رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

لا ( أربعة دنانير ) قيمتها أربعون درهماً ( على رواية ) مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل في الآبق ديناراً إن أخذه في مصره ، وإن أخذه في غيره فأربعة دنانير » (١).

وهي وإن كانت ( ضعيفة ) السند بجماعة (٢) ، والمتنِ بمخالفة القاعدة الدالّة على ثبوت اجرة المثل فيما له اجرة في العادة ، وعدم شي‌ء فيما لا اجرة له ، إلاّ أنّها ( يعضدها ) (٣) ( الشهرة ) المتقدّمة والمتأخّرة حتى من الحلي (٤) الغير العامل بأخبار الآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية ، لكنّه خصّها بصورة ذكر الجعل مبهماً ، كما نزّلنا عليه العبارة.

ونسبه الشهيد في الدروس والصيمري في شرح الشرائع (٥) إلى المتأخّرين كافّة. ونسب الأوّل كالمختلف (٦) العمل بإطلاق الرواية الشامل لما لم يذكر جعل بالكلية ولم يستدع الردّ بالمرّة إلى ظاهر النهاية والمقنعة والوسيلة (٧).

وما عليه الحلي وتابعوه في غاية القوة ؛ عملاً بالقاعدة ؛ واقتصاراً في تخصيصها بالرواية على ما تحقّق فيه منها جبر بالشهرة ، وليس في محل‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١٢٠٣.

(٢) هم : محمّد بن الحسن بن شمون ، وعبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ ، وسهل بن زياد ، ضعّفهم أصحاب الرجال ، لاحظ رجال الكشي ٢ : ٦١٣ / ٥٨٤ ، رجال النجاشي : ١٨٥ / ٤٩٠ و ٢١٧ / ٥٦٦ و ٣٣٥ / ٨٩٩ ، رجال الطوسي : ٤٣٦ / ٢٠ ، الفهرست : ٨٠ / ٣٢٩.

(٣) في المطبوع من المختصر (٢٦٢) : يؤيّدها.

(٤) السرائر ٢ : ١٠٩.

(٥) الدروس ٣ : ٩٧ ، غاية المرام ٣ : ٤٥٤.

(٦) المختلف : ٤٥٤.

(٧) النهاية : ٣٢٣ ، المقنعة : ٦٤٨ ، الوسيلة : ٢٧٧.

٢٠١

البحث بلا شبهة.

وإطلاقها كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في وجوب المقدّر بين نقصانه عن قيمة العبد وعدمه. وبه صرّح الماتن في الشرائع والفاضل في التحرير (١).

واستشكل في القواعد (٢) والروضة ، بل قال فيها : وينبغي حينئذٍ أن يثبت على المالك أقلّ الأمرين من قيمته والمقدّر شرعاً. ومبنى الرواية على الغالب من زيادة قيمته كثيراً (٣).

وهو حَسَنٌ ، لكن في كلام الصيمري أنّ الإطلاق مشهور بين الأصحاب ، فيمكن جعل الشهرة قرينة على إرادة الفرد النادر. وفيه إشكال.

وظاهر النص والفتوى وجوب دفع المقدّر لا استحبابه. ونسبه في المختلف (٤) إلى الأشهر.

خلافاً للمبسوط (٥) فنزّل الرواية على الفضيلة ، وحجّته غير واضحة عدا العمل بالقاعدة ، وترك أصل الرواية. وهو حَسَنٌ لولا ما عرفت من الشهرة الجابرة. فهو ضعيف وإن اختاره شيخنا في المسالك والروضة وبعض من تبعه (٦) ، فحكموا بلزوم الأُجرة دون المقدّر في الرواية.

ثم إنّ مورد العبارة والرواية العبد خاصّة ، ( و ) لكن ( ألحق ) به‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ١٦٤ ، التحرير ٢ : ١٢٢.

(٢) القواعد ١ : ٢٠٠.

(٣) الروضة ٤ : ٤٥٠.

(٤) المختلف : ٤٥٤.

(٥) المبسوط ٣ : ٣٣٣.

(٦) المسالك ٢ : ١٨٥ ، الروضة ٤ : ٤٤٨ ؛ وانظر الكفاية : ٢٣٣.

٢٠٢

( الشيخان ) والحلي وغيرهم (١) ( البعير ) ونسبه في المختلف (٢) إلى الأكثر. ويظهر من المفيد رحمه‌الله أنّ به رواية ؛ لأنّه قال : بذلك ثبتت السنّة. وفيه إشكال ، ولعلّ المصير إلى القاعدة أجود وفاقاً لجماعة (٣).

( و ) أما ( فيما عداهما ) فتتعيّن ( أُجرة المثل ) إذا كان العمل ممّا له اجرة في العادة وذكر المالك لها ولو مبهمة ؛ عملاً بالقاعدة المتقدّمة ، مع أنّه إجماعي كما صرّح به بعض الأجلة. فلا إشكال فيه ، كما لا إشكال في عدم لزوم شي‌ء مع فقد الشرطين ، أو تبرّع العامل بعمله ؛ لأصالة البراءة.

