رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

لكن الإشعار غير كاف ، سيّما مع قصور السند.

ولا ريب أنّ اعتباره أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر.

( ولا يقدح ) في العدالة ( اتخاذ الحمام ) والطيور ( للأُنس ) بها ( وإنفاذ الكتب ) وإرسالها إلى البلدان ، بلا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في الكفاية (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات ، وفحوى ما سيأتي من بعض المعتبرة ، بل يستفاد من المعتبرة المستفيضة استحباب اتخاذها للأُنس.

منها : « ليس من بيت فيه حمام إلاّ لم يصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ ، إنّ سفهاء الجنّ يعبثون بالبيت فيعبثون بالحمام ويدعون الإنسان » (٢) وبمعناه كثير من الأخبار.

ومنها : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فرأيت على فراشه ثلاث حمامات خضر ، فقلت : جعلت فداك هذا الحمام يقذر الفراش ، فقال : « لا ، إنّه يستحب أن يسكن في البيت » (٣).

وكذا اقتناؤها للّعب بها ، وإن كره عند كافّة متأخّري أصحابنا ، وفاقاً للنهاية والمبسوط والقاضي (٤) ، وظاهر المبسوط أنّ عليه إجماعنا ، حيث قال : فإنّ اقتناؤها للّعب بها وهو أن يطيّرها ويتقلب في السماء ونحو هذا فإنّه مكروه عندنا (٥). وهو الحجة ، مضافاً إلى بعض ما مرّ من الأدلّة.

__________________

(١) الكفاية : ٢٨١.

(٢) الكافي ٦ : ٥٤٦ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٥١٦ أبواب أحكام الدواب ب ٣١ ح ٨.

(٣) الكافي ٦ : ٥٤٨ / ١٥ ، الوسائل ١١ : ٥٢٠ أبواب أحكام الدواب ب ٣٤ ح ١.

(٤) النهاية : ٣٢٧ ، المبسوط ٨ : ٢٢٢ ، المهذّب ٢ : ٥٥٧.

(٥) المبسوط ٨ : ٢٢٢.

٢٦١

وخصوص الخبر المروي في التهذيب بطريقين (١) ، وفي الفقيه بطريق حسن (٢) : عن شهادة من يلعب بالحمام ، قال : « لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق ».

وقصور السند بالجهالة مجبور بعمل الطائفة ، مع انجباره في الطريق الثالث بأبان بن عثمان الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه العصابة (٣) ، فلا تضر الجهالة بعده ، وليس قبله سوى الوشّاء المحكوم بحسنه عند أصحابنا ، فالرواية بنفسها معتبرة.

لكن ربما يتأمّل في الدلالة بما نقله بعض الأجلّة من أنّ لعب الحمام عند أهل مكة هو لعب الخيل (٤) ، وعليه فيحتمل ورود الخبر على مصطلحهم ، وربما أشعر به سياقه في الطريق الثالث ؛ فإنّ فيه بعد ما مرّ ـ : قلت : فإنّ من قبلنا يقولون : قال عمر : هو شيطان ، فقال : « سبحان الله! أما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان ، وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل ، فإنّها تحضره الملائكة ، وقد سابق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُسامة بن زيد وأجرى الخيل ».

ولو لا أنّ المراد باللّعب بالحمام ما اصطلحوا عليه لما كان لردّ الإمام عليه‌السلام على رمع (٥) بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوارد في الرهان ، ولا لذكره سباقه مع أُسامة في الخيل وجه ، فتأمّل.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٤ ، ٧٨٥ ، الوسائل ٢٧ : ٤١٢ كتاب الشهادات ب ٥٤ ح ١ ، ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠ / ٨٨ ، الوسائل ٢٧ : ٤١٣ كتاب الشهادات ب ٥٤ ح ٣.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣.

(٤) الوسائل ٢٧ : ٤١٣ ، الهامش.

(٥) مقلوب عمر.

٢٦٢

ومع ذلك تضمن جواز المسابقة بالريش المتبادر منه الطيور ، ولم يقولوا به ، فالاستدلال به لعلّه لا يخلو عن إشكال ، لكنه يصلح مؤيّداً للدليل.

خلافاً للحلّي ، فحكم بقدحه في العدالة ، قال : لقبح اللّعب (١).

وضعّفوه بمنع القبح أوّلاً ، وأنّ الخبر المتقدم يدفعه ثانياً.

وفيه نظر ؛ لتوجه المنع إليهما ، أمّا الثاني : فلما مضى ، وأمّا الأوّل : فلأنّ ما دلّ على قبحه وورد بذمّة من الآيات والروايات أظهر من أن تخفى ، فإذا ثبت القبح والذمّ ثبت النهي ؛ إذ لا ذَمَّ على ما لم ينه عنه اتفاقاً. ولو لا شذوذه بحيث كاد أن يعدّ للإجماع مخالفاً لكان المصير إلى قوله ليس بذلك البعيد جدّاً.

ثم إنّ هذا إن لعب بها من غير رهان.

