تفسير من وحي القرآن - ج ١٤

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ١٤

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٣

الآية

(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) (٣٧)

* * *

معاني المفردات

(مَرَحاً) : كبرا.

(تَخْرِقَ) : تشق.

* * *

الموعظة تكون بالكلمة والقدوة

وهذه لفتة أخلاقية تقدم للإنسان المسلم نموذجا من السلوك الأخلاقي الأمثل في السير بين الناس ، وتوحي إليه بضرورة تجسيد التواضع في مشيه كما يجسده في سلوكه العملي ، على مستوى العلاقات العامة والخاصة في الحياة الاجتماعية ، لأن الله يريد للقيم الروحية في الداخل أن تبرز في الجانب

١٢١

الشكلي والمظهر الخارجي للإنسان ، حتى يتحول إلى أخلاق حيّة متجسّدة تتحرك بين الناس ، فيرى الناس فيه الموعظة في القدوة ، كما يرون فيه الموعظة بالكلمة.

وقد تحدثت الآية عن ذلك من خلال إبراز الجانب السلبي المضاد ، الذي يوحي بالجانب الإيجابي المنسجم مع الخط الإسلامي المستقيم.

* * *

الله يسخر من المتكبرين

(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) وهي مشية الخيلاء والزهو والتكبّر والعظمة ، المملوءة بالفرح الداخلي المتحرك من مواقع الأنانية ، النابضة بالإحساس المرضيّ باحتقار الآخرين. ولماذا تمشي هذه المشية الاستكبارية التي تدقّ فيها الأرض بقدميك بقوّة ، حتى تكاد تسمع صراخ الأرض من تحتهما ، وترفع رأسك وعنقك وكتفيك في وقفة استعلاء ، كما لو كنت تريد أن تزيد في طولك مقدارا يعلو عن طولك الطبيعي؟ هل تريد أن تخرق الأرض فتنزل إلى أعماقها ، أو تريد أن تبلغ الجبال في طولك؟ إن الأرض ستبقى في صلابتها التي لن تتأثر بضربات قدميك ، وحجمك سيظل في ارتفاعه الطبيعي دون أن يزيد بوصة واحدة ، فلما ذا تجهد نفسك وترهق قوتك بهذا العناء ، هل لتوحي للآخرين بأنك عظيم وكبير في ذاتك ، كما أنت كبير وعظيم في طريقة سيرك؟ أيّها الإنسان كن واقعيا وتواضع ، فإنك لن ترتفع ألا بعلمك وإيمانك وأخلاقك واحترامك للآخرين ، وخذ حجمك الطبيعي وتحرّك من خلاله. (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) إنها الكلمات الإلهية اللاذعة المليئة بالسخرية والاحتقار لهذا الإنسان ، الذي يريد أن يرتفع من مواقع السقوط ، ويكبر من مواقع الصغار.

* * *

١٢٢

الآيتان

(كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) (٣٩)

* * *

معاني المفردات

(سَيِّئُهُ) : السيّئ : العمل القبيح ، الذي يمثل المعصية.

(مَدْحُوراً) : مبعدا من رحمة الله.

* * *

توحيد الفكر والعمل

(كُلُّ ذلِكَ) من الأخلاق السلبيّة التي تثقل روح الإنسان وحياته بنتائجها الشقية ، (كانَ سَيِّئُهُ) الذي يمثل معصية الله التي تنتهي إلى سخطه ، وتؤدي بالإنسان إلى الجحيم (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) لأن الله يكره كل قبيح من الأخلاق

١٢٣

والأفعال ، لما فيه من المفاسد والمضار على حياة الإنسان.

