رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

من عاقلته عوض ما جناه بنفسه لا يعقل.

وفيه : أنّه استبعاد محض ، لكن لا بأس بتأييد الدليل به إن ثبت ، كما مرّ.

واعلم أنّه حكى الشهيد رحمه‌الله في النكت والدروس تبعاً للفاضل في المختلف (١) عن الفضل بن شاذان والعماني أنّهما قالا : إنّ ضارب ابنه تأديباً يرثه ؛ لأنّه كالإمام عليه‌السلام في إقامة الحدّ ، وإنّ جناية دابة الراكب مانع من الإرث موجب للكفّارة ، قال الفضل : بخلاف دابّة السائق ، ولا قيد فيهما ، ثم ورّثا السبب ، كحافر البئر في غير ملكه ؛ لأنّه لا يسمى قاتلاً ، وورّثا الصبي والمجنون إذا قتلا ، قال الشهيد رحمه‌الله في كتابه الأوّل (٢) : ولم أقف على ذلك في كلام غيرهما من الأصحاب ، إلاّ أنّ المصنف ألحق السبب والصبي والمجنون والسائق والقائد بالمباشر والكامل والراكب ، وفي الفرق بين السائق والراكب بُعد ؛ لأنّه أكثر ضماناً منه.

( ولو اجتمع القاتل ) الممنوع من الإرث ( وغيره ) ممّن يرث المقتول ( فالميراث لغير القاتل ) مطلقاً ( وإن بَعُد ) من المقتول ( سواء تقرب ) ذلك الغير ( بالقاتل ) كابنه مثلاً ( أو بغيره ) كابن الأخ له ونحوه.

( ولو لم يكن ) للمقتول ( وارث سوى القاتل فالإرث للإمام ) عليه‌السلام ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال ، فإنّ القاتل الممنوع من الإرث كالمعدوم ، فيرثه من عداه من مراتب الورّاث على الترتيب المتقدّم ، هذا.

مضافاً إلى الصحيحين الدالّين على بعض من ذلك ، في أحدهما : « لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده ، ولكن يكون الميراث لورثة‌

__________________

(١) غاية المراد ٣ : ٦٠٨ ، الدروس ٢ : ٣٤٧ ، المختلف : ٧٤٢.

(٢) في « ب » زيادة : بعد الحكاية.

٢٤١

القاتل » (١).

وفي الثاني : رجل قتل أباه؟ قال : « لا يرثه ، وإن كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول » (٢).

وفي الصحيح : في الرجل يقتل وليس له وليّ إلاّ الإمام : « إنّه ليس للإمام أن يعفو ، وله أن يقتل ، أو (٣) يأخذ الدية » (٤) فتدبّر.

( وهنا مسائل ) ثلاث.

( الأُولى : الدية كأموال الميت تقضى منها ديونه ، وتنفذ وصاياه ) مطلقاً ( وإن قتل عمداً إذا أُخذت الدية ) وصولح عن القصاص عليها ، على الأشهر الأقوى ، وقد تقدّم الكلام في المسألة في آخر كتاب الوصية مستوفى.

( وهل للديّان ) في صورة العمد ( منع الوارث من القصاص ) مع عدم الوفاء ( الوجه : لا ) وفاقاً للحلي وجماعة من المحققين كما في التنقيح (٥) ، وجعله أشهر في المسالك وغيره (٦) ؛ لأنّ أخذ الدية اكتساب ، وهو غير واجب على الوارث في دين مورّثه ، وللعمومات الواردة في‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ / ١٣٥٠ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٣.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٣٢ / ٧٤١ ، التهذيب ٩ : ٣٨٠ / ١٣٦١ ، الوسائل ٢٦ : ٣٩ أبواب موانع الإرث ب ١٢ ح ١.

(٣) في النسخ : و، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ١٠ : ١٧٨ / ٦٩٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٥ أبواب القصاص في النفس ب ٦٠ ح ٢.

(٥) التنقيح ٤ : ١٤١ ، وهو في السرائر ٢ : ٤٩ ، التحرير ٢ : ١٧٢ ، تبصرة المتعلّمين : ١٨٠ ، المهذب البارع ٤ : ٣٥٢ ، كشف الرموز ٢ : ٤٢٨.

(٦) المسالك ٢ : ٣١٣ ، مفاتيح الشرائع ٣ : ٣١٨.

٢٤٢

القصاص.

( وفي رواية ) عمل بها الشيخ في النهاية والحلبي والقاضي والإسكافي وابن زهرة (١) مدّعياً عليها إجماع الإمامية ، وحكاه الشهيد في النكت (٢) أيضاً عن جماعة أنّ ( لهم منع ) الوارث ( حتى يضمن الوارث الدين ) رواها في التهذيب في كتاب الديات ، في آخر باب القضاء في اختلاف الأولياء ، بسنده عن يونس عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفيها : « إنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل ، فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء ، وإلاّ فلا » (٣).

وفي أُخرى : « فإن وهبوا دمه للقاتل فجائز ، وإن أرادوا القود ليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء ، وإلاّ فلا » (٤).

قيل : والوجه في جواز الهبة لهم بدون الضمان في هذه أنّ مع الهبة يتمكن الغرماء من الرجوع إلى القاتل بحقّهم ، بخلاف ما إذا قيد منه (٥).