( وأما ) اللّعب بها ( بالرهان عليها فقادح ) في العدالة قولاً واحداً ؛ لما مضى في كتاب السبق من اختصاص جوازه بالخف والحافر من الحيوان ( لأنّه ) في غيره ( قمار ) منهي عنه. ولكنه ينافيه الخبر المتقدم وإن حمل الريش فيه على السهام ، لأنّ فيه ريشاً. وربما حمل على التقية.

وذكر شيخنا في المسالك أنّه قيل : إنّ حفص بن غياث وضع للمهدي العباسي في حديث : « لا سبق إلاّ في نصل ، أو خف ، أو حافر » قوله : أو ريش ؛ ليدخل فيه الحمام تقرّباً إلى الخليفة ، حيث رآه يحبّ الحمام ، فلما خرج من عنده قال : اشهد أنّ قفاه قفا كذّاب ، ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أو ريش ، ولكنه أراد التقرب إلينا بذلك ، ثم أمر بذبح‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٢٤.

٢٦٣

الحمام (١).

( واللعب بـ ) النرد و ( الشطرنج ) والأربعة عشر ( تردّ به الشهادة. وكذا الغناء وسماعه والعمل بآلات اللهو ) من العود والزمر ( وسماعها ) بناءً على حرمتها بالإجماع الظاهر ، والمحكي في ظاهر عبائر جمع (٢) ، والنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ، وقد مرّ منها ما يتعلق بالغناء وسماعه في أوّل كتاب التجارة (٣).

وأمّا ما يتعلق بما عداه فمستفيضة أيضاً.

ففي القوي : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اللعب بالشطرنج والنرد » (٤).

وفي الخبرين أحدهما المرسل كالصحيح : عن قول الله تعالى ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) قال : « الرجس من الأوثان الشطرنج ، وقول الزور الغناء » (٥).

وفي كثير من النصوص عدّ الشطرنج والنرد من الميسر (٦) ، وفي آخر من الباطل (٧).

وفي القوي : قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنهاكم عن الزفْنِ والمزمار‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٤.

(٢) منهم العلاّمة في المنتهي ٢ : ١٠١١ ١٠١٢ ، والشهيد في المسالك ٢ : ٤٠٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١٢ : ٣٣٣ ٣٣٤.

(٣) راجع ج ٨ ص ١٥٦ ، وانظر الوسائل ١٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ١٠٤.

(٤) الكافي ٦ : ٤٣٧ / ١٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٠ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ٩.

(٥) الكافي ٦ : ٤٣٥ / ٢ ، الوسائل ١٧ : ٣١٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ١ ، والآية في سورة الحج : ٣٠.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٣٤١ / ١٨٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ١٤.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣٥ / ٤ ، الوسائل ١٧ : ٣١٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ٢.

٢٦٤

والكوبات والكَبَرات (١) » (٢).

وفي الصحيح : إنّي أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج ولست ألعب بها ولكن أنظر ، فقال : « مالك ولمجلس لا ينظر الله تعالى إلى أهله » (٣).

وفي القريب منه بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه (٤) : « أنّ استماع اللهو والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع » (٥).

وفي الخبر : « ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة » (٦).

وفي آخر : « من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق يروي عن الله عزّ وجلّ فقد عبدالله عزّ وجلّ ، وإن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان » (٧).

وبالجملة : لا ريب في التحريم وزوال العدالة بكل من ذلك مع الإصرار والمداومة ، وبدونهما أيضاً في الغناء ؛ للتوعد عليه بالنار في قول الله عزّ وجلّ ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٨) لتفسير ( لَهْوَ

__________________

(١) الزفْن : الرقص ، الكُوبَة : الطبل الصغير المختصر ، الكبر ، الطبل له وجه واحد. الصحاح ١ : ٢١٥ ، و ٥ : ٢١٣١ ، القاموس ١ : ١٣١ ، و ٤ : ٢٣٣ ، المصباح المنير : ٥٢٤ ، مجمع البحرين ٣ : ٤٦٩.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣٢ / ٧ ، الوسائل ١٧ : ٣١٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٠ ح ٦.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣٧ / ١٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ١.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٥) الكافي ٦ : ٤٣٤ / ٢٣ ، الوسائل ١٧ : ٣١٦ أبواب ما يكتسب به ب ١٠١ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٤٣٤ / ٢٠ ، الوسائل ١٧ : ٣١٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٠ ح ٣.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣٤ / ٢٤ ، الوسائل ١٧ : ٣١٧ أبواب ما يكتسب به ب ١٠١ ح ٥.

(٨) الكافي ٦ : ٤٣١ / ٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٧.

٢٦٥

الْحَدِيثِ ) بالغناء في النصوص المستفيضة ، مع وقوع التصريح في جملة منها بكونه ممّا وعد الله تعالى عليه بالنار.

ففي الخبر القريب من الصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه (١) : « الغناء ممّا وعد الله تعالى عليه النار » وتلا هذه الآية : ( وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ) الآية (٢).

