رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

ما ذكر.

وفي منع أولاد المعتقة مطلقا وإعطاء الإرث لعصبتها إلى الصحاح ، منها : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام على امرأة أعتقت رجلاً ، واشترطت ولاءه ، ولها ابن ، فألحق ولاءه لعصبتها الذين يعقلون عنها ، دون ولدها » (١).

ولا معارض لها ، مع كثرتها ، واشتهارها ، بل نفى الخلاف عنها في الاستبصار والخلاف (٢) ، وفيه وفي السرائر (٣) الإجماع عليه.

ومن هنا يظهر عدم إشكال في الحكم من جهة عصبة المعتقة ، وإنّما هو في اختصاص إرث المعتِق بأولاده الذكور دون الإناث ، كما استظهره الماتن هنا ، وفاقاً للشيخ في النهاية والإيجاز (٤) ، وتبعه القاضي وابن حمزة (٥) ، وتبعهم من المتأخّرين جماعة (٦) ، حتى أنّه في التحرير وشرح الشرائع للصيمري (٧) ادّعي عليه الشهرة.

أو اشتراكهم أجمع في إرثه ، كما هو القول الثاني للشيخ في الخلاف والحلي في السرائر والشهيد في الدروس (٨) ، ينشأ :

من دلالة النصوص الصحيحة المتقدمة على الاختصاص.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٥٣ / ٩٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ أبواب العتق ب ٣٩ ح ١.

(٢) الاستبصار ٤ : ١٧٣ ، الخلاف ٤ : ٨١.

(٣) الخلاف ٤ : ٨١ ، السرائر ٣ : ٢٤.

(٤) النهاية : ٥٤٧ ، الإيجاز ( الرسائل العشر ) : ٢٧٧.

(٥) المهذّب ٢ : ١٥٤ ، الوسيلة : ٣٩٧.

(٦) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٦٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٨ : ١٨٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣٠٧.

(٧) التحرير ٢ : ١٦٩ ، غاية المرام ٤ : ١٨٨.

(٨) الخلاف ٤ : ٧٩ ، السرائر ٣ : ٢٣ ، الدروس ٢ : ٢١٦.

٤٠١

ومن الموثق الصريح في العدم : قال عليه‌السلام : « مات مولى لحمزة بن عبد المطلب ، فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميراثه إلى بنت حمزة » (١).

والأوّلة وإن كانت صحيحة إلاّ أنّها موافقة للعامّة ، كما صرّح به الشيخ والحسن بن محمّد بن سماعة الذي هو أحد رواة هذه الموثقة ، فإنّه قال في آخرها : هذه الرواية تدل على أنّ المرأة ترث الولاء ، ليس كما يروون العامّة (٢).

واختار هذا في الكفاية (٣) ، مؤيّداً له بعموم : « الولاء لحمة كلحمة النسب » (٤) في الخبر القوي بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته عموماً ، كما عن الشيخ (٥) ، وخصوصاً كما ادّعاه الحلي (٦) من الخاصّة والعامّة ، وطاعناً في دلالة الصحيحة الاولى من النصوص المتقدمة ، قال : فإنّ محل الاستدلال فيها قوله : « فإنّ ولاء المعتَق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال » قال : وهو مبني على أنّ « من الرجال » قيد الولد ، مع أنّه يحتمل أن يكون قيداً للميت لا للولد ، وحينئذٍ لا يكون للخبر دلالة على اختصاص الولاء بالذكور من الأولاد. وفيه نظر.

والمسألة عند الفقير محل إشكال ، وإن كان لا بأس بالقول الأخير ؛ لاعتضاد الموثقة بمخالفة العامّة والقويّة المتقدمة ، مع صراحتها بلا شبهة ، والكثرة والصحة في الأخبار الأوّلة لم تبلغ حدّ المقاومة لهذه المرجّحات‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧٠ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٣١ / ١١٩١ ، الإستبصار ٤ : ١٧٢ / ٦٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٦ أبواب ميراث ولاء العتق ب ١ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٣١ ، الاستبصار ٤ : ١٧٣.

(٣) الكفاية : ٣٠٥.

(٤) المتقدم في ص : ٣٨٩.

(٥) العُدّة ١ : ٣٨٠.

(٦) السرائر ٣ : ٢٤.

٤٠٢

المزبورة ، سيّما مع مخالفة العامة.

نعم ربما عارضها الشهرة المحكية ، بل الظاهرة ، كما عرفت ، لكنّها ليست شهرة مفيدة لتلك المظنّة القويّة الجابرة أو المرجّحة والفائقة غيرها من المرجّحات المقابلة مثل مخالفة العامّة ، مع أنّ في اللمعة (١) جعل المشهور كون الولاء للأولاد الذكور منهم والإناث مطلقاً ، ذكراً كان المنعم أو امرأة ، لكنه عجيب كما في الروضة (٢) ؛ لأنّه مذهب الصدوق (٣) خاصّة ، كما صرّح به في الدروس وجماعة (٤) ، هذا.

مع أنّ المحكي عن الخلاف (٥) دعواه الإجماع على مجموع ما اختاره فيه ، حتى توريث بنات المنعم ، فيكون هو حجة أُخرى زيادة على ما مضى.

واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّه يترتّب من يرث ترتّبهم في النسب ؛ لحديث اللحمة المتقدم ، وخصّ بما مرّ للأدلة المتقدمة ، فيشارك الأب الأولاد ، وكذا الجدّ والأخ من قبله ، أمّا الأُمّ فيبنى إرثها على ما سلف ، والمشهور أنّه تشاركهم أيضاً ؛ ولعلّه لعموم الحديث المتقدم ، وإنّما الخارج منه بالنصوص الصحيحة البنات خاصّة ، وهو لا يستلزم خروج الامّ منه أيضاً ، فتأمّل.

وخلاف الإسكافي (٦) في تقديمه الولد على الأبوين ، والجدّ على‌

__________________

(١) اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ١٨٣.

(٢) الروضة ٨ : ١٨٦.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٢٤.

(٤) الدروس ٢ : ٢١٥ ؛ المهذب البارع ٤ : ٤٠٧ ، الروضة ٨ : ١٨٤ ، الكفاية : ٣٠٥.

(٥) الخلاف ٤ : ٧٩ ٨١.

(٦) حكاه عنه في الدروس ٢ : ٢١٦.

٤٠٣

الأخ شاذّ ضعيف ، وإن قيل (١) : يساعده ظاهر الصحيح المتقدم (٢) ، المتضمّن لقوله عليه‌السلام : كان ولاء العتق ميراثاً لجميع ولد الميت من الرجال ؛ لما عرفت من قوة احتمال وروده مورد التقية ، وربما يؤيّده موافقة الإسكافي ، كما مرّ غير مرّة.

( و ) حيث خصّ الإرث بالولاء في النصوص المتقدمة بالعصبة الذين يعقلون ظهر أنّه ( لا يرث الولاء ) الأخوات والجدّات وإن كنّ من أبيه ؛ لأنّهنّ لا يعقلن ، كما لا يعقل ( من يتقرّب بأُمّ المنعم ) من الإخوة والأخوات والأخوال والخالات والأجداد والجدّات ، فلا يرثون أيضاً.

وهل يورث الولاء كما يورث به؟ قولان ، أشهرهما : العدم ؛ للأصل ؛ ولأنّه ليس مالاً يقبل النقل ، ( و ) لهذا ( لا يصح بيعه ولا هبته ) ولا اشتراطه في بيع ونحوه ، بلا خلاف ، بل إجماعاً ، كما في التنقيح (٣) ؛ للقوي المتقدم : « الولاء لحمة كلحمة النسب ، لا يباع ولا يوهب » (٤).

والصحيح : « أنّ عائشة قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أهل بريرة اشترطوا ولاءها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولاء لمن أعتق ، وأبطل شرطهم » (٥).

خلافاً لظاهر الماتن هنا وفي الشرائع وجماعة (٦) ، فجعلوه موروثاً ، لأنّه من الحقوق المتروكة ، فكان داخلاً تحت عموم الإرث.

وفيه نظر يظهر وجهه ممّا مرّ ، إلاّ أنّ ذلك ظاهر الصحيح المتقدم‌

__________________

(١) قاله السبزواري في الكفاية : ٣٠٦.

(٢) في ص : ٣٩٥.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ١٩٨.

(٤) في ص : ٣٨٩.

(٥) الكافي ٦ : ١٩٨ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٥٠ / ٩٠٧ ، الوسائل ٢٣ : ٦٤ أبواب العتق ب ٣٧ ح ١.

(٦) الشرائع ٤ : ٣٦ ، الخلاف ٤ : ٧٩ ، السرائر ٣ : ٢٣ ، التحرير ٢ : ١٦٩.

٤٠٤

المتضمّن لأنّ ولاء العتق ميراث لجميع ولد الميت ، ونحوه الصحاح الواردة في توريث عصبة المعتقة دون ولدها ، منها زيادة على ما مضى : عن امرأة أعتقت مملوكاً ، ثم ماتت؟ قال : « يرجع الولاء إلى بني أبيها » (١).

ومنها : « يكون ولاؤها لأقرباء امّه من قبل أبيها ، وتكون نفقتها عليهم حتى تدرك ، وتستغني » قال : « ولا يكون للذي أعتقها عن امّه شي‌ء من ولائها » (٢) ونحوها غيرها ممّا يأتي.

والعجب من الأصحاب عدم استدلالهم لهذا القول بها ، ولعلّهم فهموا منها الإرث به ، لا كونه موروثاً ، لكنه خلاف الظاهر ، كما اعترف به شيخنا في المسالك (٣) في شرح قول الماتن : ويرث الولاء الأبوان والأولاد ، فإنّه قال : ويفهم منه كونه موروثاً ، فيقوى العجب منه في عدم استدلاله بها ، ولا سيّما الصحيح الأوّل منها ؛ لكونه كعبارة الماتن في تضمّنه لفظ إرث الولاء مضاهياً ، ولعلّ هذا أقوى.

وتظهر الفائدة في مواضع ، منها : ما لو مات المنعم قبل العتيق ، وخلف وارثاً غير الوارث بعد موت العتيق ، كما لو مات المنعم عن ولدين ، ثم مات أحدهما عن أولاد ، ثم العتيق ، فعلى الأشهر يختصّ الإرث بالولد الباقي ، ويشاركه أولاد الولد الميت على الآخر.

