رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

ولذا استدلّ بعض الأصحاب وفاقاً للمرتضى على ثبوت الشفعة في المسألة بالضرر ، فقال : لأنّ المقتضي لثبوت الشفعة وهو إزالة الضرر عن الشريك قائم في غير المقسوم ، بل هو أقوى ؛ لأنّ المقسوم يمكن التخلّص من ضرر الشريك بالقسمة بخلاف غيره ، قال : وأُجيب بأنّه ليس المراد من إزالة الضرر بالشفعة ما ذكروه ، بل إزالة ضرر طلب القسمة ومئونتها ، وهو منتفٍ في محلّ النزاع. ولا يخفى عليك ضعف هذا الجواب ، وأيّ مئونة للقسمة وضرر بذلك يقابل ضرر الشريك الذي لا وسيلة إلى التخلّص منه (١).

وهو في غاية الجودة.

وأمّا ثانياً : فلضعف التعليل من وجه آخر ، وهو أنّ الشفعة إنّما تثبت بانتقال الملك عن الشريك إلى المشتري ، فلا بدّ أن يكون الضرر الذي نيط به الشفعة في ظاهر النصّ وكلام الأصحاب ناشئاً من جهته ، وضرر طلب المشتري القسمة ليس ضرراً ناشئاً منه ؛ لسبقه على الانتقال ، وثبوته للشريك على كلّ حال. فضرر طلب القسمة لازم على كلّ تقدير ، بل هو من لوازم الشركة فيما يقبل القسمة ، فلا يمكن أن يكون مثله الضرر المناط به الشفعة. وهذا من أقوى الشواهد على تعيّن ما استظهرناه من متعلّق الضرر في الرواية.

ومنها : أصالة بقاء الملك على مالكه ، وإثبات الشفعة مخالف له فيفتقر إلى دليل.

وهو كالسابق في الضعف بعد ما عرفت على الثبوت على العموم من‌

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٢٧٠.

٦١

الإجماع المنقول ، والخبر المنجبر بالعمل المؤيّد بما قدّمناه من المؤيّدات.

ومنها : الخبران « لا شفعة في سفينة ، ولا في نهر ، ولا في طريق » (١) وزيد في بعض النسخ « ولا في رحى ولا في حمام » (٢).

وفيهما مع قصور السند ـ : ما ذكره بعض الأصحاب (٣) من أنّه لا دلالة فيهما عليه أصلاً ، مع احتمالهما التقية ، سيّما مع كون الراوي لهما من العامّة على المشهور بين الطائفة. ولا يقدح فيه اختصاصهما بنفي الشفعة في الأُمور المزبورة إلاّ على تقدير حجّية مثل هذا المفهوم ، ولم يقل بها أحد من الطائفة وأكثر العامّة ، هذا.

مضافاً إلى معارضتهما في الطريق بأقوى منهما سنداً ، وهو خبران : أحدهما موثّق ، والآخر حسن يأتيان في بحث ثبوت الشفعة في المقسوم بالاشتراك في الطريق والغالب فيها الضيّق. والاختصاص بالطريق غير قادح بعد الإجماع المركّب على العموم ، وعليهما بناء الاستدلال بالخبرين الأوّلين.

فإذاً القول بثبوت الشفعة في المسألة في غاية من القوّة ، وفاقاً لجماعة من قدماء الطائفة ، ومنهم المرتضى مدّعياً عليه إجماع الإماميّة (٤).

ومال إليه من المتأخّرين شيخنا في المسالك وجمع ممن تبعه (٥) ، لكنّه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٢ / ١١ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٨ ، الإستبصار ٣ : ١١٨ / ٤٢٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٤ أبواب الشفعة ب ٨ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٥٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٤ أبواب الشفعة ب ٨ ذيل الحديث ١.

(٣) مفاتيح الشرائع ٣ : ٧٦.

(٤) الانتصار : ٢١٥.

(٥) المسالك ٢ : ٢٧٠ ، وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ٧٦.

٦٢

رجع عنه في الروضة (١) فوافق الجماعة مستنداً إلى الوجه الثاني. وفيه ما عرفته.

هذا ولا ريب أنّ الأحوط للشفيع ترك المطالبة بها في المواضع الخلافية ، سيّما فيما لا يقبل القسمة ، وخصوصاً الخمسة الواردة في خصوص الخبرين المتقدّم إليهما الإشارة ، ونحوهما مرسلة رضويّة (٢) عمل بها الصدوقان (٣) حيث نفيا الشفعة فيها وأثبتاها في غيرها ولو لم يقبل القسمة أصلاً.

وللمشتري إجابة الشفيع إن طلبها مطلقاً. وإن تعاسرا فالعمل على ما عليه أكثر قدماء أصحابنا.