(ذلِكَ) المنهج الأخلاقي العملي الذي كانت المفردات المتقدمة نماذج حيّة لأمثالها من القيم الروحية الإنسانية ، (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) التي تعمّق للإنسان رؤيته الواقعية ، التي يعرف بها موازين الأشياء ومناسباتها ، بالطريقة التي تقرّبه من الصواب وتبعده عن مواقع الخطأ في حركة النظرية والتطبيق. وبهذا نعرف أن الحكمة تمثل الخط العملي الذي يدرّب الإنسان على التحرّك في الخط المستقيم نحو الهدف الكبير الذي يلتقي عنده العقل والإيمان والرؤية الواضحة لطبيعة الساحة العملية.

(وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) في عقيدتك وطاعتك ، في ما يمثله توحيد الفكر والعمل ، فإن ذلك هو الذي يوحّد لك المنهج الفكري والأخلاقي والتشريعي ، فيمنع طريقك من الانحراف ، وخطواتك من الزلل ، وهدفك من الضياع. أمّا إذا ابتعدت عن خط الاستقامة ، وعبدت آلهة الأرض من الطغاة والمستكبرين ، فسترتبك خطواتك ، وستعيش الحيرة في تصوراتك والقلق في مشاعرك والانهيار في مواقعك في ساحة الحياة ... (فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) تلوم نفسك على ما أسرفت فيه ، وما أسلفته من أعمال ومواقف ، (مَدْحُوراً) مطرودا مبعدا من رحمة الله.

* * *

١٢٤

الآيات

(أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤)

* * *

معاني المفردات

(أَفَأَصْفاكُمْ) : أفخصّكم.

(صَرَّفْنا) : بيّنّا.

(لِيَذَّكَّرُوا) : ليتفكروا.

(نُفُوراً) : بعدا.

(لَابْتَغَوْا) : لطلبوا.

١٢٥

(لا تَفْقَهُونَ) : لا تفهمون.

* * *

القول العظيم

في هذه الآيات حديث عن مسألة الشرك والتوحيد ، في التصورات الخرافية لدى المشركين المعاصرين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي أجواء اللامبالاة التي يعيشها هؤلاء إزاء التعاليم التي يثيرها القرآن في عقولهم ، فيرفضونها من دون وعي أو مناقشة أو التفات إلى الأدلة التي تقود إلى التوحيد كحقيقة ثابتة ، لا مجال لإنكارها لأيّ شخص يواجه الكون كله بنظرة منفتحة تطوف في رحابه ، فيجد كل مظاهره في حركة وعي تكويني توحي بحمد الله وتسبيحه والخضوع له في كل شيء.

(أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) في ما تحملونه في مفاهيمكم من احترام الذكر واحتقار الأنثى ، فتقولون إن الملائكة بنات الله ، بينما تؤثرون أنفسكم بالبنين ، فكيف تبررون هذا الكلام؟ فإذا كان الله خالق كل شيء ، فكيف يكرمكم بما لا يكرم به نفسه ، إذا كان ذلك في تصوركم أساسا للتكريم؟ ثم لماذا يتخذ الله لنفسه إناثا أو ذكورا بعنوان الوالد ، وهو رب كل شيء ، والغني عن كل أحد ، فما حاجته إلى الولد؟ إن هذا القول لا يملك أيّ معنى في مضمونه ، ولا يرتكز على أي دليل في إثباته. هذا بالإضافة إلى ما يشتمل عليه من الخطورة في الجرأة على الله ، والإساءة إلى مقامه العظيم. (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) في نتائجه الخطرة على مستوى الانحراف في التصور ، والهلاك في المصير.