واعلم أنّه كما يرث المولى عتيقه كذلك يرث أولاد عتيقه مع فقد النسب ، بلا خلاف ؛ للصحاح المستفيضة ، منها : عن رجل اشترى عبداً ، له‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨١ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ أبواب العتق ب ٣٩ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ أبواب العتق ب ٣٩ ح ٣.

(٣) المسالك ٣ : ٣٣٦.

٤٠٥

أولاد من امرأة حرّة ، فأعتقه؟ قال : « ولاء ولده لمن أعتقه » (١).

ومنها : في العبد تكون تحته الحرّة ، قال : « ولده أحرار ، فإن أعتق المملوك لحق بأبيه » (٢).

ومنها : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب اشترط عليه ولاؤه إذا أعتق ، فنكح وليدة لرجل آخر ، فولدت له ولداً ، فحرّره ، ثم توفّي المكاتب ، فورثه ولده ، فاختلفوا في ولده ، من يرثه؟ » قال : « فألحق ولده بموالي أبيه » (٣).

ولكن في نصوص أُخر ما ربما يتوهم منه المخالفة لذلك ، منها الصحيح : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ومعي علي بن عبد العزيز ، فقال لي : « من هذا؟ » فقلت : مولى لنا ، فقال : « أعتقتموه ، أو أباه؟ » فقلت : بل أباه ، فقال : « ليس هذا مولاك ، هذا أخوك وابن عمّك ، وإنّما المولى الذي جرت عليه النعمة ، فإذا جرت على أبيه فهو أخوك وابن عمّك » (٤).

لكنّها مع ضعف سند أكثرها شاذّة ، محتملة للحمل على أنّه ليس معتقاً ، وعدم كونه مولى بهذا المعنى لا يستلزم انتفاء الولاء ، ولا تلازم بينهما ، وبه صرّح الشيخ (٥) أيضاً ، مستشهداً له بالخبر : « المعتق هو المولى ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٧٩ / ٢٨٥ ، التهذيب ٨ : ٢٥٠ / ٩١٠ ، الإستبصار ٤ : ٢١ / ٦٦ ، الوسائل ٢٣ : ٦٦ أبواب العتق ب ٣٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥١ / ٩١١ ، الإستبصار ٤ : ٢١ / ٦٧ ، الوسائل ٢٣ : ٦٦ أبواب العتق ب ٣٨ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٧٧ / ٢٧٥ ، التهذيب ٨ : ٢٥١ / ٩١٢ ، الإستبصار ٤ : ٢١ / ٦٨ ، الوسائل ٢٣ : ٦٦ أبواب العتق ب ٣٨ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ١٩٩ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٧٩ / ٢٨٦ ، التهذيب ٨ : ٢٥٢ / ٩١٧ ، قرب الاسناد : ٤١ / ١٣٣ ، الوسائل ٢٣ : ٦٩ أبواب العتق ب ٣٨ ح ١١.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٥٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٣.

٤٠٦

والولد ينتمي إلى من يشاء » (١).

( و ) حيث قد عرفت ذلك فاعلم أنّه ( يصح جرّه ) أي الولاء ( من مولى الأُمّ إلى مولى الأب إذا كان الأولاد مولودين على الحرّية ) تبعاً لحرّية أُمّهم ، بيان ذلك : أنّه إذا أُعتقت الأُمّ أوّلاً ، ثم حملت بهم ، وأبوهم رقّ ، فولاؤها وولاء أولادها لمولاها ؛ لعدم إمكانه من جهة الأب ؛ إذ لا ولاء عليه ، ولمعتق الامّ عليهم نعمة ، فإنّهم عتقوا بعتقها ، فإن ماتوا والأب رقيق بعد ورثهم معتق الامّ بالولاء ولو عتق الأب بعد ذلك.

وأمّا لو عتق قبله انجرّ ولاؤهم من مولى الأُمّ إلى مولاه ؛ للصحاح المتقدمة ، ولأنّ ثبوت الولاء لمولاها كان لضرورة أنّه لا ولاء على الأب ، فإذا وجد قدّم كما يقدّم عليه لو كان معتقاً قبل عتق الأُمّ أو معه ؛ لأنّ الولاء تلو النسب ( بمقتضى حديث اللحمة المتقدم ) (٢) والنسب إلى الآباء دون الأُمّهات.

وإنّما اشترط الولادة على الحرّية احترازاً عمّا لو ولدوا على الرقّية ثم أعتقوا ، فإنّ ولاءهم حينئذٍ لمباشر عتقهم ، كائناً من كان ، لا ينجرّ ولاؤهم إلى معتق أبيهم ؛ لأنّ نعمة من أعتقهم عليهم أعظم من نعمة من أعتق بعض أُصولهم ، فيخصّ بولائهم.

ولا فرق في ذلك بين أن يعتقوا منفصلين أو حملاً مع أُمّهم ، فلا ينجرّ ولاؤهم من معتقهم على تقدير فقده وفقد عصبته إلى معتق أُمّهم ؛ لأنّ ولاء المباشرة لا ينجرّ مطلقا ، وإنّما ينجرّ ولاء غيرها من الأضعف إلى الأقوى.

