رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

ونحوه الصحيح الوارد في التقاط الجارية : هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال : « لا ، إنّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها » (١).

وربما عضده بعض بالأصل ، وبأنّ له ولاية التملك والصدقة بعد التعريف فالبيع بالطريق الأولى ، والتعريف ساقط للعذر (٢).

ويضعّف الأوّل بما مرّ ، والأولوية بأنّ التملّك وما بعده إنّما يكونان بالضمان بالقيمة السوقية بعد التعريف لا قبله. وكيف كان فلا ريب أنّ الأوّل أحوط.

كل ذا مع وجود الحاكم ، ومع عدمه يتعيّن عليه التقويم ، فإن أخلّ به فتلف أو عاب ضمن.

ولو كان ممّا يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلاً كالثياب تعلّق الحكم بها عند خوف التلف. ولو افتقر إبقاؤه إلى علاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف ، أصلحه الحاكم ببعضه ، بأن يجعل بعضه عوضاً عن إصلاح الباقي ، أو يبيع بعضه وينفقه عليه وجوباً ؛ حذراً من تلف الجميع. ويجب على الملتقط إعلامه بحاله إن لم يعلم ، ومع عدمه يتولاّه بنفسه ؛ حذراً من الضرر بتركه.

( ويكره أخذ الإداوة ) بالكسر ، وهي المِطْهَرة به أيضاً ( والمِخْصَرَة ) به أيضاً ، وهي كل ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصاً ونحوها ، قاله الجوهري (٣) ( والنعلين ) غير الجلد ، أو مطلقاً إذا أُخذ في بلاد الإسلام ، وإلاّ فيحرم التقاطه لكونه ميتة ( والشظاظ ) بالكسر ، خشبة‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٣ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٨.

(٢) وهو المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ٤٦٩.

(٣) الصحاح ٢ : ٦٤٦.

١٨١

محدّدة الطرف تدخل في عروة الجِوالِقَيْن ليجمع بينهما عند حملهما على البعير. والجمع أشظّة ( والعصا والوتِد ) بكسر الوسط ( والحبل والعقال ) بالكسر ، وهو حبل يشدّ به قائمة البعير ، والسوط ( وأشباهه ) من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر قيمتها.

بلا خلاف في أكثرها ؛ للصحيح : « لا بأس بلقطة العصا ، والشظاظ ، والوتد ، والحبل ، والعقال ، وأشباهه » قال : « وقال أبو جعفر عليه‌السلام : ليس لهذا طالب » (١).

وعلى الأظهر في الجميع ، وهو أشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر.

لا للأصل والصحيح المزبور كما قيل (٢) ؛ لضعف الأوّل بعدم دليل عليه ، بل قيام الدليل على خلافه ؛ لما عرفت من حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذن من الشرع. والثاني باختصاصه بغير محلّ الخلاف. وشموله له بقوله : « وأشباهه » محلّ نظر ؛ لخفاء وجه الشبه فيحتمل ما (٣) يعم معه له ، وكذا التعليل في الذيل.

بل لفحوى الأدلّة الدالّة على جواز التقاط ما عدا محلّ الخلاف ممّا يكثر قيمته ؛ مضافاً إلى إطلاق المرسلة المتقدّمة (٤) بأفضليّة ترك اللقطة ، بل عمومها الشامل لمحلّ البحث ؛ مضافاً إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة المحقّقة والمحكيّة في كلام جماعة (٥) التي كادت تكون لنا إجماعاً.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٦ أبواب اللقطة ب ١٢ ح ١.

(٢) قاله العلاّمة في المختلف : ٤٥٠.

(٣) في « ح » و « ر » زيادة : لا.

(٤) في ص : ١٦٨.

(٥) منهم السبزواري في الكفاية : ٢٣٧ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٧٢ ، والمفاتيح ٣ : ١٧٧.