* * *

١٢٦

تنوع الأسلوب القرآني

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) وذلك بما أثرناه فيه من تنوّع الأساليب ، من أجل أن يلائم كل الأفكار ، ويلتقي بالحقيقة من أكثر من طريق ، فإذا لم يقتنع البعض بالفكرة من خلال أسلوب ، اقتنع بأسلوب آخر ، وإذا لم ينسجم مع بعض المفاهيم أو الأمثلة ، أمكنه أن يجد الانسجام في مفهوم آخر أو مثل آخر ، ليعيش الناس الوعي القرآني في كل آية من آياته ، وفي كل فكرة من أفكاره ، فيكون ذكرى لهم من خلال ما تطرحه الآيات أمامهم من علامات الاستفهام ، أو تواجههم به من مشاكل المعرفة أو أخطار النتائج السيّئة في مسألة المصير. ولكن مشكلة هؤلاء أنهم يرفضون التفكير ، لأنهم لا يريدون أن يغيّروا ما اعتادوه وألفوه في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، مما يجعل من أيّة دعوة تغييرية سببا في تعقيد مواقفهم ، وإثارة مشاعرهم ، ونفورهم من الداعي ودعوته ، لأن ذلك يؤدي إلى إحراجهم وتعرية أوضاعهم عند ما ينكشف الزيف الذي يختبئون خلفه ، فيبدو أمرهم للناس في صورة الذي ينكر الحقيقة في مواقع الوضوح ، لا في مواقع الغموض ، وهكذا يواجهون ما يتلو عليهم الدعاة من القرآن.

(وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) فكل آية يسمعونها تثير الحقد في نفوسهم بدلا من المحبة ، والجهل بدلا من المعرفة ، لأنهم يتحركون في مواجهتهم له من موقع عقدة ، لا من موقع تفكير ووعي وإخلاص ، ولكن القرآن يبقى في آياته عنصر توعية وتذكير ، في مجالات الدعوة والتحدّي ، ليكون حجّة عليهم أمام الله ، وشاهدا على جهلهم وعنادهم ، وقد كان الشعار النبويّ في حركة الرسالات في الدعوة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢].

* * *

١٢٧

فكرة الشريك ليست واقعية

(قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) وهذه حجة وجدانية على نفي الشريك ، فإن الشركة في الألوهية تعني قدرة الشريك على مواجهة شريكه ، وذلك لما يملكه من أسباب القدرة التي تفرضها طبيعة الصفة الإلهية في ذاته ، وذلك من خلال حب السلطة والتوسع والعلو الذي يدفعه إلى تأكيد عظمته واندفاعه للوصول إلى مقام ذي العرش والدخول معه في صراع عنيف ، ولكن ذلك غير ثابت ، ولو حدث مثل ذلك ، لظهر في الكون من خلال ما ينتجه من مظاهر الصراع أو الغلبة وتغيّر الحياة في نظامها إلى نظام آخر ، ولكن الحياة لا تزال في طبيعتها لم يتغير شيء في قوانينها ، ولم تحدث لها أيّة مشكلة ، مما يعني أن فكرة الشرك ليست واقعية ، ولا تخضع لأي أساس ثابت. ولعل مساق هذه الآية هو مساق قوله تعالى : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١] ولا يبعد أن يكون فيها بعض التلميح إلى الآية الكريمة (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] وذلك من خلال ما توحي به من الفكرة في ما تدل عليه من بطلان وصولهم إلى ذي العرش ، الذي لا يمكن لنا أن نكتشفه إلّا من خلال استتباعه للنتائج السيئة التي يفرضها واقع الصراع على السلطة ، وهذا ما لا نجد له أثرا على صعيد الكون كله.

(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) فهذه الكلمات التي يطلقها هؤلاء في نسبة الشريك إليه لا تنسجم مع عظمته التي لا يقترب منها شيء ، وقدرته التي لا يحدّها شيء ، وربوبيته المهيمنة على كل شيء ، لأنه خالق كل شيء ورازقه ، مما يجعل من أي كلام من هذا النوع إساءة لمقام جلاله وقدسه ، وهو المنزّه المتعالي عن كل ما يقولونه ، لأنه في المقام الأسمى الذي لا يعلو عليه

١٢٨

شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يدانيه شيء مهما كان عظيما ، لأن عظمته في ذاته ، بينما تنطلق عظمة كل شيء من فيوضات عظمته ورحمته ، بل هي مظهر عظمته في إعطاء كل شيء خلقه وقوّته وحركته في الحياة.