ولا أجد خلافاً في شي‌ء من ذلك ، ولا في اشتراط كون الحرّية‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٨٠ / ٢٨٨ ، التهذيب ٨ : ٢٥٣ / ٩١٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٣ / ٧٥ ، الوسائل ٢٣ : ٦٧ أبواب العتق ب ٣٨ ح ٧.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ر ».

٤٠٧

المعتبرة ولادتهم عليها حرّية عرضية حاصلة بالعتق ، لا أصلية ، ونفى عنه وعن جميع ما مرّ الخلاف في السرائر (١) ، وادّعى عليه الاتفاق في المسالك (٢) وغيره.

لكن جملة من الصحاح المتقدمة بإرث معتق الأب أولاد زوجته الحرّة مطلقة ، بل ربما كان بعضها ظاهراً في اختصاص حكم الجرّ بما إذا كانت حرّة الأصل ، كالصحيح : عن حرّة زوّجتها عبداً لي ، فولدت لي منه أولاداً ، ثم صار العبد إلى غيري ، فأعتقه ، إلى من ولاء ولده؟ إليّ إذا كانت أُمّهم مولاتي؟ أم إلى الذي أعتق أباهم؟ فكتب : « إن كانت الأُمّ حرّة جرّ الأب الولاء ، وإن كنت أنت أعتقت فليس لأبيه جرّ الولاء » (٣).

ولم أر أحداً من الأصحاب تنبّه أو نبّه على ذلك ، عدا خالي العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في الحاشية المنسوبة إليه على هذه الرواية ، فإنّه قال : ظاهرها اختصاص حكم الجرّ بما إذا كانت حرّة الأصل ، كما هو ظاهر الأخبار السابقة ، على خلاف ما ذكره الأصحاب وأجمعوا عليه ، فتدبّر.

ثم قال في توجيهها وتطبيقها لما ذكروه : ولعلّ المراد أنّك إذا أعتقت الأُمّ فصار عتقها سبباً لعتق الأولاد التي حصلت بعد العتق فحينئذٍ ينجرّ الولاء إلى مولى الأب ، وإن كنت أعتقت الأولاد أنفسهم فولاؤهم لك ولا ينجرّ ، والله يعلم (٤).

أقول وبالله التوفيق ـ : لعلّ الوجه في اتفاق الأصحاب على ما مرّ أنّ الحرّية الأصلية في أحد الأبوين تستتبع حرّية الأولاد ، فيكون حرّيتهم من‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٦٣.

(٢) المسالك ٢ : ٣٣٦.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥١ / ٩١٣ ، الإستبصار ٤ : ٢١ / ٦٩ ، الوسائل ٢٣ : ٦٧ أبواب العتق ب ٣٨ ح ٤.

(٤) ملاذ الأخبار ١٣ : ٥٠٢.

٤٠٨

جهتها ، لا من جهة العتق ، والولاء إنّما يكون على من حصلت له الحرّية به لا بها ، فإنّ الولاء من توابع العتق ، لا الحرّية مطلقا ، ولذا قالوا عليهم‌السلام : « الولاء لمن أعتق » (١) ولا عتق هنا بالإضافة إلى الأولاد مطلقاً ولو تبعاً ؛ لامتناع حصول الحاصل ، فتأمّل جدّاً.

وحينئذٍ ينبغي تقييد النصوص المتقدمة بحمل الحرّة فيها على المعتقة خاصّة ، وحمل الرواية الأخيرة على ما حملها عليه خالي العلاّمة (٢).

وعلى كل حال ، فالنصوص المزبورة صريحة الدلالة على أصل حكم الجرّ ولو في الجملة ؛ مضافاً إلى النصوص الأُخر ، كالمرسل كالموثق : « يجرّ الأب الولاء إذا أُعتق » (٣).

فما يوجد في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد الثاني على كتابه المسالك في مسألة الجرّ : أنّه ليس في بابه نص مطلقا ، وإنّما هو اعتبار ؛ غريب ، إلاّ أن يكون مراده من المنفي ما يتضمّن أحكام الجرّ كلا بنحو ما ذكره الأصحاب.

واعلم أنّهم ذكروا من غير خلاف يعرف بينهم أنّه إذا فقد المولى وقرابته الوارثون للولاء يرثه مولى المولى ، فإن عدم فقرابة مولى المولى ، على تفصيل قرابة المولى ، فإن فقد الجميع فمعتق أب المعتق ، ثم معتق هذا المعتق ، وهكذا كالأوّل.

ولا نصّ فيه ، وكأنّهم استنبطوه من حديث اللحمة المتقدم (٤) ، ولا بأس به.

__________________

(١) راجع ص : ٣٨٩.

(٢) راجع ص : ٤٠٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٢ / ٩١٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٢ / ٧٠ ، الوسائل ٢٣ : ٦٧ أبواب العتق ب ٣٨ ح ٥.

(٤) في ص : ٣٨٩.

٤٠٩

( القسم الثاني : )

( ولاء تضمّن الجريرة ) وهي الجناية :

اعلم أنّ ( من توالى إنساناً ) بأن ( يضمن ) ذلك الإنسان ( حدثه ) وجنايته ( ويكون ولاؤه ) المورث به ( له ، ثبت له ) أي للضامن ( الميراث ) بلا خلاف فيه بيننا ، بل عليه الإجماع في عبائر كثير من أصحابنا ، كالغنية والمسالك والكفاية وغيرها (١) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيحين « إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه ، وعليه معقلته » (٢).

