رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

واعلم أنّ عدم القضاء بالعين بينهما نصفين إلاّ بعد حلف كل منهما لصاحبه أو نكولهما هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر المصرّح به في شرح الشرائع للصيمري (١).

وفي المسالك قال : بل لم ينقل الأكثر فيه خلافاً (٢). ولعلّه أراد بمقابل الأكثر الماتن في الشرائع (٣) ، حيث حكى ما عليه الأصحاب قولاً بعد أن حكم بالقضاء بينهما نصفين مطلقاً. ولم أَرَ غيره قد نقل الخلاف فيه ، ولا من أفتى بما ذكره.

نعم في الغنية : وإن كان لكلّ واحد منهما يد ولا بيّنة لأحدهما كان الشي‌ء بينهما نصفين ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة (٤). ولكنه غير صريح بل ولا ظاهر في عدم اعتبار الإحلاف.

وكيف كان ، فالمذهب ما عليه الأصحاب ؛ لعموم ما دلّ على ثبوت اليمين على من أنكر ، ولا ريب أنّ كلّ واحد منهما مدّعٍ لما في يد الآخر ، ومنكر لما في يده للآخر ، فإذا ادّعى كلّ منهما على صاحبه النصف الذي في يده وأنكر صاحبه ذلك ، لزم المنكر الحلف كما في سائر الدعاوي. هذا.

مضافاً إلى فحوى بعض ما سيأتي من الأخبار الدالّة على إحلاف كلّ منهما لصاحبه مع تعارض البيّنة ، فمع عدمه أولى ، فتأمّل جدّاً.

( ولو كانت في يد أحدهما ) وتصرّفه خاصّة ( قضي بها للمتشبّث ) وهو ذو اليد ( وللخارج إحلافه ) لكونه منكراً والخارج مدّعياً ؛ لأنّ الأصل‌

__________________

(١) غاية المرام ٤ : ٢٥٧.

(٢) المسالك ٢ : ٣٩٠.

(٣) الشرائع ٤ : ١١٠.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

١٨١

عدم تسلّطه على ما في يد غيره ، وظاهر الحال يشهد لذي اليد بالملك ، كما مرّ.

وفي الخبر : « فإن كانت له » أي للمدّعي الخارج « بيّنة ، وإلاّ فيمين الذي هو في يده ، هكذا أمر الله عزّ وجلّ » (١).

وفي آخر : « فإن كانت في يد أحدهما ، وأقاما جميعاً البيّنة؟ قال : « أقضي بها للحالف الذي في يده » (٢).

وفي ثالث : « أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام اختصم إليه رجلان في دابّة ، وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها ، فقضى بها للذي هي في يده ، وقال : ولو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين » (٣).

والأول دالّ على الحكم هنا صريحاً ، والأخيران دالاّن عليه فحوى على قول (٤). وعدم اعتبار الحلف في الأخير غير قادح بعد ظهور اعتباره من الأوّلين ، فيحمل عليهما حمل المطلق على المقيّد. مضافاً إلى العمومات الدالّة على اعتباره.

فإن نكل ذو اليد عن الحلف أُحلف الخارج على المختار من عدم القضاء بالنكول.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٤٠ / ٥٩٤ ، الإستبصار ٣ : ٤٣ / ١٤٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٥ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢ ح ١٤.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٩ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٣٣ / ٥٧٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٠ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٤١٩ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٢٣٤ / ٥٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٩ / ١٣٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٠ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٢ ح ٣.

(٤) أي قول من يعمل بمضمون الخبرين من تقديم بيّنة ذي اليد على بيّنة الخارج. منه رحمه‌الله.

١٨٢

والكلام في حلفهما كما سلف ، فيحلف ذو اليد على النفي والخارج على الإثبات.

( ولو كانت في يد ثالث ، وصدّق أحدهما ) بأنّها له ، فهو في حكم ذي اليد ( قضي ) بها ( له ) مع يمينه ( وللآخر إحلافه ) أي المصدّق إن ادّعى عليه علمه بأنّها له ، فإن امتنع حلف الآخر وأغرمه القيمة لا العين ؛ لاستحقاق المصدّق له إيّاها بإقراره ، فلا يمكنه ارتجاعها منه ، وإنّما يغرم القيمة لتفويته العين على الآخر بإقراره.

( ولو صدّقهما قضي ) بها ( لهما بالسوية ، ولكلّ منهما إحلاف الآخر ) كما لو كانت في يدهما ، ولهما إحلافه إن ادّعيا علمه ؛ لفائدة الغرم مع اعترافه ، لا القضاء بالعين. فإن حلف ، وإلاّ غرم نصف القيمة للحالف منهما. ولو حلفا معاً غرم القيمة تماماً لهما يقتسمانها كالعين بينهما نصفين.

( وإن كذّبهما أقرت ) العين ( في يده ) بعد يمينه لهما ، سواءً ادّعاها لنفسه أم لا. ولا يجب عليه نسبة الملك إلى نفسه ، أو إلى أحد معيّن.

