أصول الإيمان

عبدالقاهر التميمي الشافعي

أصول الإيمان

المؤلف:

عبدالقاهر التميمي الشافعي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٩

أنس بن مالك من أهل البصرة أو عبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة أو السائب بن يزيد من أهل المدينة أو عبد الله بن الحرث بن جزّ من أهل الحجاز أو أبا إمامة الباهلي من أهل الشام. ومن المخضرمين الدين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرزقوا لقاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو رجاء العطاردي وأبو وائل الأسدي وأبو عثمان النهدي وأبو عمرو سعد بن إياس الشيباني وأبو عبد الله عمرو بن ميمون الأودي وأبو رافع الصائغ وأبو الحلال العتكي وأبو أمية سويد بن غفلة الكندي وشريح بن هانئ الحارثي والأسود بن يزيد النخعي والأسود بن هلال المخارقي (١) والمعرور بن سويد وعبد خير بن يزيد الخيواني ومسعود بن حراش أخو ربعي بن حراش ومالك بن عمير وغنيم بن قيس. وقد عدّ في التابعين قوم ولدوا في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يسمعوا منه كيوسف بن عبد الله بن سلام ومحمد بن أبي بكر وسهل بن حنيف وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعبيد الله بن ثعلبة بن أبي صعتر وأبي عبد الله الصّنابحي وعمرو بن سلمة الجرمي وعبيد الله بن عمير وسلمان بن ربيعة الباهلي وطبقة بعدهم قوم من التابعين ولم يصح سماع أحد منهم عن أحد من الصحابة كإبراهيم بن سويد النخعي وبكير بن أبي الشّميط وبكير بن عبد الله بن الأشج وثابت بن عجلان الأنصاري وسعيد بن عبد الرحمن الرقاشي وأخيه واصل بن حرة. وطبقة بعدهم قوم من أتباع التابعين وقد لقوا بعض الصحابة كأبي الزناد عبد الله [وعبد الله] بن ذكوان وهشام بن عروة وموسى بن عقبة.

المسألة الثامنة من هذا الأصل

في تفصيل مراتب النساء

في الحديث : أن سيدة نساء العالمين أربع وإنهن أفضل نساء العالمين وخيرهن وهن : آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) [المحاربي].

٢٤١

المسألة التاسعة من هذا الأصل

في فضل عائشة وفاطمة

واختلفوا في فضل عائشة وفاطمة فكان شيخنا أبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي وابنه سهل بن محمد يفضّلان فاطمة على عائشة. وهذا هو الأشبه بمذهب شيخنا أبي الحسن الأشعري وبه قال الشافعي. وللحسين بن الفضل رسالة في ذلك. وزعمت البكرية أن عائشة أفضل من فاطمة. والقول الأول هو الصحيح عندنا للخبر الوارد في أن أفضل النساء وخيرهن أربع وأفضل النساء بعد فاطمة وخديجة عائشة ثم أم سلمة ثم حفصة بنت عمر ثم الله أعلم بالأفضل منهن بعد ذلك (١). وقد قيل إن بنات كل نبي أفضل من زوجاته.

المسألة العاشرة من هذا الأصل

في ترتيب أئمة الدين في علم الكلام

أول متكلمي أهل السنة من الصحابة علي بن أبي طالب لمناظرته الخوارج في مسائل الوعد والوعيد ومناظرته القدرية في القدر والقضاء والمشيئة والاستطاعة. ثم عبد الله بن عمر في كلامه على القدرية وبراءته منهم ومن زعيمهم المعروف بمعبد الجهني. وادّعت القدرية أن عليّا كان منهم وزعموا أن زعيمهم واصل بن عطاء الغزّال أخذ مذهبه من محمد وعبد الله ابني علي رضي الله عنه. وهذا من بهتهم ومن العجائب أن يكون ابنا علي قد علّما واصلا ردّ شهادة علي وطلحة والشكّ في عدالة علي. أفتراهما علماه إبطال شفاعة علي وشفاعة صهر المصطفى (٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأول متكلمي أهل السنة من التابعين عمر بن عبد العزيز وله رسالة بليغة في الرد على القدرية. ثم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وله كتاب في الرد على القدرية من القرآن؟. ثم الحسن البصري وقد ادّعته القدرية فكيف يصح لها هذه الدعوى مع رسالته إلى عمر بن عبد العزيز في ذم القدرية ومع طرده واصلا عن

__________________

(١) [أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ : ٥٩٧ كما أخرجه البخاري]

(٢) [أفتراهما علماه ابطال شهادة طلحة وصهر النبي].

