رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

الموثق (١).

خلافاً للإسكافي (٢) ، فاعتبره بالبول ، قال : فإن نحاه عند خروجه عن مباله فهو ذكر ، وإن بال على مباله فأُنثى ؛ للمرسل كالموثق (٣).

وهو شاذّ ، ومستنده عن المكافأة لما مرّ قاصر.

وإطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم وجوب الدعاء ، وبه صرّح الشهيدان (٤) ، قال ثانيهما : لخلوّ باقي الأخبار عنه.

وفيه نظر ؛ لتضمّن جميعها الأمر به وإن اختلف بحسب الإجمال أو الإطلاق ، كما في الأخبار الأخيرة ، والتفصيل ، كما في الصحيحة.

فإن أراد بالدعاء المستحب عنده جنسه المناسب للقرعة فجميع الأخبار للأمر به متضمّنة ، فكيف يقول : الأخبار عنه خالية؟

وإن أراد به الكيفيّة المرسومة في الصحيحة ، فلا يقدح خلوّ باقي الأخبار عنها بعد تضمّنها الأمر بمطلق الدعاء ، والأصل يقتضي حملها عليها ، وهو أرجح من الحمل على الاستحباب جدّاً ، ولذا أمر به الحلّي رحمه‌الله في السرائر ، والماتن في الشرائع والفاضل في القواعد والتحرير (٥) ، وإن اختلفت عبائرهم بحسب ( الإطلاق والتقييد ) (٦) بنحو ما في الصحيح ، ولا ريب أنّه أحوط ، إن لم يكن أظهر.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٥٧ / ١٢٧٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٤ أبواب ميراث الخنثى ب ٤ ح ٤.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٤٧.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٧ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٥٧ / ١٢٧٧ ، الإستبصار ٤ : ١٨٧ / ٧٠٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٤ أبواب ميراث الخنثى ب ٤ ح ٥.

(٤) الدروس ٢ : ٣٨١ ، المسالك ٢ : ٣٤٢ ، الروضة ٨ : ٢٠٦.

(٥) السرائر ٣ : ٢٧٧ ، الشرائع ٤ : ٤٧ ، القواعد ٢ : ١٨٧ ، التحرير ٢ : ١٧٥.

(٦) في « ر » ونسخة في « ح » و « ب » : الإجمال والتفصيل.

٤٦١

( ومن له رأسان أو بدنان على حَقْوٍ ) بفتح الحاء وسكون القاف معقد الإزار عند الخصر ( واحد ) سواء كان ما تحت الحَقْو ذكراً أو أُنثى أم غيره ؛ لأنّ الكلام هنا في اتحاد ما فوق الحقو وتعدّده ليترتب عليه الإرث ، وحكمه أن ( يوقظ أو يصاح به ، فإن انتبه أحدهما فهما اثنان ) وإلاّ فواحد ، بلا خلاف ؛ للنص المتضمّن لقضاء عليّ عليه‌السلام بذلك (١).

وقصوره أو ضعفه مجبور بأنّه لا رادّ له ، حتى أنّ منكر حجية أخبار الآحاد كالحلّي (٢) قد قبله.

وعلى التقديرين يرثان إرث ذي الفرج الموجود ، فيحكم بكونهما واحدة أو اثنتين ، أو ذكراً واحداً أو ذكرين ، ولو لم يكن له فرج أو كانا معاً حكم لهما بما مضى.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٦ : ٢٩٥ أبواب ميراث الخنثى ب ٥.

(٢) السرائر ٣ : ٢٧٧.

٤٦٢

الفصل ( الثالث )

( في ) بيان ميراث ( الغرقى والمهدوم عليهم )

اعلم أنّ مقتضى الأصل وبه صرّح (١) الأصحاب عدم الحكم بالتوارث إلاّ مع تحقق سبق موت المورّث على الوارث ، إلاّ ما خرج بدليل ، ( و ) هو مسألة ( هؤلاء ) فإنّهم ( يرث بعضهم بعضاً ) إجماعاً ظاهراً ، وحكاه جماعة (٢) مستفيضاً ، بل وزائداً ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيحين : عن القوم يغرقون في السفينة ، أو يقع عليهم البيت فيموتون ، ولا يعلم أيّهم مات قبل صاحبه؟ فقال : « يورث بعضهم من بعض ، كذلك هو في كتاب عليّ عليه‌السلام » (٣).

وفي الصحيح : قلت له : رجل وامرأة سقط عليهما البيت فماتا ، قال : « يورث الرجل من المرأة والمرأة من الرجل » قال : قلت : فإنّ أبا حنيفة قد أدخل عليهم في هذا شيئاً ، قال : « وأيّ شي‌ء أدخل عليهم؟ » قلت : رجلين أخوين أعجمين ليس لهما وارث إلاّ مواليهما ، أحدهما له مائة ألف درهم معروفة ، والآخر ليس له شي‌ء ، ركبا سفينة فغرقا ، فأُخرجت المائة ألف ، كيف يصنع بها؟ قال : تدفع إلى مولى الذي ليس له شي‌ء ، فقال : « ما أنكر‌

__________________

(١) في « ب » زيادة : بعض.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٤٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٣٠٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٩.

