رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

الغير الذكور أيضاً ، وإن اقتضى أفعل التفضيل فيما مرّ من النص وجود مشارك له في أصل الفعل ، فيشكل مع الاتحاد ، لكن الاتفاق المعتضد ببعض المعتبرة المتقدّمة المصرّح بأنّه لابنه ، وأنّه إن كانوا أكثر فهو لأكبرهم يدفعه.

وفي اشتراط بلوغه قولان ، من إطلاق النصوص المتقدّمة ( و ) من أنّه يجب عليه أن ( يقضي عنه ما ترك من صلاة وصيام ) في مقابلة الحبوة ، ولا يكلّف به إلاّ البالغ.

والأصح الأوّل ؛ لمنع كون القضاء في مقابلتها ، وإن اشترطه في ثبوتها بعض أصحابنا ، كابن حمزة (١) ؛ لعدم الملازمة بينهما ، مع خلوّ نصوص الجانبين عن بيانها.

( وشرط بعض الأصحاب ) في ثبوتها ( أن لا يكون ) المحبوّ ( سفيهاً ، ولا فاسد الرأي ) أي مخالفاً في المذهب ، ذكر ذلك الحلي وابن حمزة (٢).

وحجتهما عليه غير واضحة ، مع كون النصوص مطلقة ، فالأصح عدم الاشتراط ، وإن نسبه في الشرائع إلى قول مشهور (٣).

قيل : ويمكن اعتبار الثاني من حيث إنّ المخالف لا يرى استحقاقها ، فيجوز إلزامه بمذهبه ، كما جاء في منعه عن الإرث أو بعضه ، حيث يقول به إدانة له بمعتقده (٤) ، انتهى.

__________________

(١) الوسيلة : ٣٨٧.

(٢) السرائر ٣ : ٢٥٨ ، الوسيلة : ٣٨٧.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٥.

(٤) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٦.

٣٠١

وهو حسن ، إلاّ أنّه ليس من باب الشرطية ، فتدبّر ، ولذا لم يشترط أحد في إبطال العول والعصبة عدم فساد الرأي ، وإنّما حكموا به مطلقاً ، مع تصريحهم كجملة من الأخبار بجواز إدانة المخالف بمعتقده فيهما.

واشترط جماعة من الأصحاب في ثبوتها خلوّ الميت عن دين مستغرق للتركة (١).

وفيه بل في اشتراط خلوّه عن مطلق الدين إشكال ، وفاقاً لشيخنا في الروضة (٢) : من انتفاء الإرث على تقدير الاستغراق ، وتوزيع الدين على جميع التركة ؛ لعدم الترجيح ، فيخصّها منه شي‌ء وتبطل بنسبته.

ومن إطلاق النص ، والقول بانتقال التركة إلى الوارث وإن لزم المحبوّ ما قابلها من الدين إن أراد فكّها.

ويلزم على المنع من مقابل الدين إن لم يفكّه المنع من مقابل الوصية النافذة إذا لم تكن بعين مخصوصة خارجة عنها ، ومن مقابل الكفن الواجب وما في معناه ؛ لعين ما ذكر ، ويُبَعَّد ذلك بإطلاق النص والفتوى بثبوتها ، مع عدم انفكاك الميت عن ذلك غالباً ، وعن الكفن حتماً.

والموافق للأُصول الشرعية البطلان في مقابلة ذلك كلّه إن لم يفكّ المحبوّ بما يخصّه ؛ لأنّ الحبوة نوع من الإرث واختصاص فيه ، والدين والوصية والكفن ونحوها تخرج من جميع التركة ، ونسبة الورثة إليه على السواء.

نعم لو كانت الوصية بعين من أعيان التركة خارجة عن الحبوة‌

__________________

(١) منهم الشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٢٦٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٩٧.

(٢) الروضة ٨ : ١١٤.

٣٠٢

فلا منع ، كما لو كانت تلك العين معدومة.

ولو كانت الوصية ببعض الحبوة اعتبرت من الثلث ، كغيرها من ضروب الإرث ، إلاّ أنّها تتوقف على إجازة المحبوّ خاصّة.

ويفهم من الدروس (١) أنّ الدين غير المستغرق غير مانع ؛ لتخصيصه المنع بالمستغرق ، واستقرب ثبوتها حينئذٍ لو قضى الورثة الدين من غير التركة ؛ لثبوت الإرث حينئذٍ ، ويلزم مثله في غير المستغرق بطريق أولى.

وكذا الحكم لو تبرّع متبرّع بقضاء الدين ، أو أبرأه المدين.

مع احتمال انتفائها حينئذٍ مطلقاً ؛ لبطلانها حين الوفاة بسبب الدين.

وفيه : أنّه بطلان مراعى ، لا مطلقاً.

( الثالثة : لا يرث مع الأبوين ولا مع الأولاد ) وإن نزلوا ( جدّ ) مطلقاً ( ولا جدّة ) كذلك ( ولا أحد من ذوي القرابة ) (٢) بلا خلاف أجده إلاّ من الصدوق (٣) ، حيث شرك الجدّ من الأب معه ، والجدّ من الامّ معها ، وشرك الجدّ مطلقاً مع أولاد الأولاد.