وحملهما الطبرسي على ما إذا بذل القاتل الدية ، فإنّه يجب القبول ، وإلاّ جاز القود (٦).

وهو حسن بعد وجود شاهد عليه ، وليس ، مع قصور الروايتين سنداً‌

__________________

(١) النهاية : ٣٠٩ ، الكافي في الفقه : ٣٣٢ ، حكاه عن القاضي والإسكافي في المختلف : ٤١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٢.

(٢) غاية المراد ( مخطوط ) النسخة الرضوية ، الورقة : ٣٠٤.

(٣) الفقيه ٤ : ١١٩ / ٤١١ ، التهذيب ١٠ : ١٨٠ / ٧٠٣ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٢ أبواب القصاص في النفس ب ٥٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٣١٢ / ٨٦١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٥ أبواب الدين والقرض ب ٢٤ ح ٢.

(٥) الوافي ١٦ : ٨٦٥.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٤١٣.

٢٤٣

ومقاومة لما مضى من وجوه شتّى ، أعظمها اعتضاده بالشهرة العظيمة بين الأصحاب دونهما ، حتى أنّه في المهذب وعن الماتن في النكت (١) الحكم بضعف الرواية وشذوذها ، مشعرين بدعوى الوفاق على خلافها.

وفي رواية : « إن قتل عمداً قتل قاتله وادّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين » (٢) هذا.

وأمّا ما يستفاد من السرائر والمختلف والمسالك (٣) من استناد الشيخ فيما أفتى به من مضمون الرواية المتقدّمة إلى الخبر : « عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالاً ، وأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال : « نعم » قلت : وهو لم يترك شيئاً ، قال : « أما أخذوا الدية؟ فعليهم أن يقضوا عنه الدين » (٤).

فقد ذكر في التنقيح أنّه وهم (٥). ولعلّه كذلك ، ولكنّهم أعرف ، إلاّ أنّ استناد الشيخ إليها مع عدم الدلالة على ما اختاره كما ذكروه مستبعد.

واعلم أنّ في المسالك فرض الخلاف فيما لو بذل القاتل الدية (٦).

وهو غريب ، خلاف ما يستفاد من كلمات الأصحاب في بيان محلّه ، حتى أنّه هو بعد ذلك نسب مضمون الرواية المطلقة الغير المقيّدة بما ذكره من القيد إلى القيل الذي هو الشيخ في النهاية ومن تبعه ، وعبارته كما نقل‌

__________________

(١) المهذّب البارع ٤ : ٣٥٣ ، نكت النهاية ٢ : ٢٩.

(٢) الفقيه ٤ : ٨٣ / ٢٦٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٣ أبواب القصاص في النفس ب ٥٩ ح ٢.

(٣) السرائر ٢ : ٥٠ ، المختلف : ٤١٣ ، المسالك ٢ : ٣١٣.

(٤) الكافي ٧ : ٢٥ / ٦ ، الفقيه ٤ : ١٦٧ / ٥٨٤ ، التهذيب ٩ : ١٦٧ / ٦٨١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦٤ أبواب الدين والقرض ب ٢٤ ح ١ ؛ وفيها : إنّما أخذوا ..

(٥) التنقيح ٤ : ١٤٢.

(٦) المسالك ٢ : ٤٧٩.

٢٤٤

كالرواية مطلقة ، ثم نسب تقييد الرواية بالقيد الذي ذكره إلى الطبرسي خاصّة (١) ، وهو ظاهر بل صريح في مخالفته للنهاية ، ولا وجه له سوى قوله بمضمون الرواية مقيّداً بدفع القاتل الدية وإطلاق القول بمضمونها من دون القيد في النهاية ، ولذا أنّ بعض من ديدنه غالباً متابعته لم يترجم عن المسألة بما ذكره ، بل ذكرها مطلقة (٢) ، هذا.

والاحتياط في المسألة يقتضي المصير إلى القول الثاني ؛ للإجماع المنقول المعتضد بدعوى الشهيد في الدروس في كتاب الدين الشهرة عليه (٣) ، مع عدم وجود مخالف له من القدماء عدا الحلي (٤) ، وهو بالإضافة إليهم نادر قطعاً ، والشهرة المحقّقة إنّما هي متأخّرة ، ولو لا العمومات القطعية من الكتاب والسنّة وخصوص الرواية الأخيرة المعتضدة بالشهرة المتأخّرة العظيمة بحيث لا يكاد يوجد مخالف منهم لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوّة ، ولعلّه لهذا تردّد الشهيد في كتبه المزبورة ولم يحكم بشي‌ء من القولين في المسألة.

( الثانية : يرث الدية ) دية المقتول مطلقاً ، عمداً كان قتله أو خطأً ( من يتقرب ) إليه ( بالأب ذكراناً أو إناثاً ) بلا خلاف إلاّ من الخلاف ، فقال : لا يرثها إلاّ المتقرب إليه بالأبوين دون أحدهما (٥).

وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح ، عدا ما يظهر من شرح الشرائع‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٧٩.

(٢) مفاتيح الشرائع ٣ : ٣١٨.

(٣) الدروس ٣ : ٣١٣.

(٤) راجع ص : ٢٣٩.

(٥) انظر الخلاف ٥ : ١٧٨.

