رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

الأوّل ، وهذا البناء مشهور بين المتأخّرين ، بل عليه عامّتهم وفاقاً للحليّ (١).

( الثانية : روى ) المشايخ الثلاثة في الصحيح (٢) إلى : ( مالك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في نصراني مات ، وله ابن أخ وابن أُخت مسلمان ، وأولاد صغار ) أنّه ( لابن الأخ الثلثان ، ولابن الأُخت الثلث ، و ) أنّه ( ينفقان على الأولاد بالنسبة ) أي بنسبة حقوقهما وميراثهما من أبيهم ، فينفق عليهم ابن الأخ ثلثي النفقة ، وابن الأُخت ثلثها ، هذا إذا لم يسلموا قبل البلوغ.

( فـ ) أمّا ( إن أسلم الصغار ) قبله ( دفع المال ) أي التركة ( إلى الإمام ، فإن بلغوا ) باقين ( على الإسلام دفعه الإمام إليهم ، ولو ) (٣) ( لم ) يسلموا ، أو لم ( يبقوا ) بعده على إسلامهم ( دفع ) الإمام المال ( إلى ابن الأخ الثلثين ، وإلى ابن الأُخت الثلث ).

وظاهر نقلهم لها من دون معارض صريح بل ولا ظاهر عملهم بها ، مع تصريح الشيخ في النهاية (٤) بالفتوى بها ، كالمفيد والقاضي والحلبي وابن زهرة والكيدري ونجيب الدين (٥) ، كما حكى ذلك عنهم الشهيد في‌

__________________

(١) السرائر ٣ : ٢٦٨.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٣ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٤٥ / ٧٨٨ ، التهذيب ٩ : ٣٦٨ / ١٣١٥ ، الوسائل ٢٦ : ١٨ أبواب موانع الإرث ب ٢ ح ١.

(٣) في « ر » والمطبوع من المختصر (٢٦٤) : فإن.

(٤) النهاية : ٦٦٥.

(٥) المفيد في المقنعة : ٧٠١ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٥٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، نجيب الدين في الجامع : ٥٠٢.

٢٢١

النكت (١) مدّعياً هو فيه وفي الدروس (٢) كونها مذهب الأكثر والمعظم ، ونحوه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (٣) ، فقد نسبه إلى أكثر الأصحاب ، قال : خصوصاً المتقدّمين منهم كالشيخين والصدوق (٤) والأتباع ، وبذلك أيضاً صرّح المقدس الأردبيلي رحمه‌الله وصاحب الكفاية (٥).

ولا ريب في اشتهار الرواية بين القدماء ، بل والمتأخّرين أيضاً ، كما يفهم من عبائر هؤلاء الجماعة ، فلا بعد في المصير إليها ، وإن ضعف السند بالراوي ، والمتن بمخالفة الأُصول المقرّرة والقواعد الممهّدة من أنّ الولد يتبع أبويه في الكفر والإسلام بلا خلاف ، وما مرّ من أنّ من أسلم من الأقارب الكفّار بعد اقتسام الورثة المسلمين لا يرث ، ومن أسلم قبله يشارك أو يختصّ ، ومن لوازم عدم المشاركة اختصاص الوارث المسلم بنصيبه من الإرث ، ولا يجب عليه بذله ولا شي‌ء منه للقريب الكافر صغيراً كان أم كبيراً ؛ لانجبار جميع ذلك بالشهرة المطلقة المحكية ، بل المحقّقة بين القدماء بلا شبهة ، بل لا يرى لهم منهم مخالف عدا الحلي (٦) ، وهو بالإضافة إليهم شاذّ ، هذا.

مضافاً إلى قوّة السند في نفسه بتضمّن الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح رواياته ، مع أنّه في الفقيه أسنده إلى عبد الملك بن أعين أيضاً ، لكن مردّداً بينهما في النسخة المشهورة ، وفي غيرها أسنده إليهما‌

__________________

(١) غاية المراد ٣ : ٥٩٧.

(٢) الدروس ٢ : ٣٤٦.

(٣) المسالك ٢ : ٣١٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٤٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٤٨٣ ، الكفاية : ٢٨٩.

(٦) السرائر ٣ : ٢٦٨.

٢٢٢

معاً ، وهو حسن وإن ضعف مالك بن أعين ، ويحصل من ذلك تأييد ما للسند أيضاً ، كما يحصل من وصف جماعة إيّاه بالصحة ، كالفاضل في المختلف والشهيد في الكتابين (١) ، بل نسبه جدّي المجلسي رحمه‌الله إلى أكثر الأصحاب (٢) ، فتأمّل جدّاً.

والخروج عن الأُصول بمثل هذا الخبر المنجبر بالعمل غير عزيز ، ولكن المسألة مع ذلك لعلّها لا تخلو عن إشكال ؛ لإطباق المتأخّرين على عدم الجزم به ، وإن اختلفوا في التوقّف فيه أو ردّه.

فبين من اختار الثاني ، كالفاضل في الإرشاد والمختلف والمقداد في التنقيح وشيخنا في المسالك والمقدس الأردبيلي رحمه‌الله وجدّي العلاّمة المجلسي (٣) رحمه‌الله ونسبه شيخنا في المسالك وبعض من تبعه (٤) إلى أكثر المتأخّرين.

