاحه (١). انتهى.

وهو في غاية الجودة والمتانة. وعليك بمراعاة هذه القاعدة فإنّها تنفعك في مواضع.

إذا عرفتها ( فـ ) اعلم أنّه ( لا تقبل شهادة الجارّ ) أي الذي يجرّ ( نفعاً كالشريك ) إذا شهد لشريكه ( فيما هو شريك فيه ) بحيث تقتضي الشهادة المشاركة له فيه.

( والوصي فيما له فيه ولاية ) وكذا الوكيل ، على إشكال في الأخيرين ، كما عرفته هنا وفي أواخر كتاب الوصية أيضاً ، إلاّ أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما هو ظاهر جماعة (٢) ربما توجب المصير إلى ما هنا من المنع ، ولذا صار إليه أكثر من تأمّل فيه بما ذكرنا ، ومنهم الشهيد المتقدم ذكره فقد أفتى به في اللمعة (٣) ، وكذا في الدروس بعد تنظّره السابق ، فقال بعده : فلنذكر أسباب التهمة المعتبرة ، فمنها ما يجرّ بشهادته نفعاً ، كالشريك إلى أن قال ـ : والوصيّ في متعلق وصيته ، وغرماء المفلّس والميّت ، والسيّد لعبده. ومنها أن يدفع ضرراً ، كشهادة العاقلة بجرح شهود جناية الخطإ ، وشهادة الوكيل والوصي بجرح الشهود على الموكّل والموصي ، إلى آخر ما ذكره.

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٢٨.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٤٠٥ ، والكفاية : ٢٨١.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ١٣١.

٢٨٤

وينبغي القطع به إذا تضمّن شهادتهما احتمال جرّ نفع لهما بأن عيّن لهما اجرةً على التصرف في المشهود عليه.

وأمّا الحكم في الأوّل فلا خلاف ولا إشكال فيه ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى المرسل كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه (١) ، مع أنّه في الفقيه مروي من غير إرسال : عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : « تجوز شهادته إلاّ في شي‌ء له فيه نصيب » (٢).

وأمّا الخبر : عن ثلاثة شركاء ادعى واحد وشهد الاثنان ، قال : « يجوز » (٣) فمع قصوره سنداً ومكافأةً لما مضى من وجوه شتى ، يحتمل الحمل على القبول فيما ليس لهما شركة فيه أصلاً ، وإلاّ فطرحه متعين جدّاً ، مع أنّه مرويّ بطريق آخر موثق كالصحيح (٤) كما مرّ ، إلاّ أنّه بدّل فيه « يجوز » بـ « لا يجوز شهادتهما » ويحتمل سقوط الزيادة في الرواية الأُولى.

( ولا ) تقبل ( شهادة ذي العداوة الدنيوية ) على عدوّه ، وتقبل له ولغيره ، وعليه إذا كانت لا تتضمن فسقاً ، بلا خلاف فيهما ، بل عليهما الإجماع في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (٥) رحمه‌الله وظاهر المسالك (٦) ، لكن في الأوّل خاصّة. هذا.

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٦ / ٦٢٣ ، الإستبصار ٣ : ١٥ / ٤٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٠ كتاب الشهادات ب ٢٧ ح ٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٤٦ / ٦٢٢ ، الإستبصار ٣ : ١٥ / ٣٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٠ كتاب الشهادات ب ٢٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٤ / ١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٩ كتاب الشهادات ب ٢٧ ح ١.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٨٩.

(٦) المسالك ٢ : ٤٠٥.

٢٨٥

مضافاً في الأوّل إلى القوي : « لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين » (١).

ونحوه عن معاني الأخبار : « لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمز على أخيه ، ولا ظنين في ولاء ، لا قرابة ، ولا القانع مع أهل البيت » (٢).

قال الصدوق رحمه‌الله : الغمز : الشحناء والعداوة. والظنين : المتهم في دينه. والظنين في الولاء والقرابة : الذي يتهم بالدعاء إلى غير أبيه والمتولي غير مواليه. والقانع مع أهل البيت : الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم ، كالخادم لهم والتابع والأجير ونحوه (٣). هذا.