٢٤٥

للصيمري (١) من أنّه رواية. ولم أقف عليها ، ولا نقله غيره ، فهي مرسلة لا تعارض عمومات الإرث والنصوص الآتية.

( و ) كذا يرث ( الزوج والزوجة ) كل منهما من دية الآخر ، بلا خلاف يظهر ، وبه صرح في المبسوط (٢) ، بل بالوفاق عليه صرّح جمع ومنهم الشيخ في الخلاف (٣) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى عمومات الكتاب والسنّة ، وخصوص المعتبرة المستفيضة الدالّة على أنّهما يتوارثان من الدية ما لم يقتل أحدهما صاحبه (٤) ، وقد تقدّم غير بعيد إلى بعض منها الإشارة.

وأمّا الرواية الدالّة على : « أنّ عليّاً عليه‌السلام كان لا يورث المرأة من دية زوجها ، ولا يورث الرجل من دية امرأته شيئاً ولا الإخوة من الامّ من الدية شيئاً » (٥) فمع أنّها شاذّة ، قاصرة السند بالسكوني ، غير معارضة لما مرّ من الأدلّة من وجوه عديدة ، فلتكن مطرحة أو مؤوّلة بما ترجع به إلى الأوّلة من الحمل على صورة ما إذا قتل أحدهما صاحبه ، مع احتمالها الحمل على التقية ، كما ذكره شيخ الطائفة (٦) ويؤيّده رواية الراوي لها الذي هو من قضاة العامّة.

( ولا يرث من يتقرب ) إليه ( بالأُمّ ) خاصّة ، وفاقاً للمقنعة والنهاية‌

__________________

(١) غاية المرام ٤ : ١٧٠.

(٢) المبسوط ٧ : ٥٤.

(٣) الخلاف ٤ : ١١٤.

(٤) الوسائل ٢٦ : ٣١ ، ٣٨ أبواب موانع الإرث ب ٨ ، ١١.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٨٠ / ١٣٦٠ ، الإستبصار ٤ : ١٩٥ / ٧٣١ ، الوسائل ٢٦ : ٣٩ أبواب موانع الإرث ب ١١ ح ٤.

(٦) التهذيب ٩ : ٣٨٠.

٢٤٦

والقاضي والتقي وابن زهرة والحلي والكيدري والفاضل في القواعد وولده والشهيدين في الدروس والمسالك (١) ، ونسبه فيه إلى الأكثر ، وتبعه في النسبة جمع (٢) ، وسيأتي عن الحلي نفي الخلاف عنه (٣) ، وفي الخلاف الإجماع عليه (٤) ، وهو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « يرثها الورثة على كتاب الله تعالى وسهامهم ، إذا لم يكن على المقتول دين ، إلاّ الإخوة والأخوات من الأُمّ فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً » (٥) ونحوه آخران (٦) ، لكن بدون ذكر الأخوات فيهما.

وفي الموثق : « لا يرث الإخوة من الامّ من الدية شيئاً » (٧).

وفي الخبر : هل للإخوة من الامّ من الدية شي‌ء؟ قال : « لا » (٨).

__________________

(١) المقنعة : ٧٠٢ ، النهاية : ٧٣٥ ، المهذّب ٢ : ١٦٣ ، الكافي في الفقه : ٣٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، السرائر ٣ : ٢٧٤ ، القواعد ٢ : ١٦٣ ، إيضاح الفوائد ٤ : ١٨٠ ، الدروس ٢ : ٣٤٧ المسالك ٢ : ٣١٣ ، ٣١٤.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٩١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٨٠.

(٣) في ص : ٢٤٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٥٦.

(٥) الكافي ٧ : ١٣٩ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٣٢ / ٧٤٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ / ١٣٣٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣٥ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ١.

(٦) أحدهما في الكافي ٧ : ١٣٩ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ / ١٣٤٠ ، الوسائل ٢٦ : ٣٧ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٤.

والآخر في : الكافي ٧ : ١٣٩ / ٤ التهذيب ٩ : ٣٧٥ / ١٣٣٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣٦ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٢.

(٧) الكافي ٧ : ١٣٩ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٣٧٦ / ١٣٤٣ ، الوسائل ٢٦ : ٣٧ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٥.

(٨) الكافي ٧ : ١٤٠ / ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٧٥ / ١٣٤٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣٧ أبواب موانع الإرث ب ١٠ ح ٦.

٢٤٧

وليس في سنده سوى السهل الثقة عند بعض (١) ، وضعفه سهل عند آخرين (٢) ؛ وداود بن حصين ، وهو موثق.

وهذه النصوص وإن قصرت عن إفادة تمام المدّعى من حرمان جميع من يتقرب بها ؛ لاختصاصها بالإخوة والأخوات منها ، إلاّ أنّه لا قائل بالفرق ظاهراً ، وإن احتمله الشهيدان (٣) ، مع رجوع أوّلهما إلى عدم الفرق.

مضافاً إلى ثبوت الحكم في غير مواردها بطريق أولى ، كما صرح به جماعة (٤) ، وإن أنكرها آخرون متردّدين فيها (٥). ولا وجه له بعد ظهورها بحسب فهم العرف الذي هو المناط في حجيتها.