ولو قال : هي لأحدكما ولا أعرفه ، احتمل قوّياً القرعة ، فيحلف من خرجت له. فإن نكل حلف الآخر ، وإن نكلا قسمت بينهما. ويحتمل القضاء بها نصفين بينهما ابتداء بعد حلفهما أو نكولهما ، كما لو كانت بيدهما. ولكن الأوّل لعلّه أقوى.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم تكن بيّنة لهما. وإن كانت لإحداهما حكم له بها. ولو كانت لكلّ منهما وأمكن الجمع بينهما كما لو شهدت أحدهما بملك زيد أمس والأُخرى بانتقاله إلى عمرو الآن ، أو أطلقت إحداهما وفصّلت الأُخرى جمع بينهما ؛ لوجوب العمل بهما مع عدم التعارض بينهما. ولو تعارضتا ففيه تفصيل يأتي ذكره في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

١٨٣

( الثالثة : إذا تداعيا خُصّاً ) بالضم والتشديد ، وهو البيت الذي يعمل من القصب ، كما في مجمع البحرين وغيره (١). وفي الفقيه : أنّه الحائط من القصب بين الدارين (٢) ( قضي لمن إليه ) (٣) ( القِمط ) بالكسر ، وهو الحبل الذي يشدّ به الخُصّ ، وبالضم جمع قماط ، وهي شداد الخُصّ من ليف وخوص وغيرهما.

والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم الشهيدان في الدروس في هذا الكتاب وكتاب الصلح ، وفي الروضة والمسالك (٤) في الكتاب الأخير ، بل ربما تشعر عبارة المسالك بالإجماع عليه ، وحكى عن التذكرة أيضاً (٥). وبه صرّح في نوادر هذا الكتاب من السرائر ، وفي كتاب الصلح من الغنية (٦).

( و ) الحجّة فيه قبل ذلك ( هي رواية عمرو بن شمر ، عن جابر ) المرويّة في الفقيه عن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن جدّه ، عن علي عليه‌السلام : « أنّه قضى في رجلين اختصما في خصّ ، فقال : إنّ الخصّ للذي إليه القمط » (٧).

( وفي عمرو ) وإن كان ( ضعف ) بنص جماعة من أهل الرجال كالنجاشي وغيره (٨) ، إلاّ أنّه مجبور بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة‌

__________________

(١) مجمع البحرين ٤ : ١٦٨ ، المصباح المنير : ١٧١ ، القاموس المحيط ٢ : ٣١٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٧.

(٣) في « ح » و « س » زيادة : معاقد.

(٤) الدروس ٢ : ١١٤ ، و ٣ : ٣٤٩ ، الروضة ٤ : ١٩٤ ، المسالك ١ : ٢٧٢.

(٥) التذكرة ٢ : ١٩١.

(٦) السرائر ٢ : ١٩٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤.

(٧) الفقيه ٣ : ٥٧ / ١٩٧ ، الوسائل ١٨ : ٤٥٤ كتاب الصلح ب ١٤ ح ٢.

(٨) النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٥ ؛ وانظر رجال العلاّمة : ٢٤١.

١٨٤

التي كادت تكون محقّقة ؛ لعدم مخالف في الرواية صريحاً ، بل ولا ظاهراً عد الماتن هنا والشهيد الثاني والصيمري (١) ، مع أنّ ظاهر الأولين التردّد لا المخالفة. ومنه يظهر ما في المهذّب (٢) من نسبة المخالفة إلى المتأخّرين كافّة ، كيف وعمدة المتأخّرين الفاضلان والشهيدان ، وقد أفتوا ما عدا الشهيد الثاني في الشرائع والإرشاد والقواعد والدروس (٣) بالرواية.

( و ) مع ذلك الحجّة غير منحصرة فيها ، فقد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح ( عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ) : عن خُصّ بين دارين ، كما في التهذيب ، وبدّل بالحظيرة في الكافي والفقيه ، فزعم ، كما في الكتابين الأولين ، وعوّض عنه في الأخير بقوله : « فذكر ( أنّ عليّاً عليه‌السلام قضى بذلك ) لصاحب الدار الذي من قبله وجه القماط » (٤).

( وهي ) وإن كانت ( قضية في واقعة ) فلعلّه عليه‌السلام عرفها وأجرى الحكم بمقتضاها فلا يتعدّى إلى غيرها ، إلاّ أنّ ظاهر السؤال في صدر الرواية عن حكم المسألة ، والجواب عنه بعده بنقل القضاء عنه عليه‌السلام في الواقعة يقتضي عدم اختصاصه بها ، بل عمومه لكل واقعة ، وإلاّ لكان السؤال مسكوتاً عن جوابه بالمرّة ، وفيه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولا ريب في قبحه ولا شبهة. وبالجملة فلا وجه للمناقشة في الروايتين سنداً ودلالة.

__________________

(١) الروضة البهية ٤ : ١٩٤ ، غاية المرام ٢ : ٢٢.

(٢) المهذّب البارع ٤ : ٤٨٨.

(٣) الشرائع ٢ : ١٢٥ ، الإرشاد ١ : ٤٠٥ ، القواعد ١ : ١٨٧ ، الدروس ٢ : ١١٤ ، ٣ : ٣٤٩.