(٣) الكافي ٧ : ١٣٦ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٢٥ / ٧١٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٧ أبواب ميراث الغرقى ب ١ ح ١.

٤٦٣

ما أدخل فيها ، صدق ، هو هكذا » (١) الخبر ، ونحوه آخر (٢).

ويشترط الحكم فيهم بشروط ثلاثة ، أشار إليها بقوله : ( إذا كان لهم أو لأحدهم مال ) وإلاّ لانتفى التوارث من حيث عدم ما يورث ، وينتقل المال لأحدهما إلى من لا مال له ، ثمّ إلى وارثه الحيّ ، كما مرّ في الصحيحين ( وكانوا يتوارثون ).

والتوارث دائر بينهم ، بمعنى أنّ كل واحد منهم يرث من الآخر ولو بمشاركة غيره ، فلو انتفى كما لو لم يكن استحقاق إرث بالكلّيّة ، إمّا لعدم النسب ، أو السبب ، أو لوجود مانع من كفر ، أو رقّ ، أو وجود وارث حيّ لكل منهما أو لأحدهما حاجب للميت الآخر ، لم يثبت الحكم ، فلو غرق أخوان ولكلّ منهما ولد فإنّه لا توارث بينهما ، بل كل منهما يحوز ميراثه ولده ، وكذا لو كان الولد لأحدهما خاصّة دون الثاني ، وليس للثاني إلاّ أخوه ذو الولد ، فلا يرثه الأخ ، ويختص الميراث بغيره ، وإن كان أبعد ؛ لعدم ثبوت بقائه بعد أخيه الذي هو شرط في الإرث ، كما مر.

( و ) كان ( اشتبه المتقدّم ) منهم ( في الموت بالمتأخّر ) فلو علم اقترانه فلا إرث ، ولو علم المتقدّم ورثه المتأخّر من غير عكس ، كما في الخبر : قضى علي عليه‌السلام في رجل وامرأة ماتا جميعاً في الطاعون ، ماتا على فراش واحد ، ويد الرجل ورجله على المرأة ، فجعل الميراث للرجل ، وقال : إنّه مات بعدها (٣).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٧ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٠ / ١٢٨٧ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٩ أبواب ميراث الغرقى ب ٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ١٣٧ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٦٠ / ١٢٨٦ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٩ أبواب ميراث الغرقى ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٣٨ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٦١ / ١٢٨٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٤ أبواب ميراث الغرقى ب ٥ ح ٣.

٤٦٤

ويستفاد منه جواز الاكتفاء عن العلم بمثل تلك القرينة ، وفيه مخالفة للأصل ، ولا يمكن الخروج عنه بمثله ؛ لقصور سنده بالرفع ، ودلالته باحتمال حكمه عليه‌السلام بعلمه.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل في ظاهر الغنية (١) الإجماع عليه ، وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى الأصل المتقدّم إليه الإشارة ، مع اختصاص النصوص المخرجة عنه بما اجتمع فيه الشرائط الثلاثة ، ومع ذلك البداهة لصحة الشرط الأوّل شاهدة ، كما أنّ الأُصول والعمومات والمرفوعة على الثالث دالّة.

وبما ذكرنا يظهر ما في الكفاية (٢) من المناقشة في الحكم بعدم التوارث بين الأخوين ذي الولد وعديمه ، واحتمال إلحاقهما بالأخوين ذي المال وعديمه.

ولذا أنّ المولى الأردبيلي رحمه‌الله الذي هو الأصل في المناقشة ، قال بعدها : إلاّ أن يقال : هذا الحكم مخالف للأصل والقاعدة ، وإنّما الاستثناء للدليل ، وقد وجد في صورة المال من جانب واحد لا غير ، فتأمّل (٣). انتهى.

وهنا شرط رابع ذكره في التحرير والقواعد (٤) ، وهو كون الموت بالسبب ، فلو وقع بغيره كحتف الأنف لم يثبت التوارث بينهم ، بل ينتقل الإرث من كل منهم إلى وارثه الحي ، وهذا الشرط وإن لم يصرّح به هنا وفي‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٢) الكفاية : ٣٠٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٥٢٩.

(٤) التحرير ٢ : ١٧٥ ، القواعد ٢ : ١٩١.

٤٦٥

كلام كثير إلاّ أنّه يستفاد من حكمهم بعدم التوارث في الموت حتف الأنف ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

( وفي ثبوت هذا الحكم ) يعني التوارث بين الأموات المشتبهين في الموت بحسب السبق والتقارن مع اجتماع ما مرّ من الشرائط فيما إذا كان الموت ( بغير سبب الغرق والهدم ) من باقي الأسباب كالقتل والحرق ( تردّد ) ينشأ : من الأصل المتقدّم مع اختصاص النصوص المخصّصة له بالغرقى والمهدوم عليهم ، ومن أنّ الظاهر أنّ العلّة في التوارث بينهم الاشتباه المستند إلى سبب ، وهي موجودة في محل البحث.