( وقيل ) كما عن المبسوط (٦) ( يرثها من يرث المال ) كائناً من كان ؛ لعمومات الإرث. ولا وجه للاستناد إليها بعد تلك النصوص الخاصّة ، إلاّ على مختار من ضعّف العمل بأخبار الآحاد ، أو عدم قابليتها لتخصيص نحو الكتاب ، وهما عنده خلاف التحقيق.

وأمّا ما يظهر من الصيمري من أنّ سنده الرواية ، فيتوجّه عليه عين ما سبق على حكايته السابقة من المناقشة (٧).

__________________

(١) كالطوسي في رجاله : ٤١٦ / ٤.

(٢) منهم المجلسي في رجاله : ٢٢٤ / ٨٧٠ ، وانظر تعليقات الوحيد البهبهاني على منهج المقال : ١٧٦ ، ١٧٧.

(٣) الدروس ٢ : ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، الروضة البهية ٨ : ٣٦ ، ٣٧ ، المسالك ٢ : ٣١٣ ، ٣١٤.

(٤) منهم الشهيد الأوّل في غاية المراد ٣ : ٦١٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٨ : ٣٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٨٠.

(٥) مجمع الفائدة ١١ : ٥١١ ، الكفاية : ٢٩١.

(٦) المبسوط ٧ : ٥٤.

(٧) راجع ص : ٢٤٢.

٢٤٨

واعلم أنّ كثيراً من الأصحاب كالشهيدين وغيرهما (١) نسبوا هذا القول إلى الحلّي في كتاب الجنايات. ولم أقف فيه على ما يدل على ما ذكروه ، مع أنّه قال في المسألة الآتية ردّاً على ما قاله الشيخ فيها في النهاية : هذا غير صحيح ولا مستقيم ، بل الإمام وليّ المقتول المذكور ، إن شاء قتل ، وإن شاء عفا ، فإن رضي هو والقاتل واصطلحا على الدية فإنّها تكون له ، دون بيت مال المسلمين ؛ لأنّ الدية عندنا يرثها من يرث المال والتركة ، سوى كلالة الأُمّ ، فإنّ كلالة الأُمّ لا ترث الدية ولا القصاص ولا القود ، بغير خلاف ، وتركته لو مات كانت لإمام المسلمين ، بغير خلاف بيننا (٢). إلى آخر ما ذكره.

وهذا كما ترى ظاهر بل صريح في اختياره القول الأوّل ، نافياً الخلاف فيه بيننا ، ولم أَرَ منه في ذلك الكتاب ما يوجب توهّم ما ذكروه ، عدا ما حكاه فيه عن الشيخ في النهاية والمبسوط في مسألة من يرث القصاص (٣) ، فإنّ عبارته في الكتابين المحكيّة في كتابه ذلك تضمّنت حكم تلك المسألة والمسألة التي نحن فيها ، وعبارة النهاية صرّحت بمنع الكلالة للأُمّ عن إرث الدية (٤) ، وعبارة المبسوط أطلقت الحكم بأنّه يرثها من يرث المال (٥) ، ثم قال : والأقوى ما اختاره في مبسوطه.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٤٨ ، المسالك ٢ : ٣١٣ ؛ وانظر التنقيح ٤ : ١٤٣ ، والكفاية : ٢٩١.

(٢) السرائر ٣ : ٣٣٦.

(٣) السرائر ٣ : ٣٢٨.

(٤) النهاية : ٦٧٣.

(٥) المبسوط ٧ : ٥٤.

٢٤٩

ولعلّه لذا نسبوه إلى ما نسبوه زاعمين رجوع اختياره لما في المبسوط إلى المسألة التي نحن فيها أيضاً ، وما تفطّنوا لرجوعه إلى حكم مسألة من يرث القصاص خاصّة ، فإنّ في عبارتي النهاية والمبسوط فيها أيضاً اختلافاً ، حيث تضمّنت الاولى منع النساء من إرثهنّ القصاص ، والثانية أنّه يرثه من يرث المال حتى النساء ، واختار هو مختار المبسوط ؛ استناداً ، إلى عموم الآية ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (١).

ويشير إلى ما ذكرناه من رجوع اختياره لما في المبسوط إلى مختاره هذا دون ما مضى أوّلاً : ما ذكرناه من عبارته الصريحة في موافقته المشهور هنا مدّعياً الوفاق عليه.

وثانياً : فهم الفاضل في المختلف ما ذكرناه ، فإنّه في كتاب الجناية بعد نقله عبارة الحلّي تلو عبارتي المبسوط والنهاية قال : والمعتمد ما قاله الشيخ في المبسوط ؛ لعموم الآية ، ثم قال : احتجّ الشيخ على قوله في النهاية بما رواه أبو العباس عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « ليس للنساء عفو ولا قود » (٢) ثم قال : والجواب المنع من صحة السند (٣).

وهو كما ترى صريح في فهمه من تلك العبارات ما فهمناه ، وأنّ عنوانها مسألة من يرث القصاص لا هذه المسألة.

ونسبه في الدروس أيضاً إلى الفاضل ، بعد نسبته إيّاه إلى الحلي ، قال : وفي المبسوط : يرثها من يرث المال ، واختاره ابن إدريس والفاضل ؛

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٣٥٧ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ١٧٧ / ٦٩٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٦٢ / ٩٨٨ ، الوسائل ٢٩ : ١١٨ أبواب القصاص في النفس ب ٥٦ ح ١.

(٣) المختلف : ٧٨٦.