(٤) الكافي ٥ : ٢٩٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٥٦ / ١٩٦ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ / ٦٤٩ ، الوسائل ١٨ : ٤٥٤ كتاب الصلح ب ١٤ ح ١.

١٨٥

نعم ربما يمكن المناقشة فيهما بمخالفتهما القواعد والأُصول المقررة في نحو المسألة تقدمت إليها الإشارة في المسألة السابقة.

ويمكن الذبّ عنها أيضاً بأنّ المخالفة ليست مخالفة تضادّ ، بل مخالفة عموم وخصوص. ودفعها بالتخصيص ممكن بعد التكافؤ الحاصل هنا بصحّة سند الخاص وتعدّده ومخالفته العامّة ، كما يستفاد من الغنية ، حيث قال بعد ذكر الحكم ونقل إجماعنا عليه ـ : ويحتجّ على المخالف بما رووه من طرقهم من أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عبد الله بن اليماني ليحكم بين قوم اختصموا في خصّ ، فحكم به لمن إليه القمط ، فلمّا رجع إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبره بذلك ، فقال : « أصبت وأحسنت » (١). انتهى.

ومنه يظهر وجود رواية أُخرى في المسألة كما أشار إليه في المسالك (٢) ، وكونها عامية تجبره الشهرة كالرواية السابقة ، هذا.

وربما يخص العمل بالرواية بما إذا اقتضت العادة كون وقوع وجه القماط إلى جانب قرينة على ملكيّة الخصّ لصاحبه ، ولكن الفتاوى مطلقة إلاّ أنّ تنزيلها على ذلك غير بعيد.

وكيف كان ينبغي تخصيص الحكم بمورد الرواية من الخصّ دون غيره ، وإن حصل فيه نحو معاقد القمط وشهدت العادة بكونه قرينة على الملكية لجهة. فإنّ غاية ذلك الظهور ، ولا يخصّص به الأُصول ، بل ترجّح هي عليه حيث لم يقم على العكس دليل ، كما فيما نحن فيه على ما هو المفروض.

( الرابعة : إذا ادّعى أبو الميتة إعارته ) لها ( بعض متاعها كلّف البيّنة ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٤.

(٢) المسالك ١ : ٢٧٢.

١٨٦

وكان كغيره من الأنساب ) وغيرهم ، على المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرّح به في المسالك وغيره (١) ؛ عملاً بعموم : « البيّنة على المدّعى ، واليمين على المدّعى عليه » (٢).

والنبوي : « لو يعطى الناس بأقوالهم لادّعى قوم دماء قوم وأموالهم » (٣).

( وفيه ) أي في المقام ( رواية بالفرق ) بين الأب وغيره ، فيصدّق في دعواه دونهم ، مروية في الكتب الثلاثة صحيحة في الكافي والتهذيب احتمالاً ، وفي الفقيه صحيحة جزماً ، عن جعفر بن عيسى ، وهو حسن : قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من المتاع والخدم ، أتقبل دعواه بلا بيّنة؟ أم لا تقبل دعواه إلاّ ببيّنة؟ فكتب عليه‌السلام : « يجوز بلا بيّنة » قال : وكتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام يعني : علي بن محمد عليهما‌السلام ـ : جعلت فداك! إن ادّعى زوج المرأة الميّتة أو أبو زوجها أو أُمّ زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم ، أيكون بمنزلة الأب في الدّعوى؟ فكتب عليه‌السلام : « لا » (٤).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٩٨ ، الكفاية : ٢٧٨.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٥ / ١ ، ٢ ، عوالي اللآلي ٢ : ٣٤٥ / ١١ ، و ٣ : ٥٢٣ / ٢٢ ، تفسير القمي ٢ : ١٥٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٩٨ / ١٣٥٥ ، ١٣٥٦ ، ١٣٥٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ٢٥٢ ، ٢٥٣ سنن الدارقطني ٤ : ١٥٧ / ٨.

(٣) سنن الدارقطني ٤ : ١٥٧ / ٩ بتفاوت يسير ، وكذا في سنن ابن ماجة ٢ : ٧٧٨ / ٢٣٢١ ، والسنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ٢٥٢.

(٤) الكافي ٧ : ٤٣١ / ١٨ ، الفقيه ٣ : ٦٤ / ٢١٤ ، التهذيب ٦ : ٢٨٩ / ٨٠٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٠ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٣ ح ١.

١٨٧

وهي ( ضعيفة ) بالمكاتبة عند جماعة (١) ، وبالشذوذ والندرة بلا شبهة ؛ لعدم قائل بها ، بل وإطباق الفتاوى على خلافها حتى من الشيخ المحكيّ عنه فتواه بها (٢) ؛ لرجوعه عنها في المسائل الحائريات كما حكاه عنه في السرائر (٣).

نعم ظاهر الصدوق الفتوى بها ، حيث رواها في الفقيه في باب ما يقبل من الدعاوي بغير بيّنة ، مع ضمانه فيه (٤) أن لا يروى فيه إلاّ ما يفتي به ويحكم بصحّته. لكن الظاهر المحكي عن جدّي المجلسي رحمه‌الله وغيره (٥) عدوله عمّا وعد به.

