رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

ثالث ، وكذا قبول القيمة لو دفعها إليه كما في السابق.

وإن نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش ، ولا يلزم المالك ما ينقص من قيمة الصبغ. ولو بيع مصبوغاً بنقصان لم يستحقّ الغاصب شيئاً إلاّ بعد توفية المالك قيمة ثوبه ، ولو بيع بنقصان من قيمة الثوب لزم الغاصب إتمام قيمته.

واعلم أنّ جميع ما ذكر إنّما هو فيما إذا صبغ الغاصب بصبغ منه ، ولو صبغ بصبغ من المالك فإن لم يحصل بفعله نقصان لم يكن على الغاصب أرش. نعم إن أمكن إزالته فالظاهر أنّ للمالك طلب ذلك ، وعلى الغاصب الأرش إن حصل نقص في المصبوغ ، وعليه قيمة الصبغ إن لم يبق العين.

وإن صبغه بصبغ غيرهما عدواناً كان المالكان شريكين ، فإن لم يحدث بفعله نقصان فلا غرم عليه ، غير أنّه يجب عليه الفصل مع إمكانه لو طلباه أو أحدهما. وإن حصل النقص فيهما أو في أحدهما عمّا كان قبل الصبغ غرمه الغاصب لمن حصل في حقّه.

( الثالث : في اللواحق ) ..

( وهي ستّ ) مسائل ..

( الاولى : فوائد المغصوب للمالك ) بلا خلاف ؛ لأنّها نماء ملكه وفوائده فتكون مضمونة عند الغاصب كالأصل ، سواء تجدّدت عنده أم لا ، أعياناً ( منفصلةً كانت كالولد ، أو متّصلةً كالصوف والسمن ، أو منفعة كاجرة سكنى الدار وركوب الدابة ) وكذا منفعة كلّ ما له اجرة في العادة.

ولا فرق بين أن يستعمل العين وعدمه.

ولو استعملها وكان لها منافع مختلفة القيم كعبد يكون كاتباً‌

٤١

وخيّاطاً فإن استعمله في الأعلى ضمنها قطعاً ، وإن استعمله في الدنيا أو الوسطى ، أو لم يستعمله أصلاً ففي ضمان أُجرة متوسّطة أو العليا وجهان.

ويعتبر أُجرته في الوقت المعتاد لعمله كالنهار في أكثر الأشياء ، إلاّ أن يكون له صنعة بالنهار وصنعة بالليل فيعتبر أُجرتهما.

ولو سمنت الدابّة في يد الغاصب ، أو تعلّم المملوك صنعة أو علماً فزادت قيمته ضمن الغاصب قيمة الزيادة ، وإن كانت بسببه كما قالوه ومرّت إليه الإشارة.

فلو هزلت الدابّة ، أو نسي المملوك العلم أو الصنعة فنقصت بذلك القيمة ضمن الغاصب الأرش إن ردّ العين المغصوبة ، ولو تلفت ضمن الأصل والزيادة.

ولا فرق في إطلاق الفتاوى وصريح جماعة (١) بين أن يكون الهزال والنسيان بتفريط من الغاصب وعدمه ، قالوا : لأنّ زيادة الأثر في المغصوب تابعة له ولا يستحقّ الغاصب عليه شيئاً بالكلية ، فإذا صارت ملكاً للمغصوب منه فهو مع الأصل في ضمان الغاصب.

( ولا يضمن ) شيئاً ( من الزيادة المتّصلة ما لم تزد به القيمة ) وذلك ( كما لو سمن المغصوب ) مثلاً ( وقيمته ) بعد السمن وقبله ( واحدة ) فإذا زال السمن المفرط وكانت القيمة بحالتها الأُولى باقية لم يكن عليه ضمان هذه الزيادة ؛ لأنّ المعتبر من هذه الصفات القيمة فما لا أثر له في زيادتها لا اعتبار به. ولا فرق في ذلك بين الموجود حال الغصب ، والمتجدّد في يد الغاصب بعده.

__________________

(١) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٦٠.

٤٢

ولو كان بعض السمن لا أثر له في القيمة ، وبعضه له أثر فزال الجميع فإنّه يضمن ما له أثر فيها دون ما زاد عليه.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ولا نقله ناقل في الكتب الاستدلاليّة وغيرها بالكليّة. ولعلّ مثله كافٍ في إثبات مثل هذه الأحكام وإن خلت عن حجّة أُخرى ظاهرة.

( الثانية : لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد ) بلا خلاف ولا إشكال ؛ لأنّ نقل الملك إلى مالك آخر موقوف على أسباب نصبها الشارع ، وحدود حدّدها فما لم يحصل فالملك باقٍ على أصله. وتسميته على تقدير فساد الشراء مشترياً مجاز بحسب الصورة ، وإلاّ فالبيع حقيقة لا يطلق إلاّ على الصحيح.