وفي الصحيح : عن مملوك أُعتق سائبة؟ قال : « يتولّى من شاء ، وعلى من تولّى جريرته ، وله ميراثه » (٣) الخبر ، ونحوه الموثق (٤) ، هذا.

مع أنّه على ما ذكره الأصحاب عقد كان سائغاً في صدر الإسلام ، بل في الجاهلية أيضاً ، فيشمله عموم : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) ومقتضاه اللزوم ،

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، المسالك ٢ : ٣٣٨ ، الكفاية : ٣٠٦ ؛ المفاتيح ٣ : ٣١٠.

(٢) الأوّل في : الكافي ٧ : ١٧١ / ٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٤ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ١ ح ٢. والثاني في : التهذيب ٩ : ٣٩٦ / ١٤١٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٤ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ١ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ١٧١ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٨٠ / ٢٩٠ ، التهذيب ٨ : ٢٥٥ / ٩٢٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٩ / ٧٤٧ ، الوسائل ٢٣ : ٧٣ أبواب العتق ب ٤١ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٩٤ / ١٤٠٦ ، و ٣٩٥ / ١٤٠٩ ، الاستبصار ٤ : ١٩٩ / ٧٤٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٤ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ١ ح ٣ ، و ٢٤٩ ب ٣ ح ٩.

(٥) المائدة : ١.

٤١٠

كما هو المشهور ، وفاقاً للحلي (١) ، وظاهره الإجماع عليه ، وهو حجة أُخرى مستقلة ، فليس لكل منهما فسخه ونقل الولاء إلى الغير.

خلافاً للشيخ وابن حمزة (٢) ، فجائز ، إلاّ أن يعقل عنه ؛ للأصل. ويندفع بما مر.

وعلى المختار فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر العقود اللازمة.

وصورة عقده أن يقول المضمون : عاقدتك على أن تنصرني ، وتدفع عنّي ، وتعقل عنّي ، وترثني ، فيقول الضامن : قبلت ، ولو اشترك العقد بينهما قال أحدهما : على أن تنصرني وأنصرك ، وتعقل عني وأعقل عنك ، وترثني وأرثك ، أو ما أدّى هذا المعنى ، فيقبل الآخر.

( ولا يتعدّى ) الإرث عن ( الضامن ) إلى أقاربه وورثته ، على المشهور ، بل في الغنية (٣) عليه الإجماع ؛ قصراً للحكم على موضع الشرط ، ووقوفاً على اليقين فيما خالف الأصل.

خلافاً للمحكي في السرائر والمختلف عن ظاهر المقنعة (٤) ، حيث سوّى بين هذا الولاء وولاء العتق في جميع الأحكام الثابتة له.

وحجته مع ندرته غير واضحة.

( ولا ) يصح أن ( يضمن ) الجريرة ( إلاّ ) عن ( سائبة ، كالمعتق في النذر والكفّارات ) أو تبرّعاً مع التبرّي عن جريرته ، كما مرّ ( أو )

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٦٥.

(٢) الخلاف ٤ : ١٢٠ ، الوسيلة : ٣٩٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٤) السرائر ٣ : ٢٦٥ ، المختلف : ٧٤٠ ، وهو في المقنعة : ٦٩٤.

٤١١

عـ ( ـمن ) كان حرّ الأصل لكن ( لا وارث له ) مطلقاً ولو معتِقاً ، فإنّ هذا الإرث متأخّر عن الإرث بالنسب والعتق ، بلا خلاف ، بل في ظاهر الغنية (١) الإجماع عليه ، وربما كان في النصوص الصحيحة (٢) دلالة عليه.

( و ) على أنّه ( لا يرث الضامن إلاّ مع فقد كل مناسب ) (٣) ( ومع فقد المعتِق ) عتقاً يرث به الولاء ، مع أنّه لا خلاف فيه أيضاً.

والفرق بين هذا الحكم والسابق مع اشتراكهما في اشتراط فقد المناسب والمعتِق أنّ ذلك شرط صحة العقد وهذا شرط الإرث ، والمعنى أنّه مع صحة العقد واجتماع شرائطه لا يثبت الإرث للضامن إلاّ مع فقد الوارث المذكور عند موت المضمون أيضاً ، فلو فرض تجدّد وارث للمضمون ، بأن تزوّج بعد العقد وولد له أولاد كان إرثه لهم ، دون الضامن وإن كان سببه صحيحاً سائغاً.

ويتصوّر تجدّد العتق على العقد بأن يكون إسلامه طارئاً ، ثم يكفر بعد العقد ، ويلتحق بدار الحرب ، ويسترقّ ، فيعتقه مولاه ، فإنّه يقدّم ولاء العتق على الضامن المتقدّم.

( ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى ) من النصف أو الربع ( وما بقي ) عنه كان ( له ) أي للضامن ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (٤) ؛ للعمومات ، وخصوص ما مرّ من النصوص الدالّة على دخولهما‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧.

(٢) انظر الوسائل ٢٦ : ٢٤٣ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ١.

(٣) في « ح » زيادة : وإن بعد.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

٤١٢

على جميع طبقات الورثة (١).