وبين من مال إلى الأوّل ، كالماتن هنا وفي الشرائع والشهيد في الكتابين وصاحب الكفاية وغيرهم (٥).

ولعلّه في محلّه ، وإن كان المصير إلى ما عليه الأكثر لما مرّ غير بعيد.

واختلفوا في تنزيل الخبر على ما يوافق الأصل فرادّوه على الاستحباب وغيرهم من العاملين به على محامل تأبى عنها نفس الرواية.

__________________

(١) المختلف : ٧٤٠ ، الدروس ٢ : ٣٤٥ ، غاية المراد ٣ : ٥٩٧.

(٢) روضة المتقين ١١ : ٣٨٧.

(٣) الإرشاد ٢ : ١٢٧ ، المختلف : ٧٤١ ، التنقيح الرائع ٤ : ١٣٧ ، المسالك ٢ : ٣١٢ ، مجمع الفائدة ١١ : ٤٨٣ ، روضة المتقين ١١ : ٣٨٧.

(٤) مفاتيح الشرائع ٣ : ٣١٢.

(٥) الشرائع ٤ : ١٣ ، الدروس ٢ : ٣٤٦ ، غاية المراد ٣ : ٥٩٨ ٥٩٩ ، الكفاية : ٢٨٩ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٧٧.

٢٢٣

وهل يختص الحكم على تقدير ثبوته بمورد الخبر ، كما هو ظاهر الأكثر ، أم يطّرد في ذي القرابة المسلم على الإطلاق مع الأولاد ، كما في المختلف عن ابن زهرة والحلبي (١)؟ وجهان ، ولا ينبغي ترك الاحتياط فيه ، بل في أصل المسألة على حال.

( الثالثة : إذا كان أحد أبوي الصغير ) مطلقاً ( مسلماً الحق به ) في إسلامه ، سواء كان حين علوق الصغير أو بعده قبل بلوغه ، ويتبع ذلك حكم التوارث ( فلو بلغ اجبر على الإسلام ، ولو أبى ) عنه ( كان كالمرتدّ ) في وجوب قتله وحكم إرثه الآتي ، ولا أعرف في شي‌ء من ذلك خلافاً بين الأصحاب ، بل ادّعى عليه في المسالك (٢) الوفاق ، ونفى الخلاف عن أصل التبعيّة في المفاتيح والكفاية (٣) ، ولا شبهة فيه ، كما لا شبهة في التبعيّة في الكفر أيضاً إذا كان أبواه كافرين معاً ، وادّعى فيه بالخصوص الإجماع في التنقيح ، قال : ولهذا يسترقّ كما يسترقّ أبوه الكافر (٤).

أقول : ولعلّ التبعيّة للأبوين في الإسلام والكفر من الضروريّات يمكن استفادته من الأخبار المتواترة معنىً ، المتشتّتة في مواضع عديدة ، ككتاب الميراث ، والحدود ، والجهاد ، والوصية.

ويدلُّ على إجباره على الإسلام بعد الإدراك الخبران المرويان في الكافي والتهذيب في باب حدّ المرتدّ ، أحدهما المرسل كالموثق على الأصح : في الصبي إذا شبّ فاختار النصرانية ، وأحد أبويه نصراني ، أو‌

__________________

(١) المختلف : ٧٤٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الكافي في الفقه : ٣٧٥.

(٢) المسالك ٢ : ٣١٢.

(٣) المفاتيح ٢ : ٣٦٣ ، الكفاية : ٢٨٩.

(٤) التنقيح ٤ : ١٣٥.

٢٢٤

جميعاً مسلمين ، قال : « لا يترك ، ولكن يضرب على الإسلام » (١).

وفي الثاني : في الصبي يختار الشرك وهو بين أبويه ، قال : « لا يترك ، وذاك إذا كان أحد أبويه نصرانياً » (٢) فتأمّل جدّاً.

وعلى أنّه لو أبى قُتِل ، المرسلة الآتية.

وإنّما الشبهة في الحكم بالارتداد وثبوت جميع أحكامه له بالإباء عن الإسلام مع ثبوته بمجرّد التبعيّة ، فإنّي لم أقف فيه على رواية عدا رواية مرسلة رواها الصدوق ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام فإن أبى قُتل ، وإن أسلم الولد لم يجرّ أبويه ، ولم يكن بينهما ميراث » (٣).

وإطلاقات النصوص المتضمّنة لأحكام الارتداد غير شاملة لمثل هذا المرتدّ ، بحكم التبادر في جملتها ، والصريح في بعضها ، إلاّ أنّ دعوى الوفاق المعتضدة بعدم الخلاف وبالمرسلة المزبورة الدالّة على ما ذكروه ولو في الجملة حجّة قويّة كفتنا مئونة الاشتغال بتحصيل غيرها من الحجج الشرعيّة.

( الرابعة : المسلمون يتوارثون ) بعضهم من بعض ( وإن اختلفت آراؤهم ) ومذاهبهم ما لم ينكروا ما علم ضرورة من الدين ، ومعه لا يرث المنكر غيره ، وهو يرثه.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٥٧ / ٧ ، الفقيه ٣ : ٩١ / ٣٤١ ، التهذيب ١٠ : ١٤٠ / ٥٥٤ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٦ أبواب حد المرتد ب ٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ٢٥٦ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ١٤٠ / ٥٥٣ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٦ أبواب حد المرتد ب ٢ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٩٢ / ٣٤٣ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٩ أبواب حد المرتد ب ٣ ح ٧.