٢٤٢

مجلسه عند إظهاره بدعته. ثم الشعبي وكان أشد الناس على القدرية. ثم الزهري وهو الذي أفتى عبد الملك بن مروان بدماء القدرية. ومن بعد هذه الطبقة جعفر بن محمد الصادق وله كتاب في الرد على القدرية وكتاب في الرد على الخوارج ورسالة في الرد على الغلاة من الروافض هو الذي قال : أرادت المعتزلة أن توحّد ربّها فألحدت وأرادت التعديل فنسبت البخل إلى ربها. وأول متكلميهم من الفقهاء وأرباب المذاهب أبو حنيفة والشافعي فإن أبا حنيفة له كتاب في الرد على القدرية سمّاه كتاب الفقه الأكبر وله رسالة أملاها في نصرة قول أهل السنة إنّ الاستطاعة مع الفعل ولكنه قال : إنها تصلح للضدين وعلى هذا قوم من أصحابنا. وقال صاحبه أبو يوسف في المعتزلة إنّهم زنادقة. وللشافعي كتابان في الكلام أحدهما في تصحيح النبوة والرد على البراهمة والثاني في الرد على أهل الأهواء. وذكر طرفا من هذا النوع في كتاب القياس وأشار فيه إلى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وأهل الأهواء. فأما المريسي من أصحاب أبي حنيفة فإنما (فإنه] وافق المعتزلة في خلق القرآن وأكفرهم في خلق الأفعال. ثم من بعد الشافعي تلامذته الجامعون بين علم الفقه والكلام كالحارث بن أسد المحاسبي وأبي علي الكرابيسي وحرملة البويطي وداود الأصبهاني. وعلى كتاب الكرابيسي في المقالات معوّل المتكلمين في معرفة مذاهب الخوارج وساير أهل الأهواء. وعلى كتبه في الشروط وفي علل الحديث والجرح والتعديل معوّل الفقهاء وحفّاظ الحديث. وعلى كتب الحارث بن أسد في الكلام والفقه والحديث معوّل متكلمي أصحابنا وفقهائهم وصوفيتهم. ولداود صاحب الظاهر كتب كثيرة في أصول الدين مع كثرة كتبه في الفقه وابنه أبو بكر جامع بين الفقه والكلام والأصول والأدب والشعر. وكان أبو العباس بن شريح أنزع الجماعة في هذه العلوم وله نقض كتاب الجاروف على القائلين بتكافؤ الأدلة وهو أشبع من نقض ابن الراوندي عليهم ، فأما تصانيفه في الفقه فالله يحصيها. ومن متكلمي أهل السنة في أيام المأمون عبد الله بن سعيد التميمي الذي دمّر على المعتزلة في مجلس المأمون وفضحهم ببيانه وآثار بيانه في كتبه وهو أخو يحيى بن سعيد القطان وارث علم الحديث وصاحب الجرح والتعديل.

٢٤٣

ومن تلامذة عبد الله بن سعيد عبد العزيز المكي الكتاني الذي فضح المعتزلة في مجلس المأمون. وتلميذه الحسين بن الفضل البجلي صاحب الكلام والأصول وصاحب التفسير والتأويل وعلى نكته في القرآن معوّل المفسرين وهو الذي استصحبه عبد الله بن طاهر والي خراسان إلى خراسان فقال الناس إنّه قد أخرج علم العراق كله إلى خراسان. ومن تلامذة عبد الله بن سعيد أيضا الجنيد شيخ الصوفية وإمام الموحدين وله في التوحيد رسالة على شرط المتكلمين وعبارة الصوفية. ثم بعدهم شيخ النظر وإمام الآفاق في الجدل والتحقيق أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي صار شجا في حلوق القدرية والنجارية والجهمية والجسمية والروافض والخوارج وقد ملأ الدنيا كتبه وما رزق أحد من المتكلمين من التّبع ما قد رزق لأن جميع أهل الحديث وكل من لم يتمعزل من أهل الرأي على مذهبه. ومن تلامذته المشهورين أبو الحسن الباهلي وأبو عبد الله بن مجاهد وهما اللذان أثمرا تلامذة هم إلى اليوم شموس الزمان وأئمة العصر كأبي بكر محمد بن الطيب قاضي قضاة العراق والجزيرة وفارس وكرمان وسائر حدود هذه النواحي. وأبي بكر محمد بن الحسين بن فورك وأبي إسحاق إبراهيم بن محمد المهراني. وقبلهم أبو الحسن علي بن مهدي الطبري صاحب الفقه والكلام والأصول والأدب والنحو والحديث. ومن آثاره تلميذ مثل أبي عبد الله الحسين بن محمد البزازي صاحب الجدل والتصانيف في كل باب من الكلام. وقبل هذه الطبقة شيخ العلوم [على الخصوص والعموم] أبو علي الثقفي وفي زمانه كان إمام أهل السنة أبو العباس القلانسي الذي زادت تصانيفه في الكلام على مائة وخمسين كتابا. وتصانيف الثقفي ونقوضه على أهل الأهواء زائدة على مائة كتاب. وقد أدركنا منهم في عصرنا أبا عبد الله بن مجاهد ومحمد بن الطيب قاضي القضاة ومحمد بن الحسين بن فورك وإبراهيم بن محمد المهراني والحسين بن محمد البزازي وعلى منوال هؤلاء الذين أدركناهم شيخنا وهو لإحياء الحق كلّ وعلى أعدائه غلّ.