مع أنّ العداوة المزبورة من أسباب التهمة بلا خلاف ولا شبهة ؛ لصدق التهمة على مثلها في اللغة والعرف والعادة ، فيدخل صاحبها في إطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول شهادة ذي التهمة ، مع وقوع التصريح في جملة منها بردّ شهادة الخصم الصادق على العدوّ حقيقةً ، مع كونه معناه مطابقةً.

وفي الثاني إلى عمومات قبول شهادة العدل من الكتاب والسنّة ، مع سلامتها عن معارضة الأخبار المزبورة ؛ لعدم شمول ما دلّ منها على ردّ شهادة المتهم لمفروض المسألة ؛ لعدم تهمة فيها بلا شبهة ، واختصاص إطلاق ما دل منها بردّ شهادة الخصم بحكم التبادر والغلبة بشهادته على عدوّه لا له ، فلا إشكال في المسألة.

نعم يشكل فرض حصول العدالة مع تلك العداوة بعد الاتفاق فتوًى‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٥.

(٢) معاني الأخبار : ٢٠٨ / ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٩ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٨.

(٣) معاني الأخبار : ٢٠٩.

٢٨٦

ورواية على أنّ عداوة المؤمن وبغضه لا لأمر ديني معصية ، فكيف يجامع قبول الشهادة؟!.

وقد تفطن لهذا الإشكال شيخنا الشهيد الثاني فقال : ولا يخفى أنّ الفرح بمساءة المؤمن والحزن بمسرّته معصية ، فإن كان العداوة من هذه الجهة وأصرّ على ذلك فهو فسق ، وظهور الفسق مع التقاذف أوضح ، فالجمع بين العداوة وقبول الشهادة لا يخلو عن إشكال (١). انتهى.

وتبعه جماعة (٢) ، ولكن دفعوه تارةً بحمل العداوة على عداوة غير المؤمن ، وأُخرى بأنّ عداوة المؤمن حرام إذا كان بغير موجب لا مطلقاً ، وثالثةً بعدّ عداوته من الصغائر مع تفسير الإصرار عليها بالإكثار منها ، لا الاستمرار على واحدة مخصوصة. وبهذا صرّح شيخنا في المسالك في دفع الإشكال ، فقال بعد ما مرّ : إلاّ أن يفسّر الإصرار بالإكثار من الصغائر ، لا بالاستمرار على واحدة مخصوصة (٣).

وظاهر عبارته هذه وما ذكره في وجه الإشكال جزمه بكون عداوة المؤمن من الصغائر لا الكبائر.

وفيه إشكال ؛ فإنّ العدوّ كما فسّره الأصحاب هنا ، ( و ) دلّ عليه العرف واللغة أيضاً ( هو الذي يسرّ ) ويفرح ( بالمساءة ) والمكروهات الواردة على صاحبه ( ويساء ) ويغتمّ ( بالمسرّة ) والنعم الحاصلة له.

وزاد جملة ومنهم هو في الكتاب المتقدم أن يبلغ حدّا يتمنّى زوال نعمه ، وهو حينئذ عين المبغض والحاسد ، كما يستفاد من تعريفه لهما في‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٥.

(٢) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٢ : ٣٩٠ والسبزواري في الكفاية : ٢٨٢.

(٣) المسالك ٢ : ٤٠٥.

٢٨٧

الكتاب المزبور ، حيث قال بعد قول الماتن : والحسد معصية ، وكذا بغضة المؤمن ، والتظاهر بذلك قادح في العدالة ما لفظه : والمراد بالحسد كراهة النعمة على المحسود وتمنّي زوالها عنه ، سواء وصلت إلى الحاسد أم لا. وبغضته كراهته واستثقاله لا بسبب ديني (١) ، إلى آخر ما ذكره.

فالعداوة على هذا من الكبائر بناءً على كونهما منها ، كما يستفاد من النصوص الواردة في ذمّهما على الظاهر ، المصرّح به في كلام المولى الأردبيلي رحمه‌الله وزاد فقال : بل كاد أن يكون كفراً (٢).

