رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

وفي جملة وافرة منها : عن ولد الملاعنة ، من يرثه؟ قال : « امّه » قلت : فإن ماتت امّه من يرثه؟ قال : « أخواله » (١).

خلافاً للإسكافي والشيخ في الاستبصار (٢) ، فخصا ذلك بما إذا كان هناك عصبة لها يعقلون عنه ، وجعلا الردّ مع عدمهم على الإمام عليه‌السلام ، كما عليه الشيخ أو بيت مال المسلمين كما عن الإسكافي.

وللصدوق (٣) ، ففصّل بين غيبة الإمام عليه‌السلام فالردّ عليها ، وحضوره فالردّ عليه ؛ جمعاً بين النصوص المتقدمة والصحيحين : « ابن الملاعنة ترثه امّه الثلث ، والباقي لإمام المسلمين ؛ لأنّ جنايته على الإمام عليه‌السلام » (٤).

ولا شاهد عليه ، مع إطلاق كلّ من نصوص الطرفين ، وفقد التكافؤ ؛ لكثرة الأخبار الأوّلة ، مع اعتبار جملة منها ، وانجبار باقيها بالشهرة العظيمة ، ومخالفة العامّة كما سيأتي إليه الإشارة وحكاية الإجماع المتقدمة ، ولا يعارض جميع ذلك بل ولا جملة منها مجرّد الصحة في الأخبار المقابلة.

وبالجملة هذا القول ضعيف غايته ، ولا شاهد له كسابقه.

ومنه يظهر أنّ الصحيحين من الروايات الشاذّة ، لا عامل بإطلاقهما في الطائفة ، وبذلك صرّح في التحرير (٥) ، وقد حملهما في التهذيب على التقية ، بعد أن قال : إنّهما غير معمول عليهما (٦) ، مشعراً بدعوى الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٢٥٩ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ١.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٤٣ ، الاستبصار ٤ : ١٨٢.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٣٦.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٣٦ / ٧٥١ ، ٧٥٢ ، التهذيب ٩ : ٣٤٢ / ١٢٣٠ ، ١٢٣١ ، الإستبصار ٤ : ١٨٢ / ٦٨٣ ، ٦٨٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٥ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٣ ح ٣ ، ٤.

(٥) التحرير ٢ : ١٧٣.

(٦) التهذيب ٩ : ٣٤٣.

٤٢١

على طرحهما ، وقوله في الاستبصار ليس بصريح ، بل ولا ظاهر في الفتوى ؛ لاحتمال إرادته به مجرّد الجمع بين الأخبار ، ولكن فيه ما مرّ.

مضافاً إلى ما ذكره الحلي : من أنّه هدم ونقض لإجماعنا ، وهو أنّ قرابات الامّ وكلالتها لا يعقلون ، ولا يرثون من الدية شيئاً ، بغير خلاف بيننا ، وذكر قبل هذا اعتراضاً أيضاً ، وهو أنّه مصير إلى مذهب المخالفين ، وعدول عن آية اولى الأرحام (١) ، وأُصول المذهب ، ورجوع إلى القول بالعصبة (٢).

( ولو انفرد الأولاد ) عن الامّ والزوجين اقتسموه على حسب ما قرّر في ميراث الأولاد ( فلل ) بنت ال ( واحدة النصف ) بالفرض ( و ) كذا ( للاثنتين فصاعداً الثلثان ) به ، والباقي من النصف في الفرض الأوّل ، والثلث في الفرض الثاني لصاحبة الفرض بالردّ.

( وللذكران ) إذا انفردوا عن البنات ( المال ) بينهم ( بالسوية ، ولو اجتمعوا ) أي الذكور والإناث ( فللذكر سهمان ، وللأُنثى سهم ).

( ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى ) من النصف والربع ( مع عدم الولد وإن نزل ) والباقي للوارث الخاص من الامّ ونحوها إن كان ، وإلاّ فالباقي ردّ على الزوج ، وعلى الإمام عليه‌السلام مع الزوجة ، كما تقدّمت إليه الإشارة (٣) ( و ) لهما نصيبهما ( الأدنى ) من الربع والثمن ( معهم ) أي مع الأولاد.

( ولو عدم الولد يرثه من تقرب بامّه ) من الأجداد والجدّات والإخوة‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

(٢) السرائر ٣ : ٢٧٦.

(٣) راجع ص : ٤١١.

٤٢٢

والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات ، وهكذا إلى سائر الطبقات والدرجات مرتّبين ( الأقرب فالأقرب ، الذكر والأُنثى ) منهم ( سواء ) في النصيب ؛ لتقرّبهم بالأُمّ ، وقد مرّ أنّ نصيبهم ذلك.

( ومع عدم الوارث ) مطلقاً حتى ضامن الجريرة ( يرثه الإمام ) عليه‌السلام.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ؛ للعمومات من الكتاب والسنّة ، خرج منها ابن الملاعنة في صورة خاصّة ، وبقي الباقي مما قدّمناه تحتها مندرجة ، ومع ذلك النصوص بجملة منها مستفيضة ، تقدّم بعضها ، ويأتي إلى جملة أُخرى منها الإشارة.

