رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

هذا إذا لم يكن للُامّ حاجب عن الزيادة عن الثلث.

( ولو كان من يحجب الامّ ) من الإخوة ( ردّ على الأب والبنت ) خاصّة ( أرباعاً ) والفريضة حينئذٍ من أربعة وعشرين (١) ، للأُمّ سدسها أربعة ، وللبنت اثنى عشر بالأصل وثلاثة بالردّ ، وللأب أربعة بالأصل وواحد بالردّ.

ولا خلاف في أصل الردّ هنا وسابقاً ، وكونه فيه أخماساً ، كما لا خلاف في اختصاصه هنا بمن عدا الامّ ، بل على جميع ذلك الإجماع في عبائر جماعة (٢) ، وهو الحجة المؤيّدة بما مرّ من الأدلّة.

مضافاً في الأخير إلى فحوى الأدلّة الدالّة على حجب كلالة الأب للأُمّ عن الثلث ، فإنّ حرمانها بهم من أصل الفريضة العليا يستلزم حرمانها بهم من الردّ بجهة القرابة بطريق أولى ، سيّما مع تضمّن كثير من النصوص الدالّة على حرمانها بهم من فريضتها العليا التعليل له بحكمة التوفير على الأب ، الموجودة هنا أيضاً.

ولعلّه إلى هذا نظر المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله في استدلاله لحجبها من الردّ بالكلالة بالآية الدالّة على حجبها بهم عن الفريضة الكاملة (٣) ، فتردّد صاحب الكفاية (٤) فيه لا وجه له ، بل ضعيف غايته ؛ لما عرفته.

__________________

(١) لأنّ مخرج الكسر هنا ٤ ، والحاصل من ضرب ٦ فيه ٢٤ ، للبنت ١٢ ، ولكلٍّ من الأبوين ٤ ، والمجموع ٢٠ ، يبقى ٤ وهو يردّ على الأب والبنت على حسب سهامهما ، فللبنت ٣ ، وللأب ١ ، فمجموع حصّة البنت : ٣+ ١٢ ١٥ ، ومجموع حصة الأب : ١+ ٤ ٥.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٩٠ ، آيات الأحكام للفاضل الجواد ٤ : ١٦٩ و ١٧١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٣٥٣.

(٤) الكفاية : ٢٩٥.

٢٨١

وبه يذبّ عمّا اعترضه به أيضاً من منافاة الحرمان هنا لعموم الصحيحة السابقة في إبطال العَصَبَة ؛ لارتفاع المنافاة بتخصيص عمومها بما إذا لم يكن ثمّة كلالة حاجبة.

وبالجملة لا شبهة في المسألة ، كما لا شبهة عند الأكثر في كون الردّ أرباعاً ؛ لما مضى قريباً من أنّ ذلك قضيّة الردّ على نسبة السهام ، مع كونه الآن مشهوراً بين أصحابنا ، بحيث لا يكاد يتحقق فيه مخالف منهم ، ولم ينقل إلاّ عن معين الدين المصري (١) ، حيث ذهب إلى قسمة الردّ أخماساً هنا أيضاً ، للأب منها سهمان ، سهم الامّ وسهمه ؛ لأنّ الإخوة يحجبون الامّ عن الزائد لمكان الأب ، فيكون الزائد له (٢).

ولعلّه نظر إلى مفهوم ما تقدّم من التعليل الوارد في الأخبار لحجب الامّ عن الثلث.

وهو غير بعيد ؛ لاعتبار أسانيدها بالصحة في بعض ، والقرب منها في آخر ، مع حجية مفهوم التعليل ، وأنّه يتعدّى به حيثما كانت العلّة موجودة ، إلاّ أنّ إطباق الفتاوى واتفاقها على كون الردّ أرباعاً بحيث كاد أن يعدّ إجماعاً أوجب وهنه.

مع إمكان أن يقال : إنّ التعليل إنّما هو لحجب الامّ عن الزائد عن‌

__________________

(١) هو الشيخ الجليل معين الدين أبو الحسن سالم بن بدران بن علي بن سالم المازني المصري ، من مشاهير علماء الإمامية وأجلاّء فقهائهم ، أخذ الفقه عن محمّد بن إدريس الحلّي ، وروى عن السيّد أبي المكارم ابن زهرة ، وأخذ عنه الخواجة نصير الدين الطوسي ، من مؤلّفاته : التحرير ، الأنوار المضيئة ، رسالة النيات ، الاعتكافية. لم نظفر بتاريخ وفاته ، إلاّ أنّه كان حيّاً سنة ٦٢٩ ومات قبل ٦٧٢. أمل الآمل ٢ : ٣٢٤ / ٩٩٩ ، رياض العلماء ٢ : ٤٠٨ ، أعيان الشيعة ٧ : ١٧٢ ، طبقات أعلام الشيعة ٣ : ٧١ ، الكنى والألقاب ٣ : ١٦٣ ، معجم المؤلّفين ٤ : ٢٠٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٥٣.

٢٨٢

السدس ، لا إعطائه بجميعه للأب ، فمقتضى التعدّي به حينئذٍ إثبات أصل الحجب عنه ، ونحن نقول به ، كما قدّمناه ، لا إعطاؤه كلّه للأب ، وإن اتّفق ذلك في أكثر الصور ، فإنّه ليس كالتعليل يتعدّى به من غير دليل.

