تفسير من وحي القرآن - ج ١٤

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ١٤

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٣

للفكرة أو للحركة ، وبذلك يكون الثبات متصلا بنهايات الأمور لا ببداياتها. فقد تنسحب من معركة ، لا لتنهزم منها ، ولكن لتأخذ موقعا أكثر قدرة على المواجهة ، أو أوسع حرية في مجال الحركة ، لتربح المعركة بطريقة أفضل ، فإن هذا يمثل الإصرار على الثبات في الموقف ، أكثر مما يمثله الاندفاع الانفعالي المتهور في ساحة الصراع.

* * *

٣٠١

الآيتان

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) (٢٤)

* * *

كيفية مواجهة المؤمن للمستقبل

كيف يواجه المؤمن المستقبل؟ وكيف يفكر في المشاريع العملية التي يريد أن يقوم بها في دائرته؟

ربما كان من الطبيعي أن يخطط له في ما يحتاج إليه من وسائل وظروف وشروط ومواقع ، لأن ذلك هو الأساس في أيّ عمل له مقدمات تتحرك نحو النتائج.

ولكن هل يعتبر المسألة حاسمة عند ما يستكمل ذلك كله في التخطيط أو

٣٠٢

في التحضير ، أم لا بد له من أن يبقى في مرحلة الانتظار للمفاجات والمتغيرات التي يمكن أن تجمّد المشروع ، أو تقلب الأمور رأسا على عقب؟

ربما يختار البعض الموقف الأول ، لأن ذلك هو السبيل للانفتاح على الواقع والحياة التي أودع الله فيها سننه الكونية والعملية التي تخضع الحركة القانون السببية ، الذي يربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها ، مما يجعل من النتائج أوضاعا حاسمة فيما إذا استجمعت القضية شروطها الموضوعية وأسبابها الطبيعيّة ، ولو لا ذلك لتعطّل الجهد عن التحرك نحو الأشياء من موقع الإرادة الحاسمة.

وقد يرى هذا البعض أن هذا الاتجاه يمنع الخطوات من الاهتزاز ، والوعي من حالة القلق ، ويؤدي بالتالي إلى مواجهة الحياة من موقع القوّة.

إلّا أن للقرآن أسلوبا آخر في المسألة ، فهو لا يمنع الارتباط بقانون السببيّة ، ولكنه يريد للإنسان أن يعي ـ وراء ذلك ـ السبب الأعمق للأشياء ، الذي يمكن أن يمحو ويثبت ويغيّر ويبدّل بحسب مشيئته المهيمنة على الكون كله. ولذلك فإن سببيّة أيّ شيء لشيء لا يفرض حتمية المسبّب ، لأن مشيئة الله ، إذا جاءت على خلاف ذلك ، كانت الغالبة على الأسباب من خلال ما تفرضه وتقتضيه. ولهذا جاءت هذه الآية التي توحي بالعقيدة الصافية في المسألة الإلهيّة ، في الدائرة التي يتحرك فيها علم الإنسان وإرادته ، أمام الدائرة التي يتعلق بها علم الله وإرادته ، فإن الإنسان قد يعلم شيئا من الأسباب ، ولكنه لا يحيط بكثير منها ، لا سيّما الأسباب الخفية ، كما أن إرادته لا تحيط بكل مواقع المستقبل ، بينما يملك الله علم كل شيء ، ويتصل الحاضر والمستقبل بإرادته ومشيئته.

* * *

٣٠٣

حصول ما في الغد متعلّق بمشيئة الله

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فإن ذلك هو الذي يضع الأشياء في مواقعها الطبيعية من حركة السنن الكونية في مسيرة الإنسان الذي يمتلك قدرة محدودة في ما يتصل بوجود الأشياء ، ولكن هناك عناصر أخرى للسببيّة كامنة في الزمان والمكان والأشخاص الآخرين ، لا يملك الإنسان معرفتها لفقدان الأدوات التي تقوده إلى ذلك ، كما لا يملك السيطرة عليها لأنها لا تتصل باختياره. ولكن الله يعلم الغيب كله ، ويحيط بالمستقبل كله من خلال إحاطته بالحياة كلها ، فهو الذي يملك منها ما لا يملكه أحد ، ويهيمن على حركتها بما لا يهيمن عليها أحد ، ولذلك كان تعليق الفعل بمشيئته انسجاما مع الطبيعة الواقعية للقدرات المحدودة لدى الإنسان ، ومع العقيدة الإيمانية بقدرة الله المطلقة.

