رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

ولو اختلف الجهة فإن كان الفريق المجامع لأحدهما الأعمام خاصّة فلمن تقرب منهم بالأُمّ سدس الأصل أو ثلثه ، بلا خلاف على ما يظهر منهم ، وبه صرّح في المسالك والروضة وغيرهما من كتب الجماعة (١). وإن كان الأخوال خاصّة فكذلك أيضاً ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل نسبه الشهيدان في الدروس والمسالك (٢) إلى ظاهر كلام الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه.

خلافاً للمحكي في القواعد والتحرير والدروس والمسالك عن بعض الأصحاب (٣) فلمن تقرب منهم بالأُمّ سدس الباقي.

وللقواعد وفخر الدين (٤) ، فله سدس الثلث ؛ لأنّ الثلث نصيب الخؤولة ، فللمتقرّب منهم بالأُمّ سدسه مع اتحاده ، وثلثه مع تعدّده.

ويضعف : بأنّ الثلث إنّما يكون نصيبهم مع مجامعة الأعمام ، وإلاّ فجميع المال لهم ، فإذا زاحمهم أحد الزوجين زاحم المتقرب منهم بالأب وبقيت حصة المتقرب بالأُمّ وهو السدس مع وحدته ، والثلث مع تعدّده خالية عن المعارض.

مع أنّ هذا القول بل وسابقه أيضاً لو صحا يجريان في اجتماع أحد الزوجين مع الأعمام خاصّة أيضاً ، فيكون للمتقرب بالأُم منهم سدس الباقي خاصّة ، أو ثلثه ، أو سدس الثلثين ، أو ثلثهما ، مع أنّهم لا يقولون بذلك‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٣٢ ، الروضة ٨ : ١٦٠.

(٢) الدروس ٢ : ٣٧٤ ، المسالك ٢ : ٣٣١.

(٣) القواعد ٢ : ١٧٥ ، التحرير ٢ : ١٦٦ ، الدروس ٢ : ٣٧٣ ، المسالك ٢ : ٣٣٢.

(٤) القواعد ٢ : ١٧٥ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٢٣١.

٣٦١

ثمّة.

واعلم أنّ هذه المرتبة مشتملة على طبقات متعدّدة مترتّبة ، فالأُولى : أعمام الميت ، وعمّاته ، وأخواله ، وخالاته ، ثم أولادهم مع عدمهم ، ثم أولاد الأولاد ، وهكذا مرتّبين.

والثانية : أعمام أب الميت وأُمّه ، وعمّاتهما ، وأخوالهما ، وخالاتهما ، ثم أولادهم فنازلاً مرتّبين ، كما في سابقتها.

والثالثة : أعمام الجدّ والجدّة ، وعمّاتهما ، وأخوالهما ، وخالاتهما ، ثم أولادهم فنازلاً مرتّبين.

والرابعة : أعمام أب الجدّ وأُمّه ، وأب الجدّة وأُمّها ، وعمّات كل منهم ، وأخوال كل منهم ، وخالاتهم ، ثم أولادهم وإن نزلوا مرتّبين.

( و ) على هذا ، فإذا انتقل فرض الميت إلى الطبقة الثانية من طبقات الفريقين فـ ( لو اجتمع عمّ الأب ) أب الميت ( وعمّته وخاله وخالته وعمّ الأُمّ ) أُمّ الميت ( وعمّتها وخالها وخالتها ) ورثوا جميعاً ؛ لاستوائهم في الطبقة ، و ( كان لمن يتقرب ) منهم ( بالأُمّ ) من العمّ والعمّة والخال والخالة ( الثلث بينهم ) بالسوية ( أرباعاً ، ولمن يتقرب ) منهم بالأب ( الثلثان ) الباقيان ( ثلثاه لعمّه وعمّته ) بينهما ( أثلاثاً ) للذّكر مثل حظّ الأُنثيين ( وثلثه ) الباقي ( لخاله وخالته ) بينهما نصفين ( بالسوية ) هذا ( على قول ) مشهور.

وقيل (١) : بل يجعل لخال الامّ وخالتها ثلث الثلث بالسوية ، ولعمّها‌

__________________

(١) حكاه عن المحقق الطوسي في الإيضاح ٤ : ٢٣٠.

٣٦٢

وعمّتها ثلثاه كذلك ، وأمّا الأعمام فكالمشهور.

واحتمل بعضهم (١) أن يكون للخؤولة الأربعة من الطرفين الثلث بينهم بالسوية ، وفريضة الأعمام الثلثان ، ثلثهما لعمّ الامّ وعمّتها بالسوية أيضاً ؛ لتقربهما بالأُمّ ، وثلثاهما لعمّ الأب وعمته أثلاثاً ، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

والمسألة خالية من النصوص ، فسلوك جادّة الاحتياط فيها بصُلح ونحوه مطلوب مع الإمكان ، وإلاّ فلا محيص عن المشهور.

وتصح المسألة عليه من مائة وثمانية ، كمسألة الأجداد الثمانية ، إلاّ أنّ الطريق هنا أنّ سهام أقرباء الأب ثمانية عشر توافق سهام أقرباء الأُمّ الأربعة بالنصف ، فيضرب نصف أحدهما في الآخر ، ثم المجتمع في أصل الفريضة ، وهو ثلاثة ، تبلغ مائة وثمانية ، وكذا على القول الأخير.