( الثالث : لا يضمن الملتقط في الحول ) وبعده ( لقطةً ولا لقيطاً ولا ضالّةً ما لم يفرّط ) أو يتعدّى ، بلا خلاف في شي‌ء من حكمي المستثنى منه والمستثنى ، ولا إشكال فيهما أصلاً.

ومن التعدي أخذها بنيّة التملك قبل الوقت المشروع للتملك فيه في أثناء الحول كانت أو ابتداء لكون اليد حينئذٍ عارية مستعقبة للضمان إجماعاً. وكذا ترك التعريف حيث يجب عليه مطلقاً وإن لم ينوِ التملك ، بل الحفظ خاصّة.

وليس منه الأخذ بنيّة الحفظ دائماً مع المواظبة على التعريف سنةً ، ولا الأخذ ليعرّفها سنةً ويتملّكها بعدها ، فإنّها أمانة فيها إذا عرّفها ، ويجوز له التملّك بعدها مع الضمان ، كما مضى.

وفي ثبوته بعد الحول بمجرد نيّة التملك السابقة أو توقفه على نية‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٤٨ ، الطوسي في النهاية : ٣٢٣ ، الحلي في السرائر ٢ : ١٠٩ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة ٤ ) : ٤٤٨.

(٢) المختلف : ٤٥٥.

(٣) الخلاف ٣ : ٥٨٩ ، المبسوط ٣ : ٣٣٢ ، كشف الرموز ٢ : ٤١٥ ٤١٦ ، التنقيح الرائع ٤ : ١٢٨.

٢٠٣

اخرى له متجدّدة وجهان على القول بافتقار التملّك بعد التعريف إليها. وعلى القول بحصوله بعده قهراً فالضمان بعد مضيّ الحول متعيّن جدّاً. وحيث ثبت الضمان بموجبه من نيّة التملك قبل الحول أو ترك التعريف لم يزل بزواله من نيّة الحفظ والأخذ في التعريف ؛ استصحاباً لما ثبت من حاله سابقاً.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ العين لا تخرج بالتقاطها قبل الحول عن ملك مالكها ، فالنماء المتجدّد في أثنائه للمالك مطلقاً ، متصلاً كان أو منفصلاً. وأقرب الوجهين وأظهرهما أنّه يتبع العين مطلقاً ، ولا يشترط لتملّكه حول بانفراده بعد إكمال حول أصله.

وإطلاق العبارة وسائر الفتاوى بكون اللقطة مع عدم التفريط أمانة يقتضي عدم الفرق فيها بين لقطة الحرم وغيرها.

وهو حسن إن قلنا بعدم الفرق بينهما حكماً ، وأمّا على القول بالفرق بينهما كراهةً في الثانية وحرمةً في الأُولى فمشكل جدّاً. بل الأوفق بالأُصول عدم كون لقطة الحرم أمانة ؛ لكون اليد الآخذة لها عادية من حيث النهي عن التقاطها فلا إذن لها في التصرّف فيها أصلاً ، فتأمّل جدّاً.

٢٠٤

( كتاب المواريث )

هو أعم من الفرائض مطلقاً إن أُريد بها المفروض بالتفصيل ، وإن أُريد بها ما يعمّ الإجمال كإرث اولي الأرحام فهو بمعناه ، ومن ثم كان التعبير بما هنا أولى من التعبير بالفرائض.

والأصل فيه بعد الإجماع الكتاب والسنّة ، قال سبحانه : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) إلى آخر الآيتين (١).

وفي النبوي : « تعلّموا الفرائض وعلّموها الناس ، فإنّي امرء مقبوض ، وإنّ العلم سيقبض ، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما » (٢).

قيل : وذلك لابتناء مسائل الفرائض على أُصول غير عقليّة ، وعدم اشتمال القرآن على جميعها ، ولأهل البيت عليهم‌السلام فيها أُصول باينوا بها سائر الفِرَق ، وهم أدرى بما في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وفيه أيضاً : « تعلّموا الفرائض ، فإنّها من دينكم ، وإنّه نصف العلم ، وإنّه أوّل ما ينتزع من أُمّتي » (٤).

وقد ذكروا في توجيه التنصيف وجوهاً كلّها تعسّفات.

__________________

(١) النساء : ١١ ، ١٢.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٢٠٨ ، الوافي ٢٥ : ٧٠١.

(٣) مفاتيح الشرائع ٣ : ٣٠٠.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٢٠٩ ، الوافي ٢٥ : ٧٠١.

٢٠٥

( والنظر ) فيه يكون ( في المقدّمات ، والمقاصد ، واللواحق ).

( والمقدّمات ثلاث : )

( الاولى : في ) بيان ( موجبات الإرث ) وأسبابه ( وهي : نسب وسبب ، فالنسب ) هو الاتّصال بالولادة بانتهاء أحد الشخصين إلى الآخر ، كالأب والابن ، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق اسم النسب عرفاً على الوجه الشرعي.

وهو ( ثلاث مراتب : ) لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود واحد من المرتبة السابقة خال من موانع الإرث.