٢٢٥

( وكذا الكفّار ) يتوارثون بعضهم من بعض ( وإن اختلفت ملتهم ) (١) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، إلاّ من المفيد في المقنعة في بعض نسخها ، فقال : يرث المؤمن أهل البدع من المعتزلة والمرجئة والخوارج من الحشوية ، ولا ترث هذه الفرق مؤمناً (٢). ووافق القوم في النسخة الأُخرى (٣).

ومن الحلبي ، فقال : يرث كفّار ملّتنا غيرهم من الكفّار ، ولا يرثونهم ، وقال : المجبّرة والمشبّهة وجاحد الإمامة لا يرثون المسلم (٤).

وهما مع شذوذهما محجوجان بعمومات أدلّة الإرث من الكتاب والسنّة ، السليمة هنا عن المعارض بالكلّيّة ؛ لاختصاص الأدلّة المانعة عن إرث الكافر عن المسلم فتوًى وروايةً بالكافر مقابل المسلم ، وهو من لم يظهر الشهادتين ، أو أظهرهما وأنكر من الدين ما علم ضرورة.

وهذا وإن لم يتعرض له كثير من أصحابنا هنا ، إلاّ أنّ الحكم به مستفاد من قواعدهم التي مهّدوها في مواضع أُخر شتّى ، وبه صرّح الشهيد في الدروس والعلاّمة في القواعد (٥) والفاضل المقداد هنا ، فقال بعد الاستدلال لما عليه الأصحاب من أنّ المقتضي للتوارث هو الإسلام لا غير ـ : نعم الغلاة والمجسّمة والخوارج والمرجئة والجبريّة لا يرثون غيرهم من أرباب المذاهب ؛ لأنّهم منكرون لما علم ضرورة من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم كفرة ، والكافر لا يرث المسلم ؛ لما تقدّم (٦). انتهى.

__________________

(١) في « ر » والمطبوع من المختصر (٢٦٤) : مللهم.

(٢) المقنعة : ٧٠١.

(٣) قاله في المختلف : ٧٤١.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٧٥.

(٥) الدروس ٢ : ٣٤٦ ، القواعد ٢ : ١٦٣.

(٦) التنقيح الرائع ٤ : ١٣٧.

٢٢٦

ومقتضى ذلك ثبوت التوارث بينهم وبين سائر الكفّار ، لكنّه صرّح بعد ذلك بما يدل على أنّ مثل هذا الكافر من ملّتنا يرث مثله وغيره من أقسام الكفّار من غير ملّتنا ، ولا يرثونه إذا كانوا من غير ملّتنا ، قال : لأنّ لهم خصوصية بذلك زادوا على غيرهم ، فهم يرثون غيرهم من الكفّار ، ولا ينعكس ، ولم أقف على من تعرّض لذلك غيره.

( الخامسة : المرتدّ ) وهو الكافر بعد الإسلام أعاذنا الله تعالى ممّا يوبق الأديان إذا كان ارتداده ( عن فطرة ) الإسلام بأن ارتدّ عنه بعد أن انعقد وأحد أبويه مسلم ، كما صرّح به الفاضلان والشهيدان وغيرهم (١) ، من دون خلاف بينهم يعرف ، ويعضده ظواهر بعض النصوص الآتية المتضمن له مع حكمه من حيث التعبير فيه عنه بمن ولد على الإسلام كما في بعض ، أو على الفطرة كما في آخر ، ولا يصدق شي‌ء منهما إلاّ بما ذكروه ( يقتل ، ولا يستتاب ، وتعتدّ امرأته عدّة الوفاة ) مطلقاً ، ولو لم يدخل بها ، على قول قوي. ( وتقسم أمواله ) بين ورثته ، ولو كان حيّاً.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، ولا حكاه أحد من الطائفة ، إلاّ شيخنا في المسالك وبعض من تبعه (٢) ، فحكياه عن ظاهر الإسكافي ، حيث لم يفصّل في الاستتابة والقتل بعدها مع عدم التوبة بين الفطري والملّي ، قال التابع بعد نقله : وهو شاذّ. وهو ظاهر في انعقاد الإجماع على خلافه ، وبه صرّح في الروضة وغيرها (٣) ، وهو الحجة.

__________________

(١) المحقق في الشرائع ٤ : ١٣ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ١٧١ ، الشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٥٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٥١ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ٤٣٥.

(٢) المسالك ٢ : ٤٥١ ؛ وانظر المفاتيح ٢ : ١٠٤.

(٣) الروضة ٩ : ٣٣٧ ، والمسالك ٢ : ٤٥١.

٢٢٧

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « من رغب عن الإسلام ، وكفر بما انزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إسلامه فلا توبة له ، وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، وقسم ما ترك على ولده » (١).

وإنّما خصّ بالفطري مع شموله أيضاً للملّي جمعاً بينه وبين ما دلّ على لزوم قتل المرتدّ بقول مطلق بعد امتناعه من التوبة ، كالصحيح عن غير واحد من أصحابنا عنهما عليهما‌السلام في المرتدّ : « يستتاب ، فإن تاب ، وإلاّ قتل » (٢) إلى غير ذلك من النصوص ، بحملها على الملّي خاصّة.