وكيف كان ، فالعمل على ما عليه الأصحاب ؛ لمخالفة الرواية العمومات المعتضدة بعملهم ، فلتطرح ، أو تحمل على ما حملها عليه الحلّي (٦) من حمل قوله : « يجوز بلا بيّنة » على الاستفهام الإنكاري بحذف حرفة ، أو على الإنكار لمن يرى عطيّة ذلك بغير بيّنة.

ولكن تتمّة الخبر ينافي الحملين ، كما صرّح به في التحرير (٧).

وربما حملها بعض (٨) على الظاهر من أنّ المرأة تأتي المتاع من بيت أهلها ، وظاهره العمل عليها حينئذٍ.

__________________

(١) منهم الحلّي في السرائر ٢ : ١٨٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٧٨.

(٢) انظر النهاية : ٣٤٩.

(٣) المسائل الحائريات ( الرسائل العشر ) : ٢٩٧ ، السرائر ٢ : ١٨٨.

(٤) في « ح » زيادة : بناءً على ما ذكره في أوّله.

(٥) روضة المتقين ١ : ١٧ ، مشرق الشمسين ( الحبل المتين ) : ٢٧٠.

(٦) السرائر ٢ : ١٨٩.

(٧) التحرير ٢ : ٢٠٥.

(٨) التحرير ٢ : ٢٠٥ ، وانظر كشف اللثام ٢ : ٣٥٦.

١٨٨

وفيه نظر يظهر وجهه ممّا في ذيل المسألة السابقة قد مرّ.

اللهم إلاّ أن يذبّ عنه بدعوى حصول الظنّ من الاستقراء وتتبّع الموارد الجزئية في الدعاوي التي عمل فيها بمجرد الظهور ، بجواز العمل به والحكم بسببه ، كما سيدّعي ذلك العلاّمة في المختلف في المسألة الآتية (١).

وله وجه إلاّ أنّ في بلوغه هنا قوّة المقاومة للأُصول المعتضدة بعمل الأصحاب إشكالاً ، بل الأخذ بمقالتهم أولى.

( الخامسة : إذا تداعى الزوجان ) أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر ( متاع البيت ) الذي في يدهما قضي لمن له البيّنة مطلقاً ، بلا خلاف. وإن لم يكن لهما بيّنة ( فله ما ) يصلح ( للرجال ) كالعمائم والدروع والسلاح ( ولها ) أي للزوجة ( ما ) يصلح ( للنساء ) كالحلي والمقانع وقمص النساء.

( وما يصلح لهما ) كالفرش والأواني ( يقسم بينهما ) نصفين بعد التحالف ، أو النكول ، وفاقاً للشيخ في النهاية والخلاف (٢) ، والحلّي في السرائر (٣) ، والإسكافي ، وابن حمزة ، والكيدري (٤) ، والماتن هنا صريحاً وفي الشرائع (٥) ظاهراً ، والفاضل في التحرير (٦) ، وأبي العباس في المهذب (٧) ، والشهيد في الدروس (٨) ، وهو ظاهر القاضي ، إلاّ أنّه قرّبه في‌

__________________

(١) في ص ١٩١.

(٢) النهاية : ٣٥١ ، الخلاف ٦ : ٣٥٢.

(٣) السرائر ٢ : ١٩٢ ١٩٤.

(٤) حكاه عن الإسكافي والكيدري في غاية المراد ( مخطوط ) الورقة : ٢٦١ ، الوسيلة : ٢٢٧.

(٥) الشرائع ٤ : ١١٩.

(٦) التحرير ٢ : ٢٠٠.

(٧) المهذّب البارع ٤ : ٤٨٩.

(٨) الدروس ٢ : ١١١.

١٨٩

الدعوى بعد الطلاق (١).

وبالجملة الأكثر ، كما في المسالك (٢) ، بل المشهور ، كما في ظاهر الشرائع وصريح النكت (٣) ، بل في الخلاف والسرائر (٤) دعوى الإجماع عليه. ونسبه في المبسوط (٥) إلى روايات الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه أيضاً. ولا ينافيه فتواه فيه بخلافه كما يأتي ؛ لما صرّح به بعد النسبة أنّه على الأحوط.

والأصل فيه قبل ذلك المروي في التهذيبين بسند فيه جهالة ، ولكنّها في الفقيه صحيحة ، وفيها : « إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء يقسّم بينهما ، فإذا طلّق المرأة فادّعت أنّ المتاع لها ، وادّعى الرجل أنّ المتاع له ، كان له ما للرجال ، ولها ما للنساء » (٦).

والموثق : في امرأة تموت قبل الرجل ، أو رجل قبل المرأة ، قال : « ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شي‌ء منه فهو له » (٧).

وفي آخر : عن رجل يموت ، ما له من متاع البيت؟ قال : « السيف‌

__________________

(١) المهذّب ٢ : ٥٧٩.

(٢) المسالك ٢ : ٣٩٨.

(٣) الشرائع ٤ : ١١٩ ، غاية المراد ( مخطوط ) الورقة : ٢٦١.