فالأُولى : ( الأبوان ) من غير ارتفاع ( والولد وإن نزل ) بشرط الترتيب ، الأقرب فالأقرب.

( و ) بعدها ( الأجداد ) والجدّات ( وإن علوا ) مرتّبين ( والإخوة ) والأخوات ( وأولادهم ) مع فقدهم ( وإن نزلوا ) كذلك.

( و ) بعدهما ( الأعمام ) والعمّات ( والأخوال ) والخالات ، وأولادهم مع فقدهم وإن نزلوا ، ثم أعمام الأبوين ، وعمّاتهما ، وأخوالهما ، وخالاتهما ، وأولادهم مع فقدهم وإن نزلوا كذلك ، ثم أعمام الجدّ والجدّة ، وعمّاتهما ، وأخوالهما ، وخالاتهما ، وأولادهم مع فقدهم وإن نزلوا ، الأقرب فالأقرب ، وهكذا إلى سائر الدرجات. ففي كلّ من المرتبتين الأُوليين صنفان ، وفي الباقي صنف واحد ؛ لأنّهم إخوة الأب والأُمّ.

ولا يحجب الأقرب من كلّ صنف الأبعد من الصنف الذي في مرتبته ، بل يحجبه إذا كان من صنفه ، والواحد من كلّ مرتبة أو درجة وإن كان أُنثى يحجب من وراءه من المراتب والدرجات ، إلاّ في صورة واحدة‌

٢٠٦

إجماعية ، هي : أنّ ابن العمّ للأب والأُمّ يحجب العمّ للأب وحده ، ويأخذ نصيبه.

والأصل في جميع ذلك بعد الإجماع عليه في الجملة الكتاب والسنّة ، قال سبحانه ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) الآية (١).

وفي الصحيح : « أنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به ، إلاّ أن يكون وارث أقرب إلى الميت فيحجبه منه » (٢) ونحوه غيره (٣).

وفي الخبر : « ابنك أولى بك من ابن ابنك ، وابن ابنك أولى بك من أخيك ، وأخوك لأبيك وأُمّك أولى من أخيك لأبيك ، وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأُمّك ، وابن أخيك لأبيك وأُمّك أولى بك من ابن أخيك لأبيك ، وابن أخيك لأبيك أولى بك من عمّك ، وعمّك أخو أبيك من أبيه وأمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه ، وعمّك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لأُمّه ، وابن عمّك أخي أبيك من أبيه وأُمّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه ، وابن عمّك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأُمّه » (٤).

وما فيه من أولويّة المتقرّب بالأب وحده على المتقرّب بالأُمّ وحدها من الإخوة والأعمام وأولادهم بمعنى زيادتهم الميراث ، وفي غيرهم بمعنى‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٧٧ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٦٩ / ٩٧٦ ، الوسائل ٢٦ : ٦٨ أبواب موجبات الإرث ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٧٧ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٢٦٩ / ٩٧٧ ، الوسائل ٢٦ : ٦٨ أبواب موجبات الإرث ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٧ : ٧٦ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٦٨ / ٩٧٤ ، الوسائل ٢٦ : ٦٣ أبواب موجبات الإرث ب ١ ح ٢.

٢٠٧

الحجب ، إجماعاً (١) كما يأتي.

( والسبب ) هو الاتّصال بما عدا الولادة من ولاء أو زوجيّة ، وهو لتعدّد ما به الاتّصال فيه ( قسمان : زوجيّة ) من الجانبين مع دوام العقد ، أو شرط الإرث ، على الخلاف المتقدّم في كتاب النكاح ( وَوَلاء ) بفتح الواو ، واصلة القرب والدنوّ ، والمراد به هنا تقرّب أحد الشخصين بالآخر على وجه يوجب الإرث بغير نسب ولا زوجيّة.

( والوَلاء ) له ( ثلاث مراتب ) كالنسب ، لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود واحد من المرتبة السابقة خال من الموانع ، فأقربها : ( ولاء العتق ، ثم ولاء تضمن الجريرة ، ثم ولاء الإمامة ) والقسم الأوّل يجامع جميع الورّاث ، والثاني لا يجامع النسب وإن بَعُد.

( الثانية : في ) بيان ( موانع الإرث ، وهي ) كثيرة ، ذكر الماتن منها هنا ( ثلاثة ) هي أظهر أفرادها ( الكفر ، والقتل ، والرقّ ).

( أمّا الكفر فإنّه يمنع في طرف الوارث ) يعني : أنّه لو كان كافراً لا يرث مسلماً ، ويرث لو كان بالعكس.

والأصل فيه بعد اتّفاق المسلمين كافّة ، كما في صريح المسالك وظاهر غيره (٢) المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، بل لعلّها متواترة ، ففي الموثق : عن الرجل المسلم هل يرث المشرك؟ قال : « نعم ،

__________________

(١) وفي هذا الخبر دلالة على ما ذهب إليه المشهور من غير خلاف يظهر بينهم من اختصاص الرد فيما لو اجتمع المتقرب بالأُمّ خاصّة مع المتقرب بالأب كذلك به ، واعتذروا له بما في هذه الرواية من الأولوية ، وتأمّل فيه في الكفاية : (٢٩١) ولا وجه له. منه رحمه‌الله.