٢٤٤

المسألة الحادية عشرة من هذا الأصل

في ترتيب أئمة الفقه من أهل السنة والجماعة

مضى فقهاء الصحابة رضي الله عنهم على مذهب أهل السنة والجماعة. والعشرة الذين شهد لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة كانوا فقهاء. وأربعة من الصحابة تكلّم في جميع أبواب الفقه وهم : عليّ وزيد وابن عباس وابن مسعود. وهؤلاء الأربعة متى أجمعوا في مسألة على قول فالأمة فيها مجمعة على قولهم ، غير مبتدع لا يعتبر خلافه في الفقه. وكل مسألة اختلف فيها هؤلاء الأربعة فالأمة فيها مختلفة. وكل مسألة انفرد فيها عليّ بقول عن سائر الصحابة تبعه فيها ابن أبي ليلى والشعبيّ وعبيدة السلماني. وكل مسألة انفرد فيها زيد بقول اتّبعه مالك والشافعي في أكثره ويتبعه خارجة بن زيد لا محالة. وكل مسألة انفرد فيها ابن عباس بقول تبعه فيها عكرمة وطاوس وسعيد بن جبير. وكل مسألة انفرد فيها ابن مسعود بقول تبعه فيها علقمة والأسود وأبو ثور. ثم من بعد الصحابة الفقهاء السبعة من أهل المدينة وهم : سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله وعتبة بن مسعود وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرب بن هشام. وقد عدّ مالك قول هؤلاء السبعة إجماعا إذا اجتمعوا على قول واحد. ومن بعدهم أئمة الأمة في الفقه مثل الأوزاعي ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود صاحب الظاهر وتلامذة هؤلاء في الفقه على سمت الحديث. فأما الذين وافقوهم في أصول الكلام وخالفوهم في فروع الأحكام فأبو حنيفة وابن أبي ليلى ومن في طبقتهما من أهل الرأي. وأصل أبي حنيفة في الكلام كأصول أصحاب الحديث إلا في مسألتين إحداهما أنه قال في الإيمان إنه إقرار ومعرفة والثانية قوله بأن لله مائيّة لا يعرفها إلا هو ، كما ذهب إليه ضرار. وقد دمّر أبو حنيفة في كتابه الذي سماه بالفقه الأكبر على المعتزلة ونصر فيه قول أهل السنة في خلق الأفعال وفي أن الاستطاعة مع الفعل [مع الفعل إلا أنه يصلح للضدين وهذا قول بعض أصحابنا] وقال أبو يوسف في المعتزلة إنهم زنادقة وقال محمد بن الحسين : من صلّى

٢٤٥

خلف القدري القائل بخلق القرآن يعيد صلاته ، وردّ مالك شهادة أهل الأهواء كلهم. وقد أشار الشافعي إلى ذلك في كتاب القياس.

المسألة الثانية عشرة من هذا الأصل

في ترتيب أئمة الحديث والإسناد

هؤلاء على طبقات في طبقة التابعين منهم أربعة وهم الزهري وسعيد بن جبير وهشام بن عروة وموسى بن عقبة. وقد عدّ فيهم أبو الزناد أيضا وكان قد أدرك أنس بن مالك وعبد الله بن عمر. والفقهاء السبعة من التابعين من هذه الجملة فإنهم كانوا مع فقههم أئمة في الحديث. وفي طبقة اتباع التابعين منهم مالك بن أنس وسفيان الثوري وسعيد بن الحجاج العتكي وابن جريج وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك ويحيى بن سعيد القطان التميمي.

وفي الطبقة التي بعدهم الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى بن التميمي وعبد الرحمن بن مهدي وعلي بن المديني. وهؤلاء أئمة الجرح والتعديل وقد ذكر الشافعي أصل هذا العلم في كتاب الرسالة وصنفه لعبد الرحمن بن مهدي. وعلي بن المديني هو الذي أكثر تصانيفه في هذا الباب ، فمنها : كتاب الأسامي والكنى وكتاب الضعفاء وكتاب المدلّسين وكتاب الطبقات وكتاب علل المسند وكتاب الوهم الخطأ وكتاب قبائل العرب وكتاب التاريخ وكتاب الثقات وكتاب اختلاف الحديث وكتاب الأسامي الشاذّة وكتاب تفسير غريب الحديث وكتاب مذاهب المحدثين. وعلى كتب يحيى بن معين معوّل أهل الحديث في الجرح والتعديل. وإسحاق بن راهويه هو الذي أملى مسنده الكبير من حفظه فلم يخطئ في متن الحديث ولا في إسناده. ومنهم محمد بن يحيى الذهلي الذي قيل فيه إنّه وارث علم الزهري. ومنهم محمد بن إسماعيل البخاري صاحب المسند الصحيح والتاريخ الكبير وكتاب الضعفاء وما كان في عصره ولا بعده مثله. ومنهم أبو زرعة الرازي الذي قال فيه أحمد بن حنبل إنّه يحفظ ستمائة ألف حديث بأسانيدها. وأبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي من أقران أبي زرعة وابنه

٢٤٦

عبد الرحمن بن أبي حاتم إمام في الفقه والحديث والورع. ومنهم إبراهيم بن إسحاق الحربي إمام في الفقه والحديث والنحو واللغة ومن آثاره تلميذ مثل ثعلب النحوي. ومنهم مسلم بن الحجاج النيسابوري صاحب المسند الصحيح والكتب العشرة والطبقات والأقران والعلل والأسماء والكنى والتواريخ ونحوها. ومنهم محمد بن إبراهيم بن عبدة البوسنجي وتلامذته ، مثل أبي عثمان والخفاف وأبي بكر الجارودي وإبراهيم بن أبي طالب ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ، كانوا يأخذون بركابه إذا ركب وكل واحد منهم إمام زمانه. ومنهم عثمان بن سعيد الدارمي الذي أخذ النحو واللغة عن ابن الأعرابي والفقه عن البويطي والحديث عن يحيى بن معين وعلي بن المديني وكان في كل نوع منه إماما. ومنهم محمد بن نصر المروزي صاحب إختلاف العلماء وإمام الفقه والكلام والحديث وكتابه في إختلاف العلماء يشتمل على أربعين مجلدة. ومن بركة آثاره تلميذ مثل أبي علي الثقفي. ومنهم محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الفقه والحديث مع ما كان فيه من مكابدة المتكلمين ثم إنه رجع إلى موافقة منه لهم. وأدركنا في عصرنا [رجالا] منهم أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني وأبو أحمد محمد بن أحمد الحافظ وأبو عبد الله بن عبد الله البيّاع وأبو الحسين الحجاجي بنيسابور وأبو الحسن الدار قطني وابن شاهين وابن المظفّر وابن بكير بالعراق. وأقران هؤلاء جماعة يطول الكتاب بذكرهم. وكل من ذكرناهم وجدناهم مكفّرين لأهل القدر وسائر أهل الأهواء والبدع.