والتوفير على الأب ، المعلّل به الحجب لا يجب أن يكون بتمام الزائد ؛ لصدقه بالتوفير بالبعض ، لكنّه خلاف الظاهر المتبادر منه ؛ لسبق التوفير بالجميع إلى الذهن ، ولعلّه لذا احتمل هذا القول في الدروس (١) ولكن رجع عنه (٢).

( ولو كان ) مع الأبوين ( بنتان فصاعداً ، فللأبوين السدسان ) بينهما نصفان ( وللبنتين أو البنات الثلثان بالسوية ) ولا ردّ في المقام ؛ لأنّ الفريضة حينئذٍ بقدر السهام.

( ولو كان معهما ) أي مع البنتين ( أو معهنّ ) أي البنات ( أحد الأبوين ) خاصّة ( كان له السدس ) مطلقاً أباً كان أو امّاً ( ولهما أو لهنّ الثلثان ، و ) السدس ( الباقي ) عن سهامهم ( يردّ ) عليهم جميعاً ( أخماساً ) على نسبة السهام (٣) ، على الأشهر الأقوى ، بل لعلّه عليه الآن كافّة أصحابنا ؛ لما مضى قريباً.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي (٤) ، فخص الردّ بالبنتين ؛ لدخول‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٥٧.

(٢) اللمعة ( الروضة البهيّة ٨ ) : ٩٧.

(٣) بيان ذلك : أنّ الفريضة هنا من ٣٠ كمثال البنت والأبوين ، لأنّ مخرج السهام ٦ ومخرج الكسر ٥ ، والحاصل من ضرب الأوّل في الثاني ٣٠ ، فللبنات ٢٠ ، ولأحد الأبوين ٥ ، والفاضل وهو ٥ يردّ عليهم على حسب سهامهم ، فللبنات ٤ ، ولأحد الأبوين ١ ، فمجموع حصة البنات فرضاً وردّاً : ٤+ ٢٠ ٢٤ ، ومجموع حصة أحد الأبوين كذلك : ١+ ٥ ٦.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٥٠.

٢٨٣

النقص عليهما ، فيكون الفاضل لهما ، وللموثق : في رجل مات وترك ابنتيه وأباً ، قال : « للأب السدس ، وللابنتين الباقي » (١).

ويضعّف الأوّل : بأنّه مجرّد اعتبار لا دليل عليه ، وعلى تقديره فإنّما يجب جبر النقص بذلك إذا لم يكن جبر بشي‌ء آخر غيره ، والحال أنّه قد جبره الشارع به حيث جعل لهنّ فريضة عُليا خاصّة لا دنيا ، فيكون النقص كالفريضة الدنيا لهنّ ، فيساوين الأبوين من جميع الوجوه ، فلا يصلح حجّة.

مع انتقاضه بالمعتبرة المستفيضة ، الواردة في اجتماع أحد الأبوين مع البنت الواحدة ؛ لتصريحها بردّ الفاضل عليهما بنسبة الفريضة ، منها الصحيح : أقرأني أبو جعفر عليه‌السلام صحيفة كتاب الفرائض إلى أنّ قال ـ : فوجدت فيها : « رجل ترك ابنته وأُمّه : للابنة النصف ، ثلاثة أسهم ، وللأُمّ السدس ، يقسم المال على أربعة أسهم ، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهماً فللأُمّ » قال : وقرأت فيها : « رجل ترك ابنته وأباه ، للابنة النصف ثلاثة أسهم ، وللأب السدس ، يقسم المال على أربعة أسهم ، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهماً فللأب » (٢).

والخبر : في رجل ترك ابنته وأُمّه : « أنّ الفريضة من أربعة ؛ لأنّ للبنت النصف ثلاثة أسهم ، وللأُمّ السدس سهم ، وما بقي سهمان فهما أحقّ بهما .. بقدر سهامهما » (٣).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٧٤ / ٩٩٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٧ ح ٧.

(٢) الكافي ٧ : ٩٣ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٩٢ / ٦٦٨ ، التهذيب ٩ : ٢٧٠ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٢٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٢٧٣ / ٩٨٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٧ ح ٦.

٢٨٤

وهذه العلّة موجودة في المسألة ، فيتعدّى بها الحكم إليها ، ويعارض بها الموثقة ، ويرجّح عليها ؛ لما هي عليه من المرجوحية بالشذوذ والندرة ، وفي الدروس أنّها متروكة (١) ، وفيه إيماء إلى انعقاد الإجماع على خلافها ، بل ربما كان فيه عليه دلالة ، وبالإجماع صرّح في التحرير ، وفي بعض المعتبرة : « أصل الفريضة من ستّة أسهم ، لا تزيد ولا تعول عليها ، ثم المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب » (٢) فتدبّر.