( ويضمنه ) أي المبيع ( وما يحدث من منافعه ، وما يزداد في قيمته لزيادة صفة فيه ) كتعلّم ونحوه.

أمّا ضمان العين ومنافعه العينيّة التي دخلت تحت يده فلعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (١) السليم عن المخصّص حتّى عن شبهة كون الأخذ برضا المالك الموجب لانتفاء الضمان بالنصّ والإجماع ، وذلك لاختصاص الدليلين النافيين للضمان فيما لو أخذ بالرضا بما إذا كان الرضا بمجرّد الأخذ والتصرّف فيه من دون أن يستعقب ضماناً ، وأمّا إذا رضي به مع تعقّب الضمان وبشرطه كما فيما نحن فيه لأنّ المشتري قبضه ليكون مضموناً عليه ودفعه البائع إليه كذلك فلا يدلاّن على نفي الضمان فيه لو لم نقل بدلالتهما على ثبوته ، ولذا صرّحا بثبوته في العارية المضمونة بالشرط‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٢ : ٣٤٥ / ١٠ ، المستدرك ١٧ : ٨٨ أبواب الغصب ب ١ ح ٤.

٤٣

ونحو ذلك. وعليه فيبقى العموم الدالّ على إطلاق الضمان بحاله.

ومن هنا يتوجّه القاعدة المشهورة أنّ كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. وقد قدّمنا التحقيق في وجهها مرّة أُخرى في كتاب التجارة ، وفساد ما يقال عليها وعلى عموم الرواية.

وأمّا ضمان زيادة القيمة لزيادة الصفة فحسن حيث صار المشتري سبباً في إتلافها ؛ إذ لا ضرر ولا ضرار في الشريعة. ويشكل فيما عداه ؛ لعدم وضوح مأخذه إلاّ إلحاق مثل هذا القبض بالغصب ، وهو حسن إن لم نعتبر في تعريفه قيد العدوان ، وأمّا مع اعتباره كما هو الأظهر ومذهب الماتن هنا وفي الشرائع (١) فالوجه عدم ضمانها.

( الثالثة : إذا اشتراه ) أي المغصوب أحد ( عالماً بالغصب ) حين الشراء وقبضه ( فهو كالغاصب ) بل غاصب محض إن كان عالماً بحرمة الشراء والقبض ؛ لصدق تعريفه عليه حينئذٍ بالاتّفاق ، ويطالب بما يطالب به البائع الغاصب.

ويتخيّر المالك بين مطالبته بالعين مع بقائها ، وبعوضها مِثلاً أو قيمةً مع تلفها ، ومطالبة ما جرت عليه يده من المنافع ، وبين مطالبة البائع. فإن طالبه رجع على المشتري بالعين أو البدل وما استوفاه من المنافع ؛ لاستقرار التلف في يده مع دخوله على ضمانه.

نعم لو استوفي قبل البيع شيئاً من المنافع ، أو مضى زمان يمكن فيه استيفاء شي‌ء منها ، أو حصل في يده نقصان مضمون عليه كان الضمان عليه من غير رجوع على المشتري. وإن رجع على المشتري فيما رجع عليه‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٣٥.

٤٤

ضمانه لم يكن له الرجوع إلى البائع ؛ لاستقرار الضمان عليه بالتلف أو ما في حكمه في يده.

( ولا يرجع المشتري ) إلى البائع ( بما يضمن ) للمالك من الثمن مع تلفه إجماعاً كما في التنقيح والمسالك (١) وغيرهما (٢). قيل : للأصل ، وأنّه قد سلّطه عليه وأذن له في إتلافه ، وأنّه مع علمه بأنّه لا يسلم له العوض في حكم المسلّط عليه مجّاناً (٣).

وأمّا مع بقائه ففي جواز الرجوع له به على البائع قولان : أشهرهما عدم الرجوع. قيل : لأنّه بإعطائه إيّاه عالماً بعدم عوض حقيقيّ في مقابلته في معنى هبته إيّاه (٤).

وفيه بعد تسليم كونه هبة أنّه لا يستلزم عدم جواز الرجوع ، بل الأصل فيه جوازه إلاّ ما استثني. وحمل المنع عن الرجوع على صورة الاستثناء بعيد عن إطلاقات عبائرهم.

والمتّجه الجواز مطلقاً ، حتّى فيما لو كان البائع بالنسبة إلى المشتري ممّن لا يجوز له الرجوع في هبته ، وفاقاً لأحد قولي الماتن (٥). وبه صرّح في التنقيح (٦). وقوّاه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (٧) ، وتبعه من متأخّري‌

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٧٤ ، المسالك ٢ : ٢٦٥.

