تراثنا ـ العدد [ 65 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 65 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٤

٢٠ ـ وبريدة الأسلمي.

والأنصار هم ـ اضافة إلى عثمان بن حنيف ـ :

٢١ ـ ابو الهيثم بن التيّهان.

٢٢ ـ سهل بن حنيف ، أخي عثمان.

٢٣ ـ خزيمة بن ثابت ، ذو الشهادتين.

٢٤ ـ ابيّ بن كعب.

٢٥ ـ وأبو أيّوب الأنصاري ..

فقد قال لهم عليّ عليه السلام ـ عندما اتّفقوا على إنزال أبي بكر عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «وأيم الله لو فعلتم ذلك لَما كنتم لهم إلاّ حرباً ، ولكنّـكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين ـ الى أن قال لهم : ـ فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرّفوه ما سمعتم من قول نبيّكم ، ليكون ذلك أوكد للحجّة ، وأبلغ للعذر ، وأبعد لهم من رسول الله إذا وردوا عليه».

وقال لهم علـي عليه السلام ـ بعـد أن اعتـرض ـ وا علـى أبي بكر ـ : «اجلس يـا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك ...» ، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال : «انصرفوا رحمكم الله» (١).

٢٦ ـ وقال عليه السلام في العبد الصالح عمرو بن الحمق الخزاعي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد تشدّد في موالاته لأمير المؤمنين ، واستبسال في نصرته : «اللّهمّ نوّر قلبه بالتقى ، واهده إلى صراط مستقيم ، ليت أنّ في جندي [شيعتي] مائة مثلك!» (٢).

____________

(١) الخصـال : ٤٦١ ح ٤ ، الاحتـجاج ١ / ١٨٦ ح ٣٧ ، اليقين في إمرة أمير المؤمنـين ـ لابن طاووس ـ : ١٠٨ ب ١٢٦.

(٢) وقعة صفّين : ١٠٣ ، الاختصاص : ١٤.

١٠١

٢٧ ـ وقال عليه السلام في عديّ بن حاتم بن عبـدالله الطائي ، الصحابي المعروف ، مخاطباً بني حِزْمِر : «إنّي أراه رأسكم قبل اليوم ، ولا أرى قومه كلّهم إلاّ مسلمين له غيركم» (١) وكان شديد الذود عن أمير المؤمنين عليه السلام ، متفانياً في ولايته ، وشهد معه مشاهده.

٢٨ ـ وقال عليه السلام في عبـدالله بن كعب المرادي ـ عندما استشهد في صفّين ـ : «رحمه الله ، جاهَد معنا عدوّنا في الحياة ، ونصح لنا في الوفاة» وكان قد أبلغ الأسود بن قيس السلام لأمير المؤمنين عليه السلام في آخر رمق له وأوصاه بنصرته عليه السلام (٢).

٢٩ ـ وعامر بن واثلة بن عبـدالله الكناني الليثي ، أبو الطفيل ، وهو آخر من مات من الصحابة ، توفّي سنة ١٠٠ هـ ، ولم يروِ عنه البخاري ؛ لأنّه كان من شـيعة عليّ عليه السلام ، وقد شهد مع عليّ عليه السلام جميع حروبه ، ومادح عليّ عليه السلام بشعره ، ومن ثقاته (٣).

٣٠ ـ وقال عليه السلام في سعد بن مسعود الثقفي ، عمّ المختار بن أبي عبيد : «أمّا بعد ، فإنّك قد أدّيت خراجك ، وأطعت ربك ، وأرضيت إمامك ، فعل المبرّ التقي النجيب ، فغفر الله ذنبك ، وتقبّل سعيك ، وحسّن مآبك» (٤).

____________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٩ ، تاريخ ابن الأثير ٢ / ٣٦٩.

(٢) وقعة صفّـين : ٤٥٧ ، تنقيح المقالـط الحجرية ـ ٢ / ١٦٩ ؛ وفي شرح نهج البلاغة ٨ / ٩٣ أنّ هذا القول كان في حقّ عبـدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وكان قد أوصى الأسود بن طهمان الخزاعي بنصرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

(٣) رجال الشيخ الطوسي : ٧٠ رقم ٦٤٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٠٧ ، تاريخ دمشق ٢٦ / ١٢٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٦٨ رقم ٩٧.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠١.

١٠٢

٣١ ـ وقال عليه السلام في صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي ، الذي كان لسانه السيف البتّار دفاعاً عن عليٍّ عليه السلام ، وشهد معه الجمل وبقيّة حروبه : «إنْ كنتَ لِما علمت خفيف المؤونة عظيم المعونة» (١) ، وهو نظير ما قاله عليه السلام لأخيه زيد ..

وقد قتل مع أخيه سيحان (٣٢) يوم الجمل ودفنا في قبر واحد.