المسألة الثالثة عشرة من هذا الأصل

في ترتيب أئمة التصوف والإشارة

هؤلاء منهم إبراهيم بن أدهم وإبراهيم بن سعيد العلوي صاحب الكرامات وإبراهيم الخواص وإبراهيم بن شيبان وأبو سليمان الداراني وأحمد بن أبي الحواري وأحمد بن عاصم الأنطاكي وأبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز والفضيل بن عياض والجنيد وأبو الحسين النوري وأبو القاسم الحكيم وبشر

٢٤٧

الحافي وإدريس بن يحيى الخولاني وبنان الحمال وذو النون المصري وسري السقطي وأبو تراب النخشبي وجعفر الخصاف وجعفر الخلدي وحاتم الأصم وحمدون القصار ومعروف الكرخي وأبو علي الروذباري والمزين وخير النساج وابن عطاء والجريري والشبلي ورويم وسهل بن عبد الله التّستري وأبو حفص الحداد النيسابوري وأبو عثمان الخيبري وأبو يزيد البسطامي وعمرو بن عثمان المكي ويوسف بن الحسين وقبلهم الحارث بن أسد المحاسبي. وقد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من الصوفية ما فيهم واحد من أهل الأهواء بل كلهم من أهل السنة سوى ثلاثة منهم. أحدهم أبو حلمان الدمشقي فإنه تستر بالصوفية وكان من الحلولية. والثاني الحسين بن منصور الحلاج وشأنه مشكل. وقد رضيه ابن عطاء وابن خفيف وابن القاسم النصرآباذي. والثالث القنّاد اتهمته الصوفية بالاعتزال فطردوه لأن الطيب لا يقبل الخبيث.

المسألة الرابعة عشرة من هذا الأصل

في ترتيب أئمة النحو واللغة من أهل السنة

هؤلاء فريقان في المذهب : بصرية وكوفية. والكوفية منهم كالمفضّل الضبيّ وابن الأعرابي والكسائي والفرّاء والأحمر واللحياني وأبي عمرو الشيباني وإبراهيم الحرثي وثعلب وابن الأنباري وأبو مقسم وكلهم من أهل السنة ولإبراهيم الحرثي كتب في الرد على القدرية وأهل الأهواء. وللفراء كتاب في ذم القدرية. والبصريون منهم أوّلهم أبو الأسود الدّؤلي وله رسالة في ذم القدرية مع انتسابه إلى الشيعة. وبعده يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر الثقفي وعبد الله بن إسحاق الحضرمي وكانا يذمّان القدرية وذمّا واصل بن عطاء في شكّه في شهادة علي وطلحة. وبعدهما أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وخلف الأحمر. ولأبي عمرو بن العلاء كلام كثير في ذم القدرية وذمّ عمرو بن عبيد. وبعدهما الأصمعي وهو الذي طرد الجاحظ عن مجلسه وقنّعه بنعله وقال نعم قناع القدري النعل. والأخفشان أبو

٢٤٨

الخطاب وأبو الحسن سعيد بن مسعدة سنيّان والزجاج سنّيّ ومعانيه في القرآن أعلى مذهب أهل السنة. وبعدهما ابن دريد ونفطويه وكانا على مذهب الشافعي وقبلهما أبو حاتم السجستاني شيخ السنة شديد على القدرية. وكان سيبويه تلميذ حمّاد بن سلمة الذي كان سيفا على القدرية. وإنما نسب المبرد إلى الاعتزال لمجالسته الجاحظ وليس في كتبه شيء يدل على اعتزاله. وفي هذا دليل على أن جميع أئمة الدين في جميع العلوم من أهل السنة.

المسألة الخامسة عشرة من هذا الأصل

في تحقيق أهل السنة لأهل الثغور

بيان هذا واضح. في ثغور الروم والجزيرة وثغور الشام وثغور أذربيجان وباب الأبواب كلهم على مذهب أهل الحديث من أهل السنة. وكذلك ثغور إفريقية وأندلس وكل ثغر وراء بحر المغرب أهله من أصحاب الحديث وكذلك ثغور اليمن على ساحل الزنج. وأما ثغور أهل ما وراء النهر في وجوه الترك والصّين فهم فريقان : إما شافعية وإما من أصحاب أبي حنيفة وكلهم يلعنون القدرية وأهل الأهواء. وقد قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (١) والجهاد بالحجة والاستدلال من أهل السنة ظاهر على مخالفيهم من أهل الأهواء والجهاد مع الكفرة في الثغور منهم. وليس لأهل الأهواء ثغر ، فصح أن أهل السنة هم المهتدون.

__________________

(١) سورة العنكبوت آية ٦٩.

٢٤٩
٢٥٠

الأصل الخامس عشر

من أصول هذا الكتاب

في بيان أحكام الكفر وأهل الأهواء والبدع

يقع في هذا الأصل خمس عشرة مسألة [ويشتمل هذا الأصل على خمس عشرة مسألة كل واحدة منها كتاب يقوم بذاته وهذه ترجمتها :

مسألة في حكم الكفرة الذين لا يؤخذ منهم الجزية.

مسألة في حكم من يؤخذ منه الجزية.

مسألة في حكم من لم يبلغه الدعوة.

مسألة في حكم المرتدين.

مسألة في حكم الغلاة من الباطنية.

مسألة في حكم الغلاة من الروافض.

مسألة في حكم الخوارج.

مسألة في حكم الجهمية.

مسألة في حكم النجّارية.

مسألة في حكم المعتزلة القدرية.

مسألة في حكم المشبهة الجسمية.