* * *

الكون يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحه

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) «سبحانه» كلمة ومضمون تنطق بها الموجودات كلها ، ممن تملك الوعي والإدراك والنطق ، وممن لا تملكه ، فكل موجود يفصح عن ذلك بمظاهر وجوده وخصائصه الدالة على عظمته وتنزيهه عن كل شريك ، مما يوحي بانفراده بكل عناصر العظمة في ذاته. وهذا ما يستوحيه الإنسان عند ما يتطلّع إلى السماوات ، فيجد فيها تلك العوالم الشاسعة الكبيرة المشتملة على أسرار الإبداع ، أو يتطلع إلى الأرض ، فيجد فيها الجبال والصحاري والبحار والأنهار ، والموجودات الكامنة فيها ، والمتحركة على صعيدها أو في أجوائها في ما لا يعرفه الإنسان من الموجودات الخفية ... إنه يحس بوجدانه وبفكره كيف تنطق هذه الأكوان والموجودات بعظمة الله ، فلا يملك إلا أن يخشع أمام العظمة المطلقة اللامتناهية ، ويعترف بأن الله ـ هو وحده ـ خالق ذلك كله ، ولكنه لا يستطيع أن يتدرك عمق هذه التسبيحات الكونية بما تختزنه من أسرار وما تثيره من أفكار ، لأننا لم ندرك من ذلك إلا القليل القليل.

وقد أثار صاحب تفسير الميزان بعض الحديث حول ما إذا كان التسبيح هنا ، في الموجودات الجامدة أو غير الناطقة ، تسبيحا حاليا ، يتمثّل الإنسان فيه

١٢٩

مظاهر العظمة الناطقة بوجودها بتنزيه الله وتعظيمه ، أو تسبيحا قوليا ، باعتبار أن القول أو الكلام في حقيقته هو «الكشف عما في الضمير بنوع من الإشارة إليه والدلالة عليه ، غير أن الإنسان لما لم يجد إلى إرادة كل ما يريد الإشارة إليه من طريق التكوين طريقا ، التجأ إلى استعمال الألفاظ ، وهي الأصوات الموضوعة للمعاني ، ودل بها على ما في ضميره ، وجرت على ذلك سنة التفهيم والتفهّم. وربما استعان على بعض مقاصده بالإشارة بيده أو رأسه أو غيرهما ، وربما استعان على ذلك بكتابة أو نصب علامة. وبالجملة ، فالذي يكشف به عن معنى مقصود ، قول وكلام وقيام الشيء بهذا الكشف قول منه وتكليم ، وإن لم يكن بصوت مقروع ولفظ موضوع ، ومن الدليل عليه ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الكلام والقول والأمر والوحي ، ونحو ذلك مما فيه معنى الكشف عن المقاصد ، وليس من قبيل القول والكلام المعهود عندنا معشر المتلسنين باللغات ، وقد سمّاه الله سبحانه قولا وكلاما.

وعند هذه الموجودات المشهودة من السماء والأرض ومن فيهما ما يكشف كشفا صريحا عن وحدانية ربها في ربوبيته ، وينزهه تعالى عن كل نقص وشين ، فهي تسبح الله سبحانه» (١).

ثم يفيض في الحديث عن المسألة ، وينتهي إلى القول في معرض توضيح الفكرة فيقول: «وبلفظ آخر ، إذا لوحظت الأشياء من جهة كشفها عما عند ربها ، بإبرازها ما عندها من الحاجة والنقص مع ما لها من الشعور بذلك ، كان ذلك تسبيحا منها ، وإذا لوحظت من جهة كشفها ما لربها ، بإظهارها ما عندها من نعمة الوجود وسائر جهات الكمال ، فهو حمد منها لربها ، وإذا لوحظ كشفها ما عند الله سبحانه من صفة جمال أو جلال ، مع قطع النظر عن علمها وشعورها بما تكشف عنه ، كان ذلك دلالة منها عليه تعالى وهي آياته.

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ١٠٦.