ومن الإسكافي (٤) ، حيث شرك الجدّين والجدّتين مع البنت والأبوين.

وهما شاذّان ، بل على خلافهما الآن انعقد الإجماع ، وبه صرّح السيّد في الناصريات (٥) في الردّ على الأوّل في تشريكه الجدّ مع ولد الولد ، والفاضل المقداد في التنقيح (٦) في الردّ على الثاني ، وهو الحجة.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٦٣.

(٢) في « ر » زيادة : كالأعمام والأخوال والخالة والعمّة.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٠٨.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٥١.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢١.

(٦) التنقيح ٤ : ١٧٠.

٣٠٣

مضافاً إلى الأدلّة من الكتاب والسنّة ، الدالّة على منع الأقرب الأبعد ، وعلى فريضة الأبوين مع الولد ، ولا معه ؛ لظهورها في انقسام التركة بينهما وبينه خاصّة على التقدير الأوّل ، وبينهما خاصّة على التقدير الثاني مطلقاً ، من دون تقييد في شي‌ء منها بما إذا لم يكن هناك جدّ ؛ إذ لا إشارة إليه أصلاً ، والمراد بالأبوين فيها هو الأب والأمّ بغير واسطة ، بغير خلاف ، حتى من الصدوق والإسكافي ؛ لأنّ السدس والثلثين مثلاً ليسا للأب والأجداد ، وكذا السدس والثلث ليسا للُامّ والجدّات (١) وجوباً ، بل ولا استحباباً في كثير (٢) من الأفراد.

مع أنّ النصوص الآتية (٣) في الطعمة الدالّة على أنّ الله تعالى لم يفرض للجدّ شيئاً ، وإنّما جعل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهماً فأجاز الله تعالى ذلك له دالّة عليه.

ومن هنا ينقدح وجه الاستدلال على ردّهما بالصحاح الدالّة على أنّه لا يجتمع مع الأبوين والولد غير الزوج والزوجة (٤).

مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على أنّ الأجداد والجدّات في مرتبة الإخوة ، لا يرثون إلاّ حيث يرثون (٥) ، ولا ريب ولا خلاف أنّ الإخوة لا يرثون مع الأبوين ، ولا مع الأولاد وإن نزلوا شيئاً ، فليكن الأجداد كذلك.

مع أنّ خصوص المعتبرة بذلك ناطقة ، ففي الصحيح : امرأة ماتت ، وتركت زوجها ، وأبويها ، وجدّها ، أو جدّتها ، كيف يقسم ميراثها؟

__________________

(١) في « ح » و « ر » زيادة : لا.

(٢) في « ب » : بعض.

(٣) في ص : ٣٠٥ ، ٣٠٣.

(٤) الوسائل ٢٦ : ١٠٣ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٥.

(٥) الوسائل ٢٦ : ١٦٤ أبواب ميراث الاخوة والأجداد ب ٦.

٣٠٤

فوقّع عليه‌السلام : « للزوج النصف ، وما بقي للأبوين » (١).

وفي القريب منه : عن امرأة مملّكة ، لم يدخل بها زوجها ، ماتت وتركت أُمّها ، وأخوين لها من أبيها وأُمّها ، وجدّها أبا أُمّها ، وزوجها؟ قال : « يعطى الزوج النصف ، ويعطى الأُمّ الباقي ، ولا يعطى الجدّ شيئاً ؛ لأنّ ابنته حجبته عن الميراث ، ولا يعطى الإخوة شيئاً » (٢).

وفي آخر مثله : عن رجل مات ، وترك أباه وعمّه وجدّه؟ قال : فقال : « حجب الأب الجدّ الميراث ، وليس للعمّ ولا للجدّ شي‌ء » (٣).

وبالجملة لا ريب في المسألة ، سيّما مع عدم وضوح حجّة على قولي الصدوق والإسكافي ولا أمارة ، عدا ما يستدل للثاني أوّلاً : بمشاركة الأجداد للأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عيّن لهم ، وهي الأُبوة. وثانياً : ببعض أخبار الطعمة الآتية.

والمناقشة فيهما واضحة ، أمّا الأوّل : فبعد ما عرفته ؛ مضافاً إلى منع المشاركة في التسمية عرفاً ولغةً ؛ لأنّ الجدّ لا يدخل في اسم الأب حقيقة ، بدليل صحّة السلب ، بل مجازاً ، وكذا الجدّة بالنسبة إلى الأُمّ.

وأمّا الثاني : فلأنّ ذلك محمول على إعطاء الجدّ والجدّة طعمة ، كما سيأتي التصريح به في الأخبار ؛ مضافاً إلى ما مرّ من صريح الآثار المعتضدة بعمل كافّة الأصحاب.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣١٠ / ١١١٣ ، الإستبصار ٤ : ١٦١ / ٦١٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٥ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٧ : ١١٣ / ٨ ، التهذيب ٩ : ٣١٠ / ١١١١ ، الإستبصار ٤ : ١٦١ / ٦٠٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٤ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ١١٤ / ٩ ، التهذيب ٩ : ٣١٠ / ١١١٢ ، الإستبصار ٤ : ١٦١ / ٦٠٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٥ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٩ ح ٣.