وقد نستطيع توضيح المسألة في طبيعة العمل الإنساني المستقبلي من خلال حركته في الحاضر ، بدراسة الموضوع في نطاقه الواقعي في الحياة ، بعيدا عن مسألة الإيمان وعدمه ، فإن الذين يفكرون ماديا ، لا يمانعون من إمكانية حدوث ظروف موضوعية ومتغيرات مستقبلية ، لم تكن موجودة في الخطة الواقعية السابقة للمشروع المستقبلي عند التخطيط له ، كما لا يستبعدون عدم الاطلاع في الحاضر على بعض الزّوايا الخفية المتصلة ببعض جوانب المشروع ، لأن القائمين على أيّ مشروع فرديّ أو جماعيّ ، لا يملكون الإحاطة بالواقع كله وبالزمن كله ، الأمر الذي يفرض تعليق النتائج الحاسمة على عدم حدوث متغيرات مانعة ، أو عدم انكشاف جوانب مضادّة.

وبذلك نعرف أن التعليق على مشيئة الله لا يمثل حالة اهتزاز في ثبات

٣٠٤

الموقف ، أو انحراف عن موقع الثقة بالنفس ، بل يمثل انسجاما مع طبيعة السنن الكونية للحياة التي يلتقي المؤمنون والكافرون على الإيمان بها ، وإن اختلفوا في السبب الأعمق الذي يكمن خلفها ، فالمؤمن يعيش معه الشعور برعاية الله للحياة كلها ضمن نظام دقيق حكيم ، بينما يعيش الكافر الشعور بالضياع أمام الغموض المطلق الذي يلف وجود الكون.

* * *

ذكر الله في حال النسيان

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) لأن ذلك هو الذي يحفظ لك خط التوازن في الموقف ، ويعينك على مواجهة الواقع من موقع المسؤولية ، ويقودك إلى التفكير المنفتح على خفايا الشك ... على أساس دراسة السلبيات والإيجابيات معا ، ومحاولة التعرّف على سبل الرشاد والضلال ، لأن التفكير بالله يجعل الإنسان واعيا لمواقع أقدامه في الطريق ، وذلك لما يمثله إحساسه بعبوديته لله من معنى المراقبة والمحاسبة لكل فكره وشعوره وخطواته العملية في الحياة ، الأمر الذي يوحي إليه بمواجهة المسألة من خلال العمق لا من خلال السطح ، انطلاقا من حسّ المسؤولية الروحية أمام الله في الدنيا والآخرة.

وهذا ما يؤكده القرآن في أكثر من آية ، في موضوع ذكر الله الذي يربط بينه وبين الالتفات إلى مصلحة الإنسان في نفسه ، بينما يؤدي نسيانه إلى نسيان نفسه ، وذلك بمقتضى التحرك في الواقع بما يشبه الغيبوبة العقلية والروحية عن العناصر الأساسية في حركة الحياة. وهذا ما يريد الله إثارته في هذه الفقرة من الآية ، فيدعو المؤمن إلى أن يذكر ربه ، فلا يستسلم للنسيان الذي تفرضه عليه الأشغال والأوضاع ، ولا يستغرق في خصوصيات الواقع الذي يستهلك فكره

٣٠٥

ووجدانه ، بل يعمل على استثارة إيمانه في عملية تأمّل وتفكير ، ليذكر ربّه ، فينطلق في حياته من موقع الوعي لا من موقع النسيان ، وليعرف مواطئ قدمه في الطريق ، ملتفتا إلى احتمالات الغوايات في ما يمكن أن يتحرك به طريق الإنسان نحو الرشاد.

(وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) في روحية الدعاء الخاشع المبتهل ، الذي ينفتح فيه المؤمن على الله ليطلب منه أن يكون معه في أجواء الهداية الواسعة التي تتسع لكل الطرق المتجهة إلى الله ، فيهديه للطريق الأقرب إلى الرشاد ، لئلا تطول عليه المسافات ، فينحرف به خط السير إلى غير ما يريد.