وبكونهما كبيرةً صرّح شيخنا أيضاً ، فقال في شرح كلام الماتن المتقدم : لا خلاف في تحريم هذين الأمرين ، والتهديد عليهما في الأخبار مستفيض ، وهما من الكبائر فيقدحان في العدالة (٣). انتهى المقصود من كلامه هنا.

وحينئذ فكيف يتأتّى له الجزم بكون العداوة المزبورة من الصغائر مع تصريحه كما عرفت بكونها من الكبائر.

ومنه يظهر الوجه في التأمّل في التوجيه الثالث ، نعم الأوّلان لا يخلوان عن حسن ، لكن مع تأمّل ما.

واحترز بالدنيوية عن الدينية ، كأن يبغضه لكفره أو لفسقه ، فإنّها غير مانعة مطلقاً إجماعاً ؛ لما مرّ من قبول شهادة المؤمن على أهل الأديان ، دون العكس مطلقاً ، إلاّ في الوصية خاصّة كما عرفته.

وحيث منعت العداوة عن قبول الشهادة فلو اختصّت بأحد الجانبين‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٤٣.

(٣) المسالك ٢ : ٤٠٤.

٢٨٨

اختصّ بالقبول الخالي منها ، وإلاّ لملك كل غريم ردّ شهادة العدل عليه بأن يقذفه ويخاصمه.

( والنسب ) والقرابة ( لا يمنع القبول ) للشهادة ، فتقبل من الأب لولده وعليه ، ومن الولد لوالده ، والأخ لأخيه وعليه ؛ بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في صريح الانتصار والغنية ، وظاهر المسالك (١) وغيره (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى العمومات ، وخصوص الآية الآتية ، والمعتبرة المستفيضة (٣) وفيها الصحاح والموثقان : عن شهادة الوالد لولده والولد لوالده والأخ لأخيه ، قال : « تجوز ».

وليس في ظاهر إطلاقها كباقي الأدلّة من العمومات والإجماعات المحكية اشتراط ضميمة ، أي ضمّ عدل آخر أجنبي.

خلافاً للنهاية فاعتبرها (٤).

وحجّته غير واضحة عدا ما في رواية : « إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضياً ومعه شاهد آخر » (٥).

وهي مع قصور سندها وأخصيتها من المدعى غير مكافئة لما مرّ من الأدلّة من وجوه شتى ، فلا تصلح لتقييدها ، سيّما مع إمكان التأمّل في دلالتها.

( وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف ) بين الأصحاب ( أظهره )

__________________

(١) الانتصار : ٢٤٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤ ، المسالك ٢ : ٤٠٥.

(٢) الكفاية : ٢٨٢ ، كشف اللثام ٢ : ٣٧٥.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ كتاب الشهادات ب ٢٦.

(٤) النهاية : ٣٣٠.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٨٦ / ٧٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ كتاب الشهادات ب ٢٦ ح ٥.

٢٨٩

عند الماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في كتبه إلاّ ما يأتي ، والشهيد في النكت ، وغيرهم من المتأخرين (١) ( المنع ) وفاقاً منهم لأكثر القدماء كالصدوقين والشيخين والقاضي وابن حمزة والحلّي (٢).

وبشهرته صرّح جماعة (٣) حدّ الاستفاضة ، بل عليه عن الخلاف ، والسيد في الموصليات ، وفي السرائر والغنية (٤) إجماع الإمامية ، إلاّ أنّ الأخير جعل المجمع عليه التفصيل بين حياة الوالد فالمنع ، وموته فالقبول.

وهو وإن كان غير مذكور هنا في عبارات الأصحاب المانعين مطلقاً أو في الجملة ، إلاّ أنّ المتبادر من إطلاق عبائرهم في المنع صورة حياة الأب دون موته ، مع أنّهم صرّحوا بذلك في بحث أنّ شروط الشهادة معتبرة حالة الأداء دون التحمل ، ومنهم شيخنا في المسالك في ذلك البحث وفي بحث قبول شهادة العبد على مولاه لو أعتق ، فقال : وكذا أي قبلت الشهادة لو شهد الولد على والده ثم مات الأب فأقامها بعده (٥). ولم ينقل هو ولا غيره فيه خلافاً.