(٤) الخلاف ٦ : ٣٥٤ ، السرائر ٢ : ١٩٣.

(٥) المبسوط ٨ : ٣١٠.

(٦) الفقيه ٣ : ٦٥ / ٢١٥ ، التهذيب ٦ : ٢٩٤ / ٨١٨ ، الإستبصار ٣ : ٤٦ / ١٥٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٤.

(٧) التهذيب ٩ : ٣٠٢ / ١٠٧٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٣.

١٩٠

والسلاح وثياب جلده » (١).

وقصور الدلالة عن إفادة تمام المدّعى صريحاً كما ذكره جماعة (٢) غير ضائر بعد ظهورها فيه ، كما اعترفوا به ، هذا.

مضافاً إلى الأُصول المتقدمة في الشق الأخير ، والظهور المستند إلى العادة فيما عداه ، كما صرّح به الحلّي وغيره (٣) ، والعمل به في مقابلتها وإن كان خلاف الأصل والقاعدة كما مر إليه الإشارة إلاّ أنّه هنا ظاهر الفتاوى ؛ لإطباقها على العمل بالظاهر ولو في الجملة ، وعدم مخالف فيه عدا الشيخ في المبسوط (٤) كما يأتي ، وقد عرفت تصريحه بكونه على الأحوط.

والفاضل وإن وافقه في بعض كتبه ، إلاّ أنّه رجع عنه في المختلف وقال بالرجوع إلى العرف العام أو الخاص ، فإن وجد عمل به ، وإن انتفى أو اضطرب كان بينهما ، قال :

لأنّ عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ذلك ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناءً على الأصل ، وكون المتشبّث به أولى من الخارج ؛ لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالباً ، فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظاهر ، والرجوع إلى من يدّعي ظاهر العرف. وأمّا مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح فيتساويان (٥).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٩٨ / ٨٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٤٦ / ١٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٥ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٢.

(٢) غاية المراد ( مخطوط ) الورقة : ٢٦١ المسالك ٢ : ٣٩٨ ، مجمع الفائدة ١٢ : ٢٥٣.

(٣) السرائر ٢ : ١٩٤ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٨ ، والمختلف : ٦٩٨.

(٤) المبسوط ٨ : ٣١٠.

(٥) المختلف : ٦٩٨.

١٩١

واختار هذا الشهيدان في النكت والمسالك (١). ونفى عنه البأس الصيمري في شرح الشرائع (٢).

واستحسنه أبو العباس في المهذب قال : ويؤيّده استشهاده عليه‌السلام أي فيما يأتي من الروايات بالعرف حيث قال : « قد علم من بين لابتيها » (٣) ومثله قوله عليه‌السلام : « لو سألت من بينهما » يعني : الجبلين ، ونحن يومئذ بمكة « لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل فتعطى التي جاءت به ، فإن زعم أنه أحدث فيه شيئاً فليأت البيّنة » (٤) (٥). وما اختاروه حسن لولا إطلاق ما مرّ من النصوص والإجماعات المنقولة ، ولكن يمكن تنزيلها عليه بأن يقال : إنّ إطلاقها وارد مورد الغالب في العادة ؛ لحكمها غالباً بكون ما للرجل للرجل وما للنساء للمرأة.

وبذلك صرّح الحلّي الذي هو أحد نقلة الإجماع ، فقال : لأنّ ما يصلح للنساء الظاهر أنّه لهنّ ، وكذلك ما يصلح للرجال ، فأمّا ما يصلح للجميع فيداهما معاً عليه فيقسم بينهما ؛ لأنّه ليس أحدهما أولى به من الآخر ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، ولا يقرع ها هنا ؛ لأنّه ليس بخارج عن أيديهما (٦). انتهى.

__________________

(١) غاية المراد ( مخطوط ) الورقة : ٢٦٢ ، المسالك ٢ : ٣٩٨.

(٢) غاية المرام ٤ : ٢٦٨.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٩٧ / ٨٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٤٤ / ١٤٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٥ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ذيل الحديث ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٣٠ / ١ ، الإستبصار ٣ : ٤٥ / ١٥١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ١.

(٥) المهذّب البارع ٤ : ٤٩١.

(٦) السرائر ٢ : ١٩٤.

١٩٢

وعلى هذا التنزيل فمآل القولين واحد ، وبه صرّح المولى الأردبيلي رحمه‌الله في شرح الإرشاد (١) ، وإن حكاهما جماعة من الأصحاب (٢) قولين تبعاً للظاهر منهما ، فإنّ إطلاق الحكم في الأوّل بكون ما للرجل للرجل وبالعكس يشمل صورتي قضاء العادة بذلك كما هو الغالب وعدمه. ولا كذلك الثاني ؛ لتفصيله بين الصورتين ، فوافق الأوّل في الأُولى ، وخالفه في الثانية.

ولا ريب أنّ هذا القول أظهر ؛ إذ ليس لمخالفة الأُصول في الصورة الثانية دليل يعتدّ به عدا إطلاق النصوص والإجماعات المنقولة. وفي التمسك به إشكال بعد قوة ما ذكرناه من احتمال وروده مورد الغالب من قضاء العادة بذلك ، وحصول الظهور منها بلا شبهة ، سيّما وأنّ الحلّي (٣) الذي هو أحد نقلة الإجماع كما عرفت استند إلى ذلك معرباً عن عدم كون الحكم بذلك على الإطلاق.

