رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦

ابني مات وترك مالاً في يد أخي فأتلفه ، ثمّ أفاد مالاً فأودعنيه ، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شي‌ء؟ فأخبرته بذلك فقال : « لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدّ الأمانة إلى ما ائتمنك ، ولا تخن من خانك » (١).

وفي الجميع نظر : فالأوّل : بأنّ غايته أنّه رواية صحيحة لا تعارض ما قدمناه من الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون لنا الآن إجماعاً.

والثاني : أوّلاً : بالمعارضة بالمثل من الكتاب والسنّة الدالة على جواز الاعتداء على المعتدي بمثل ما اعتدى به ، وهذا أرجح بالشهرة والاتفاق على العمل بها في مسألة التقاصّ ولو في الجملة ، والتأيّد بأدلة نفي الضرر والعسر والحرج في الشريعة ، فتأمّل.

وثانياً : بأنّه ليس بأولى من عمومات الأدلة الدالة على حرمة التصرف في مال الغير بغير رخصة وأنّه خيانة ، فكما خصّصت بأدلة جواز المقاصة فلتكن العمومات المستدل بها هنا أيضاً مخصّصة.

والثالث : أوّلاً : بما أُجيب به عن الإجماع المتقدم.

وثانياً : بعدم الصراحة ؛ لاحتمالها الحمل على الكراهة ، أو على ما إذا لم يجتمع بعض شروط جواز المقاصّة المتقدمة التي منها عدم التمكن من الانتزاع منه إلاّ بها ، وعدم إحلافه سابقاً ، وغير ذلك ، فتحمل على صورة التمكن منه بغيرها أو إحلافه.

ويعضده تضمن هذه الروايات النهي عن الخيانة ، ولا يحصل مع الأخذ مقاصّة ؛ لأنّه في قوّة أداء الأمانة إلى من ائتمنه ؛ لأنّه وفى منها دينه‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٤٨ / ٩٨١ ، الإستبصار ٣ : ٥٢ / ١٧٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨٣ ح ٣.

١٦١

بإذن الشارع العام كما سبق ، فكان بمنزلة أدائها إلى وكيله ، وأداء الأمانة إليه قائم مقام الأداء إلى المالك ، ولا تتحقق الخيانة بذلك ؛ لأنّ استيفاء الحق ليس بخيانة ، وإنّما مقتضى الخيانة أكل الوديعة بغير حق.

وإلى هذا يشير جملة من الروايات المتقدمة المتضمنة للدعاء ، فإنّ في جملته : « اللهم إنّي لم آخذه ظلماً ولا خيانةً ، وإنّما أخذته بدل مالي الذي أخذه » (١) وهو كما ترى ظاهر في أنّ الأخذ بدل الحق ليس ظلماً ولا خيانة.

وقريب منها في الدلالة عليه الخبر : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف ، وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها ، فكتب : « لا تأخذ منه شيئاً ، إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولو لا أنّك رضيت بيمينه ، فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ، ولكنّك رضيت بيمينه ، فقد مضت اليمين بما فيها » (٢) الخبر.

وهو كما ترى ظاهر في اختصاص اتصاف الأخذ بالظلم بصورة فقد شرط المقاصّة ، وعدمه في صورة وجوده ، وعلى هذا فلا تنافي بين الأخبار.

( وفي سماع الدعوى المجهولة ) كشي‌ء أو ثوب أو فرس ( تردّد ) واختلاف بين الأصحاب ، فبين :

مانع عنه ، كالشيخ في المبسوط ، والحلّي في السرائر ، والفاضل في التحرير ، والشهيد في الدروس (٣) ، جازمين به ؛ لعدم فائدتها ، وهو حكم‌

__________________

(١) راجع ص ١٥٦.

(٢) الكافي ٧ : ٤٣٠ / ١٤ ، التهذيب ٦ : ٢٨٩ / ٨٠٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٦ أبواب كيفية الحكم ب ١٠ ح ٢.

(٣) المبسوط ٨ : ٢٥٩ ، السرائر ٢ : ١٧٧ ، التحرير ٢ : ١٨٦ ، الدروس ٢ : ٨٤.

١٦٢

الحاكم بها لو أجاب المنكر بنعم ، بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته ، والقيمي بقيمته ، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها وإن كان البيع وشبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد ؛ لأنّه إيجاب في الحال وهو غير مختلف ، والدعوى إخبار عن الماضي وهو مختلف.

وقائل بأنّ ( أشبهه الجواز ) كالماتن هنا ، والفاضل في الإرشاد والقواعد ، وفخر الدين في شرحه ، وشيخنا في المسالك والروضة (١) ، واختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة (٢) ؛ لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الحكم من الكتاب والسنّة ، وما ذكر في وجه المنع غير صالح للتقييد والمانعية ؛ لإمكان الحكم بالمجهول ، فيحبس حتى يبيّنه كالإقرار ، ولأنّ المدّعى ربما يعلم حقه بوجه ما خاصّة بأن يعلم أنّ له عنده ثوباً ، أو فرساً ، ولا يعلم شخصهما ، ولا وصفهما ، فلو لم تسمع دعواه لبطل حقه ، فالمقتضي له موجود والمانع مفقود.