ولعل هذا الدعاء يمثل ، في وعي الإنسان المؤمن ، القلق الروحي الذي يدفعه لدراسة خطواته في محاولة متحركة لتقويمها وتصحيحها وتوجيهها في الاتجاه الصحيح ، بعيدا عن نوازع الذات ، وقريبا إلى رحاب الإيمان بالله الذي يربطه بالجانب المشرق من الحياة.

* * *

٣٠٦

الآيتان

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) (٢٦)

* * *

لبثهم في الكهف ثلاثة قرون ونيّفا

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) وهذا هو الرقم الصحيح الذي يقطع جدالهم حول مدة لبثهم في الكهف على الطريقة العجيبة التي أشار إليها القرآن. وربما احتمل بعض المفسرين أن ذلك من كلام أهل الكتاب ، وأن الآية الأخرى ردّ عليهم. (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) ليكون الاتجاه إبقاء المسألة على إجمالها ، لأن معرفتها لا تعني شيئا للناس في ما تستهدفه القصة ، ولكن الظاهر من الآية الأولى هو الجزم الذي يوحي بأن العدد يقيني ، وبذلك تكون الآية الثانية تأكيدا للموضوع ، في مقابل الأرقام الأخرى التي ربما كانوا قد ذكروها ، باعتبار أن الله أعلم بأحوالهم من الآخرين ، لأنه المهيمن

٣٠٧

على الزمن كله وعلى كل أمورهم ، فهو يعلم منهم ما لا يعلمه الآخرون ، (غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو خالق الغيب والمسيطر عليه والمحيط به ، فلا يملك أحد علمه إلا من خلال ما يريد الله له أن يعلمه.

(أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) ـ وهما من صيغ التعجّب ـ توحيان بدقّة السمع والبصر وكمالهما ، بالمستوى الذي لا يدانيه أيّ سمع وبصر ، وهو كناية عن إحاطته الكاملة بالأشياء ، في ما يمثله السمع والبصر من وسيلة المعرفة ، فإن الله يعلم حالهم حتى في أدقّ الأشياء خفاء ، ويسمع مقالهم حتى في أشد الكلمات همسا. (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) فليس لغيره الولاية عليهم ، بل الولاية له وحده ، فكل ما في الكون محتاج إلى ولايته وخاضع له ، لأنه الخالق للحياة كلها وللإنسان كله ، وهو الذي يمدّها ويمده بقابلية الاستمرار من خلال ما يفيض عليها وعليه من نعمه التي هي الشرط الأساسي للبقاء. (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) فهو الحاكم المستقل بحكمه ، فلا يشرك غيره فيه ، لأنه لا يحتاج إلى أحد ، فهو المطلع على كل خفايا الأشياء والمهيمن عليها ... فلا حاجة إلى مشورة أو معونة من أحد ، كما يحتاج الحاكم إلى ذلك نتيجة محدودية علمه وقدرته. وهذا تأكيد للإحاطة الكاملة لعلمه ـ سبحانه وتعالى ـ الذي يجعل ما يخبر به حقيقة كاملة لا ريب فيها ولا شك ، ولا غموض ولا إبهام.

* * *

٣٠٨

الآيتان

(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨)

* * *

معاني المفردات

(مُلْتَحَداً) : ملجأ ، حرزا ، محيصا ، ميلا.

(بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) : في الصّباح والمساء.

(فُرُطاً) : مجاوزا للحد.

* * *

٣٠٩

مناسبة النزول

وقد ذكر المفسرون ـ في سبب نزول هذه الآية ـ أن عيينة الفزاري ـ أحد رؤوس المشركين ـ أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرأى عنده جماعة من فقراء أصحابه ، فيهم سلمان الفارسيّ ، وعليه شملة قد عرق فيها ، وبيده خوص ـ ورقة النخل ـ فقال عيينة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما يؤذيك ريح هؤلاء ، ونحن سادات مضر وأشرافها ، فإن أسلمنا أسلم الناس ، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء ، فنحّهم عنك حتى نتبعك ، أو اجعل لهم مجلسا ، ولنا مجلسا .. فنزلت الآية (١).