١٣٠

وهذا نعم الشاهد على أن المراد بالتسبيح في الآية ليس مجرد دلالتها عليه تعالى ، بنفي الشريك ، وجهات النقص ، فإن الخطاب في قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) إمّا للمشركين ، وإما للناس ، أعم من المؤمن والمشرك ، وهم على أيّ حال يفقهون دلالة الأشياء على صانعها ، مع أن الآية تنفي عنهم الفقه» (١).

وإننا نتحفظ في ما ذكره من شمول الكلام ، للدلالة على كل ما يكشف عن المقصود حتى لو لم يكن باللفظ ، وذلك لصحة السلب عن غير موارد الدلالة باللفظ ، ولذا يقال للأخرس إنه لا يتكلم ، كما يقال للحيوانات ذلك. وأمّا ما نجده في بعض الإطلاقات ، فإنه وارد على سبيل الاستعارة المجازية.

وقد لا نستطيع اعتبار هذا البحث ذا ثمرة عملية ، لأن الجميع ممن يعتبر التسبيح للموجودات واردا على نحو الحقيقة أو المجاز ، متفقون على طبيعة المضمون التسبيحي الدّالّة على عظمة الله وتنزيهه ، ولكننا أشرنا إليه لما فيه من الطرافة.

وقد ختم القرآن الآية بقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) للتدليل على أن الله لا يواجه هؤلاء الذين يشركون به ، أو ينفرون من الاستماع إلى آياته ، بالعقاب العاجل ، بل يمهلهم ليراجعوا أفكارهم ، وليتعرّفوا على مواقع الخطأ في مواقفهم ، ليتوبوا ويرجعوا إليه ، فيغفر لهم ذنوبهم ، ويشملهم بعنايته ورحمته ، لأنه الحليم الغفور.

* * *

__________________

(١) (م. س) ، ج : ١٣ ، ص : ١٠٩.

١٣١

الآيات

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٤٨)

* * *

معاني المفردات

(حِجاباً) : ستارا.

(أَكِنَّةً) : أغطية.

(وَقْراً) : ثقلا في الأذن.

(نُفُوراً) : بعدا.

(نَجْوى) : مسارّون : يتناجون في ما بينهم.

١٣٢

(مَسْحُوراً) : مخبول العقل.

* * *

مناسبة النزول

قيل نزل قوله (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ...) الآية في قوم كانوا يؤذون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باللّيل إذا تلا القرآن وصلّى عند الكعبة ، وكانوا يرمونه بالحجارة ويمنعونه عن دعاء الناس إلى الدّين ، فحال الله بينه وبينهم حتى لا يؤذوه. عن الزّجّاج والجبائي (١).

* * *

الحجاب المستور

إنها الصورة الحية للجماعات التي كانت تواجه الدعوة الإسلامية الجديدة بالجمود والتمرّد ، من خلال الوجه الداخلي الذي يختفي وراء غشاء كثيف من المظاهر الخادعة التي يستقرون وراءها من أوضاع ومواقع اجتماعية ومبررات سطحية.

ومن خلال هذه الصورة ، نستطيع التعرّف إلى المشاكل المعقّدة التي كانت تحيط بالرسول الداعية في دعوته ، وتحاول أن تهزمه نفسيا بالأساليب النفسية المثيرة.

__________________

(١) مجمع البيان ، ج : ٦ ، ص : ٥٤٠.

١٣٣

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً). ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية وجهين ، أحدهما : غيبيّ ، فقد قال الكلبي : ـ في ما نقله عنه صاحب مجمع البيان ـ وهم أبو سفيان والنضر بن الحارث وأبو جهل وأم جميل امرأة أبي لهب ، حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، وكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه (١) ، وثانيهما : أن فقرة (جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً) بمعنى باعدنا بينك وبينهم في القرآن ، فهو لك وللمؤمنين معك شفاء وهدى ، وهو للمشركين في آذانهم وقر وعليهم عمى ، فهذا هو الحجاب ، وهذا التفسير عن أبي مسلم(٢).