ولأنّه تسمع دعوى الوصيّة بالمجهول ، والإقرار به ، ويستفسره الحاكم ، بلا خلاف ، كما في الإيضاح والمسالك وشرح الشرائع للصيمري والكفاية (٣) ، بل إجماعاً كما في التنقيح (٤) ، فكذا يصح الدعوى ويستفسره الحاكم ، وإلاّ لزم الحرج والضرر ، مع عدم تعقل فرق بين الإقرار والدعوى‌

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٤٣ ، ١٤٤ ، القواعد ٢ : ٢٠٨ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٣٢٧ ، المسالك ٢ : ٣٦٦ ، الروضة ٣ : ٧٩.

(٢) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٢ : ١١٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٦٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٣٥.

(٣) إيضاح الفوائد ٤ : ٣٢٧ ، المسالك ٢ : ٣٦٦ ، غاية المرام ٤ : ٢٢٨ ، الكفاية : ٢٦٦.

(٤) التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٠.

١٦٣

إلاّ من حيث إنّ المقرّ لو طولب بالتفصيل خيف من رجوعه ، والمدّعي لا يرجع ؛ لوجود داعي الحاجة فيه دونه ، وهو غير كاف في ذلك ؛ لما ذكرنا.

وهذا أقوى ، وعليه فيلزم الخصم ببيان الحق المقرّ به ، أو المثبت عليه بالبيّنة ، ويقبل تفسيره بمسمّى الدعوى ، ويحلف على نفي الزائد ، أو عدم العلم به إن ادّعي عليه أحدهما. ومنه يظهر أيضاً ضعف ما مرّ في وجه المنع من دعوى عدم الفائدة في الحكم بالدعوى المجهولة ، فإنّ ما ذكرناه فائدة وأيّ فائدة.

وهنا‌ ( مسائل ) خمس :

( الاولى : من انفرد بالدعوى لما لا يد ) لأحد ( عليه قضي له به ) وأنّه ملكه يجوز ابتياعه منه والتصرف فيه بإذنه ، بلا خلاف ؛ لأنّه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدّعى منه ، ولا لمطالبته البيّنة ، ولا لإحلافه ؛ إذ لا خصم حتى يترتب عليه ذلك.

وربما يستدل عليه بعد الإجماع بل الضرورة بوجوب حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحة.

وهو بعد تسليم قيام دليل عليه سوى الإجماع أخصّ من المدّعى.

( ومن هذا ) الباب ( أن يكون بين جماعة كيس ، فيدّعيه أحدهم ) من غير منازع له منهم ولا من غيرهم ، فإنّه يقضى به له دون الباقين ، كما في الموثق بل الصحيح كما قيل (١) وفيه : قلت عشرة كانوا جلوساً ، ووسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضاً : ألكم هذا الكيس؟

__________________

(١) انظر الكفاية : ٢٧٥.

١٦٤

فقالوا كلهم : لا ، فقال واحد منهم : هو لي ، قال : « هو للذي ادّعاه » (١).

( الثانية : لو انكسرت سفينة ) مشغولة بأموال محترمة وغرقت ( في البحر ) وما شاكله ( فما أخرجه البحر ) منها ( فهو لأهله ، وما أُخرج ) منها ( بالغوص فهو لمخرجه ) كما في النهاية والإرشاد (٢) ؛ لرواية أُميّة بن عمرو عن الشعيري قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن سفينة انكسرت في البحر ، فاخرج بعضه بالغوص ، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، فقال : « ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله تعالى أخرجه ، وأمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم ، وهم أحقّ به » (٣).

( وفي الرواية ) كما ترى ( ضعف ) أو قصور ، ومخالفة للأُصول ؛ لأنّ الإخراج بالغوص لا يوجب خروجه عن ملك المالك ؛ لعدم دليل على كون الغوص من المملّكات ، إلاّ أنّ العمل بها كما في ظاهر المسالك وصريح الكفاية (٤) مشهور.

وصرح الحلّي في السرائر بالإجماع عليها بعد أن قيّدها بصورة يأس أرباب الأموال عنها ؛ فإنّه قال بعد نقلها ـ : وجه الفقه في هذا الحديث أنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه ، وما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده وغاص عليه ؛ لأنّه صار بمنزلة المباح ، ومثله من ترك بعيره من جهد في غير كلاء وماء ، فهو لمن أخذه ؛ لأنّه خلاّه آيساً منه ورفع يده عنه ، فصار مباحاً ، وليس هذا قياساً ؛ لأنّ مذهبنا ترك القياس ، وإنّما هذا على جهة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢٢ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٩٢ / ٨١٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٧ ح ١.