( ويشترط ) في ثبوتها ( انتقاله ) أي الشقص المشفوع ( بالبيع ، فلا تثبت لو انتقل بهبة أو صلح ، أو صداق ) (٤) ( ، أو إقرار ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي المسالك وكلام جماعة أنّه كاد أن يكون إجماعاً (٥) ، وبانعقاده بين المتأخّرين صرّح في التنقيح (٦) ، وبه وبالأخبار في نفيها عن الصداق صرّح في المبسوط (٧) ، وبه في الجميع صرّح في السرائر ، والمقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد (٨) ؛ وهو الحجّة ،

__________________

(١) الروضة ٤ : ٣٩٨.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٦٤ ، المستدرك ١٧ : ١٠٥ أبواب الشفعة ب ٨ ح ٤.

(٣) الصدوق في المقنع : ١٣٥ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٤٠٢.

(٤) في « ح » والمطبوع من المختصر (٢٥٧) زيادة : أو صدقة.

(٥) المسالك ٢ : ٢٧١ ، الحدائق ٢٠ : ٢٩٨.

(٦) التنقيح ٤ : ٨٤.

(٧) المبسوط ٣ : ١١١.

(٨) السرائر ٢ : ٣٨٦ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٢.

٦٣

مضافاً إلى الأصل. واختصاص أكثر النصوص بصورة البيع خاصّةً ، وإطلاقات بعضها غير معارضة بعد ورودها لبيان حكم آخر غير مفروض المسألة.

خلافاً للإسكافي فأثبتها في الهبة مطلقاً بعوض كان أم لا (١). ونسب جماعة إليه ثبوتها في الجميع (٢) ، ولا تساعدها عبارته المحكيّة في المختلف (٣) ، ولذا نسب إليه الثبوت فيما ذكرناه خاصّة في الدروس (٤).

فكيف كان فحجّته غير واضحة عدا ما قيل عنه : من عدم دليل على التخصيص مع اشتراك الجميع في الحكمة الباعثة ، وهي دفع الضرر عن الشريك. وتضمّن النصوص البيع لا ينافي ثبوتها بغيره (٥).

ويظهر من المسالك الميل إليه في الجملة (٦) ، وكذا بعض من تبعه ، قال لا بعد نقله ـ : وهو قويّ إن خصّها بالمعاوضات المحضة ؛ لأنّ أخذ الموهوب مثلاً بغير عوض بعيد ، وبه خارج عن مقتضى الأصل ، وكذلك غير الهبة (٧).

والمناقشة فيه واضحة ؛ لابتناء التقوية على ثبوت وجه الحكمة من حجّة منصوصة ، ولم نقف عليها عدا الرواية المتقدّمة النافية للضرر بعد‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٤٠٤.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٧١ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٨٤ ، والكاشاني في المفاتيح ٣ : ٧٦.

(٣) المختلف : ٤٠٤.

(٤) الدروس ٣ : ٣٥٨.

(٥) قال به الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٧٦.

(٦) المسالك ٢ : ٢٧١.

(٧) مفاتيح الشرائع ٣ : ٧٦.

٦٤

الحكم بالشفعة (١) ، وهي مع قصور سندها وعدم جابر لها في المسألة قد مرّ ما يقدح في دلالتها من حيث إجمال المعلّل به ، هل هو ثبوتها ، أو نفيها كما فهمه العلاّمة (٢)؟ وعليه فينعكس الدلالة.

ولا ينافي الإجمال ما ادّعيناه سابقاً من ظهور الاحتمال الأوّل ؛ لعدم كونه ظهوراً معتدّاً به ، ولذا أيّدنا به الأدلّة العامّة ولم نجعله حجّةً مستقلّةً.

وعلى تقدير الظهور وقوّة الدلالة فلا ريب في عدم مقاومتها للإجماعات المحكيّة والقاعدة الثابتة المسلّمة ، ومع ذلك مفهوم العلّة فيها معارض بمفهوم الشرط أو القيد المعتبر في المرسلة المتقدّمة المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء » إلى أن قال : « إذا كان بين الشريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره » (٣).

وقريب منها : أخبار أُخر معتبرة وفيها الصحيح وغيره آتية في مسألة ثبوت الشفعة في الدور المقسومة ، مع كون طريق الجميع واحدة.

ولكنّ الإنصاف أنّ مثل هذه المفاهيم محتملة للورود مورد الغلبة في بعض ، والسؤال في آخر ، فلم تبلغ درجة الحجّية ، ولا كذلك مفهوم العلّة في المرسلة ، لكنّها صالحة للاعتضاد والتقوية ، وإلاّ فالعمدة هو ما قدّمناه من الأدلّة الظاهرة والحجج الباهرة السليمة كما عرفت عمّا يصلح للمعارضة. فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.

وقد استدلّ الفاضل في المختلف (٤) للمختار بالصحيح : عن رجل‌

__________________

(١) راجع ص : ٥٣.