وأمّا سماعه واستعمال آلات اللهو ففي زوال العدالة به من دون إصرار إشكال ؛ لعدم ما يدل على كونه من الكبائر ، وإنّما المستفاد من النصوص مجرد النهي عنه وتحريمه من دون توعيد عليه بالنار ، فهو من الصغائر لا يقدح في العدالة إلاّ مع الإصرار عليها كما مضى إليه الإشارة ، وبذلك صرّح شيخنا في المسالك (٣) ، واستحسنه في الكفاية (٤).

وربما يستفاد من إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة (٥) حصول القدح في العدالة بكل ما ذكر مطلقاً ولو فعل من دون إصرار ولا مداومة. وهو مشكل ؛ لعدم دليل على الوعد بالنار فيما عدا الغناء كما مضى.

نعم ربما يستفاد من جملة من الأخبار التوعيد بها في اللعب بالشطرنج.

منها : « أنّ لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار إلاّ من أفطر على مسكر ، أو مشاحن أو صاحب شاهين ». قلت : وأيّ شي‌ء‌

__________________

(١) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣١ / ٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٤ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٦.

(٣) المسالك ٢ : ٤٠٣.

(٤) الكفاية : ٢٨١.

(٥) كعبارة الشرائع ٤ : ١٢٨ ، والقواعد ٢ : ٢٣٦ ، والتحرير ٢ : ٢٠٩ ،

٢٦٦

صاحب الشاهين؟ قال : « الشطرنج » (١) ونحوه غيره (٢). لكنها مع قصور أسانيدها جملة غير واضحة الدلالة على ما مر إليه الإشارة ، لكنها مؤيّدة بالرواية (٣) المتقدمة في تعداد الكبائر المتضمنة لرسالة مولانا الرضا عليه‌السلام إلى المأمون ؛ حيث قد عدّ منها الميسر والاشتغال بالملاهي ، وقد عرفت من النصوص (٤) المتقدمة كون الشطرنج والنرد من الميسر.

ولا ريب في كونهما كاستعمال باقي آلات اللهو من الملاهي.

لكن تلك الرواية والنصوص العادّة لهما من الميسر غير واضحة الأسانيد ولا معلومة الجابر في محل البحث ، عدا ما ذكره في الذخيرة في حق الرواية من أنّها مروية في عيون أخبار الرضا [ عليه‌السلام ] بأسانيد متعدّدة لا تخلو عن اعتبار (٥).

وفي الاكتفاء بذلك في الاعتماد عليها هنا إشكال وإن كان الاحتياط فيه بلا إشكال ، سيّما مع ورود جملة من النصوص بردّ شهادة المقامر واللاعب بالنرد والشطرنج بقول مطلق.

منها : « ولا تقبل شهادة شارب الخمر ولا شهادة اللاعب بالشطرنج والنرد ولا شهادة المقامر » (٦).

ومنها : « لا تقبل شهادة صاحب النرد والأربعة عشر وصاحب الشاهين » ‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٣٥ / ٥ ، الوسائل ١٧ : ٣١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣١٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٢.

(٣) المتقدمة في ص ٦٨٣٦.

(٤) راجع ص ٦٨٤٨.

(٥) الذخيرة : ٣٠٤.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٥ / ٦٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٩ كتاب الشهادات ب ٣٢ ح ٧.

٢٦٧

الخبر (١).

ولو لا قصور سندهما ، وقوة احتمال إرادة المصرّ من اللاعب بالشطرنج والمقامر كما هو الغالب المتبادر لكان المصير إلى الإطلاق من اللوازم.

( و ) اعلم أنّ من جملة آلات اللهو ( الدفّ ) وإنّما خصّه الماتن بالذكر قصداً إلى استثناء صورة خاصّة من الحكم بتحريمها أشار إليها بقوله : ( إلاّ في الإملاك ) بالكسر : العرس والزفاف ( و ) في ( الختان ) للصبيان فإنّ الدفّ فيهما مباح ( ولو على كراهة ) عند الماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في الإرشاد والتحرير والقواعد ، والشهيد في الدروس والمحقق الثاني كما حكي (٢) ، وفاقاً للمحكي عن المبسوط والخلاف (٣) مدّعياً عليه الوفاق ، للنبويّين : « أعلنوا بالنكاح واضربوا عليه بالغربال » يعني الدفّ (٤).

وفي الثاني : فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدفّ عند النكاح (٥).

خلافاً للحلّي والتذكرة (٦) فمنعا عنه فيهما أيضاً ؛ عملاً بالعمومات‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٦ ، التهذيب ٦ : ٢٤٣ / ٦٠٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٠ كتاب الشهادات ب ٣٣ ح ١.

(٢) الشرائع ٤ : ١٢٨ ، الإرشاد ٢ : ١٥٧ ، التحرير ٢ : ٢٠٩ ، القواعد ٢ : ٢٣٦ ، الدروس ٢ : ١٢٦ ، جامع المقاصد ٤ : ٢٤.