٣٣ ـ امّا سليـمان بن صـرد بن الجـون الخزاعي ، فهو من صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن وجوه الشيعة في الكوفة ، شهد مع عليّ عليه السلام صفّين ، وقد أتاه بعد التحكيم في صفّين ووجهه مضروباً بالسيف ، فلمّا نظر إليه عليٌّ عليه السلام قال : «(فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) (٢) فأنت ممّن ينتظر وممّن لم يبدّل» (٣).

وقد قاد ثورة التوّابين على ابن زياد في الكوفة بعد استشهاد الإمام الحسـين عليه السلام.

٣٤ ـ وقال عليه السلام في حجر بن عديّ بن معاوية الكنديـله صحبة ـ ، الذي كان من خواصّه ، وشهد معه حروبه ، بصيراً بمعرفة عليّ عليه السلام ومقامه في الدين : «لا حرمك الله الشهادة ، فإنّي أعلم أنّك من رجالها» (٤).

وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً في استشهاده على الحقّ ، وأنّ أهل السماء يغضبون لقتله (٥).

____________

(١) رجال الكشّي ١ / ٢٨٤ رقم ١٢١ ، الغارات ـ للثقفي ـ ٢ / ٥٢٤ ، مقاتل الطالبيّين : ٥٠.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٣.

(٣) وقعة صفّين : ٥١٩.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٦.

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٣١.

١٠٣

٣٥ ـ حبّة بن جوين البجلي العرني ، أبو قدامـة ، مـن أصحـاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام ، وشهد معه حروبه ، وروى حديث الغدير.

٣٦ ـ وقال عليه السلام لجندب بن كعب بن عبـدالله الأزدي الغامدي ، من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام : «يا جندب! ليس هذا زمان ذاك» (١) ، وذلك عندما أصرّ جندب عليه عليه السلام أن يدعو إليه عندما بويع عثمان لأنّه أحقّ بالخلافة ممّن تقدّم عليه ، وأنّه سيجد من يناصره.

٣٧ ـ جعدة بن هبيرة بن أبي وهب القرشي المخزومي ، وأُمّه أُمّ هاني بنت أبي طالب ، وكان ممّن يحفيه عليه السلام ويوليه عناية خاصّة (٢).

٣٨ ـ وقال في جارية بن قدامة التميمي السعدي وكان من صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام ، ثابتاً صلباً في ولائه له ، شديداً على أعدائه ، من جملة شرطة الخميس.

٣٩ ـ جابر بن عبـدالله الأنصاري ، الصحابي المعروف ، شهد مع الإمام عليه السلام صفّين ، وكان يدور في سكك الأنصار ومجالسهم ويقول : عليّ خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، يا معشر الأنصار! أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ ، فمن أبى فانظروا في شأن أُمّـه (٣).

وعن الصادق عليه السلام أنّه آخر من بقي من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان رجلاً منقطعاً إلى أهل البيت (٤).

____________

(١) الإرشاد ١ / ٢٤١ ، أمالي الطوسي : ٢٣٤ ح ٤١٥ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ٥٧.

(٢) وقعة صفّين : ٤٦٣.

(٣) علل الشرائع : ١٤٢ / ٤ ، أمالي الصدوق : ١٣٥ ح ١٣٤ ، رجال الكشّي ١ / ٢٣٦ رقم ٩٣.

(٤) الكافي ١ / ٤١٩ ، رجال الكشّي ١ / ٢١٧ رقم ٨٨.

١٠٤

٤٠ ـ ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري ، من أصحـاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، شهد أُحداً وما بعدها ، وكان له بلاء مع عليّ عليه السلام في حروبه ، واستعمله على المدائن ، وكان معاوية يهابه (١).

٤١ ـ ابو قتادة الحارث بن ربعي بن بلدمة الأنصاري الخزرجي ، من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، شهد أُحداً وما بعدها ، وشهد مع عليّ عليه السلام حروبه ، كان شديد الإيمان بعليّ عليه السلام ، وقد ولاّه مكّة.

٤٢ ـ ابو رافـع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، شهد معه صلى الله عليه وآله وسلم المشاهد ما عدا بدراً ، ولازم عليّـا عليه السلام ، وكان على بيت المال من قبله (٢).

٤٣ ـ ابو سعيد سعد بن مالك بن شيبان الأنصاري الخدري ، من صحابـة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان معه في عـدة من المشاهد ، ولازم عليّـا عليه السلام وكان معه في حرب النهروان (٣).

٤٤ ـ ابو الأسود الدؤلي ، ظالم بن عمرو ، وهو من الثابتين على محبّة عليّ عليه السلام ووُلده ، شهد معه حروبه.

وغيرهم ممّن مدحهم أمير المؤمنين عليه السلام.

للبحث صلة ...

____________

(١) تاريخ بغداد ١ / ١٧٥ ـ ١٧٦ ، الإصابة ١ / ٥١٠ رقم ٩٠٤.

(٢) رجال النجاشي : ٤ رقم ١ ، رجال ابن داود : ٣١ رقم ١٢ ، الخلاصة ـ للشيخ الطوسي ـ : ٤٧ رقم ٢.

(٣) تاريخ بغداد ١ / ١٨٠ ، رجال الكشّي ١ / ١٨٣ رقم ٧٨.