( ولو كان مع البنت ) أو البنتين فصاعداً ( والأبوين زوج أو زوجة ، كان للزوج الربع ) مطلقا ( وللزوجة الثمن ) كذلك ( وللأبوين السدسان ) إن كانا معاً ، وإلاّ فلأحدهما السدس ( والباقي للبنت ) أو البنات ( وحيث يفضل ) شي‌ء ( عن ) الفريضة التي هي ( النصف ) والسدسان والثمن في مثال المتن ، ويختلف باختلاف الفروض التي فرضناها ، وهي ما لو كان الوارث بنتين وأحد الأبوين وزوجة ، أو بنتاً وأحدهما وزوجاً ، أو زوجة ( يردّ الزائد عليها ) أي على البنت أو البنات ( وعلى الأبوين ) في الفرض الأوّل ، أو أحدهما في الفرض الثاني ( أخماساً ) مع عدم الحاجب للُامّ عن الثلث ، أو أرباعاً حيث يناسب ، فللبنت ثلاثة أخماس ، وللأبوين خمسان إذا اجتمعا معاً معها ، وإلاّ فلأحدهما الربع ، ولها الثلاثة الأرباع ، وللبنتين أربعة أخماس ، والخمس الباقي لأحد الأبوين.

( ولو كان ) معهما ( من يحجب الامّ رددناه ) أي الفاضل عن الفريضة ( على البنت والأب ) خاصّة ( أرباعاً ) بنسبة سهامهم ، ولا يردّ على الزوجين هنا إجماعاً ؛ لاختصاصه بذوي القرابة بالكتاب والسنّة المستفيضة ، بل المتواترة.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٥٦.

(٢) الكافي ٧ : ٨١ / ٧ ، الوسائل ٢٦ : ٧٣ أبواب موجبات الإرث ب ٦ ح ٨.

٢٨٥

مضافاً إلى صريح بعض المعتبرة : « وإن ترك الميت امّاً ، أو أباً وامرأة وابنة فإنّ الفريضة من أربعة وعشرين سهماً ، للمرأة الثمن ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين ، ولأحد الأبوين السدس أربعة أسهم ، وللابنة النصف اثنى عشر سهماً ، وبقي خمسة أسهم ، هي مردودة على سهام الابنة وأحد الأبوين على قدر سهامهما ، ولا يردّ على المرأة شي‌ء ، وإن ترك أبوين وامرأة وبنتا فهي أيضاً من أربعة وعشرين سهماً ، للأبوين السدسان ثمانية أسهم ، لكل واحد منهما أربعة أسهم ، وللمرأة الثمن ثلاثة أسهم ، وللابنة النصف اثنى عشر سهماً ، وبقي سهم واحد مردود على الابنة والأبوين على قدر سهامهم ، ولا يردّ على المرأة شي‌ء ، وإن ترك أباً وزوجاً وابنة فللأب سهمان من اثني عشر سهماً ، وهو السدس ، وللزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر وللابنة النصف ستّة أسهم من اثني عشر ، وبقي سهم واحد مردود على الابنة والأب بقدر سهامهما ، ولا يردّ على الزوج شي‌ء » (١) الحديث.

واعلم أنّ جميع ما ذكر من الأحكام في هذه المرتبة غير ما أُشير إلى الخلاف فيه مجمع عليه بين الأصحاب ، مستفاد من الكتاب والسنّة المشار إليهما في المقدّمات وصدر الكتاب ، ومع ذلك فبخصوص كثير منها نصوص معتبرة ، قد تقدّم إلى بعضها الإشارة ، ولا فائدة مهمّة في نقلها جملة بعد وضوح مأخذها من الكتب المشهورة ، في أبوابها المتفرّقة ، كأبواب إبطال العول والعَصَبَة ، وأبواب ميراث الولد خاصّة ، وميراث الأبوين كذلك ، وميراثه معهما خاصّة ، وميراثه معهما ومع الزوجة أو‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٩٧ / ٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٨ ح ٣.

٢٨٦

المرأة ، وميراثهما مع أحدهما ، وغير ذلك من الأبواب ( المتعلقة بهذه المرتبة ) (١).

( وتلحقه ) أي الكلام في هذه المرتبة ( مسائل ) (٢)

( الأُولى : أولاد الأولاد يقومون ) في الإرث ( مقام آبائهم عند عدمهم ) وعدم الأبوين ووارث آخر أقرب منهم ، إجماعاً ؛ للمعتبرة المستفيضة الآتية ، ومقتضى كثير منها ثبوت ذلك ولو مع وجود الأبوين أو أحدهما ، وهو الأقوى ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

( و ) حيث يرثون ( يأخذ كلّ فريق ) منهم ( نصيب من يتقرب به ) إلى الميت ، فلأولاد الابن الثلثان ، ولأولاد البنت الثلث ، كائناً من كانوا ، ذكوراً كانوا أو إناثاً.

( ويقتسمونه ) أي النصيب الذي حازوه اقتسام الأولاد للصلب ( للذّكر مثل حظّ الأُنثيين ، أولاد ابن كانوا أو أولاد بنت ) إجماعاً في الأوّل و ( على الأشبه ) الأشهر في الثاني ، بل عليه الإجماع في صريح التنقيح (٣) وظاهر الشرائع وغيره (٤) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى كون أولاد الأولاد أولاداً إمّا حقيقة أو مجازاً راجحاً هنا ، بقرينة الإجماع المحكي في كلام جماعة من الأصحاب (٥) على أنّ الأولاد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ر ».

(٢) في « ب » زيادة : متعلّقة بهذه المرتبة.

(٣) في « ح » ونسخة في « ر » : الغنية. ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٥.

(٤) التنقيح الرائع ٤ : ١٦٤ ، الشرائع ٤ : ٢٥ ، وانظر المسالك ٢ : ٣٢٥ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٣٦٩.

(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٩٠ ، وانظر الكفاية : ٢٩٦.