(٣) المبسوط ٨ : ٢٢٤ ، الخلاف ٦ : ٣٠٧.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٦١١ / ١٨٩٥.

(٥) مسند أحمد ٣ : ٤١٨ ، وج ٤ : ٢٥٩ ، الجامع الصغير ٢ : ٢١٢ / ٥٨٥١ ؛ بتفاوت يسير.

(٦) السرائر ٣ : ٢٠٥ ، التذكرة ٢ : ٤٨٣.

٢٦٨

الناهية عن اللهو مطلقاً ، ونفى عنه البعد في الكفاية (١).

ولا ريب أنّه أحوط وإن كان في تعينه نظر ؛ لاشتهار القول الأوّل فتوًى بل وعملاً أيضاً. فتأمّل جدّاً.

فينجبر به سند الخبرين جبراً يصلحان معه لتخصيص العمومات المستدل بها على المنع ، سيّما مع اعتضادهما بفحوى المعتبرين وفيهما الصحيح المبيحين لأجر المغنّية في العرائس (٢) بناءً على أشدّية حرمة الغناء ؛ لتصريح النص (٣) بكونه من الكبائر ، ولا كذلك اللهو كما عرفته مما مضى.

ويجبر أخصّيتهما من المدّعى باختصاصهما بالنكاح دون الختان بعدم القائل بالفرق بينهما ، سيّما مع عدم تعقّل الفرق وقوّة دعوى كون مناط الجواز قطعياً مشتركاً بينهما ، هذا.

مع ما في مجمع البحرين من قوله : وفيه : يقولون : إنّ إبراهيم عليه‌السلام ختن نفسه بقدوم على دفّ. لكنه فسّره ب : على جنب ، قال : والدفّ بالفتح الجنب من كل شي‌ء وصفحته (٤). انتهى.

وهو غير المعنى المتبادر منه عند الإطلاق جدّاً ، لكنه أنسب بعصمته عليه‌السلام المانعة عن ارتكابه نحو هذا المكروه الشديد الكراهة بلا شبهة ، إن لم نقل بكونه من الأُمور المحرّمة.

__________________

(١) الكفاية : ٢٨١.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٢ و ٣.

(٣) الخصال : ٦٠٣ / ٩ ، الوسائل ١٥ : ٣٣١ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٤٦ ح ٣٦.

(٤) مجمع البحرين ٥ : ٥٩.

٢٦٩

ثم إنّ إطلاق الخبرين كالعبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في الدفّ المحلّل بين كونه ذات صنج أو غيره ، وقيّده الشهيد والمحقق الثاني (١) بالثاني ، وربما يظهر من المسالك (٢) عدم الخلاف فيه ، فإن تمّ ، وإلاّ كما هو الظاهر لإطلاق أكثر العبائر فالإطلاق متعين.

والمراد بالصنج هنا ما يجعل في إطار الدفّ من النحاس المدوّرة صغاراً ، كما عن المطرزي (٣). وأمّا أصله فهو الذي يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر ، كما عنه وعن الجوهري (٤). وهو من آلات اللهو ، وفي الحديث : « إيّاك والصوانج فإنّ الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك » (٥).

( و ) ممّا يقدح في العدالة وتردّ به الشهادة لحرمته ( لبس الحرير ) المحض ( للرجال ) خاصّة مع الاختيار ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في المسالك وغيره من كتب الأصحاب (٦) ؛ وهو الحجة. مضافاً إلى النصوص ، ومنها الحديث المشهور : « أُحلّ الذهب والحرير للإناث من أُمّتي وحرام على ذكورها » (٧).

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٢٦ ، جامع المقاصد ٤ : ٢٤.

(٢) المسالك ٢ : ٤٠٤.

(٣) المغرب ١ : ٣٠٩.

(٤) الصحاح ١ : ٣٢٥.

(٥) أصل زيد النرسي ( كتاب الأُصول الستة عشر ) : ٥١ ، المستدرك ١٣ : ٢١٦ أبواب ما يكتسب به ب ٧٩ ح ٤.

(٦) المسالك ٢ : ٤٠٤ ؛ المعتبر ٢ : ٨٧ ، التحرير ١ : ٣٠ ، المدارك ٣ : ١٧٣ ، كشف اللثام ٢ : ٣٧٣.

(٧) سنن النسائي ٨ : ١٦١.

٢٧٠

وفي لفظ آخر : « هذان محرّمان على ذكور أُمّتي » (١) مشيراً إليهما.

وفي رواية : « من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة » (٢).

( إلاّ ) إذا لبسه ( في الحرب ) أو حال الضرورة ؛ للنصوص المذكورة هي وسائر ما يتعلق بالمقام في بحث لباس المصلّي من كتاب الصلاة (٣).