١٠٥

الحاوي

في رجال الشيعة الإماميٌة

لابن أبي طي الحلبي

الشيخ رسول جعفريان

مقدّمة في

أحوال ومؤلّفات ابن أبي طي

وتشيّع مدينة حلب

يحيى بن حميد بن ظافر الطائي الحلبي (٥٧٥ ـ ٦٣٠ ه ـ) (١) :

أحد كبار المؤرّخين الشيعة البارزين من أهل مدينة حلب ، كتب وصنّفـاضافة إلى التاريخ ـ في مجالات العلم والمعرفة الأُخرى.

لكن آثار هذه الشخصية الشيعية الكبيرة قد اندثرت ؛ بسبب سيطرة الحكّام النوريّين والأيوبيّين والمماليك على بلاد الشام ، وحصارهم للشيعة والتشيّع.

والقائمة الطويلة لمصنّفاته تشير إلى اشتمال كلّ واحد منها على عدّة مجلّدات ، كما نقل عنه من أتى بعده من المؤرّخين الشاميّـين في كتبهم ؛ وهذا دليل على مرتبته العلمية الرفيعة.

____________

(١) ذكر الدكتور مصطفى جواد بأنّ وفاته سنة ٦٢٧ هـ، راجع : أعيان الشيعة ١٠ / ٢٨٦.

١٠٦

والواقع إنّ هذا العالِم كان استمراراً لحركة القافلة الكبيرة لعلماء الشيعة الّذين تعهّدوا قيادة الطائفةـالتي كانت تشكّل غالبية سكّان مدينة حلب ـ منذ أواخر القرن الثالث وحتّى القرنين السادس والسابع الهجري في هذه المدينة الكبيرة.

ولعلّ النقطة البديعة التي يمكن أن تبيـن مكانته كعالم شيعي كبير وشعبي في هذه المدينة ، هي ما ذكره ابن شـدادـالمتوفّى سنة ٦٨٤ هـ : من بين مساجد حلب ، يوجد مسجد باسم مسجد منتجب الدين يحيى بن أبي طيّ ، الشهير بابن النجّـار (١).

إنّ انتماء هذا العالِم إلى التشـيع والإمامية ظاهر للعيان بكلّ وضوح ؛ فقد نشأ وتربّى على يد عالم شيعي بارز ، هو ابن شهرآشوب المازندراني ، الذي كان زوجاً لابنة عمّـته ، كما أنّ بعض مصنّفاته ترتبط ـ بشكل ما ـ بالثقافة الشيعيّة ، مثل :

المجالس الأربعين في مناقب الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

شرح نهج البلاغة «في سـتّة مجلّدات».

أخبار شعراء الشيعة.

تضوّع اللطائم في شرح خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام.

ذخر البشر في معرفة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام.

ولعلّ أبرز من كتب عن أحوال ابن أبي طيّ في المصادر الحديثة هو كلود كاهن ؛ إذ كتب المدخل إلى حياة ابن أبي طيّ في دائرة المعارف الإسلامية «النسخة المصحّحة الثانية» التي هي مختصرة جدّاً (٢) ..

____________

(١) الأعلاق الخطيرة في ذكر أُمراء الشام والجزيرة ١ ـ ق ١ ـ / ٦٤.

(٢) Encyclopaedia of Islam, Vol. ٣. P ٦٩٣.

١٠٧

وكتب السـيد فكرت ـ بالفارسية ـ تاريخ حياته المفصّلة في دائرة المعارف الإسلاميّة الكبرى (٢ / ٧ ـ ٦٧٦).

ولعل أنسب وأشمل تعريف بحياة وشخصيّة ابن أبي طيّ ، هو عرض ما ورد عنه في النصوص القديمة ..

كتابات القدماء عن ابن أبي طيّ وكتبه.

أقدم من كتب عن حياة ابن أبي طيّ ، ياقوت الحموي ، المتوفّى سنة ٦٢٦ ه ـ في حلب ، وأوردها عنه في معجم الأُدباء ، إلاّ أنّها ساقطة من طبعات الكتاب الموجودة ؛ إذ كان قد التقاه في حلب سنة ٦١٩ هـ ، وأخذ تاريخ حياته منه مباشرة ، وقد حكم الحمويـالمتّهم بأنّه ناصبي (١) ـ بقسوة على ابن أبي طيّ.

هذا ، وقد نقل ابن حجر في لسان الميزان (٢) ترجمة ابن أبي طيّ عن ياقوت الحموي ، والكتبي نقلـبدقّة عن ياقوت أيضاً ـ في فوات الوفيات (٣) القسم الثاني من ترجمة ابن أبي طيّ ، الخاصّ بمصنّفاته ، أمّا القسم الأوّل الذي يشمل شؤون حياته الشخصية فقد فات الكتبي أن ينقله ، ورغم ذلك ـ لحسن الحظ ـ حُفظ هذا القسم في مكان آخـر ..