٣٠٥

وأمّا الصحيح : عن بنات الابنة والجدّ؟ فقال : « للجدّ السدس ، والباقي لبنات الابنة » (١) فغير صريح فيما ذهب إليه الصدوق من مشاركة الجدّ مع أولاد الأولاد ، ولا يمكن الاستناد إليه له.

أمّا أوّلاً : فلعدم تصريح فيه بكون الجدّ المشارك لبنات البنت جدّ الميت ، فيحتمل كونه جدّ البنات أب الميت ، فيصح ما فيه من المشاركة ، ولكن يبقى حكم الردّ فيه غير مذكور ، ولا بأس به ، لاستفادته من غيره من الأخبار.

وأمّا ثانياً : فلأخصّيته من المدّعى ، وإن أمكن تطبيقه له ، إلاّ أنّ ذلك لا يدفع المرجوحيّة الثابتة له بذلك ، المعتبر مثله في مقام التعارض جدّاً.

وأما ثالثاً : فلعدم معارضته لما قدّمناه من الأدلّة الدالّة على أنّ الجدّ بمنزلة الأخ ، فلا يرث مع ولد الولد ، كما لا يرث الأخ معه.

وأمّا رابعاً : فلنقل الشيخ عن ابن فضال دعوى إجماع الطائفة على ترك العمل به (٢) ، مع احتماله الحمل على التقية ، كما صرّح به جماعة (٣).

وأمّا خامساً : فبمعارضته لما دلّ على أنّ أولاد الأولاد بمنزلة الأولاد ، ومن أحكامهم حجبهم الأجداد عن الميراث إجماعاً ، فيثبت لأولادهم ذلك أيضاً ؛ التفاتاً إلى عموم المنزلة ، مع وقوع التصريح به في بعض ما دلّ عليه ، فإنّ فيه بعد بيانه : « يرثون ما يرث ولد الصلب ، ويحجبون ما يحجب ولد الصلب » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٠٥ / ٦٨٢ ، الوسائل ٢٦ : ١١٣ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٧ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٩ : ٣١٥.

(٣) الوسائل ٢٦ : ١١٤ ، روضة المتقين ١١ : ٢٨٥.

(٤) الكافي ٧ : ٩٧ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٨٨ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٨ ح ٣.

٣٠٦

ولا ريب أنّ هذه الأدلّة أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة ، فالقول بظاهرها على تقدير تسليمه ضعيف غايته ، كقول الإسكافي.

( لكن يستحب للأب أن يطعم أباه ) جدّ الميت ( وأُمّه ) جدّته ( السدس من أصل التركة ) يقتسمانه بينهما ( بالسوية إذا حصل له الثلثان ) فما زاد ( و ) كذا يستحب أن ( تطعم الأُمّ أباها ) جدّ الميت ( وأُمّها ) جدّته ( النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد ) بلا خلاف فيه في الجملة ؛ للمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة أُمّ الأب السدس ، وابنها حيّ ، وأطعم الجدّة أُمّ الأُمّ ، وابنتها حيّة » (١).

ونحوه صحيحان آخران (٢) ، لكن من دون ذكر جدّة الأب فيهما ، بل اقتصر في أحدهما بذكر الجدّة مطلقاً ، من دون إضافة الأب أو الأُمّ.

وفي رابع : إنّ ابنتي هلكت ، وأُمّي حيّة ، فقال أبان : لا ، ليس لأُمّك شي‌ء ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « سبحان الله ، أعطها السدس » (٣).

وفي الموثق (٤) وغيره (٥) من المعتبرة القريبة من الصحيح : أنّ رسول‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٠٤ / ٦٨٠ ، التهذيب ٩ : ٣١١ / ١١١٨ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ / ٦١٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٩ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٩.

(٢) الأول في : الكافي ٧ : ١١٤ / ١٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٦ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١.

والآخر في : الكافي ٧ : ١١٤ / ١١ ، التهذيب ٩ : ٣١١ / ١١١٥ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ / ٦١٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ١١٤ / ١٥ ، الفقيه ٤ : ٢٠٤ / ٦٨١ بتفاوت ، التهذيب ٩ : ٣١٠ / ١١١٤ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ / ٦١٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٦.

(٤) الكافي ٧ : ١١٤ / ١٣ ، الفقيه ٤ : ٢٠٥ / ٦٨٣ ، التهذيب ٩ : ٣١١ / ١١١٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٣.

(٥) الكافي ٧ : ١١٤ / ١٤ ، التهذيب ٩ : ٣١١ / ١١١٧ ، الإستبصار ٤ : ١٦٢ / ٦١٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ٤.

٣٠٧

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة السدس ، ولم يفرض لها شيئاً ، كما في الأوّل ، وفي غيره : أطعمها طعمة.