( و ) منه ( التختم بالذهب والتحلّي به ) بل لبسه مطلقاً كما في الإرشاد والقواعد والدروس والمسالك (٤) ، وظاهره عدم الخلاف فيه ، وبه صرّح كثير ممن تبعه (٥). ولعلّهم فهموا من العبارة ونحوها مما خص فيه المنع بالتختّم والتحلّي خاصّة التمثيل لا الحصر. وهو غير بعيد ، وبه ربما يشعر بعض تلك العبارات كعبارة التحرير ، حيث قال : لبس الحرير المحض حرام إلى أن قال ـ : وكذا لبس كل محرم كالتختم بالذهب والتحلّي به ( للرجال ) (٦) فتدبّر.

والأصل في حرمته بعد الإجماع الظاهر والمحكي ما مرّ من النص والنبوي (٧).

فلا إشكال فيها ، ولا في زوال العدالة بلبسهما مع الإصرار عليه. وكذا مع عدمه في ظاهر إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة.

__________________

(١) سنن النسائي ٨ : ١٦٠.

(٢) مسند أحمد ١ : ٢٦.

(٣) راجع ج ٢ ص ٣١٩ ٣٣٣.

(٤) الإرشاد ٢ : ١٥٧ ، القواعد ٢ : ٢٣٦ ، الدروس ٢ : ١٢٦ ، المسالك ٢ : ٤٠٤.

(٥) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٢ : ٣٧٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٨١.

(٦) التحرير ٢ : ٢٠٩.

(٧) راجع ص ٢٦٩.

٢٧١

وفيه إشكال ؛ إذ لا يستفاد من أدلّة المنع كونه من الكبائر ، وإنّما غايتها إفادة التحريم ، وهو أعم منه ، والأصل يلحقه بالصغائر ، فالوجه عدم ردّ الشهادة بمجرد اللبس من دون إصرار ومداومة ، كما نبّه عليه المقدس الأردبيلي (١) رحمه‌الله وتبعه صاحب الكفاية فقال : ولعلّ قدحه في الشهادة باعتبار الإصرار (٢).

وربما يفهم منه كون ذلك مراد الأصحاب ومذهبهم أيضاً. وهو غير بعيد ، ولا ينافيه إطلاق عبائرهم ؛ لقوة احتمال وروده لبيان جنس ما يقدح في العدالة من دون نظر إلى اشتراط حصول التكرار أو الاكتفاء فيه بالمرة الواحدة ؛ وإنّما أحالوا تشخيص ذلك إلى الخلاف في زوال العدالة بكل ذنب أو بالكبائر منها خاصّة ، وملاحظة الفقيه كلاًّ من المحرمات المزبورة مع أدلتها وأنّها ما تفيد كونها كبائر أو صغائر ؛ وعليه العمل بمفادها كيفما اقتضاه مذهبه في تلك المسألة.

واعلم أنّ المحرّمات القادح فعلها في العدالة مطلقاً أو في الجملة كثيرة ؛ وقد جرت عادة الفقهاء بذكر جملة منها في هذا الكتاب ، واقتصر الماتن منها هنا على قليل روماً للاختصار ، ومن أراد الاطّلاع على كثير منها فعليه بما عدا الكتاب من كتب الأصحاب المطوّلة كالشرائع والإرشاد والقواعد وغيرها ، وشروحها المبسوطة ، سيّما شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (٣) رحمه‌الله فقد استوفى فيه أكثر مما استوفاه غيره.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٧٦.

(٢) الكفاية : ٢٨١.

(٣) الشرائع ٤ : ١٢٧ ، الإرشاد ٢ : ١٥٦ ، القواعد ٢ : ٢٣٦ ، المسالك ٢ : ٤٠٣ ، الكفاية : ٢٨٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٣٤٧.

٢٧٢

( ولا تقبل شهادة القاذف ) مع عدم اللعان أو البيّنة ؛ بالآية الكريمة ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) (١).

والإجماع الظاهر والمحكي في كلام جماعة (٢).

والنصوص المستفيضة التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

( وتقبل ) شهادته ( لو تاب ) وإن لم يسقط عنه الحدّ ، بلا خلاف ، بل عليه إجماعنا كما في التحرير والتنقيح (٣).

والأصل فيه بعده الآية الكريمة والنصوص المستفيضة ، منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة القريب من الصحيح بحمّاد المجمع على تصحيح ما يصح عنه (٤) : عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدّا ، ثم يتوب ولا يعلم منه إلاّ خيراً ، تجوز شهادته؟ قال : « نعم ، ما يقال عندكم؟ » قلت : يقولون توبته فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا تقبل شهادته أبداً ، فقال : « بئس ما قالوا ، كان أبي عليه‌السلام يقول : إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خيراً جازت شهادته » (٥).

والقوي بالسكوني : « ليس يصيب أحد حدّا فيقام عليه ثم يتوب إلاّ جازت شهادته » (٦).

__________________

(١) النور : ٤.

(٢) الخلاف ٦ : ٢٦١ ، المؤتلف من المختلف ٢ : ٥٣٤ ، وانظر المسالك ٢ : ٤٠٣ ، والكفاية : ٢٨٠.

(٣) التحرير ٢ : ٢٠٨ ، التنقيح ٤ : ٢٩٣.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣.