( ويرث هو ) أي ابن الملاعنة ( امّه ) بلا خلاف فتوًى وروايةً ( و ) كذا ( من يتقرّب بها ) ممن قدّمناه مطلقا ( على الأظهر ) الأشهر بين أصحابنا ، وربما أشعر عبارة الماتن في الشرائع (١) بالإجماع عليه ، ويعضده إطباق فتاوي من وقفت على كلامهم عليه ؛ لثبوت نسبه وصحته بالنسبة إليهم ، بلا خلاف ، كما في السرائر (٢).

وللصحيح : « ابن الملاعنة ينسب إلى امّه ، ويكون أمره وشأنه كلّه إليها » (٣) ومن ثمّ ورثوه هم إجماعاً ، كما في المسالك (٤) ، فيدخل فيما مرّ من العمومات.

ومع ذلك النصوص المستفيضة دالّة عليه بإطلاقها ، فإنّ فيها : أرأيت إن ماتت امّه ، وورثها الغلام ، ثم مات الغلام ، من يرثه؟ قال : « عصبة أُمّه ،

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٤٣.

(٢) السرائر ٣ : ٢٧٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٣٧ / ٧٥٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٢ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ١ ح ٨.

(٤) المسالك ٢ : ٣٣٩.

٤٢٣

وهو يرث أخواله » (١).

وبه أفتى في التهذيب ، فقال : إنّ العمل على ثبوت الموارثة أحوط وأولى على ما يقتضيه شرع الإسلام (٢).

خلافاً له في الاستبصار (٣) ، فخصّ ذلك بما إذا اعترف به الأب ، وإلاّ فلا يرث أخواله ، جمعاً بين إطلاقي النصوص بالتوارث ، كما تقدّم ، وبالعدم ، كالموثق : « يرثه أخواله ، ولا يرثهم الولد » (٤) بشهادة النصوص المفصّلة الدالّة عليه بالمفهوم ، منها الصحيحان : « فإن لم يدعه أبوه فإنّ أخواله يرثونه ، ولا يرثهم » (٥).

أقول : ويعضده أنّ موارد تلك المستفيضة الحاكمة بالتوارث إنّما هو صورة تكذيب الوالد بعد اللعان نفسه ، والحكم فيها ذلك ، كما في النصوص المفصّلة ، فليس بينهما معارضة.

لكن روى الصدوق في الفقيه بسندين غير نقيين ، بل أحدهما ضعيف ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في ابن الملاعنة ، من يرثه؟ قال : « ترثه امّه » قلت : أرأيت إن ماتت امّه وورثها ، ثم مات هو ، من يرثه؟ قال : « عصبة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٦١ / ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٣٩ / ١٢٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦١ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ١ ح ٧.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٤١.

(٣) الاستبصار ٤ : ١٨١.

(٤) الكافي ٧ : ١٦١ / ٩ ، التهذيب ٩ : ٣٤١ / ١٢٢٦ ، الإستبصار ٤ : ١٨٠ / ٦٧٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٧ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٤ ح ٤.

(٥) أحدهما في : الكافي ٧ : ١٦٠ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ٣٤١ / ١٢٢٧ ، الإستبصار ٤ : ١٨٠ / ٦٨٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٨ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٤ ح ٥.

والآخر في : الكافي ٦ : ١٦٣ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٢٣٥ / ٧٤٩ ، التهذيب ٩ : ٣٤٢ / ١٢٢٩ ، الإستبصار ٤ : ١٨١ / ٦٨٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٩ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٤ ح ٧.

٤٢٤

أُمّه ، وهو يرث أخواله » (١).

وليس فيه ما يوجب تقييد الإطلاق من نحو خصوصية المورد ، ورجوع الضمير في الجواب إليه ، كما اتفق في المستفيضة المتقدمة ، وقصور السند منجبر بالشهرة العظيمة ، والموافقة للعمومات القطعيّة ، مع أنّ القائل بالنصوص المفصّلة وإن صحّت ، وجمعت بين الأخبار المختلفة غير معروف ، عدا الشيخ في الاستبصار ، وفتواه فيه غير متيقّنة ولا معلومة ، كما مرّ التنبيه عليه مراراً ، ومع ذلك فهو على تقديره متروك ، كما ذكره الماتن في الشرائع (٢) ، وعضده ما قدّمناه ، فالمشهور لعلّه أقوى.

( و ) حيث قد تقرّر انتفاء نسب ولد الملاعنة عن أبيه ظهر أنّه ( لا يرث أباه ، ولا من تقرّب به ، ولا يرثونه ) من حيث النسب.

( ولو اعترف به الأب ) بعد اللعان ( لحق به ) في الجملة ( وورث هو أباه ) خاصّة ( دون ) العكس ، فلا يرثه الأب.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : « فإن ادّعاه أبوه لحق به ، وإن مات ورثه الابن ، ولم يرثه الأب » (٣).

وفي آخر : « يردّ إليه ابنه ، ولا يرثه » (٤).

وفي الخبر : إذا أقرّ به الأب هل يرث الأب؟ قال : « نعم ، ولا يرث الأب الابن » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٣٧ / ٧٥٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٦ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٤ ح ١.

(٢) الشرائع ٤ : ٤٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٦٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٣٩ / ١٢١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٢ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٦١ / ٧ ، الفقيه ٤ : ٢٣٧ / ٧٥٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٣ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٢ ح ٣.

(٥) الكافي ٧ : ١٦٠ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٣٩ / ١٢٢١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٣ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٢ ح ٢.

٤٢٥

وأمّا بعض النصوص (١) الدالّة على أنّه مع الاعتراف به بعد اللعان لا يردّ على الأب ، فمع قصور سنده شاذّ ، محمول على عدم اللحوق الكامل الموجب للتوارث من الطرفين.