وظاهر الجميع عدا الصحيح الأخير كون إعطاء السدس لا على جهة الميراث ، بل على سبيل الطعمة التي هي في اللغة بمعنى الهبة ، وهي غير الإرث بلا شبهة ، وعليها يحمل الصحيحة الرابعة وغيرها ، ممّا يأتي إليه الإشارة.

وحيث تعيّن كونه طعمة لا إرثاً ، ظهر كونه على الاستحباب لا الإيجاب ؛ لعدم قائل بوجوبها ، مع منافاته لما تقدّم من الأخبار المصرّحة بعدم شي‌ء للأجداد مع الأبوين والزوج ، أو أحدهما.

وصريح الصحيحين الأوّلين عدم اختصاص الطعمة بأُمّ الأب ، وثبوتها أيضاً لأُمّ الأُمّ.

خلافاً للمحكي في المختلف والتنقيح عن الحلبي (١) ، فخصّها بالأُولى.

وحجته عليه غير واضحة ، سيّما في مقابلة الصحيحين وغيرهما من الأخبار ، منها : « الجدّة لها السدس مع ابنها ومع ابنتها » (٢) ومنها : في أبوين وجدّة لُامّ ، قال : « للُامّ السدس ، وللجدّة السدس ، وما بقي وهو الثلثان للأب » (٣).

وهذه النصوص وإن اختصّت بذكر الجدّة خاصّة ، إلاّ أنّه لا قائل‌

__________________

(١) المختلف : ٧٥٣ ، التنقيح ٤ : ١٧٢ ، وهو في الكافي في الفقه : ٣٧٨.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٠٥ / ٦٨٥ ، التهذيب ٩ : ٣١٢ / ١١٢٠ ، الإستبصار ٤ : ١٦٣ / ٦١٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١١.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٠٥ / ٦٨٤ ، التهذيب ٩ : ٣١٢ / ١١١٩ ، الإستبصار ٤ : ١٦٣ / ٦١٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٠.

٣٠٨

بالفرق بينها وبين الجدّ في استحباب الطعمة له ، وهو كافٍ في التعدية.

مضافاً إلى ثبوتها بالأولوية ، وكثير من النصوص المصرحة بالجدّ أيضاً ، منها المرسلة المروية في الكافي ، قال فيه : وقد روي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّ والجدّة السدس (١).

ومنها النصوص المروية في التهذيب وبصائر الدرجات ، الدالّة على أنّ الله تعالى لم يذكر الجدّ ، ولم يفرض له فرضاً ، وإنّما جعل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهماً ، كما في بعض (٢) ، أو أطعمه سهماً ، كما في آخر (٣) ، أو أطعم ، من دون ذكر السهم ، كما في ثالث (٤) ، فأجاز الله تعالى له ذلك.

وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل الطائفة ، والأولوية المتقدّمة ، فما يوجد في كلام بعض (٥) من الطعن على الأصحاب في إلحاقهم الجدّ بالجدّة لا وجه له ، بل ضعيف غايته.

والسدس في هذه الأخبار وإن كان مطلقاً غير مبيّن فيه أنّه من الأصل أو من نصيب المُطعِم ، إلاّ أنّ الظاهر منه كما فهمه الأصحاب هو الأوّل.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١١٤ / ١٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٦ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٩٧ / ١٤١٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٣.

(٣) بصائر الدرجات : ٣٩٨ / ٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٦.

(٤) بصائر الدرجات : ٤٠١ / ١٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٤٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٢٠ ح ١٧.

(٥) انظر المفاتيح ٣ : ٣٠٢ ، ٣٠٣.

٣٠٩

خلافاً للمحكي عن الإسكافي (١) ، فالثاني. ولا دليل عليه سوى الأصل الغير المعارض لما مرّ من الظهور المعتضد بفهم الأكثر. مع أنّ الخبر الأخير في الردّ على الحلبي صريح في ردّه ؛ لتصريحه بالثلثين في مقابلة السدسين.

واعلم أنّ ما ذكره الماتن هنا من تقييد الحكم بما إذا زاد نصيب المُطعِم بقدر السدس فما زاد شي‌ء لم يذكره أحد من الأصحاب عدا الشهيد في اللمعة والدروس (٢) ، وإنّما المشهور كما في المختلف والمسالك وغيرهما (٣) تقييده بما إذا زاد نصيبه عن السدس ولو بما دونه.

وتظهر الفائدة في اجتماع الأبوين مع البنت ، أو أحدهما مع البنات ، فإنّه على القول الأوّل لا يفضل لهما سدس ، فلا يستحبّ الطعمة ، وعلى الثاني يزيد نصيبهما عن السدس ، فيستحب.

وليس في شي‌ء من النصوص ما يدل على شي‌ء منهما صريحاً ، ولكن يمكن الاستناد إليها لكلّ منهما ، مع تأيّد الأوّل بالأصل والاعتبار ، والثاني بقاعدة التسامح في أدلّة السنن ، ولعلّ هذا أجود ، سيّما مع التأيّد بكونه الأشهر.