(٥) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٦ / ٦٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٧ / ١٢٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٣ كتاب الشهادات ب ٣٦ ح ٢.

(٦) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٥ / ٦١٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٧ / ١٢٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٤ كتاب الشهادات ب ٣٦ ح ٣.

٢٧٣

كذا رواه الكليني ، والشيخ أيضاً لكن في نسخةٍ ، ورواه في أُخرى بزيادة : « إلاّ القاذف ، فإنّه لا تقبل شهادته ، إنّ توبته فيما بينه وبين الله تعالى » (١).

وفي هذه الزيادة منافاة لما ذكره الأصحاب في المسألة ؛ لكنها على تقدير صحتها مع خلوّ نسخة الكافي عنها الذي هو أضبط من التهذيب ، سيّما مع اختلاف نسخه هنا وموافقة بعضها لنسخته كما مضى موافقة للتقية ، كما يستفاد من الرواية السابقة ، فلتحمل عليها ، سيّما مع كون الراوي من قضاة العامّة.

وبالجملة : لا شبهة في المسألة ، سيّما مع عدم الخلاف فيها.

( و ) إن اختلف في ( حدّ توبته ) أي القاذف بعد الاتفاق على اعتبار ( إكذاب نفسه ) فيها ، كما صرّح به في الغنية (٢) ، ويستفاد من الخلاف ، حيث قال : من شرط التوبة من القذف أن يكذب نفسه ، وحقيقة ذلك أن يقول : كذبت فيما قلت. هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا ؛ لأنّه لا خلاف بين الفرقة أنّ من شرط ذلك أن يكذب نفسه ، وحقيقة الإكذاب أن يقول : كذبت فيما قلت (٣).

وقريب منه كلامه في المبسوط ، حيث قال : واختلفوا في كيفية إكذابه نفسه ، قال قوم : أن يقول : القذف باطل حرام ، ولا أعود إلى ما قلت. وقال بعضهم : التوبة إكذابه نفسه ، وحقيقة ذلك أن يقول : كذبت فيما قلت.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٧ / ١٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٤ كتاب الشهادات ب ٣٦ ح ٦.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٣) الخلاف ٦ : ٢٦٣.

٢٧٤

وروى ذلك في أخبارنا ، والأوّل أقوى ؛ لأنّه إذا قال : كذبت فيما قلت ، ربما كان كاذباً ؛ لجواز أن يكون صادقاً في الباطن وقد تعذّر عليه تحقيقه ، فإذا قال : القذف باطل حرام ، فقد أكذب نفسه (١). انتهى.

وما اختاره فيه من كيفية الإكذاب اختاره الحلّي (٢) ؛ للتعليل الذي ذكره ، واختاره الفاضل في الإرشاد والتحرير والمختلف والقواعد ، وولده في شرحه (٣) ، لكن على تفصيل هو أنّه إن كان في قذفه كاذباً فحدّ توبته إكذاب نفسه ، وإن كان صادقاً فحدّها أن يقول : أخطأت ؛ جمعاً بين النصوص الآتية الدالة على أنّ حدّها إكذاب نفسه بقول مطلق ، وما مرّ من التعليل في كلام الشيخ ، الراجع حاصله إلى حرمة الكذب ، فلا يمكنه التكذيب مع صدقه ، فعليه بدله إن يخطأ نفسه.

وهو حسن إن صحّ التعليل ، وفيه نظر ؛ إذ حاصله ومبناه الفرار من الكذب ، وهو يحصل بالتورية ، واعتبارها أقرب إلى النصوص مما ذكره من التصريح بالتخطئة ، وأنسب بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر ؛ لما في التصريح بالتخطئة من التعريض بالقذف أيضاً ، فإفساده أكثر من إصلاحه.

وبهذا صرّح جماعة ومنهم الشهيد في الدروس وقال في تضعيفه زيادةً على ذلك ـ : وبأنّ الله تعالى سمّى القاذف الذي لا يأتي بالشهود كاذباً (٤).

__________________

(١) المبسوط ٨ : ١٧٩.

(٢) السرائر ٢ : ١١٦.

(٣) الإرشاد ٢ : ١٥٧ ، التحرير ٢ : ٢٠٨ ، المختلف : ٧١٧ ، القواعد ٢ : ٢٣٦ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٤٢٣.

(٤) الدروس ٢ : ١٢٦.

٢٧٥

وتنبّه لهذا الفاضل في التحرير ، فقال بعد ذكر مختاره : وقيل : يكذب نفسه مطلقاً ، ثم إن كان صادقاً ورّى باطناً. والأوّل أقرب ، والثاني مروي وإن كان ليس بعيداً من الصواب ؛ لأنّه تعالى سمّى القاذف كاذباً إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق ، لأنّه كاذب في حكم الله تعالى وإن كان صادقاً (١). انتهى.

ومنه يظهر صحة القول المحكي في كلامه وميله إليه ؛ وهو مختار الصدوقين والعماني ، والشيخ في النهاية والماتن هنا وفي الشرائع ، والشهيدين في الدروس والمسالك ، والفاضل المقداد في التنقيح وغيره (٢).

والظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين ، بل المتقدّمين أيضاً ؛ وقد عرفت دعوى ابن زهرة عليه الإجماع ، ونفي الشيخ الخلاف عنه في الخلاف ناسباً له إلى مقتضى المذهب ، ولكنه صار فيه أيضاً إلى مختاره في المبسوط معلّلاً بما مرّ فيه ، وقد عرفت ما فيه.

وبالجملة : عبارته ظاهرة في نفي الخلاف الذي هو كإجماع ابن زهرة حجة على اعتبار إكذاب نفسه. وظاهره وحقيقته كما اعترف به يقتضي المصير إلى ما عليه الماتن وغيره. ونحوهما إطلاق المعتبرة المستفيضة ، ففي النبوي : « توبة القاذف إكذاب نفسه » (٣).

وفي الصحيح : عن المحدود إن تاب تقبل شهادته؟ فقال : « إذا تاب ، وتوبته أن يرجع مما قال ويكذب نفسه عند الإمام عليه‌السلام وعند المسلمين ،

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٠٨.

(٢) الصدوق في المقنع : ١٣٣ ، وحكاه عن والد الصدوق والعماني في المختلف : ٧١٧ ، النهاية : ٣٢٦ ، الشرائع ٤ : ١٢٧ ، الدروس ٢ : ١٢٦ ، المسالك ٢ : ٤٠٣ ، التنقيح ٤ : ٢٩٣ ، كنز العرفان ٢ : ٣٤٧.

(٣) انظر الدر المنثور ٥ : ٢٠ ٢١.

٢٧٦

فإذا فعل فإنّ على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك » (١).

وفي القريب منه : عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته؟ قال : « يكذب نفسه » قلت : أرأيت إن أكذب نفسه أتقبل شهادته؟ قال : « نعم » (٢).

وظاهرها حصول التوبة بمجرد الإكذاب. وفيه إشكال ، بل الظاهر عدمه إلاّ بعد التوبة والندامة حقيقةً ، كما ذكره بعض المحققين (٣) ، ودلّ عليه المرسل : عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب؟ قال : « نعم » قلت : وما توبته؟ قال : « يجي‌ء ويكذب نفسه عند الإمام ويقول : قد افتريت على فلانة ، ويتوب مما قال » (٤).

ولعلّه ظاهر الأصحاب أيضاً.

ويمكن حمل الروايات السابقة عليه بدعوى ورودها مورد الغالب من أنّ المكذب نفسه يكون في الحقيقة تائباً حقيقة غالباً.

وظاهر المرسل كالصحيح المتقدم عليه اعتبار كون الإكذاب عند الإمام ، وبه صرّح العماني (٥) وجماعة (٦) ، وزاد الأوّل : وعند جماعة من المسلمين. ويظهر من الإيضاح والتنقيح والصيمري عدم الخلاف في اعتبار‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٤٥ / ٦١٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٦ / ١٢١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٥ كتاب الشهادات ب ٣٧ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٥ / ٦١٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٦ / ١٢٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٣ كتاب الشهادات ب ٣٦ ح ١.

(٣) مجمع الفائدة ١٢ : ٣٧٧.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٧ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٤٥ / ٦١٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٦ / ١٢٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٤ كتاب الشهادات ب ٣٦ ح ٤.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٧١٧.

(٦) إيضاح الفوائد ٤ : ٤٢٤ ، التنقيح ٤ : ٢٩٤.

٢٧٧

ذلك ؛ حيث قالوا : وعلى الأقوال كلها لا بدّ من إيقاع ذلك عند من قذف عنده ، وعند الحاكم الذي حدّه ، فإذا تعذّر ففي ملأ من الناس (١).

ومرادهم من الأقوال ، الأقوال المتقدمة في تفسير إكذاب نفسه التي منها ما عليه الماتن وأكثر المتأخّرين من تفسيره بمفاده الحقيقي. ومنها قول المبسوط والخلاف والسرائر (٢) المشار إليه في العبارة بقوله :

( وفيه قول آخر متكلف ) من الجهات التي مرّت مع زيادة عليها نشير إليها هنا ، وهي استلزامه اطراح النصوص المتقدمة المعتبرة أسانيدها طرّاً مع عدم الباعث عليه عند الشيخ وأمثاله أصلاً عدا التعليل المتقدم ، وهو على تقدير صحته يقتضي الاقتصار في مخالفتها على صورة صدقه في القذف خاصّة لا مع كذبه فيه أيضاً.

ولذا إنّ الفاضل (٣) الموافق لهما من حيث التعليل في الصورة الأُولى خالفهما في الصورة الثانية تفادياً من طرح الروايات بالكلية ، وهو وإن خلص بذلك من هذا الاعتراض ، إلاّ أنّه وقع فيما هو أمرّ منه ، وهو أنّه إحداث قول ممنوع منه ؛ إذ الأقوال في المسألة التي وصلت إلينا من قدمائنا اثنان كما هو ظاهر العبارة وغيرها.