٢٨٧

ومرادفاته من البنين والبنات ونحوهما هنا وفي أكثر ما ورد في القرآن يشمل أولاد الأولاد أيضاً ، كما في حجب الأبوين والزوجين ، وآية المحرّمات (١) والاحتجاب في موضعين (٢) ، وغير ذلك ، ويستفاد كون الشمول بعنوان الحقيقة من كثير من الروايات ، وربما ادّعي تواترها ، فيدخل أولاد البنات في عموم ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٣) كما يدخل أولاد البنين فيه بالإجماع.

خلافاً للقاضي ، تبعاً للمحكي عن بعض القدماء ، فقال : يقتسم أولاد البنات نصيبهم بالسوية مطلقاً ؛ لتقرّبهم بالأُنثى (٤).

وهو مع شذوذه منقوض بما اعترف به موافقاً للقوم في اقتسام أولاد الأُخت للأبوين والأب بالتفاوت ، مع مشاركتهم لأولاد البنت في إرث نصيب الامّ ، هذا.

مع عدم دليل على اقتسام المتقرّبين بالأُنثى بالسوية بعنوان الكلّية ، ومع ذلك معارض بالعموم المتقدّم إليه الإشارة ؛ لما عرفت من شموله لأولاد البنت.

مع أنّ استدلاله بما ذكر ربما دل على اعترافه بالشمول لهم ؛ إذ لولاه لأمكنه الاستدلال في ردّ التفاوت وإثبات المساواة بعدم دليل على الأوّل ، وموافقة الثاني للأصل ، كما ذكروه في أمثال الوصية والوقف ، ومن هنا ينقدح تحقق الإجماع من الخصم أيضاً على ما ذكرناه من الشمول.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النور : ٣١ ، الأحزاب : ٥٥.

(٣) النساء : ١١.

(٤) المهذب ٢ : ١٣٣.

٢٨٨

وحينئذٍ فلا ريب في كون الاقتسام بالتفاوت هو الأشبه ، كما ذكره الماتن والأكثر ، بل عامّة من تأخّر.

وأمّا أخذ كل فريق نصيب من يتقرّب به فهو أيضاً الأشبه الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي كنز العرفان انعقاد الإجماع عليه بعد المرتضى (١) ، وفي الغنية أنّ عليه إجماع الطائفة (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى ظواهر المعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح : « بنات البنات يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات ، ولا وارث غيرهنّ ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ، ولا وارث غيرهن » (٣).

خلافاً للمرتضى والحلي ومعين الدين المصري (٤) ، فقالوا : يقتسمون تقاسم الأولاد للصلب من غير اعتبار من تقرّبوا به ؛ لأنّهم أولاد حقيقية ، فيدخلون في العموم المتقدّم.

وأُجيب بأجوبة أجودها ما ذكره شيخنا في المسالك والروضة (٥) ، فقال بعد ذكر دليلهم ـ : وهذا كلّه حقّ لولا دلالة الأخبار الصحيحة على خلافه هنا ، ثم ساقها ، وقال بعدها :

فإن قيل : لا دلالة للروايات على المشهور ؛ لأنّ قيامهنّ مقامهم ثابت على كل حال في أصل الإرث ، ولا يلزم منه القيام في كيفيته وإن احتمله ، وإذا قام الاحتمال لم يصلح لمعارضة الآية الدالّة بالقطع على أنّ للذّكر مثل‌

__________________

(١) كنز العرفان ٢ : ٣٢٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧.

(٣) الوسائل ٢٦ : ١١٠ ، ١١١ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٧ ح ٣ ، ٤.

(٤) رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة : ٢٥٧ ٢٦٦ ، السرائر ٣ : ٢٣٦ ، ٢٥٧ ، وحكاه عن معين الدين المصري في المختلف : ٧٣٢.

(٥) المسالك ٢ : ٣٢٥ ، الروضة ٨ : ١٠٤.

٢٨٩

حظّ الأُنثيين.

قلنا : الظاهر من قيام الأولاد مقام الآباء والأُمّهات تنزيلهم منزلتهم لو كانوا موجودين مطلقاً ، وذلك يدل على المطلوب ، مضافاً إلى عمل الأكثر ، انتهى.

وهو جيّد ، يعضده بل يدل عليه أنّه لو كان المراد من المنزلة إثبات أصل التوارث لا الكيفيّة لاكتفى في النصوص بذكر أولاد الأولاد من دون تفصيل بين أولاد البنين وأولاد البنات في الذكر ، فإنّه على ذلك مجرّد تطويل مستغنى عنه ، لا طائل تحته ، فيجلّ عن مثله كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.

ويقوّي ذلك اتفاق الأخبار الواردة في المضمار على عدم ذكر أولاد الأولاد على الإجمال ، بل هي ما بين مصرّحة بالتفصيل ، كالصحاح المتقدّمة وغيرها ممّا يأتي إليه الإشارة ، ومكتفٍ بأحد شقّيه ، كالصحيح : « بنات البنات يرثن ، إذا لم تكن بنات كنّ مقام البنات » (١).

والموثق ، بل الصحيح كما قيل (٢) : « ابن الابن يقوم مقام الابن » (٣).