(٢) انظر الكفاية : ٢٦٠.

(٣) قال به المحقق السبزواري في الكفاية : ٢٦٠.

(٤) انظر المسالك ٢ : ٢٦٥ ، والكفاية : ٢٦٠.

(٥) حكاه عنه الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٣٥ ، وعن بعض رسائله في المسالك ٢ : ٢٦٥.

(٦) التنقيح ٤ : ٧٤ ، ٧٥.

(٧) المسالك ٢ : ٢٦٥ ، الروضة البهية ٣ : ٢٣٥.

٤٥

المتأخّرين جماعة (١). ولكن يشكل بما يحكى عن التذكرة (٢) من الإجماع على العدم مطلقاً بناءً على أنّ الإجماع المنقول حجّة ، كما هو الأشهر الأقوى ، سيّما إذا اعتضد بفتوى أكثر أصحابنا.

( ولو كان ) المشتري ( جاهلاً ) بالغصب كان كالغاصب من حيث ترتّب اليد في وجوب ( دفع العين ) المبتاعة بعينها مع بقائها وبدلها مثلاً أو قيمةً مع تلفها ( إلى مالكها ) إن رجع عليه ( ويرجع بالثمن ) مع بقائه ، وببدله مع تلفه ( على البائع ) لفساد المعاوضة الموجب للترادّ في العوضين.

ولو كان عوض العين الذي غرمه للمالك أزيد من الثمن الذي دفعه إلى البائع ففي جواز رجوعه بالزيادة إليه وجهان : أوجههما الأوّل ، وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني (٣) ؛ لتغرير البائع له وإيقاعه في خطر الضمان فليرجع عليه.

ولو رجع المالك إلى البائع رجع هو على المشتري ، وفي رجوعه إليه في القدر الزائد على الثمن على تقدير الزيادة الوجهان ، والمختار هنا العدم ، وفاقاً لمن مرّ ؛ لما مرّ.

( و ) المعروف من مذهب الأصحاب أنّ للمشتري أن يرجع ( بما ) (٤) ( بجميع ما غرمه ) للبائع (٥) ( ممّا لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد ) والنفقة‌

__________________

(١) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ١٦٤ ، والبحراني في الحدائق ١٨ : ٣٩٢ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٦٠.

(٢) حكاه عنه الكركي في جامع المقاصد ٦ : ٣٢٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٣٥ ، وهو في التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٣) المسالك ٢ : ٢٦٥.

(٤) في « ر » والمختصر (٢٥٧) : بجميع ما.

(٥) كذا ، ولعلّ الأنسب : للمالك ، كما في الشرح الصغير ٣ : ١٣٤.

٤٦

والعمارة ونحو ذلك ؛ لمكان التغرير ، وترتّب الضرر به مع عدم جابر له من العوض.

( وفي ) جواز ( الرجوع ) عليه ( بما ضمن ) وغرمه ( من المنافع كعوض الثمرة وأُجرة السكنى تردّد ) ينشأ : من مباشرته الإتلاف مع حصول نفعه في مقابله ، وأولويّة حوالة الضمان على مباشر الإتلاف.

ومن أنّ الغاصب قد غرّه ولم يشرع على أن يضمن ذلك فكان الضمان على الغارّ ، كما لو قدّم إليه طعام الغير فأكله جاهلاً ورجع المالك على الآكل ، أو غصب طعاماً فأطعمه المالك فإنّه يرجع على الغارّ.

وإلى هذا ذهب الماتن في كتاب التجارة من الشرائع ، والفاضل المقداد في التنقيح (١).

وإلى الأوّل ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، والحلي (٢). وهو أوفق بالأصل ، مع عدم معلوميّة صلوح المعارض للمعارضة بناءً على عدم وضوح دليل على ترتّب الضمان على الغارّ بمجرّد الغرور وإن لم يلحقه ضرر ، كما فيما نحن فيه بمقتضى الفرض ؛ لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه. والإجماع على هذه الكلية غير ثابت بحيث يشمل نحو مفروض المسألة.

نعم ربما يتوجّه الرجوع حيث يتصوّر له الضرر بالغرور ، كما إذا أُخذت منه قيمة المنافع أزيد ممّا يبذله هو في مقابلتها من غير ملكه ونحو ذلك. وكيف كان الأحوط له عدم الرجوع مطلقاً.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ١٤ ، التنقيح ٤ : ٧٥.

(٢) المبسوط ٣ : ٦٩ ، ٧١ ، وحكاه عن الخلاف في المسالك ٢ : ٢٦٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٤٨ ، ٤٩٣.