وأمّا على القول الثاني فتصح من أربعة وخمسين ؛ لأنّ سهام أقرباء الأُمّ ستّة تداخل سهام أقرباء الأب الثمانية عشر ، فيجتزى بالأكثر ويضرب في الثلاثة أصل الفريضة ، تبلغ ذلك.

وهنا‌ ( مسائل ) ثلاث :

( الأُولى : عمومة الميت وعمّاته وخئولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخئولته ) وعمومة امّه وخئولتها ، وعمومتهما وخئولتهما وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة الجدّ والجدّة وخئولتهما ، وهكذا.

( وكذا أولاد كلّ بطن أقرب أولى من البطن الأبعد ) والأصل فيه‌

__________________

(١) انظر القواعد ٢ : ١٧٦.

٣٦٣

بعد الوفاق الظاهر المحكي في كلام جمع (١) الأولوية المستفادة من آية إرث القرابة (٢) ، والكلّيّة الناطقة بتنزيل كل ذي رحم منزلة الرحم الذي يجرّ به كما في النصوص المتقدّمة (٣).

( و ) منها مضافاً إلى خصوص بعض النصوص : « إذا اجتمع ولد العمّ وولد العمّة ، فلولد العمّ وإن كان أُنثى الثلثان ، ولولد العمّة وإن كان ذكراً الثلث » (٤) يظهر الوجه في أنّه ( يقوم أولاد العمومة والعمّات والخؤولة والخالات ) من كلّ طبقة ( مقام آبائهم ) وأُمّهاتهم في الإرث ( عند عدمهم ، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به ، واحداً كان أو أكثر ) فيأخذ ولد العمّ أو العمّة وإن كان أُنثى الثلثين ، وولد الخال أو الخالة وإن كان ذكراً الثلث ، وابن العمّة مع بنت العمّ الثلث كذلك ، ويتساوى ابن الخال وابن الخالة وبنتهما ، ويأخذ أولاد العمّ أو العمّة للأُمّ السدس إن كان واحداً ، والثلث إن كان أكثر ، والباقي لأولاد العمّ للأبوين أو للأب مع عدمهم.

وكذا القول في أولاد الخؤولة المتفرقين ، ولو اجتمعوا جميعاً فلأولاد الخال الواحد أو الخالة كذلك للُامّ سدس الثلث ، ولأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً أو هما كذلك ثلث الثلث ، وباقيه للمتقرب منهم بالأب.

وكذا القول في أولاد العمومة المتفرقين بالإضافة إلى الثلثين ، وهكذا.

ويقتسم أولاد العمومة من الأبوين أو الأب عند عدمهم بالتفاوت ،

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٣١ ، والسبزواري في الكفاية : ٣٠١ ، انظر المفاتيح ٣ : ٣٠١ ٣٠٢.

(٢) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

(٣) في ص : ٣٤١.

(٤) انظر الفقيه ٤ : ٢١٩ ، والكافي ٧ : ١٢٢.

٣٦٤

للذّكر مثل حظّ الأُنثيين إذا كانوا إخوة مختلفين في الذكورية والأُنوثية ، ويقتسم أولاد العمومة من الأُمّ بالتساوي ، وكذا أولاد الخؤولة مطلقاً ، لأب كانوا أو لُامّ أو لهما.

( الثانية : من اجتمع له سببان ) أي موجبان للإرث ، والمراد بالسبب هنا المعنى الأعمّ من السبب بالمعنى السابق ؛ لشموله النسب ( ورث بهما ) معاً ( ما لم يمنع أحدهما الآخر ) ولم يكن ثمّة من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما.

( فالأوّل ) أي الذي يرث بالسببين اللذين لم يمنع أحدهما الآخر ( كابن عمّ لأب هو ابن خال لأُمّ ) أ ( وزوج هو ابن عمّ ) أ ( وعمّة لأب هي خالة لأُمّ ).

ويتصور الأوّل فيما لو تزوّج أخ الشخص من أبيه بأُخته من امّه ، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين عمّ ؛ لأنّه أخو أبيه من الأب ، وخال ؛ لأنّه أخو امّه من الامّ ، وولده ابن عمّ لأب وابن خال لُامّ ، وكلّ من الولد والوالد يصلح للمثال ، فيرث نصيب الخؤولة والعمومة ، حيث لا مانع له منهما أو من أحدهما ، فلو اجتمع معه عمّ للأبوين حجبه عن الإرث بنصيب العمومة ، وكان له الثلث بنصيب الخؤلة.

ويتصور الثالث في رجل له ابن ، تزوّج بامرأة لها بنت ، ثم ولدت منه بنتا ، وتزوّج ابن الرجل من غير هذه المرأة بنتها من غيره ، فابنته منها عمّة وخالة لمن يتولد من ولديهما اللذين تزوّج أحدهما بالآخر.

( والثاني ) أي الذي أحد السببين فيه يحجب الآخر ، فلا يرث بهما‌

٣٦٥

معاً ، بل بأحدهما هو ( كابن عمّ هو أخ لأُمّ ).