وربما قيل باستحباب أقل الأمرين من الزائد عن السدس ومنه (٤).

ولا دليل عليه عدا ضمّ الاعتبار مع الأخبار ، وهو ضعيف جدّاً ؛ لاتفاق الأخبار على السدس خاصّة ، من دون نقيصة.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٥١.

(٢) اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ١٢٢ ، الدروس ٢ : ٣٦٧.

(٣) المختلف : ٧٥١ ، المسالك ٢ : ٣٢٦ ؛ وانظر الكفاية : ٢٩٧.

(٤) قواعد الأحكام ٢ : ١٧٠.

٣١٠

ويستفاد من تغيير الماتن التعبير عن السدس في طرف الامّ بنصف الثلث فما زاد استحباب طعمتها لأبيها و (١) أُمّها السدس وما زاد إن حصل بالردّ ، بخلاف الأب ، فطعمته لأبويه السدس خاصّة من دون زيادة.

وهو شي‌ء لم يقم عليه في الأخبار دلالة ، ولم يذكره أحد من الطائفة فيما أعلمه ، ولعلّ ذلك منه مسامحة في التعبير ، لا التنبيه على ما مرّ إليه الإشارة.

( ولو حصل لأحدهما ) أي أحد الأبوين ( نصيبه الأعلى ) من الثلث فما زاد في الأُمّ ، والثلثين في الأب على مختار الماتن ، والزائد على السدس على مختار الأكثر ( دون الآخر استحب له طعمة الجدّ والجدّة ) بالسدس ( دون صاحبه ) الذي لم يحصل له نصيبه الأعلى ، أو الزائد عن السدس ، فلو كانت الأُمّ محجوبة بالإخوة فالمستحب إطعام الأب خاصّة ، ولو كان معهما زوج من غير حاجب فالمستحب لها خاصّة ، بلا خلاف أجده ؛ للأصل ، مع اختصاص الأخبار المتقدّمة بحكم التبادر والاعتبار بما إذا كان هناك للمطعم عن نصيبه زيادة سدساً أو غيره ، وليس في إطلاق ما دل منها على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطعم الجدّة السدس ، منافاة لذلك ؛ لأنّه قضية في واقعة ، فلا تعم ، بل تحتمل الاختصاص بما ذكرناه ، سيّما بعد تصريح جملة منها صحيحة بأنّه أطعمها مع ابنها أو ابنتها ، والمتبادر منه إطعامه إيّاها مع اجتماعها معهما خاصّة ، أو مع أحدهما كذلك ، والظاهر أنّ فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك إنّما هو ( في قضية واحدة ) (٢) فتكون هذه الأخبار مبيّنة لتلك الأخبار المجملة ؛ لبيانها نصيب كلّ من الأبوين على ما فيها بحكم التبادر الذي مضى زائداً عن السدس ، بل نصيبهما الأعلى ، بل فصاعداً أيضاً إن كان‌

__________________

(١) في « ب » و « ر » : أو.

(٢) في « ب » : قضيّة في واقعة.

٣١١

اجتماع الجدّة فيها مع أحدهما خاصّة.

( و ) من هنا يتّجه ما ذكره الأصحاب من أنّه ( لا طعمة لأحد الأجداد إلاّ مع وجود من يتقرب به ) من أب أو أُمّ ، فلا يستحب للأولاد طعمة ، وذلك للأصل ، مع اختصاص النصوص المفصّلة المبيّنة لفعله الذي هو الأصل في استحباب الطعمة بإطعامه الجدّة مع حياة ابنها أو ابنتها ، وعليه يحمل بعض الأخبار المبيّنة لفعله مجملاً ، كما نظيره قد مضى ، ولعلّه إلى هذا نظر الشيخ (١) في استدلاله للحكم هنا بتلك الأخبار المفصّلة قاصداً به دفع المقتضي لعموم استحباب الطعمة ، وإلاّ فليس فيها دلالة على التخصيص ، كما ذكره معترضاً عليه في الكفاية (٢) ، هذا.

وربما يظهر من التنقيح الإجماع في المسألة ، فإنّه قال : يدل على استحباب الطعمة قوله تعالى ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ) (٣) وهذا وإن كان عامّاً في طرفي المُطعِم والمُطعَم ، لكن إجماع الأصحاب والروايات خصّاه بالمسألة المذكورة (٤).

وأشار بها إلى مسألة الطعمة للأبوين خاصّة المذكورة في العبارة ونحوها من عبائر الجماعة.

واعلم أنّ مقتضى الأصل الذي مهّدناه في هاتين المسألتين لنفي الطعمة اختصاصها في كلّ من الأبوين بما إذا كان له جدّ واحد أو جدّة ، دون ما إذا كانا له معاً ؛ لعدم ظهور الأخبار إلاّ في الصورة الأُولى خاصّة ، فيتمسّك في نفي الطعمة في الثانية إلى الأصل ، لكن عدم القائل بالفرق بين‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣١١.

(٢) الكفاية : ٢٩٧.