وقد لا نستطيع الجزم بصحّة هذه الرواية ، ولكن جوّ الآية يوحي بوجود شيء من هذا القبيل ، لأن القرآن كان يرعى حركة الرسالة في شخصية الرسول وفي حركة المؤمنين ، ليضع له ولهم المنهج من خلال القضايا المطروحة آنذاك ، التي كانت تعتبر نقطة انطلاق لتأكيد المنهج وتثبيت القاعدة ، فلم تكن المسألة ردّ فعل للواقع المضادّ ، بل كانت بمثابة تحريك النظرية من موقع التطبيق ، وتركيز القاعدة من خلال الواقع.

* * *

وحي الله هو الحقيقة النهائية

وهذا خطاب للنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصفته الرسالية التي تتحرك في خط الدعوة إلى الله ، والعمل في سبيله ، والإشراف على حركة الواقع في هذا

__________________

(١) مغنية ، محمد جواد ، تفسير الكاشف ، دار العلم للملايين ، ط : ٤ ، ١٩٩٠ م ، ج : ٥ ، ص : ١٢١ ـ ١٢٢.

٣١٠

الخط ... وبذلك يكون خطابا لكل داعية رسالي في طريقة حمله للدعوة ، وفي علاقته بالمؤمنين ، لأن خصوصية الخطاب للدعوة في خطه ، لا للنبوة في شخصه.

(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) وبلّغ للناس الحقيقة الحاسمة الكاملة من دون زيادة ولا نقصان. (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لأن الله هو الذي يوحي بالكلمة من موقع علمه الكامل بالأشياء في ما يصلح الحياة وما يفسدها ، فلا مجال لأي تغيير أو تبديل فيها ، لأنها لا تنطلق من خلال الظروف المحدودة القابلة للتغيير ، أو العلم المحدود الذي قد يكتشف الخطأ في بعض معلوماته ... وهكذا يؤكد الله هذه الحقيقة ، ليعرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدعاة من بعده ، أن وحي الله هو الحقيقة النهائية التي لا مجال فيها لأي تغيير ، فينطلقوا في الدعوة من موقع الثقة والثبات ، لا من موقع الحيرة والاهتزاز.

* * *

الله هو المحيط بكل شيء

(وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ولن تستطيع أن تتجه إلا إليه ، لأنه يحيط بك وبالكون كله من جميع الجهات ، وبذلك كانت كلماته هي الحقيقة التي لا مجال للمعرفة إلا من خلالها في ما تحتاجه الحياة في وجودها المستقر ، فلا مفرّ إلى أيّ مكان لغير الله ليميل إليه أو يلتجئ إليه. وبذلك ، يعيش الداعية وحدة الاتجاه في حركة الرسالة ، من حيث وحدة الحقيقة ووحدة المصدر لها ، وهو الله ، فلا تنحرف خطواته عن الخط المستقيم.

* * *

٣١١

الرساليون قوة الإسلام الحقيقية

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) إنها كناية عن التزام الموقف الرسالي للمؤمنين الضعفاء ، الذين آمنوا بالله وبالرسول من موقع اليقين ، واتبعوا النبي من موقع الإخلاص ، وانفتحوا على الله سبحانه من خلال وعيهم لحقيقة العبودية في وجودهم أمام الألوهية في ذات الله ، فابتهلوا إليه في حالات الخشوع ، ودعوه في مواقف الخضوع ، فهم يمثلون القوّة الحقيقية للإسلام في حركته ، لأنهم الذين يعيشون فكره بعمق وروحانيته بصفاء ، ويتحركون في خطّه بإخلاص ، ويواجهون التحديات في ساحة الصراع بقوّة. وهؤلاء هم الامتداد الرسالي في حركة الحاضر والمستقبل ، لأنّ الرسالة لا تمثّل ـ في وعيهم ـ الفرصة السانحة للحصول على الامتيازات الاجتماعية أو المنافع الشخصية ، بل تمثل ـ في حركتهم ـ الانطلاقة الواسعة نحو المسؤولية القائمة على أساس التضحية بكل شيء في سبيل الله من أجل خدمة الحياة والإنسان ، في ما يريد الله للعاملين أن يحققوه من ذلك.