وهو ما نقله الشهيد الأوّل في بعض فوائـده ؛ إذ نقل عين ما أورده الحموي ، عن ابن أبي طيّ ، ما أخبره به عن طفولته وشؤونه الشخصية (٤).

____________

(١) وفيات الأعيان ٦ / ١٢٦ ، لسان الميزان ٧ / ٣٦٢.

(٢) لسان الميزان ٧ / ٤٠٩.

(٣) فوات الوفيات ١ فوات الوفيات ، ٣ ٤ / ٠٧٢ ـ ١٧٢.

(٤) وذلك في المجموعة المعروفة باسم «مجموعة الجباعي» ؛ وقد نقل العلاّمة السيّد محسن الأمين نصّ هذه الترجمة عن تلك المجموعة في أعيان الشيعة ١٠ / ٢٨٦.

١٠٨

ووقع هذا النصّ بيد عبـدالله أفندي ، فنقله في رياض العلماء ، مشتبهاً بأنّ الشهيد الأوّل قد نقله عن معجم البلدان ، بينما هو منقولاً عن معجم الأُدباء ..

فما ذكره الحموي ـ بموجب نقل الشهيد الأوّل ـ هو التالي :

يحيى بن أبي طيّ أحمد ابن طائي الحلبي : أحد من يتأدّب ويتفقّه (١) على مذهب الإماميّة وأُصولهم ، وله تصانيف في أنواع العلوم ..

قال : حدّثني والدي رحمه الله : كان لا يعيش لي ولد ، وكنت أُربّيهم إلى سبع أو خمس ثمّ يموتون ، ولقد بُشّرت بخمسة وعشرين ولداً فخفت (٢)بهم ، وكنت أُكثر الابتهال إلى الله تعالى في أن يرزقني ولداً ويمنّ علَيّ بحياته.

ثمّ ماتت الزوجة فرأيت في النوم كأنّني قد دخلت إلى مسجد عظيم ، فيه جماعة أعرفهم من الحلبيّـين ، فسلّمت عليهم ، فقام إليّ رجل منهم ، فأخذ بيدي ، ثمّ أجلسني في زاوية من زوايا المسجد وناولني ريحانة لم أرَ أذكى ريحاً منها ، فلمّا حصلت الريحانة في يدي إذا هي قد أظهرت ورداً ، فجعلت أتعجّب من حسنه وذكاء رائحته ، فذبلت منه وردة وسقطت فحزنت لها ، فقال لي الرجل : ليهنئك أن لن تفقد غيرها.

فقلت للرجل : من أنت أسعدك الله؟!

فقال : سالم.

فاستيقظت وأنا فرح ، فعبّرت المنام ، فقلت : الريحانة : زوجة صالحة ، والورد الذي لها : أولاد ، والوردة التي ذهبت : ابني وأفقد أحدهم ،

____________

(١) في الأعيان : تأدّب وتفقّه.

(٢) في الأعيان : فجعت. والظاهر أنّها أصحّ.

١٠٩

واسم الرجل سالم : بشارة بسلامة الأولاد الذي يأتوني في ما بعد.

وفي تلك الأيّام تزوّجت ابنة الفقيد المغربي أبي منصور محمّـد بن أبي عبـدالله البختري الطائي ، ورُزِقْتُ منها ولداً سمّيته عليّاً ، فعمّر سنة وأيّاماً ثمّ مات ، فعظم به مصابي ويئست من الولد ، ثمّ لم يبعد الزمان حتّى تبيّن لي حمل الزوجة ، فأشفقت من ذلك واهتممت (١) ، ولازمت الدعاء في كلّ صلاة ، وكان قد بلغني أنّه إذا أراد الإنسان طلب الولد ، قال في جوف الليل في دعاء الوتر قبل الركوع :

«ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين ، ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّـبة ، إنّك سميع الدعاء ..

اللّهمّ لا تذرني فرداً وحيداً مستوحشاً فيقصر شكري عند تفكّري ، بل هب لي من لدنك ديناً (٢) ، وعقباً ذكوراً وإناثاً ، أسكن إليهم في الوحشة ، وآنس بهم في الوحدة ، وأشكرك عند تمام النعمة ..

يا وهاب! يا عزيز! يا عظيم! اعطني في كلّ عافية منّاً منك ، وارزقني خيراً حتّى أنال منهم (٣) رضاك عنّي في صدق الحديث ، وشكر النعمة ، والوفاء بالعهد ، إنّك على كلّ شيء قدير».

وكنت أُلازم ذلك ، فلمّا كان أوائل شوّال ، رأيت بعد أن صلّيت وِرْديـوكنت يومـئذٍ أنام تحت السماء مـن القيـظ (٤) ـ كأنّ إنساناً خرج مـن الحائط ، حتّـى وقف من خلفي من جهة الشمال ، ثمّ استفتح فقرأ :

____________

(١) في الأعيان : فاغتممت.

(٢) في الأعيان : أنيساً. والظاهر أنّها أصحّ.

(٣) في الأعيان : منتهى. والظاهر أنّها أصحّ.