وإلى الأوّل ذهب المفيد والأكثر ، على الظاهر المصرّح به في الروضة والمسالك (١) ، ونسبه في الكفاية (٢) إلى الأصحاب ، مع أنّه كغيره نقل الثاني عن ظاهر الشيخ في النهاية والإسكافي والحلبي (٣) ، ونقله في الإيضاح أيضاً عن ظاهر المبسوط وصريح ابن حمزة (٤) ، واختاره والده في القواعد (٥) صريحاً ، وقوّاه في المختلف أخيراً ، بعد أن ضعّف ما ذكره لهم دليلاً بمنع التعليل بمطلق الاشتباه ، قال : فجاز أن يكون الاشتباه المستند إلى أحدهما (٦).

ولعل الوجه في التقوية مع تضعيفه الحجّة قوّة احتمال كون العلّة‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٩٩ ، الروضة ٨ : ٢٢١ ، المسالك ٢ : ٣٤٣.

(٢) الكفاية : ٣٠٨.

(٣) النهاية : ٦٧٤ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٥٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٦.

(٤) الإيضاح ٤ : ٢٧٦ ، المبسوط ٤ : ١١٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٠٠.

(٥) القواعد ٢ : ١٩١.

(٦) المختلف : ٧٥٠.

٤٦٦

المحتج بها قطعيّة منقّحة بطريق الاعتبار ، لا مستنبطة بطريق المظنّة لتلحق بالقياس المحرّم في الشريعة.

ويعضده وقوع التعدية عن مورد النصوص المخصّصة للقاعدة كثيراً لأخصّيّتها من المدّعى كذلك ، كما لا يخفى ، والإجماع وإن كان هو المستند في ذلك ، إلاّ أنّه لا ينافي الاعتضاد.

ويشير إلى قوّة الاحتمال بل وتعيّنه فهم الراوي فيما تقدّم من الصحيحين الأخيرين من حكمه عليه‌السلام في المهدوم عليهم ثبوته في الغرقى ، ولذا بعد سماعه الحكم منه عليه‌السلام في المهدوم عليهم اعترض على أبي حنيفة فيما حكم به في الغرقى من دون تربّص وتزلزل ، بحيث يظهر منه أنّه فهم كون العلّة هو الاشتباه ، وإلاّ فلم يتقدّم للغرقى ذكر سابقاً لا سؤالاً ولا جواباً ، والمعصوم عليه‌السلام أقرّه على فهمه ، غير معترض عليه بالقياس ، وأنّك لِمَ استشعرت من حكمي في المهدوم الاعتراض على أبي حنيفة في الغرقى ، فهذا القول في غاية القوّة ونهاية المتانة لولا الشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعاً.

وما في الإيضاح من أنّه قد روي : أنّ قتلى اليمامة وقتلى صفّين لم يرث بعضهم من بعض ، بل ورثوا الأحياء (١) قال : فإن صحّت الرواية فهي حجة قويّة (٢).

أقول : ويكفي لنا في الاحتجاج بها انجبارها بالشهرة ولو لم تكن بحسب السند صحيحة.

ويضعف الاعتضاد بوقوع التعدية بعدم وقوعها في الموت من غير‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٧ : ١٨٨ ، الشرح الكبير ٧ : ١٥٧.

(٢) إيضاح الفوائد ٤ : ٢٧٧.

٤٦٧

سبب ، كما يأتي ، والإجماع وغيره ، وإن كانا مستنديه ، إلاّ أنّهما دالاّن على عدم كون العلّة الاشتباه المطلق ، بل المقيّد بشي‌ء ، وهو كما يحتمل خصوصيّة الموت بالسبب مطلقاً كذا يحتمل خصوصيته به مقيّداً بالهدم والغرق خاصة ، والتقييد فيه وإن كان زائداً يوجب مرجوحيّته بالإضافة إلى الاحتمال الأوّل ، إلاّ أنّ المقصود من معارضة الاحتمال الأوّل به وذكرهما بعد الإجماع على التقييد بعد دعوى تنقيح المناط القطعي ؛ إذ هي على تقدير تسليمها إنّما تصح في الاشتباه المطلق ولو في الموت من غير سبب ، فإنّه هو الذي يتراءى في الاعتبار والنظر كونه العلّة والمناط في مورد النص دون الاشتباه المقيّد.

وبالجملة : المسألة عند العبد محل توقف ، وإن كان المصير إلى ما عليه الأكثر لا يخلو عن قرب.