( وهو ) أي الضامن ( أولى من بيت مال الإمام ) عليه‌السلام ، بلا خلاف ، بل في الغنية عليه الإجماع (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيحين : « من مات وليس له مولى فماله من الأنفال » (٣) ونحوهما الموثق (٤) وغيره (٥).

وفي الصحيح : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن أعتق عبداً سائبةً : أنّه لا ولاء لمواليه عليه ، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين ، فليشهد أنّه يضمن جريرته وكل حدث يلزمه ، فإذا فعل ذلك فهو يرثه ، وإن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين » (٦) وقريب منه الموثق (٧) ، وفي جملة من النصوص أنّ : « الإمام وارث من لا وارث له » (٨).

__________________

(١) راجع ص : ٣٦٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨.

(٣) أحدهما في : الكافي ٧ : ١٦٩ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٨٦ / ١٣٧٩ ، الإستبصار ٤ : ١٩٥ / ٧٣٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٧ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ٣.

والآخر في : الكافي ٧ : ١٦٨ / ١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٧ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٨٦ / ١٣٨٠ ، الإستبصار ٤ : ١٩٥ / ٧٣٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٩ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ٨.

(٥) الوسائل ٢٦ : ٢٤٦ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣.

(٦) التهذيب ٩ : ٣٩٤ / ١٤٠٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥٠ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ١٢.

(٧) التهذيب ٩ : ٣٩٤ / ١٤٠٦ ، الإستبصار ٤ : ١٩٩ / ٧٤٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٩ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ٩.

(٨) الكافي ٧ : ١٦٩ / ٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٨ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ٥.

٤١٣

( القسم الثالث : )

( ولاء الإمامة ).

والأصل فيه بعد الإجماع الظاهر المحكي في الخلاف والغنية والسرائر والمنتهى والمسالك وغيرها من كتب الجماعة (١) النصوص المتقدمة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : « من مات وليس له وارث من قبل قرابته ، ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته ، فماله من الأنفال » (٢).

وفيه : « السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلاّ الله تعالى ، فما كان ولاؤه لله تعالى فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ ولاءه للإمام عليه‌السلام ، وجنايته على الإمام عليه‌السلام ، وميراثه له » (٣) إلى غير ذلك من النصوص (٤) ، التي كادت تبلغ هي مع ما مرّ التواتر.

وأمّا النصوص الدالّة على أنّ إرث من لا وارث له لبيت مال المسلمين (٥) ، فمع قصور سند أكثرها غير مقاومة لما قدّمناه من الأدلّة من وجوه شتّى ، أعظمها موافقة تلك للشهرة العظيمة (٦) ، ومخالفتها للعامّة ،

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، السرائر ٣ : ٢٦٥ ، المنتهي ١ : ٥٥٣ ، المسالك ٢ : ٣٣٨ ؛ المفاتيح ٣ : ٣١١ ، كشف اللثام ٢ : ٣٠٢.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٩ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٢ / ٧٧٣ ، التهذيب ٩ : ٣٨٧ / ١٣٨١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٦ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٧١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٥٦ / ٩٣٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٦ / ٨٥ ، الوسائل ٢٣ : ٧٧ أبواب العتق ب ٤٣ ح ١.

(٤) الوسائل ٢٦ : ٢٤٦ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣.

(٥) الوسائل ٢٦ : أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣ ح ٩ ، وب ٤ ح ٥ ، ٨ ، ٩ ، وب ٧ ح ١.

(٦) ليس في « ب » و « ر ».

٤١٤

دون هذه ، فإنّها في طرف النقيض لتلك ، فلتطرح ، أو تحمل على التقية ، أو تؤوّل ككلام القائل بها ، وهو الإسكافي والشيخ في الاستبصار (١) بما يؤُول إلى الأخبار الأوّلة : من أنّ المراد ببيت المال وإن أُضيف إلى المسلمين بيت مال الإمام عليه‌السلام بقرينة الأخبار السابقة ، وما ذكره جماعة (٢) : من شيوع إطلاق بيت المال وإرادة بيت مال الإمام عليه‌السلام ، ويشير إليه كلام الشيخ في الخلاف هنا ، حيث قال : ميراث من لا وارث له ينتقل إلى بيت المال ، فهو للإمام عليه‌السلام خاصّة ، وعند جميع الفقهاء ينتقل إلى بيت المال ويكون للمسلمين (٣).

( و ) من الأدلّة المتقدّمة فتوًى وروايةً يستفاد أنّ الإمام عليه‌السلام ( لا يرث ) أحداً ( إلاّ مع فقد ) كلّ ( وارث ) له حتى ضامن الجريرة ، فلو وجد كان أحقّ بالإرث منه عليه‌السلام ( عدا الزوجة ، فإنّها تشاركه ) وتأخذ نصيبها الأعلى ( على الأصح ) الأشهر ، كما مضى بيانه مفصّلاً.

( و ) لا ريب أنّ ( مع وجوده ) أي الإمام ( عليه‌السلام فالمال له ، يصنع به ما شاء ، و ) قد روى الشيخان في المقنعة والنهاية (٤) : أنّه ( كان علي عليه‌السلام يعطيه فقراء بلده ) أي بلد الميت ، وضعفائهم ، قالا كباقي الأصحاب ـ : إنّه كان ذلك منه ( تبرّعاً ) عليهم.