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٣٠ ، القواعد ٢ : ٢٣٧ ، التبصرة : ١٩٠ ، غاية المراد ( مخطوط ) النسخة الرضويّة ، الورقة : ٢٦٨ ، كشف الرموز ٢ : ٥١٩ ، الإيضاح ٤ : ٤٢٧.

(٢) الصدوق في المقنع : ١٣٣ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٧٢٠ ، المفيد في المقنعة : ٧٢٦ ، الطوسي في النهاية : ٣٣٠ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣١ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٣٤.

(٣) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٠٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٠٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٢ : ٤٠٥ ، وانظر الكفاية : ٢٨٢ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٧٥.

(٤) الخلاف ٦ : ٢٩٦ ٢٩٨ ، الموصليّات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٤٦ ، السرائر ٢ : ١٣٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٥) المسالك ٢ : ٤٠٨.

٢٩٠

والأصل في المنع هنا بعده المرسلة التي هي في الفقيه مروية ، قال بعد نقل بعض الأخبار المتقدمة ـ : وفي خبر آخر أنّه لا تقبل شهادة الولد على والده (١).

والضعف بالإرسال مجبور بعمل الأصحاب ، وبما يظهر من الانتصار من كونها رواها الأصحاب ، حيث قال : ومما انفردت به الإمامية القول بجواز شهادة ذوي الأرحام والقرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً من غير استثناء لأحد إلاّ ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمداً على خبر يروونه من أنّه لا تجوز شهادة الولد على الوالد وإن جازت شهادته له (٢). انتهى.

وظاهر أصحابنا المتأخرين عدم الظفر بهذه الرواية حيث لم يستدلوا على المنع بها ، بل بما مرّ من الإجماع ، وبقوله تعالى ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (٣) قالوا : وليس من المعروف الشهادة عليه ، والردّ لقوله وإظهار تكذيبه ، فيكون ارتكاب ذلك عقوقاً مانعاً من قبول الشهادة (٤).

ولا يخفى عليك ضعف هذه الحجة الأخيرة ؛ فإنّ قول الحق وردّه عن الباطل وتخليص ذمّته من الحق عين المعروف ، كما نبّه عليه في النبوي : « انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً » فقيل : يا رسول الله! كيف أنصره ظالماً؟ قال : « تردّه عن ظلمه فذاك نصرك إيّاه » (٥).

ولأنّ إطلاق النهي عن عصيان الوالد يستلزم وجوب إطاعته عند أمره‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦ / ٧١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٩ كتاب الشهادات ب ٢٦ ح ٦.

(٢) الانتصار : ٢٤٤.

(٣) لقمان : ١٥.

(٤) منهم العلاّمة في المختلف : ٧٢٠ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٤٢٧ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٤ : ٥٢٠.

(٥) مسند أحمد ٣ : ٩٩.

٢٩١

له بارتكاب الفواحش وترك الواجبات ، وهو معلوم البطلان.

ولأنّ ذلك لو تمّ لاقتضى منع قبول شهادته على الوالدة ؛ للنهي عن معصيتها أيضاً ، ولم يقولوا به. هذا.

ولو سلّم فغايته إفادة المنع لو استلزم الشهادة عقوقاً ، بأنّ يواجه الأب بالشهادة عليه ونحو ذلك فيسخطه عليه ، وهذا لا يستلزم المنع مطلقاً ولو لم يستلزمه ، بأن شهد عليه عند الحاكم سرّاً بحيث لا يطّلع عليه أحد يخبر أباه بذلك ، فتأمّل جدّاً.

ومع ذلك فالآية المزبورة معارضة بآية أُخرى هي على الجواز أنصّ وأظهر منه دلالةً ، وهي قوله تعالى ( كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (١).