٤٧

( الرابعة : إذا غصب حبّا فزرعه ، أو بيضة ) فحضنها تحت دجاجة له ( فأفرخت ، أو خمراً فخلّلها فالكلّ للمغصوب منه ) بلا خلاف ظاهر في الأخير ، وكذا في الأوّلين ؛ إذ ليس المخالف فيهما إلاّ الشيخ (١) في أحد قوليه ، مع أنّه قد رجع عنه (٢) كما في السرائر وغيره (٣). ونفى في الأوّل عنه الخلاف بين الأصحاب ، وحكى فيه عن المرتضى في الناصريات (٤) الإجماع فيهما ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أصالة بقاء الملك بحاله ، وعدم دليل على تملّك الغاصب إيّاه بفعله سيّما مع النهي عنه ، مع أنّه عين مال المالك وإنّما حدث بالتغيير اختلافات الصور ، ونماء الملك للمالك وإن كان بفعل الغاصب. وضعف قول الشيخ ظاهر برجوعه عنه ، فلا نطيل بنقله وردّه ، سيّما مع موافقته لرأي أبي حنيفة باعترافه.

( الخامسة : إذا غصب أرضا فزرعها ) أو غرسها ( فالزرع ) والغرس ( لصاحبه وعليه أُجرة الأرض ) عن مدّة شغلها بالزرع فيها.

( ولصاحبها ) أي الأرض ( إزالة ) الزرع و ( الغرس ) ولو قبل بلوغهما ؛ إذ ليس لعرق ظالم حقّ ، كما في الخبر المتلقّى بالقبول (٥).

( و ) له أيضاً ( إلزامه ) أي الغاصب بالإزالة و ( طمّ الحفر ، والأرش إن نقصت ) بالقلع أو الزرع ؛ لدفع الضرر ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك إلاّ ممّن يأتي ، بل في التنقيح إنّه عليه انعقد إجماع القوم ، قال : ولا نعلم فيه‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٠٥ ، الخلاف ٣ : ٤٢.

(٢) انظر المبسوط ٣ : ٥٦.

(٣) السرائر ٢ : ٤٨٣ ، التنقيح ٤ : ٧٥.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٠٦ / ٩٠٩ ، الوسائل ١٩ : ١٥٧ أبواب أحكام الإجارة ب ٣٣ ح ٣.

٤٨

خلافاً إلاّ ما يحكى عن ابن الجنيد من أنّ لصاحب الأرض أن يردّ ما خسره الزارع ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من الزرع شي‌ء » (١) والحقّ الأوّل ؛ لأنّه نماء ملك الزارع وهو البذر فيتبعه في الملك ، فالأرض والماء والهواء والشمس معدّات لصيرورة البذر زرعاً ثم حبّا بالتدريج والفاعل هو الله سبحانه ، فهو بمنزلة من غصب دجاجة وأحضنها على بيض له فإنّه يملك الفرخ وعليه اجرة الدجاجة ، وكذلك إذا غصب أرضاً وبذراً فزرعه فيها يتبع الزرع البذر ولا يكون للغاصب شي‌ء (٢).

والخبر الذي تمسّك به الإسكافي قد ذكر الأصحاب عدم ثبوت صحّته ، مع أنّه مخالف للأصل القطعي عندهم المعتضد بالشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المتقدّمة المعلومة الصحّة بتتبّع فتوى الجماعة.

ومعارض بخصوص الخبر المروي في التهذيب في كتاب المزارعة : عن رجل أتى أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتّى إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال : زرعت بغير إذني فزرعك لي وعليّ ما أنفقت ، إله ذلك؟ فقال : « للزارع زرعه ، ولصاحب الأرض كراء أرضه » (٣).

وأظهر منه الموثّق المرويّ ثمّة بعده بلا فصل : في رجل اكترى داراً وفيها بستان ، فزرع في البستان وغرس نخلاً وشجراً وفواكه وغير ذلك ، ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك ، فقال : « عليه الكراء ويقوّم صاحب الدار الزرع والغرس قيمة عدل فيعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك ، وإن لم‌

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ٤١٠ / ١٣٧٨ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦١ / ٣٤٠٣.

(٢) التنقيح الرائع ٤ : ٧٧.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٠٦ / ٩٠٦ ، الوسائل ٢٥ : ٣٨٧ أبواب الغصب ب ٢ ح ١.

٤٩

يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء وله الغرس والزرع ويقلعه ويذهب حيث شاء » (١).

وفيه دلالة على ما مر عن الشيخ (٢) في العارية من لزوم أخذ المستعير قيمة ما زرعه أو غرسه في أرض الغير بعد بذله إيّاها له وعدم لزومه في الغصب.