( ومع ) اجتماع ( الشرائط ) المتقدّمة ( يورث الأضعف ) والأقلّ نصيباً ( أوّلاً ، ثم ) يورث ( الأقوى ) منه ، والأكثر نصيباً ، فيفرض موته أوّلاً ويرث الأضعف منه نصيبه ، ثم يفرض موته ويرث الأقوى منه نصيبه ؛ للمعتبرة ، منها الخبران ، أحدهما الصحيح : عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت ، فقال : « تورث المرأة من الرجل ، ثم يورث الرجل من المرأة » (١) وبمعناهما الموثق كالصحيح (٢).

( ولا يورث ) الأقوى ( مما ورث ) الأضعف ( منه ) بل من صلب‌

__________________

(١) الصحيح في : التهذيب ٩ : ٣٥٩ / ١٢٨٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٥ أبواب ميراث الغرقى ب ٦ ذيل الحديث ٢.

الخبر الآخر في : التهذيب ٩ : ٣٥٩ / ١٢٨١ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٥ أبواب ميراث الغرقى ب ٦ ح ٢.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٢٥ / ٧١٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٥ أبواب ميراث الغرقى ب ٦ ح ١.

٤٦٨

تركته فقط ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي ظاهر الغنية (١) الإجماع عليه ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، واختصاص النصوص المتقدّمة ونحوها مما دلّ على توريث كل منهم من صاحبه بحكم التبادر بالتوارث من أصل التركة ، وخصوص الصحيحين المتقدّم إليهما الإشارة (٢) ، الدالّين على توريث الأخ الذي لا مال له من أخيه ذي المال من دون عكس ، والخبر المنجبر ضعفه بالإرسال وغيره بعمل الأكثر : « لا يرث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً ، ولا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً » (٣).

وفي الصحيح : « تورث المرأة من الرجل ، ويورث الرجل من المرأة » معناه : يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم ، لا يورثون مما يورث بعضهم بعضاً شيئاً (٤). وهو كما تقدّمه نصّ وحجة إن كان التفسير من الإمام عليه‌السلام ، وإلا فمعاضد إن كان من بعض الرواة.

( وفيه قول آخر ) بالإرث ممّا ورث للمفيد والديلمي (٥) ، وما تقدّم حجة عليهما ؛ مضافاً إلى ما ذكره جماعة (٦) من استلزامه المحال عادة ، وهو فرض الحياة بعد الموت ؛ لأنّ التوريث من الثاني يقتضي فرض موته ، فلو ورث ما انتقل عنه لكان حيّاً بعد انتقال المال عنه ، وهو ممتنع عادةً.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٢) في ص : ٤٥٨.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٦٢ / ١٢٩٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣١١ أبواب ميراث الغرقى ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ١٣٧ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٦١ / ١٢٨٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٠ أبواب ميراث الغرقى ب ٣ ح ١.

(٥) المفيد في المقنعة : ٦٩٩ ، الديلمي في المراسم : ٢٢٦.

(٦) منهم العلاّمة في المختلف : ٧٥٠ ، وولده في الإيضاح ٤ : ٢٧٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٢١٨.

٤٦٩

واستلزامه التسلسل ، وعدم انقطاع القسمة.

ولكن فيهما مناقشة ، فالثاني : بأنّ القائل بهذا القول لم يحكم بالإرث مما ورث منه لغير الثاني ، كما صرّح به شيخنا في المسالك (١) ، ويظهر من العبارة ، ومن تعليل القائل مذهبه بكون ما ورثه صار من جملة ماله قبل أن يحكم بموته والإرث منه ، بخلاف الأوّل ، فإنّه يحكم بموته والإرث منه قبل أن يحكم له بالإرث.

والأوّل : لورود مثله في إرث الأوّل من الثاني.

وما قيل في ردّه : من أنّا نقطع النظر عمّا فرض أوّلاً ، ونجعل الأوّل كأنّه المتأخّر حياةً ، بخلاف ما إذا ورثنا الأوّل من الثاني مما كان قد ورثة الثاني منه ، فإنّه يلزم فرض موت الأوّل وحياته في حالة واحدة (٢).

لا يخلو عن تكلّف ، مستغنى عنه بعد قيام الدليل على هذا القول ، ولكن الشأن فيه ، فإنّا لم نقف عليه غير ما مرّ من التعليل. وهو في مقابلة ما قدّمنا من الدليل عليل.

ووجوب تقديم الأضعف في الإرث ، وأنّه لا فائدة إلاّ التوريث مما ورث منه.

( و ) يضعّف بمنع كون ( التقديم ) على جهة الوجوب ، بل ( على الاستحباب ، على الأشبه ) وفاقاً للشيخ في الإيجاز وابن زهرة في الغنية والفاضل في ظاهر الإرشاد وصريح التحرير والشهيد في الدروس (٣) ؛ للأصل ، وخلوّ كثير من النصوص من لفظة « ثم » المفيدة للترتيب ، مع كون‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٤٤.

(٢) قال به فخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ٢٧٧.

(٣) الإيجاز ( الرسائل العشر ) : ٢٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الإرشاد ٢ : ١٣٠ ، التحرير ٢ : ١٧٥ ، الدروس ٢ : ٣٥٣.