١٨٢

خلافاً لصريح الحلبي (١) وظاهر الصدوقين (٢) والديلمي (٣) فحرّموا التقاط الأوّلين والسوط ؛ للخبرين ، أحدهما : الصحيح المروي في الفقيه (٤).

وهو حسن لولا ما قدّمناه من الدليل القابل لصرف النهي فيهما إلى الكراهة كما في نظائرهما ، لكنّها هنا أشدّ ؛ لقوّة شبهة الخلاف بمصير هؤلاء الأعاظم إلى الحرمة. ومن هنا يندفع ما قيل : من عدم وضوح دليل على شدّتها (٥).

ويظهر من المفيد أنّ الوجه فيها أنّ فقدها قد يؤدّي إلى هلاك صاحبها ؛ لأنّ الإداوة تحفظ ما يقوم به الرمق من الماء ، والحذاء يحفظ رجل الماشي من الزمانة والآفات ، والسوط يسيّر البعير ، فإذا تلف خيف عليه العطب (٦).

ومن شيخنا في المسالك أنّ الوجه في إطلاق النهي عن مسّها كونها من الجلود غالباً ، وهي ميتة مع جهالة التذكية (٧).

وفيه مناقشة واضحة ؛ لورود الإطلاق في بلاد الإسلام ، والجلود فيها محكوم بطهارتها اتّفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، كما مضى. وكذا الوجه الأوّل لا يخلو‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٥٠.

(٢) الصدوق في الفقيه ٣ : ١٨٨ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٤٥٠.

(٣) المراسم : ٢٠٦.

(٤) الفقيه ٣ : ١٨٨ / ٨٤٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٧ أبواب اللقطة ب ١٢ ح ٣ ، والآخر في : التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٦ أبواب اللقطة ب ١٢ ح ٢.

(٥) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٧٢ ٤٧٤.

(٦) المقنعة : ٦٤٧.

(٧) المسالك ٢ : ٣٠٤.

١٨٣

عن مناقشة ما ، والوجه التعبّد.

واعلم أنّه يستفاد من تخصيص الماتن الكراهة هنا بهذه الأشياء وسابقاً بلقطة الحرم خاصّة ، عدمها في غيرهما.

وهو ضعيف جدّاً ، مخالف للإجماع المحقّق ، والمحكيّ عن التذكرة كما مرّ إليه الإشارة (١) قطعاً ، ولكن الأمر سهل.

وهنا ‌( مسائل ) ثلاث :

( الاولى : ما يوجد في ) أرض ( خربة ) قد جلى عنها أهلها بحيث لم يعرفوا أصلاً ( أو ) في ( فلاة ) أي أرض قفر غير معمورة من أصلها ( أو تحت الأرض ) التي لا مالك لها ظاهراً ( فهو لواجده ) فيملكه من غير تعريف إجماعاً ، إذا لم يكن عليه أثر الإسلام من الشهادتين ، أو اسم سلطان من سلاطينه. وعلى الأقوى مطلقاً وفاقاً للنهاية والحلي وغيرهما (٢) ؛ لإطلاق الصحيحين.

في أحدهما : عن الدار يوجد فيها الورق ، فقال : « إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم ، وإن كانت خربة قد جلى أهلها ، فالذي وجد المال أحقّ به » (٣) ونحوه الثاني (٤).

وأخصّيتهما عن المدّعى باختصاصهما بالورق والموجود في الدار الخربة ، فلا يعمّان مطلق اللقطة ، ولا الموجودة منها تحت الأرض‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٥١ ، وراجع ص : ١٦٨.

(٢) النهاية : ٣٢٠ ، السرائر ٢ : ١٠١ ؛ وانظر التحرير ٢ : ١٢٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٨ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ أبواب اللقطة ب ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٢.

١٨٤

والمفازة.

مدفوعة بالإجماع المركّب ، مع إمكان اندفاع الأخصّية باعتبار الاختصاص بالأرض الخربة باستلزام ثبوت الحكم في لقطتها إيّاه فيما عداها بطريق أولى.