(٣) النساء : ٨.

(٤) التنقيح الرائع ٤ : ١٧٢.

٣١٢

الصورتين كافٍ في ثبوتها فيها ، مع قوّة احتمال ثبوتها فيها بطريق أولى ، لكن مقتضاها كالإجماع استحباب السدس لهما ، وحيث لا مرجّح لأحدهما في الاختصاص بالسدس يقسم بالسوية بينهما ، ولا زيادة عن السدس لهما قطعاً ؛ إذ نحن في ويل وعويل في إثبات أصل السدس لهما ، فكيف لنا إثبات الزائد عنه أيضاً؟!

( الرابعة : ) الولد الحاجب لكلّ من الامّ والزوجين عن كمال نصيبه يشمل ولد الولد وإن نزل ، إجماعاً ، كما مرّ (١).

قيل : لإطلاق لفظ الولد عليه عرفاً ، فيدخل في ظاهر اللفظ (٢). وفيه نظر.

ولخصوص النص : « أولاد الأولاد يحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن سهامهم الأكثر ، وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر ، يرثون ما يرث ولد الصلب ، ويحجبون ما يحجب ولد الصلب » (٣).

وقريب منه المعتبرة المتقدّمة الدالّة على كون أولاد الأولاد بمنزلة آبائهم (٤) ، ومن حكمهم الحجب ، فليكن ذلك حكم أولادهم أيضاً ؛ لعموم المنزلة.

وفي شموله الممنوع من الإرث كالرقيق وجهان : من إطلاق ما دلّ على حجب الولد الشامل لمثله.

ومن عموم ما دلّ على كمال النصيب لأهله ، مع عدم معلومية شمول‌

__________________

(١) في ص : ٢٨٣.

(٢) قاله الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣٢٦.

(٣) الكافي ٧ : ٩٧ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٨٨ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٨ ح ٣.

(٤) راجع ص : ٢٨٥ ، ٢٨٧.

٣١٣

الإطلاق لمثله ، سيّما بعد ملاحظة عدم شمول الإخوة الحاجبين للُامّ عن كمال نصيبها لمثله ، كما يأتي.

ولعلّ هذا لا يخلو عن قوة (١) ، سيّما مع تضمّن بعض النصوص الدالّة على عدم شمولهم له لقوله عليه‌السلام : « الكفّار بمنزلة الموتى ، لا يحجبون ولا يرثون » (٢) فإنّه يفهم منه أنّ عدم الإرث يجعلهم في حكم الموتى ، فوجودهم كعدمهم ، وهو جارٍ هنا ، فتأمّل جدّاً.

و ( لا يحجب الإخوة الأُمّ ) عن كمال نصيبها ( إلاّ بشروط أربعة ) بل خمسة ، مشهورة :

الأوّل : ( أن يكونوا أخوين ) فصاعداً ( أو أخاً وأُختين ، أو أربع أخوات فما زاد ) وهم يحجبون دون غيرهم ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع منّا في كثير من العبارات (٣) ، وهو الحجة الصارفة للآية (٤) عن ظاهرها.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة جدّاً ، ففي الصحيح : « لا يحجب الامّ عن الثلث إذا لم يكن ولد إلاّ الأخوان ، أو أربع أخوات » (٥).

وفيه : « إذا ترك الميت أخوين فهم إخوة مع الميت ، حجبا الامّ ، وإن كان واحداً لم يحجب الأمّ » وقال : « إذا كنّ أربع أخوات حجبن الامّ عن الثلث ؛ لأنّهنّ بمنزلة الأخوين ، وإن كنّ ثلاثاً لم يحجبن » (٦).

__________________

(١) في « ب » : قرب.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٥ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٥ ح ٢.

(٣) المسالك ٢ : ٣١٧ ، مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٥٥٤ ، المفاتيح ٣ : ٣٢٧ ، كشف اللثام ٢ : ٢٨٧.

(٤) النساء : ١١.

(٥) الكافي ٧ : ٩٢ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٨٢ / ١٠١٩ ، الإستبصار ٤ : ١٤١ / ٥٢٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٢١ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١١ ح ٤.

(٦) الكافي ٧ : ٩٢ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٨١ / ١٠١٥ ، الإستبصار ٤ : ١٤١ / ٥٢٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١١ ح ١.

٣١٤

وفي الموثق : « لا يحجب الامّ عن الثلث إلاّ الأخوان ، أو أربع أخوات لأبٍ وأُمّ ، أو لأب » (١).

والحصر فيه وفي الأوّل إضافي ، بدلالة الإجماع ، والصحيح الثاني وغيره ممّا دلّ على حجب الأخ والأُختين ، كالخبر المروي في الفقيه ، وفيه : « لا يحجبها إلاّ أخوان أو أخ وأُختان ، أو أربع أخوات لأب ، أو لأبٍ وأُمّ ، [ أو (٢) ] أكثر من ذلك ، والمملوك لا يحجب ، ولا يرث » (٣).