لكنّه مرويّ في الكافي بهذا السند والمتن إلى قوله : « فيعطيه الغارس » وليس فيه ما يعده ، بل ذكر بعده : « وإن استأمر فعليه الكراء وله الغرس والزرع يقلعه ويذهب به حيث شاء ».

وليس فيه حينئذٍ دلالة على ما ذكره الشيخ ولا الأصحاب في الباب ، بل ظاهر فيما ذكره الإسكافي ، فيشكل الأمر ، سيّما بملاحظة ما قدّمناه في مسألة زيادة العين بغصب الغاصب ونحوه من قوّة ما ذكره الإسكافي والمختلف (٣) ثمّة خلافاً لهم أيضاً ، ألاّ أن يجاب هنا باختلاف النسخة فلا يقوم بها على أحد حجّة.

ورجحان نسخة الكافي بأضبطيّته وموافقتها لسياق السؤال والجواب ، لا يبلغ رجحان أدلّة الأصحاب هنا من الإجماع المنقول والرواية السابقة المنجبرة بالشهرة ، فلا تترجّح عليها هي ولا ما قدّمناه لتأييد الإسكافي ثمّة.

( و ) على ما ذكره الأصحاب ( لو بذل ) وعوّض ( صاحب الأرض قيمة الغرس ) والزرع ( لم يجب ) على الغاصب ( إجابته ) وقد مرّ الكلام‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٠٦ / ٩٠٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٨٧ أبواب الغصب ب ٢ ح ٢.

(٢) المبسوط ٣ : ٥٥.

(٣) المختلف : ٤٥٥ ، وقد حكاه فيه عن الإسكافي.

٥٠

في مثله فيما تقدّم ، ولكن ما ذكره الأصحاب هنا أظهر ؛ إذ لم أجد الخلاف فيه إلاّ من الإسكافي ، ومع ذلك ظاهر الخبرين يساعدهم.

( السادسة : لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب ) الغارم ، وفاقاً للمبسوط والخلاف والحلي والفاضلين والشهيدين (١) ، وكثير من المتأخّرين ، بل عامتهم ؛ استناداً إلى أنّه منكر وغارم ، والأصل عدم الزيادة.

( وقيل ) كما عن النهاية والمقنعة (٢) ، ونسبه الماتن في الشرائع إلى الأكثر (٣) ـ : إنّ ( القول قول المغصوب منه ).

قيل : لأنّ المالك أعرف بقيمة ماله من الغاصب (٤) ، مع مناسبة ذلك لمؤاخذته بأشقّ الأحوال. ولا ريب في ضعفه.

نعم : في صحيحة أبي ولاّد المشهورة قلت : من يعرف ذلك؟ أي القيمة قال : « أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك ، وإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة فيلزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا ، فليزمك » (٥) الحديث.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٧٥ ، ١٠١ ، الخلاف ٣ : ٤١٢ ، السرائر ٢ : ٤٩٠ ، الشرائع ٣ : ٢٤٩ ، القواعد ١ : ٢٠٩ ، التذكرة ٢ : ٣٩٩ ، تحرير الأحكام ٢ : ١٤٤ ، تبصرة المتعلّمين : ١٠٩ ، المختلف : ٤٥٨ ، إرشاد الأذهان ١ : ٤٨٨ ، الدروس ٣ : ١١٧ ، اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٥٨ ، المسالك ٢ : ٢٦٨.

(٢) النهاية : ٤٠٢ ، المقنعة : ٦٠٧.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٤٩.

(٤) قال به الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٧٨.

(٥) الكافي ٥ : ٢٩٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢١٥ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١٣٤ / ٤٨٣ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٠ أبواب الغصب ب ٧ ح ١.

٥١

ولو لا إطباق متأخّري الأصحاب على العمل بالأصل العام وإطراح الرواية لكان المصير إليها في غاية القوّة ، لكن لا مندوحة عمّا ذكروه ؛ لاعتضاد الأصل بعملهم ، فيرجّح عليها وإن كانت خاصّة لفقد التكافؤ ، ومع ذلك فالاحتياط لازم في المسألة بمراعاة المصالحة.

٥٢

( كتاب الشفعة )

( وهي ) فُعْلَة من قولك : شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفيعاً به أي زوجاً ، كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفيعاً بنصيب شريكه. وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفع.

وشرعاً : ما عرّفه الماتن هنا بقوله : الشفعة ( استحقاق حصّة الشريك لانتقالها بالبيع ) وكذا في الشرائع (١) إلاّ أنّه بدّل حصّة الشريك بقوله : أحد الشريكين حصّة شريكه. ولعلّه أجود لما فيه من التنبيه على اتّحاد الشريك المشترط في ثبوتها كما يأتي.