والجامع بعد الإجماع المتقدّم إليه الإشارة المعتبرة ، منها الصحيح : عن مسلم تنصّر كما في الكافي والتهذيب أو : ارتدّ كما في الاستبصار قال : « يقتل ، ولا يستتاب » قلت : فنصراني أسلم ، ثم ارتدّ عن الإسلام ، قال : « يستتاب ، فإن رجع ، وإلاّ قتل » (٣).

والموثق : « كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوّته وكذّبه فإنّ دمه مباح لكل من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه ، ويقسم ماله على ورثته ، وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه » (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٣ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٣ / ١٣٣٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٢٥٦ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٣٧ / ٥٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٣ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٧ أبواب حد المرتد ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٢٥٧ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ١٣٨ / ٥٤٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٤ / ٩٦٣ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٧ أبواب حد المرتد ب ٣ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٢٥٧ / ١١ ، الفقيه ٣ : ٨٩ / ٣٣٣ ، التهذيب ١٠ : ١٣٦ / ٥٤١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٣ / ٩٥٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٤ أبواب حد المرتد ب ١ ح ٣.

٢٢٨

والمرفوع كالموثق بعثمان بن عيسى المجمع على تصحيح رواياته : « أمّا من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ، ولا تستتبه ، ومن لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه ، فإن تاب ، وإلاّ فاضرب عنقه » (١).

وفي الصحيح : رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام ، هل يستتاب ، أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب : « يقتل » (٢).

وفيه تصريح بقتل الفطري وعدم استتابته ، وفي كثير من النصوص عدم قتل الملّي إلاّ بعد امتناعه من التوبة ، ولا تعارض بينهما ، فيجب العمل بهما بلا شبهة ، وفيهما قرينة أُخرى أيضاً على الجمع المتقدّم إليه الإشارة ، فلا شبهة في المسألة.

وقصور اسناد بعض المعتبرة المتقدّمة كقصور دلالة بعض آخر منها عن إفادة تمام ما ذكره الجماعة معتضد ومجبور بعملهم ، فلا وجه لمناقشة بعض متأخّري الطائفة (٣) فيها بذينك الأمرين وغيرهما بالمرّة.

( و ) ممّا ذكرناه يستفاد ما ذكره الأصحاب من غير خلاف فيه بينهم يعرف أنّ ( من ليس ) ارتداده ( عن فطرة ) كأن أسلم عن كفر ثم ارتدّ لا يقتل ابتداء ، بل ( يستتاب ، فإن تاب ، وإلاّ قتل ) والنصوص به زيادة على ما مرّ مستفيضة ، ما بين مطلقة للحكم بالاستتابة غير مقيّدة للمرتدّ بالملّي ، ومقيّدة له به.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩١ / ٣٣٩ ، التهذيب ١٠ : ١٣٩ / ٥٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ٣٣٣ أبواب حد المرتد ب ٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ١٠ : ١٣٩ / ٥٤٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٤ / ٩٦٤ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٥ أبواب حد المرتد ب ١ ح ٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٣ : ٣٢٢.

٢٢٩

وقد عرفت الجواب عن الأدلّة بحملها على المقيّدة ؛ لما عرفت من الأدلّة ، مع أنّها ضعيفة ، وأكثر رجالها من العامّة ، موافقة لمذاهبهم ، كما صرّح به جماعة (١) ، فيحتمل الحمل أيضاً على التقية ، ويعضده مصير الإسكافي (٢) إليها ، كما مرّ غير مرّة.

وسقوطها من البيت بهذا الحمل غير ضائر ، فإنّ في بقيّة النصوص كفاية إن شاء الله تعالى.

مع عدم الخلاف هنا أصلاً ، وبه صرّح الفاضل المقداد في التنقيح ، فقال بعد نقل ما قدّمناه هنا من المتن مع ما بعده من قوله : ( وتعتدّ زوجته عدّة الطلاق مع الحياة ، وعدّة الوفاة لا معها ) ـ : هذا ممّا لا خلاف فيه عندنا ، لكن الشيخ في النهاية زاد على هذا أنّه إذا التحق بدار الحرب ولم يقدر عليه يقسم ميراثه بين أهله ، وتبعه القاضي ، ونازعه الحلي قائلاً بأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه ، ولا دليل على قسمة أمواله بارتداده ، قال :وقد رجع الشيخ عن ذلك في المبسوط والخلاف ، وهذا هو المفتي به (٣). انتهى.

وظاهره كما ترى عدم الخلاف في مبلغ العدّة في صورتي الحياة والوفاة أيضاً وقد قدّمنا التحقيق فيه في كتاب النكاح.

وهل الملّي لتوبته حدّ وتقدير مدّة؟ قيل : لا ؛ لعدم دليل عليه (٤).

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ٨ : ٧١ ، والخلاف ٥ : ٣٥٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٥١.

(٢) على ما نقله عنه في المسالك ٢ : ٤٥١.

(٣) التنقيح ٤ : ١٣٨ ، وهو في النهاية : ٦٦٦ ، والمهذب ٢ : ١٦١ ، والسرائر ٣ : ٢٧١ ، ٢٧٢ ، والمبسوط ٧ : ٢٨٣ ، والخلاف ٥ : ٣٥٨.

(٤) قاله الشيخ في الخلاف ٥ : ٣٥٦.