(٤) في الأعيان : السماء لزمن القيظ.

١١٠

(بسـم الله الرحمن الرحيم كَهَيَعَص) (١) إلى قوله : (اسـمه يحيى) (٢) ثمّ أمسك ، فاستيقظت وقلت : هذه بشارة بولد يكون اسمه يحيى ، قد سمّاه الله بذلك بشارة بحياته ، فشكرت الله ، ثمّ عُدتُ فغلبني النوم ، فرأيته قد جاء حتّى وقف أمامي ، ثمّ استفتح وقرأ : (يا مريم) إلى قوله : (ويرث من آل يعقوب) (٣) ثمّ أمسك ، فاستيقظت وقلت : الحمد لله هذه بشارة لي بحياته وإنّه يرثني ، فشكرت الله سبحانه ، وأضاء الصبح ، فقضيت صلاتي.

قال : فلمّا كان الليلة التي ولدتَ يا ولدي فيها ، أخذ عيني النوم فسمعت قارئاً يقرأ السورة بعينها حتّى بلغ إلى قوله تعالى : (وآتيناه الحكم صبياً) (٤) ، فاستيقظت والنساء يضحكن : لك البشرى! هذا ولد ذكر ، فشكرت الله تعالى.

قال أبي : واستدعيتك إليّ وأذّنت في أُذنك اليمنى وأقمت في اليسرى ، وحنّكتك بشيء من تربة الحسـين عليه السلام في ماءٍ عذب ، وسمّيتك يحيى وكنّيتك أبا الفضل ، وكان مولدك في أوائل شوّال سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، فـي السنة التي ولي فيها الإمام الناصر رضي الله عنه. انتـهى (٥)‌ ..

أمّا القسم الآخر الذي كتبه الحموي عن أحوال ابن أبي طيّ وذكر فيه مصنّفاته ، وأورده ابن شاكر الكتبي (ت ٧٦٤ هـ) في فوات الوفيات ـ كما مرّ ذكره ـ ، فهو :

____________

(١) أوّل سورة مريم.

(٢) سورة مريم ١٩ : ٧.

(٣) سورة مريم ١٩ : ٦.

(٤) سورة مريم ١٩ : ١٢.

(٥) رياض العلماء ٥ / ٢٨ رقم ٣٣٣٠.

١١١

يحيى بن حميد بن ظافر بن النجّار بن علي بن عبـدالله الحلبي ، المعروف بابن أبي طيّ : أحد من تعاطى الأدب والفقه على مذهب الإماميّة وأُصولهم ، وصنّف في أنواع من العلوم ..

قال ياقوت : وقد جعل التصنيف حانوته ، ومنه مكسبه وقوته ، وأكثر تصانيفه قطع فيها الطريق ، وأخاف السبيل ، يأخذ كتاباً قد أتعب العلماء فيه خواطرهم فيقدّم فيه ، أو يؤخّر ، أو يزيد ، أو ينقص قليلاً ، أو يختصر ، ويخلق له اسماً غريباً وينتحله انتحالاً.

وقد طوّل ياقوت ترجمته في معجم الأُدباء.

ومولده بحلب سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، وتوفيّ حدود الثلاثين والستّمائة ، وذكر عنه ياقوت أنّ والده كان لا يعيش له ولد وأنّه لمّا رزقه حملته جارية وصعدت به السطح ليلة الميلاد وكانت شديدة البرد ، فأخذه اضطرام وافحام ، وابيضّت عيناه جميعاً ، ولازمه الرمد إلى أن احتلم ، فتجلّت ممّا كان فيها من البياض ، وكان والده نجّاراً مقدّماً على كلّ نجّار بحلب.

وقرأ يحيى القرآن على والده ، واشتغل بفقه الإماميّة على رشيد الدين المازندراني ، ومن تصانيفه :

١ ـ كتاب البستان في مجلس الغلمان.

٢ ـ كتاب معادن الذهب في تاريخ حلب.

٣ ـ كتاب ملح البرهان في تفسير القرآن.

٤ ـ كتاب قبسة العجلان في تفسير القرآن.

٥ ـ كتاب البيان في أسباب نزول القرآن.

٦ ـ كتاب غريب القرآن.

١١٢

٧ ـ تفسير الفاتحـة.

٨ ـ المجالس الأربعين في مناقب الأئمّة الطاهرين.

٩ ـ كتاب خلاصة الخلاص في آداب الخواص ـ عشر مجلّدات ـ.

١٠ ـ كتاب حوادث الزمان على حروف المعجم ـ خمس مجلّدات ـ.

١١ ـ كتاب تاريخ العلماء ـ مجلّد ـ.

١٢ ـ شفاء الغليل في ذمّ الصاحب والخليل ـ مجلّـد ـ.

١٣ ـ شرح نهج البلاغة ـ ست مجلّدات ـ.

١٤ ـ تحفة الطائفة الفقهائية في شرح كلماتهم اللغوية.

١٥ ـ التنبيهات في تعبير المنامات.

١٦ ـ التنبيهات على صنع النبات.