والاستحقاق بمنزلة الجنس يدخل فيه استحقاق الشخص مال آخر بالإرث ، والاستحقاق بالحيازة والإحياء وغيره. وبقيد المستحقّ بكونه أحد الشريكين خرج منه استحقاق من ليس بشريك ولو بحصّة أُخرى ببيع وغيره. وخرج بقيد انتقالها بالبيع ما إذا استحقّ أحد الشريكين حصّة الآخر بهبة وغيرها.

وهذا التعريف وإن انتقض في طرده بأُمور ، منها : ما لو باع أحد الشريكين حصّته للآخر ، فإنّه يصدق عليه أنّ المشتري قد يستحقّ حصّة شريكه الآخر بسبب انتقالها بالبيع.

إلاّ أنّه أجود ممّا عرّفها به في القواعد من أنّها استحقاق الشريك‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٥٣.

٥٣

انتزاع حصّة شريكه المنتقلة عنه بالبيع (١) ؛ لانتقاضه طرداً زيادة على ما ينتقض به الأوّل بأنّه قد يستحقّ الشريك حصّة شريكه المنتقلة عنه بالبيع لا بسبب الشفعة ، بل بسبب آخر كالإرث وغيره. وإنّما لا ينتقض ما هنا به ؛ لتعليل الاستحقاق بالانتقال بالبيع ليخرج عنه ما كان الانتقال لا به ، بل بغيره من النواقل كالهبة والإصداق والصلح ونحو ذلك ، هذا.

والتحقيق أنّ هذه التعريفات اللفظيّة لا يقدح فيها ما يورد أو يرد عليها من النقض والمناقشة ، فإنّما المقصود منها التمييز في الجملة ليتذكّر فيترتّب عليها الأحكام بسهولة ، وإنما يحصل تمام التمييز بالعلم بالشرائط من الأدلّة.

والأصل فيها بعد الإجماع المحقّق المحكيّ في كلام جماعة (٢) السنة المستفيضة ، بل المتواترة من طريق الخاصّة والعامة ، وستتلى عليك جملة منها في الأبحاث الآتية.

( والنظر فيه ) أي في هذا الكتاب ( يستدعي ) أن نذكر فيه ( أُموراً ).

( الأوّل ) : في بيان ( ما تثبت فيه ) الشفعة.

( و ) اعلم أنّه ( تثبت في الأرضين والمساكن إجماعاً ) كما هنا وفي الشرائع وشرحه ، وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (٣). والنصوص بذلك‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٠٩.

(٢) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٠ ، والحلي في السرائر ٢ : ٣٨٩ وابن فهد في المهذّب البارع ٤ : ٢٥٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٧٠ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٨.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٥٣ ، المسالك ٢ : ٢٦٩ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٣.

٥٤

مستفيضة جدّاً ، منها : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا إضرار » (١).

( وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان ) أكثر المتقدّمين منهم : الشيخان والمرتضى والإسكافي والقاضي والحلبي والحلي وجماعة من المتأخّرين (٢) على الأوّل مطلقاً ، منقولاً كان أم لا ، قابلاً للقسمة أم لا ، ومال إليه الشهيد في الدروس ونفى عنه البعد (٣). ولعله أظهر ؛ لدعوى الإجماع عليه في الانتصار والسرائر ، وخصوص المرسلة المنجبرة بالشهرة القديمة : « الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره » الخبر (٤).

مضافاً إلى التأيّد بالإطلاقات ، بل وعموم بعض الروايات ، كالحسن : « الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن » (٥) ، والخبر : « الشفعة لكل شريك لم يقاسم » (٦) وقريب منه مفهوم غير واحد من‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٩ أبواب الشفعة ب ٥ ح ١.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦١٨ ، الطوسي في النهاية : ٤٢٣ ، المرتضى في الانتصار : ٢١٥ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٤٠٢ ، القاضي في المهذب ١ : ٤٥٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦٢ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٩٠ ؛ وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩١.

(٣) الدروس ٣ : ٣٥٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦٢ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٣٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٢ أبواب الشفعة ب ٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٨ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٥ أبواب الشفعة ب ٢ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ١ ، الوسائل ٢٥ : ٣٩٦ أبواب الشفعة ب ٣ ح ٣.

٥٥

النصوص (١) ، هذا.

مع انسحاب وجه الحكمة وهو الضرر الذي نيط به شرعيّة الشفعة كما اعترف به الجماعة. وربما استفيد من الرواية السابقة التي هي إحدى المستفيضة في المسألة ، هذا.

مع احتمال التأيّد أيضاً ببعض النصوص الآتية في ثبوت الشفعة في المملوك.