(٢) المسالك ٢ : ٣١١ ، وانظر المفاتيح ٣ : ٣١١.

٢٠٨

ولا يرث المشرك المسلم » (١).

وفي الصحيح : « المسلم يرث امرأته الذمّيّة ، ولا ترثه » (٢).

وفيه : « لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين ، ويرث المسلم اليهودي والنصراني » (٣).

وفي الخبر القريب من الصحيح برواية ابن محبوب المجمع على تصحيح رواياته عن راويه الموجب لقصوره : « المسلم يحجب الكافر ، ويرثه ، والكافر لا يحجب المؤمن ، ولا يرثه » (٤).

( فلا ) إشكال في أنّه ( يرث الكافر مسلماً ) مطلقاً ( حربيّا كان الكافر أو ذمّيا أو مرتدّاً ، و ) إنّما خصّ المنع بما إذا كان الكفر في طرف الوارث ؛ لأنّه ( يرث ) المسلمُ ( الكافرَ ) مطلقاً ( أصليّاً كان أو مرتدّاً ) بإجماعنا المحكي في عبائر جماعة من أصحابنا (٥) ، مع وقوع التصريح به في الأخبار التي تلوناها سابقاً.

وأمّا النصوص المستفيضة الدالّة على أنّه لا توارث بين أهل ملّتين من الموثقين وغيرهما فمع قصور أسانيدها ، وضعف جملة منها محمولة إمّا‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٦٦ / ١٣٠٤ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ / ٧٠٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٣ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٣ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ / ٧٨٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ / ١٣٠٦ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ / ٧١٠ ، الوسائل ٢٦ : ١١ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٤٣ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ / ٧٨٦ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ / ١٣٠٣ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ / ٧٠٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٣ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٧ ؛ بتفاوت.

(٤) الكافي ٧ : ١٤٣ / ٥ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ / ٧٨٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ / ١٣٠٧ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ / ٧١١ ، الوسائل ٢٦ : ١١ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٢.

(٥) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٢٣ ، ٢٤ ، والحلي في السرائر ٣ : ٢٦٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ١٣٢.

٢٠٩

على التقيّة ؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامّة ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم شيخ الطائفة (١).

أو على نفي التوارث من الجانبين على وجه يرث كل منهما صاحبه ، كما يتوارث المسلمان ، وهو لا ينافي إرث أحدهما عن الآخر خاصّة.

وبهذا التوجيه وقع التصريح في كثير من المعتبرة ولو بعمل الطائفة ، منها الصحيح : عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « فيما يروي الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لا يتوارث أهل ملّتين » فقال : « نرثهم ولا يرثونا ، إنّ الإسلام لم يزده إلاّ عزّاً في حقّه » (٢).

والخبر : عن قوله : « لا يتوارث أهل ملّتين » فقال عليه‌السلام : « نرثهم ولا يرثونا ، إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلاّ شدّة » (٣).

وفي آخر : « لا يتوارث أهل ملّتين ، يرث هذا هذا ، وهذا هذا ، إلاّ أنّ المسلم يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم » (٤).

وفي الموثق : « لا يزداد الإسلام إلاّ عزّاً ، فنحن نرثهم ، ولا يرثونا » (٥).

وفي الخبر : النصراني يموت وله ابن مسلم ، أيرثه؟ قال : فقال : « نعم ، إن الله تعالى لم يزده في الإسلام إلاّ عزّاً ، فنحن نرثهم ،

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٦٨ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٤ : ١٣٣ ، والكفاية : ٢٨٩.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٦٥ / ١٣٠٢ ، الإستبصار ٤ : ١٨٩ / ٧٠٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٥ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٤.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٦٧ / ١٣١٢ ، الإستبصار ٤ : ١٩١ / ٧١٦ ، الوسائل ٢٦ : ١٥ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٧.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٦٧ / ١٣١٣ ، الإستبصار ٤ : ١٩١ / ٧١٧ ، الوسائل ٢٦ : ١٥ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٥.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٧٠ / ١٣٢١ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢ / ٧١٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٦ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١٩.

٢١٠

ولا يرثونا » (١).

وحيث قد ظهر أنّ الكافر لا يرث المسلم ( فـ ) قد ظهر منه أنّ ( ميراث المسلم لوارثه المسلم ) مطلقاً ( انفرد بالنسب ) وما بعده من الأسباب ( أو شاركه الكافر ) فإنّه لا يرثه مطلقاً ( ولو ) (٢) ( كان أقرب ) إليه من الوارث المسلم ( حتى ) أنّه ( لو كان ) ذلك الوارث المسلم ( ضامن جريرة ) اتفق ( مع ولد كافر ) للميت ( فالميراث للضامن ) دون الولد الكافر.

وبالإجماع على هذا بالخصوص صرّح جماعة من الأصحاب (٣) ، ونفى عنه الخلاف في السرائر والمسالك وغيرهما (٤).