(٢) النهاية : ٣٥١ ، الإرشاد ٢ : ١٤٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٩٥ / ٨٢٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٥ أبواب اللقطة ب ١١ ح ٢.

(٤) المسالك ٢ : ٣٨٩ ، الكفاية : ٢٧٥.

١٦٥

المثال ، فالمرجع فيه إلى الإجماع وتواتر النصوص ، دون القياس والاجتهاد ، وعلى الخبر إجماع أصحابنا منعقد (١) انتهى.

فإن جبرناها بالإجماع والشهرة المنقولين ، وإلاّ ففي العمل بها لما مضى إليه الإشارة مناقشة ، كما هو ظاهر الماتن هنا وفي الشرائع (٢) ، وصريح جماعة (٣).

واختلفوا في تنزيلها : فأبو العباس في مقتصره (٤) نزّله على ما ذكره الحلّي من التقييد بصورة اليأس ، وآخرون (٥) نزّلوه على صورة الإعراض عنها ، كالمحقرات التي يعرض عنها ، كما لو احتطب المسافر وخبز به أو طبخ ثم ترك الباقي معرضاً عنه ؛ فإنّه يجوز لغيره أخذه.

وهم بين مطلق لحصول الملك للآخذ بإعراض المالك ، ومقيّد له بكونه في المهلكة وبعد الاجتهاد في الغوص والتفتيش ، وأمّا لو خلى عن المهلكة ، أو لم يبالغ في التفتيش فإنّه لا يخرج عن الملك.

وفي الجميع نظر ؛ لعدم قيام دليل على جواز تملك الأموال بيأس أربابها ، أو إعراضها عنها مطلقاً.

نعم غاية الأخير إفادة الإباحة ، ومع ذلك لا يصلح شي‌ء منها توجيهاً للرواية ؛ إذ بعد تسليم صحتها لا تختص بإفادة التمليك في صورة الغوص خاصّة ، بل يجري في صورة إخراج البحر لها أيضاً ، مع أنّ الرواية صرّحت‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٩٥.

(٢) الشرائع ٤ : ١٠٩.

(٣) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٢٧١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٧٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٤٤.

(٤) المقتصر : ٣٨٠.

(٥) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ٢١٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٨٩.

١٦٦

بأنّها حينئذ لأربابها ، إلاّ أن يذبّ عن هذا بالإجماع. وفيه نظر.

والأولى وفاقاً للفاضل المقداد في شرح الكتاب وغيره (١) ، عدم خروج شي‌ء من ملك مالكه بشي‌ء من ذلك.

نعم لو علم الإعراض منه يقيناً أفاد إباحة لا ملكاً ، فلو استردّه المالك من الآخذ كان له ذلك مع وجود العين ، ولا مع تلفها ؛ للأصل في المقامين ، مع وقوع التلف بإذنه المستفاد من إعراضه في الثاني فلا يتعقبه ضمان اليد ، فتدبّر.

وحيث أخذ من دون علم بالإعراض كان حكمه حكم اللقطة ، أو المال المجهول المالك.

( الثالثة : روى ) الشيخ ( في ) التهذيب في أوائل باب الزيادات من هذا الكتاب بسنده عن محمّد بن يحيى ، عن علي بن إسماعيل ، عن محمّد بن عمرو بالواو في نسخة وبدونها في أُخرى عن علي بن الحسين ، عن حريز ، عن أبي عبيدة قال : قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : ( رجل دفع إلى رجل ) ألف درهم ، وعبّر عنها الماتن بـ ( دراهم ) اختصاراً مع عدم اختلاف المعنى ، وليس فيها كون الدفع ( بضاعة ) كما ذكره الماتن وغيره (٢) ، ولا مضاربة كما في السرائر (٣) ، وإن كان الظاهر منها أحدهما ، بل فيها بعد ما مرّ بلا فصل ( يخلطها بماله ويتّجر بها ) قال : ( فـ ) لمّا طلبها منه ( قال : ذهبت ) وفي الرواية ذهب المال ، والمعنى واحد ( وكان لغيره ) أي لغير الدافع ( معه ) أي مع المدفوع إليه‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٢ ؛ وانظر المسالك ٢ : ٣٨٩.

(٢) التنقيح الرائع ٤ : ٢٧٣.

(٣) السرائر ٢ : ٣٨.

١٦٧

مثلها ( مال كثير ) لغير واحد ( فـ ) قال : كيف صنع أُولئك؟ قال : ( أخذوا أموالهم ) فـ ( قال ) أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام جميعاً : ( يرجع ) أي الدافع ( عليه ) أي على المدفوع إليه ( بماله ) الذي دفعه إليه ( ويرجع هو ) أي المدفوع إليه ( على أُولئك بما أخذوا ) (١).