وبهذا القول يجمع بين الأخبار المتقدّمة ( و ) ما ( في رواية ) أُخرى مروية بعدّة طرق صحيحة وموثقة و ( هو ) كون المتاع المتنازع فيه مطلقاً ( للمرأة ) خاصّة ( إلاّ أن يقيم الرجل البيّنة ) قد علم من بين لابتيها يعني من بين جبلي منى أنّ المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع ، ونحن يومئذ بمنى ، كما في بعضها.

وفي آخر : « لو سألت من بين لابتيها » يعني الجبلين ، ونحن يومئذٍ‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١٢ : ٢٥٤.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٣٨١ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٩٨.

(٣) راجع ص ١٩٢.

١٩٣

بمكة « لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل ، فتعطى التي جاءت به ، وهو المدّعى ، فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت بالبيّنة » (١).

بحمل الجميع على ما إذا كان هناك عادة تشهد بالحكم لمن حكم له فيها. والتعليلات في الرواية الأخيرة على الجمع المزبور شاهدة ، وقد مرّ إليه في كلام المهذب الإشارة (٢).

فلا وجه للقول بإطلاق ما في هذه الرواية وقطع النظر عما فيها من العلّة المخصّصة ، كما هو صريح الشيخ في الاستبصار (٣) ، وظاهر الكليني في الكافي (٤) ، والصدوق في الفقيه ، إلاّ أنّه خصّها بالمتاع الذي هو من متاع النساء ، والمتاع الذي يحتاج إليه الرجال كما تحتاج إليه النساء ، قال : فأمّا ما لا يصلح إلاّ للرجال فهو للرجل ، وليس هذا الحديث بمخالف للذي قال : « له ما للرجال ولها ما للنساء » وبالله التوفيق (٥). انتهى.

فإنّ هذه الرواية وإن تعدّد طرقها وصحّت إلاّ أنّها لا تكافؤ الأدلة المتقدمة من وجوه شتّى ، ومنها : ندرة القائل بها ، بل وعدمه صريحاً ؛ لرجوع الشيخ عنها في باقي كتبه إلى المختار صريحاً في بعضها ، وظاهراً فيما عداه (٦) ، والكليني لم يفت بها صريحاً ، وإنّما عنون الباب وحكاها‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٩٧ / ٨٢٩ ، ٨٣٠ ، ٨٣١ ، وج ٩ : ٣٠١ / ١٠٧٨ ، الإستبصار ٣ : ٤٤ / ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ١.

(٢) المتقدم في ص ١٩٢.

(٣) الاستبصار ٣ : ٤٧.

(٤) الكافي ٧ : ١٣١.

(٥) الفقيه ٣ : ٦٥.

(٦) راجع ص ١٨٩.

١٩٤

خاصّة (١) ، وهو وإن كان ظاهراً في فتواه بها ، إلاّ أنّ احتمال تخصيصه لها بما خصّصناها به لمكان التعليل قائم جدّاً.

والصدوق لم يقل بإطلاقها ، بل قيّدها بما مضى ، وهو موافق للقوم إلاّ في حكمه بأنّ ما يصلح لهما للمرأة ، ولا شاهد له فيه ، مع مخالفته الأُصول وإطلاق النصوص ، مع تصريح جملة منها بأنّ مالهما بينهما.

ومنها : الصحيحة التي رواها ، لكنها دلت على ذلك برواية الشيخ خاصّة (٢) ؛ لكونها المتضمنة للحكم المذكور. وأمّا هو فقد رواها مجرّدة عن ذلك ، ولذا زعم حصول الجمع بينهما وبين الرواية الثانية بما ذكره ، وإلاّ فجمعه على رواية الشيخ يتطرق إليه النظر بما عرفته.

وبالجملة : فجمعه على تلك الرواية لا وجه له ، كما لا وجه لجمع الشيخ في الاستبصار (٣) بحمل الرواية الأُولى على التقية ، أو على حكمه عليه‌السلام بذلك صلحاً ومصلحة ، والثانية على مرّ الحق ؛ لبعده ، سيّما الأخير ، مع عدم الداعي له ، بل وعدم إمكان المصير إليه ؛ لفقد التكافؤ بناء على كون الأُولى مشهورة بين الأصحاب بل ومجمعاً عليها ، كما صرح به هو في الخلاف (٤) ، فالشهرة في هذه تقابل المخالفة للعامّة إن صحّت في الرواية الثانية ، بل الشهرة راجحة عليها بمراتب عديدة. فالرواية الأُولى أرجح من الثانية ، فينبغي صرف وجوه الحمل إليها دون الاولى. ولا حمل أجود ممّا ذكرناه ، بل بعد التدبّر فيهما وملاحظة وجه الجمع الذي ذكرناه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٤ / ٨١٨ ، الإستبصار ٣ : ٤٦ / ١٥٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٤.

(٣) الإستبصار ٣ : ٤٧.