وأمّا الجواب عنها بأنّ الأمر بالإقامة لا يستلزم القبول فـ مع أنّه لا يجامع الاستدلال بالآية المتقدمة على المنع عن إقامة الشهادة يضعّف بأنّه لولا القبول لزم العبث في إقامتها ، وبأنّه معطوف على القبول وهو الشهادة على نفسه ، ومعطوف عليه القبول وهو الشهادة على الأقربين ، فلو كان غير مقبول لزم عدم انتظام الكلام ، وهو محال. هذا.

مع أنّ الأمر بالإقامة يستلزم القبول بالإضافة إلى الوالدة بلا خلاف أجده ، فيجب أن يستلزم بالإضافة إلى الوالد أيضاً ؛ لأنّهما ذكرا في كلمة واحدة.

ومع ذلك فسياق الآية زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة كالصريح في أنّ المقصود من الأمر بالإقامة قبول الشهادة لا غيرها من نحو تذكير‌

__________________

(١) النساء : ١٣٥.

٢٩٢

المشهود عليه على الحق وتنبيهه عليه.

وبالجملة : لا ريب في دلالة الآية على قبول الشهادة ، وبموجب ذلك يشكل القول بالمنع في المسألة ، سيّما مع ورود نصوص كثيرة بمقتضى الآية ، وقصور الأسانيد منجبر بالموافقة لها بلا شبهة.

ولهذا جنح إلى القول بالقبول جماعة كأبي العباس في المقتصر ، والشهيدين في الدروس والمسالك ، والفاضل المقداد في شرح الكتاب ، والصيمري والمقدس الأردبيلي (١) ـ رحمهم‌الله ـ وغيرهم من متأخّري المتأخّرين ، لكنهم لم يجتروا على مخالفة الأصحاب صريحاً ولا ظاهراً عدا الشهيد في الدروس (٢) ، فقد قوى فيه القبول ، ومن عداه اقتصر على تشييد أدلّته ومنع أدلّة المنع ، مؤذنين بنوع تردد لهم فيه كالفاضل في التحرير (٣) ؛ حيث نسب القول بالمنع إلى الأشهر واقتصر عليه.

ووجه التردد واضح من : صريح الآية والنصوص بالقبول ، ومن الإجماعات المحكيّة على المنع ، المعتضدة بالمرسلة والشهرة العظيمة التي لا تكاد توجد لها من القدماء مخالف ، عدا المرتضى خاصّة فيما حكاه عنه الحلّي (٤) وجماعة (٥) ، وعبارته المتقدمة (٦) غير صريحة في المخالفة ، بل‌

__________________

(١) المقتصر : ٣٨٨ ، الدروس ٢ : ١٣٢ ، المسالك ٢ : ٤٠٥ ، التنقيح الرائع ٤ : ٢٩٥ ، غاية المرام ٤ : ٢٨١ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٤٠٥.

(٢) الدروس ٢ : ١٣٢.

(٣) التحرير ٢ : ٢٠٩.

(٤) السرائر ٢ : ١٣٤.

(٥) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٥١٩ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٤٢٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٢٩٥.

(٦) راجع ص ٢٩٠.

٢٩٣

ولا ظاهرة كما اعترف به جماعة ، سيّما مع نقله الإجماع على المنع كما عرفته.

نعم حكاه الفاضل المقداد في كنز العرفان (١) عن الإسكافي أيضاً ، ولكنه خلاف المحكي عنه في المختلف والمسالك وغيرهما (٢) من أنّه والعماني لم يتعرّضا للحكم هنا بنفي ولا إثبات ، فتأمّل جدّاً.

وبالجملة : المسألة عند العبد محل توقف وإشكال ، ولكن مقتضاهما الرجوع إلى ما عليه المشهور من المنع وعدم القبول ؛ لمخالفته الأُصول ، مع عدم وضوح مخصّص لها يطمئن إليه يدلّ على القبول ، فتأمّل.

( وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته ) وعليها ، وشهادتها له وعليه ؛ لعين ما مرّ من الأدلة على القبول في المسألة السابقة عدا نصوصها ، ولكن بمعناها هنا كثير من المعتبرة :

ففي الصحيح : عن الرجل يشهد لامرأته ، قال : « إذا كان خيراً جازت شهادته لامرأته » (٣).