ولعلّه يفهم من إطلاق الأخبار المتقدّمة في صدر الباب ، سيّما الأخيرة منها ، فإنّه كالصريح فيه ، بل جزم بصراحته في المسالك وغيره (٥).

وقصور سنده منجبر بما مرّ ، وبالعمل به من الكلّ من دون خلاف يظهر.

مضافاً إلى اعتضاده بصريح كثير من النصوص المعتبرة الآتية ، كالصحيح الوارد في إسلام الكافر على الميراث قبل القسمة (٦) ، ورواية‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٣ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٨٠ ، التهذيب ٩ : ٣٦٦ / ١٣٠٥ ، الإستبصار ٤ : ١٩٠ / ٧٠٩ ، الوسائل ٢٦ : ١٢ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ٤.

(٢) في المطبوع من المختصر (٢٦٣) : أو.

(٣) منهم الفاضل في التحرير ٢ : ١٧١ ، والكاشاني في المفاتيح ٣ : ٣١٢ ، والهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٧٨.

(٤) السرائر ٣ : ٢٧٠ ، والمسالك ٢ : ٣١١ ؛ وانظر الكفاية : ٢٨٩.

(٥) انظر كفاية الأحكام : ٢٨٩.

(٦) الكافي ٧ : ١٤٤ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ / ١٣١٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٢.

٢١١

مالك بن أعين الآتية في المسألة الثانية (١) من المسائل الستّ الملحقة (٢).

وهي وإن لم تنهض حجة على تمام المدّعى من تقديم الأبعد على القريب مطلقاً ، ولو كان ضامن جريرة ؛ لاختصاص الأوّل بتقديم ذي القرابة عدا الأولاد والزوجة على الأُمّ النصرانيّة ، والثاني بتقديم ابني الأخ والأُخت على الأولاد ، وهما في ذوي الأنساب خاصّة ، إلاّ أنّها ناهضة عليه بعد ضمّ الإجماع ، وعدم القول بالفرق.

( و ) فحوى النص الدالّ على أنّه ( لو لم يكن ) للمسلم ( وارث مسلم فميراثه للإمام ) عليه‌السلام ، فإنّ ثبوت أولويّة إرثه عليه‌السلام من الكافر بولاية الذي هو متأخّر عن أنواع الولاء يستلزم إرث من قبله منه من اولي الولاء الذين منهم ضامن الجريرة بطريق أولى ، كما لا يخفى ، والنص هو الصحيح المشار إليه سابقاً ، الوارد في إسلام الكافر على الميراث قبل قسمته.

وقريب منه الصحيح الآخر : في رجل مسلم قُتِل وله أب نصراني ، لمن تكون ديته؟ قال : « تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين ؛ لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين » (٣) فتأمّل.

ويعضدهما عموم النصوص الدالّة على أنّ الإمام عليه‌السلام وارث من لا وارث له (٤) ، بناءً على أنّ ورثة المسلم الكفّار لا يرثونه كما مرّ ، فهم بالإضافة إليه بحكم العدم ، ولا خلاف فيه أيضاً بين الأصحاب ظاهراً ، وبه‌

__________________

(١) في النسخ : الثالثة ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) تأتي في ص : ٢١٧.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٥ ، التهذيب ٩ : ٣٧٠ / ١٣٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٦.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ، وج ٢٦ : ٢٤٦ أبواب ولاء ضمان الجريرة ب ٣.

٢١٢

صرّح بعض أصحابنا (١).

( و ) اعلم أنّ الحكم بأنّ ( الكافر يرثه المسلم إن اتفق ) وارثاً ، مطلقاً ولو كان بعيداً ، وعارضه وارث كافر أقرب منه إلى الميت وأولى ممّا لا إشكال فيه أصلاً ، كما مضى ، فلا وجه لإعادته تارة أخرى.

( و ) لا كذلك الحكم بأنّ الكافر ( لا يرثه الكافر ) فإنّه في الجملة وإن كان لا إشكال فيه أيضاً ، إلاّ أنّه ليس على إطلاقه إجماعاً ، بل يستثني منه ما أشار إليه بقوله : ( إلاّ إذا لم يكن ) له ( وارث ) خاص ( مسلم ) فيرثه الكفار حينئذٍ ، ولذا يتوجّه إعادته بعد فهمه سابقاً ؛ تنبيهاً على أنّ الحكم ليس على إطلاقه ؛ لثبوت التوارث بين الكفّار في صورة الاستثناء ، بلا خلاف فيه ظاهراً ، وصرّح به بعض أصحابنا (٢).

لعموم أدلّة الإرث ، مع سلامته عن المعارض في محلّ البحث ؛ لاختصاصه بما إذا كان هنا وارث خاص مسلم.

ولمرسلة ابن أبي عمير الموثقة كالصحيحة إليه : في يهودي أو نصراني يموت ، وله أولاد غير مسلمين ، فقال : « هم على ميراثهم » (٣).

ولما سيأتي من النص في ميراث المجوس (٤).