ويتصور في رجل تزوّج بامرأة أخيه ، ولأخيه منها ولد اسمه حسن ، ثم ولد له منها ولد اسمه حسين ، فحسن ابن عمّ لحسين وأخوه لُامّه ، فإذا توفّي ورثه حسين من جهة كونه أخاً ، لا من جهة كونه ابن عمّ ، لأنّ الأخ حاجب لابن العم.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، ولا في أنّه لا يمنع ذو السبب المتعدّد من هو في طبقته من ذي السبب الواحد من حيث توهّم قوّة السبب بتعدّده ؛ لأنّ مدار الحجب إنّما هو على الاختلاف في القرب والبعد بحسب البطون ، لا على وحدة القرابة وتعدّدها ، فيأخذ ذو القرابتين مع عدم المانع من جهتي استحقاق النصيبين ، ويأخذ ذو القرابة الواحدة من جهتها نصيب واحد.

ولا يعترض بتقديم المتقرب بالأبوين على المتقرب بالأب وحجبه إيّاه ، فإنّ ذلك جارٍ على خلاف الأصل ، ومن ثم شاركه المتقرب بالأُمّ.

( الثالثة : ) لا ريب ولا خلاف في أنّ ( حكم أولاد العمومة و ) أولاد ( الخؤلة مع ) مجامعتهم ( الزوج والزوجة حكم آبائهم ) وأُمّهاتهم في أنّه ( يأخذ من يتقرب بالأُمّ ) منهم نصيبها ، وهو ( ثلث الأصل و ) يأخذ كلّ من ( الزوج ) والزوجة ( نصيبه الأعلى ) منه من النصف أو الربع ( و ) يكون ( ما بقي ) عن أنصبائهم ( لمن يتقرب ) منهم ( بالأب ) ويقتسم كلّ منهم اقتسامهم حال انفرادهم عن الزوجين بنحو ما سبق تفصيله.

٣٦٦

( المقصد الثاني : )

( في ) بيان ( ميراث الأزواج ).

اعلم أنّ الزوجين يدخلان على جميع الطبقات ، ولا يحجبهما حجب حرمان أحد ؛ لعموم الآية (١) ، والمعتبرة المستفيضة (٢) ، بل المتواترة ، وخصوص المعتبرة ، منها القريب من الصحيح : « إنّ الله تعالى أدخل الزوج والزوجة على جميع أهل المواريث ، فلم ينقصهما من الربع والثمن » (٣) والإجماع ، بل الضرورة.

وقد مرّ أنّ ( للزوج مع عدم الولد ) الغير الممنوع من الإرث وإن نزل ( النصف ، وللزوجة ) مع عدمه كذلك ( الربع ، و ) أنّ لكلّ واحد منهما ( مع وجوده وإن نزل نصف النصيب ) من الربع أو الثمن ، ويكون الباقي لباقي الورثة من أرباب الطبقات الثلاث ، كائناً من كانوا ولو معتقين أو ضمناء جريرة.

( ولو لم يكن ) منهم ( وارث سوى الزوج ردّ عليه الفاضل ) من نصيبه الأعلى ، على الأشهر الأقوى ، بل ظاهر العبارة ونحوها والتنقيح (٤) عدم الخلاف فيه ، وفي صريح كلام الشيخين في كتاب الإعلام والإيجاز والاستبصار والسيدين في الغنية والانتصار والحلي في السرائر (٥) الإجماع‌

__________________

(١) النساء : ١٢.

(٢) الوسائل ٢٦ : ١٩٥ أبواب ميراث الأزواج ب ١.

(٣) الكافي ٧ : ٨٢ / ٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٥ أبواب ميراث الأزواج ب ١ ح ٢.

(٤) التنقيح ٤ : ١٨٩.

(٥) الإعلام ( مصنفات الشيخ المفيد ٩ ) : ٥٥ ، الإيجاز ( الرسائل العشر ) : ٢٧١ ، الاستبصار ٤ : ١٤٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الانتصار : ٣٠٠ ، السرائر ٣ : ٢٨٤.

٣٦٧

عليه ، وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الصريحة ، ففي الصحيح : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدعا بالجامعة ، فنظر فيها ، فإذاً فيها : « امرأة ماتت ، وتركت زوجها ، لا وارث لها غيره ، المال له كلّه » (١).

وفيه : امرأة توفّيت ، ولم يعلم لها أحد ، ولها زوج ، قال : « الميراث لزوجها » (٢).

وفي الموثق : امرأة تركت زوجها ، قال : « المال كلّه له إذا لم يكن لها وارث غيره » (٣).

وفيه : قرأ عليَّ أبو عبد الله عليه‌السلام فرائض علي عليه‌السلام ، فإذاً فيها : « الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره » (٤) ونحوها غيرها (٥).

خلافاً للمحكي عن ظاهر الديلمي (٦) ، فلا يردّ عليه ، بل هو للإمام عليه‌السلام ؛ لظاهر الآية ، المؤيّد بالأصل ؛ لأنّ الردّ إنّما يستفاد من آية اولي الأرحام (٧) ، والرحم منتفٍ عن الزوج من حيث هو زوج.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٢٥ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٩٤ / ١٠٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٤٩ / ٥٦١ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٧ أبواب ميراث الأزواج ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٢٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٩٤ / ١٠٥١ ، الإستبصار ٤ : ١٤٩ / ٥٥٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٧ أبواب ميراث الأزواج ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٩٤ / ١٠٥٠ ، الإستبصار ٤ : ١٤٨ / ٥٥٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٨ أبواب ميراث الأزواج ب ٣ ح ٧.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٩٤ / ١٠٥٢ ، الإستبصار ٤ : ١٤٩ / ٥٦٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٧ أبواب ميراث الأزواج ب ٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٢٦ : ١٩٧ أبواب ميراث الأزواج ب ٣.