(٢) المختلف : ٤٠٢.

(٣) راجع ص : ٦١٩٠.

(٤) المختلف : ٤٠٤.

٦٥

تزوّج امرأة على بيت في دار له ، وله في تلك الدار شركاء ، قال : « جائز له ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها » (١).

وفيه نظر ؛ لجواز أن يكون نفي الشفعة لكثرة الشركاء ، لا للإصداق.

( ولو كان الوقف مشاعاً مع طلق ) فباع الموقوف عليه الوقف على وجه يصحّ ، تثبت الشفعة لصاحب الطلق بلا خلاف فيه ظاهر ؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع.

وإن انعكس ( فباع صاحب الطلق ) ملكه ( لم تثبت للموقوف عليه ) مطلقاً وفاقاً من الماتن هنا وفي الشرائع ، والشهيدين للمبسوط (٢) نافياً الخلاف فيه. ونسبه الحلّي إلى الأكثر (٣) ، ولعلّه الأظهر ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى والنصّ ، وليس بحكم التبادر إلاّ ما عدا محلّ الفرض ، مضافاً إلى نقل عدم الخلاف المتقدّم المعتضد بدعوى الحلّي على ذلك الشهرة ؛ وهو حجّة كما بيّنته في رسالة في الإجماع مفردة ، ومع ذلك سليم عن المعارض بالكلّية عدا ما يتخيّل من وجه الحكمة المشتركة ، وقد مرّ الجواب عنه في المسألة السابقة.

هذا كلّه على تقدير القول بانتقال ملك الموقوف إلى الموقوف عليه ، كما هو أحد الأقوال في تلك المسألة.

وأمّا على القول بعدم الانتقال إليه مطلقاً فلا ريب في عدم ثبوت الشفعة لفقد الشركة المشترطة في ثبوتها اتّفاقاً فتوًى وروايةً.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٧ / ١٦٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٧ أبواب الشفعة ب ١١ ح ٢.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٥٤ ، الدروس ٣ : ٣٥٨ ، المسالك ٢ : ٢٧١ ، المبسوط ٣ : ١٤٥.

(٣) السرائر ٢ : ٣٩٧.

٦٦

( وقال المرتضى ) (١) رضى الله تعالى عنه : ( تثبت ) الشفعة مطلقاً (٢) وجوّز للإمام وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين ، أو على المساجد ومصالح المسلمين ، وكذلك كلّ ناظر بحقّ في وقف من وصيّ ووليّ ، واستند فيه إلى الإجماع.

وهو موهون بعدم وجود قائل به سواه ، معارض بنقل الشيخ على خلافه عدم الخلاف. وهو أرجح بعد اعتضاده بالشهرة المنقولة ، والأصل المتقدّم إليهما الإشارة.

وعن الحلّي الموافقة له مع وحدة الموقوف عليه ، وللمبسوط مع تعدّده. وعليه أكثر المتأخّرين ، بل نسبه الشهيدان إليهم كافّة (٣).

ووجهه غير واضح إلاّ على تقدير ثبوت انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه مطلقاً ، ووجود عموم على ثبوت الشفعة كذلك حتّى في الملك الغير التامّ كالوقف فيصح ما ذكروه حينئذٍ ؛ لوجود المقتضي لثبوتها في الشق الأوّل ، والمانع عنه وهو تعدّد الشركاء على الأصح كما يأتي في الثاني. ولكنّهما في محلّ التردّد أو المنع.

( الثاني : في ) بيان ( الشفيع ) المستحقّ لمطالبة المشتري بالشفعة ( وهو كلّ ) مسلم ( شريك بحصّة مشاعة قادر على الثمن ) واعتبار الإسلام فيه ليس كلّياً ؛ لثبوتها بين الكفّار بعضهم مع بعض إجماعاً ، كما في المبسوط وغيره (٤) ؛ لعموم الأدلّة.

__________________

(١) الانتصار : ٢٢١.

(٢) في « ح » والمطبوع من المختصر (٢٥٧) زيادة : وهو الأشبه.

(٣) الدروس ٣ : ٣٥٨ ، المسالك ٢ : ٢٧١.

(٤) المبسوط ٣ : ١٣٨ ، ١٩ ؛ وانظر المسالك ٢ : ٢٧٢.

٦٧

بل يعتبر إذا كان المشتري مسلماً ( فلا تثبت لذمّي ) ولا حربي ( على مسلم ) إجماعاً منّا ، كما في الانتصار والمبسوط والسرائر والمسالك وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (١) رحمه‌الله حاكياً له عن التذكرة ، وهو أيضاً ظاهر جماعة (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أنّ مطالبتها تسلّط على سبيل القهر ، و ( لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ).