نعم في الخبر المنجبر ضعفه بصفوان وعمل الأكثر : « ولا يرث أحد من خلق الله تعالى مع الولد إلاّ الأبوان والزوج والزوجة ، فإن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً كانوا أو إناثاً فإنّهم بمنزلة الولد ، وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين ، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٨٨ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣١٧ / ١١٣٨ ، الإستبصار ٤ : ١٦٦ / ٦٣٠ ، الوسائل ٢٦ : ١١٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٧ ح ١.

(٢) انظر المهذّب البارع ٤ : ٣٧٧.

(٣) الكافي ٧ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣١٧ / ١١٣٩ ، الإستبصار ٤ : ١٦٧ / ٦٣١ ، الوسائل ٢٦ : ١١٠ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٧ ح ٢ ، وفيها : مقام أبيه.

٢٩٠

البنات ، ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر ، وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث الولد الصلب ، ويحجبون ما يحجب ولد الصلب » (١).

ولكنّه كما ترى وإن أُجمل فيه أوّلاً ذكر أولاد الأولاد ، لكنّه مفصّل ثانياً بين أولاد البنين والبنات ، ومع ذلك هو ظاهر كالصريح بل صريح في أنّ المراد بالمنزلة ليس في خصوص أصل الإرث ، بل هو مع الكيفيّة ، ولذا قال : « يرثون ميراث البنين والبنات » وما قال : يرثون كما يرثون ، مع أنّ فيه لو قاله دلالة أيضاً ، وإن لم يكن بتلك الظهور والصراحة ، فهذه الرواية أقوى دلالة من الأخبار السابقة.

وفي الموثق : « ابنة الابن أقرب من ابن البنت » (٢).

قال بعض الأفاضل : المراد بالأقربية فيه كثرة النصيب ، لا استيراثه جميع التركة (٣).

وعليه تكون الرواية لما اخترناه مؤيّدة ، لكنّه حملها الشيخ بعد نقلها ونقل ما بمعناها ، ودعوى إجماع الطائفة على خلافها على التقيّة (٤).

وكيف كان لا شبهة في المسألة بعد الإجماع المنقول ، والأخبار المعتبرة الظاهرة والصريحة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّه إجماع في الحقيقة ، كما ذكره الناقل له (٥).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٩٧ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٨٨ / ١٠٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ١٣٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٣١٨ / ١١٤٣ ، الإستبصار ٤ : ١٦٧ / ٦٣٥ ، الوسائل ٢٦ : ١١٣ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٧ ح ٨.

(٣) روضة المتقين ١١ : ٢٦٣ ، ملاذ الأخيار ١٥ : ٣٠٨.

(٤) التهذيب ٩ : ٣١٨ ، الاستبصار ٤ : ١٦٧ ، ١٦٨.

(٥) كنز العرفان ٢ : ٣٢٨.

٢٩١

( و ) على القولين حيث يرثون ( يمنع الأقرب ) منهم إلى الميت ( الأبعد ) إجماعاً ؛ لما مرّ في صدر الكتاب.

وأمّا الموثق : « بنات الابن يرثن مع البنات » (١) فشاذّ ، مخالف للإجماع ، محمول على التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنّ في العامة من يذهب إلى ذلك (٢).

( و ) يتفرع على الخلاف مع المرتضى أنّه ( يردّ على ولد البنت ) ما يزيد عن سهمها خاصّة ، وسهم الأبوين إن كانا ( كما يردّ على امّه ذكراً كان ) ولدها ( أو أُنثى ) على مذهب الأصحاب ، ويخصّ ذلك على مذهبه بما إذا كان ولدها أُنثى.

والفروعات كثيرة ، لا يخفى تطبيق أحكامها على القولين على ذي فطنة.

( و ) على القولين ( يشاركون ) أي أولاد الأولاد حيث قاموا مقام آبائهم ( الأبوين ) للميت وإن كانوا أبعد منهما ( كما يشاركهما الأولاد للصلب على الأصح ) الأقوى ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، بل ومتقدّميهم أيضاً ، عدا الصدوق ، حيث منع عن المشاركة ، وجعل التركة للأبوين أو أحدهما خاصّة (٣).

وهو شاذّ جدّاً ، بل على خلافه الإجماع في الكافي في أوّل كتاب الفرائض (٤) ، وفي الغنية وكنز العرفان والتنقيح حاكياً له عن الشيخ أيضاً (٥) ،

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣١٨ / ١١٤٢ ، الإستبصار ٤ : ١٦٧ / ٦٣٤ ، الوسائل ٢٦ : ١١٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٧ ح ٦.

(٢) التهذيب ٩ : ٣١٨.

(٣) الفقيه ٤ : ١٩٦.

(٤) الكافي ٧ : ٧٠.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٧ ، كنز العرفان ٢ : ٣٢٩ ، التنقيح ٤ : ١٦٤ ، ١٦٥.

٢٩٢

ونفى عنه الخلاف في الانتصار ، وظاهر السرائر الإذعان به ، حيث حكاه ساكتاً عليه ، متلقّياً إيّاه بالقبول (١).

ومع ذلك مستنده غير واضح ، عدا ما فهمه من الصحاح المتقدّمة من كون المراد من « ولا وارث غيرهنّ » هو الوالدان لا غير ، وكونهما أقرب من الأولاد ، فيمنعون بهما ؛ لما مرّ من العمومات الدالّة على منع الأقرب الأبعد.