(٦) المراسم : ٢٢٢.

(٧) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

٣٦٨

وللموثق : « لا يكون ردّ على زوج ولا زوجة » (١).

وهو شاذّ ، ومستنده ضعيف ؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مر ، وعدم مقاومة الموثق له من وجوه ، مع احتماله الحمل على التقية ، بل حمله عليها بعض الأجلّة ، قال : لموافقتها لمذاهب العامة (٢). وبكون ذلك مذهبهم كافّة صرّح في الانتصار (٣) ، فلا ريب في المسألة بحمد الله سبحانه.

( وفي ) ردّ الفاضل عن نصيب ( الزوجة ) عليها إذا لم يكن بعد الإمام عليه‌السلام وارث سواها ( قولان ) بل أقوال :

( أحدهما : ) أنّه لا ردّ عليها ، بل ( لها الربع ) خاصّة ( والباقي للإمام ) عليه‌السلام مطلقاً ؛ للأصل المتقدّم إليه الإشارة ، والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : كتب محمّد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : مولى لك أوصى إليّ بمائة درهم ، وكنت أسمعه يقول : كلّ شي‌ء لي فهو لمولاي ، فمات وتركها ، ولم يأمر فيها بشي‌ء وله امرأتان إلى أن قال ـ : فكتب عليه‌السلام : « انظر أن تدفع هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل ، وحقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد ، وإن لم يكن له ولد فالربع ، وتصدّق بالباقي على من تعرف أنّ له إليه حاجة إن شاء الله » (٤).

ولا قصور فيه بالمكاتبة كما قرّر في محلّه ، ولا في الدلالة من حيث‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٩٦ / ١٠٦١ ، الإستبصار ٤ : ١٤٩ / ٥٦٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٩ أبواب ميراث الأزواج ب ٣ ح ٨.

(٢) المفاتيح ٣ : ٣٠٤.

(٣) الانتصار : ٣٠٠.

(٤) الكافي ٧ : ١٢٦ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٩٦ / ١٠٥٩ ، الإستبصار ٤ : ١٥ / ٥٦٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠١ أبواب ميراث الأزواج ب ٤ ح ١.

٣٦٩

توهّم كون المائة له عليه‌السلام بالإقرار لا بالإرث ؛ لأنّ كون السهم المذكور حقّا للزوجتين على التفصيل الذي يقتضيه الإرث يدل دلالة ظاهرة على أنّه بطريق الإرث.

مع أنّ الإقرار يختلف حاله في الصحة والمرض ، فيقبل في الأوّل مطلقاً ، وفي الثاني في بعض الصور كذلك ، وفي الباقي يمضى عليه من الثلث لا مطلقاً ، فترك الاستفصال عن أحوال المقرّ وصور إقراره والجواب بالتصدّق بعد إخراج الربع بقول مطلق كالصريح في أنّ ذلك بالإرث.

واحتمال علمه عليه‌السلام بحقيقة حال المقرّ وإقراره بحيث يناسب كونه بالإقرار غير مذكور في الخبر فيدفع بالأصل.

ومنها الموثقات ، في أحدها : قرأ عليَّ أبو جعفر عليه‌السلام في الفرائض : « امرأة توفّيت ، وتركت زوجها ، قال : المال للزوج ، ورجل توفّي ، وترك امرأته ، قال : للمرأة الربع ، وما بقي فللإمام عليه‌السلام » (١).

وفي الثاني : توفّي رجل وترك امرأته ، قال : « للمرأة الربع ، وما بقي فللإمام عليه‌السلام » (٢).

وفي الثالث : « أعط المرأة الربع ، واحمل الباقي إلينا » (٣) ونحوها غيرها (٤).

وأكثر هذه الأخبار وإن كان يتوهّم منها الاختصاص بحال حضور الإمام عليه‌السلام من حيث وقوع التعبير فيها عن الموت في الأسئلة بلفظ الماضي‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٢٦ / ٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٢ أبواب ميراث الأزواج ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٢٦ / ٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٢ أبواب ميراث الأزواج ب ٤ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ١٢٦ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٩٥ / ١٠٥٨ ، الإستبصار ٤ : ١٥٠ / ٥٦٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٢ أبواب ميراث الأزواج ب ٤ ح ٢.

(٤) الوسائل ٢٦ : ٢٠١ أبواب ميراث الأزواج ب ٤.

٣٧٠

الظاهر في وقوعه حال السؤال المصاحب لحضور الإمام عليه‌السلام ، لكن الموثقة الأُولى ظاهرة في العموم لحالتي الحضور والغيبة ؛ لحكايتها الحكم المذكور عن صحيفة الفرائض التي تضمّنت الأحكام على سبيل القاعدة والكلّيّة ، هذا.