وفي الصحيح : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقضي في المواريث فيما أدرك الإسلام من مال مشرك تركه لم يكن قسم قبل الإسلام ، أنّه كان يجعل للنساء والرجال حظوظهم منه على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٥)

__________________

(١) الكفاية : ٢٨٩.

(٢) انظر الكفاية : ٢٨٩.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٧٢ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥ أبواب موانع الإرث ب ٥ ح ٣.

(٤) في ص : ٤٧٠.

(٥) الكافي ٧ : ١٤٤ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧٠ / ١٣٢٤ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢ / ٧٢٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣ أبواب موانع الإرث ب ٤ ح ١.

٢١٣

ونحوه آخر (١).

ويظهر من الكليني وغيره (٢) دلالتهما على حكم المسألة.

وفيه مناقشة ؛ لاحتمالهما وجوهاً ثلاثة ، منها : أن يكون المراد أنّه إذا أسلم واحد من الورثة أو أكثر قبل القسمة فإنّه يشارك ولو كان امرأة ، ردّاً على بعض العامة القائل : إنّه لا يرث منهم سوى الرجال أو العصبة ، على ما حكاه جدّي العلاّمة المجلسي (٣) طاب رمسه.

ومنها : أن يكون المراد أنّه يجري على أهل الذمّة أحكام المواريث ، وليست كغيرها من الأحكام ، بأن يكون مخيّراً في الحكم أو الردّ إلى أهل ملّتهم ، كما قال سبحانه ( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٤).

ومنها : أن يكون المراد أنّهم إذا أسلموا وكان لم يقسم بينهم التركة يقسم التركة بينهم على قانون الإسلام ، وليس لهم أن يقولوا : إنّ المال بموته انتقل إلينا على القانون السابق على الإسلام فنقسمه عليه.

ولا يتم الدلالة إلاّ على الوجهين الأخيرين ، ولا قرينة فيهما تعيّن إرادتهما ، مع احتمال أظهرية الوجه الأوّل منها ، كما ذكره جدّي (٥) رحمه‌الله.

( ولو كان ) للكافر ( وارث مسلم كان أحقّ بالإرث ) من وارثه الكافر ( وإن بَعُد ) هو ( وقرب ) ذلك ( الكافر ) لبعض ما مرّ في أولويّة‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٥ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٧١ / ١٣٢٥ ، الإستبصار ٤ : ١٩٢ / ٧٢١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣ أبواب موانع الإرث ب ٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٧ : ١٤٤ ؛ وانظر التهذيب ٩ : ٣٧٠.

(٣) روضة المتقين ١١ : ٣٨٥.

(٤) المائدة : ٤٢.

(٥) روضة المتقين ١١ : ٣٨٦.

٢١٤

الوارث المسلم للمسلم من وارثه الكافر وإن قرب وبَعُد هو ، والفرق بين المسألتين مع تشابههما كون المورّث في الأُولى مسلماً وفي الثانية كافراً ، فلا يتوهّم التكرار هنا.

( وإذا أسلم الكافر على ميراث ) مورّثه ، المحجوب منه بكفره ، مع وجود ورثة له مسلمين ( قبل قسمته ) عليهم ( شارك ) في الإرث بحسب حاله ( إن كان مساوياً لهم في النسب ) والمرتبة ، كما لو كان الكافر ابناً والورثة إخوته مثلاً. ( وحاز الميراث ) وجمعه كَمَلاً ( إن كان أولى ) منهم في المرتبة ، كما لو كانوا في المثال إخوة الميت ، والحكم بذلك مطلق ( سواء كان المورّث مسلماً أو كافراً ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك في الظاهر ، بل عليه الإجماع في بعض العبائر ، وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثّقات ، ففي الصحيح : « من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه ، وإن أسلم وقد قسم فلا ميراث له » (١) ونحوه الموثقان (٢) كالصحيحين بأبان المجمع على تصحيح رواياته ، والخبران (٣) أحدهما الموثق.

وفي الصحيح أيضاً : عن رجل مسلم مات ، وله أُمّ نصرانية ، وله‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٤ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ / ١٣١٧ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٢.

(٢) الأوّل في : الكافي ٧ : ١٤٤ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ / ١٣١٨ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٣.

والثاني في : الفقيه ٤ : ٢٣٧ / ٧٥٨ ، التهذيب ٩ : ٣٣٦ / ١٢١١ ، الوسائل ٢٦ : ٢١ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٧٠ / ١٣٢٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ٥ ، دعائم الإسلام ٢ : ٣٨٦ / ١٣٧٠ ، المستدرك ١٧ : ١٤٤ أبواب موانع الإرث ب ٢ ح ١.

٢١٥

زوجة وولد مسلمون؟ فقال : « إن أسلمت أُمّه قبل أن يقسم ميراثه أُعطيت السدس » قلت : فإن لم يكن له امرأة ، ولا ولد ، ولا وارث له سهم في الكتاب مسلمين ، وله قرابة نصارى ممّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين ، لمن يكون ميراثه؟ قال : « إن أسلمت امّه فإنّ ميراثه لها ، وإن لم تسلم امّه ، وأسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب فإنّ ميراثه له ، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإنّ ميراثه للإمام عليه‌السلام » (١).