٢٥٠

للآية (١).

ولم أقف على ما ذكره في شي‌ء من كتبه التي تحضرني ، ولا يبعد أن يكون منشأ نسبة ذلك إليه عبارته في المختلف المتقدّمة المتضمّنة لاختياره ما اختاره المبسوط والحلي ، لكنّها كما عرفت صريحة في أنّ عنوان مختارهم في تلك العبائر شي‌ء آخر ، لا هذه المسألة.

( الثالثة : إذا لم يكن للمقتول عمداً وارث سوى الإمام عليه‌السلام فله القود ، أو الدية مع التراضي ) عن القود عليها ( وليس له العفو ) عنهما ، وفاقاً للإسكافي والشيخين والقاضي (٢) ، ولعلّه المشهور بين الأصحاب ، كما صرّح به جمع (٣) ؛ للصحيح المروي في الكتب الثلاثة بعدّة طرق صحيحة : في الرجل يقتل وليس له ولي إلاّ الإمام : « إنّه ليس للإمام أن يعفو ، وله أن يقتل ، أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين ، لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام ، وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين » (٤) وهو يتناول العمد والخطأ ، ونسبه في المختلف إلى الشيخين (٥) ، فلا يبعد.

( وقيل ) وهو الحلّي كما مرّ : إنّ ( له العفو ) أيضاً كغيره من الأولياء ، بل هو أولى (٦) ، ونفى عنه البأس في المختلف (٧) ، إلاّ أنّه جعل‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٤٨.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٨٨ ، المفيد في المقنعة : ٧٤٣ ، الطوسي في النهاية : ٦٧٣ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٦٢.

(٣) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ١٤٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣١٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٩١.

(٤) التهذيب ١٠ : ١٧٨ / ٦٩٦ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٥ أبواب القصاص في النفس ب ٦٠ ح ٢.

(٥) المختلف : ٧٨٨.

(٦) السرائر ٣ : ٣٣٦.

(٧) المختلف : ٧٨٨.

٢٥١

العمل بالرواية أولى ، وقريب منه كلام شيخنا في المسالك ، فإنّه قال بعد نقل هذا القول ـ : وله وجه وجيه ، إلاّ أنّ صحة الرواية ، وذهاب معظم الأصحاب إلى العمل بمضمونها ، مع عدم المعارض ، يعيّن العمل بها (١).

والأمر كما ذكراه ، ولكن لا فائدة في نفي البأس عنه بعد ذلك أصلاً.

و ( أمّا الرقّ فيمنع ) من الإرث ( في الوارث ) بمعنى : أنّه لا يرث الإنسان إذا كان رقاً ، وإن كان المورّث مثله ، بل يرثه الحرّ وإن كان ضامن جريرة ، دون الرقّ وإن كان ولداً.

( و ) في ( الموروث ) بمعنى : أنّ الرقّ لا يورّث ، بل ماله لمولاه بحق الملك ، لا بالإرث وإن كان له وارث حرّ ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، حتى على القول بأنّ العبد يملك ، بل عليه الإجماع في عبائر جمع (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، بل المتواترة ، يقف عليها المتتبّع لتضاعيف أخبار أبحاث هذه المسألة ، ففي جملة من المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحيح والقريب منه وغيرهما : « لا يتوارث الحرّ والمملوك » (٣).

ويستفاد منها منع الرقّ عن الإرث في المقامين ، ومن غير واحد من النصوص المعتبرة المنع في الأوّل (٤).

وأمّا ما يدل عليه في الثاني فالمعتبرة الأُخر المستفيضة ، الواردة في ميراث المكاتبين ، منها الصحيح : في مكاتب توفّي وله مال ، قال : « يحسب‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣١٣.

(٢) كالخلاف ٤ : ٢٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٨١ ، والمفاتيح ٣ : ٣١٣.

(٣) الوسائل ٢٦ : ٤٣ أبواب موانع الإرث ب ١٦.

(٤) الوسائل ٢٦ : ٤٤ أبواب موانع الإرث ب ١٦ الأحاديث ٣ ، ٦ ، ٧.

٢٥٢

ميراثه على قدر ما أعتق منه لورثته ، وما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه » (١).

ونحوه آخر : في رجل مكاتب يموت وقد أدّى بعض مكاتبته ، وله ابن من جاريته ، قال : « إن كان اشترط عليه أنّه إن عجز فهو مملوك رجع إليه ابنه مملوكاً والجارية ، وإن لم يكن اشترط عليه ذلك أدّى ابنه ما بقي من مكاتبته ، وورث ما بقي » (٢).

ونحوهما غيرهما من المعتبرة الأُخر ، التي فيها الصحيح أيضاً وغيره (٣).

( ولو اجتمع ) الرقّ الوارث ( مع الحرّ ) مثله ( فالميراث للحرّ دونه ولو بَعُد ) الحر ( وقرب المملوك ) كما مرّ.