وفي آخر : « تجوز شهادة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها » (٤).

ونحوه الموثق : عن شهادة الرجل لامرأته؟ قال : « نعم » والمرأة‌

__________________

(١) كنز العرفان ٢ : ٣٨٦.

(٢) المختلف : ٧٢٠ ، المسالك ٢ : ٤٠٥ ، وانظر المفاتيح ٣ : ٢٨٠.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٦ كتاب الشهادات ب ٢٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٢ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٦ كتاب الشهادات ب ٢٥ ح ١.

٢٩٤

لزوجها؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون معها غيرها » (١).

( وشرط بعض الأصحاب ) وهو الشيخ في النهاية ، والقاضي وابن حمزة (٢) في قبول شهادة الزوج ( انضمام غيره من أهل الشهادة ) إليه.

( وكذا ) شرطه ( في ) قبول شهادة ( الزوجة ) أيضاً ، استناداً إلى الروايتين الأخيرتين ، وهما كما ترى واردتان في الزوجة خاصّة ( وربما صحّ فيها الاشتراط ) دونه ؛ لافتراقهما بقوّة مزاجه وشداد عقله بخلافها.

مع أنّ ظاهر سياق الموثقة بل صريحها عدم الاشتراط في الزوج واختصاصه بالزوجة ، فالاشتراط فيه لا وجه له ، بل لا يبعد القول بعدم الاشتراط فيها أيضاً ، كما عليه المتأخرون (٣) كافّةً ، وفاقاً لظاهر كثير من القدماء ، كالمفيد ، والشيخ في المبسوط والخلاف ، والعماني ، والحلبي ، والحلّي (٤) ، وبالجملة المشهور ، كما في شرح الشرائع للصيمري (٥).

وبه يظهر ما في التحرير من نسبة الاشتراط فيهما إلى الأصحاب كافّةً ، وفي الزوج خاصّة إلى جماعة (٦).

وكيف كان ، فالقول بالقبول مطلقاً في غاية القوّة ؛ لعدم صلوح الروايتين المشترطتين للضميمة لتخصيص العمومات المتقدمة ، لا سنداً ، بل‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ كتاب الشهادات ب ٢٥ ح ٣.

(٢) النهاية : ٣٣٠ ، المهذب ٢ : ٥٥٧ ، الوسيلة : ٢٣١.

(٣) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٢٩٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٠٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٨٢.

(٤) المقنعة : ٧٢٦ ، المبسوط ٨ : ٢٢٠ ، الخلاف ٢ : ٦٢٤ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٧٢٠ ، الكافي في الفقه : ٤٣٦ ، السرائر ٢ : ١٣٤.

(٥) غاية المرام ٤ : ٢٨٢.

(٦) التحرير ٢ : ٢٠٩.

٢٩٥

ولا عدداً ولا دلالةً ؛ من حيث قوّة احتمال ورود الشرط فيهما مورد الغالب ، فلا عبرة بمفهومه مطلقاً ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا ، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ، فقال في الذبّ عنهما : ووجه التقييد في الرواية أنّ المرأة لا يثبت بها الحق منفردةً ولا منضمّةً إلى اليمين ، بل يشترط أن يكون معها غيرها ، إلاّ ما استثني نادراً وهو الوصية ، بخلاف الزوج ؛ فإنّه يثبت بشهادته الحق مع اليمين ، والرواية باشتراط الضميمة معها مبنيّة على الغالب في الحقوق ، وهي ما عدا الوصية (١). انتهى.

وهو أحسن مما أجاب به الفاضل عنهما في المختلف من أنّ المراد بذلك كمال البيّنة من غير يمين (٢) ؛ لأنّ ما ذكره لو كان المراد لما كان له بالزوجة اختصاص ، بل ينبغي طرد الشرط فيهما ، مع أنّ الروايتين خصّتاه بالزوجة ، بل ظاهر الثانية كما عرفته تخصيصه بها دونه.