١٧ ـ الكشف والتبيين في محاسن التضمين.

١٨ ـ العروس في ادب السائس والمسوس.

١٩ ـ مودعة السفيه وموزعة النبيه ، في المأخذ على راجح الحلّي وسرقاته.

٢٠ ـ التحقيق في أوصاف الرقيق.

٢١ ـ الروضات البهيات في محاسن القينات.

٢٢ ـ اللباب في أسماء الأحباب.

٢٣ ـ نسيم الأرواح في ما جاء في التفّاح.

٢٤ ـ الإيجاز في الألغاز.

٢٥ ـ اخبار شعراء الشـيعة (١).

____________

(١) ذكر الصفدي هذا العنوان في مقدّمة كتاب الوافي ١ / ٥٤.

١١٣

٢٦ ـ الاقتصاد في الفرق بين الظاء والضاد.

٢٧ ـ كتاب الأضداد.

٢٨ ـ النكت الشاردة والنادرة والفائدة.

٢٩ ـ المنتخب في شرح لاميّة العرب.

٣٠ ـ تضوّع اللطائم ، في شرح خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام.

٣١ ـ شرح كلام أُمّ سلمة لعائشة رضي الله عنهما.

٣٢ ـ نهج البيان في عمل شهر رمضان.

٣٣ ـ المشكاة في عويص مسائل النحاة.

٣٤ ـ افراد قراءة أبي عمرو ابن العلاء.

٣٥ ـ مختصر في اللغة.

٣٦ ـ افراد مسائل.

٣٧ ـ الجمع بين زوائد الصحاح وزوائد المجمل.

٣٨ ـ ذخر البشر في معرفة القضاء والقدر.

٣٩ ـ كتاب في حكمي كلام الأئمّة الاثني عشر.

٤٠ ـ الحاوي في المعمول عليه من الفتاوي.

٤١ ـ سـر السرائر.

٤٢ ـ فقه أحكام النساء ، في الفقه.

٤٣ ـ ذخر البشر في معرفة الأئمّة الاثني عشر.

٤٤ ـ مجموع مسائل فقه وأُصول.

٤٥ ـ شرح غريب ألفاظ المقامات.

٤٦ ـ شرح الحماسـة.

٤٧ ـ اخلاق الصوفية.

١١٤

٤٨ ـ عقود الجواهر في سيرة الملك الظاهر (١).

٤٩ ـ كنز الموحّدين في سيرة صلاح الدين.

٥٠ ـ ذيل التاريخ الكبير الذي سمّاه معادن الذهب.

٥١ ـ سلك النظام في تاريخ الشام ـ اربع مجلّدات ـ.

٥٢ ـ مختار تاريخ المغرب.

٥٣ ـ كتاب تاريخ مصر.

٥٤ ـ تهذيب الاستيعاب لابن عبـد البرّ.

٥٥ ـ سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ـ ثلاث مجلّدات ـ.

٥٦ ـ اشتقاق أسماء البلدان.

٥٧ ـ نكت دُرّة الخواص.

٥٨ ـ اسماء رواة الشيعة ومصنّفيها.

٥٩ ـ سيرة ملوك حلب.

٦٠ ـ كتاب التصحيف والأحاجي.

ومن شعره رحمه الله :

يا أبا جعفر تجاف قليلا

كم تسامى بمفخرٍ منحوس

أنت من معشر كرام ولكن

أنت فيهم قوائم الطاووس

وقال في مديح آل البيت رضي الله عنهم :

أنا في إسار غدائر ونواظر

من كلّ أبيضَ ذي قوامٍ ناضر

ريّان من مَرَح الصِبا فكأنّما

رويتْ معاطفه بغيثٍ باكر

خمريُّ ريقٍ لؤلؤيُّ لواحظ

مسكيُّ صدغٍ صارميُّ محاجر

____________

(١) الملك الظاهر هذا ـ والي حلب من سنة ٥٨٢ إلى سنة ٦١٣ ـ وصفته بعض المصادر بالتشـيع. انظر : نسب خلفاء وشهرياران : ١٥٢.

١١٥

لله ليلتنـا بكـاظمة وقد

سمحتْ به الأيّام بعد تهاجـر

للوقد اضطجعنا والنجـوم كأنّـه

من وجهه بـادٍ بنـورٍ باهر

والشعريان كأنّما أحداقها

أحداق عاذل حبّه المتكاسـر

وسهيلٌ الوقّاد يخفق دائبا

خفقـان أحشائي عليه وخاطري

والليل يـرفل في فضول غلائلٍ

رقّت كشَوْقي أو كدمعـي القاطر

والريح ينشر عَرفها بنسيمها

نشرى مديحَ أخي النبيّ الطاهـر

خير الأنام ومن يذلّ مهابة

من بأسه قلب الهزبر الخادر

صنو النبيّ وصهـره ووزيره

وظهيره في كلّ يـوم تشاجرِ (١)

ويمكن القول أنّ كمال الدين أبو الفضل عبـد الرزاق بن أحمد ، المعروف بابن الفوطي ، المتوفّى سنة ٧٣٢ هـ ، هو من نقل بعد ياقوت الحموي ـ تاريخياً ـ نصّاً أدبياً قصيراً ويتيماً عن ابن أبي طيّ نفسه ، وهو :

المنتجب نجيب الدين أبو زكريا يحيى بن أبي طيّ حميد بن ظافر الحلبي المؤرّخ ..