ولو كان للحرّ ولد رقّ ولذلك الولد الرقّ ابن حرّ ورث الابن الحرّ جدّه ، ولا يحجبه رقّية أبيه ، كما في الكافر والقاتل ، فإنّهما لا يمنعان من يتقرّب بهما إلى الميت ؛ لانتفاء المانع منه دونهما ، وبه خصوص الخبر المنجبر ضعفه بالعمل ، ورواية الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن موجبه : في عبد مسلم وله أُمّ نصرانية ، وللعبد ابن حرّ ، قيل : أرأيت إن ماتت أُمّ العبد وتركت مالا؟ قال : « يرثها ابن ابنها الحرّ » (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥١ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٤٨ / ٨٠١ ، التهذيب ٩ : ٣٤٩ / ١٢٥٤ ، الوسائل ٢٦ : ٤٨ أبواب موانع الإرث ب ١٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ١٥١ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٤٩ / ١٢٥٦ ، الإستبصار ٤ : ٣٧ / ١٢٥ ، الوسائل ٢٦ : ٥٧ أبواب موانع الإرث ب ٢٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢٦ : ٥٧ أبواب موانع الإرث ب ٢٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٥٠ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٣٧ / ١٢١٤ ، الوسائل ٢٦ : ٤٥ أبواب موانع الإرث ب ١٧ ح ١.

٢٥٣

( ولو أعتق على ميراث قبل قسمته يشارك ) باقي الورثة ( إن كان مساوياً ) لهم في الطبقة والدرجة ( وحاز الإرث ) وجمعه كلّه ( إن كان أولى ) منهم ، بلا خلاف ، كما في المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن ادّعى عبد إنسان أنّه ابنه : أنّه يعتق من مال الذي ادّعاه ، فإن توفّي المدعي ، وقسم ماله قبل أن يعتق العبد ، فقد سبقه المال ، وإن أعتق قبل أن يقسم ماله فله نصيبه منه » (١).

وفي القريب منه بأبان وابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياتهما : « من أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له ، ومن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له » (٢) ونحوه غيره (٣).

وفي القريب منه أيضاً بأبان المتقدّم ، الوارد فيمن أسلم على ميراث قبل قسمته : قلت : العبد يعتق على ميراث ، قال : « هو بمنزلته » (٤).

( و ) منه يظهر أنّه ( لو كان الوارث ) الحرّ ( واحداً فأعتق الرق ) بعد موت مورّثه ( لم يرث ) مطلقاً ( وإن كان أقرب ) إلى الميت من الحرّ ، وكذا لو أعتق بعد القسمة مع تعدّد الورثة ( لأنّه لا قسمة ) في الأوّل ، ولا عتق قبلها في الثاني ، فلا إرث له.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٦ / ٧٩٤ ، التهذيب ٩ : ٣٣٧ / ١٢١٢ ، الوسائل ٢٦ : ٤٦ أبواب موانع الإرث ب ١٨ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٤ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ / ١٣١٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٣٦ / ١٢١٠ ، الوسائل ٢٦ : ٤٧ أبواب موانع الإرث ب ١٨ ح ٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٣٧ / ٧٥٨ ، التهذيب ٩ : ٣٣٦ / ١٢١١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٤.

٢٥٤

ولو قسم بعض التركة ثم أعتق ففي إرثه من الجميع ، أو الباقي خاصّة ، أو عدمه مطلقاً ، أوجه واحتمالات ، ولعلّ أظهرها الأوّل ، كما قطع به الفاضل في الإرشاد وغيره (١) ؛ لعموم المعتبرة المتقدّمة بإرثه لو أعتق قبل القسمة ، والمتبادر منها قسمة جميع التركة لا بعضها.

( ولو لم يكن ) للميت ممّن عدا الإمام عليه‌السلام ( وارث سوى المملوك اجبر مولاه على أخذ قيمته فيعتق ليحوز الإرث ) ويجمعه ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة (٢) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، ستأتي إليها الإشارة.

وهي وإن كانت مطلقة في وجوب الشراء ، إلاّ أنّها مقيّدة بما إذا لم يكن هناك وارث حرّ ، ولو كان بعيداً كضامن جريرة ؛ لما مرّ إليه الإشارة ، مع أنّه ادّعى عليه الشيخ إجماع الإمامية (٣).

وظاهر أكثرها ، كالعبارة وغيرها ، وصريح آخرين (٤) ، توقف عتقه بعد الشراء على الإعتاق ، فيتولاّه من يتولّى الشراء ، وهو الحاكم الشرعي ، فإن تعذّر تولاّهما غيره كفايةً.

قيل : ولا فرق في المملوك بين القنّ والمكاتب والمدبّر وأُمّ الولد ؛ لاشتراك الجميع في أصل الرقّيّة وإن تشبّث بعضهم بالحرّية ، والنهي عن بيع أُمّ الولد مخصوص بغير ما فيه تعجيل عتقها ؛ لأنّه زيادة في مصلحتها‌

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٢٧ ؛ واحتمله في القواعد ٢ : ١٦٢ ، وتنظّر فيه في التحرير ٢ : ١٧١ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٤٨٨.

(٢) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٤٣٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣١٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٣.

(٣) الخلاف ٤ : ٢٦.

(٤) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ١٦٤ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٨ : ٣٨.

٢٥٥

التي نشأ منها المنع من البيع ، فيصح هنا بطريق أولى ، ولو كان المكاتب المطلق قد أدّى شيئاً وعتق منه بحسابه فكّ الباقي ، وإن كان يرث بجزئه الحرّ ؛ لأنّ ما قابل جزأه الرقّ من الإرث بمنزلة ما لا وارث له (١). انتهى.

ويعضده إطلاق النصوص والفتاوى.