وهل يرث الولد ( غيره ) أي غير الأب ( من ذوي قرابة أبيه ) ويرثونه ، أم يرثهم ولا يرثونه ، أم يستمرّ الأمران على النفي السابق؟ أوجه ، فالشيخ (٢) والأكثر ، ومنهم الماتن هنا وفي الشرائع (٣) على (٤) الأخير ؛ عملاً بالاستصحاب ، وقصراً للإقرار على المقرّ ، وعلى تقدير كونه شهادة فهي لا تسمع من الواحد.

وخيرة الحلبي والفاضل (٥) في بعض كتبه الأوّل ؛ نظراً منهما إلى أنّ الإقرار كإقامة البيّنة الموجبة لثبوت النسب.

وفيه ما عرفته.

وفصّل الفاضل (٦) في بعض كتبه بأنّهم إن صدّقوا الأب على اللعان لم يرثهم ولا يرثونه ، وإن كذّبوه ورثهم وورثوه. والمذهب الأوّل ( ولا عبرة بنسب الأب ) كما مرّ.

( و ) يتفرّع عليه أنّه ( لو ترك ) ابن الملاعنة ( إخوة لأب وأُمّ مع أخ أو إخوة (٧) لأُمّ ، كانوا سواء في الحصّة (٨) ، وكذا لو ترك جدّاً لُامّ مع أخ أو

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٤٠ / ١٢٢٣ ، الإستبصار ٤ : ١٧٩ / ٦٧٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦٦ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٤ ح ٣.

(٢) في « ح » و « ر » : ظاهر الشيخ. التهذيب ٩ : ٣٤١ ، النهاية : ٦٧٩.

(٣) الشرائع ٤ : ٤٣.

(٤) ليس في « ح » و « ر ».

(٥) الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، المختلف : ٧٤٤.

(٦) القواعد ٢ : ١٨١.

(٧) في المطبوع من المختصر (٢٧٣) : أو أُخت.

(٨) في المطبوع من المختصر (٢٧٣) : المال.

٤٢٦

أُخت أو إخوة أو أخوات من أب وأُمّ ) تساووا فيها ؛ لكون انتسابهم إليه من جهة الأُمّ خاصّة ، فيتساوون فيها ، كما مرّ إليه الإشارة.

واعلم أنّ في إطلاق الأب على الملاعن تجوّزاً ؛ إذ ليس بأبٍ له ينسب إليه ظاهراً ، ووجهه النظر إلى كونه أباه ابتداءً.

( خاتمة تشتمل على مسائل ) سبع :

( الاولى : ولد الزنا لا يرثه ) الزاني ، ولا ( امّه ) الزانية (١) ( ولا غيره ) م ( امن الأنساب ) ولا يرثهم ، بلا خلافٍ في قطع التوارث بينه وبين الزاني وأقربائه ، بل عليه الإجماع في المختلف والإيضاح وشرحي الشرائع للصيمري وشيخنا الشهيد الثاني (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، ففي الصحيح : « أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ، ثم اشتراها ، فادعى ولدها ، فإنّه لا يورث منه شي‌ء ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ولا يورث ولد الزنا إلاّ رجل يدّعي ابن وليدته » (٣) ونحوه بعينه الموثق (٤) ، وأخبار أُخر (٥).

وفي الصحيح : قلت : فإنّه مات ، وله مال ، من يرثه؟ قال‌

__________________

(١) ليس في « ب » و « ر ».

(٢) المختلف : ٧٥٤ ، الإيضاح ٤ : ٢٤٧ ، غاية المرام ٤ : ١٩٣ ، المسالك ٢ : ٣٤٠.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٤٦ / ١٢٤٢ ، الإستبصار ٤ : ١٨٥ / ٦٩٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ١٦٣ / ١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ذيل الحديث ١.

(٥) الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨.

٤٢٧

« الإمام عليه‌السلام » (١).

وفي الخبر : عن رجل فجر بامرأة ، ثم إنّه تزوّجها بعد الحمل ، فجاءت بولد ، هو أشبه خلق الله تعالى به؟ فكتب بخطّه وخاتمه : « الولد لغية ، لا يورث » (٢).

وإطلاقهما كعموم التعليل في الأخير ، والمستفيضة المتقدمة يدل على عموم الحكم وشموله لجميع ما في العبارة من منع التوارث بينه وبين الامّ وأقاربها أيضاً ، كما هو الأظهر الأشهر بين أصحابنا ، بل عليه عامّة متأخّريهم ، بحيث كاد أن يكون ذلك إجماعاً منهم ، وربما أشعر به عبائر كثير ، كالشيخ في الاستبصار والماتن في الشرائع وشيخنا في شرحه والفاضل في القواعد (٣) ، حيث قالوا على الرواية الآتية : أنّها شاذّة مطرحة ، فلا ريب في المسألة.

وأمّا النصوص الدالّة على إرث الزاني منه إذا أقرّ به (٤) ، فشاذّة مطرحة ، لا عمل عليها بين أصحابنا ، مع قصور أسانيدها عن الصحة ، فلتكن مطرحة ، وإن كانت موثقة.