٢٣٠

وقيل : القدر الذي يمكن معه الرجوع ؛ احتياطاً في الدماء ؛ وإزاحةً للشبهة العارضة في الحدّ (١). وقيل : ثلاثة أيّام (٢) ؛ للخبر الضعيف لجماعة (٣) ، وفيه : « المرتدّ تعزل عنه امرأته ، ولا تؤكل ذبيحته ، ويستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب ، وإلاّ قتل يوم الرابع » (٤) ولعلّ الوسط أجود.

( و ) أمّا ( المرأة ) فـ ( لا تقتل ) بالردّة ( بل تحبس ، وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ) مطلقاً ( ولو كانت ) مرتدّة ( عن فطرة ) للمعتبرة المستفيضة ، ففي المرسل كالصحيح بل الصحيح على الصحيح : « والمرأة إذا ارتدّت استتيبت فإن تابت ورجعت ، وإلاّ خلّدت السجن ، وضيّق عليها في حبسها » (٥).

وفي الصحيح : في المرتدّة عن الإسلام ، قال : « لا تقتل ، وتستخدم خدمة شديدة ، وتمنع الطعام والشراب إلاّ ما تمسك نفسها ، وتلبس خشن الثياب ، وتضرب على الصلوات » (٦).

وأمّا الصحيح الدالّ على قتل المرتدّة عن ملّة بعد إبائها عن التوبة (٧) ،

__________________

(١) حكاه الشيخ في المبسوط ٧ : ٢٨٣ ، ثم قال : وهو الأقوى ، واعتمد عليه الصيمري في تلخيص الخلاف ٣ : ٢١٧.

(٢) حكاه الشيخ في المبسوط ٧ : ٢٨٢ ، وجعله أحوط ، واستحسنه المحقق في الشرائع ٤ : ١٨٤.

(٣) تقدّم ذكرهم في ص : ١٩٨ الرقم ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٢٥٨ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ٨٩ / ٣٣٤ ، التهذيب ١٠ : ١٣٨ / ٥٤٦ ، الاستبصار ٤ : ٢٥٤ / ٩٦١ ، المقنع : ١٦٢ ، الوسائل ٢٨ : ٣٢٨ أبواب حد المرتد ب ٣ ح ٥.

(٥) الكافي ٧ : ٢٥٦ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٣٧ / ٥٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٣ / ٩٥٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٣٢ أبواب حد المرتد ب ٤ ح ٦.

(٦) الفقيه ٣ : ٨٩ / ٣٣٥ ، التهذيب ١٠ : ١٤٣ / ٥٦٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٣٠ أبواب حد المرتد ب ٤ ح ١.

(٧) التهذيب ١٠ : ١٤٣ / ٥٦٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٥ / ٩٦٨ ، الوسائل ٢٨ : ٣٣١ أبواب حد المرتد ٤ ح ٥.

٢٣١

فـ ـ مع أنّه شاذّ ، مخالف للإجماع قضيّة في واقعة ، يحتمل الاختصاص بها ، وغيره ، مع توجيهات فيه بها لا ينافي الأخبار الأوّلة ، ذكر بعضها الشيخ في الكتابين (١) وغيره ، مع أنّه غير مكافئ لها.

واعلم أنّه ذكر شيخنا في المسالك وبعض من تبعه أنّه ليس فيها ما يدلّ على قبول توبتها مطلقاً ، والأوّل منها وإن كان ظاهره ذلك إلاّ أنّه تضمّن حكم الرجل بذلك أيضاً ، وحمله على الملّي يرد مثله فيها ، فحمل الدالّ على تخليد حبسها دائماً من غير تفصيل على الفطري وعدم قبول توبتها كالرجل ممكن ، وفي التحرير إشعار بالخلاف في ذلك ، وهو مناسب للأخبار (٢).

أقول : وأظهر من عبارة التحرير عبارة المهذّب (٣) المحكيّة في بعض الحواشي المعتبرة ، وفيها بعد الحكم بأنّ حكم المرتدّة مطلقاً حكم المرتدّ عن غير فطرة ـ : وذهب بعضهم إلى أنّها تحبس دائماً مع التوبة إن كانت عن فطرة.

ولكنّه لم يظهر منها ولا من العبارة الأُولى كون المخالف منّا ، فلعلّه من العامّة العمياء ، أو من لم يعتدّ به أصلاً ، وربما يشير إلى هذا ما حكي عن المهذب أيضاً في ذيل تلك العبارة في ردّه ، قال : وهو وهم ، لم يقل به أحد ، ولا يدل عليه دليل ، بل الأخبار تدل على خلافه (٤). انتهى.

وما أبعد ما بين ما ذكره من دلالة الأخبار على خلافه وما ذكره شيخنا‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ١٤٣ ، ١٤٤ ، الاستبصار ٤ : ٢٥٦.

(٢) المسالك ٢ : ٤٥١ ، وتبعه الفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٠٥ ، وهو في التحرير ٢ : ٢٣٥.

(٣) المهذّب البارع ٤ : ٣٤٤.

(٤) المهذّب البارع ٤ : ٣٤٤.

٢٣٢

من مناسبته لها.

وكيف كان فعبارته ظاهرة في عدم الخلاف ، كعبارة من تبع شيخنا في إشكاله ، حيث قال بعد ذكر الحكم أوّلاً ـ : بلا خلاف. وهو الظاهر منه أيضاً حيث نسب الحكم بعد ذكره إلى الأصحاب كافّة من دون خلاف ذكره ، ولا ريب فيه ، فإنّ عبائر الأصحاب مطبقة على ذلك من دون نقل خلاف عمّن يعتدّ به ، ولا ذكر إشكال ، وحيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا إشكال فيها بحمد الله سبحانه.