( ولو قصر المال ) والتركة ( عن قيمته لم يفكّ ) على الأظهر الأشهر ، كما في المختلف والمسالك وغيرهما (٢) وعليه عامّة من تأخّر ، ونفى عنه الخلاف في السرائر (٣) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى مخالفته الأصل من وجوه عديدة ، فيقتصر فيه على المتيقن من الفتوى والرواية ، وليس إلاّ ما إذا وفت التركة بتمام القيمة ، بل وما زاد أيضاً ، إلاّ أنّه لم يعتبر الزيادة عنه إجماعاً.

( وقيل : يفكّ ) ما وفى به القيمة ( ويسعى ) العبد ( في باقيه ) هذا القول لم نظفر بقائله ، وإنّما الأصحاب الحاكون له أشاروا إليه من دون تصريح به ، وبعدم الظفر به صرّح شيخنا في المسالك (٤) وغيره ، ولا يبعد أن يكون هو الفضل بن شاذان ، كما حكاه عنه في الكافي ، فإنّه قال في جملة كلام له في وجوب شراء المملوك وإعتاقه مع عدم الوارث وجبر المالك عليه ـ : فإن قال أي قائل ـ : فإنّها أي أُمّ الولد ورثت أقلّ من قيمتها أو ورثت النصف من قيمتها ، أو الثلث ، أو الربع ، قيل له : يعتق منها بحساب ما ورثت ، فإن شاء صاحبها أن يستسعيها فيما بقي من قيمتها فعل‌

__________________

(١) قاله الشهيد الثاني في المسالك : ٣١٤.

(٢) المختلف : ٧٤١ ، المسالك ٢ : ٣١٤ ؛ وانظر الإيضاح ٤ : ١٨٣ ، والمهذب البارع ٤ : ٣٦٠.

(٣) السرائر ٣ : ٢٧٢.

(٤) المسالك ٢ : ٣١٤.

٢٥٦

ذلك ، وإن شاء أن تخدمه بحساب ما بقي منها فعل ذلك. لكنّه قال بعد ذلك ما يدل على تخصيصه الفكّ بما إذا لم يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزءاً من قيمتها ، وأنّه لو قصر لا يفكّ ؛ أخذاً من عدة الشهر ، وزعم أنّ الأمة لو تجاوزت قيمتها دية الحرّ ردّت إليها (١).

وإطلاق القول المحكي في كلام الأصحاب لا يوافق هذا التفصيل ، ولعلّه لذا جعله في الدروس قولاً ثالثاً (٢).

وكيف كان فلا ريب في ضعفه مطلقاً ، وإن قوّاه مطلقاً من دون تفصيل بعض متأخّري متأخّري أصحابنا (٣) ؛ لعدم وضوح مأخذه ، عدا ما في السرائر (٤) من نسبته إلى رواية ، ولم نقف عليها ، فهي مرسلة لا حجة فيها ، سيّما في مقابلة حجّة الأكثر المتقدّمة ، مع أنّه ذكر الشيخ في النهاية أنّه لم يقف له على أثر (٥).

وأمّا عموم : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٦) ونحوه (٧) فبعد تسليم شموله لنحو المقام معارض بعموم ما دل على أنّه : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (٨) ولا ريب أنّ إجبار المالك على بيع مملوكه ضرر ، وأصالة البراءة مع الشهرة العظيمة مع حكاية نفي الخلاف المتقدّمة ترجّح الثاني ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٨.

(٢) الدروس ٢ : ٣٤٣.

(٣) مفاتيح الشرائع ٣ : ٣١٣.

(٤) السرائر ٣ : ٢٧٢.

(٥) النهاية : ٦٦٨.

(٦) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(٧) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

(٨) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٤ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٠ ، وكذا الوسائل ٢٥ : ٤٢٧ أبواب إحياء الموات ب ١٢.

٢٥٧

فلا محيص عنه ، وإن نفى البأس عن خلافه في المختلف والمسالك (١).

ويتفرع على القولين فروع ، منها : ما لو تعدّدوا ووفّى نصيب بعضهم بقيمته دون غيره ، فعلى القول الثاني يجب شراؤهما ، بل وجوب شراء من وفّى نصيبه بقيمته أولى ؛ لعدم تضرر المالك ، وعدم الاحتياج إلى الاستسعاء.

وعلى الأوّل لا يجب شراء من لا يفي نصيبه بقيمته ، وفي وجوب شراء الآخر وجهان ، أحدهما : العدم ؛ لقصور التركة عن فكّ الورثة في الجملة ، وهو مانع عن الفكّ ، كما مرّ إليه الإشارة ؛ ولأنّه إمّا أن يجب فكّ بعض كل واحد ، أو فكّ واحد لا بعينه ، أو بعينه ، فإمّا من يفي نصيبه بقيمته ، أو غيره ، والأوّل خلاف الفرض ، والثاني غير موجود في الخارج ، والثالث ترجيح من غير مرجّح ، والرابع كذلك ، مع متروكيّته بالإجماع.

وثانيهما : نعم ؛ لوجود قريب يرث مع الحرّية ، وما هو كذلك يجب شراؤه ؛ لعموم النص ، وفرق بينه وبين شراء بعض وارث بحصول ضرر فيه على المالك دون الأوّل ، وهو اختيار الفاضل وولده ، ومال إليه شيخنا الشهيد الثاني (٢).