واعلم أنّ هذين الجوابين ينسحبان أيضاً في كلام الشيخ في النهاية ومن حذا حذوه (٣) ، ولأجله يرتفع الخلاف في المسألة ، ولذا لم يقطع في التحرير (٤) بمخالفة هؤلاء الجماعة.

وعلى تقديرها كما هو ظاهر الجماعة فمظهر الثمرة في الزوج ما لو شهد فيما تقبل شهادة الواحد مع اليمين ، وفي الزوجة ما لو شهدت له في الوصية ، فتقبل الشهادة في المقامين على المختار ، ولا على غيره.

قيل : وعليه يكفي انضمام امرأة أُخرى فيما يكتفى فيه بشهادة‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٦.

(٢) المختلف : ٧٢٠.

(٣) راجع ص ٢٩٤.

(٤) التحرير ٢ : ٢٠٩.

٢٩٦

المرأتين ، كنصف الوصية ، والمال الذي يكتفى فيه بهما مع اليمين (١).

وهو حسن ؛ لإطلاق الغير المشترط انضمامه في الخبرين فيشمل الرجل وغيره.

( والصحبة ) وإن كانت مؤكّدة ( لا تمنع القبول ) للشهادة ، فتقبل من أحد المتصاحبين والصديقين ( كالضيف ) بالنسبة إلى مضيفه ( والأجير ) بالنسبة إلى مستأجره ، بلا خلاف في الأوّل ، كما في المسالك والكفاية (٢) وغيرهما (٣) ؛ لما يأتي.

وكذا في الثاني ( على الأشبه ) الأشهر بين عامّة من تأخّر ، وفاقاً منهم للحلّي (٤). وفي عبارة المسالك (٥) وغيره (٦) إشعار باتفاقهم عليه ؛ لعموم الأدلّة المتناولة ، وارتفاع ريبة التهمة بواسطة التقوى والعدالة كما في المسائل السابقة.

مضافاً إلى ظاهر الموثقة : « لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً ، ويكره شهادة الأجير لصاحبه ، ولا بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس بها له بعد مفارقته » (٧).

بناءً إمّا على ثبوت الحقيقة الاصطلاحية المتضمنة للإباحة للفظ‌

__________________

(١) قاله السبزواري في الكفاية : ٢٨٣.

(٢) المسالك ٢ : ٤٠٦ ، الكفاية : ٢٨٣.

(٣) انظر المفاتيح ٣ : ٢٨٠.

(٤) السرائر ٢ : ١٢٣.

(٥) المسالك ٢ : ٤٠٦.

(٦) انظر الكفاية : ٢٨٣.

(٧) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٧ ، التهذيب ٦ : ٢٥٨ / ٦٧٦ ، الإستبصار ٣ : ٢١ / ٦٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٢ كتاب الشهادات ب ٢٩ ح ٣.

٢٩٧

الكراهة في تلك الأزمنة ، أو عدم تأدية المنع بمثل تلك العبارة الغير الظاهرة فيه بلا شبهة.

خلافاً لأكثر المتقدمين كالشيخ في النهاية ، والصدوقين والحلبي والقاضي وابن حمزة وزهرة (١) ، فاختاروا المنع ؛ للنصوص المستفيضة ، وهي ما بين صريحة في ذلك وظاهرة.

فمن الأوّل الموثق : عما يردّ من الشهود ، فقال : « المريب ، والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم » (٢).

ونحوه المرسل في الفقيه ، لكن من دون ذكر العبد وإبداله بشارب الخمر ، واللاعب بالشطرنج والنرد ، والمقامر (٣).

والخبر : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يجيز شهادة الأجير » (٤).

والنبوي المروي عن معاني الأخبار ، قال : قال : « لا تجوز شهادة خائن » إلى أن قال : « ولا القانع مع أهل البيت » (٥) وهو كما قال الصدوق الرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم والتابع والأجير.