ولكن هذين الوجهين لا ينسجمان مع جو الآية الذي يؤكد على العنصر الذاتي في رفض الإيمان ، هذا مع ملاحظة أن مثل هذه التفسيرات لا ترتكز على قاعدة ، بل تنطلق ـ غالبا ـ من اجتهادات ذاتية ؛ فقد يتساءل المتأمّل عن معنى هذا الحجاب بين هؤلاء وبين النبي عند قراءته للقرآن بحيث لا يرونه ، فهل المسألة هي حمايته من أنظارهم أو من الاعتداء عليه ، وهل القضية ذاتية بالنسبة إليه في تلاوته للقرآن ، أم أنها للدعوة وللحوار وللتواصل معهم من أجل أن يهتدوا به؟! ثم ما الوجه في اختصاص هؤلاء بذلك ، في الوقت الذي كان الكثيرون من قريش ممن يرون رأي هؤلاء ويتصرفون على طريقتهم؟!

وما الفائدة ـ في أجواء التفسير الثاني ـ بالتأكيد على المباعدة الإلهية بين القرآن وبين المشركين ليكون عمى لهم ، بينما هو شفاء للمؤمنين ، وذلك بالتعبير عن المسألة بأنه حجاب مستور؟!

ولعل الأظهر ـ في معناه ـ هو الحجاب النفسي الذي جعله الله من خلال حالتهم الداخلية في رفض الإيمان ومواجهة القرآن بطريقة اللّامبالاة ، مما

__________________

(١) (م. س) ، ج : ٦ ، ص : ٥٤١.

(٢) (م. ن) ، ج : ٦ ، ص : ٥٤١.

١٣٤

يجعلهم لا يدركون مضامينه في العقيدة والشريعة ، ولا يلتزمون مفاهيمه في الكون والحياة ، كأيّة حالة داخلية رافضة في تأثيرها السلبي على وعي الإنسان للمسألة المرفوضة.

أمّا خصوصية عدم إيمانهم بالآخرة ، فقد تكون ناشئة من كون هذا البعد عن خط الإيمان بالآخرة يمنع الإنسان من مواجهة الأمور مواجهة فكرية وعمليّة مسئولة في ما ينبغي أن يؤمن به أو يعمل به ، لأنه لا يجد أية ضرورة ضاغطة في هذا الاتجاه ، فتبقى المسألة خاضعة للمزاج الذاتي الذي يلتقي بالعوامل الطارئة البعيدة عن عمق الأشياء في نطاق المصلحة المنفتحة على حياة الإنسان.

أمّا توصيف الحجاب بأنه مستور ، مع أن المعنى يلائم التعبير بأنه ساتر ، فقد ذكر البعض «أن «مفعول» فيه للنّسب أي حجابا ذا ستر ، نظير قولهم : رجل مرطوب ، ومكان مهول ، وجارية مغنوجة ، أي ذو رطوبة ، وذو هول ، وذات غنج ، ومنه قوله تعالى: (كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم : ٦١] أي ذا إتيان» (١).

«وعن الأخفش أن «مفعول» ربما ورد بمعنى فاعل ، كميمون ومشؤوم بمعنى يامن وشائم ، كما أن «فاعل» ربما ورد بمعنى مفعول ، كماء دافق أي مدفوق. فمستور بمعنى ساتر» (٢).

ويذكر صاحب الميزان وجها آخر ، وهو «أنه حجاب مستور عن الحواس ، على خلاف الحجابات المتداولة بين الناس ، المعمولة لستر شيء عن شيء ، فهو حجاب معنويّ مضروب بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنه قارئ للقرآن حامل له ، وبين المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة ، يحجبه عنهم فلا

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ١١١.

(٢) (م. ن) ، ج : ١٣ ، ص : ١١١.

١٣٥

يستطيعون أن يفقهوا حقيقة ما عنده من معارف القرآن ويؤمنوا به» (١).