وفي الخبر : « ليس لليهودي ولا النصراني شفعة » (٣) يعني على المسلم ؛ للإجماع على ثبوتها لهما على غيره. واختصاص النصّ والفتوى بالذمّي لعلّه لندرة اتّفاق شركة المسلم مع الحربيّ ، أو للتنبيه على الأدنى بالأعلى.

( و ) يتفرّع على اعتبار الشركة في الحصّة أنّه ( لا ) تثبت ( بالجوار ) بلا خلاف منّا حتّى من العماني كما في ظاهر المسالك ، وصريح بعض من تبعه (٤). بل عليه الإجماع في السرائر وعن شيخ الطائفة (٥) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل واختصاص المخصّصة له بما فيه الشركة ، مع فحوى النصوص الآتية الدالّة على نفي الشفعة فيما حصل فيه قسمة ، بل بعضها كالصريح في ذلك.

__________________

(١) الانتصار : ٢١٨ ، المبسوط ٣ : ١٣٩ ، السرائر ٢ : ٣٨٦ ، المسالك ٢ : ٢٧٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢٦.

(٢) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٢٥٥ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٥٩٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣٩٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٠ أبواب الشفعة ب ٦ ح ١.

(٤) المسالك ٢ : ٢٧٠ ، وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ٧٦.

(٥) السرائر ٢ : ٣٨٦ ، الشيخ في الخلاف ٣ : ٤٢٧ ٤٢٩.

٦٨

كالحسن : عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال : « الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن » (١) فلا شبهة في المسألة.

وخلاف العماني هنا على تقديره كما يستفاد من جماعة (٢) شاذّ منعقد الإجماع على خلافه.

( و ) يتفرّع على اعتبار القدرة على الثمن أنّه ( لا ) تثبت الشفعة ( لعاجز عن الثمن ) بلا خلاف ظاهر ، بل مصرّح بالوفاق عليه وعلى باقي قيود التعريف في المسالك حيث حكاه بعد ذكره بقيوده (٣) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ، واختصاص المثبت من النصّ والفتوى بحكم التبادر في بعض ، والتصريح في الآخر بالقادر. مع إمكان الاستدلال عليه بالخبر الآتي في تأجيل ثلاثة أيّام لمدّعي غيبة الثمن ونفي الشفعة إن لم يحضره بعدها ، وبلزوم الضرر على المشتري أو البائع على تقدير ثبوتها مع العجز أيضاً ، وهو منفيّ عقلاً ونقلاً.

ومنه يظهر الوجه في إلحاقهم المماطل ، والهارب بعد البيع عن بذل الثمن بالعاجز عنه أوّلاً.

ويرجع في العجز إلى اعترافه ، أو شهادة القرائن القطعيّة بعجزه ، وعدم إمكان استدانته أو عدم مشروعيّتها.

( ولا ) تثبت الشفعة ( فيما ميّز وقسّم ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٨ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٥ أبواب الشفعة ب ٢ ح ١.

(٢) الإيضاح ٢ : ١٩٨ ، التنقيح ٤ : ٨٥ ، الدروس ٣ : ٣٥٧.

(٣) المسالك ٢ : ٢٧٢.

٦٩

عامّة من تأخّر ، وعن الشيخ وفي السرائر والتنقيح وغيره (١) الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أكثر ما مرّ في نفيها للجار من الأدلّة. والنصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تكون متواترة.

منها زيادة على الحسنة المتقدّمة الصحيح : « لا تكون الشفعة إلاّ لشريكين ما لم يتقاسما » الحديث (٢).

والقوي : « لا شفعة إلاّ لشريك غير مقاسم » (٣) ونحوه أخبار أُخر ثلاثة (٤).

والخبر : « إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة » (٥).

وفي آخر : « إذا أرّفت الأُرف ، وحدّت الحدود فلا شفعة » (٦).

وفي ثالث : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى بالشفعة ما لم تؤرّف » يعني : ما لم تقسّم (٧).

__________________

(١) انظر الخلاف ٣ : ٤٢٩ ، والسرائر ٢ : ٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٣٩٣ ، التنقيح ٤ : ٨٦ ، وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٠.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٩ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٦ أبواب الشفعة ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٦ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٢.

(٤) الأوّل في : الكافي ٥ : ٢٨٠ / ١ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٦ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٣.

الثاني في : الكافي ٥ : ٢٨٢ / ١٠ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٧ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٦.

الثالث في : الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤١ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٨ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٧.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦١ ، التهذيب ٧ : ١٦٣ / ٧٢٤ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٧ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٤.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٧ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٥.

(٧) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٣ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٨ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٨.

٧٠

وفي المعتبرين : « لا شفعة إلاّ لشريك » (١).

ولا يضرّ ضعف الإسناد بعد الانجبار بالأصل ، والكثرة ، وعمل الأصحاب. وخلاف العماني (٢) شاذّ ، ومستنده غير واضح عدا ما يستدلّ له بالخبر العامي الوارد في الجار (٣) والنصّ الآتي في الاستثناء.