خلافاً للمبسوط ، والفاضل في جملة من كتبه (١) ، وجماعة (٢) ، ونسبه في الروضة (٣) إلى الشهرة ، فحكموا فيما عليه أثر الإسلام بأنّه لقطة ؛ لدلالة الأثر على سبق يد المسلم فيستصحب.

وللجمع بين الصحيحين والموثّق : « قضى عليّ عليه‌السلام في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتع بها » (٤) بحمل الأوّلين على ما لا أثر عليه ، والأخير على ما عليه الأثر.

وفيهما نظر ؛ لمنع الأوّل بأنّ أثر الإسلام قد يصدر من غير المسلم ، نعم هو مخالف للظاهر ، لكنّه لا يعارض به الأصل.

والثاني : أوّلاً : بفقد التكافؤ في الموثق عدداً وسنداً. وثانياً : بكونه قضيّة في واقعة ، فلا يعمّ محلّ الفرض لاحتماله غيره. وثالثاً : بعدم الشاهد على ذلك الجمع ، مع استلزامه حمل الصحيحين على الفرد النادر ؛ لورودهما في بلاد الإسلام ، والغالب في لقطتها من الدراهم والدنانير كونها‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣٦ و ٣ : ٣٣٨ ، القواعد ١ : ١٩٩ ، المختلف : ٢٠٣ ، التذكرة ٢ : ٢٦٥.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٥٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٧٥ ، والشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ١١٩ ، والسيوري في التنقيح ٤ : ١٢٠.

(٣) الروضة ٧ : ١٢٠.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١١٩٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٨ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٥.

١٨٥

مسكوكة بسكّتهم.

مع إمكان الجمع بوجه آخر أوفق بالأصل ، وهو حمل الأوّلين على الأحقّية بعد التعريف حملاً للمطلق على المقيّد ، لكنّه لا قائل به.

وهو ضعيف كالأوّل بعدم الشاهد عليه عدا ما مرّ من العلّة ، وفيها ما عرفته. مع أنّهم جعلوها حجّةً مستقلّةً.

والشهرة على تقدير تحقّقها ليست بحجّة جامعة فما ظنّك بما إذا كانت محكيّة.

ويستفاد من تقييد الماتن الموجود في الأرض التي لا مالك لها بكونه تحتها ، عدم اشتراطه في الأوّلين ، بل يملك الموجود فيهما مطلقاً ؛ عملاً بإطلاق النصّ والفتوى. وأمّا غير المدفون في الأرض المزبورة فهو لقطة.

قيل : هذا كلّه إذا كان في دار الإسلام ، أمّا في دار الحرب فلواجده مطلقاً (١).

ولم يتعرّض الماتن وكثير هنا لوجوب الخمس في المدفون ، مع تصريحهم به في كتابه. ولعلّهم أحالوه إلى الظهور من ثمّة ، أو أرادوا بالمدفون هنا ما لا يصدق عليه الكنز عرفاً. والأوّل هو الظاهر ؛ لمنافاة الثاني لإطلاق العبائر.

( ولو وجده في أرض لها مالك ) معروف ( أو بائع ، ولو كان ) ما وجده فيها ( مدفوناً عرّفه المالك أو البائع ) مطلقاً ، ولو كان كلّ منهما مالكاً أو بائعاً بعيداً ( فإن عرفه ) (٢) أحدهما يدفع إليه من غير بيّنة ولا وصف ( وإلاّ ) يعترفا به ( كان للواجد ) على ما ذكره جمع من‌

__________________

(١) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠٤ ، والروضة ٧ : ١٢٠.

(٢) في المطبوع من المختصر (٢٦٢) : فهو أحق به.

١٨٦

الأصحاب (١) من غير خلاف يعرف ؛ لإطلاق الصحيحين المتقدّمين بالدفع إلى أهل الأرض من دون تقييد باشتراط البيّنة أو الوصف. بل ليس فيهما تقييده بالتعريف ، ولكنّه لا أعرف خلافاً فيه.