وهكذا يريد الله من رسوله ، ومن كل داعية ، أن يحبس نفسه مع هؤلاء ، ويقربهم إليه ، ويعيش معهم ، ويصبر على مشاكلهم ، ويتحمل سلبياتهم ، لأنهم يعيشون مع الله في حياتهم وهو ما يمثله انقطاعهم إليه في الدعاء ، في مواقع عبادته في الصباح والمساء (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ولعله كناية عن إرادتهم لله وحده في كل وجهتهم في الحياة ، سواء في التزامهم الفكري أو العاطفي أو العملي ، أو في اتجاههم للحصول على رضاه ومحبته ، فهم في التزامهم وعملهم لا يلتفتون إلى غيره ، فالله هو غاية الغايات في حياتهم ، فمنه تتحرك بداية الحياة في كل خطواتهم ، وإليه ينتهي كل هدف وكل أمر ... وهذا هو الخط الذي يريد للدعاة أن يلتزموه في اختيار المجتمع الذي يكونون جزءا منه ، أو يلتزمون

٣١٢

حركته ، أو يتعاطفون معه. إنه المجتمع الذي يخلص أفراده لله في الفكر والروح والممارسة ، لأنه هو الذي يعطي لهم النمو الروحي من خلال الأجواء الروحية ، ويحقق لهم الشعور بالثقة والثبات في الموقف من خلال القوة التي يعيشها المؤمنون ويمارسونها في داخله ، وبذلك يكون المجتمع قوة لهم كما يكونون قوة له ، من خلال ما يعطونه من فكر أو يثيرونه في داخله من مشاعر وأجواء وقضايا.

(وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لا تصرف عيناك عنهم فتتركهم إلى مواقع الغنى والثروة والجاه والأجواء اللاهية العابثة التي تنادي الإنسان ليلهو ويعبث ويستمتع ويتزيّن ويستسلم للشهوات ويستريح للمواقع الطبقية التي يعيشها مجتمع الامتيازات الذي يتفاضل فيه الناس بالمال والجاه والنسب ونحو ذلك ، فإن الاتجاه إلى هذا المجتمع ، والاستسلام له ، يمثل لونا من ألوان البعد عن روح الرسالة ، والانحراف عن خط الله ، ويؤدي ـ بالنهاية ـ إلى احتقار المجتمع الفقير المؤمن ، والضيق به ، والنفور منه ، الأمر الذي قد يساهم في إضعاف الروح الرسالية لدى الرساليين ، وفي الإقبال على الأجواء اللاهية المثيرة التي تربط الإنسان بالجانب المنحرف من الحياة ، على أساس القيم المنحرفة التي يلتزمها مجتمع الله والعبث.

* * *

روحيّة مستكبرة

(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) من هؤلاء الذين استسلموا للغفلة في حركة وجدانهم الفكري والروحي ، فلم ينفتحوا على الله من موقع الفكر والروح ، ولم يصغوا بأسماع قلوبهم إلى آياته ، ولم يلتفتوا إلى مواقع قدرته وأسرار عظمته ، وعاشوا أجواء اللامبالاة أمام كل دعوات الحق والإيمان ، واستراحوا لما اعتادوه من أوضاع وعادات وتقاليد ، ولما حملوه من أفكار

٣١٣

ومشاعر ، فلا يقبلون أيّ تغيير أو تبديل لذلك ، وهذا هو المراد من إغفال الله لقلوبهم عن ذكره ، فليس المقصود أن الله يريد ذلك لهم بطريق الجبر الذي لا يملكون معه الاختيار ، بل المراد حصوله من خلال قانون السببية الذي يجعل الغفلة نتيجة حتمية للسلوك اللاهي المتمرد على كل دعوة للفكر وللحوار ، تماما كما في نسبة كل الأفعال الإنسانية إلى الله ، باعتبار أن حركة السببية في حياتهم التي تربط النتيجة بالمقدمات ، هي التي أودعها الله في كيانهم ، في الوقت الذي كانت حركة الأسباب بيد الإنسان. فالحتمية إنما هي في طبيعة السببية لا في حركة السبب.