( و ) لا خلاف في أنّه ( يرثه ) أي ولد الزنا ( ولده وإن نزل ، والزوج أو الزوجة ) نصيبهما الأعلى مع عدم الولد ، والأدنى معه ؛ للعمومات ، مع عدم المانع من جهتهم.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٣١ / ٧٣٩ ، التهذيب ٩ : ٣٤٣ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٤ : ١٨٣ / ٦٨٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٥ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٣ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٣١ / ٧٣٨ ، التهذيب ٩ : ٣٤٣ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٤ : ١٨٢ / ٦٨٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ٢.

(٣) الاستبصار ٤ : ١٨٣ ، الشرائع ٤ : ٤٤ ، المسالك ٢ : ٣٤٠ ، القواعد ٢ : ١٨١.

(٤) الوسائل ٢٦ : ٢٧٦ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ٥ ، ٧ ، ٨.

٤٢٨

( ولو لم يكن أحدهم ) أي الولد أو الزوجين ، ولا وارث آخر ولو ضامن جريرة ( فميراثه للإمام ) عليه‌السلام مطلقاً ، ولو كان هناك الأبوان ، أو أحد من ذوي قرابتهما ، على الأشهر الأقوى ، كما مضى.

( وقيل ) كما عن الإسكافي والصدوق والحلبي (١) : إنّه ( يرثه امّه ) وأقاربها مع عدمها ( كابن الملاعنة ) للخبرين ، في أحدهما : « أنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : ولد الزنا ، وابن الملاعنة ترثه امّه ، وإخوته لأُمّه ، أو عصبتها » (٢).

وفي الثاني : « ميراثه لقرابته من قِبَل امّه على نحو ميراث ابن الملاعنة » (٣).

وهما قاصرا السند بغياث بن كلوب وغيره في الأوّل ، والوقف إلى الراوي من دون نسبته إلى إمام في الثاني ، فلا يعترض بهما الأدلّة المتقدّمة من وجوه عديدة ، سيّما مع موافقتهما لمذهب العامّة ، كما صرّح به في السرائر والغنية (٤) ، فليحملا على التقية ، أو على عدم كون الأُمّ زانية ، فإنّها وأقاربها يرثونه حينئذٍ ؛ لثبوت النسب الشرعي بينهم ، فيكون كولد الملاعنة ، وما أجود هذا الحمل ، ولم أر من تعرّض له إلاّ قليلاً من متأخّري متأخّري الطائفة (٥).

( الثانية : الحمل يرث إن سقط حيّاً ) إجماعاً ، للصحاح المستفيضة ،

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٤٤ ، الفقيه ٤ : ٢٣٢ ، الكافي في الفقه : ٣٧٧.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٤٥ / ١٢٣٩ ، الإستبصار ٤ : ١٨٤ / ٦٩٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٨ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ٩.

(٣) الكافي ٧ : ١٦٤ / ذيل الحديث ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٤٤ / ١٢٣٨ ، الإستبصار ٤ : ١٨٣ / ٦٨٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٦ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ٦.

(٤) السرائر ٣ : ٢٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٥) مجمع الفائدة ١١ : ٥٢٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٨.

٤٢٩

وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيحين وغيرهما : « إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث ، فإنّه ربما كان أخرس » (١).

وفي الصحيح : « إذا تحرّك ورث ، إنّه ربما كان أخرس » (٢).

( وتعتبر ) حياته عند الأصحاب بـ ( حركة الأحياء ، كالاستهلال و ) الصياح ، أو مجرّد الحركات البيّنة المعبّر عنها بـ ( الحركات الإرادية دون ) غيرها من مثل ( التقلّص ) والقبض والبسط طبعاً لا اختياراً ، فإنّ ذلك قد يحصل في اللحوم.

والحركة المطلقة في الصحيحة الأخيرة مقيّدة بالبيّنة منها ، بمقتضى الأخبار السابقة عليها ، بل ورد في كثير من المعتبرة حصر ما يعتبر به في الاستهلال والصياح خاصّة ، ففي الصحيح : « لا يصلّى على المنفوس ، وهو المولود الذي لم يستهلّ ، ولم يصح ، ولم يورث من الدية ولا غيرها ، فإذا استهلّ فصلّ عليه ، وورّثه » (٣).

وفي الموثق : في ميراث المنفوس من الدية ، قال : « لا يرث شيئاً حتى يصيح ، ويسمع صوته » (٤). ونحوه المرسل : « إنّ المنفوس لا يرث من الدية شيئاً حتى يستهلّ ، ويسمع صوته » (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢٦ : ٣٠٤ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٧ ح ٤ ، ٧ ، ٨.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٥ / ١ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٢ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٧ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ١٩٩ / ٤٥٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٣ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٧ ح ٥.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٦ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٩١ / ١٣٩٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٨ / ٧٤٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٢ أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب ٧ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ١٥٦ / ٦ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٢ أبواب ميراث الخنثى ب ٧ ح ٢.

٤٣٠

لكن أطبق الأصحاب على تركها ، والعمل بالأخبار السابقة المصرّحة بالاكتفاء بالحركة ، معلّلةً بأنّه ربما كان أخرس ، ولعلّه لقوّة احتمال ورود هذه الأخبار مورد الغالب.

وربما جمع بعض الأصحاب بينها وبين الأخبار المتقدّمة بالتخيير بين الأمرين ، بمعنى الاكتفاء بأحدهما (١).

ولا بأس به ، لكنّه ليس بجمع حقيقة ، بل خروج عن ظاهر الأخيرة ، وطرح لمفاهيمها بالكلّية.