وهذه الرواية مع قصور سندها كما ترى مخالفة للأُصول جدّاً ؛ لأنّ الدفع فيها على جهة الأمانة بضاعة كانت أو غيرها ، ومقتضاها عدم ضمان الأمين للعين بعد تلفها ، إلاّ أن يكون فرّط أو تعدّى ، وليس لذكرهما في الرواية عين ولا أثر أصلاً ، وعلى تقدير الضمان بهما فلا وجه لرجوع الغارم بما غرمه إلى أُولئك الذين لهم المال ؛ إذ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) : فلهذا قال الماتن هنا وفي النكت (٢) وغيره من الأصحاب (٣) : ( ويمكن حمل ذلك ) أي الحكم برجوع صاحب البضاعة على العامل بما له ، ورجوعه على أُولئك بما أخذوا ( على من ) أي عاملٍ ( خلط المال ) المدفوع إليه بأموال أولئك ( و ) الحال أنّه ( لم يأذن صاحبه ) في ذلك ( وأذن له الباقون ) فيه.

والأصل في هذا الحمل الحلّي في السرائر ، حيث قال بعد نقل الخبر : هذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ووجه الفقه والفتيا عندي على تسليم الخبر ، أنّ الأوّل دفع المال إليه فخلطه بغيره ، فلمّا خلطه بغيره‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣١ / ١٦ ، التهذيب ٦ : ٢٨٨ / ٧٩٩ ، الوسائل ١٨ : ٤١٧ أبواب أحكام الحجر ب ٦ ح ٢.

(٢) نكت النهاية ٢ : ٨١.

(٣) كالفاضل في التحرير ٢ : ٢٠٥ ، وأبي العباس في المهذب ٤ : ٤٨٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٢٧٣ ، والحلّي في السرائر ٢ : ١٨٦ ، كما يأتي. منه رحمه‌الله.

١٦٨

فرّط فيه بالخلط فضمنه ، وأصحاب الأموال الباقية خلط أموالهم بإذنهم ، والأوّل خلط ماله في أموالهم بغير إذنه ، فيجب عليه الضمان للأوّل جميع ماله ، فلمّا أخذ أصحاب الأموال الذين أذنوا في الخلط ورضوا به أموالهم على التمام والكمال ، فقد أخذوا ما لم يكن لهم ، بل الواجب تسليم مال من لم يأذن بالخلط [ على الكمال ، ويدخل النقصان والخسران على الباقين ، فلمّا أخذوا المال رجع صاحب المال الذي لم يأذن بالخلط (١) ] على المضارب المفرّط بالخلط بجميع ماله ، ورجع المضارب على من أخذ المال بقدر ما غرم.

وقوله في الخبر : يخلطها بماله ويتجر بها ، المعنى فيه : خلطها بماله واتّجر بها ، وإن كان أتى به بلفظ المستقبل ، فقد يأتي المستقبل بمعنى الماضي ، وهذا كثير في كلام العرب والقرآن ، قال الله تعالى ( وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ ) (٢) معناه : ينادي ، قال الشاعر :

وانضح جوانب قبره بدمائها

فلقد يكون أخادم وذبائح (٣)

معناه : فلقد كان ، بغير شك (٤). انتهى.

وفي استشهاده بالآية وحكمه كباقي الجماعة برجوع الغارم إلى الباقين بجميع ما غرمه مناقشة واضحة (٥). مع عدم تمامية الحمل المزبور إلاّ‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الأعراف : ٤٨.

(٣) بيت من قصيدة لزياد بن سليمان الأعجم يرثي بها المغيرة بن المهلّب. الأغاني ١٥ : ٣٨١.

(٤) السرائر ٢ : ١٨٦.

(٥) أمّا في الاستشهاد بالآية فلأنّ الذي فيها الماضي بدل المستقبل ، لا بالعكس كما

١٦٩

بعد تقييدات أُخر في الخبر ليس لشي‌ء منها فيه عين ولا أثر.

ومع ذلك لا احتياج لتكلفاته في حمل يخلط على معنى خلط ؛ لعدم منافاته الحمل المزبور من حيث كون متعلقه طلب الخلط بمال المدفوع إليه خاصّة دون مال أولئك الجماعة ، ومبنى الحمل على المزج بأموالهم دون مال المدفوع إليه خاصّة ، ولذا حكم بضمانهم ما أخذوه.

ولكن الأمر سهل بعد ما عرفت من قصور السند والمخالفة للأصل ، مع اتفاقهم على الظاهر على عدم العمل بها ، وإن كان الظاهر منهم عدم المناقشة فيها من حيث السند ؛ لنسبتهم إيّاها إلى حريز خاصّة عن أبي عبيدة معربين عن صحته إليه ، ولعلهم أخذوها من كتابه فتكون صحيحة ، ولكن يكفي في ردّها عدم عملهم بها ، مع كونها للأُصول مخالفة.