والأوّل ضعيف سنداً غير صريح دلالةً ، ولا مقاوم لما مرّ من الأدلّة من وجوه شتّى.

والثاني نقول بموجبه تبعاً للأصحاب من غير خلاف ، ومنهم الماتن هنا لقوله : ( إلاّ بالشركة في الطريق والنهر إذا بيع أحدهما أو هما مع الشقص ) المقسوم ، للصحيح : عن دار فيها دور ، وطريقهم واحد في عرصة الدار ، فباع بعضهم منزله من رجل ، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : « إن كان باع الدار وحوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة » (٤).

ونحوه خبر آخر (٥).

وقريب منهما الرضوي : « فإذا كانت دار فيها دور ، وطريق أبوابها في عرصة واحدة ، فباع رجل داره منها من رجل كان لصاحب الدار الأُخرى شفعة إذا لم يتهيّأ له أن يحوِّل باب الدار التي اشتراها إلى موضع آخر ، فإن حوّل بابها فلا شفعة لأحد عليه » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٥ ، ٧٢٦ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٥ أبواب الشفعة ب ١ ح ١ ، ٢.

(٢) كما حكاه عنه في المختلف : ٤٠٣.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ١٠٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣١ ، الإستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٨ أبواب الشفعة ب ٤ ح ١.

(٥) المقنع : ١٣٦ ، المستدرك ١٧ : ١٠٠ أبواب الشفعة ب ٤ ح ٣.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٦٤ ، المستدرك ١٧ : ٩٩ أبواب الشفعة ب ٤ ح ٢.

٧١

بناءً على ما قيل من ظهور أنّ قوله : « إذا لم يتهيّأ » إلى آخره ، كناية عن دخول الطريق في البيع وعدمه ، بمعنى أنّه إن باع الدار وحدها من غير دخول الطريق معها فلا شفعة ؛ لما مرّ من عدم موجب لها. وإن أدخل الطريق في البيع لعدم إمكان طريق له غير ذلك فله الشفعة في الجميع (١).

وعن التذكرة (٢) الاستدلال أيضاً بالحسن : عن دار بين قوم اقتسموها ، فأخذ كلّ واحد منهم قطعة فبناها ، وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ولكن يسدّ بابه ويفتح باباً إلى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت ويسدّ بابه ، فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به ، وإلاّ فهو طريقه يجي‌ء حتى يجلس على ذلك الباب » (٣).

ونحوه الموثق ، إلاّ أنّه قال : « أو ينزل من فوق البيت ، فإن أراد شريكهم أن يبيع منتقل قدميه فهو أحقّ به ، وإن أراد يجي‌ء حتّى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه » (٤).

وفيه نظر ، كما نبّه عليه جمع ممّن تأخّر (٥) ؛ إذ لا تعرّض فيهما لبيع الدار مع الممرّ كما هو محلّ البحث ، بل ظاهرهما ثبوت الشفعة في الطريق فقط ببيعه خاصّةً.

__________________

(١) قال به البحراني في الحدائق ٢٠ : ٢٩٦.

(٢) التذكرة ١ : ٥٩٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٢ ، الإستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٨ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٩ أبواب الشفعة ب ٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤٣ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٩ أبواب الشفعة ب ٤ ح ٣.

(٥) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٠٥ ، والبحراني في الحدائق ٢٠ : ٢٩٥.

٧٢

واعلم أنّ النصوص كما ترى مختصّة بصورة الاشتراك في الطريق ، لكنّهم ألحقوا به الاشتراك في الشرب ، ومستندهم غير واضح ، مع مخالفته لأُصولهم في الكتاب ، اللهم إلاّ أن تكون انعقد عليه الإجماع.

ثمّ لو باع الشريك حصّته من العرصة التي هي الطريق دون الدار جاز الأخذ بالشفعة ؛ لما مرّ إليه الإشارة.

واشترط بعضهم كون الطريق ممّا يقبل القسمة في صورة انفراده بالبيع دون صورة الانضمام (١) ، وبعضهم اشترط ذلك في الموضعين (٢). وليس في الروايات وغيرها تعرّض لذلك ، فالأقوى عدم اعتباره مطلقاً.

وكذا إطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق بين كون الدور مقسومة بعد اشتراك سابق أم لا. وبه صرّح في المسالك (٣) ، وحكي عن التذكرة (٤) ، وتبعهما جماعة (٥). وعن ظاهر آخرين (٦) اعتبار شركة سابقة على القسمة في ذات الطريق ؛ تعويلاً على حجّة ضعيفة. فالأوّل في غاية القوّة.

( و ) اعلم أنّه ( تثبت ) الشفعة ( بين شريكين ) إجماعاً فتوًى ونصّاً ( ولا تثبت لما زاد ) عليهما ( على أشهر الروايتين ) فتوًى ، بل عليه في الانتصار والسرائر والتنقيح إجماعنا (٧) ، ومع ذلك هي صحاح مستفيضة‌

__________________

(١) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٣٤٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٤ : ٣٩٩ ، والمسالك ٢ : ٢٧٠.