والأجود حملها على التقيّة ، كما فعله جماعة ، ومنهم شيخ الطائفة ، قال : لأنّ بعض العامّة يراعون في توريثه الاستهلال (٢).

أقول : ويشير إليه الأمر بالصلاة عليه بعد استهلاله في الصحيحة الأُولى ، ويستفاد من بعض الأخبار الصحيحة (٣) كونه مذهب العامّة.

وأمّا الجمع بينها بتخصيص الأخيرة بالإرث من الدية ، والأوّلة بالإرث من غيرها ، كما في المفاتيح (٤).

فضعيف غايته ؛ لعدم الشاهد عليه سوى إشعار المرسلة به ، من حيث تخصيص الإرث بالدية باعتبار الاستهلال فيه ، واختصاص الموثقة السابقة عليها بها أيضاً ، ولا يصلحان للشهادة ، من حيث إنّ الاختصاص في الموثقة إنّما هو في كلام الراوي خاصّة ، والإشعار في المرسلة ليس بحجة إلاّ على تقدير حجية مفهوم اللقب ، وهو مع أنّه ليس بحجة باتفاق‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٦ : ٣٠٢.

(٢) الاستبصار ٤ : ١٩٩ ؛ وانظر الدروس ٢ : ٣٥٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٢٦ / ٨١٨ ، التهذيب ٩ : ٣٩٢ / ١٣٩٩ ، الإستبصار ٤ : ١٩٨ / ٧٤٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٤ أبواب ميراث الخنثى ب ٧ ح ٨.

(٤) المفاتيح ٣ : ٣١٦.

٤٣١

الطائفة لا يعارض مفاهيم التعليلات في الأخبار المتقدّمة التي هي كالنص في عدم اعتبار الاستهلال بالكلّية ، ولو في الإرث من الدية ، ومع ذلك فهو منقوض بصريح الصحيحة المتقدّمة المسوّية بين الدية وغيرها في اعتبار الاستهلال خاصّة ، وبالجملة فهذا الجمع ناشٍ عن قلّة التأمّل في الأخبار ، وعدم التتبع لها كما هو.

واعلم أنّ مقتضى إطلاق الروايات والفتاوي وبه صرّح الشهيدان وغيرهما (١) عدم اشتراط استقرار الحياة ، بل وجودها مطلقاً.

خلافاً لظاهر الماتن في الشرائع (٢) ، فاعتبر استقرارها. ولا وجه له أصلاً ، سيّما مع ورود بعض الصحاح في السقط أنّه إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً يرث ويورث (٣) ، والغالب فيه عدم استقرار الحياة.

ولا يشترط حياته عند موت المورّث ، بمعنى حلول الحياة فيه عنده ، بلا خلاف ظاهر ، وقد صرّح به بعض الأصحاب (٤) ؛ لإطلاق النصوص بإرثه مع ولادته حيّاً ، الشامل لما لو كان عند موت مورّثه نطفة.

نعم يشترط العلم بوجوده عند الموت ؛ ليحكم بانتسابه إليه ، ويعلم ذلك بأن تلده لما دون ستّة أشهر من حين موته مدّة يمكن تولّده منه ، أو لأقصى الحمل إذا لم توطأ الامّ وطئاً يصلح استناد الولد معه إلى الواطئ.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٥٥ ، المسالك ٢ : ٣١٦ ، الروضة ٨ : ٢٠٩ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٨٧.

(٢) الشرائع ٤ : ٤٨.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٥ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٩١ / ١٣٩٤ ، الإستبصار ٤ : ١٩٨ / ٧٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٣ أبواب ميراث الخنثى ب ٧ ح ٤.

(٤) وهو الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٦.

٤٣٢

وقد صرّح الفاضل في التحرير والشهيد في الدروس وغيرهما (١) بأنّه لو خرج نصفه وتحرّك أو استهلّ ثم سقط ميّتاً لم يرث ولا يورث.

ولعلّه للأصل ، واختصاص النصوص بحكم التبادر بالساقط متحرّكاً بجميعه ، ولا بأس به ، ولم أجد الخلاف فيه ، وإن أشعر به عبارة التحرير ، ولعل المخالف من العامّة.

( الثالثة : قال الشيخ ) (٢) وتبعه الأصحاب ، من غير خلاف ، كما صرّح به جماعة منهم (٣) : إنّه ( يوقف ) ويعزل ( للحمل نصيب ذكرين احتياطاً ) عن تولّده حياً ، وتعدّده ذكراً ، وإنّما لم يوقف له زيادة عن نصيبهما مع احتمال التولّد زائداً عنهما لندرته غالباً.

ثم على هذا التقدير لا يخلو من احتمالات عشرة : إمّا أن يولد ذكراً واحداً ، أو أُنثى كذلك ، أو خنثى ، أو ذكرين ، أو أُنثيين ، أو خنثيين ، أو ذكراً وأُنثى ، أو ذكراً وخنثى ، أو أُنثى وخنثى ، أو يسقط ميّتاً ، وأكثر هذه الاحتمالات نصيباً للحمل فرضه ذكرين ، فلو اجتمع مع الحمل ذكر اعطي الثلث ، ووقف للحمل الثلثان ، ولو اجتمع معه أُنثى أُعطيت الخمس حتى يتبيّن الحمل ، فإن ولد حيّاً كما فرض ، وإلاّ وزّع التركة بينهم على حسب ما يقتضيه حال الحمل ، فإن ولد ميّتاً خصّ باقيها بالولد الموجود مطلقا ، وإن ولد حيّاً وزّعت بينهم أنصافاً ، أو أثلاثاً ، أو نحو ذلك ، بحسب ما يقتضيه حاله من ذكورته أو أُنوثته أو خنوثته ، واحداً أو متعدّداً.