مسألة في حكم البكرية والضرارية.

مسألة في مبايعة أهل الأهواء.

مسألة في نكاحهم وذبائحهم ومواريثهم.

مسألة في حكم دور أهل الأهواء. فهذه مسائل هذا الأصل وسنذكر في كل واحدة من هذه المسائل مقتضاها على التفصيل إن شاء الله تعالى.

٢٥١

المسألة الأولى من هذا الأصل

في حكم الكفرة الذين لا يؤخذ منهم الجزية

اختلفوا في الفرق بين من يؤخذ منه الجزية وبين من لا يقبل منه : فقال أبو حنيفة : إنها مقبولة من كل من بذلها من الكفرة إلا مشركي العرب فإنها لا تقبل منهم.

وقال الشافعي : إنّها لا تقبل إلا من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى والصابئون والسامرة. ولما وجد السلف مختلفين في المجوس جعلهم في الجزية كأهل الكتاب وفي النكاح والذبيحة كأهل الأوثان وجعل ديتهم خمس دية اليهود والنصارى ودية اليهود والنصراني ثلث دية المسلم عنده. وإذا صحت هذه المقدمة فالكفرة الذين لا تؤخذ منهم الجزية ويقتلون إن لم يسلموا ولم يكن لهم أمان خمسة عشر صنفا :

أحدها السوفسطائية الذين قالوا لا علم ولا حقيقة لشيء وفيهم من قال لا أدري هل للأشياء حقائق أم لا حقائق لها. وفيهم من زعم أن حقائق الأشياء تابعة للاعتقادات وكل من اعتقد شيئا فهو على دين صحيح وما اعتقده على ما اعتقده دهريا كان أو موحّدا. وهؤلاء يلزمهم تصحيح قول نفاة الحقائق لأنهم قد اعتقدوا ذلك. ويقال لنفاة الحقائق منهم هل لنفي الحقائق حقيقة؟ فإن قالوا نعم ، ناقضوا قولهم : لا حقيقة. وإن قالوا : لا ، قيل إذا لم يكن لنفيها حقيقة فلإثباتها حقيقة.

والصنف الثاني منهم الدهرية الذين زعموا أن العالم قديم على صورته التي هي عليه في أرضه وهوائه وسمائه ونجومه وإنه لا إنسان إلا من نطفة ومن إنسان قبله لا إلى نهاية ولا سنبلة إلّا من حبّة وسنبلة قبلها. وفيهم من قال بهذا المذهب وزعم مع ذلك أن الأرض تهوي أبدا ولزمهم على هذا الأصل أن لا يلحق الحجر المطروح الأرض لأن الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه في انحداره إن لم يكن للأثقال وقفة.

والصنف الثالث منهم السّمنيّة وقولها في العالم كقول الدهرية وزادوا عليهم

٢٥٢

القول بتكافؤ الأدلة وإبطال النظر والاستدلال وزعموا أنه لا يعلم شيء إلّا بالحواس الخمس.

والصنف الرابع منهم أصحاب الهيولى وقد زعم أكثرهم أن للعالم هيولى قديمة وأعراضها حادثة وزعم بعضهم أن لكل جنس من العالم هيولى مخصوصة [فهيولى الذهب غير هيولى الخشب].

والصنف الخامس منهم أصحاب الطبائع الذين قالوا بقدم العناصر الأربعة وهي الأرض والماء والنار والهواء وقالوا فيها أربع طبائع قديمة وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وزعموا أن جميع أنواع النبات والجواهر والحيوانات مركب من هذه الأصول الأربعة وإنما اختلفت الصّور فيها لاختلاف المزاج في التركيب. وفيهم من ادّعى قدم الأفلاك معها وزعم أنها طبيعة خامسة غير قابلة للاستحالة والتغير. وفيهم من قال بقدم العالم والطبائع الأربع وقال مع ذلك بصانع قديم كما ذهب إليه ابن قيس وذهب عليه من جهله وجوب كون الفاعل سابقا لفعله.

والصنف السادس منهم أصناف من الفلاسفة قالوا بقدم العالم ونفي الصانع وصنف منهم قالوا بأن الصانع متصوّر بالعقل. وفيهم من قال العالم قديم وله علة قديمة وهذا قول أرسطاطاليس. والصنف السابع منهم : كفرة المنجمين فمنهم من قال بقدم الأفلاك والكواكب وزعم أن حركاتها هي الموجبة لوقوع الحوادث في العالم. ومنهم من قال بإلهية الشمس وعبدها. وعليه كان قوم بلقيس قبل الآية إسلامهم مع سليمان. وفيهم من عبد الشمس والقمر وقال لأحدهما سلطان الليل وللآخر سلطان النهار. ومنهم من عبد الكواكب السبعة وزعم أنها مدبّرات العالم. ومنهم من قال بقدم زحل وحده لأنه أعلى الكواكب السبعة بزعمه.

والصنف الثامن : منهم الذين عبدوا إنسانا محدودا واتخذوه إلها معبودا كالذين عبدوا جمشيد قبل الطوفان والذين عبدوا فرعون ونمروذ بن كنعان وزوج الهندي بعد الطوفان. والصنف التاسع : منهم قوم يعبدون رأسا مخصوصة من

٢٥٣

رءوس الناس ويكتمون دينهم إلّا ممن كان منهم ويأخذون إنسانا فيغمسونه في الزيت أياما فينخلع رأسه مع عروقه عن بدنه فيعبدون ذلك الرأس. وقيل إن قوما منهم بحران وآخرين بآذربيجان وأمرهم مكتوم عن العامة.