ويضعّف الأوّل : بأنّ المراد منه الأولاد للصلب لا الأبوان ، كما ذكره الشيخ وغيره (٢) ، قال : والذي يكشف عمّا ذكرناه ما رواه محمّد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن صفوان ، عن خزيمة بن يقطين ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن » قال : « وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت » (٣) انتهى.

وهو حسن ، يعضده اتحاد الراوي له وللصحاح المتقدّمة ، وقصور السند في هذا بالشهرة والعمل منجبر ، ومع ذلك بصريح الخبر المتقدّم في البحث السابق معتضد ، وهو في نفسه دليل مستقل بعد انجباره بما انجبر به هذا ، ونحوه في الصراحة المرسلة المروية عن الطبرسي (٤) رحمه‌الله.

وبهذه الأدلّة يظهر وجه الجواب عن الحجة الأخيرة ؛ لوجوب تخصيصها بها ؛ لأنّها خاصّة وتلك عامّة ، ومع ذلك معتضدة بصريح الإجماعات المستفيضة المنقولة ، فلا ريب في المسألة.

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٣٦.

(٢) التهذيب ٩ : ٣١٧ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ٤ : ٢١٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٣١٧ / ١١٤١ ، الوسائل ٢٦ : ١١٢ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٧ ح ٥.

(٤) الاحتجاج : ٣٩٠ ، الوسائل ٢٦ : ١٠٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٥ ذيل الحديث ١٤.

٢٩٣

( الثانية : يحبى ) أي يعطي ويخصّ ( الولد الأكبر ) أي أكبر الذكور إن تعدّدوا ، وإلاّ فالذكر خاصّة ، كما سيظهر ( بثياب بدن الميت ) المورّث له ( وخاتمه ، وسيفه ، ومصحفه ) بضرورة مذهبنا ، والمعتبرة المستفيضة عن أئمتنا عليهم‌السلام ، ففي الصحيح : « إذا هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف ، والدرع ، والخاتم ، والمصحف ، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم » (١).

ونحوه آخر : « إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه ، ومصحفه ، وخاتمه ، ودرعه » (٢).

ونحوهما ثالث ، مبدلاً فيه الدرع بالكتب ، والرحل ، والراحلة ، والكسوة (٣).

وفي الموثق : « إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه ، فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما » (٤) ونحوه آخر مبدلاً فيه السلاح بالثياب ، ثياب جلده (٥).

وفي ثالث : « كم من إنسان له حقّ لا يعلم به » قلت : وما ذاك أصلحك الله تعالى؟ قال : « إنّ صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به ، أمّا أنّه لم يكن بذهب ولا فضّة » قلت : فما كان؟ قال : « كان علماً » قلت : فأيّهما‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٨٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ / ٩٩٤ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٣٨ ، الوسائل ٢٦ : ٩٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٨٦ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ / ٩٩٦ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤٠ ، الوسائل ٢٦ : ٩٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٨٦ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٥١ / ٨٠٥ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ / ٩٩٧ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤١ ، الوسائل ٢٦ : ٩٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ٩٩٨ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٩٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٦.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٥١ / ٨٠٦ ، الوسائل ٢٦ : ٩٨ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٥.

٢٩٤

أحقّ به؟ قال : « الكبير ، كذلك نقول نحن » (١).

ونحوه رابع ، لكن من دون لفظة : حق وأحق ، بل في ذيله بعد بيان العلم المكتوب فيه : فقال له حسين بن أسباط : فإلى من صار؟ إلى أكبرهما؟ قال : « نعم » (٢).

وظاهرهما كالصحيح الثالث دخول الكتب في الحبوة ، ويمكن تعميم المصحف في غيرها لها.

لكنّه خلاف الظاهر ؛ لتبادر القرآن المجيد منه ، لا مطلق الكتب ، مع منافاته أيضاً لظاهر عطف الكتب عليه في الصحيح المزبور ، ومع ذلك مخالف للأصل ، وما عليه الأكثر.

وظاهر هذه الأخبار كونه على سبيل الوجوب والاستحقاق مجّاناً ؛ للتعبير في كثير منها عن الإحباء باللام المفيدة للملك ، أو الاختصاص ، أو الاستحقاق ، وفي الموثق الثالث بصريح لفظة الأخير.

ولا ينافي الاستدلال به تضمّنه الكتب الغير المعمول به عند الأكثر ، أمّا عند العامل به فظاهر ، وأمّا عندهم فلكونه إخباراً عن الملّة السابقة ، ولم يكن المصحف فيها ، فيحتمل كون ذلك الكتاب المكنون بدلاً عنه.

وهو ظاهر المتن هنا وفي الشرائع (٣) وكثير من أصحابنا ، وصريح جمع منهم (٤) ، وادّعى الشهرة عليه جماعة بحدّ الاستفاضة (٥) ، ولا ريب‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ١٠٠٠ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ٩٩ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٨.

(٢) التهذيب ٩ : ٢٧٦ / ١٠٠١ ، الوسائل ٢٦ : ٩٩ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ٩.

(٣) الشرائع ٤ : ٢٥.

(٤) السرائر ٣ : ٢٥٨ ، التحرير ٢ : ١٦٤ ، كشف الرموز ٢ : ٤٥١ ، التنقيح الرائع ٤ : ١٦٨ ، الروضة البهية ٨ : ١٠٨.

(٥) كالشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٣٦٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣٢٩.