(٢) انظر الدروس ٣ : ٣٥٧.

(٣) المسالك ٢ : ٢٧١.

(٤) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٢٧١ ، وانظر التذكرة ١ : ٥٩٠.

(٥) منهم السبزواري في الكفاية : ١٠٥ ، والبحراني في الحدائق ٢٠ : ٢٩٦ ، ٢٩٧.

(٦) انظر جامع المقاصد ٦ : ٣٥١ ، ٣٥٢ ، وحكاه عن ظاهرهم في الكفاية : ١٠٥ ، والحدائق ٢٠ : ٢٩٧.

(٧) الانتصار : ٢١٦ ، السرائر ٢ : ٣٨٧ ، التنقيح ٤ : ٨٨.

٧٣

وغيرها من المعتبرة تقدّم إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف المباحث السابقة ، معتضدة بالأصل المتقدّم غير مرّة.

والرواية الثانية أيضاً مستفيضة ، منها : النصوص المتقدّمة في المسألة السابقة.

ومنها : الخبران « الشفعة على عدد الرجال » (١).

والخبر : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء » (٢).

وهي مع قصور سند أكثرها ، وعدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتّى شاذّة لا عامل بها عدا الإسكافي والصدوق في الفقيه في الجملة (٣) ، موافقة لمذهب العامّة القائلين بمضمونها ، كما صرّح به المرتضى وشيخ الطائفة (٤) وجماعة (٥) ، فلتحمل على التقية لذلك ، سيّما مع كون راوي بعضها من العامّة.

ويعضده مصير الإسكافي إليها ، إلاّ أنّ المنقول عنه في الانتصار يخصص ذلك بغير الحيوان ، ومصيره فيه إلى ما عليه الأصحاب (٦). وهو حينئذٍ كالصدوق في قوله بالتفصيل المزبور ، فإنّه قال في الفقيه بعد نقل‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٥ ، ١٥٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٦ ، الإستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٣ أبواب الشفعة ب ٧ ح ٥ وذيله.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٩ أبواب الشفعة ب ٥ ح ١.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٠٣ ، الفقيه ٣ : ٤٦.

(٤) المرتضى في الانتصار : ٢١٦ ، والشيخ في الخلاف ٣ : ٤٣٥.

(٥) منهم الفاضل في التذكرة ١ : ٥٨٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٠ ، والبحراني في الحدائق ٢٠ : ٣٠٣.

(٦) الانتصار : ٢١٧.

٧٤

ما يدلّ على المختار من الأخبار ـ : قال مصنّف هذا الكتاب : يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده ، فأمّا غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء وإن كانوا أكثر من اثنين ، وتصديق ذلك ما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن عبد الله بن سنان قال : سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم أن يبيع نصيبه ، قال : « يبيعه » قلت : فإنّهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلمّا أقدم على البيع قال له شريكه : أعطني ، قال : « هو أحقّ به » ثمّ قال عليه‌السلام : « لا شفعة في حيوان إلاّ أن يكون الشريك فيه واحداً » (١) انتهى.

وظاهر جماعة من الأصحاب مصير الإسكافي إلى القول المزبور مطلقاً من دون التفصيل (٢) ، وعبارة المختلف يحتمل ذلك وما ذكره المرتضى ، فإنّه قال بعد نقل مذهب الصدوق ـ : وكذا اختار ابن الجنيد ثبوت الشفعة مع الكثرة (٣).

ويعضد ما ذكره الجماعة ما ذكره الماتن في الشرائع من أنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة ، وعدّ منها القول بثبوتها مع الكثرة مطلقاً (٤) ، ولم نجد القائل به لو لم يكن الإسكافي.

لكن يضعّفه أنّه عدّ منها القول بالتفصيل بين العبد خاصّةً وغيره ، ولا قائل به حتّى الصدوق ؛ لاشتراطه اتّحاد الشريك في مطلق الحيوان من دون تخصيص بالعبد ، فهو غير الصدوق. ولعلّ القول بالثبوت مطلقاً لمن‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٦.

(٢) منهم القاضي في المهذّب ١ : ٤٥٣ ، وابن فهد في المقتصر : ٣٤٦ ، والمهذّب البارع ٤ : ٢٦٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٣٦٢.

(٣) المختلف : ٤٠٣.

(٤) الشرائع ٣ : ٢٥٥.

٧٥

عدا الإسكافي وقد وقف على قائله ولم نقف عليه ، كالقول بالتفصيل الذي حكاه.