مع إمكان استفادتها من الرواية الأُولى بنوع من التوجيه ، كأن يذبّ عمّا أُورد عليها من استلزام حمل المرتدّ فيها على الملّي مثله في المرتدّة بمنع التلازم بين الحملين ؛ لتغاير اللفظين ، فلا بعد في تقييد إطلاق أحدهما بالدليل الخارجي ، وإبقاء الآخر على إطلاقه.

نعم ربما نافى ذلك السياق فكان مستبعداً ، لكنّه مندفع بعد ضمّ الفتاوى من دون خلاف إليها ، ولعلّه لذا لم يستشكل الحكم بذلك في الروضة (١) أصلاً ، وجعله التابع أحوط وأولى (٢).

( السادسة : لو مات المرتدّ كان ميراثه لوارثه المسلم ) وإن بَعُد وقرب وارثه الكافر ، إجماعاً ؛ لما مرّ.

( ولو لم يكن ) له ( وارث إلاّ كافر كان ميراث المرتدّ ) الأجود الاكتفاء عنه بالضمير ( للإمام ) عليه‌السلام ، بلا خلاف يظهر فيما إذا كان المرتدّ عن فطرة.

وكذا مطلقاً ( على الأظهر ) الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي‌

__________________

(١) الروضة ٩ : ٣٤٤.

(٢) انظر المفاتيح ٢ : ١٠٥.

٢٣٣

عبارة الماتن في الشرائع وغيره (١) إشعار بالإجماع عليه ، حيث نسبا الرواية وقائلها إلى الشذوذ ، ولعلّه الظاهر من تتبّع الفتاوى ؛ لاتفاقها على ذلك من دون ظهور مخالف صريح ولا ظاهر ، عدا الصدوق في الفقيه ، حيث روى ما يدل على أنّ ميراث الملّي لورثته ، في الموثق كالصحيح عن إبراهيم بن عبد الحميد : في نصراني أسلم ، ثم رجع إلى النصرانية ، ثم مات ، قال : « ميراثه لولده النصارى » ومسلم تنصّر ، ثم مات ، قال : « ميراثه لولده المسلمين » (٢).

وظاهره الفتوى بمضمونه ؛ لما ذكره في أوّل كتابه ، مع أنّه حكي عنه المصير إليه صريحاً في مقنعه (٣).

ولم نر موافقاً له عدا الشيخ في استبصاره ، حيث حكى الرواية فيه بعينها متناً وسنداً ، لكن مرسلاً ، وقال بعدها : ميراث النصراني يكون لولده النصارى إذا لم يكن له ولد مسلمون (٤).

لكنّه غير صريح بل ولا ظاهر في فتواه به ؛ لما هو معلوم في كتابيه من حاله ، مع أنّه صرّح في النهاية بخلاف الرواية ، حاملاً لها على التقية ، قال : لأنّها مذهب العامة (٥). وبذلك ردّها جماعة (٦). وآخرون‌ :

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٢ ؛ وانظر المفاتيح ٣ : ٣١٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٤٥ / ٧٨٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٦ أبواب موانع الإرث ب ٦ ذيل الحديث ١.

(٣) حكاه عنه في المهذب البارع ٤ : ٣٤٧ ، والمسالك ٢ : ٣١١ ، وهو في المقنع : ١٧٩.

(٤) الاستبصار ٤ : ١٩٣ ، وكذا في التهذيب ٩ : ٣٧٢ / ١٣٢٨.

(٥) النهاية : ٦٦٧.

(٦) منهم الفاضل في المختلف : ٧٥١ ، وابن فهد في المهذب البارع ٤ : ٣٤٧ ، والمقداد في التنقيح ٤ : ١٣٩.

٢٣٤

بإرسالها (١).

وهو كما ترى ؛ لاختصاص الإرسال بكتابية ، وإلاّ فهي مسندة في الفقيه ، مع أنّ في سنده ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه.

وثالث : بعدم مقاومتها للقاعدة الدالّة على أنّ المرتدّ بحكم المسلم ، فلا يرثه الكافر (٢).

وهو حسن إن ثبتت الكلّيّة وعموم المنزلة بحيث يشمل مفروض المسألة من إجماع أو رواية ، ولم أتحقّقهما كذلك بالكلّيّة.

ورابع : بمعارضتها بالمرسلة كالصحيحة بأبان وابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياتهما ، كما مرَّ غير مرة : في رجل يموت مرتدّاً ، وله أولاد ، فقال : « ماله لولده المسلمين » (٣) بناءً على دلالة تقييد الولد بالمسلمين بمفهوم القيد المعتبر على عدم كون إرثه لأولاده الكافرين ، فلا يكون لغيرهم من الورثة الكفّار بالإجماع وفحوى الخطاب ، فانحصر الميراث للإمام عليه‌السلام (٤).

وهو حسن إن لم يكن القيد وارداً مورد الغالب ، كما ذكره هذا المجيب في الذبّ عن معارضة هذا المرسل بإطلاق الصحيحين ، في أحدهما : عن رجل ارتدّ عن الإسلام لمن يكون ميراثه؟ قال : « يقسم ميراثه‌

__________________

(١) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٤٢٥ ، وابن فهد في المهذب البارع ٤ : ٣٤٧.