والصنف العاشر : منهم الذين عبدوا الملائكة وهم فريقان أحدهما قوم من الهند كانوا في زمان يوذاسف الهندي ثم نقلهم يوذاسف إلى عبادة الأصنام. والفريق الثاني منهم قوم من العرب في الجاهلية زعموا أن الملائكة بنات الله فعبدوها لتشفع لهم إلى الله وأنزل الله فيهم : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (١) وقال أيضا : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) (٢) وقال أيضا : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) (٣)

والصنف الحادي عشر : منهم الحلولية الذين عبدوا كل صورة حسنة بدعواهم أن الإله قد حلّ فيه ، كما حكي عن أبي حلمان الدمشقي. وفيهم من قال إنّ روح الله قد حلّ في بعض [الصور] فاتخذوه إلها. ومن غلاة الروافض من زعم أن روح الله حلّ في الأنبياء ثم في الأئمة وفيهم من ادعى ذلك في بيان بن سمعان التميمي وفيهم من ادعاه في أبي الخطاب الأسدي وفيهم من قال بذلك في أبي مسلم صاحب دولة بني العباس ومن هذه الطائفة كان المقنع بما وراء النهر ثم ادعى في نفسه مثل هذه الدعوى وزعم أن روح الإله انتقل إليه من أبي مسلم.

والمبيضة الذين بما وراء النهر في جبال إيلاق على هذا المذهب وهم يستحلون الميتة وذوات المحارم وكل منهم يستمتع بامرأة صاحبه ، ليس لهم في ذلك غيرة ولا حميّة.

والصنف الثاني عشر : منهم أهل التناسخ الذين زعموا أن الأرواح تنتقل في الأجساد ويكون ثوابها وعقابها في قوالب سوى القوالب التي أطاعت أو عصت

__________________

(١) [سورة النحل آية ٥٧].

(٢) [سورة الإسراء آية ٤٠].

(٣) [سورة النجم آية ٢٧].

٢٥٤

فيها. وعلى هذا القول كان سقراط في زمان الفلاسفة وإليه صار من القدرية أحمد بن حائط وعلي بن بانوش وهما من تلامذة النظّام ، فكل نوع من أنواع البدع والضلالة قد صار إليه قوم من القدرية.

والصنف الثالث عشر : منهم الخرمدينية الذين أباحوا كلّ ما يميل إليه الطبع من نكاح المحارم وغيرهم ومن الخمر والميت ومن كل ما فيه طيب ولذّة وأسقطوا وجوب الصلوات وسائر الفرائض وهذا دين المزدكية ، اتباع مزدك الذي قتله أنو شروان وإلى هذا القول ذهبت المنصورية من الروافض اتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر منهم.

والصنف الرابع عشر : منهم الباطنية وقد كانوا في الأصل مجوسا وثنوية ثم أظهر دعاتهم كعبد الله بن ميمون القداح وحمدان بن قرمط تأويل شرائع الإسلام على وفق مذاهب المجوس في أيام المأمون ودعوا إلى صانعين سمّوهما الأوّل والثاني. وهذا معنى قول الثنوية بالنور والظلمة ومعنى قول المجوس بيزدان واهرمن وهم الآن شر أصناف الكفرة وأعظمهم على المسلمين بلاء.

والصنف الخامس عشر : منهم البراهمة الذين أقرّوا معنا بحدوث العالم وتوحيد صانعه وعدله وحكمته غير أنهم انكروا النبوّات والشرائع وأثبتوا تكليف المعرفة من جهة خواطر العقول وزعموا أن الله تعالى إنما كلّف العباد أن يعرفوه بعقولهم وأن يشكروه على نعمه عليهم وأن لا يظلم بعضهم بعضا وحرّموا ذبح البهائم وإيلامها بلا ذنب وقالوا إنّ إيلام الله تعالى لها في الدنيا لأجل عوض يوصله إليها في الآخرة. فهؤلاء أصناف الكفرة الذين لا يقبل منهم الجزية ولا يحلّ ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وينظر فيهم فإن كان بعضهم في دار الإسلام استتيب فإن تاب وإلّا قتل وإن كان في دار منيعة فحكمه حكم أهل الحرب دون أهل الذمة وكذلك حكم الثنوية القائلة بقدم النور والظلمة من المانوية والديصانية والمرقونية وكذلك عبدة الأصنام المنحوتة والأوثان المصوغة ولا دية ولا قصاص ولا كفارة على من قتل واحدا منهم.

٢٥٥

المسألة الثانية من هذا الأصل

في بيان حكم الذين تقبل منهم الجزية

هؤلاء أصناف منهم الصابئة وهم فرق :