ولكن قد يرد عليه أن جوّ الآية يوحي بأن الوصف لتأكيد دور الحجاب في المنع عن الإيمان ، من خلال كونه حائلا بين الناس وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإيمان بالقرآن ، مما يقرّب معنى الساتر لا المستور ، ويرجّح أنه وارد على نحو النسبة أو الفاعل ، فقد لا يكون هناك فائدة كبيرة في بيان خفاء الحجاب عن الأعين ، اللهم إلا أن يكون ذلك فائدة للإيحاء بالعنصر الداخلي المعنوي للحجاب في مقابل الحجاب الخارجي المادي.

(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) وهذا تأكيد للحجاب ، فإن الأكنّة جمع كنّ ـ بالكسر ـ وهو ما يحفظ فيه الشيء ويستر به عن غيره ، فكأن هناك غشاء يغطي القلب ويمنعه من الانفتاح على حقائق القرآن ومفاهيمه ، (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي ثقلا في السمع ، فيتلقونه كما يتلقى الشخص الثقيل السمع الكلمة التي تلقى إليه ، فلا يسمعها إلا كما يسمع الصدى الذي لا يفهم منه شيء لعدم تميز الملامح التفصيلية للكلمة فيه. وهكذا نجد القرآن ثقيلا على أسماعهم ، فلا ينفتحون عليه انفتاح وعي لمفاهيمه ، لأن السمع لا يحقّق أية نتيجة للمعرفة إلا إذا انفتح العقل عليه ، وهذا ما نراه في الكثيرين الذين يسمعون الحديث ، ولكن قلوبهم مشغولة بشيء آخر ، فلا يلتفتون إلى معانيه ، تماما كمن لم يسمع الحديث أصلا.

* * *

__________________

(١) (م. س) ، ج : ١٣ ، ص : ١١٠.

١٣٦

الهروب من الحقيقة

(وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) لأنهم لا يطيقون كلمة التوحيد التي تلاحق أفكارهم بالحقيقة الواضحة التي تفرض نفسها على الفكر والشعور ، فتكشف لهم زيف الواقع العقيدي والعبادي الذي يتحركون فيه ، فينفرون منها كما ينفر الإنسان من الأشياء التي تضغط على مزاجه ، أو تطارد أفكاره. وهذا هو حال كل شخص يخاف من الحقيقة التي لا يريد الاعتراف بها ، فيعمل على الهروب منها ، ليوحي لنفسه أو للآخرين بأنه لم يواجهها ، ليكون ذلك عذرا له في الإنكار والرفض.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) وهذا إيحاء من الله للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكل داعية للحق ، في مثل ظروفه ، بأنه يعلم كل الخلفيات التي يختفي خلفها أعداؤه في ما يضمرونه في أنفسهم ، وما يهمسون به في نجواهم ، وأنه يعرّفه من ذلك ما يجهله ، بالوحي تارة ، وبالإيحاء الداخلي أخرى ، ليواجه ذلك كله بالتحفظ والاستعداد للتخطيط المضادّ. وهكذا أراد الله أن يعمّق الثقة ، في وعي النبي لدوره ، برعاية الله ، فهو أعلم بما يستمعون به من آذانهم التي ترنّ فيها الكلمة عند ما تدخلها ، وكيف تدخل وتستقر ، وما الروحية التي تكمن خلف ذلك؟ هل هي روحية الذي يستمع ليؤمن ، أو الذي يستمع ليشاغب وليحرّف الكلم عن مواضعه ، وليكتشف الأفق المظلم الذي يحرّك أشباح الحقد والسوء أمام الرسول أو الداعية؟؟

وهو أعلم بما في قلوبهم التي يستمع بها الإنسان ، بالاستماع الداخلي الذي تتحرك فيه الكلمة لتعمق فكرة ، أو لتثير شعورا ، أو لتحرك خطوة ، أو لتفكّر في خطّة مضادة ... ليدبّر المكائد وليزرع الأرض بالأشواك. وهكذا يستمع الإنسان بقلبه ، كما يستمع بأذنيه ، والله هو المطلع عليها جميعا ،

١٣٧

يعرف كيف يستمعون إليه بروحية الناس الذين ينظرون إليه بحقد واستهزاء ، ويواجهون كلماته بإهمال وكيد.