قال : كان الاسكندر أحنف ، وأنوشروان أعور ، ويزدجرد أعرج ، وجذيمة الوضّاح أبرص ، وعبـد الملك بن مروان أبخر ، ويزيد بن عبـدالملك أفقم ، وهشام أحول ، ومروان الحمار أشقر ، وأبو طالب أعرج ، وأبو جهل أحول ، وكذلك أبو لهب وزياد (٢).

كتب ابن الفوطي أيضاً في ترجمة موفّق الدين أبو العبـاس أحمد بن محمّد البغدادي :

____________

(١) فوات الوفيات والذيل عليها ٤ / ٢٦٩ ـ ٢٧١.

(٢) مجمع الآداب في معجم الألقاب ٥ / ٥٢٥ ـ ٥٢٧.

١١٦

ذكره نجيب الدين يحيى بن أبي طيّ حميد بن ظاهر الحلبي النجّار في مشيخته ، وقال : ورد علينا حلب ، وكان حافظاً عالماً بالحديث ، وله تصانيف منها كتاب سمّاه النبذة في مناقب أهل البيت عليهم السلام ..

قال : وسمعنا عليه أجزاء من كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني (١) ..

وكتب أيضاً في ترجمة عفيف الدين أبو جعفر منصور بن أحمد الحُمصّي الأديب :

قرأت في البستان في محاسن الغلمان للشيخ منتجب الدين يحيى بن طيّ الحلبي ؛ قال : أنشدنا العفيف منصور بن الطبيب الحمصّي لنفسه :

غرست قضيباً في كثيبٍ من الرمل

فأثمر بدراً في دجى الشَعر الجثل

وجرّدت نصلاً جفنه جفن مقلة

مواقعها في مهجتي موقع النصل (٢)

كما نقل ابن الفوطي أيضاً عدّة أسطر من كتاب ابن أبي طيّ معادن الذهب في تاريخ حلب ، ستذكر لاحقاً.

شمس الدين الذهبي ، المتوفّى سنة ٧٤٨ هـ ، الذي نقل كثيراً من تاريخ الشيعة لابن أبي طيّ ، قال في كتابه تاريخ الإسلام ـ عند ذكر المتوفّين بعد سنة ٦٢٠ هـ ـ :

يحيى بن أبي طيّ النجّار بن ظافر بن علي بن عبـدالله بن أبي الحسن ابن الأمير محمّـد بن الحسن الغسّاني ، الحلبي ، الشيعي ، الرافضي : مصنّف تاريخ الشيعة ، وهو مسودّة في عدّة مجلّدات ، نقلت منه كثيراً ، مات في

____________

(١) مجمع الآداب ٥ / ٥٩١.

(٢) مجمع الآداب ١ / ٤٩٠.

١١٧

آخر الكهولة ، فينظر في التاريخ العديمي (١) ، إن كان له ذكر (٢).

ابن حجر العسقلاني (٧٧٣ ـ ٨٥٢ هـ) الذي استفاد كثيراً من كتاب تاريخ الشيعة أو طبقات الإماميّة ، كتب أيضاً في ترجمة ابن أبي طيّ عدّة أُمور ، نقل بعضها عن كتاب ياقوت ، قال :

يحيى بن أبي طيّ بن ظافر بن علي بن الحسين بن علي بن محمّـد ابن الحسن بن صالح بن علي بن سعيد بن أبي الخير الطائي ، أبو الفضل البخاري الحلبي : ولد بها سنة خمس وسبعين ، وقرأ القرآن ، ثمّ جرّد رواية أبي عمرو وأكثر رواية نافع ، وتعاطى صنعة النجارة مع والده وكان مقدّماً فيها ..

ثمّ نظم الشعر ، ومدح الظاهر بن السلطان صلاح الدين واستقرّ في شعرائه ، وأخذ في غضون ذلك الفقه عن أبي جعفر محمّـد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (٣) ، وكان بارعاً في الفقه على مذهب الإماميّة ، وله مشاركة في الأُصول والقراءات ، وله تصانيف ـ تقدّم ذلك في ترجمتهـ ؛ وأخذ عن غيره ، ثمّ ترك صناعته ولزم تعليم الأطفال في سنة سبع وتسعين إلى ما بعد الستّمائة ، وتشاغل بالتصنيف فاتّخذ رزقه منه.

قال ياقوت : كان يدّعي العلم بالأدب والفقه والأُصول على مذهب الإماميّة ، وجعل التأليف حانوته ، ومنه قوته ومكسبه ، ولكنّه كان يقطع الطريق على تصانيف الناس ، فيأخذ الكتاب الذي أتعب جامِعُه خاطرَه فيه

____________

(١) قال محقّق تاريخ الإسلام هنا : لم يصلنا الجزء المتضمّن تراجم حرف الياء من كتاب ابن العديم الحلبي بغية الطلب في تاريخ حلب.