٤٧٠

النصوص المتقدّمة المتضمّنة لها أخصّ من المدّعى بكثير ؛ لورودها في خصوص الرجل والمرأة ، والمدّعى أعمّ من وجوه عديدة ، فيحمل الترتيب على الاستحباب.

ولو سلّم الوجوب كما هو الظاهر ، وفاقاً للشيخين والحلي والشهيد في اللمعة وغيرهم (١) ؛ لظهور النصوص المتضمّنة للترتيب في وجوبه ، وبها تقيد إطلاقات النصوص الخالية عنه ، والأخصيّة من المدّعى مجبورة بعدم القائل بالفرق مطلقاً فيحتمل كونه تعبّداً محضاً لا لعلّة معقولة ، فإنّ أكثر علل الشرع والمصالح في نظر الشارع عنا خفيّة تعجز عقولنا عن إدراكها بالكلّيّة ، وليكن منها وجوب الترتيب في المسألة ، فالواجب اتّباع النص.

ولتخلّفه مع تساويهما في الاستحقاق ، كأخوين لأب ، فينتفي اعتبار التقديم ويصير مال كل منهما [ لورثة (٢) ] الآخر ، فلا يتم الاستناد إليه لإثبات المطلوب ، فتأمّل جدّاً.

وعلى اعتبار التقديم مطلقاً ( فلو غرق أب وابن ) واحد ، أو أكثر ولم يبلغوا ستّة ( ورث الأب ) من ابنه بعد فرض موته ( أوّلاً نصيبه ، ثم ) يفرض موت الأب و ( ورث الابن من أصل تركة أبيه ، لا ممّا ورث منه ) كما تقدم ( ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه ) الخاص أو العام.

( ولو كان لأحدهما وارث ) خاص دون الآخر ( اعطي ما اجتمع

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٩٩ ، الطوسي في النهاية : ٦٧٤ ، الحلي في السرائر ٣ : ٣٠٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ٢١٩ ؛ وانظر التبصرة : ١٨٥ ، والجامع للشرائع : ٥٢٠.

(٢) في النسخ : لوارثه ، والصواب ما أثبتناه.

٤٧١

لذي الوارث ) الخاص ( لهم ) أي لورثته ، جمع الضمير مراعاة للتعدّد المحتمل ، ولو أفرده مراداً به الجنس كإرادته من المرجع تبعاً له كان أنسب ( و ) اعطي ( ما اجتمع للآخر ) عديم الوارث الخاص ( للإمام ) عليه‌السلام.

( ولو لم يكن لهما ) وارث خاص ( غير ) أنفس ( هما ) بأن انحصر الوارث الخاص لكل منهما في الآخر ( انتقل مال كل منهما إلى الآخر ) فرضاً ( ثم ) انتقل ( منهما إلى الإمام ) عليه‌السلام بالفعل.

( وإذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق ) وقدر النصيب ، بأن تساويا فيه فرضاً ، أو قرابة ، أو بهما معاً ( سقط اعتبار التقديم ) قطعاً ( كأخوين ) لأب ، أو لُام ، أو لهما معاً.

( فإن ) كان لـ ( كلّ منهما مال ولا مشارك لهما ) في الإرث ( انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ) فرضا ( ثم ) انتقل ( منهما إلى ورثتهما ) الخاص محققاً.

( وإن كان لأحدهما ) خاصّة ( مال ) دون الآخر ( صار ) وانتقل ( ماله لأخيه ) فرضاً ( و ) انتقل ( منه ) بعد ذلك ( إلى ورثته ) الخاص محقّقاً ( ولم يكن للآخر ) ذي المال ( شي‌ء ) حتى ممّا ورثه منه عديم المال على المختار ، ويرث منه نصيبه على غيره.

( ولو لم يكن لهما وارث ) خاص أصلاً ( انتقل المال ) من كل منهما ، أو من ذي المال خاصّة على المختار ( إلى الإمام ) عليه‌السلام ، كالسابق الذي كان بينهما تفاوت ؛ لأنّه وارث من لا وارث له شرعاً كما هنا ؛ لأنّ فرض تأخّر موت كل منهما عن صاحبه المقتضي لكونه وارثاً قد انقطع بالفرض الآخر المضادّ له ، فكأنّه لا وارث لهما ، سيّما مع إمكان تقارن موتهما.

٤٧٢

( ولو ماتا حتف أنفهما ) على فراشهما ، من غير قتل ولا ضرب ولا حرق ولا غرق ، وخصّ الأنف لما يقال : إنّ روحه تخرج منه بتتابع نفسه ( لم يتوارثا ، وكان ميراث كل منهما ) إن كان ( لورثته ) الخاص أو العام ، بلا خلاف ظاهر ، بل عليه الإجماع في الروضة وحكاه في المسالك (١) عن جماعة ، وهو الحجة المعتضدة بما تقدّم (٢) في عدم الموارثة بين القتلى ونحوهم من الأدلّة.