ولعلّه للجمع بينهما وبين الموثّق كالصحيح : عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة ، فوجد فيها نحواً من سبعين ديناراً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع؟ قال : « يسأل عن أهل المنزل لعلّهم يعرفونها » قلت : فإن لم يعرفوها ، قال : « يتصدّق بها » (٢).

لكن ذيله منافٍ لما ذكروه من التملّك مع عدم المعرفة ، إلاّ أن يحمل على الاستحباب ، أو غيره ممّا يجتمع معه.

وربما يرشد إلى التقييد الصحيح الآتي الوارد في المأخوذ من جوف الدابّة المتضمّن لعين ما ذكروه في المسألة. وإلحاقها به لعلّه من باب تنقيح المناط القطعيّ ؛ لعدم تعقّل الفرق بين الأرض والدابّة في ذلك ، فتأمّل.

وإطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعترافهما الشامل لما عليه أثر الإسلام وغيره تبعاً لإطلاق النصّ ، لكن في التنقيح الإجماع على كون الأوّل لقطة (٣). فإن تمّ ، وإلاّ كما هو الظاهر المستفاد من الروضة والمسالك (٤) حيث أجرى الخلاف السابق فيه في المسألة فالإطلاق أصحّ.

وإطلاق العبارة وغيرها بوجوب التعريف هنا يقتضي عدم الفرق بين‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٤٦ ، النهاية : ٣٢١ ، المراسم : ٢٠٦ ، الشرائع ٣ : ٢٩٣ ، القواعد ١ : ١٩٩ ، التحرير ٢ : ١٢٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ١٢١ ، جامع المقاصد ٦ : ١٧٦ ، المسالك ٢ : ٣٠٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩١ / ١١٧١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٨ أبواب اللقطة ب ٥ : ح ٣.

(٣) التنقيح ٤ : ١٢١.

(٤) الروضة ٧ : ١٢١ ، المسالك ٢ : ٣٠٤.

١٨٧

القليل والكثير. وبه صرّح في المسالك (١) ؛ ولعلّ الوجه فيه مع اختصاص النصّ بالأخير لتضمّنه الدراهم والدنانير الأصل ، واختصاص ما دلّ على تملّك الأوّل بلا تعريف باللقطة التي ليست منها مفروض المسألة. لكنّه إنّما يصحّ على المختار من عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره ، ولا يصحّ على غيره ؛ لكون ما عليه الأثر منها عند القائل بالفرق بينهما.

وحكى في التنقيح (٢) قولاً عن الشيخ بكون ما لا أثر فيه لقطة إذا لم يعرفه المالك أو البائع أيضاً.

ويدفعه النصّ جدّاً.

( وكذا ما يجده في جوف دابّة ) مملوكة ، عرّفه مالكها كما مضى ؛ لسبق يده ، وظهور كونه من ماله دخل في علفها ؛ لبعد وجوده في الصحراء واعتلافه. فإن عرفه المالك ، وإلاّ فهو لواجده.

للصحيح : عن رجل اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة ، فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، أو غير ذلك من المنافع ، لمن يكون ذلك؟ وكيف يعمل به؟ فوقّع عليه‌السلام : « عرّفها البائع ، فإن لم يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله تعالى إيّاه » (٣).

وإطلاقه كالعبارة ونحوها عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره.

خلافاً للمختلف والروضة وغيرهما (٤) ، فقالوا في الأوّل بأنّه لقطة ؛

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٠٤.

(٢) التنقيح الرائع ٤ : ١٢١.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٩ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٨٩ / ٨٥٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٢ أبواب اللقطة ب ٩ ح ١ و ٢.

(٤) المختلف : ٤٥١ ، الروضة ٧ : ١٢٢ ؛ وانظر جامع المقاصد ٦ : ١٧٧.