( ولو كان ) هناك ( ذو فرض أُعطُوا النصيب الأدنى ) إن كانوا ممّن‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٧٤ ، الدروس ٢ : ٣٥٥ ؛ المسالك ٢ : ٣١٦.

(٢) الخلاف ٤ : ١١٢.

(٣) منهم ابن فهد في المهذب البارع ٤ : ٤١٥ ، وانظر المسالك ٢ : ٣٤٣.

٤٣٣

يحجبهم الحمل على الأعلى ، كالزوجين والأبوين ، أو أحدهما ، مع عدم ولد هناك أصلاً ، فإن ولد ميّتا أكملوا نصيبهم ، وإن ولد حيّاً روعي حاله ، وقسّم التركة على حسبها.

والضابط : أنّه متى كان هناك حمل ، وطلب الورثة القسمة ، فمن كان محجوباً بالحمل كالإخوة لا يعطى شيئاً إلى أن يتبيّن الحال ، ومن كان له فرض لا يتغيّر بوجوده وعدمه كنصيب الزوجين والأبوين إذا كان معه ولد يعطى كمال نصيبه ، ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه يعطى أقل ما يصيبه على تقدير ولادته على وجه يقتضيه ، كالأبوين إذا لم يكن هناك ولد غيره.

( الرابعة : يرث دية الجنين ) وهو الولد في البطن مطلقاً ، حلّ فيه الحياة أم لا ، على ما يقتضيه إطلاق عبارة المتن وباقي أصحابنا ( أبواه ، ومن يتقرّب بهما أو بالأب ) خاصّة ، مع عدمهما ، بلا خلاف ، إلاّ من الشيخ في موضع من الخلاف (١) ، فمنع المتقرّب بأحدهما مطلقاً.

وهو ضعيف ، إلاّ منعه المتقرب بالأُمّ خاصّة ، كما مضى التحقيق فيه وفي تنقيح الأقوال والأدلّة في صور المسألة مستقصى في المسألة الثانية من المسائل الثلاث الملحقة ببحث مانعيّة القتل عن الإرث (٢).

وإنّما أفردها الأصحاب هنا بالذكر مع استفادة حكمها من إطلاق الأدلّة المتقدّمة ثمّة فتوًى وروايةً لورود نصّ فيه بالخصوص : إنّ عليّاً عليه‌السلام لما هزم طلحة والزبير أقبل الناس منهزمين ، فمرُّوا بامرأة حامل على الطريق ، ففزعت منهم ، فطرحت ما في بطنها حيّاً ، فاضطرب حتى مات ، ثم ماتت امّه من بعده ، فمرّ بها عليّ عليه‌السلام وأصحابه ، وهي مطروحة على‌

__________________

(١) انظر الخلاف ٥ : ١٧٨.

(٢) راجع ص : ٢٤٢.

٤٣٤

الطريق فسألهم عن أمرها ، فقالوا : إنّها كانت حبلى ، ففزعت حين رأت القتال والهزيمة ، قال : فسألهم : أيّهما مات قبل صاحبه؟ فقيل : إنّ ابنها مات قبلها ، قال : فدعا زوجها أبا الغلام الميت ، فورّثه ثلثي الدية ، وورّث امّه ثلث الدية ، ثمّ ورّث الزوج من المرأة الميّتة نصف ثلث الدية التي ورثتها من ابنها (١) ، الخبر.

وقصوره مجبور بالعمل ، وبرواية ابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته عن موجبه ، وقصور متنه عن إفادة تمام المطلب يجبر بعدم القائل بالفرق ؛ مضافاً إلى ما مر من الإطلاقات.

اللهمّ إلاّ أن يدّعى عدم انصرافها بحكم التبادر إلى محل البحث ، فتدبّر.

( الخامسة : إذا تعارفا ) أي اثنان غير معروفي النسب ( بما يقتضي الميراث ) بينهما من نسب ، أو زوجيّة ، أو ولاء ( توارثا ، ولم يكلّف أحدهما البيّنة ) بإجماعنا في الجملة ظاهراً ؛ لعموم إقرار العقلاء (٢) ؛ وللصحاح الصراح ، وقد تقدّمت في كتاب الإقرار وبيّنّا ثمّة عدم تعدّي التوارث إلى غيرهما ، مع جملة من الشرائط المتعلّقة بالمسألة (٣).

وأمّا ما دلّ على عدم التوارث بالتعارف واحتياجه إلى البيّنة ، كالخبر : « لا يورث الحميل إلاّ ببيّنة » (٤) فمحمول على التقيّة ، كما صرّح به جماعة ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٢٦ / ٧١٩ ، التهذيب ٩ : ٣٧٦ / ١٣٤٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣٦ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٣.

(٢) انظر الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٣) راجع ج ١٣ : ٢٨١.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٢٩ / ٧٣٢ ، التهذيب ٩ : ٣٤٨ / ١٢٥٠ ، الإستبصار ٤ : ١٨٦ / ٧٠٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٩ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٩ ح ٣.