مع أنّ الظاهر من الأسئلة وإن تضمّنت لفظ الماضي السؤال عن الحكم بعنوان الكلّيّة في الرجل المتوفّى المخلّف للزوجة خاصّة ، من دون قصد إلى صورة خاصّة تضمّنتها الأسئلة ، بل ربما لم تكن واقعة حينها.

وربما يومئ إلى ظهور ما ذكرنا فهم الأصحاب أوّلاً ، حيث استدلوا بهذه الأخبار لعدم الردّ مطلقاً.

وثانياً : قولهم عليه‌السلام في أكثرها بعد الأمر بإعطاء الربع : « والباقي للإمام عليه‌السلام » ولو كان موردها صورة الحضور خاصّة لكان المناسب أن يقولوا : والباقي يبعث إليّ ، أو : هو لي ، أو ما شاكل ذلك كما وقع التعبير به في الموثق الثالث ، فالعدول عنه إلى قول : إنّ الباقي للإمام ، بقول مطلق ظاهر في العموم.

وثالثاً : وقوع التعبير بلفظ الماضي في مواضع لا يختص الحكم فيها بحال الحضور قطعاً ، مثل ما ورد في صحيفة الفرائض وغيرها.

( و ) القول ( الآخر : ) إنّه ( يردّ عليها الفاضل ) مطلقاً ( كالزوج ) للمعتبرين (١) ، أحدهما الصحيح : « رجل مات ، وترك امرأته ، قال : « المال‌

__________________

(١) أحدهما في : الفقيه ٤ : ١٩٢ / ٦٦٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٣ أبواب ميراث الأزواج ب ٤ ح ٦.

والآخر في : التهذيب ٩ : ٢٩٥ / ١٠٥٦ ، الإستبصار ٤ : ١٥٠ / ٥٦٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٤ أبواب ميراث الأزواج ب ٤ ح ٩.

٣٧١

لها » فقال : امرأة ماتت ، وتركت زوجها ، قال : « المال له ».

وهذا القول شاذّ ، مخالف للأصل ، والنصوص المستفيضة المتقدّمة التي لا يعارضها المعتبران من وجوه عديدة ، ومع ذلك القائل به غير معروف ، عدا المفيد فيما يحكى عن ظاهره في المقنعة (١) في عبارة محتملة لكون ذلك حكم الزوج خاصّة ، ومع ذلك ذكر الحلّي (٢) أنّه رجع عنه في كتاب الإعلام.

وكيف كان فالمصير إلى هذا القول ضعيف غايته ، وإن صحّ مستنده ؛ لمعارضته بأجود منه ممّا مرّ ، فليحمل على ما يأتي ، أو على ما إذا كانت الزوجة قريبة للزوج ، فترث الباقي بالقرابة ، كما ذكره الشيخ في الكتابين (٣) ، مستشهداً عليه بالصحيح : عن رجل مات ، وترك امرأة قرابة ، ليس له قرابة غيرها؟ قال : « يدفع المال كله إليها » (٤).

وفيه نظر ، ومع ذلك فهو أظهر من الجمع الذي سيذكر.

( وقال ثالث ) وهو الصدوق (٥) : ( بالردّ ) عليها ( مع عدم ) ظهور ( الإمام ) عليه‌السلام وغيبته ، وبعدمه مع حضوره ، وتبعه جماعة من المتأخّرين (٦) ؛ جمعاً بين الأخبار بحمل ما دل منها على الردّ على حال‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٩١.

(٢) السرائر ٣ : ٢٤٤.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٩٥ ، الاستبصار ٤ : ١٥١.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٩٥ / ١٠٥٧ ، الإستبصار ٤ : ١٥١ / ٥٦٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٥ أبواب ميراث الأزواج ب ٥ ح ١.

(٥) الفقيه ٤ : ١٩٢.

(٦) منهم ابن سعيد في الجامع : ٥٠٢ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٦٨ ، والإرشاد ٢ : ١٢٥ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ٨١.

٣٧٢

الغيبة ، وما دل منها على عدمه على حال الحضور.

ولا شاهد عليه أصلاً ، ولا موجب له جدّاً ، سوى الحذر عن إهمال الحديث الصحيح لو لم يرتكب هذا الجمع ، ولا وجه له بعد إمكان الجمع بغيره ممّا مرّ ، بل جعله الشيخ أولى في التهذيب (١).

ومنه يظهر ما في نسبة هذا القول إليه فيه (٢) ، بل ولو لم يجعله أولى كما في الاستبصار (٣) لم تمكن النسبة أيضاً ؛ لترديد الجمع بين الاحتمالين ، مع عدم تصريحه بترجيح الجمع الذي يوافق هذا القول ، مع أنّ احتمالاته في مقام الجمع في الكتابين وإن لم يقع فيها ترديد لم يمكن نسبة القول بها إليه فيهما ، كما مضى التنبيه عليه مراراً ، هذا.

وربما يضعّف هذا الجمع بأنّ تخصيص ما دل على الردّ بحال الغيبة بعيد جدّاً ؛ لأنّ السؤال فيه للباقر عليه‌السلام وقع من رجل مات بصيغة الماضي ، وأمرهم عليهم‌السلام حينئذٍ ظاهر ، والدفع إليهم ممكن ، فحمله على حال الغيبة المتأخرة عن زمن السؤال عن ميت بالفعل بأزيد من مائة وخمسين سنة أبعد كما قال ابن إدريس (٤) ممّا بين المشرق والمغرب.