وهل يبقى الميراث على حكم مال الميت إلى أن يقسم أو يسلم الباقي ويصير بلا مالك بالفعل غير الله تعالى ، أو ينتقل إلى الموجودين ملكاً متزلزلاً ثم ينتقل منهم إلى من يسلم بعدهم كلاًّ أو بعضاً ، أو يكون إسلامه كاشفاً عن الملكيّة بعد الموت؟ فيه أوجه ثلاثة.

وقطع الشهيدان في الدروس والمسالك والروضة وغيرهما (٢) بأنّ النماء المتجدّد بعد الموت وقبل القسمة تابع للأصل. ولو أسلم الكافر بعد القسمة لم يرث ، بلا خلاف ؛ للأخبار المزبورة.

( و ) كذا ( لو كان الوارث المسلم واحداً لم يزاحمه الكافر ) في الميراث مطلقاً ( وإن أسلم ) إجماعاً ، كما في السرائر (٣) ، ولا خلاف فيه في الجملة إذا كان الواحد من عدا الإمام عليه‌السلام ( لأنّه لا يتحقق هنا قسمة ) مع انتقال المال إليه وحصوله في ملكه ، فالانتقال إلى غيره يحتاج إلى دليل ، وليس ، ولا فرق في ذلك بين بقاء عين التركة وعدمه.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٤٤ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٤ / ٧٨٧ ، التهذيب ٩ : ٣٦٩ / ١٣١٦ ، الوسائل ٢٦ : ٢٠ أبواب موانع الإرث ب ٣ ح ١.

(٢) الدروس ٢ : ٣٤٥ ، المسالك ٢ : ٣١١ ، الروضة ٨ : ٢٨ ، كشف اللثام ٢ : ٢٧٨.

(٣) السرائر ٣ : ٢٦٨.

٢١٦

خلافاً للمحكي في المسالك وغيره عن الإسكافي (١) ، فحكم بالمشاركة في الصورة الاولى إن كان الوارث الواحد فيها حيّاً. وفي المسالك أنّه نادر ، ووجهه مع ذلك ، ومخالفته للنصوص غير واضح.

أمّا لو كان الوارث الواحد هو الإمام ، وكان المورث مسلماً ، فأسلم الكافر ، فهو أولى بالميراث ، على المشهور ، كما في الكفاية (٢) ، وعن فخر الدين نسبته إلى كثير (٣) ، واختاره الماتن في الشرائع (٤) ؛ للصحيح الأخير.

والصحيح الآخر : عن رجل قتل رجلاً مسلماً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلاّ أولياء من أهل الذمّة من قرابته؟ فقال : « على الإمام عليه‌السلام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام ، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه ، فإن شاء قتل ، وإن شاء عفا ، وإن شاء أخذ الدية ، فإن لم يسلم أحد كان الإمام عليه‌السلام وليّ أمره » (٥) الحديث.

خلافاً لإطلاق العبارة ، وصريح جماعة ، كالحلي والشيخ في النهاية (٦) ؛ للتعليل المتقدّم إليه الإشارة.

والمناقشة فيه بعد ورود النص الصحيح الصريح بخلافه واضحة ، فالقول به ضعيف غايته.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣١١ ، المختلف : ٧٥١.

(٢) الكفاية : ٢٨٩.

(٣) الإيضاح ٤ : ١٧٥.

(٤) الشرائع ٤ : ١٢.

(٥) الكافي ٧ : ٣٥٩ / ١ ، الفقيه ٤ : ٧٩ / ٢٤٨ ، التهذيب ١٠ : ١٧٨ / ٦٩٧ ، العلل : ٥٨١ / ١٥ ، الوسائل ٢٩ : ١٢٤ أبواب القصاص في النفس ب ٦٠ ح ١.

(٦) السرائر ٢ : ٢٦٨ ، النهاية : ٦٦٣.

٢١٧

وأضعف منه المحكي عن ظاهر المبسوط وصريح ابن حمزة (١) من التفصيل بين نقل التركة إلى بيت المال فالثاني ، وعدمه فالأوّل.

فإنّه لا وجه له ، كما في الروضة (٢) ، وإن جزم به الفاضل في الإرشاد وولده قد تبعه (٣).

ويلحق بهذه المقدّمة ( مسائل ) ستّ :

( الاولى : الزوج المسلم أحقّ بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفّار ) مطلقاً ( كافرة كانت ) الزوجة ( أو مسلمة ) فإنّ ( له النصف بالزوجية ) حيث لا يكون لها ولد حاجب ( والباقي بالردّ ) على الأظهر الأشهر فيه.

( و ) في أنّ ( للزوجة المسلمة الربع ) من التركة إن لم يكن له ولد حاجب ( مع الورثة الكفّار ) كانت أم لا ( والباقي للإمام ) عليه‌السلام ، مع عدمهم مطلقاً ، ومع وجودهم أيضاً إذا كان الزوج المورّث مسلماً ، ولهم إذا كان كافراً ، كما مضى ، وسيأتي الكلام في المسألتين إن شاء الله تعالى مفصّلاً.