* * *

دأب الخصوم على تشوية صورة الدعاة

(وَإِذْ هُمْ نَجْوى) يتناجون في ما بينهم ، كيف يمنعونه من إبلاغ رسالته ، وكيف يحولون بين الناس وبينه؟ وما الكلمة التي يقولونها للناس كعنوان لشخصيته التي لا يريدون لها أن تظهر في موقع الرسالة ، بل في موقع آخر يحتقره الناس ولا يحترمونه؟

(إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) من هؤلاء المشركين ، الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك ، وظلموا الرسول وصحبه بالتعسّف والإيذاء والتآمر عليهم وعلى الرسالة ، عند ما يحدّثون الناس الذين اتبعوا الرسالة وآمنوا بالرسول ، ليخذلوهم عنه.

(إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) خاضعا لأساليب السحر التي أثّرت على عقله وسلوكه وطريقته في الحديث مع الناس. وهذا هو دأب كل خصوم الرسالات الحقّة الّذين يثيرون أمامها الكلمات التي تشوّه صورة الدعاة والرسل ، بما يحول بينهم وبين الناس نفسيّا أو عقليا ، في عملية إيحائيّة بأنهم ليسوا في مستوى القيادة الفكرية أو العملية ، وذلك لما يكمن في شخصياتهم من خصائص سلبيّة ، انطلاقا من حالة مرضيّة أو عقليّة. وهكذا كانت تهمة السحر من التهم الكثيرة التي وجهت للأنبياء ، بين كلمة تصفه بالساحر ، لتجعل تأثيره في الناس منطلقا من السّحر لا من الفكر المقنع ، وبين كلمة تصفه بالمسحور ، لتوحي بأنه لا يتحدث من موقع عقليّ هادئ ، بل من موقع

١٣٨

المجنون الذي لا يصدر عنه إلا التصرّفات البعيدة عن الحكمة والاتزان. وما تزال الكلمات تتنوع تبعا للأجواء النفسية التي يتأثّر بها الناس سلبيا ، في مواجهة الرسالات في كل زمان ومكان.

(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) في أساليبهم المعقّدة المتنوّعة ، التي يهربون بها من أنفسهم ومن الحقيقة التي تفرض نفسها عليهم ، أو من نظرة الناس إليهم ، ليبرّروا بذلك مواقفهم اللّامسؤولة من الرسالة. (فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) لأنهم لا يملكون طريقا واضحا يتحركون فيه ، ليحصلوا على حرية الحركة واستقامتها في خط الهدف الواضح ، فإن الضالّ لا يستطيع أن يمنح غيره الهدى ، أو يحدد لنفسه ولغيره الطريق المستقيم. فليضربوا ما شاؤوا من الأمثال ، وليطلقوا الكلمات اللّامسؤولة بكل الحقد الكامن في أنفسهم ، فلا يشكّل ذلك مشكلة بالنسبة للعاملين في الدعوة إلى الله والعمل في سبيله ، بل كل مشكلتهم أن يحددوا لأنفسهم الخط الواضح والهدف الكبير ، ويؤكدوا لها القناعات العميقة المستقرة ، ليثبّتوا مواقعهم عن طريق القوّة الفكرية والإيمانية ووضوح الرؤية للأشياء.

* * *

١٣٩

الآيات

(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً) (٥٢)

* * *

معاني المفردات

(وَرُفاتاً) : الرّفات : ما تكسّر وبلي من كلّ شيء.

(فَطَرَكُمْ) : خلقكم.

(فَسَيُنْغِضُونَ) : يحرّكون رؤوسهم بارتفاع وانخفاض استهزاء.

* * *

١٤٠