(٤) الخلاف ٣ : ٦٤٥.

١٩٥

يظهر عدم التعارض بينهما أصلاً.

( و ) قال الشيخ ( في المبسوط ) : إنّه ( إذا لم يكن ) لهما ( بيّنة ويدهما عليه كان بينهما ) نصفين بعد حلف كل منهما لصاحبه (١). وتبعه الفاضل في ظاهر الإرشاد وصريح القواعد وولده في شرحه (٢) ؛ أخذاً بالعمومات ، وطرحاً للروايات لاختلافها.

وفيه نظر يعلم وجهه ممّا مرّ ، مع أنّ ذلك من الشيخ كما عرفت على جهة الاحتياط ، فإنّه قال بعده : وقد روى أصحابنا أنّ ما يصلح للرجال فللرجل وما يصلح للنساء فللمرأة ، وما يصلح لهما يجعل بينهما. وفي بعض الروايات أنّ الكل للمرأة وعلى الرجل البيّنة ؛ لأنّ من المعلوم أنّ الجهاز ينتقل من بيت المرأة إلى بيت الرجل ، والأوّل أحوط (٣). انتهى.

هذا ، ويحتمل أن يريد من الأوّل ما رواه الأصحاب دون ما أفتى به ؛ لكونه أوّلاً بالنسبة إلى الرواية الثانية. وحاصله حينئذٍ أنّ الرواية الأُولى أحوط.

وبه صرّح في الخلاف ، فقال : إن اختلف الزوجان في متاع البيت فقال كل واحد منهما : كلّه لي ، ولم يكن مع واحد منهما بيّنة نظر فما يصلح للرجال القول قوله مع يمينه ، وما يصلح للنساء فالقول قولها مع يمينها ، وما يصلح لهما كان بينهما. وقد روي أنّ القول في جميع ذلك قول المرأة مع يمينها ، والأول أحوط (٤). انتهى.

__________________

(١) المبسوط ٨ : ٣١٠.

(٢) الإرشاد ٢ : ١٥١ ، القواعد ٢ : ٢٢٣ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٣٨٠.

(٣) المبسوط ٨ : ٣١٠.

(٤) الخلاف ٦ : ٣٥٢.

١٩٦

وكلامه على كلا التقديرين ظاهر في رضاه بالعمل بمذهب الأكثر ، بل وعلى التقدير الثاني يستفاد منه كونه أحوط. وحينئذ فلا وجه لعدّ الشيخ في المبسوط مخالفاً للقول الأول ، إلاّ من حيث تجويزه العمل بما ذكره في المبسوط ، لا من حيث منعه عن العمل بما عليه الأصحاب. وهو في الحقيقة موافق لهم في جواز العمل بما صاروا إليه. وليس الأمر كما يستفاد من موافقيه من تعين العمل بما أفتوا به ، والمنع عن العمل بما عليه القوم.

ومن هنا يظهر مرجّح آخر لما صاروا إليه من حيث موافقة الشيخ لهم في المبسوط أيضاً ، بل مطلقاً ، فإنّ ما ذكره في الاستبصار (١) مع رجوعه عنه غير معلوم كونه فتوى له ، فلعله ذكره لمجرّد الجمع بين الأخبار ، وقد مضى الإشارة إلى مثله مراراً ، هذا.

ولو جمع بينهما بنحو ما قدمناه لكان أظهر وأولى.

ثم إنّ ما ذكره في الاحتياط في الكتابين محل نظر ؛ لأنّه الأخذ بالمتيقن ، وليس في شي‌ء من الأقوال بمتحقق.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه ، وهو أنّ الفاضل المقداد في شرح الكتاب رجّح ما عليه الفاضل في القواعد والإرشاد (٢) ، قال : لما قلنا من تكافؤ الدعويين من غير ترجيح ؛ ولأنّ الحكم لكل بما يصلح له لو كان حقاً لزم الحكم بمال شخص لغيره ؛ لكونه صالحاً لذلك الغير ، وهو باطل. وبيان اللزوم : أنّه جاز أن يموت للمرأة أخ فترث منه عمائم وطيالسة ودراريع وسلاحاً ، ويموت للرجل أُمّ أو أُخت فيرث منها حلياً ومقانع وقمصا مطرزة بالذهب ويكون ذلك تحت أيديهما ، فلو حكم لكل بما‌

__________________

(١) راجع ص ١٩٥.

(٢) راجع ص ١٩٦.

١٩٧

يصلح له لزم الحكم بمال الإنسان لغيره. لا يقال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن نحكم بالظاهر والله تعالى يتولّى السرائر (١) ، وما قلناه هو الظاهر. لأنّا نقول : نمنع أنّ ذلك الظاهر ؛ لأنّ الظاهر هو راجح غير مانع عن النقيض ، ومع ما ذكرنا من الاحتمال الا رجحان. وما ذكره العلاّمة من العرف ممنوع ؛ لأنّه لو كان قاعدة شرعية لزم الحكم بذلك في غير الزوجين لو حصل التداعي بين الرجل والمرأة في متاع هذا شأنه ، وهو باطل (٢). انتهى.

وفيه نظر.