إحداها فرقة من اليونانية قالت بحدوث العالم وإثبات صانعه وأنه لا يشبه شيئا وزعموا أن الصانع خلق الفلك حيّا ناطقا سميعا بصيرا مدبّرا للعالم وسمّوا الكواكب ملائكة. وفرقة منهم قالت بحدوث العالم وتوحيد الصانع ولم يصفوه بأوصاف الإثبات ووصفوه بنفي النقائص عنه فقالوا : لا نقول إنّه حيّ عالم قادر ولكن نقول : إنه ليس بميت ولا جاهل ولا عاجز. وزعم هؤلاء أن هرمس المنجم كان نبيا وقالوا بثلاث صلوات مفروضة في كل يوم منها ثماني ركعات في كل ركعة ثلاث سجدات قبل زوال الشمس ومثلها عند غروب الشمس. وأوجبوا الوضوء للصلاة وأوجبوا صيام ثلاثين يوما أولها لثمان مضين من أذار وذبحوا من ذوات الأربع الذكور من البقر والضأن والمعز ومن سائر ذوات الأربع غير الجزور ما ليس له أسنان في الشّدقين ومن الطير ما ليس له مخلب ولا يذبحون ما لا رئة له وحرّموا لحم الخنزير والكلب والحمار والجزور والحمام وما له مخلب وحرموا المسكر من الشراب وحرموا الاختتان وأوجبوا الغسل من الجنابة ومن مس الميت والحائض وأوجبوا مجانبة الأبرص والمجذوم وكل ذي عاهة تعدى وقالوا لا طلاق إلا بحكم حاكم أو بينة عن فاحشة ولا يرون رجعة ولا جمعا بين امرأتين. وفرقة منهم بناحية واسط العراق دينهم خلاف دين صابئة حران في أكل الخنزير وفي صلاتهم إلى القطب الشمالي والحرانية تصلي والقطب وراءها. وزعمت الواسطية أنهم على دين شيث بن آدم وإنّ صحفه معهم فهؤلاء أصناف الصابئة عند الجمهور. وزعمت اليزيدية من الخوارج أن الصائبة المذكورة في القرآن لم يوجدوا بعد وأنّ الله يبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء جملة واحدة ويكون دينه دين الصابئة وينسخ بها شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهؤلاء عندنا أكفر من الصابئة الأصلية. والصنف الثاني من أهل الجزية : اليهود وهم اليوم فرق : عنانية وربانية وسامرة وشاذانية.

٢٥٦

وهؤلاء الشاذانية فيهم كأهل الأهواء في المسلمين ، وجمهورهم الأكبر ربانية وبين الفريقين منهم خلاف في إباحة الخمر. وتوراة السامرة منهم خلاف توراة الجمهور الأعظم منهم في مواضع كثيرة. وادعى الجمهور الأكبر منهم تسعة عشر نبيا بعد موسى عليه‌السلام وأقرّت السامرة بثلاثة منهم فحسب. وهم في النسخ على قولين منهم من يأباه عقلا ومنهم من يجيزه عقلا ويدعي تأبيد شرع موسى عليه‌السلام خبرا. وكلهم ينكرون نبوّة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا فرقة منهم يقال لها العيسوية فإنها أقرت بنبوّته وزعمت أنه كان مبعوثا إلى العرب دون بني إسرائيل. والصنف الثالث من أهل الجزية النصارى وهي كلها مشركة بالله تعالى ليس فيها موحّد غير أن منهم من زعم أن المسيح ابن الإله ومنهم من زعم أنه هو الإله وكلها يقول بثلاثة أقانيم جوهر واحد. وفيهم من زعم أن الاتحاد كظهور النقش في الطين والشمع. ومنهم من زعم أنه كظهور الشعاع على ما ظهر عليه. ومنهم من زعم أنه اتحاد على الحقيقة بأن صار الاثنان واحدا وكلهم من أهل الجزية. والصنف الرابع من أهل الجزية : المجوس وقد أشكل أمرهم. وقال بعض السلف إنّهم كانوا أهل كتاب فلما أحدثوا القول بصانعين أحدهما يخلق الخير والآخر يخلق الشرّ أسري (١) بكتابهم. وقال آخرون كانوا في الأصل ثنويّة من أصحاب النور والظلمة فانتقلوا إلى القول بيزدان وأهرمن واقرّوا بحدوث أهرمن ودانوا بعبادة النار ودعاهم إليها زرداشت في أيام كشتاسب وإسفنديار. فلما وقع الإشكال في أمرهم وروي عن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ، جعلوا في الجزية كأهل الكتاب وفي النكاح والذبيحة كأهل الأوثان. واختلفوا في دياتهم :

فقال أبو حنيفة : دية الواحد منهم كدية المسلم وأجاز قتل المسلم بالواحد من أهل الجزية.

وقال الشافعي ومالك : لا يقتل المسلم بالذمي بحال.

واختلفا في ديته : فقال مالك دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم وقال

__________________

(١) [أي رفع].

٢٥٧

الشافعي ديتهما ثلث دية المسلم ودية المجوس خمس دية اليهودي والنصراني وهي مثل خمس ثلث دية المسلم.

المسألة الثالثة من هذا الأصل

في بيان حكم من لم يبلغه دعوة الإسلام

إن كان وراء السدّ أو في طرف من أطراف الأرض ناس لم يبلغهم دعوة الإسلام نظر فيهم ، فإن كانوا معتقدين لما دلّ عليه العقل من حدوث العالم وتوحيد صانعه وصفاته فهم كالمسلمين ويجب على من طرأ عليهم من المسلمين أن يدعوهم إلى أحكام شريعة الإسلام فإن امتنعوا من قبولها ولم يكونوا على شرع من شرائع أهل الكتاب صاروا حينئذ كالوثنية الذين لا يقبل منهم الجزية وإن كانوا أهل كتاب من اليهود والنصارى أو الصابئين ولم يكن دعوة الإسلام بالغة إليهم وامتنعوا من قبولها بعد أن بلغتهم صاروا من أهل الجزية كاليهود والنصارى ولا يجوز قتل أحد منهم قبل دعوته إلى الإسلام وإقامة الحجة عليه. فإن قتل المسلم واحدا منهم قبل ذلك فقد اختلفوا فيه : فقال أبو حنيفة : لا دية عليه وقال الشافعي : بوجوب ديته. واختلف أصحابه في مقداره : فمنهم من قال : كدية المسلم ومنهم من قال : كدية أهل دينه فإن لم يكن على شيء من الأديان فكدية المجوس.