(٢) تاريخ الإسلام السنوات ٦٢١ ـ ٦٣٠ / ٤٢١.

(٣) في الأصل المطبوع : المازراني.

١١٨

فينسخه كما هو ، إلاّ أنّه يقدّم فيه ويؤخّر ، ويزيد وينقص ، ويخترع له اسماً غريباً ، ويكتبه كتابةً فائقةً لمن يشبه عليه ، ورزق من ذلك حظّاً.

وذكرـاي ياقوت ـ من تصانيفه : معادن الذهب في تاريخ حلب كبير ، وشرح نهج (١) البلاغة في ستّ مجلّدات ، وفضائل الأئمّة في أربع مجلّدات ، وخلاصة الخواص في آداب الخواص في عشر مجلّدات ، والحاوي فـي رجال الإماميّة ، وسلك النظام في أخبار الشام ، إلى غير ذلك.

قلت : ووقفت على تصانيفه ، وهو كثير الأوهام والسقط والتصحيف ، وكان سبب ذلك ما ذكره ياقوت من أخذه من الصحف.

قال ياقوت : لقيته سنة تسع عشرة بحلب.

قلت : وتأخّرت وفاته بعد ذلك (٢).

جدير بالذكر أنّ ما كتبه ياقوت بحقّ ابن أبي طيّ ، عندما ذكر أنّه جعل التأليف حانوته ، ومنه قوته ومكسبه ، أو أنّ تصانيفه مأخوذة من غيره ، لا يجب أخذه بنظر الاعتبار ؛ لأنّ ما وصلنا ممّا كتبه وصنّفه خير دليل على نقض هذا الكلام ، مع أنّ التسليم ـ فرضاً ـ بصحّة كلام ياقوت إلى حـد ما ، لا ينقص من قيمة أعمال ابن أبي طيّ ..

إضافة إلى ذلك ، فإنّ ياقوت ، المعروف بأنّه ناصبي ، وهو ما كان السبب في تشرّده في الأقطار ـ كما ذكر العلاّمة آقا بزرك الطهراني (٣) ـ لا يتوقّع منه أن يكون حكمه بشأن عالم شيعي بارزٍ كبير أفضل من هذا.

____________

(١) في الأصل المطبوع : بهجة.

(٢) لسان الميزان ٧ / ٤٠٩ ـ ٤١٠ رقم ٩٢٤١.

(٣) الأنوار الساطعة في المائة السابعة : ٢٠٥.

١١٩

وكتب محمّـد راغب الطبّاخ الحلبي في ترجمة ابن أبي طيّ :

يحيى بن حميدة الشهير بابن أبي طيّ : آية الله الكبرى في العلوم والفنون ، والشعر والتاريخ ، ومعرفة أخبار الصحابة والعرب ، وغير ذلك ..

ومن آثاره البديعة : أخبار شعراء الشيعة ، مرتّب على الحروف الهجائية (١) ، وكتاب تهذيب الاستيعاب في معرفة الأصحاب للقرطبي ، وتاريخ مصر ومختار تاريخ المغرب ، وكتاب حوادث الزمان في خمس مجلّدات ورتّبه على الحروف الهجائية ، وكتاب سلك النظام في تاريخ الشام في أربع مجلّدات ، وكتاب طبقات العلماء وعقود الجواهر في سيرة الملك الظاهر بيبرس التركي ، وكتاب معادن الذهب في تاريخ حلب وهو كتاب كبير وقد ذيّله ، وكتاب كنز الموحّدين في سيرة صلاح الدين ، وكتاب ذخر البشر في مناقب الأئمّة الاثني عشر (٢) ، وكتاب الآل والعذب الزلال ، وبيان المعالم ، وغير ذلك ممّا يطول شرحه. وكانت وفاته سنة ستّمائة وثلاثين. انتهى. (نهر الذهب).

وذكر له في الكشف من المؤلّفات عند ذكره مناقب الأئمّة الاثني عشر : «الذخائر العقبى» ، وذكر أيضاً له كتاباً في السير في ثلاث مجلّدات.

وفي تذكرة العلاّمة الشنقيطي اللغويـالتي ذكر فيها المختار من نفائس المخطوطات الباقية في الأندلس «الإسكوريال» ـ : الكتاب السادس والخمسون المنتخب في شرح لاميّة العرب : صنّفه يحيى بن أبي طيّ بن حميدة بن ظافر بن علي الحلبي الغسّاني ، وهو شرحٌ لا نظير له حقيقة ،

____________

(١) قال الدجيليـفي أعلام العرب في العلوم والفنون ٢ / ٥٧ ـ : منه نسخة ببعض مكتبات لندن.

(٢) في المصدر : مناقب الأئمّة الاثني عشر وفيها زجر البشر!!

١٢٠