لا تطع ـ يا محمد ـ هؤلاء الغافلين عن ذكر الله ، الذين تقودهم غفلتهم إلى الاستغراق في المعاصي والاستسلام للانحراف ، ولا تقبل على أيّ واحد منهم ، لأنه بسلوكه يبتعد عن الله ، ويقترب من الشيطان. (وَاتَّبَعَ هَواهُ) فلم ينطلق في حياته من قاعدة ثابتة تحكم كل تصرفاته وأوضاعه ، بل انطلق ذات اليمين وذات الشمال ، تبعا لهواه الذي يتغيّر حسب تغير الظروف والأوضاع. (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) متجاوزا لحدود الحق في أفكاره وأقواله وأفعاله ، ومنحرفا عن الصراط المستقيم. فإن إطاعته والانسجام معه ، يعني الالتزام بخط الانحراف الذي يمثله ، لأن التفاصيل الجزئية تتبع القاعدة الكلية في طبيعة الاستقامة والانحراف.

وهكذا رأينا ـ كما جاء في مناسبة النزول ـ هذه الروحية المستكبرة المتحركة من الموقع الطبقي للمجتمع الذي يحتله هؤلاء ، ورأينا كيف أرادوا أن يثيروا هذا الموقع في ساحة الإسلام ، ليؤكدوا التمايز بين مجتمع المترفين ومجتمع الفقراء ، فيعطي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهؤلاء دورا يحتفظ لهم بخصوصياتهم وامتيازاتهم ، ويعطي الآخرين دورا يشرف فيه على أوضاعهم ويحفظ لهم كرامتهم ، أو يطرد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفقراء من ساحة الإسلام ، ليكون الإسلام دين الأشراف من الفئة العليا المميزة في المجتمع ، ليمنحوه موقعا متقدما من خلال

٣١٤

الموقع المتقدم الذي يملكونه.

* * *

التقوى أساس في التفاضل

ولكن المسألة ـ في هذا الجو ـ ليست مسألة مجلس لهؤلاء أو مجلس لأولئك ، ليكون ذلك أساسا لحل المشكلة التي أثارها الأشراف المترفون ، بل هي مسألة القيمة الإسلامية الروحية التي أرادها الله للمجتمع في دائرة العلاقات الإنسانية ، وهي المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات في ساحة القانون ، واعتبار التقوى التي تمثل الإيمان العملي هي الأساس في التفاضل ، بعيدا عن أيّ موقع طبقي أو ماليّ أو اجتماعي ، أو غير ذلك ... فإن الاستجابة لهؤلاء تعني الإقرار لهم بالنظرة الفوقية التي ينظرون بها إلى المؤمنين الفقراء ، واعتبار الامتيازات التي يدّعونها لأنفسهم حقا شرعيا لهم على الآخرين ، مما يؤدي إلى التنازل عن حركة القيمة الروحية الإنسانية في حياة الناس ، وهذا ما لا يمكن الموافقة عليه ، ولهذا كان جوّ الآية ، يوحي بالرفض لهؤلاء الأشراف ، والإهمال لهم والبعد عنهم في مواجهة رفضهم للمساواة مع المستضعفين المؤمنين ، تأكيدا على أن قيمة الإيمان المنفتح على الله من موقع الإخلاص هي أعلى من كل قيمة أخرى ، وعلى أن مهمة الرسول ، أو الداعية ، أن يلتزم خط المخلصين من المؤمنين ويرعاهم ، لأنهم الأساس في انطلاقة المجتمع الإسلامي نحو التوازن والتكامل على خط الإسلام ، لأن الإيمان يمثل ـ في وجدانهم ـ القناعة الفكرية والروحية التي يعيشون الحياة من أجلها ، بينما يمثل الإيمان ـ للمترفين ـ الموقع الاجتماعي القويّ الذي فرض نفسه على الساحة ، ويريدون أن يتخذوا لأنفسهم مكانا داخله ، ليضيفوا على امتيازاتهم القديمة امتيازات جديدة ، من خلال ما يمثله الإسلام من مركز قوّة جديد ، ولهذا فهم يتعاملون معه من مواقع الخارج عن عمق الذات ، بينما يتعامل المؤمنون

٣١٥

المستضعفون معه من مواقع العمق الداخلي للذات. وهذا ما يجعل المترفين يبحثون في بعض أحكام الإسلام عمّا يتخذونه وسيلة لتبرير ترفهم ولهوهم وعبثهم ... ولو كان ذلك بطريقة التحريف واللعب على النصوص ، بينما يبحث المؤمنون عن أفضل الطرق لتطبيق أحكام الله ، ولتغيير أوضاعهم وعاداتهم وتقاليدهم من خلال ذلك ، وللاحتياط في تركيز المواقف على خط الشريعة ، بعيدا عما إذا كان ذلك منفعة لهم أو لا.