٢٩٥

فيها ، بل ادّعى الحلّي عليه الإجماع (١) ، وهو حجة أُخرى مستقلّة.

خلافاً للإسكافي والمرتضى والفاضل في المختلف (٢) ، فقالوا بأنّه على الاستحباب ، وزاد الأوّلان احتسابها بالقيمة لا مجاناً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل ونصّ الكتاب على موضع الوفاق.

وهو حسن إن كان المستند منحصراً فيه ، وهو ممنوع ؛ لأنّ الأخبار المتقدّمة مع استفاضتها ، واعتبار أسانيدها ظاهرة في الوجوب ؛ لما مضى ، وفي كونه مجّاناً ؛ للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة مع عدمه ، وهو قبيح عندنا ، كما تقرّر في محلّه مستوفى ، مع أنّ الأصل براءة الذمّة عن القيمة جدّاً.

ولا ريب أنّ هذه الأدلّة بالإضافة إلى أدلّة الإرث خاصّة ، فلتكن عليها مقدّمة.

ودعوى ضعف دلالتها ضعيفة جدّاً ، أمّا أوّلاً : فلما مضى.

وأمّا ثانياً : فلاستناد الدلالة فيها إلى اللام وما هو أظهر منها ، وهي بعينها مستند الدلالة في أدلّة الإرث من الكتاب والسنّة أيضاً ، فما هو الجواب فيها فهو الجواب هنا.

والاقتصار في المسألة على مجرّد الوفاق دون الأخبار لا وجه له ولو قلنا بعدم حجية أخبار الآحاد ؛ لكونها هنا محفوفة بالقرائن القطعية أو القريبة منها ، وهي كونها متلقّاة بالقبول عند علمائنا.

وأمّا ما يقوّى به هذا القول من اختلاف الأخبار في مقدار ما يحبى‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٥٨.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٣٢ ، المرتضى في الانتصار : ٢٩٩ ، المختلف : ٧٣٣.

٢٩٦

به ، كما مضى ، مع عدم تضمّن شي‌ء منها الأربعة المتفق عليها ؛ لأنّ أشملها لها الصحيحان الأوّلان ، وقد تضمّنا ثلاثة منها ، ولم يتضمّنا الثياب ، بل تضمّنا الدرع بدلها ، ولم يقل به أحد.

فمحلّ نظر ، أمّا أوّلاً : فلعدم دليل على كون الاختلاف أمارة للاستحباب ، إلاّ أن يبلغ درجة يحصل القطع به من جهتها ، كما في أخبار البئر ونحوها ، ولا بلوغ هنا إليها جدّاً.

وأمّا ثانياً : فلمنع عدم تضمّن الصحيحين للأربعة ، وتضمّنهما للدرع الذي لا يقولون به ؛ لابتنائهما على تعيّن كون المراد بالدرع فيهما درع الحديد لا الثوب والقميص ، وهو في حيّز المنع ؛ لظهور اشتراكه بينهما لغةً ، ووروده بالمعنى الأخير في الأخبار كثيراً ، فإرادته محتمل ، ومعه لا يمكن دعوى الأمرين جدّاً ، فيكون الصحيحان حينئذٍ سالمين عن القدح بالتضمّن لما لا يقول به أحد ، وقد تضمّنا الثلاثة قطعاً ، ويلحق بها الرابعة بعدم القول بالفرق بينهما في أصحابنا ، وتخرج الأحاديث المتضمّنة لها شاهدة وإن سلّمنا عدم حجيتها لتضمّنها نحو السلاح وغيره ممّا لم نكن به قائلاً ، هذا.

ويمكن تعيين الدرع بالمعنى الثاني وترجيحه بفهم الأصحاب ، حيث عبّروا عنه بعد الثلاثة في كلامهم بالثياب ، ولا سيّما الشيخ في النهاية (١) ؛ لفتواه فيها بعين متون الأخبار غالباً ، ولا خبر يتضمّن ما ذكره كما ذكره جميعاً ، على تقدير أن لا يكون المراد من الدرع في الصحيحين ما ذكرنا ، وإذا ثبت بذلك دلالتهما على القميص الحق به باقي الكسوة بالإجماع‌

__________________

(١) النهاية : ٦٣٣.

٢٩٧

والشواهد المتقدّمة ، وحينئذٍ فيكونان متضمّنين للأربعة جميعاً ولو بضميمة ، فتأمّل جدّاً.

ولئن سلّمنا عدم تضمّنهما إلاّ للثلاثة ، وتضمّنهما ما لا يقول به أحد من الطائفة ، نقول : لا يوجب ذلك خروجهما عن الحجية بعد ما تمهّد في محلّه ومرّ غير مرّة من عدم اشتراط تطابق كلّ من الأدلّة الشرعية للمدّعى كلّيّةً ، وأنّه يثبت بعضه ببعضها وآخر بباقيها ، وعدم قدح تضمّن الخبر لما لا يعمل به في حجيته.

وبهذا يمكن الذبّ عن الاختلاف فيما عدا الصحيحين ؛ لأنّه إنّما هو يتضمّن بعضه بعضاً من الأربعة وآخر منه ما لا يقول به أحد من الطائفة ؛ لاندفاع الأوّل بثبوت ما لم يتضمّنه من باقي الأربعة بحجة اخرى خارجة من إجماع أو رواية ، والثاني بأنّه من قبيل العام المخصّص ، فيكون في الباقي حجّة.