٤٣٥

ومنهم شيخ الطائفة ، قال : لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة (١).

أقول : ويشير إليه جملة من الصحاح المتقدمة ، وما في مجمع البحرين في تفسير الحميل من قوله : ومنه قول عمر في الحميل : لا يورث إلاّ ببيّنة (٢). انتهى. مع كون الراوي له طلحة بن زيد العامي بنصّ الشيخ والنجاشي (٣).

والحميل هو الذي يحمل من بلده صغيراً إلى بلد الإسلام ، كما صرّح به في الصحاح والنهاية الأثيرية (٤) ولكن قال فيها : وقيل : هو المجهول النسب ، وذلك أن يقول الرجل للإنسان : هذا أخي ، أو ابني ، ليرث ميراثه عن مواليه ، فلا يصدّق إلاّ ببيّنة.

أقول : الأوّل هو المستفاد من بعض تلك الصحاح : عن الحميل؟ فقال : « وأيّ شي‌ء الحميل؟ » قلت : المرأة تسبى من أرضها ، ومعها الولد الصغير ، فتقول : هو ابني ، والرجل يسبى ، فيلقاه أخوه ، فيقول : هو أخي ، ويتعارفان ، وليس لهما على ذلك بيّنة إلاّ قولهما ، قال : فقال : « فما يقول من قِبَلَكم؟ » قلت : لا يورّثونه ؛ لأنّه لم يكن لهما على ذلك بيّنة ، وإنّما كان ولادة في الشرك ، فقال : « سبحان الله : إذا جاءت بابنها أو بنتها لم تزل مقرّة به ، وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقولهما لا يزالان مقرّين بذلك ، ورث بعضهم من بعض » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٤٨ ، الإستبصار ٤ : ١٨٧.

(٢) مجمع البحرين ٥ : ٣٥٦.

(٣) الفهرست : ٨٦ / ٣٦٢ ، رجال النجاشي : ٢٠٧ / ٥٥٠.

(٤) الصحاح ٤ : ١٦٧٨ ، النهاية ١ : ٤٤٢.

(٥) الكافي ٧ : ١٦٥ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٣٠ / ٧٣٣ ، التهذيب ٩ : ٣٤٧ / ١٢٤٧ ، الإستبصار ٤ : ١٨٦ / ٦٩٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧٨ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٩ ح ١.

٤٣٦

وعن معاني الأخبار : سمّي الحميل حميلاً لأنّه حمل من بلاده صغيراً ، ولم يولد في الإسلام (١).

( السادسة : المفقود ) الذي لا يعلم موته ولا حياته ( يُتربّص بماله ) اتفاقاً ، فتوًى ونصّاً. ( و ) لكن ( في قدر التربّص روايات ) مختلفة ، لأجلها اختلفت أقوال الطائفة.

فمنها : ما دلّ على أنّه ( أربع سنين ) وهو الموثقان ، في أحدهما : « المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين ، فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة » (٢).

ونحوه الثاني (٣) ، لكنّه مطلق غير مقيّد بالطلب ، والجمع بينهما يقتضي التقييد به ، سيّما مع عدم القائل بالإطلاق ، بل كل من قال بمضمونهما قيّده بذلك ، وهو الصدوق والمرتضى وابن زهرة والحلبي (٤) ، ونفى عنه البأس في المختلف (٥) ، وقوّاه الشهيدان في الدروس والمسالك والروضة (٦) ، ومال إليه جملة من متأخّري المتأخّرين ، كالمحدّث الكاشاني وصاحب الكفاية وغيرهما (٧).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٧٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٥ / ٩ ، التهذيب ٩ : ٣٨٨ / ١٣٨٦ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٠ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٩.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٤ / ٥ ، الفقيه ٤ : ٢٤٠ / ٧٦٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٨ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٥.

(٤) الصدوق في الفقيه ٤ : ٢٤٠ ، المرتضى في الانتصار : ٣٠٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٨.

(٥) المختلف : ٧٤٩.

(٦) الدروس ٢ : ٣٥٢ ، المسالك ٢ : ٣٤٣ ، الروضة ٨ : ٥٠.

(٧) المفاتيح ٣ : ٣١٩ ، الكفاية : ٢٩٢ ؛ كشف اللثام ٢ : ٢٨٦.

٤٣٧

ولعلّه الأقوى ؛ لدعوى السيّدين عليه في الانتصار والغنية إجماع الإمامية ، مع اعتبار سند الرواية بعد التعدّد بالموثقية بإسحاق بن عمار المشترك بين الموثق والثقة ، وربما ادّعى صحتها بعض الأجلّة (١).

مضافاً إلى التأيّد بفحوى الأدلّة الدالّة على ثبوت مثل الحكم في الزوجة ، من اعتدادها بعد الفحص في المدّة المزبورة ، وجواز تزويجها بعدها ، فإنّ عصمة الفروج أشدّ وأقوى اتفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، فليجر مثل حكمها في قسمة المال بين الورثة بطريق أولى.

وردّ الأولويّة بوجود الفارق ، ومعارضتها بتضرّر المرأة بطول الغيبة ، كما ذكره جماعة (٢) حسن إن كان الضرر المثبت للحكم لها إرادتها النكاح والاستمتاع ، لا النفقة ، مع أنّ المستفاد من النصوص الواردة في حكمها كونه من جهة النفقة خاصّة ، ولذا حكمت بلزوم الصبر عليها مع وجود من ينفق عليها.