* * *

استيحاء الآية في حركة الواقع

وقد نستوحي من هذه الآية كيف يتحرك المؤمنون العاملون ، من علماء أو دعاة ، في مواجهة الإغراءات التي يقدمها إليهم المجتمع المنحرف ، ليكونوا جزءا منه ، ولينسجموا مع أوضاعه ، وليحصلوا على امتيازاته ... مما يفرض عليهم أن يقدموا كثيرا من التنازلات في أقوالهم وأفعالهم ومواقفهم ، وبذلك يبتعدون ـ نفسيا ـ عن أجواء المستضعفين ، وينظرون إليهم نظرة مستعلية ، انطلاقا من المواقع الجديدة التي ارتفعوا إليها ، عند ما يتحول الموقع الديني إلى مركز من مراكز النفوذ الاجتماعي أو الرسمي الذي يعطي للشخص الذي يحتله هالة كبيرة تفصله عن الجو الإيماني الفقير. وقد يؤدي ذلك إلى الابتعاد عن المواقف الحاسمة في طرح الإسلام بشكل حاسم واضح ، في مواجهة الطروحات الكافرة أو الضالة ، لأن ذلك قد يسيء إلى نظرة المجتمع الرسمي إليهم ، الذي لا يتقبل أن يقدّم الإسلام كحلّ شامل للحياة في مقابل الحلول الأخرى ، بل يريد له أن يقدّم كدين بمعناه التقليدي البعيد عن الحياة وعن حركة التحديات على صعيد الواقع والإنسان.

إننا نلاحظ التأكيد على هذا الجانب ، من أجل أن يبتعد العاملون عن

٣١٦

التجربة القاسية التي تبتعد بهم عن الاتجاه الصحيح إذا سقطوا أمامها ، ليحافظوا على جدّيتهم في خط الالتزام ، ورساليتهم في خط الدعوة إلى الله ، وانضباطهم في حركة الممارسة ، وليكونوا القاعدة التي تغير المجتمع بدلا من أن تكون جزءا منه.

* * *

سؤال وجواب

وربما يتصور البعض من العاملين أن الاندماج في المجتمع المترف يساعد على ربح مواقع متقدمة للإسلام ، وذلك لما يفتح لهم ، من خلالهم ، من آفاق ثقافية واجتماعية وسياسية ، مما يعطي الإسلام قوّة جديدة في مواجهة الكفر. وقد يساهم ـ إلى جانب ذلك ـ في الاستفادة من إمكاناتهم الاقتصادية في تشجيع المشاريع الخيرية العامة ، التي يقوم بها العاملون من أجل حل المشاكل الاجتماعية المعقّدة ، مما ينعكس إيجابا على حياة المستضعفين الذين يستفيدون من الخدمات التي تقدمها تلك المشاريع لهم.

ولكن هذا التصور ليس دقيقا ، بل يحمل بعض الخلل في تفاصيله ، لأن المسألة التي يثيرها القرآن الكريم ، في ما نريد أن نستوحيه من علاقات الداعية بالناس ، هي قضية عدم الاندماج في المجتمع المترف اللاهي ، البعيد عن روحية الإيمان وفكره ، وإهمال المجتمع المؤمن المستضعف الذي يحمل مسئولية الدعوة في خط الإسلام ، لأن ذلك يؤدي إلى كثير من السلبيات على صعيد مصداقية الداعية ، ومسئوليته الإسلامية ، وروحانيته الإيمانية ، وتحوّله إلى شخصية اجتماعية ، تتحرك من خلال قيم المجتمع المنحرف ، وتمنحها شرعية إسلامية من خلال الموقع الرسمي.