( الرابعة : لو وضع المستأجر الأُجرة على يد أمين ) له ( فتلفت كان المستأجر ضامناً ) يجب عليه غرامتها للأجير ( إلاّ أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك ) ورخّصه في دفعها إلى الأمين ( فحقّه ) حينئذ ( حيث وضعه ) لأنّه‌

ـــــــــــــــــ

هو محل البحث. وأمّا الحكم برجوع الغارم إلى الباقين بجميع ما غرمه ، فلأنّه لا داعي له ولا موجب له بالكليّة غير تصرّفهم في ملك الدافع ، وهو ليس إلاّ الباقي بعد التلف بالنسبة ، فلو كان مال الدافع عشرة مثلاً ومال الباقين تسعين ، وتلف من المجموع الممزوج بعضها ببعض البالغ مائة ، عشرة يكون التالف موزّعاً على كل منهم بنسبة ماله ، فلو كانوا عشرة لزم كل واحد منهم النقص بواحد ، فبموجب ذلك يكون النقص على الدافع واحداً يأخذه من المدفوع إليه بضمانه ، ويبقى من ماله تسعة فتكون هي التي أخذها الباقون ووجب عليهم ضمانها ، ولا موجب لضمانهم العاشر الذي غرمه الدافع أيضاً ؛ لعدم أخذهم إيّاه ، وإنّما يضمن المدفوع إليه خاصّة للدافع لمكان تفريطه ، فسبب الضمان فيه مختص به دونهم ، ولا وجه لضمانهم بعد فرض أن سبب ضمانهم هو الأخذ ، فإنّهم لم يأخذوه ، بل أخذوا التسعة لا غير منه رحمه‌الله.

١٧٠

ملك الأُجرة بنفس العقد ، فإذا عيّن أحداً لقبضها كان ذلك القابض وكيلاً له ، وقبض الوكيل قبض الموكل ، فيدخل في ضمان الأجير بقبض وكيله ، بخلاف الصورة الأُولى فإنّ الأُجرة في ضمان المستأجر حتى يقبضها الأجير ، وذلك الذي وضعت الأُجرة عنده ليس وكيلاً للأجير ، فتكون باقية على ضمان المستأجر.

وللحسن ، بل الصحيح المروي في التهذيب في الباب المتقدم : عن رجل استأجر أجيراً فلم يأمن أحدهما صاحبه ، فوضع الأجر على يد رجل فهلك ذلك الرجل ولم يدع وفاء واستهلك الأجر؟ فقال : « المستأجر ضامن لأجر الأجير حتى يقضي ، إلاّ أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فرضي بالرجل ، فإن فعل فحقه حيث وضعه ورضي به » (١).

( الخامسة : ) يجوز أن ( يقضى على الغائب ) عن مجلس الحكم ( مع قيام البيّنة ) عليه بالحق ( ويباع ماله ويقضى دينه ويكون الغائب على حجته ) إذا قدم ، بلا خلاف عندنا فيه في الجملة ، بل ظاهر الشهيدين في النكت والمسالك وغيرهما (٢) أنّ عليه إجماع الإمامية ، وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين سنداً ولو لم يبلغ درجة الصحة ، مع احتمالها في سند أحدهما ، وفيهما : « الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة ، ويباع ماله ، ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجته إذا قدم » قال : « ولا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلاّ بكفلاء » (٣).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣١ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ١٠٧ / ٤٤٥ ، التهذيب ٦ : ٢٨٩ / ٨٠١ ، الوسائل ١٩ : ١٠٩ كتاب الإجارة ب ٦ ح ١.

(٢) غاية المراد ( مخطوط ) الورقة : ٢٥٥ ، المسالك ٢ : ٣٧٠ ؛ وانظر الكفاية : ٢٦٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٩٦ / ٨٢٧ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٦ ح ١.

١٧١

والخبر المستفيض عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قيل (١) أنّه قال لهند زوجة أبي سفيان وقد قالت : إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي ـ : « خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » (٢) وكان أبو سفيان غائباً عن المجلس.

وإطلاق العبارة ونحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الغائب بين كونه غائباً عن البلد ، أو حاضراً فيه متعذّراً عليه حضوره المجلس أم لا.

ولا خلاف فيه في الأوّل مطلقا سواء كان بعيداً أو قريباً. وكذا في الثاني إذا كان الحضور عليه متعذّراً ، بل عليه الوفاق في المسالك (٣) ، والإجماع في غيره (٤).

واختلفوا فيه مع عدم تعذّر الحضور عليه على قولين ، فبين :

مانع عن القضاء عليه حينئذ ، كالشيخ في المبسوط (٥) ؛ معلّلاً بأنّ القضاء على الغائب موضع ضرورة فيقتصر فيه على محلّها ؛ وأنّه ربما وجد مطعناً ومدفعاً ، وجاز الحكم في الغائب للمشقّة بطول انتظاره. ومال إليه المقدس الأردبيلي (٦) رحمه‌الله.

وبين مجوّز كالفاضلين والشهيدين وفخر الدين وغيرهم من متأخّري‌

__________________

(١) قاله في المسالك ٢ : ٣٧٠.

(٢) المتقدم في ص ١٥٥.