(٢) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٤٧٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٥٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧٤ / ١٣٣٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٨ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٦.

(٤) انظر كفاية الأحكام : ٢٨٩.

٢٣٥

على ورثته على كتاب الله تعالى » (١) ونحوه الثاني (٢) ، قال بعدهما : إنّهما مبنيّان على الغالب من كون ورثة المرتدّ عن الإسلام مسلمين.

ومقصوده أنّه لا عبرة بإطلاقه ؛ لوروده مورده ، فلا يعمّ ورثته الكفّار كما هو محلّ البحث ومفروضه.

قلنا : فاقبل مثله في القيد الوارد في المرسل ؛ لوروده مورده أيضاً ، فلا يعمّ غيره.

وخامس : بحمل الأولاد فيها على الصغار ، وهم بحكم المسلمين تبعاً لإسلام أبيهم قبل ارتداده (٣).

وفيه نظر ؛ لما فيه من تقييد الأولاد بالصغار ، ثم تقييدهم بالمنعقدين حال إسلام الأب ، وليس فيها ما يرشد إليهما ، مع إشعار وصفهم بالنصارى على خلافهما ، ولو لا الإجماع الظاهر المستشعر من جملة من العبائر لكان المصير إليها ليس بذلك البعيد ؛ لاعتبار السند ، والاعتضاد بعمومات أدلّة الإرث ، السليمة هنا عن المعارض ممّا دل على عدم إرث الكافر عن المسلم ؛ لاختصاصه بحكم التبادر بعدم الإرث عن المسلم الحقيقي ، لا مطلق من في حكمه ، وبرواية الإسكافي لها عن ابن فضال وابن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

والحمل على التقيّة يصار إليه مع وجود المعارض الأقوى ، وليس‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٥٢ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٢ / ٧٧١ ، التهذيب ٩ : ٣٧٤ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٣.

(٢) الكافي ٧ : ١٥٣ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٧٣ / ١٣٣٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٧ أبواب موانع الإرث ب ٦ ح ٥.

(٣) روضة المتقين ١١ : ٣٨٩ ، وملاذ الأخبار ١٥ : ٣٩٩.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٧٥١.

٢٣٦

بعد الإجماع كما فرضنا.

مضافاً إلى انجبار ضعفها بذلك بموافقتها للعمومات السليمة هنا كما عرفت عن المعارض.

( وأمّا القتل ) أي قتل الوارث لولاه المورّث ( فيمنع الوارث من الإرث ) أي إرث المقتول ( إذا كان عمداً ظلماً ) إجماعاً محقّقاً ، ومحكيّاً في كلام جماعة (١) حدّ الاستفاضة ، والصحاح به مع ذلك كغيرها من المعتبرة مستفيضة ، ففي الصحيح وغيره : « لا ميراث للقاتل » (٢).

واحترز بالظلم عمّا لو قتله حدّا ، أو قصاصاً ، ونحوهما من القتل بحق ، فإنّه لا يمنع بلا خلاف ، كما في كلام جماعة (٣) ، وهو الحجة المؤيّدة بعمومات أدلّة الإرث كتاباً وسنّة ، السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة ، عدا إطلاقات النصوص المتقدّمة ، وهي غير صريحة في المعارضة ، بل ولا ظاهرة ؛ لاختصاصها بحكم التبادر بغير مفروض المسألة ، وهو القتل ظلماً لا حقّاً ، هذا.

مضافاً إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه بالعمل : عن طائفتين من المؤمنين ، إحداهما باغية ، والأُخرى عادلة ، اقتتلوا ، فقتل رجل من أهل العراق أباه ، أو ابنه ، أو أخاه ، أو حميمه ، وهو من أهل البغي ، وهو وارثه ،

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ٣٩ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٨ ) : ٣١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٤.

(٢) الصحيح في : الكافي ٧ : ١٤١ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ / ١٣٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ٣٠ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ١. وغيره في : الكافي ٧ : ١٤٠ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٧٧ / ١٣٤٩ ، الوسائل ٢٦ : ٣١ أبواب موانع الإرث ب ٧ ح ٦.

(٣) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٩٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٤ ، وانظر المسالك ٢ : ٣١٣ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٨٠.

٢٣٧

هل يرثه؟ قال : « نعم ، لأنّه قتله بحق » (١).

( ولا يمنع لو كان خطأً ) مطلقاً عند المفيد في نقل (٢) ، والديلمي والماتن هنا وفي الشرائع (٣) ، وإليه يميل شيخنا في المسالك (٤) ؛ للصحيح : عن رجل قتل امّه ، أيرثها؟ قال : « إن كان خطأً ورثها ، وإن كان عمداً لم يرثها » (٥) ونحوه الموثق في التهذيبين ، الصحيح في الفقيه (٦).

مع انتفاء الحكمة الباعثة على نفي الإرث حيث لم يقصد القتل ، وهي مقابلته بنقيض مقصوده.

خلافاً للعماني (٧) ، فيمنع مطلقاً ؛ أخذاً بإطلاق النصوص المانعة ، وخصوص الخبر : « لا يرث الرجل أباه إذا قتله وإن كان خطأً » (٨) ونحوه آخر (٩).