١٨٨

لما مرّ مع جوابه ، مع أنّ الأوّلين احتملا الإطلاق هنا ، قال ثانيهما : لإطلاق النصّ والفتوى. وظاهره إطباق الفتاوى على عدم الفرق هنا ، ولكن ظاهره في المسالك (١) وقوع الخلاف المتقدّم هنا أيضاً.

( ولو وجده في جوف سمكة ، قال الشيخ ) في النهاية ، والمفيد والقاضي ، وابن حمزة (٢) : ( أخذه بلا تعريف ) وعليه المتأخّرون كافّةً.

خلافاً للديلمي والحلّي (٣) خاصة فهو كالمأخوذ من جوف الدابّة.

وظاهر العبارة التردّد في ذلك ، ويبنى الخلاف على الاختلاف في اشتراط النيّة في تملّك المباحات وعدمه. فعلى الأوّل يقوّى الأوّل ؛ لأنّ المحيز إنّما قصد تملّكها خاصّةً لعدم علمه بما في بطنها ، فلم يتوجّه قصده إليه. وعلى الثاني يقوّى الثاني كما هو واضح.

واحتمل في المختلف والتنقيح (٤) قوّته على الأوّل أيضاً ، قالا : لأنّه قصد ملك هذه الجملة ، وما في بطنها كأنّه جزء منها. لكنّهما ضعّفاه ، قال أوّلهما بعد البناء وما يترتّب عليه من القولين ـ : إلاّ أنّ أصحابنا لم يفتوا بالتملّك له مع عدم المعرفة ، وهو يدلّ على بطلان هذا القسم عندهم ، وبقي الوجه الأوّل. وأشار به إلى عدم اشتراط النيّة في التملّك ، وعبارته ظاهرة في انعقاد الإجماع عليه. وعليه فالمذهب الأوّل ؛ لكون المأخوذ مباحاً في الأصل ، فإذا حيز مع النيّة ملك ، هذا.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٠٤.

(٢) النهاية : ٣٢١ ، المفيد في المقنعة : ٦٤٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٦٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٩.

(٣) المراسم : ٢٠٦ ، السرائر ٢ : ١٠٦.

(٤) المختلف : ٤٥١ ، التنقيح ٤ : ١٢٢.

١٨٩

مضافاً إلى اعتضاده بالنصوص المستفيضة المرويّة في الوسائل في الباب عن الكافي (١) ، وقصص الأنبياء (٢) ، والأمالي (٣) ، وتفسير مولانا العسكري (٤) ؛ لتضمّنها تقريرهم عليهم‌السلام لكثير في تصرّفهم فيما وجدوه في جوفها بعد الشراء من دون تعريف ، على ما هو الظاهر منها. وأسانيدها وإن كانت قاصرة إلاّ أنّها بالشهرة منجبرة ، فلا وجه للقول الثاني.

نعم يتوجّه فيما لو كانت السمكة محصورة في ماء تعلف كما ذكره الشهيدان (٥) ؛ لعين ما ذكر في الدابّة أوّلاً. ومنه يظهر أنّ المراد بها الأهليّة كما يظهر من الرواية ، فلو كانت وحشيّةً لا تعتلف من مال المالك فكالسمكة.

وبه صرّح في التنقيح (٦) والمختلف ، قال فيه : ولما كانت الأحكام الشرعيّة غالباً منوطة بالغالب دون النادر ـ ( والغالب ) (٧) فيما تبلعه الدابة أنّه من دار البائع ، وفيما تبلعه السمكة أنّه من البحر أوجب الشارع التعريف في الأوّل للبائع دون الثاني ، حتّى أنّا لو عرفنا مضادّ الحال في البابين حكمنا بضدّ الحكمين. ولو أنّ البائع قد اشترى الدابّة ثم في ذلك الآن بعينه باعها لم يجب تعريفه ، وعرّف البائع قبله. ولو أنّ السمكة محصورة في‌

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣٨٥ / ٥٨٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٣ أبواب اللقطة ب ١٠ ح ١.