وفيه نظر ، يظهر وجهه أوّلاً مما مرّ.

وثانياً : أنّه على تقدير تسليمه إنّما يجري في الصحيح الذي مرّ حيث وقع التعبير فيه بلفظ الماضي ، وليس يجري في المعتبر الآخر القريب منه سنداً بابن أبي عمير عن أبان بن عثمان ؛ لوقوع التعبير فيه بلفظ المضارع‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٩٥.

(٢) نسبه إليه في المسالك ٢ : ٣١٧.

(٣) الإستبصار ٤ : ١٥٠ ، ١٥١.

(٤) السرائر ٣ : ٢٤٣.

٣٧٣

المحتملة لحصول المبدأ في حال الغيبة ، ولم يستفصل عنه وعن حصوله في حال الحضور ، فيعمّ الجواب بالردّ عليها لهما ، وأوّل من جمع بهذا الجمع هو الصدوق في الفقيه ، وهو لم يرد فيه إلاّ هذا الخبر ، دون الصحيح الذي مرّ ، وبمقتضى ما ذكره المضعّف لهذا الجمع من مراعاة مدلول صيغتي الماضي والمضارع يقوّى هذا الجمع ، ويتوجّه من الصدوق ، حيث إنّه ذكر ممّا دل على عدم الردّ ما وقع التعبير فيه بلفظ الماضي ، وما دل على الردّ بلفظ المضارع.

نعم لا يتوجه من الشيخ الذي هو مورد اعتراض الحلي ؛ حيث اقتصر على ذكر الصحيح المتقدم.

وبالجملة الأجود في ردّ هذا الجمع ما قدمناه من عدم شاهد عليه ، والترجيح لجانب ما دل على عدم الردّ ؛ لموافقته الأصل ، والعمومات ، والتعدّد بحدّ الاستفاضة ، وغير ذلك ممّا سيأتي إليه الإشارة.

( و ) ممّا ذكرنا ظهر أنّ ( الأوّل ) من هذه الأقوال ( أظهر ) مع أنّه أشهر ، كما في عبائر جمع (١) ، بل يستفاد من الانتصار عدم الخلاف فيه ، فإنّه قال : وأمّا الزوجة فقد وردت رواية شاذّة بأنّها ترث المال كله إذا انفردت كالزوج ، ولكن لا معول عليها ، ولا تعمل الطائفة بها (٢). وقريب منه كلام الحلي ، حيث قال مشيراً إلى المختار : إنّه لا خلاف فيه [ من (٣) ] محصّل متأمّل ، إلاّ رواية شاذّة لا يلتفت إليها (٤).

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ١٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٣٠٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣٠٤.

(٢) الانتصار : ٣٠١.

(٣) في النسخ : بين ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) السرائر ٣ : ٢٤٢.

٣٧٤

وهذه الأُمور من الشهرة المحكية ، بل المحققة ، والعبارات المعربة عن عدم الخلاف بين الطائفة معاضدات أُخر قويّة للأدلّة المتقدمة ، فلا ريب أيضاً في هذه المسألة بحمد الله سبحانه.

( وإذا كنّ ) أي الزوجات ، وإنّما جمع الضمير نظراً إلى معنى الخبر ، وهو ( أكثر من واحدة فهنّ مشتركات في الربع ) مع عدم الولد ( أو الثمن ) معه اتفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، ومنه الصحيح المتقدم في البحث السابق (١) ، ونحوه الصحيح الآتي في المسألة الاولى من المسألتين (٢).

والخبر المنجبر قصوره بالعمل : « لا يزاد الزوج على النصف ، ولا ينقص من الربع ، ولا تزاد المرأة على الربع ، ولا تنقص من الثمن ، وإن كنّ أربعاً أو دون ذلك فهنّ فيه سواء » إلى أن قال الفضل الراوي له : وهذا حديث صحيح على موافقة الكتاب (٣).

وذكر الأربع فيه وارد على الغالب والمقرر بحسب أصل الشرع ، وإلاّ فلو فرض زيادتهنّ عليه اقتسمن أحد النصيبين بينهنّ أيضاً بالسوية ، بلا خلاف ، وبه صرّح الحلي (٤) ، كما تقدمت إليه الإشارة ، وربما اقتضته إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة.

( و ) اعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب أنّ مجرّد العقد مع عدم الدخول كافٍ في ثبوت التوارث بين الزوجين ، فـ ( ترث الزوجة ) زوجها ( وإن لم يدخل بها الزوج ، وكذا الزوج ) يرثها وإن لم يدخل بها.

__________________

(١) راجع ص : ٣٦٥.

(٢) يأتي في ص : ٣٨٥.

(٣) الفقيه ٤ : ١٨٨ / ٦٥٧ ، التهذيب ٩ : ٢٤٩ / ٩٦٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٩٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٢ ح ١.

(٤) السرائر ٣ : ٢٣٠.