( و ) أمّا ( مع غيبته ) فقيل (٥) : قال جماعة : يحفظ له بالوصاية ، أو‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٤٩ ، الاستبصار ٤ : ١٩٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٤٦٤ ، روضة المتقين ١١ : ٣٧٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٤٩ ، الكفاية : ٣٠٦.

(٣) الخلاف ٤ : ٢٢ ، وفيه : لا ينقل إلى بيت المال ، وهو للإمام خاصّة.

(٤) المقنعة : ٧٠٥ ، النهاية : ٦٧١.

(٥) قاله الشهيدان في الدروس ٢ : ٣٧٧ ، والمسالك ٢ : ٣٣٨.

٤١٥

الدفن إلى حين ظهوره كسائر الحقوق ، وفي ظاهر الخلاف (١) الإجماع عليه ، وهو أحوط ، وإن كان الأظهر ما اختاره الماتن وجماعة من القدماء والمتأخّرين من أنّه ( يقسم في الفقراء ) والمساكين ، إمّا مطلقا ، كما هنا وفي الشرائع والتحرير والقواعد والإرشاد والدروس والمسالك (٢) وعن المفيد والديلمي وابن زهرة والحلي والقاضي والكيدري (٣) ، وبالجملة الأكثر ، بل الأصحاب أجمع عدا الصدوق في الفقيه والشيخ في الخلاف كما في النكت (٤).

أو مقيداً بفقراء بلد الميت ومساكينه ، كما في اللمعة في هذا الكتاب والدروس في بحث الأنفال من كتاب الخُمس (٥).

وذلك لما مرّ (٦) من النصوص الصحيحة الدالّة على أنّه من الأنفال ، فدلّت على جواز صرفه فيهم ، إن لم يدلّ على ما هو أعمّ من ذلك ، بناءً على القول بتحليلهم الأنفال للشيعة في زمان الغيبة ، كما هو المشهور ، على ما صرّح به في الروضة (٧).

مضافاً إلى ما نبّه عليه في الكفاية (٨) بعد اختياره هذا القول ، تبعاً‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٣.

(٢) الشرائع ٤ : ٤٠ ، التحرير ٢ : ١٧١ ، القواعد ٢ : ١٨٠ ، الإرشاد ٢ : ١٢٦ ، الدروس ٢ : ٣٧٧ ، المسالك ٢ : ٣٣٩.

(٣) المفيد في المقنعة : ٧٠٦ ، الديلمي في المراسم : ٢٢٤ وحكاه عن ابن زهرة وابن إدريس والكيدري في غاية المراد ٣ : ٥٩١ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٥٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٤٢ ، الخلاف ٤ : ٢٣ ، غاية المراد ٣ : ٥٩١.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ١٩٠ ، الدروس ١ : ٢٦٤.

(٦) راجع ص : ٤٠٨.

(٧) الروضة ٢ : ٨٥.

(٨) الكفاية : ٣٠٧.

٤١٦

للمقدّس الأردبيلي (١) رحمه‌الله من أنّ وجهه استغناء الإمام عليه‌السلام واحتياج الفقراء ، والحفظ في المدّة المتطاولة تعريض للمال للتلف ، فمعلوم رضا الإمام عليه‌السلام بذلك ، وأنّه لو كان حاضراً مستغنياً لفعل كذلك ، هذا.

مع أنّي لم أجد الخلاف إلاّ من الخلاف (٢) ، وهو بالإضافة إلى باقي الأصحاب شاذّ ، وبه يوهن ما في ظاهر كلامه من الإجماع ، مع عدم صراحته فيه.

نعم في السرائر (٣) ما يدل على موافقته له ، إلاّ أنّ المحكي عنه في النكت ما قدّمناه.

وليس في هذه الأدلّة ما يدلّ على اعتبار القيد المشار إليه في اللمعة ، بل هي مطلقة ، ولا شاهد له إلاّ ما مرّ في رواية الشيخين من فعل علي عليه‌السلام ، وهي مع ضعف سندها بالإرسال لا تدلّ على ثبوته في غيبته ، وبذلك صرّح في الروضة (٤).

نعم الأولى ذلك ، كما في الكفاية (٥) ؛ حذراً من الشبهة الناشئة من خلاف اللمعة ، لكنّها مشروطة بما إذا لم يُعارضها أولويّة من وجه آخر ، كما إذا كان فقراء غير أهل البلد أحوج ، وفيهم الأيتام ، والأرامل ، والضعفاء العاجزين عن التكسّب كالعجائز ، والشيوخ ، والمرضى ، وأصحاب العاهات.

وهنا قول ثالث بلزوم الدفع إلى همشاريجه مطلقاً ، اختاره الصدوق‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣٤٥.

(٢) الخلاف ٤ : ٢٣.

(٣) السرائر ٣ : ٢٢٩.

(٤) الروضة ٨ : ١٩٠.

(٥) الكفاية : ٣٠٧.

٤١٧

في الفقيه (١) ؛ لخبرين (٢) قاصري السند مختصّ أحدهما بحال حضوره عليه‌السلام ، مع أنّه لا يقول به ، بل يخصّ ذلك بحال الغيبة ، كما هو محل البحث.