ولا يعارضها المرسلة الأُخرى المرويّة في الكافي بعدها : « أنّ الشفعة لا تكون إلاّ في الأرضين والدور فقط » (٢) ؛ لقصور سندها ، مع عدم جابر لها عدا الأصل والشهرة المتأخّرة ، والأوّل يجب الخروج عنه بالإجماع المنقول ، والعمومات. والثاني جابر لو لم يعارضه الشهرة القديمة الراجحة عليه حيث حصل بينهما معارضة ، كما في المسألة ، ومع ذلك موافقة للعامّة كافّة ، كما يستفاد من الانتصار (٣) وسيأتي إليه الإشارة.

( والأشبه ) بين أكثر المتأخرين (٤) ، وفاقاً للمبسوط والخلاف وابن حوزة وظاهر سلاّر (٥) ( الاقتصار على موضع الإجماع ) أخذاً بالأصل الدالّ على عدم تسلّط المسلم على مال المسلم إلاّ بطيب نفسه ، خرج منه المجمع عليه وبقي الباقي. وبما دلّ على نفيها عن الحيوان والطريق والسفينة من المعتبرة الآتية. وبالمرسلة المتقدّمة.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٩٦ أبواب الشفعة ب ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ / ذيل حديث ٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٥ أبواب الشفعة ب ٨ ح ٢.

(٣) الانتصار : ٢١٥.

(٤) انظر التذكرة ١ : ٥٨٨ ، والإيضاح ٢ : ١٩٨ ، والروضة ٤ : ٣٩٧ ، والمسالك ٢ : ٢٧٠.

(٥) المبسوط ٣ : ١٠٦ ، الخلاف ٣ : ٤٢٥ ، الوسيلة : ٢٥٨ ، المراسم : ١٨٣.

٥٦

وضعف الجميع ظاهر ، فالأوّل : بلزوم الخروج عنه بما مرّ من الخبر المنجبر بالعمل ، والإجماع المنقول المعتضد بما تقدّم. والثاني : بما يأتي. والثالث : بما مرّ.

والعجب من المختلف حيث استدلّ على هذا القول بالرواية المتقدّمة (١) من جملة المستفيضة ، قال بعد نقلها ـ : وهو يدلّ بمفهومه على انتفاء الشفعة في غير الأرضين والمساكن ، أمّا أوّلاً : فلتعليق الحكم عليهما ، وأمّا ثانياً : فلقوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار » (٢).

وهو كما ترى ، فإنّ تعليق الحكم عليهما لا يقتضي نفيه عمّا عداهما إلاّ على تقدير اعتبار مثل هذا المفهوم ، ولم يقل هو ولا سائر الأصحاب به. وأمّا التعليل فالظاهر أنّه للحكم بثبوت الشفعة فيهما ، لا لنفيه عمّا عداهما. وعليه فيكون المراد بالضرر الضرر الذي نيط به وجه الحكمة في ثبوت الشفعة ، لا ضرر نفي سلطنة المالك عمّا ملكه كما عقله ، فالرواية حينئذٍ حجّة بعمومها المستفاد من التعليل فيها لما عليه أكثر القدماء. وعلى تقدير عدم ظهور ما ذكرناه فاحتماله لا أقل منه ، ومعه لا يتمّ استدلاله إلاّ على تقدير مرجوحيّته ، ولا ريب في فساده.

( وتثبت ) الشفعة ( في الشجر والنخل والأبنية ) إذا بيعت ( تبعاً للأرض ) التي هي أصلها ومنضمّة معها ، بلا خلاف ظاهر مصرّح به في المبسوط (٣). ويظهر من الماتن في الشرائع (٤) ، وشيخنا في شرحه ، قال‌

__________________

(١) راجع ص : ٥٣.

(٢) المختلف : ٤٠٢.

(٣) المبسوط ٣ : ١٠٧.

(٤) الشرائع ٣ : ٢٥٣.

٥٧

بعد القطع بالحكم ـ : لدخولها في عموم النص الوارد بثبوتها في الربع والمساكن والدور ونحو ذلك. وإن بيعت منفردةً أو منضمّةً إلى أرض أُخرى غير ما هي فيها بني ثبوت الشفعة فيها وعدمه على القولين السابقين ، فمن عمّمها أثبتها بطريق أولى ، ومن خصّص موردها بالأرضين والمساكن والبساتين لم يوجبها ؛ لأنّها لا تدخل منفردةً في أحدها ، فإنّ المساكن اسم للمجموع المرّكب من الأرض والبناء ، وكذا البساتين بالنسبة إلى الشجرة. ولا ينفعها ضميمتها إلى غير أرضها ؛ لعدم التبعيّة وكونها جزءاً من مسمّاها (١).