(٣) المسالك ٢ : ٣٧٠.

(٤) انظر الخلاف ٦ : ٢٣٩.

(٥) المبسوط ٨ : ١٦٢.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان ١٢ : ٢٠٥.

١٧٢

أصحابنا (١) ، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً ، قالوا : لعموم الأدلة. ولم أقف عليها عدا الروايات المتقدمة ، ولا عموم في الأخيرة منها بعد تسليم سندها ودلالتها على أصل الحكم في المسألة ؛ لأنّها قضية في واقعة فلا تكون عامّة ، ولفظ الغائب فيما عداها وإن كان مطلقاً إلاّ أنّ المتبادر منه الغائب عن البلد خاصّة.

اللهم إلاّ أن يكون المراد من الأدلة المستدل بعمومها ما دل على لزوم الحكم بالبيّنة (٢) ، مع عدم مانع لها بالكلية ؛ لأنّ الغائب إن كان منكراً فالبيّنة قامت عليه ، وإن كان مقرّاً فالبيّنة مؤكّدة لإقراره ، فعلى كل تقدير لا مانع من الحكم. وهذا أيضاً ربما لا يخلو عن نظر.

وكيف كان ، لا ريب أنّ القول الأوّل أحوط إن لم يتعين.

( و ) اعلم أنّ ما تضمنه المعتبران من أنّه ( لا يدفع إليه المال إلاّ بكفلاء ) هو مذهب الشيخ في النهاية والقاضي والحلّي والماتن هنا وفي الشرائع (٣). ومال إليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (٤) ، واختاره صاحب الكفاية (٥).

خلافاً لابن حمزة ، فلم يذكر التكفيل (٦) ، بل أوجب على الغريم بدله‌

__________________

(١) المحقق في الشرائع ٤ : ٨٦ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٢١٦ ، الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٩١ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٧٠ ، فخر الدين في إيضاح الفوائد ٤ : ٣٥٧ ؛ وانظر الكفاية : ٢٦٩ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٤٧.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ أبواب كيفية الحكم ب ١.

(٣) النهاية : ٣٥٢ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٨٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٩٥ ، الشرائع ٤ : ٨٥.

(٤) المسالك ٢ : ٣٧٠ ، الروضة ٣ : ١٠٤.

(٥) الكفاية : ٢٦٩.

(٦) الوسيلة : ٢١٤.

١٧٣

اليمين ، وتبعه الفاضل وجملة ممن تبعه (١) ، وادعى عليه الشهرة جماعة ، كالصيمري وصاحب الكفاية (٢) ، وقد مرّ في بحث الدعوى على الميت إلى مستندهم الإشارة ، وقد عرفت جوابه.

ونزيد عليه هنا بأنّه اجتهاد في مقابلة الرواية المعتبرة في نفسها ، المعتضدة بعمل الطائفة ولو في أصل المسألة ، ولا ريب أنّ الجمع بين الأمرين حيث يرضى به الغريم أحوط ، وإلاّ فالعمل بالرواية متعين (٣).

ثم إنّ جواز الحكم على الغائب يختص عندنا وعند كلّ من قال به من العامة العمياء بما إذا كان الحق الثابت عليه بالبيّنة من حقوق الآدميين مطلقاً (٤) ، دون حقوق الله تعالى إذا كانت محضاً وكذا إذا كانت بحقهم مشوبة ، كالسرقة ، بلا خلاف أجده إلاّ من الماتن في الشرائع (٥) ، حيث تردّد في جواز القضاء بالقطع في المثال :

من حيث إنّه حق الله تعالى فينبغي أن لا يثبت ؛ لبنائها على التخفيف اتفاقاً.

ومن الاتفاق على ثبوت حق الآدمي فيه وهو يستلزم ثبوت حقه سبحانه ؛ لأنّهما معلولا علّة واحدة ، ولا يثبت أحدهما بدون الآخر.

وفي المسالك أنّ باقي الأصحاب قطعوا بالفرق وانتفاء القطع ؛ نظراً‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٢١٠ ، التحرير ٢ : ١٨٧ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٣٣٤ ، الدروس ٢ : ٩٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ) ٣ : ١٠٤.

(٢) غاية المرام ٤ : ٢٣٣ ، الكفاية : ٢٦٩.

(٣) في « ب » : متّجه.

(٤) أي مالاً كانت أو عقود المعاوضات أم غيرها كالنكاح والطلاق والعتق والجنايات والقصاص. منه رحمه‌الله.

(٥) الشرائع ٤ : ٨٦.

١٧٤

إلى وجود المانع من الحكم في أحدهما دون الآخر ، وتخلف أحد المعلولين لمانع واقع كثيراً ، ومنه في هذا المثال ما لو أقرّ بالسرقة مرّة فإنّه يثبت عليه المال دون القطع ، ولو كان المقرّ محجوراً عليه في المال يثبت في القطع دون المال ، فليكن هناك كذلك ، والأصل فيه أنّ هذه ليست عللاً حقيقية ، وإنّما هي معرفات الأحكام (١) ، انتهى. وهو حسن.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٧٠.