مع أنّ بعض المحدّثين (٣) حكى عن بعض النسخ : همشيريجه بالياء بعد الشين بدل همشهريجه بالهاء بعد الشين وقال : المراد به : الأخ الرضاعي. فلا دخل لهما بمحل البحث ، مع شذوذهما على هذا التقدير ، وإن دلّ على ما دلاّ عليه بعض النصوص ، كالخبر الضعيف بسهل : ما تقول في رجل مات وليس له وارث إلاّ أخاً له من الرضاعة ، يرثه؟ قال : « نعم » (٤) الخبر.

ولا قائل بذلك من الأصحاب ، كما صرّح به جدّي المجلسي رحمه‌الله في شرحه على الفقيه ، فقال : ولا خلاف في أنّ ولد الرضاعة ما يرث (٥). انتهى.

ومع ذلك لا بأس به إن كان الهمشهريج متعدّداً ، ومن جملة الفقراء ، فإنّ فيه جمعاً بين الأقوال.

واعلم أنّ إطلاق الفقير في عبائر الأصحاب يشمل الهاشمي وغيره من العوام ، والأولى بل لعلّه المعيّن عند الأحقر تخصيص الأوّل به ؛ لما ورد من أنّ السادات عياله ، يجب عليه جبر نفقتهم من حصّته في الخمس (٦) ، فصرف حقّه في ضرورة ما يلزمه أولى من صرفه إلى غيره ، مضافاً إلى آية‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٢.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٢٥٢ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

(٣) وهو الحر العاملي في الوسائل ٢٦ : ٢٥٦.

(٤) الكافي ٧ : ١٦٨ / ١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥٥ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٥ ح ١.

(٥) روضة المتقين ١١ : ٣٨٠.

(٦) انظر الوسائل ٩ : ٥٢٠ أبواب قسمة الخمس ب ٣.

٤١٨

أُولي الأرحام (١) ، المقتضية لتعيّنهم ، ولو لا شبهة الإجماع بجواز الدفع إلى غيرهم اتّجه القول به ، وليس في فعل عليّ عليه‌السلام ودفعه إيّاه إلى فقراء البلد منافاة لذلك ، من حيث عدم معلوميّة كونهم من العوام ، وعلى تقدير المعلوميّة كما هو الظاهر ليس فيه أنّه فعل ذلك مع حاجة السادة بذلك ، بل الظاهر عدم حاجتهم مع وجوده عليه‌السلام ، وقلّتهم ، وأين ذلك من كثرة السادة في أمثال الزمان ، وشدّة حاجتهم ، مع عدم وفاء حقّهم من الخمس بمؤونتهم.

وبالجملة عمل الفقير على ذلك ، بل لعلّه عندي من اللوازم ، ولعلّه لازم لكلّ من أوجب دفع حصّته عليه‌السلام من الخمس في زمان الغيبة إليهم ، كما يومئ إليه بعض تعليلاتهم ، المتقدم إليه الإشارة.

نعم لو اتفق غناؤهم ولا يتفق إلاّ أن يشاء الله تعالى صرف إلى غيرهم من فقراء الشيعة ، الأحوج منهم فالأحوج.

( و ) على كلّ حال ( لا ) يجوز أن ( يعطى الجائر إلاّ مع الخوف ) المبيح للإعطاء ، كأن يأخذه قهراً ؛ لأنّه غير مستحقّ له عندنا ، فلو دفعه إليه دافع اختياراً كان ضامناً ، ولو أمكنه دفعه عنه ببعضه وجب ، فإن لم يفعل ضمن ما يمكنه منعه منه.

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

٤١٩

( وأما اللواحق فأربعة ) فصول :

( الأوّل : في ميراث ابن الملاعنة )

قد تقرّر في كتاب اللعان أنّه سبب في التحريم المؤبّد ، وزوال الفراش ، وانتفاء الولد من الملاعن ، ومن لوازمه أنّه لا يرثه الولد ، ولا يرثه هو ولا أحد من أقارب الأب ؛ لانتفاء النسب بينهم شرعاً ، فيبقى ( ميراثه لُامّه ) ومن يتقرّب بها من أخواله وأجداده من قِبلَها ( و ) لـ ( ولده ) لأنّ نسبه لم ينتف عن الامّ ، ولم يلزم من نفي الأب له كونه ولد زنا ، إجماعاً ، وسيأتي النصوص الدالّة على جميع ذلك.

فإن كان له ولد وأُمّه حيّة ( فللأُمّ السدس ، والباقي ) تمامه ( للولد ) وإن نزل ، إن كان ذكراً ، وإن كان أُنثى فله النصف ، أو الثلثان ، والباقي ردّ عليهما إن اجتمع معها.

( ولو انفردت ) عنه وعن الزوجين ( كان لها الثلث ) إجماعاً ( و ) لها ( الباقي ) أيضاً ( بالردّ ) عليها ، على الأشهر الأقوى ، بل لعلّه عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، وعن الخلاف (١) الإجماع عليه ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة ، الثابتة من الكتاب والسنّة ، وخصوص النصوص المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، ففي بعضها : « أنّ ميراث ولد الملاعنة لأُمّه » (٢).

__________________

(١) الخلاف ٤ : ١٠٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٦٠ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٣٦ / ٧٥٠ ، التهذيب ٩ : ٣٣٨ / ١٢١٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥٩ أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ١ ح ٢.

٤٢٠