وحينئذٍ يتّجه الأولويّة ؛ لاتحاد وجه الضرر بينها وبين سائر الورثة ، سيّما الصغار منهم والعجزة ، فتأمّل.

( و ) ممّا ذكرنا من اعتبار سند الرواية بالموثقية أو الصحة يظهر لك ما في قوله هنا وغيره (٣) : إنّه ( في سندها ضعف ).

اللهمّ إلاّ أن يريد بالضعف غير المعنى المصطلح عليه بين المتأخّرين ، أو يعدّ الموثق من أقسام الضعيف ، كما هو طريقته في كثير من مواضع الكتاب.

__________________

(١) مجمع الفائدة ١١ : ٥٤٤.

(٢) التحرير ٢ : ١٧٣ ، وانظر التنقيح الرائع ٤ : ٢٠٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٨٦.

(٣) كما في الشرائع ٤ : ٤٩.

٤٣٨

وكيف كان فقدح مثل هذا الضعف على تقديره في الحجية بمعزل عن التحقيق ، مع ما عرفت من عدم انحصار الدليل في هذه الرواية ؛ لحكاية الإجماعين المتقدم إليها الإشارة ، وكل منهما كرواية صحيحة حجة مستقلّة.

ولو سلّم التنزّل باحتمال توجّه القدح إليهما ، نظراً إلى ندرة القائل بهذا القول بين القدماء نقول : لا أقلّ من إفادتهما الشهرة بينهم ، وهي جابرة لسند الرواية ، أو عاضدة له ، فيخصّص بها الأصل ولو اعتضد بالشهرة المتأخّرة ؛ لأنّ الرواية خاصّة والأصل عام ، فلتكن عليه مقدّمة ، وقلّة القائل بحسب اطّلاعنا لا يوجب قلّته واقعاً.

وبهذا يذبّ عن التسليم ، ويرجع الإجماع إلى ما كان عليه واقتضت الأدلّة من حجيته على الإطلاق ، هذا.

مع أنّ الوهن بذلك يجبره أيضاً التعدّد في النقل ؛ لبعد الخطأ معه.

( و ) منها : ما دلّ على أنّه ( عشر سنين ) في الجملة ، كالصحيح : عن دارٍ كانت لامرأة وكان لها ابن ، فغاب الابن في البحر ، وماتت المرأة ، فادّعت ابنتها أنّ أُمّها صيّرت هذه الدار لها ، وباعت أشقاصها (١) منها ، وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا ، وهو يكره أن يشتريها ؛ لغيبة الابن ، وما يتخوّف أن لا يحلّ شراؤها ، وليس يعرف للابن خبر ، فقال : « ومنذ كم غاب؟ » قلت : منذ سنين كثيرة ، قال : « ينتظر به غيبته عشر سنين ، ثم تشترى » قلت : إذا انتظر به غيبته عشر سنين يحلّ شراؤها؟

__________________

(١) الأشقاص جمع الشقص ، وهو : النصيب في العين المشتركة من كل شي‌ء. النهاية لابن الأثير ٢ : ٤٩٠ ، مجمع البحرين ٤ : ١٧٣.

٤٣٩

قال : « نعم » (١).

( وهي ) وإن كانت صحيحة ، إلاّ أنّها ( في حكم خاصّ ) واردة ، ففي الاستدلال بها على الكلّية تعسّف ، فإنّه لا يلزم من تسويغه عليه‌السلام بيع القطعة من الدار بعد العشر الحكم بموته حينئذٍ ، فإنّ الغائب يمكن للحاكم أن يبيع ماله للمصلحة ، فكيف بالإمام عليه‌السلام؟

مع أنّ الرواية تضمّنت أنّ بائع الدار ادّعى كونها ملكاً له من دون منازع له في هذه المدّة الطويلة ، فجاز كون تسويغ البيع لذلك ، وإن بقي الغائب على حجته ، ولا ينافيه الأمر بالتأخير إلى تلك المدّة ؛ لاحتمال كونه من باب الاحتياط ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٢) ، هذا.

مع أنّها غير مكافئة لما قدّمناه من الأدلّة من وجوه عديدة ، منها : ندرة القائل بها ، إذ لم يحك إلاّ عن المفيد (٣) في قوله المشهور : من الانتظار إلى تلك المدّة في بيع عقاره خاصّة ، وجواز اقتسام الورثة ما عداها من سائر أمواله بشرط الملاءة ، وضمانهم لها على تقدير ظهوره ؛ مستنداً في الشقّ الأوّل : إلى الصحيحة المتقدمة.

( وفي ) الثاني : إلى ما في رواية ( ثالثة ) (٤) من أنّه ( يقسمه ) أي المال ( الورثة إذا كانوا ملاء ) فإذا جاء ردّوه عليه ( و ) ليس ( فيها ضعف ) أيضاً كما ذكره الماتن ، بل هي موثقة ، ولكنّها لما قدمناه من الأدلّة غير‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٤ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٩٠ / ١٣٩١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٩٩ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٧ ، بتفاوت.

(٢) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٨٦.

(٣) المقنعة : ٧٠٦.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٥ / ٨ ، الفقيه ٤ : ٢٤١ / ٧٦٨ ، التهذيب ٩ : ٣٨٨ / ١٣٨٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠٠ أبواب ميراث الخنثى ب ٦ ح ٨.

٤٤٠