مضافاً إلى الرواية « ماتت أُمّ كلثوم بنت علي عليه‌السلام وابنها زيد بن عمر ابن الخطاب في ساعة واحدة ، لا يدري أيّهما مات قبل ، فلم يورث أحدهما من الآخر ، وصلّى عليهما جميعاً » (٣).

__________________

(١) الروضة ٨ : ٢٢١ ، المسالك ٢ : ٣٤٤.

(٢) راجع ص : ٤٦٢.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٦٢ / ١٢٩٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٤ أبواب ميراث الغرقى ب ٥ ح ١.

٤٧٣

( الفصل الرابع )

( في ) بيان ( ميراث المجوس ) إذا ترافعوا إلى حكّام الإسلام ، أو اشترط عليهم التزامهم بأحكامه ( وقد اختلف الأصحاب فيه ، فالمحكي عن يونس ) بن عبد الرحمن ، وهو من أجلاّء قدماء الأصحاب ورواتهم ، من رجال الكاظم والرضا عليهما‌السلام ( أنّه لا يورثهم إلاّ بالصحيح من النسب والسبب ) دون فاسدهما (١) ، وتبعه المفيد على نقل والتقي والحلي والفاضل في المختلف (٢) ، ونسبه المفيد في كتاب الإعلام إلى جمهور الإمامية (٣) ، واختاره المرتضى في الموصليّات (٤) ، مدّعياً الإجماع عليه.

( وعن الفضل بن شاذان ) النيشابوري ، وهو أيضاً أحد أصحابنا الفضلاء العظماء المتكلمين ، من رجال الهادي والعسكري عليهما‌السلام ( أنّه يورثهم بالنسب صحيحه وفاسده ، وبالسبب الصحيح خاصّة ) (٥) ( ، وتابعه ) ابن بابويه والعماني و ( المفيد رحمه‌الله ) على ما نقله جماعة (٦).

( وقال الشيخ ) في جملة من كتبه وابن حمزة والديلمي والقاضي ،

__________________

(١) حكاه عنه في الكافي ٧ : ١٤٥.

(٢) نقله عن المفيد في المختلف : ٧٤٨ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٧٦ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، المختلف : ٧٤٨.

(٣) الإعلام ( مصنفات المفيد ٩ ) : ٦٦.

(٤) الموصليّات ( رسائل السيد المرتضى ١ ) : ٢٦٦.

(٥) حكاه عنه الشيخ في التهذيب ٩ : ٣٦٤.

(٦) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٤٨٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٢٢١ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ٧٤٨ ، وانظر الفقيه ٤ : ٢٤٨ ، والمقنع : ١٧٩ ، والإعلام ( مصنفات المفيد ٩ ) : ٦٦.

٤٧٤

والإسكافي كما حكاه عنه الفاضل المقداد والصيمري (١) : إنّهم ( يورثون بالصحيح والفاسد فيهما ) ونسبه في التحرير إلى المشهور (٢).

وجعله الإسكافي مشهوراً عن علي عليه‌السلام ؛ لما رواه السكوني في القوي به : « عن علي عليه‌السلام أنّه كان يورث المجوس إذا تزوّج بأمّه وأخته وابنته من جهة أنها أمّه وأنّها زوجته » (٣) وقريب منه مروي عن قرب الاسناد (٤).

وقول الصادق عليه‌السلام في الصحيحين اللذين رواهما الشيخان لمن سبّ مجوسيّاً وقال : إنّه تزوّج بامّه : « أما علمت أنّ ذلك عندهم هو النكاح » (٥) بعد أن زبر السائل.

وقوله في الموثق : « كل قوم يعرفون النكاح عن السفاح ، فنكاحهم جائز » (٦).

وقوله عليه‌السلام في غير واحد من الأخبار : « إنّ كلّ قوم دانوا بشي‌ء يلزمهم‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٦٨٣ ، والمبسوط ٤ : ١٢٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤٠٣ ، الديلمي في المراسم : ٢٢٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٧٠ ، التنقيح ٤ : ٢٢١ ، غاية المرام ٤ : ٢٠٦.

(٢) التحرير ٢ : ١٧٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٩ / ٨٠٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٤ / ١٢٩٩ ، الإستبصار ٤ : ١٨٨ / ٧٠٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٧ أبواب ميراث المجوس ب ١ ح ١.

(٤) قرب الإسناد : ١٥٣ / ٥٥٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٨ أبواب ميراث المجوس ب ١ ح ٤.

(٥) أحدهما في : الكافي ٥ : ٥٧٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٨٦ / ١٩٥٦ ، الوسائل ٢١ : ١٩٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٣ ح ١.

والآخر في : الكافي ٧ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٧٥ / ٢٨٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٧٣ أبواب حدّ القذف ب ١ ح ٣.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٧٥ / ١٩٠٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٣ ح ٣.

٤٧٥

حكمه » (١).