وكيف كان فالقول بالتفصيل بقسميه على تقديرهما ضعيف جدّاً كسابقهما ؛ لعدم وضوح مأخذهما عدا ما في الفقيه قد مضى ، وهو كما ترى ؛ لعدم التعارض بين الخبر الذي قيّده والذي استشهد به لتقييده ؛ إذ غايته اشتراط الاتّحاد في الحيوان وهو لا ينافي اشتراطه في غيره كما هو مقتضى الخبر الأوّل المفيد بعمومه ، بل بصريحه ؛ لأنّه المرسل المتقدّم المصرّح بثبوت الشفعة في كلّ شي‌ء حتّى الحيوان (١) ، ونحوه الرضوي الماضي (٢) إلاّ بالمفهوم الضعيف الذي لعلّه لا يقول به.

ثمّ على تقدير حجّيته لا يمكن التقييد به أيضاً ؛ لما مضى من عدم التكافؤ أصلاً.

ومقتضاه رفع اليد عن نحو هذا الخبر كغيره من الأخبار المتقدّمة المطلقة ، سيّما مع ما عرفت من قوّة احتمال ورودها للتقية.

ويحتمل أيضاً محامل أُخر ذكرها الجماعة (٣) ، كحمل لفظ الجمع فيها على الاثنين ولو مجازاً ، أو على إرادة تعميم الحكم بالنسبة إلى المكلّفين ، لا بالنسبة إلى قضيّة واحدة اشترك فيها جماعة. وهما وإن بعدا إلاّ أنّه لا بأس بهما جمعاً ، وهو أحسن من الطرح مهما أمكن وأولى.

وبالجملة لا ريب ولا شبهة في المسألة بحمد الله تعالى.

( و ) اعلم أنّه لا خلاف على الظاهر المصرّح به في شرح الإرشاد (٤)

__________________

(١) راجع ص : ٥٤.

(٢) في ص : ٧٠.

(٣) انظر الانتصار : ٢١٧ ، والاستبصار ٣ : ١١٧ ، والمسالك ٢ : ٢٧٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢٠.

٧٦

للمقدّس الأردبيلي رحمه‌الله محتملاً كونه إجماعاً في أنّه ( لو ادّعى ) الشفيع ( غيبة الثمن أُجّل ثلاثة أيّام ) ولو ملفقة من وقت حضوره للأخذ بالشفعة إن ذكر أنّه ببلده ( فإن لم يحضره ) في المدّة المضروبة ( بطلت. ولو قال : إنّه في بلد آخر أُجّل بقدر وصوله ) إليه وعوده منه ( و ) زيادة ( ثلاثة أيّام ) بعد ذلك.

والأصل في جميع ذلك الحسن بالنهدي : عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أنْ يحضر المال فلم ينضّ ، فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها ، أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : « إن كان معه في المصر فلينتظر به ثلاثة أيّام ، فإن أتاه بالمال ، وإلاّ فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم ، فإن وفاه ، وإلاّ فلا شفعة له » (١).

وقصوره عن الصحّة مجبور بالعمل ، مع أنّ الحسن في نفسه حجّة على الأظهر الأشهر بين الطائفة.

وظاهر إطلاقه وإن شمل صورتي ترتّب الضرر على المشتري بالتأجيل وعدمه ، إلاّ أنّ ظاهرهم الإطباق على تقييده بـ ( ما ) إذا ( لم يتضرّر المشتري ) به كما إذا كان البلد بعيداً جدّاً. ولعلّه للجمع بينه وبين ما دلّ على نفي الضرر من العقل والنقل ، مضافاً إلى التأيّد بما مرّ من إناطة ثبوت الشفعة بنفي الضرر ، فينبغي أن يكون حيث لا يلزم من وجه آخر ، لأنّ مع التعارض ينبغي الرجوع إلى حكم الأصل ، وهو عدم الشفعة ، هذا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٣٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٦ أبواب الشفعة ب ١٠ ح ١.

٧٧

وأمّا ما يورد على الخبر من أنّ مورده هو الشفعة قبل البيع ، وأنّ الذي ينتظر به هو الشريك الذي يريد أن يبيع ، لا المشتري. فهو خارج عن محلّ البحث الذي استدلّوا به عليه وهو الشفعة بعد البيع ، ولعلّهم قاسوا حال المشتري على البائع ، وهو مشكل.

فغير واضح ؛ لابتنائه على كون المراد بصاحب الأرض هو المالك الأوّل دون المشتري ، ولا إشعار في الخبر به ، مع صدق ذلك على المشتري. بل إطلاق لفظ الشفعة التي هي حقيقة في الاستحقاق بعد البيع كما مرّ يعضد إرادة الثاني ، هذا.

مع احتمال أن يكون الإلحاق على تقدير صحّة ما ذكر من باب تنقيح المناط القطعيّ ، لا القياس الخفيّ ، فتدبّر.