وبهذا يمكن أن يقال بوجود رواية متضمّنة لمجموع الأربعة ، وهي الصحيحة الثالثة ، وغايتها تضمّنها الكتب والرحل والراحلة زيادة على الأربعة ، وهو غير ضائر ؛ لما عرفته من عدم خروجها بذلك عن الحجية.

هذا على تقدير عدم القول بهذه الثلاثة.

وأمّا على القول بها أيضاً كما هو ظاهر الفقيه (١) حيث رواها فيه ، مع التزامه أن لا يروي فيه إلاّ ما يعمل به فلا إشكال من أصله.

ولا بعد في المصير إليه بعد صحة مستنده ، لولا ما في صريح الروضة وظاهر غيرها (٢) من إعراض الأصحاب عنها واقتصارهم على الأربعة ، مؤذناً‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٥١.

(٢) الروضة ٨ : ١١٠ ؛ وانظر التنقيح ٤ : ١٦٨.

٢٩٨

بدعوى الإجماع عليه.

ونحوه الكلام فيما صار إليه الإسكافي (١) من إلحاق السلاح بها ، لكن المصير إليه هنا أضعف منه فيما مضى ؛ لقصور مستند هذا عن الصحة بالموثقية ، دونه ؛ لكونه كما عرفت صحيحاً.

وهل يختص الحباء وجوباً أو استحباباً ، بالقيمة أو مجّاناً بما ( إذا خلف الميت ) مالاً ( غير ذلك ) أي غير ما يحبى به ، كما هو صريح الشيخين وابن حمزة والماتن هنا وفي الشرائع (٢) ، وعزاه في الدروس إلى الحلّي (٣) ، وفي المسالك إلى المشهور (٤) ، أم يعمّه وما إذا لم يخلف؟ وجهان ، بل قولان ، ظاهر إطلاق النصوص مع الثاني ، والأصل مع اختصاص الإطلاق بحكم التبادر بالصورة الأُولى ؛ لكونها الغالبة فيه جدّاً مع الأوّل ، وهو الأقوى ، سيّما مع الاعتضاد بالشهرة ، وبما علّل به من استلزام الثاني الإجحاف والإضرار بالورثة ، وهما منفيّان في الشريعة.

وعليه ففي اشتراط كون الغير كثيراً بحيث يعادل نصيب كل من الورثة مقدار الحبوة ، أو نصيب الكلّ مقدارها ، أو عدمه مطلقاً ، وكفاية ما قلّ منه ولو كان درهماً وهي تساوي دنانير ، أوجه ، مقتضى الأدلّة الدالّة على اعتباره ولا سيّما التعليل الأوّل.

قيل : وعليه ينبغي اعتبار نصيب الولد المساوي له في الذكورية ، أمّا‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٣٢.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٨٤ ، الطوسي في النهاية : ٦٣٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٨٧ ، الشرائع ٤ : ٢٥.

(٣) الدروس ٢ : ٣٦٢ ، وهو في السرائر ٣ : ٢٥٨.

(٤) المسالك ٢ : ٣٢٦.

٢٩٩

غيره فلا ؛ لعدم المناسبة ، سيّما الزوجة (١).

( و ) اعلم أنّه ( لو كان الأكبر بنتاً أخذه ) أي المال المحبوّ به ( الأكبر من الذكور ) بلا خلاف ، بل عليه الوفاق في المسالك (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى إناطة الحبوة في أكثر النصوص المتقدّمة بالأكبر من الذكور ، أو بالذكر أعم من أن يكون هناك أُنثى أكبر منه أم لا ، مع أنّه وقع التصريح به في بعضها ، وهو الصحيح : « فإن كان الأكبر بنتاً فللأكبر من الذكور » (٣).

ومقتضاه كغيره إطلاقاً ثبوت الحبوة بين المتعدّد من أكبر الذكور ، فيقسم بينهم بالسوية ، وحكي التصريح به عن الشيخ في المبسوط وجماعة (٤) ، ولعلّه المشهور.

خلافاً لابن حمزة (٥) ، فاشترط في ثبوتها للأكبر فقد آخر في سنّه ، وأسقطها مع وجوده. ولعلّه نظر إلى تبادر الواحد من الأكبر دون المتعدّد.

وهو غير بعيد لولا اشتهار خلافه ، سيّما مع ندرة اتفاق المتعدّدين من أولاد رجل واحد في سنّ واحد ، بحيث لا يزيد سنّ أحدهما عن الآخر بساعة ولا ينقص ، كما هو واضح.

وممّا ذكرنا يظهر الاتفاق على إحباء الذكر الواحد مع غيره من الورثة‌

__________________

(١) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٦.

(٢) المسالك ٢ : ٣٢٦.

(٣) الكافي ٧ : ٨٦ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٥١ / ٨٠٥ ، التهذيب ٩ : ٢٧٥ / ٩٩٧ ، الإستبصار ٤ : ١٤٤ / ٥٤١ ، الوسائل ٢٦ : ٩٧ أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ٣ ح ١.

(٤) المبسوط ٤ : ١٢٦ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٥٠٩ ، والقواعد ٢ : ١٧١ ، والكفاية : ٢٩٧ حكاه عن الجماعة الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٢٦.

(٥) الوسيلة : ٣٨٧.

٣٠٠