ولعل هذا القول أظهر ؛ لاعتبار سند الأحاديث الدالّة عليه ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة المحكية في الفتوى والرواية ، ولكن الإجماع المتقدّم في كلام المرتضى على القول الأوّل المعتضد بدعوى المفيد الشهرة عليه يوجب التوقف فيه ، سيّما ( و ) أنّ ( اختيار الفضل ) الموافق له ولو في الجملة ( أشبه ) عند أكثر من تأخّر ، كالفاضلين والشهيدين وغيرهم (٢) ممّن وقفت على كلامهم ، ولعله لهذا نسبه جدّي المجلسي رحمه‌الله في شرحه على الفقيه إلى الأكثر (٣).

واستدلوا للتوارث بالنسب الصحيح والفاسد بتوارث المسلمين بهما حيث يقع الشبعة ، وهي موجودة فيهم.

ولعدمه بالسبب الفاسد بقوله تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (٤) وقوله تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ) و ( إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) (٥) ولا شي‌ء من الفاسد بما أنزل الله تعالى ، ولا بحقّ ، ولا بقسط.

وبهذه الحجة احتجّ الحلّي (٦) على نفي الفاسد منهما.

وقد عرفت فساده في فاسد النسب ، والظاهر لولا ما قدّمناه فساده في‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٦٥ / ١٣٠١ ، الإستبصار ٤ : ١٨٩ / ٧٠٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٨ أبواب ميراث المجوس ب ١ ح ٣.

(٢) المحقق في الشرائع ٤ : ٥٢ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١٩٠ ، الشهيدين في اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ٢٢٣ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٣١١.

(٣) روضة المتقين ١١ : ٤٠٣.

(٤) المائدة : ٤٩.

(٥) المائدة : ٤٢.

(٦) السرائر ٣ : ٢٨٨.

٤٧٦

فساد السبب أيضاً بعد قيام ما قدّمناه من الأدلّة على صحته عندهم ولو كان فاسداً عندنا ، وإقرارهم على دينهم مما أنزل الله تعالى ، وهذا من لوازم ذلك ، فتأمّل جدّاً.

( و ) كيف كان فـ ( لو خلّف ) المجوسي ( امّاً هي زوجة له ، فلها نصيب الامّ دون الزوجة ) على مختار الفضل ، ونصيبهما على مختار الشيخ ، وعلى قول يونس إن كان امّه على نكاح صحيح فكذلك ، وإلاّ فلا شي‌ء لها.

( ولو خلّف جدّة هي أُخت ) له ، ويتصوّر فيما إذا تزوّج أبوه بابنة بنته فأولده منها ، فالبنت للصلب جدّته لُامّه ، وهي أُخته ؛ لأن أباهما واحد ( ورثت بهما ) أي بالجديّة والأُختية.

( ولا كذا لو خلّف بنتاً هي أُخت ) له ، ويتصوّر فيما إذا تزوّج امّه وأولدها بنتاً ، فهي بنته لصلبه ، وأُخته لُامّه ، فإنّها لا ترث بالبنتية والأختية ( لأنّه لا ميراث للأُخت مع البنت ) بل ترث بالبنتية خاصّة.

والحكم في هاتين المسألتين بالإرث بالنسب بقول مطلق إنّما هو على القولين الأخيرين ، دون قول يونس ، وأمّا عليه فيقيّد بصحة النسب.

٤٧٧

( خاتمة )

( في ) بيان ( حساب الفرائض ) الذي هو في هذا الباب من أعظم المهامّ ؛ للاحتياج إليه في تصحيح المسائل أوّلاً ، وقسمة التركة على الورثة ثانياً.

فنقول : كل عدد إذا نسب إلى آخر ، فإمّا أن يكونا متساويين ، كثلاثة وثلاثة ، ويقال لهما : المتماثلان أيضاً.

أو مختلفين ، وحينئذٍ فإمّا أن يعدّ الأقل الأكثر ويفنيه بإسقاطه عنه مرّة بعد أُخرى ، أو لا.

فالأوّل : المتداخلان ؛ لدخول أحدهما في الآخر كالثلاثة مع التسعة ، ويقال لهما المتوافقان بالمعنى الأعمّ أيضاً.

وطريقة استعلام التداخل بين العددين أن يسقط أقلّهما من الأكثر مرّة بعد أُخرى ، أو يزاد على الأقل مثله مرّة أو مراراً ، فإن فني الأكثر أو ساوى الأقل الأكثر فهما متداخلان.

والثاني : وهو ما لا يعدّ الأقل الأكثر ، لا يخلو إمّا أن يعدّهما معاً عدد ثالث غير الواحد ، بمعنى أن يفنيهما جميعاً بالإسقاط مرّة بعد أُخرى ، أو لا يفنيهما إلاّ الواحد ، والأوّل المتوافقان بالمعنى الأخصّ ، كالعشرة والستّة ، فإنّه يفنيهما الاثنان ، والستّة والثمانية كذلك ، والتسعة والستة يفنيهما الثلاثة ، والعشرة والخمسة عشر يفنيهما الخمسة.