ثمّ المراد ببطلانها على تقدير عدم إحضاره في المدّة المضروبة سقوطها إن لم يكن أخذ ، ويتسلّط المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ. كذا ذكره في المسالك (١).

ولعلّه كذلك ؛ لأنّ الحكم بالبطلان إنّما هو مراعاة للمشتري ، فإذا رضي بأخذ الشفيع بالتأخير فقد أسقط حقّه. وليس في إطلاق الرواية ما ينافي ذلك ؛ لأنّ غايتها إسقاط حقّ الشفيع من السلطنة على المطالبة ، وهو لا يستلزم إسقاط حقّ المشتري من المطالبة بالثمن بعد إجراء الصيغة الناقلة.

وبالجملة لا دلالة فيها على بطلان حقّ الشفيع ، وعلى تقديره لا ضير فيه أيضاً ، وإن هي حينئذٍ إلاّ كما ورد في خيار التأخير من بطلان البيع ، مع‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٧٣.

٧٨

إطباق الأصحاب على بقاء الصحّة وثبوت الخيار ، لا فساد الشفعة من أصله.

فما في الكفاية (١) من أنّ هذا التفصيل غير مذكور في الرواية ، محلّ مناقشة إن أراد الردّ بها عليه ، وإن أراد عدم استفادة ما ذكره منها فحسن ، إلاّ أنّه لم يستند إليها في ذلك. ولعلّه أخذه ممّا قدّمناه من الحجّة.

( وتثبت ) الشفعة ( للغائب ) وإن طالت غيبته ، فإذا قدم من سفره أخذ إن لم يتمكّن من الأخذ في الغيبة بنفسه ، أو وكيله. ولا عبرة بتمكّنه من الإشهاد.

وفي حكمه المريض والمحبوس ظلماً أو بحقّ يعجز عنه ، ولو قدر على الحقّ ولم يطالب بعد مضيّ زمان يتمكّن من التخلّص والمطالبة بطلت.

( و ) كذا ( السفيه والمجنون والصبيّ ) في ثبوت الشفعة لهم ( ويأخذ لهم الوليّ مع الغبطة ) والمصلحة كسائر التصرّفات. ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبعدمه صرّح بعض الأجلّة (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى العمومات المعتضدة بوجه الحكمة المشتركة ، وخصوص بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده عن الصحّة بفتوى الطائفة : « وصيّ اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان له فيه رغبة » وقال : « للغائب شفعة » (٣).

وهو وإن اختصّ مورده بالأوّل والأخير إلاّ أنّ الوسطين ملحقان بهما‌

__________________

(١) الكفاية : ١٠٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٢٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠١ أبواب الشفعة ب ٦ ح ٢.

٧٩

لعدم القائل بالفرق بين الأربعة في الطائفة ، مع اعتضاد إلحاق الثالث بل ما سبقه أيضاً بالاستقراء ، واشتراكه مع الصبيّ في الأحكام غالباً ، هذا.

وربما يشكل الحكم بثبوت الشفعة لهم إن تضمّن طول الغيبة ، وانتظار ارتفاع موانع الثلاثة حيث لم يأخذ لهم وليّهم بالشفعة كما سيأتي إليه الإشارة ضرراً على المشتري ؛ يظهر وجهه ممّا قدّمناه قريباً من أنّ مقتضى تعارض الضررين الرجوع إلى حكم الأصل ، وهو عدم الشفعة.

ووجّهنا بهذا حكمهم السابق بتقييد جواز التأجيل بما إذا لم يتضرّر به المشتري ، مع خلوّ النصّ كما عرفت عن القيد. لكن عدم خلافهم في ذلك بحيث كاد أن يعدّ من الإجماع كفانا الاشتغال بطلب دليل آخر على تصحيح الإطلاق.

( ولو ترك الوليّ ) الأخذ حيث يجوز له ( فبلغ الصبيّ ، أو أفاق المجنون ) أو رشد السفيه ( فله ) أي لكلّ منهم ( الأخذ ) قيل : لأنّ التأخير وقع لعذر ، وتقصير الوليّ بالتراخي لا يسقط حق المولّى عليه ، وليس الحقّ متجدّداً عند الكمال ، بل مستمرّ وإنّما المتجدّد أهليّة الآخذ (١). ولا يظهر خلاف فيه ، وفي أنّه لو كان الترك لعدم المصلحة لم يكن لهم بعد ارتفاع الموانع الأخذ بالشفعة.

وعليه فلو جهل الحال في سبب الترك هل هو الثاني أو الأوّل؟ ففي استحقاقهم الأخذ نظراً إلى وجود السبب فيستصحب ، أم لا التفاتاً إلى أنّه مقيّد بالمصلحة وهي غير معلومة ، وجهان ، أوجههما الثاني عند الشهيد الثاني (٢).

__________________

(١) قال به الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٧٩.

(٢) الروضة البهية ٤ : ٤٠١.

٨٠