المسألة الرابعة من هذا الأصل

في بيان حكم المرتدين

أجمعوا على أن الرجل المرتد يستتاب فإن تاب وإلّا قتل ولا يقبل منه الجزية. واختلفوا في المرأة المرتدة :

فقال الشافعي : إن تابت وإلّا قتلت كالرجل ولا تسترق بحال.

وقال أبو حنيفة : لا تقتل فإن لحقت بدار الحرب جاز استرقاقها بعد السبي.

وفي أولاد المرتدين إذا لحقوا بدار الحرب خلاف بين الفقهاء : فقال أبو

٢٥٨

حنيفة يجوز استرقاقهم. واختلف فيهم أصحاب الشافعي : فمنهم من أباه ومنهم من أجاز ذلك واستدل بأن عليّا رضي الله عنه استولد خولة الحنفية وكانت من سبي بني حنيفة بعد ارتدادهم. وأجمعوا على أنه لا يحل ذبيحة المرتد ولا نكاحه ولا دية ولا قصاص على قاتله. واختلفوا في الزوجين إذا ارتدّا معا : فأبقاهما أبو حنيفة على النكاح. وقال الشافعي إن كانت ردتهما قبل الدخول بها انفسخ النكاح كما لو ارتد أحدهما. وإن كانت بعد الدخول يوقف النكاح على العدة ، فإن انقضت عدتها قبل رجوعهما إلى الإسلام انفسخ النكاح. وإن أسلما قبل انقضاء العدة بقيا على النكاح الأول. واختلفوا أيضا في قضاء الصلوات والصوم المتروكين في حال الردة : فقال الشافعي بوجوب قضائها ، وقال أبو حنيفة : لا قضاء عليه في ذلك وأوجب عليه قضاء الحج الذي كان أتى به قبل ردته وقال الشافعي لا يقتضي ذلك. وأجمعوا على أن ارتداد الصبي غير صحيح واختلفوا في إسلامه : فصحّحه أبو حنيفة حتى إن رجع عنه بعد بلوغه صار مرتدا. وقال الشافعي إن أظهر الصبي الإسلام فرّق بينه وبين أبويه الكافرين لئلا يفتناه عن دين الإسلام وأخذا بالاتفاق عليه. فإذا بلغ وثبت على الإسلام فالحمد لله على ذلك وإن رجع إلى دين أبويه كان من أهل الجزية ولم يكن في حكم المرتدين.

المسألة الخامسة من هذا الأصل

في حكم الباطنية

إن الباطنية خارجة عن فرق الأهواء وداخلة في فرق الكفر الصريح لأنها لم تتمسك بشيء من أحكام الإسلام [لا] في أصوله ولا في فروعه [وإنما هم] دعاة المجوس بالتمويه إلى دين الثنوية. وسبب ذلك أن المجوس في زمان المأمون تشاوروا في استدراك ملكهم فعلموا عجزهم عن قهر المسلمين فدبّروا في تأويل أركان الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفعها وانتدب لذلك حمدان بن قرمط زعيم القرامطة وعبد الله بن ميمون القداح جد زعيم الباطنية بمصر. وخالفا مع أتباعهما المسلمين في التوحيد والنبوات وفي تأويل الآثار والآيات. فقالوا في التوحيد : إنّ

٢٥٩

الإله هو الأول الذي خلق شيئا ثانيا فهو مع الثاني مدبّران للعالم وهذا بعينه قول المجوس : إنّ الإله خلق الشيطان ثم إنّه مع الشيطان مدبران للعالم فهو مدبر الخيرات والشيطان مدبر الشرور. وقالوا في النبوات برفع المعجزات الناقضات للعادات وأنكروا نزول الملائكة من السماء. وقالوا (١) الملائكة على دعاتهم إلى بدعتهم وزعموا أن كبراءهم هم المسمّون بجبرائيل وميكائيل وإسرافيل. وتأولوا الشياطين على مخالفيهم وزعموا أن علماء مخالفيهم هم الأبالسة. وقالوا إن الأنبياء ساسة احتالوا للزعامة على العامة بالنواميس وكل واحد منهم صاحب دور ، إذا مضى من دوره سبعة انقضى دوره واستؤنف بغير أمره وقالوا في تأويل الصلاة إنّها الثناء على الإمام والزكاة دفع الخمس إليه والصوم الإمساك عن إفشاء أسرارهم عند مخالفيهم والزنا إفشاء أسرارهم بغير عهد. وأسقطوا العبادات [والحدود] وأباحوا الخمر ونكاح ذوات المحارم وهذا هو التمجّس بعينه. واختلف أصحابنا في حكمهم : فمنهم من قال هم مجوس وأجاز أخذ الجزية منهم وحرم ذبائحهم ونكاحهم. ومنهم من قال حكمهم حكم المرتدين ، إن تابوا وإلّا قتلوا. وهذا هو الصحيح عندنا. وقال مالك في الباطني والزنديق إن جاءا تائبين ابتداء قبلنا التوبة منهما وإن أظهرا التوبة بعد العثور عليهما لم يقبل التوبة منهما. وهذا هو الأحوط فيهم.

المسألة السادسة من هذا الأصل

في حكم الغلاة من الروافض

هؤلاء فرق : إحداها البيانية الذين ادعوا (٢) أن الله على صورة إنسان وأنه يفنى كله إلّا وجهه. وزعموا أن بيان بن سمعان تحوّل إليه روح الإله فصار إلها.

والفرقة الثانية منهم المغيرية الذين زعموا أن الله له أعضاء على صور حروف الهجاء وشبّهوا الهاء بالفرج وزعموا أن الله تعالى خلق الشمس والقمر من عيني

__________________

(١) [وتأولوا].

(٢) [زعموا].

٢٦٠