١٧٥

( الفصل الثاني )

( في ) بيان أحكام ( الاختلاف في الدعوى ، وفيه ) أيضاً ( مسائل ) خمس :

( الاولى : لو كان في يد رجل وامرأة جارية ) صغيرة ( فادّعى ) الرجل ( أنّها مملوكته ، وادّعت المرأة حريتها وأنّها ابنتها ، فإن أقام أحدهما بيّنة ) على ما يدّعيه ( قضي له ) بها ( وإلاّ ) يقيما البيّنة على المدّعى ( تركت الجارية تذهب حيث شاءت ) للخبر المروي في الكافي في باب قبل باب النوادر من هذا الكتاب ، وفي التهذيب في أواسط باب تعارض البيّنات بسند فيه سهل ، وضعفه على الأشهر سهل ، بل قيل : ثقة (١). مع أنّه في الأوّل بسند حسن كالصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه (٢) مروي.

وفيه : عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة ، ادّعى الرجل أنّها مملوكة له ، وادّعت المرأة أنّها ابنتها ، فقال : « قد قضى في هذا عليٌّ عليه‌السلام » قلت : وما قضى في هذا؟ قال : « كان يقول : الناس كلّهم أحرار إلاّ من أقرّ على نفسه بالرقّ وهو مدرك. ومن أقام بيّنة على عبد أو أمة فإنّه يدفع إليه يكون له رقّاً » قلت : فما ترى أنت؟ قال : « أرى أن أسأل الذي ادّعى أنّها مملوكة له بيّنة على ما ادّعى ، فإن أحضر شهوداً يشهدون أنّها مملوكة له لا يعلمونه باع ولا وهب ، دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤١٦ / ٤.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

١٧٦

يشهد لها أنّ الجارية ابنتها حرّة مثلها ، فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل » قلت : فإن لم يقم الرجل شهوداً أنّها مملوكة له؟ قال : « تخرج من يده ، فإن أقامت المرأة البينة على أنّها ابنتها دفعت إليها ، وإن لم يقم الرجل البيّنة على ما ادّعاه ولم تقم المرأة البيّنة على ما ادّعت خلّي سبيل الجارية ، تذهب حيث شاءت ».

ويستفاد منه ومن العبارة عدم ثبوت نسب الصغير بإقرار الأُمّ ، حيث اشترطا في إلحاق الجارية بها إقامتها البيّنة على أنّها ابنتها ، وهو أحد القولين في المسألة.

خلافاً لجماعة (١) ؛ للصحيحين المتقدمين مع تمام التحقيق فيها في بحث الإقرار (٢) ، إلاّ أنّ هذا الرواية لم تذكر ثمّة.

وللجماعة الذبّ عنها أوّلاً : بعدم مكافأتها للصحيحين سنداً وعدداً.

وثانياً : بقوّة احتمال خروجها عن موضوع المسألة جدّاً ؛ لاشتراط من يكتفي في ثبوت النسب بإقرار الأُمّ عدم منازع لها فيه. وأما مع المنازع كما فيما نحن فيه فلا يلحق بأحدهما مع عدم البيّنة قولاً واحداً. وإنّما يترك الجارية تذهب حيث شاءت ؛ لأصالة الحرّية المستفادة من صدر الرواية وغيرها من المعتبرة التي مضت إليها الإشارة ثمة.

فلا إشكال ولا خلاف فيما تضمّنته الرواية.

ولم أقف على تعرّض لذكر مضمونها عدا الماتن هنا والشيخ في النهاية (٣) ، والحلّي في السرائر لكن على تفصيل ، فقال : وقد روى أصحابنا‌

__________________

(١) انظر النهاية : ٦٨٤ ، والمبسوط ٣ : ٣٨ ، والوسيلة : ٢٢٥ ، والجامع للشرائع : ٣٤٣ ، والإرشاد ١ : ٤١١ ، والتذكرة ٢ : ١٧٣.

(٢) راجع ج ١٣ ص ١٥٢.

(٣) النهاية : ٣٤٤.

١٧٧

أنه إذا كانت جارية مع رجل وامرأة ، فادّعى الرجل أنّها مملوكته ، وادّعت المرأة أنّها ابنتها وهي حرّة ، وأنكرت الجارية الدعويين جميعاً كان على الرجل البيّنة بأنّ هذه الجارية مملوكته لم يبعها ولم يعتقها ، فإن أقام البيّنة بذلك سلّمت إليه ، وكذلك إن أقرّت الجارية أنّها مملوكته وكانت بالغة سلّمت إليه ، وإن لم يقم بيّنة ولا تكون هي بالغة ، أو تكون بالغةً غير أنّها لا تقرّ انتزعت من يده ، فإن أقامت المرأة بيّنة أنّها بنتها سلّمت إليها إذا كانت صغيرة ، وإن لم تكن لها بيّنة تركت الجارية تمضي حيث شاءت (١). انتهى.