وإنّما ذكرتا هنا مقدّمةً لذكر مسألة هنا محلّها ( و ) هي : أنّه ( لو أسلموا ) أي الورثة الكفّار ( أو أحدهم ) بعد أن أخذ الزوجان نصيبهما من التركة كلاًّ أو بعضاً ( قال الشيخ ) في النهاية والقاضي والماتن في النكت (٤) ( يردّ عليهم ) أي على الورثة أو بعضهم بعد إسلامهم ( ما فضل عن سهم

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٧٩ ، الوسيلة : ٣٩٤.

(٢) الروضة ٨ : ٢٩.

(٣) الإرشاد ٢ : ١٢٧ ، إيضاح الفوائد ٤ : ١٧٥.

(٤) النهاية : ٦٦٤ ، المهذّب ٢ : ١٥٧ ، نكت النهاية ٣ : ٢٣٤.

٢١٨

الزوجية ) من النصف في الفرض الأوّل ، والزائد عن الربع في الثاني.

ولا ريب في الحكم بذلك في الفرضين على القول النادر بعدم الردّ فيهما ، وفي الثاني خاصّة على مختار الأكثر والماتن هنا إذا كان الإسلام قبل القسمة بين ذي الفرض والإمام عليه‌السلام ؛ لاندراج الحكم على التقديرين تحت النصوص المتقدّمة الدالّة على الإرث بالإسلام قبل القسمة ، وعدمه إذا كان بعدها.

وينبغي القطع بعدمه في الفرض الأوّل على قول الأكثر ، وفي الثاني أيضاً على القول الثالث من ثبوت الردّ فيهما ؛ لما مرّ في الإسلام مع الوارث المسلم الواحد من الأصل ، واختصاص ما دلّ على خلافه وانتقال المال عنه بعضاً أو كلاًّ إلى غيره الوارث بما إذا أسلم قبل القسمة ، وهي لا تصدق إلاّ مع التعدّد ، دون الوحدة المفروضة في المسألة ، فلا وجه لما ذكره الجماعة في الفرض الأوّل مع قولهم بالردّ فيه.

كما لا وجه لإطلاق قول الماتن هنا : ( وفيه تردّد ) الظاهر في رجوع التردّد إلى الحكم المذكور في الفرضين ، بل كان ينبغي تخصيصه بالفرض الأوّل الذي قال فيه بالردّ.

اللهم إلاّ أن يجعل مورد التردّد ثبوت الحكم في المقامين معاً ، وهو يجامع عدم التردّد في ثبوته في أحدهما.

وكيف كان وجه تردّده في الحكم في الفرض الأوّل مع حكمه فيه بالردّ غير واضح ، عدا ما في التنقيح (١) من الاستناد في جهة منع المسلم عمّا فضل إلى ما قدّمنا ، وفي جهة المقابل إلى قول الشيخ خاصّة.

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ١٣٤ ، ١٣٥.

٢١٩

وهو كما ترى ، فإن قول الشيخ بنفسه لا يصلح حجّة ، سيّما وأن يعارض به الحجة الأقوى.

والماتن استشكل الحكم المذكور في الشرائع (١) أيضاً كما هنا ، لكن لم يذكر وجهه إلاّ في الجهة الأُولى ، ولم يشر إلى وجهه في الجهة الثانية أصلاً ، والظاهر أنّه ما حكي عن الماتن في النكت (٢) من أنّ الزوج لا يستحق سوى النصف ، والردّ إنّما يستحقه إذا لم يوجد للميت وارث محقق ولا مقدّر ، وهنا الوارث المقدّر موجود ، فإنّه إذا عرض على الكافر الإسلام وأسلم صار وارثاً ومنع الردّ ؛ وأنّ استحقاق الزوج الفاضل ليس استحقاقاً أصليّاً ، بل لعدم الوارث ؛ وكونه أقوى من الإمام والزوج ، فيجري في الردّ مجرى الإمام ، فإنّه إذا أسلم على الميراث منع الإمام.

ويضعّف بأنّ المعتبر في الحكم بالردّ على الزوج وعدمه إنّما هو بعد الموت بلا فصل ؛ لأنّه وقت الحكم بالإرث وانتقال التركة إلى الوارث ، والاعتبار حينئذٍ بالوارث المحقّق لا المقدّر ، مع عدم دليل على اعتباره ، وانتقاضه بكل وارث واحد منع كافراً عن الإرث ، سواء ورث فرضاً وردّاً أو قرابةً ، خصوصاً الذي يرث بالفرض والردّ ، والاتحاد على تقدير القول بالردّ حاصل ، والفرق بين الاستحقاق الأصلي وغيره لا دخل له في الحكم بعد القول بثبوته في الجملة عند عدم الوارث وقت الحكم بالإرث.

وبالجملة لا ريب في ضعف هذا القول ، وابتناء الحكم فيه على الردّ على الزوجين مع عدم الوارث وعدمه ، فيقبل على الثاني ، ويردّ على‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٢.

(٢) النكت ٣ : ٢٣٥.

٢٢٠