( وفي ثبوتها ) أي الشفعة ( في الحيوان ) ال ( قولان ) المتقدّمان ، ولم أفهم وجه إفراد ذكرهما فيه بالخصوص مع كونه من المنقول الذي فيه أصل القولين. ولقد أحسن في الشرائع حيث أدرجه فيه وذكره من أمثلته (٢).

وكذا لم أفهم وجهاً لقوله : و ( المرويّ ) في الموثّق (٣) ( أنّها لا تثبت ) لإشعاره ، بل ودلالته بعدم ورود رواية بثبوتها فيه مطلقاً ، وقد عرفت ورود ما هو صريح في ثبوتها فيه سابقاً (٤) غايته أنّه ضعيف بالإرسال ، ولكنّه كما عرفت منجبر بالشهرة بين الأصحاب ، وهو أقوى من الصحيح الغير المنجبر بها.

فالرواية النافية لها وإن كانت موثقة إلاّ أنّها بالإضافة إلى تلك المرسلة‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٧٠.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٥٣.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٣ ، الإستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٣ أبواب الشفعة ب ٧ ح ٦.

(٤) راجع ص : ٦١٩٠.

٥٨

لذلك مرجوحة ، وإن ترجّحت عليها بأخبار أُخر صحيحة متضمّنة للتفصيل بين المملوك وحيوان غيره مصرّحة بالثبوت في الأوّل وبعدمه في الثاني. منها : المملوك بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه ، ويقول صاحبه : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحداً » فقيل له : في الحيوان شفعة؟ فقال : « لا » (١) ونحوها صحيحة أُخرى في الفقيه مرويّة (٢) ؛ لأنّ هذا التفصيل لم يقل به أحد من أرباب القولين ، بل ولا غيرهم ، بل ولا نقل القائل به من الأصحاب أحد عدا الماتن هنا وفي الشرائع (٣) فقال : ( ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره ) وقد اعترف جماعة بعدم معروفيّته (٤) ، فمثله شاذّ وإن صار إليه في المختلف (٥) ، ولكنّه ضعيف وإن صحّ سند ما دلّ عليه ؛ لما مرّ من فقد التكافؤ بينه وبين الخبر المثبت ، هذا.

مع أنّ الموثّقة مع ما هي عليه ممّا مر إليه الإشارة محتملة للحمل على التقية ؛ لكون المنع مذهب العامّة ، كما يستفاد من الانتصار ، حيث قال بعد الحكم بالثبوت ، ونسبته إلى الإمامية ـ : وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، وأجمعوا على أنّها لا تجب إلاّ في العقارات والأرضين دون العروض والأمتعة والحيوان (٦). انتهى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٠ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٥ ، الإستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٢ أبواب الشفعة ب ٧ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٤ أبواب الشفعة ب ٧ ح ٧.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٥٣.

(٤) انظر غاية المراد ٢ : ١٥١ ، التنقيح الرائع ٤ : ٨١ ، مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٤.

(٥) المختلف : ٤٠٢.

(٦) الانتصار : ٢١٥.

٥٩

وهي مع ذلك بإطلاقها شاملة للعبد وغيره ، فتعارض بما مرّ من النصوص الصحيحة الصريحة بثبوتها في الأوّل وإن اشتركت معها في نفيها في الثاني.

ونحوها الموثق بل الصحيح : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهم : أنا أحقّ به إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحداً » (١).

( ولا تثبت ) الشفعة ( فيما لا ينقسم ) ولا يقبل القسمة الإجبارية ( كالعضائد ) والدكاكين ( والحمامات ) الضيقة ( والنهر والطريق الضيّق ) كلّ منهما ( على الأشبه ) الأشهر بين أكثر من تأخّر ، بل بالشهرة المطلقة صرّح في التذكرة (٢).

والحجّة عليه غير واضحة عدا ما في التنقيح من وجوه ضعيفة ، منها : أنّ غرض الشارع بالشفعة إزالة ضرر المالك بالقسمة لو أرادها المشتري ، وهذا الضرر منتف فيما لا يقسم ، فلا شفعة فيه (٣).

وهو كما ترى في غاية من الضعف ، أمّا أوّلاً : فلعدم ورود النصّ الصحيح الصريح بهذه العلّة.

نعم ربما يستفاد من بعض الروايات السابقة كون العلّة في ثبوت الشفعة نفي الضرر والإضرار في الشريعة ، لكن متعلّق الضرر فيه غير معلوم ، فيحتمل ما ذكره وغيره من نفس الشركة الجديدة ، أو سوء الشريك. ولعلّ هذا أظهر.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٤ ، الإستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٠٣ أبواب الشفعة ب ٧ ح ٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٨٩.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٨٢.

٦٠