ومنها : ما لو لم تف التركة بقيمة القريب ووفت بقيمة البعيد ، كالأخ مع الابن ، فيجب شراؤه دون البعيد على القول الثاني دون الأوّل.

وعليه ففي وجوب شراء الأخ ، أو كون التركة للإمام عليه‌السلام وجهان ، أحدهما : نعم ؛ لأنّ الابن يمنع من إرث الأخ مع حرّيته أو مع إمكانها ، وكلاهما مفقودان ، فهو في حكم العدم ، فينحصر الوارث في الأخ.

__________________

(١) المختلف : ٧٤١ ، المسالك ٢ : ٣١٤.

(٢) القواعد ٢ : ١٦٤ ، إيضاح الفوائد ٤ : ١٨٤ ، المسالك ٢ : ٣١٤.

٢٥٨

والآخر : لا ؛ لأنّ كونه ولداً يمنع من إرث الأخ ، فليس الأخ وارثاً هنا. وهو ضعيف ؛ لأنّ من شروط الحجب عدم رقّيّة الوارث.

( و ) اعلم أنّه ( يفكّ الأبوان ) إجماعاً ، كما في الانتصار والسرائر والشرائع وشرحيه لشيخنا الشهيد الثاني والصيمري والروضة (١) ، وغيرها من كتب الجماعة (٢) ، وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في الأُمّ (٣) ، ويلحق بها الأب ؛ لعدم القائل بالفرق ، مع وقوع التصريح به فيما يأتي من المعتبرة.

مضافاً إلى استلزام ثبوت الحكم فيها ثبوته فيه بطريق أولى (٤).

( و ) اختلفوا في إلحاق من عداهما بهما على أقوال ، فبين من اقتصر عليهما ، كما عن سلاّر وظاهر ابني بابويه (٥) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المجمع عليه.

وبين من ألحق بهما ( الأولاد ) خاصّة ( دون غيرهما ) من الأقارب والزوجين ، مخصِّصاً إيّاهم بأولاد الصلب دون أولاد الأولاد ، كما عن المفيد وابن حمزة (٦) ، ونسبه الحلي إلى الأكثر وحكاه عن المرتضى وقوّاه ؛ مستنداً في محلّ المنع إلى الأصل ، وفي الإلحاق إلى الإجماع (٧).

__________________

(١) الانتصار : ٣٠٨ ، السرائر ٣ : ٢٧٣ ، الشرائع ٤ : ١٥ ، المسالك ٢ : ٣١٥ ، غاية المرام ٤ : ١٧٢ ، الروضة البهية ٨ : ٤١.

(٢) إيضاح الفوائد ٤ : ١٨٦ ، والتنقيح الرائع ٤ : ١٤٥ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ٣١٣.

(٣) الوسائل ٢٦ : ٤٩ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٦ ، ٧ ، ١١.

(٤) في « ب » زيادة : فتأمّل.

(٥) المراسم : ٢١٩ ، حكاه عن ابني بابويه في المختلف : ٧٤١ ، والإيضاح ٤ : ١٨٦.

(٦) المقنعة : ٦٩٥ ، الوسيلة : ٣٩٦.

(٧) السرائر ٣ : ٢٧٢.

٢٥٩

وسيظهر لك ضعف هذه الأقوال.

( وقيل : يفكّ ذو القرابة ) مطلقاً ، فيدخل فيه من علا من الآباء ، ومن سفل من الأولاد ، والإخوة ، والأعمام ، والأخوال ، وبالجملة كل وارث قريب عدا الزوج والزوجة ، والقائل الإسكافي والشيخ في النهاية والتقي والقاضي وابن زهرة والكيدري (١) ، وكثير ممّن تأخّر عنهم كالفاضل وولده والشهيدين وغيرهم (٢) ، ونسبه في الروضة إلى الأكثر (٣).

وهو الأقوى ؛ استناداً في إلحاق الأولاد للصلب بما مرّ من الإجماع المحكي في كلام الحلي ، وأولادهم بظاهر الاتفاق المحكي في الروضة على إلحاق الأولاد بالأبوين من دون تقييد بكونهم للصلب.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : الرجل يموت ، وله ابن مملوك ، قال : « يشترى ، ويعتق ، ثم يدفع إليه ما بقي » (٤) ونحوه آخر (٥).

وفي ثالث : عن رجل كانت له أُمّ ولد وهو طويل ، وفي آخره ـ : قلت : فولدها من الزوج؟ قال : « إن كان ترك مالاً اشتري منه بالقيمة ،

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٤١ ، النهاية : ٦٦٨ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٥٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، وحكاه عن الكيدري في المختلف : ٧٤١.

(٢) القواعد ٢ : ١٦٤ ، إيضاح الفوائد ٤ : ١٨٧ ، اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ٤١ ، والتنقيح الرائع ٤ : ١٤٦.

(٣) الروضة ٨ : ٤٢.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٧ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٤٦ / ٧٩٢ ، التهذيب ٩ : ٣٣٤ / ١٢٢١ ، الوسائل ٢٦ : ٥٠ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ٤.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٣٥ / ١٢٠٥ ، الإستبصار ٤ : ١٧٧ / ٦٦٧ ، الوسائل ٢٦ : ٥٣ أبواب موانع الإرث ب ٢٠ ح ١٠.

٢٦٠