وفي آخر مروي عن تفسير العياشي : « لا يحجب عن الثلث الأخ والأُخت حتى يكونا أخوين ، أو أخاً وأُختين » (٤) الخبر.

ومن هنا يظهر فساد ما قيل على الأصحاب من أنّ روايات الباب لا تدلّ على حجب ذكر وامرأتين ، وأنّ الخبرين المتقدّمين المتضمّنين للحصر يدلان على خلافه (٥).

وفيه أيضاً أنّه يمكن استفادة حجب الذكر والمرأتين من المنزلة المستفادة من الصحيحة الثانية ، فإنّ فيها أنّ الأربع أخوات بمنزلة الأخوين ، فالثنتان بمنزلة أخٍ واحد ، فهما مع أخٍ واحد كالأخوين.

الثاني : أن يكونوا ( لأبٍ وأُمّ ، أو للأب ) فلا يحجب كلالة الأُمّ ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٢٨١ / ١٠١٧ ، الإستبصار ٤ : ١٤١ / ٥٢٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١١ ح ٣.

(٢) في النسخ : و، وما أثبتناه من المصادر.

(٣) الفقيه ٤ : ١٩٨ / ٦٧٤ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٣ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٣ ح ١.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٢٦ / ٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١١ ح ٧.

(٥) قاله السبزواري في الكفاية : ٢٩٣.

٣١٥

بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (١) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، المتقدّم إلى جملة منها الإشارة ، ومنها زيادة عليها الخبر المتقدّم روايته عن الفقيه ، وفيه : « ولا يحجب الامّ عن الثلث الإخوة والأخوات من الامّ ما بلغوا ».

وفي موقوف زرارة : « وأمّا الإخوة لأُمّ ليسوا لأبٍ فإنّهم لا يحجبون الامّ عن الثلث » (٢).

وفي ثالث في تفسير الكلالة الحاجبة : « أُولئك الإخوة من الأب ، فإذا كان الإخوة من الامّ لم يحجبوا الامّ عن الثلث » (٣).

وفي القوي : رجل مات وترك أبويه وإخوة لُامّ ، قال : « الله سبحانه أكرم من أن يزيدها في العيال ، وينقصها من الثلث » (٤).

الثالث : ما أشار إليه بقوله : ( مع وجود الأب ) فلا يحجبون مع موته ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تقدّم وتأخّر ، إلاّ الصدوق (٥) « مع تأمّل فيه ، كما سيظهر.

قيل : لظاهر الآية ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ

__________________

(١) لاحظ المسالك ٢ : ٣١٨ ، المفاتيح ٣ : ٣٢٧ ، كشف اللثام ٢ : ٢٨٨.

(٢) الكافي ٧ : ٩٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٨٠ / ١٠١٣ ، الوسائل ٢٦ / ١١٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٠ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٩٣ / ٧ ، التهذيب ٩ : ٢٨٠ / ١٠١٤ ، الوسائل ٢٦ : ١١٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٨٤ / ١٠٢٦ ، الوسائل ٢٦ : ١١٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٠ ح ٥.

(٥) الفقيه ٤ : ١٩٨.

٣١٦

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) (١) لدلالته على أنّ حجبهم لها فيما إذا ورثه أبواه ، فلا يثبت الحجب مع فقد الأب (٢).

وفيه نظر ؛ لعدم استفادة الاشتراط منها ، بل غايتها الاختصاص بالحجب في حياة الأب ، فلا يدل عليه.

نعم يصلح ما ذكر ردّاً على من يستدل بعمومها ؛ لعدم الاشتراط.

والأجود الاستدلال عليه بالنصوص ، منها الصحيح : « إن مات رجل ، وترك امّه وإخوة وأخوات لأب وأُمّ ، وإخوة وأخوات لأبٍ ، وإخوة وأخوات لُامّ ، وليس الأب حيّاً ، فإنّهم لا يرثون ، ولا يحجبونها ؛ لأنّه لم يورث كلالة » (٣).

ومنها الخبر : « الامّ لا تنقص عن الثلث أبداً إلاّ مع الولد ، أو الإخوة إذا كان الأب حيّاً » (٤) ونحوه غيره (٥).

وقصور السند مجبور بعمل الأكثر ، مع اعتباره في نفسه ، واعتضاد الحكم بما يستفاد من النصوص من أنّ علّة الحجب التوفير على الأب.

وقال الصدوق في الفقيه : لو خلّف زوجها وأُمّها وإخوة فللأُم السدس ، والباقي يردّ عليها.

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) قاله المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٥٥٣.

(٣) الكافي ٧ : ٩١ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٨٠ / ١٠١٣ ، الإستبصار ٤ : ١٤٥ / ٥٤٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٣ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٨٢ / ١٠٢٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٢ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٩٢ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٢٨٢ / ١٠١٩ ، الإستبصار ٤ : ١٤١ / ٥٢٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٢١ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١١ ح ٤.

٣١٧

وظاهره الحجب هنا ، وهو شاذّ ، ودليله غير واضح إلاّ ما استدل به من ظاهر عموم الآية ، وقد عرفت جوابه.