ومن الثاني الصحيح : عن رجلٍ أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه ،

__________________

(١) النهاية : ٣٢٥ ، الصدوق في المقنع : ١٣٣ وحكاه عن والده في المختلف : ٧١٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٣٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ٥٥٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٤٢ / ٥٩٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٥ / ٦٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٩ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٧.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٤ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٦ / ٦٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٢١ / ٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٢ كتاب الشهادات ب ٢٩ ح ٢.

(٥) معاني الأخبار : ٢٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٩ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٨.

٢٩٨

أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال : « نعم ، وكذلك العبد إذا أُعتق جازت شهادته » (١).

ووجه الظهور من التقرير والتشبيه.

وهذا القول في غاية القوّة لولا إطباق المتأخرين على خلافه لاعتبار جملة من نصوصه بالصحة والموثقية ، وانجبار الباقي بالشهرة القديمة والموافقة لفتوى من لا يرى العمل بأخبار الآحاد إلاّ بعد احتفافها بالقرائن القطعية وهو ابن زهرة (٢) ، وربما أشعر سياق عباراته بكون المنع مجمعاً عليه بين الطائفة.

ومع ذلك سليمة عما يصلح للمعارضة عدا العمومات ، وهي بها مخصّصة ؛ والرواية المتقدمة ، ودلالتها على الجواز غير صريحة ، بل ولا ظاهرة ، من حيث منع ثبوت الحقيقة العرفية للفظ الكراهة في تلك الأزمنة ، ومنع عدم تأدية المنع بمثلها بعد وقوع التأدية به عنه في النصوص كثيراً.

مع أنّ الظاهر أنّ المراد منها هنا الحرمة ؛ إذ لو قبل الشهادة لزم أداؤها ، فلا معنى للكراهة ، وبهذا صرّح من متأخري المتأخرين جماعة (٣) ، حيث اعترضوا على من حمل الأخبار المانعة على الكراهة بأنّها بعيدة ؛ إذ الشهادة لو كانت مقبولة ينبغي وجوبها عيناً مع عدم الغير ، وإلاّ كفايةً ، فتأمّل جدّاً.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٥٧ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٢١ / ٦٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ كتاب الشهادات ب ٢٩ ح ١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٣) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٢ : ٤٠٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٨٣.

٢٩٩

قال خالي العلاّمة بعد أن ذكر أنّ المشهور بين المتأخرين القبول ـ : فمنهم من قدح في طريق هذه الروايات ، ومنهم من حملها على الكراهة ، لظاهر خبر أبي بصير (١) ، ولعل مرادهم كراهة الإشهاد ، وإلاّ فلا معنى له ، ومنهم من حملها على ما إذا كان متّهماً بجلب نفع أو دفع ضرر ، كما لو شهد لمن استأجره لقصارة الثوب أو خياطته (٢).

أقول : وفي جميع هذه الأجوبة نظر : أوّلاً بعدم باعث عليها كما مر ، وثانياً بعدم قدح في طريق جميع الروايات ؛ لوجود الصحيح فيها والموثق كما عرفت ، ولو سلّم فبما مرّ منجبر ، فلا وجه للجواب الأوّل ، وكذا الثاني ؛ لما مرّ.

مضافاً إلى منافاته سياق كثير من تلك النصوص المعدود فيها كثير ممن يمنع شهادته منع تحريم ، فينبغي أن تكون في الأجير كذلك ؛ لئلاّ يختلّ نظام الكلام ، ولا يلزم استعمال لفظ واحد في معنييه الحقيقي والمجازي ، فتدبّر.

وجعل متعلق الكراهة الإشهاد كما ذكره الخال رحمه‌الله لا يجامع الاستشهاد عليها برواية أبي بصير ؛ لأنّ متعلقها فيها شهادة الأجير لا إشهاده ، فتأمّل.

وأمّا الثالث : فبعد تسليمه لا يجري في أكثر المستفيضة ؛ لتضمنه المنع عن قبول شهادة المتهم والمريب على حدة ، فلا وجه لذكر منع شهادة الأجير قبله أو بعده.

__________________

(١) المتقدم في ص ٢٩٦.

(٢) مرآة العقول ٢٤ : ٢٤٧.

٣٠٠