وظاهره كما ترى وجود رواية على التفصيل الذي ذكره ، ولم أقف عليها ، والرواية التي قدمناها خالية عن هذا التفصيل كما ترى ، مع وقوع التصريح فيها بعدم كون الجارية بالغة.

( الثانية : ) ظاهر اليد يقتضي الملكية ما لم يعارضه البيّنة ، بلا خلاف فيه أجده ، وربما كان ذلك إجماعاً ، بل ضرورة. والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في فصل تعارض البينة ـ : الخبر المروي في الكتب الثلاثة ، وفيه : أرأيت إذا رأيتُ شيئاً في يد رجل أيجوز أن أشهد أنّه له؟ فقال : « نعم » قلت : فلعلّه لغيره ، قال عليه‌السلام : « ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ، ثم تقول بعد الملك : هو لي ، وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله؟ » ثم قال عليه‌السلام : « ولو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق » (٢).

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٧١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٧ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣١ / ٩٢ ، التهذيب ٦ : ٢٦١ / ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٥ ح ٢.

١٧٨

وقريب منه الخبر المروي في الوسائل عن تفسير علي بن إبراهيم صحيحاً ، وعن الاحتجاج مرسلاً عن مولانا الصادق عليه‌السلام في حديث فدك : « إنّ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر : تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين؟ قال : لا ، قال : فإن كان في يد المسلمين شي‌ء يملكونه ادّعيت أنا فيه ، من تسأل البيّنة؟ قال : إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين ، قال : فإذا كان في يدي شي‌ء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليَّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟ » الخبر (١).

وحينئذٍ فـ ( لو تنازعا عيناً ) وقال كل منهما : إنّ جميعها لي ، ولا بيّنة لهما ، فإن كانت ( في يدهما ) وتصرّفهما كثوب في يدهما أو دار سكناها ( قضي ) بها ( لهما ) بينهما ( بالسويّة ، ولكل منهما إحلاف صاحبه ) على نفي ما يدّعيه ممّا في يده ، ولا يتعرض واحد منهما في حلفه لإثبات ما في يده ، بل يقتصر على أنّه لا حقّ لصاحبه ممّا في يده. فإن حلفا أو نكلا قضي بالسوية بينهما ، وإن حلف أحدهما دون الآخر قضي للحالف بالكل. ثم إن حلف الذي بدأ الحاكم بتحليفه ونكل الآخر بعده ، حلف الأوّل اليمين المردودة إن لم نقض بالنكول ، كما هو المختار. وإن نكل الأوّل ورغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادّعاه صاحبه ويمين الإثبات للنصف الذي ادّعاه هو.

وهل يكفي حينئذ اليمين الواحدة الجامعة بين النفي والإثبات فيحلف‌

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٥٦ ، الاحتجاج : ٩٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٥ ح ٣.

١٧٩

أنّ الجميع له ولا حقّ لصاحبه فيه ، أو يقول : لا حقّ له في النصف الذي يدّعيه ، والنصف الآخر لي؟

أو لا بدّ من يمينين إحداهما نافية والأُخرى مثبتة؟ وجهان.

أوفقهما بالأصل الثاني ؛ لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات ، فلا يكتفى بأحدهما إلاّ بعد قيام دليل لا أثر له هنا أصلاً.

إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الأوّل ، من غير خلاف بينهم يعرف عدا ما في المسالك (١) ، حيث احتمل الثاني بعد أن ذكر الأوّل وحكم به. وفي التحرير (٢) استقرب الأوّل مشعراً بوقوع الخلاف فيه.

ووجهه غير واضح ، عدا ما في المسالك من أنّ كلاًّ منهما قد دخل وقته (٣). ولم أفهمه.

ثم هل يتخيّر الحاكم في البدأة بالإحلاف ، أو يقرع بينهما؟ وجهان.

وتظهر الفائدة في تعدّد اليمين على [ المبتدئ (٤) ] على نكول الآخر (٥).

قيل : ويمكن أن يقال : كل واحد منهما مدّعٍ ومدّعى عليه هاهنا ، فينبغي أن ينظر إلى السبق فمن تسبق دعواه بدأ بتحليف صاحبه (٦).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٩٠.

(٢) التحرير ٢ : ١٩٤.

(٣) في المصدر : فيه.

(٤) في النسخ : المدّعى ، والظاهر ما أثبتناه.

(٥) أي على تقدير نكول الآخر. وظهور الثمرة على هذا التقدير إنّما هو على المذهب المشهور من الاكتفاء باليمين الواحدة الجامعة بعد نكول الأوّل ، وأمّا على القول الآخر من لزوم التعدد فلا تظهر للزوم اليمين على أي تقدير. منه رحمه الله تعالى.

(٦) المسالك ٢ : ٣٩٠.

١٨٠