٣٧٥

والأصل فيه بعد الإجماع ، وعموم الكتاب والسنّة خصوص النصوص المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة ، منها : في امرأة توفّيت قبل أن يدخل بها ، قال : « فلها نصف المهر ، وهو يرثها » وفي رجل توفّي قبل أن يدخل بامرأته ، قال : « إن كان فرض لها مهراً فلها نصفه ، وهي ترثه » (١).

ومنها : في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : « لها نصف المهر ، ولها الميراث كاملاً » (٢) إلى غير ذلك من النصوص المتقدمة في كتاب النكاح في بحث المهور.

ويستثنى منه عند الأصحاب ما لو تزوّج المريض ومات في مرضه قبل الدخول بها ، فإنّها لا ترثه ، كما يأتي.

( و ) (٣) يتوارثان ما دامت المرأة في حبال الزوج ولو بعد الطلاق إذا كانت ( في العدّة الرجعية خاصّة ) دون البائنة ، فلا توارث بينهما فيها ، ولا بعد العدّة مطلقاً ، إجماعاً في المقامين ، وللنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة فيهما ، تقدم في باب كراهة طلاق المريض إلى جملة منها الإشارة.

نعم يستثني عند الأصحاب من عدم التوارث في العدّة البائنة صورة واحدة ، أشار إليها بقوله : ( لكن لو طلّقها ) حال كونه ( مريضاً ورثت ) منه هي خاصّة ( وإن كان ) الطلاق ( بائناً ما لم تخرج السنة ) من ابتداء الطلاق‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١١٩ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٤٧ / ٥١٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٨ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٨.

(٢) الكافي ٦ : ١١٨ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٤٩٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢٠٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨ ح ١.

(٣) في المطبوع من المختصر (٢٧١) زيادة : كذا.

٣٧٦

إلى حين موت الزوج ( ولم يبرأ ) الزوج من مرضه الذي طلّقها فيه ( ولم تتزوّج ) هي ، وقد مضى الكلام مستوفى في كتاب الطلاق في الباب المتقدم إليه الإشارة ، في هذه المسألة.

( و ) في أنّه ( لا ترث ) المطلّقة بالطلاق ( البائن إلاّ هنا ) أي في هذه الصورة المستثناة.

( ويرث الزوج من جميع ما تركته المرأة ) التي توفّيت وهي في حبالته مطلقاً ، ذا ولد كان منها أم لا ، بإجماع المسلمين كافّة كما في الإيضاح والتنقيح (١) ؛ للعمومات من الكتاب والسنة ، مع اختصاص الأدلّة المخصّصة لها من النصوص المستفيضة ، بل المتواترة ، والإجماعات المنقول حدّ الاستفاضة بالزوجة ؛ مضافاً إلى خصوص بعض النصوص الآتية.

( وكذا المرأة ) ترث الزوج من جميع ما تركه ( عدا العقار ) فلا ترث منه عيناً ، إجماعاً ، وخلاف الإسكافي (٢) بإرثها منه أيضاً شاذّ ، مسبوق بالإجماع وملحوق به ، كما في نكت الإرشاد وشرح الشرائع للصيمري وغيرهما (٣) ، وفي صريح الانتصار والسرائر والمسالك وغيرها من كتب الجماعة وظاهر الغنية (٤) أنّ الحكم بذلك من متفرّدات الإمامية.

وأمّا الصحيح : عن الرجل ، هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً ، أو يكون ذلك بمنزلة المرأة؟ فقال : « يرثها ، وترثه من كل شي‌ء‌

__________________

(١) الإيضاح ٤ : ٢٤٠ ، التنقيح ٤ : ١٩٠.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٣٦.

(٣) غاية المراد ٣ : ٥٨٣ ، غاية المرام ٤ : ١٨٣ ، المهذب البارع ٤ : ٣٩٩.

(٤) الانتصار : ٣٠١ ، السرائر ٣ : ٢٥٨ ، المسالك ٢ : ٣٣٣ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧ ، والكفاية : ٣٠٢.

٣٧٧

ترك ، وتركت » (١).

فحمله على التقية متعيّن ؛ لموافقته العامّة ، كما صرّح به جماعة (٢) ، ويظهر من جملة من الروايات الآتية ، وهو أولى من تخصيص العموم في جانب الزوجة بما عدا الأراضي ؛ لمنافاته لسياق الرواية ، وكذا من تخصيص الزوجة بذات الولد من الزوج ؛ لعدم الشاهد عليه من إجماع أو رواية معتبرة ، وإن اشتهر بين المتأخّرين كما سيأتي إليه الإشارة.

ولا قيمةً أيضاً ، على الأشهر الأقوى ، خلافاً للمرتضى (٣). وهو ضعيف جدّاً ، كما سيأتي بيانه مفصّلاً إن شاء الله تعالى.

وبالجملة لا شبهة في أنّها لا ترث من العقار شيئاً.

( وترث من قيمة الآلات ) أي آلات البناء من الأخشاب والأبواب ( والأبنية ) من الأحجار والطوب (٤) وغيرها ، دون عينها ، بلا خلاف فيهما ممّن عدا الإسكافي (٥).