* * *

٣١٧

من أساليب الانحراف في الإغراء

ولعل من الأساليب التي قد يلجأ إليها المجتمع المنحرف لاحتواء العاملين الإسلاميين ، هو أسلوب التلويح بالإمكانات التي يملكها هذا المجتمع ، لمساعدة الأهداف المتنوعة للعمل الإسلامي على مستوى الدعوة والحياة ، فينطلق إليها العاملون من موقع الإخلاص ، ولكن اللعبة تبدأ في الالتفاف عليهم ، والدوران حولهم ، من أجل أن تحاصرهم وتجمّد مشاريعهم ، وتجعلهم لاهثين وراء استكمال هذا المشروع أو ذاك ، عند ما تقدم لهم المساعدات على دفعات ، من أجل أن تبقى الساحة خاضعة لهم بطريقة وبأخرى. وبذلك تأكل الحركة الإسلامية أهدافها ، عند ما تتحول الوسائل إلى أهداف ، وتغيب الأهداف في أجواء اللعبة المجنونة للمنحرفين.

إننا لا نمانع من الاستفادة من الفرص الاجتماعية والثقافية والمادية والسياسية التي يمكن لهذا المجتمع أن يقدمها إلينا ، لأننا لا ندعو إلى الانعزال الكامل عنه ، بل كل ما نريد أن نؤكده ، أن يكون للعاملين وعي الواقع ، من خلال وعي حركة اللعبة في داخله ، من أجل أن يواجه الموقف بطريقة ذكية واعية تلتف على اللعبة الخادعة لتعطل حركتها ، بدلا من أن تسمح لها بالالتفاف عليها.

إن خلاصة الفكرة هي أن يكون مجتمع الإيمان هو الساحة التي يحترمها العاملون الدعاة إلى الله ، ويتحركون فيها من موقع أن الإيمان هو القيمة ، وليس هناك شيء آخر يقترب من مستواها أو يعلو عليها ، بحيث يكون اللقاء بالآخرين من داخل حركة هذا المجتمع لا من خارجه بطريقة مضادّة له.

* * *

٣١٨

الآيات

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١)

* * *

معاني المفردات

(سُرادِقُها) : السرادق : الخيمة ، أو الدخان المرتفع المحيط بالشيء.

(كَالْمُهْلِ) : كخثارة الزيت.

(مُرْتَفَقاً) : متّكأ.

(سُنْدُسٍ) : ما رقّ من الثياب.

٣١٩

(وَإِسْتَبْرَقٍ) : ديباج وقيل هو الحرير.

* * *

المضمون الفكري للإسلام

وهذا خطاب للنبي في الإعلان عن المضمون الفكري للإسلام ، في مواجهة المضامين الفكرية الأخرى التي يتبناها دعاة الكفر والضلال ، وتأكيد على حركة الدعوة الحاسمة في ساحة الصراع ، من أجل أن تضع الناس أمام مسئولياتهم في إثارة التفكير لديهم في مسألة الكفر والإيمان ، من خلال البراهين العلمية والعقلية التي تؤكد الخط الإسلامي وتثبت واقعيته ، لأن دور الدعاة إلى الله يمكن في إثارة التفكير الجادّ أمام علامات الاستفهام التي تطرحها الدعوة في الساحة ، ليؤمن من يؤمن عن بيّنة ، ويكفر من يكفر عن بيّنة ، فلا يكون للناس حجة على الله ، بل تكون الحجة له عليهم.

* * *

دعوة الرسول إلى التزام موقف حاسم من الكفار

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) قل لهؤلاء الناس ، بطريقة حاسمة ، هذا هو الحق من ربكم في العقيدة والشريعة والمنهج ، في ما يريد الإسلام أن يخطط له في حياة الإنسان. قلها ولا تخف ، ولا تتراجع ... مهما أثار الآخرون حولك من تهاويل ومشاكل ، ومهما قدّموا لك من إغراءات. قلها ، كلمة حاسمة لا تختفي وراء الأقنعة المتعددة من الكلمات التي تحاول أن تهرب من التصريح بالإسلام ، كوجه للدعوة أو للحركة أو للموقف ، لأنها تخاف من السلبيات

٣٢٠