ولكن حكى هو في المختلف وولده في الإيضاح وغيرهما عن ابن حمزة قولاً ثالثاً ، وهو أنّه إن كان صادقاً قال : الكذب حرام ، ولا أعود إلى مثل ما قلت ، وأصلح ، وإن كان كاذباً قال : كذبت فيما قلت (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٤ : ٤٢٤ ، التنقيح ٤ : ٢٩٤.

(٢) راجع ص ٢٧٣ ، ٢٧٤.

(٣) راجع ص ٢٧٤.

(٤) المختلف : ٧١٧ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٤٢٣ وانظر التنقيح ٤ : ٢٩٤ ، والمهذّب البارع ٤ : ٥١٦ وهو في الوسيلة : ٢٣١.

٢٧٨

وهو وإن أشبه التفصيل الذي ذكراه ، لكن يفترق عنه من وجه آخر ، كما لا يخفى على من تدبّره ، ولذا جعلاه قولاً آخر مقابلاً لما اختاراه.

وهذا القول وإن اشترك مع باقي الأقوال عدا المشهور في الضعف والقصور ، إلاّ أنّه أقرب إلى النصوص ، وأبعد عن التعريض بالقذف اللازم من قول الفاضل وولده.

ووجه ضعفه عدم صراحة قوله : والكذب حرام. إلى آخر ما ذكره ، في صورة الصدق في إكذاب نفسه ، وإنّما غايته الظهور الضعيف القريب من الإشعار الغير المتبادر من إكذاب النفس الوارد في النصوص.

وبالجملة : فالمذهب ما عليه المشهور.

ثم إنّ ظاهر العبارة ونحوها من عبائر الجماعة كفاية التوبة بمجردها في قبول الشهادة ، كما هو ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة ، ولكن الآية اشترطت الإصلاح بعد التوبة ، وفسّره الأكثر بالاستمرار عليها ولو ساعة.

قال فخر الإسلام : وهذا المعنى متفق عليه ، وإنّما الخلاف في الزائد عليه وهو إصلاح العمل ، فقال ابن حمزة : يشترط مطلقاً ، أي في الصادق والكاذب. ولم يشترطه الشيخ رحمه‌الله في النهاية مطلقاً. وقال في المبسوط : يشترط في الكاذب لا الصادق. وهو اختيار ابن إدريس. احتجّ المصنف بأنّ الاستمرار على التوبة إصلاح والأمر المطلق يكتفى فيه بالمسمى ، ولم يشترط في الرواية المتقدمة ، بل علّق قبول الشهادة على التوبة وإكذاب نفسه. وفيه نظر ؛ لحمل المطلق على المقيد مع اتحاد القضية (١). انتهى.

وظاهره الميل إلى قول ابن حمزة ؛ لما ذكره من حمل مطلق الرواية‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٤ : ٤٢٤.

٢٧٩

على الآية المقيّدة.

وهو حسن ، إلاّ أنّ الإشكال في تعيين المراد من الإصلاح ، هل هو إصلاح العمل ، أو إصلاح الحال والنفس بمنعها عن ظهور ما ينافي العدالة؟ لكلٍّ وجه ، فالتبادر للأوّل ، والإطلاق للثاني. ولعلّه أظهر ؛ لأصالة الإطلاق مع الشك في التبادر المقيّد له ببعض الأفراد ، ومع ذلك أشهر.

وربما يشير إليه الخبر القريب من الصحيح الذي مرّ (١) في أوّل البحث المتضمن لقوله عليه‌السلام : « إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خيراً جازت شهادته » فتدبّر.

هذا كله في التوبة عن القذف ، وأمّا عن غيره فينبغي القطع بكفايتها عن إصلاح العمل ؛ لعموم : « التوبة يجبّ ما قبلها » (٢) : « والتائب من الذنب كمن لا ذنب له » (٣).

مع اختصاص الآية (٤) المشترطة للإصلاح بتوبة القاذف خاصّة.

نعم إن توقّفت على أداء حقوق الله تعالى أو الناس لزمه أداؤها تحصيلاً لها ، وإلاّ فلا توبة له جدّاً.

( الخامسة : ارتفاع التهمة ) في الشهادة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في المسالك (٥) وغيره (٦). والنصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تبلغ التواتر ، بل لعلّها متواترة ، ففي الصحاح : عن الذي يردّ من الشهود ،

__________________

(١) في ص ٢٧٢.

(٢) الوسائل ١٦ : ٧١ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٨٦.

(٣) الكافي ٢ : ٤٣٥ / ١٠ ، الوسائل ١٦ : ٧٤ أبواب جهاد النفس ب ٨٦ ح ٨.

(٤) النور : ٥.

(٥) المسالك ٢ : ٤٠٥.

(٦) انظر مجمع الفائدة ١٢ : ٣٨٣ ، والمفاتيح ٣ : ٢٧٨.

٢٨٠