وقد يتعدّد المفني لهما ، كما في الاثني عشر والثمانية عشر ، فإنّه يفنيهما الستة والثلاثة والإثنان ، فتوافقهما حينئذٍ بالسدس والثلث والنصف ،

٤٧٨

لكن المعتبر عندهم منها أقلها جزءاً ؛ لأنّه أقل للفريضة وأسهل للحساب ، وهو هنا السدس. وكالعشرين والثلاثين فإنّه يفنيهما العشرة والخمسة والاثنان ، فتوافقهما بالعشر والخمس والنصف ، والمعتبر العُشر ؛ لما قلنا.

والثاني : المتباينان ، كثلاثة وخمسة ، وثلاثة وسبعة ، وطريق استعلام التوافق والتباين بين العددين أن يسقط أقلّهما من الأكثر ما أمكن ، فما بقي فأسقطه من الأقلّ ، فإن بقي منه شي‌ء فأسقطه ممّا بقي من الأكثر ، ولا تزال تفعل ذلك حتى يفنى العدد المنقوص منه أخيراً ، فإن فني بواحد فمتباينان ، وإن فني بعدد فمتوافقان بجزء مأخوذ من ذلك العدد تكون نسبته إلى ذلك العدد كنسبة الواحد إليه ، فإن فني باثنين فهما متوافقان بالنصف ، أو بثلاث فبالثلث ، أو بأربعة فبالربع ، وهكذا.

وقد يترامى إلى جزء من أحد عشر فصاعداً ، مثاله أحد وعشرون وتسعة وأربعون ، تسقط الأقلّ من الأكثر مرّتين ، تبقى سبعة ، تسقطها من الأحد والعشرين تفنيها ، فتوافقهما بالسبع.

وكعشرة وستّة ، تسقطها من العشرة ، تبقى أربعة ، تسقطها من الستة تبقى اثنان ، تسقطهما من الأربعة مرّتين يفنيانها ، فتوافقهما بالنصف.

وكمائة وعشرين ومائة وخمسة وستّين ، تسقط الأقل من الأكثر ، تبقى خمسة وأربعون ، تسقطها من الأقل تبقى ثلاثون ، تسقطها من الخمسة وأربعين ، تبقى خمسة عشر ، تسقطها من الثلاثين مرّتين يفنيهما ، فالتوافق بجزء من خمسة عشر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ( مخارج الفروض ستّة ) بل خمسة ، لاجتماع الثلث والثلثين في مخرج واحد ، كما يأتي ( ونعني بالمخرج : أقلّ عدد يخرج منه ذلك الجزء ) المكسور ( صحيحاً فـ ) مخرج ( النصف من

٤٧٩

اثنين ، والربع من أربعة ، والثمن من ثمانية ، والثلث والثلثان من ثلاثة ، والسدس من ستة ).

وحينئذٍ فإمّا أن يقع في المسألة واحد منها ، أو اثنان فصاعداً ، أو لا يقع منها شي‌ء فيها.

وعلى الأوّل : فالمخرج المأخوذ منه ذلك الكسر هو أصل المسألة ، كما لو اجتمع الزوج مع أهل المرتبة الثانية ممّن ليس له فريضة ، فإنّ أصل الفريضة اثنان هو مخرج النصف حصّة الزوج ، فله واحد منها والآخر للباقين ، فإن انقسم عليهم من دون كسر ، وإلاّ عملت به ما يأتي إلى أن تصحح الفريضة من عدد ينتهي إليه الحساب ، وهكذا لو اجتمع فيها نصفان.

وعلى الثاني : فإن كانا متماثلين ، وخرج الكسران من مخرج واحد ، فيجتزى بأحدهما ، كالثلث والثلثين فالثلاثة أصل المسألة.

وإن كانا مختلفي المخرج ، فلا بدّ من النظر فيهما ، فإن كانا متداخلين يجتزى بأكثرهما ، كالثمانية مخرج الثمن فريضة الزوجة ، والاثنين مخرج النصف فريضة البنت الواحدة ، فيما إذا اجتمعت مع الزوجة ، أو الستّة مخرج السدس هو فريضة أحد الأبوين ، والاثنين مخرج النصف فريضة البنت الواحدة فيما إذا اجتمعت مع أحدهما ، فأكثر المخرجين من الثمانية في الفرض الأوّل والستّة في الفرض الثاني هو أصل المسألة.

وإن كانا متوافقين ضربنا وفق أحدهما في مجموع الآخر ، كالستة مخرج فريضة الواحدة من كلالة الأُمّ ، والأربعة مخرج فريضة الزوجة ، والتوافق بينهما بالنصف ، وهو من الأربعة اثنان ، ومن الستة ثلاثة ، تضرب أحد النصفين في مجموع الآخر يحصل اثنا عشر ، هو أصل الفريضة.

٤٨٠