أمّا أوّلاً : فبأنّه اجتهاد في مقابلة الأدلة المتقدمة من النصوص المعتبرة والمستفيضة ، والإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة المحققة والمحكية في كلام جماعة كما عرفته ، وإطراح لجميع ذلك بالكلية. ولا يرتكبه ذو فطنة ودُربة.

وأمّا ثانياً : فبأنّ قوله : لتصادم الدعويين مع عدم الترجيح. إلى آخره ممنوع.

أمّا على القول الأوّل فمطلقاً ؛ لما عرفته من دعوى الحلّي وغيره الرجحان عرفاً وعادة (٣).

وأما على القول الثاني الذي اختاره في المختلف (٤) ففيما إذا حصل الرجحان بالعادة كما هو الغالب ، ولذا ادّعاه الحلي وغيره مطلقاً ، وإنكاره حينئذ لا معنى له ، بل فاسد جدّاً.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٨٦ ، كشف الخفاء ١ : ١٩٣.

(٢) التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٨.

(٣) راجع ص ١٩١.

(٤) المختلف : ٦٩٨.

١٩٨

وإن كان مراده من إنكاره دعوى عدم إمكان حصول الترجيح بالعادة بالكلية وأنّه من الأُمور المحالة عادةً ، فهو أوضح حالاً في الفساد من أن نبيّنه ، كيف لا؟! ولا وجه له عدا ما ذكره من الاحتمال ، وهو بمجرده غير مانع من الظهور ما لم يتساو هو والاحتمال المقابل له ، ولا ريب أنّ ما ذكره من الاحتمال غير مساوٍ للاحتمال الآخر غالباً ، بل هو أرجح إمّا مطلقاً ، كما ادّعاه الحلّي وغيره ، أو في أغلب الأحوال وأكثر العادات ، كما هو المقطوع به الذي لا شك فيه.

وحال الظهور في المسألة لا يقصر عن الظهور المحكوم به في جزئيات مسائل الدعاوي التي ذكرها العلاّمة من نحو ظهور اليد في الملكية. ولا ريب أنّ ما ذكره من الاحتمال مثله بل وأمثاله جارٍ فيها ، سيّما وإذا كان اليد يد نحو السارق والظلَمة. ولا ريب أنّه لا ينافي ظهورها في الملكية عنده وعند العلماء كافّة.

ونحو الظهور في تلك المسائل الظهور المحكوم به في المسألتين السابقتين ، على المشهور في الأُولى منهما ، وعلى قول بل واحتمال في الثانية.

وبالجملة : دعوى عدم إمكان حصول الظهور من العادة مطلقاً مكابرة صرفة لا يرتاب في فسادها ذو مسكة.

وأمّا ثالثاً : فبأنّ قوله : وما ذكره العلاّمة من العرف ممنوع ، إن أراد به منع حكم العرف بالظهور ، فمع أنّه لا يساعده التعليل بقوله : لأنّه لو كان قاعدة شرعية. إلى آخره ، فيه ما عرفته من أنّه مكابرة.

وإن أراد عدم حجّية مثله كما هو الظاهر من التعليل وإن لم يساعده العبارة ، ففيه أوّلاً : أنّه وإن كان مقتضى الأصل كما عرفته ، إلاّ أنّ الخروج‌

١٩٩

عنه لازم بما تقدم من الأدلة من النصوص والإجماعات المنقولة. فالقول بحجّية الظهور في المسألة مستند إليها ، وهو لا يوجب حجّيته مطلقاً حتى فيما نقض وعارض به العلاّمة ممّا لم يتحقق فيه مثل تلك الأدلة.

نعم ربما يرد عليه النقض بما ذكره من حيث استناده إلى الاستقراء المفيد لحجيّة الظهور في الدعاوي كلّية ، ولكن للعلاّمة الذبّ عنه بالتزامه الحكم في كل ما لم يقم الدليل على خلافه من إجماع أو غيره. ودعواه حينئذٍ بطلان اللازم غير مجدٍ لالتزامه به ، بل لا يجدي إلاّ حيثما يعترف بالبطلان فيه ، ولعله لا يعترف به إلاّ حيث يقوم دليل عليه فيه. ومعه النقض غير مانع ؛ لكون الدليل حينئذٍ هو الفارق ، ولولاه لالتزم بالحكم فيما نقض به ، فكيف يدّعي بطلانه فيه؟.

وثانياً : بأنّ إنكار حجّيته إن كان من حيث منعه حصوله فقد قدّمه ، ولا وجه لإعادته ، بل ولا لنقضه. وإن كان من حيث عدم دليل عنده على حجّيّته مع تسليم ظهوره ، ففيه بعد ما عرفت من وجود الدليل عليها إمّا مطلقاً أو فيما نحن فيه خاصّة ـ : أنّ الحديث المذكور في كلامه دليل على حجّيته حتى باعترافه ، حيث إنّه لم يناقش فيه لا في سنده ولا في دلالته ، وإنّما منع حصول الظهور فيما نحن فيه ، فإذا سلّمه كما هو المفروض فلا ينبغي أن يتكلم في حجّيته.

٢٠٠