وهو شاذّ ، ومستنده ضعيف ؛ لتقييد الإطلاق بما مرّ من الصحيحين وغيرهما ممّا يأتي في البين ، وضعف الخبرين سنداً ، ومكافأةً لما مرّ‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٣٣ / ٧٤٨ ، التهذيب ٩ : ٣٨١ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٢٦ : ٤١ أبواب موانع الإرث ب ١٣ ح ١.

(٢) المقنعة : ٧٠٣.

(٣) المراسم : ٢١٨ ، الشرائع ٤ : ١٤.

(٤) المسالك ٢ : ٣١٣.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٧٩ / ١٣٥٨ ، الإستبصار ٤ : ١٩٣ / ٧٢٦ ، الوسائل ٢٦ : ٣٤ أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ٢.

(٦) الفقيه ٤ : ٢٣٢ / ٧٤٢ ، التهذيب ٩ : ٣٧٩ / ١٣٥٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٣ / ٧٢٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٣ أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ١.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٧٤٢.

(٨) الكافي ٧ : ١٤١ / ٧ ، الوسائل ٢٦ : ٣٤ أبواب موانع الإرث ب ٩ ح ٣.

(٩) التهذيب ٩ : ٣٧٩ / ١٣٥٩ ، الإستبصار ٤ : ١٩٣ / ٧٢٧ ، الوسائل ٢٦ : ٣٤ أبواب موانع الإرث ب ٩ ذيل الحديث ٣.

٢٣٨

وسيأتي من وجوه شتّى ، مع احتمالهما الحمل على التقية ، كما ذكره الشيخ في الكتابين (١).

( وقال الشيخان ) والمرتضى والإسكافي والحلبي والقاضي وابن حمزة وابن زهرة والحلي (٢) ، وبالجملة الأكثر ، على الظاهر المصرّح به في كلام جمع ممّن تأخّر ، كالشهيدين وغيرهما (٣) : إنّه ( يمنع من الدية حسب ) ويرث ممّا عداها من التركة.

ولعلّه الأظهر ؛ لنقل المرتضى والشيخ وابن زهرة والحلي الإجماع عليه من الطائفة ، وهو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة ، مع قصور ما دل منها على إرث الخاطئ عن الدلالة على إرثه من الدية المأخوذة منه أو من العصبة ؛ لاختصاصه بحكم التبادر بإرث ما عداها من التركة.

مضافاً إلى رواية عاميّة هي بالتفصيل مصرّحة ، وفيها : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ، ويرث الرجل من مالها وديتها ، ما لم يقتل أحدهما صاحبه ، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرثه من ماله ، ولا ديته ، وإن قتله خطأً ورث من ماله ولا يرث من ديته » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، الاستبصار ٤ : ١٩٤.

(٢) حكاه عن المفيد في التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، والنهاية : ٦٧٢ ، الطوسي في التهذيب ٩ : ٣٨٠ ، المرتضى في الانتصار : ٣٠٧ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٧٤٢ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٧٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٦٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٩٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٨ ، الحلي في السرائر ٣ : ٢٧٤.

(٣) الدروس ٢ : ٣٤٧ ، المسالك ٢ : ٣١٣ ؛ وانظر الكفاية : ٢٩٠.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٩١٤ / ٢٧٣٦.

٢٣٩

وضعف السند مجبور بعمل الأكثر ، وذكر الزوجين غير مخصّص إجماعاً ، هذا.

مضافاً إلى الاعتضاد بعموم المعتبرة المستفيضة أو إطلاقاتها الدالّة على عدم إرث القاتل شيئاً من الدية ، ففي الصحيح : « المرأة ترث من دية زوجها ويرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه » (١) ونحوه الموثق (٢) وغيره (٣).

وأقرب منها دلالة الصحيح : عن امرأة شربت دواءً وهي حامل ، ولم يعلم بذلك زوجها ، فألقت ولدها ، قال : فقال : « إن كان له عظم ونبت عليه اللحم عليها دية تسلّمها إلى أبيه ، وإن كان حين طرحته علقة أو مضغة ، فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تؤدّيها إلى أبيه » قلت : فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال : « لا ، لأنّها قتلته » (٤) فتأمّل.

واستدلوا عليه أيضاً بوجه اعتباري ، وهو : أنّ الدية يجب عليه دفعها إلى الوارث على تقدير كون الخطأ شبه العمد ، ويدفعها عاقلته إلى الوارث على تقدير كونه محضاً ؛ لقوله تعالى ( وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (٥) ولا شي‌ء من الموروث له يجب دفعه إلى الوارث والدفع إلى نفسه ، وأخذه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤١ / ٨ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ / ١٣٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٩٤ / ٧٢٨ ، الوسائل ٢٦ : ٣٢ أبواب موانع الإرث ب ٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٨١ / ١٣٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٣ / ١٢٢٥ ، الوسائل ٢٦ : ٣٣ أبواب موانع الإرث ب ٨ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ١٤١ / ٩ ، التهذيب ٩ : ٣٧٨ / ١٣٥٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣٢ أبواب موانع الإرث ب ٨ ح ٣.

(٤) الكافي ٧ : ١٤١ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٢٣٣ / ٧٤٦ ، التهذيب ٩ : ٣٧٩ / ١٣٥٦ ، الإستبصار ٤ : ٣٠١ / ١١٣٠ ، الوسائل ٢٦ : ٣١ أبواب موانع الإرث ب ٨ ح ١.

(٥) النساء : ٩٢.

٢٤٠