نعم له خبران يقربان من الصحة ، إلاّ أنّهما متروكان بالإجماع ؛ لاشتمالهما على إرث الإخوة مع الامّ ، وحملا على التقية ، أو إلزامهم بمعتقدهم ، بمعنى : أنّ الأُمّ لو كانت ترى ذلك جاز للأخوات إلزاماً لها بمعتقدها ، هذا.

وأرى النزاع هنا لفظيّاً ، كما صرّح به في الدروس والمختلف (١) ، قال : ولا منازعة هنا في الحاصل لها بالردّ والتسمية ؛ لأنّ الباقي كلّه لها ، وإنّما النزاع في التقدير ، فعندنا لها الثلث ؛ لقوله تعالى ( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) (٢) ثم قال : فإن اعترض بقوله تعالى ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) (٣) أجبنا بأنّ شرط حجب الإخوة وجود الأب ، والأب هنا مفقود.

ويستفاد منه الاتفاق حتى من الصدوق على اعتبار هذا الشرط ، ويعضده تصريح الصدوق بما علّل به الحجب في النصوص ، فقال : وإنّما حجبوا الامّ عن الثلث ؛ لأنّهم في عيال الأب ، وعليه نفقتهم ، فيحجبون ، ولا يرثون (٤).

ولعلّه لذا لم ينسبه كثير إلى المخالفة هنا ، ويحتمل لقلّة الثمرة فيها ؛ لما عرفت من أنّها لفظيّة لا فائدة لها إلاّ نادرة فرضية.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٥٦ ، المختلف : ٧٣٩.

(٢) النساء : ١١.

(٣) النساء : ١١.

(٤) الفقيه ٤ : ١٩٧.

٣١٨

والرابع : أن يكونوا ( غير كفرة ولا أرقّاء ) إذا كانت الأُمّ مسلمة حرّة ، إجماعاً ، كما حكاه جماعة (١) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، منها زيادة على ما مرّ إليه الإشارة الصحيح : عن المملوك والمشرك ، يحجبان إذا لم يرثا؟ قال : « لا » (٢).

والموثقان : عن المملوك والمملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا؟ قال : « لا » (٣).

وفي الخبر : « المسلم يحجب الكافر ، ويرثه ، والكافر لا يحجب المسلم ، ولا يرثه » (٤).

وفي آخر « الكفّار بمنزلة الموتى ، لا يحجبون ، ولا يرثون » (٥).

وقصور سندهما كدلالة الجميع من حيث احتمالها كون المراد الحجب عن أصل الإرث خاصّة ، لا عن الزائد عن كمال النصيب ، فيكون المرادبالحجب فيها حجب حرمان لا حجب نقصان مجبور بعمل الأصحاب وفهمهم.

مع أنّ قصور الدلالة إنّما هو عن الصراحة ، وإلاّ فالظهور موجود ؛

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٣٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٨٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣٢٧.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٨٤ / ١٠٢٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٤ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٤ ح ١.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٧ / ٧٩٨ ، التهذيب ٩ : ٢٨٢ / ١٠٢١ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٤ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٤ ح ٢ ، ٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٣ / ٥ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ / ٧٨٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٤ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٥ ح ١.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٥ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٥ ح ٢.

٣١٩

للإطلاق والعموم ، وهو كافٍ ، سيّما مع عدم عموم في الإخوة الحاجبة في الآية ، وإنّما هي مطلقة غير معلومة الشمول لمثل الإخوة في المسألة ، هذا.

مع أنّ عطف عدم الحجب على عدم الإرث في جملة منها ربما يدل على أنّ المراد بالحجب حجب نقصان لا حجب حرمان ، وإلاّ فعدم الإرث يستلزم عدمه بالمعنى الثاني ، فلا فائدة في العطف إلاّ التأكيد ، والتأسيس أرجح منه.

ومن هنا ربما يظهر أنّ المراد بالحجب حيث يطلق في الأخبار الحجب بالمعنى الأوّل لا الثاني ، فتدبّر ، وبمجموع ما ذكرنا لا يبقى إشكال أصلاً ، والحمد لله.

( وفي ) حجب الإخوة ( القتلة ) لأخيهم المورث امّه عن كمال النصيب ( قولان : أشبههما ) وأشهرهما ( عدم الحجب ) للإجماع المحكي في الخلاف عن الطائفة ، بل قال : من الأُمّة ، وابن مسعود خالف فيه ، وقد انقرض خلافه (١). هذا.

مضافاً إلى الاعتضاد بما قدّمناه في عدم حجب الولد من المؤيّدات ، بل الأدلّة ، قيل : لمشاركة القاتل مع الكافر والمملوك في العلّة الموجبة للحكم (٢).

خلافاً للصدوق والعماني (٣) ، فيحجبون ، ونفى عنه البأس في المختلف (٤) ؛ لعموم الآية ، وصدق الإخوة على القاتل ، ومنع التعدّي ، فإنّ‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣٣.

(٢) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣١٨.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٣٤ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ٧٤٣.

(٤) المختلف : ٧٤٣.

٣٢٠