وخلافه في إرثها من عينها أيضاً كخلافه السابق شاذّ ، لا يلتفت إليه ؛ لاستفاضة النصوص قبل الإجماع بل تواترها على ردّه في المقامين ، ففي الصحيح : « لا يرثن النساء من العقار شيئاً ، ولهنّ قيمة البناء والشجر والنخل » يعني بالبناء : الدور ، وإنّما عنى من النساء : الزوجة (٦).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٥٢ / ٨١٢ ، التهذيب ٩ : ٣٠٠ / ١٠٧٥ ، الإستبصار ٤ : ١٥٤ / ٥٨١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٢ أبواب ميراث الأزواج ب ٧ ح ١.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٤ : ٢٤٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣٢٩ ، والمجلسيان في روضة المتقين ١١ : ٤١١ ، وملاذ الأخيار ١٥ : ٢٨٢.

(٣) الانتصار : ٣٠١.

(٤) الطوب : الآجر. المصباح المنير : ٣٨٠ ، مجمع البحرين ٢ : ١١١.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٧٣٦.

(٦) الفقيه ٤ : ٢٥٢ / ٨٠٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١١ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ١٦.

٣٧٨

وفيه : « لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ، ولكن يقوّم البناء والطوب ، وتعطى ثُمنها أو ربعها » (١).

وفي الخبر : « لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً » (٢).

وفي آخر : « المرأة ترث الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً » (٣) الحديث.

والمراد بإرثها من الطوب إرثها من قيمته لا من عينه ، كما في الأخبار المفصّلة ، منها زيادة على ما مرّ الخبر : « إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا يتزوّجن فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم » (٤).

وفي آخر : « إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً ، ولكن لهنّ قيمة الطوب والخشب » قال : قلت : إنّ الناس لا يأخذون بهذا ، فقال : « إذا ولينا ضربناهم بالسوط ، فإن انتهوا ، وإلاّ ضربناهم بالسيف » (٥).

وفي ثالث : « ليس للنساء من الدور والعقار شي‌ء » (٦) إلى غير ذلك من النصوص الآتية.

واعلم أنّه قد اختلف الأصحاب فيما يحرم منه الزوجة ، فمنهم من اقتصر على ما في العبارة من العقار خاصّة ، كالمفيد والحلي (٧) ؛ اقتصاراً في‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٢٩ / ٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٨ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ٧.

(٢) الكافي ٧ : ١٢٨ / ٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٨ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ٦.

(٣) الكافي ٧ : ١٢٨ / ٥ ، قرب الاسناد : ٥٦ / ١٨٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٦ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ١٢٩ / ٧ ، التهذيب ٩ : ٢٩٨ / ١٠٦٨ ، الإستبصار ٤ : ١٥٢ / ٥٧٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٩ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ٩.

(٥) الكافي ٧ : ١٢٩ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ٢٩٩ / ١٠٦٩ ، الإستبصار ٤ : ١٥٢ / ٥٧٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٠ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ١١.

(٦) الكافي ٧ : ١٢٩ / ٩ ، التهذيب ٩ : ٢٩٩ / ١٠٧٠ ، الإستبصار ٤ : ١٥٢ / ٥٧٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٩ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ١٠.

(٧) المقنعة : ٦٨٧ ، السرائر ٣ : ٢٥٨.

٣٧٩

تخصيص العمومات القطعية على القدر المتيقن المجمع عليه المصرّح به في النصوص المذكورة.

( ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرى ) وغيرها ، وبالجملة نفس الأرض مطلقاً ، سواء كانت بياضاً أم مشغولة بزرع وشجر وبناء وغيرها ، كالنهاية والقاضي والحلبي وابن حمزة (١) ، بل ادّعى عليه الشهرة جماعة ، كالفاضل في التحرير والقواعد وولده في الشرح والشهيدين في النكت والمسالك والمفلح الصيمري في شرح الشرائع والمقدس الأردبيلي رحمه‌الله وصاحبي المفاتيح والكفاية (٢) ، وبالجملة أكثر من وقفت على كلماتهم في المسألة ، ومع ذلك اختاروه إلاّ نادراً منهم ، وهو أيضاً مذهب الماتن في الشرائع والفاضل في المختلف والإرشاد والشهيد في الدروس واللمعة (٣) ، وفي الخلاف الإجماع عليه (٤).

وهو الأظهر ؛ للنصوص المستفيضة المصرّحة بذلك ، ففي الصحيح : « إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض ، إلاّ أن يقوّم الطوب والخشب قيمة ، فتعطى ربعها أو ثُمنها » (٥).

__________________

(١) النهاية : ٦٤٢ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٤٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٩١.

(٢) التحرير ٢ : ١٦٨ ، القواعد ٢ : ١٧٨ ، الإيضاح ٤ : ٢٤٠ ، غاية المراد ٣ : ٥٨٧ ، والمسالك ٢ : ٣٣٣ ، غاية المرام ٤ : ١٨٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٤٥٠ ، المفاتيح ٣ : ٣٢٩ ، الكفاية : ٣٠٢.

(٣) الشرائع ٤ : ٣٤ ، المختلف : ٧٣٦ ، الإرشاد ٢ : ١٢٥ ، الدروس ٢ : ٣٥٨ ، اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ١٧٢.

(٤) الخلاف ٤ : ١١٦.

(٥) الكافي ٧ : ١٢٨ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٩٧ / ١٠٦٤ ، الإستبصار ٤ : ١٥١ / ٥٧٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠٧ أبواب ميراث الأزواج ب ٦ ح ٥.

٣٨٠