(٢) قصص الأنبياء : ١٨٤ / ٢٢٤ و ١٨٥ / ٢٢٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٣ أبواب اللقطة ب ١٠ ح ٢ و ٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٣٦٧ / ٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٤ أبواب اللقطة ب ١٠ ح ٤.

(٤) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٠٤ / ضمن الحديث ٣٥٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٤ أبواب اللقطة ب ١٠ ح ٥.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ١٢٣.

(٦) التنقيح الرائع ٤ : ١٢٢.

(٧) ما بين القوسين أثبتناه من « ح » والمصدر لاستقامة العبارة.

١٩٠

بركة في دار إنسان وجب أن يعرّف بما في بطنها (١). انتهى.

( الثانية : ما وجده في صندوقه ، أو داره ) المختصّين بالتصرّف فيهما ( فهو له. ولو شاركه في التصرّف غيره كان كاللقطة ) عرّفه سنةً ( إذا ) عرّفه الشريك أوّلاً و ( أنكره ) بلا خلاف فيهما ظاهراً ؛ لدلالة الصحيح عليهما منطوقاً ومفهوماً.

وفيه : « رجل وجد في بيته ديناراً ، قال : « يدخل منزله غيره؟ » قلت : نعم كثير ، قال : « هذه لقطة » قلت : فرجل وجد في صندوقه ديناراً ، قال : « فيدخل أحد يده في صندوقه غيره ، أو يضع فيه شيئاً؟ » قلت : لا ، قال : « فهو له » (٢) هذا.

مع شهادة الظاهر في صورة عدم المشارك بأنّه له وقد يعرض له النسيان ، لكنّه يختصّ بما إذا لم يقطع بانتفائه عنه ، ومع القطع به يشكل ، ولذا قيل : بأنّه حينئذٍ لقطة أيضاً ، كصورة المشارك مع الإنكار (٣).

وهذا أيضاً مشكل بعد إطلاق النصّ والفتوى ، مع عدم صدق اللقطة على مثله ظاهرا. فمتابعة الإطلاق لعلّها أولى ، ولا ينافيه القطع بالانتفاء ، فقد يكون شيئاً بعثه الله تعالى ورزقه إيّاه.

وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بكونه لقطة مع المشارك بين المنحصر منه وغير المنحصر. والوجه فيه ظاهر ؛ لأنّه بمشاركة غيره لا يد له بخصوصه ، فتكون لقطة. وأمّا مع انحصار المشارك ؛

__________________

(١) المختلف : ٤٥١.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ / ٨٤١ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٦ أبواب اللقطة ب ٣ ح ١.

(٣) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠٥.

١٩١

فلأنّ المفروض أنّه لا يعرفه الواجد ، فلا يملكه بدون التعريف سنة.

قيل : ويحتمل قويّاً كونه له مع تعريف المنحصر خاصّة ؛ لأنّه بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك له فيه (١).

وهو حَسَنٌ يمكن تنزيل إطلاق النصّ والفتوى عليه.

ولا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم وما زاد ؛ للإطلاق ، ولاشتراكهم في اليد بسبب التصرّف.

قيل : ولا يفتقر مدّعيه منهم إلى البيّنة ولا الوصف ؛ لأنّه مال لا يدّعيه أحد. ولو جهلوا جميعاً أمره فلم يعترفوا به ولم ينفوه ، فإن كان الاشتراك في التصرّف خاصّةً فهو للمالك منهم ، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك ، وإن كان الاشتراك في الملك والتصرّف فهم فيه سواء (٢).

ودليل بعض ما ذكر غير واضح.

( الثالثة : لا يملك اللقطة بحول الحول وإن عرّفها ) سنةً ( ما لم ينو التملّك ) على الأشهر بين المتأخّرين ، بل مطلقاً كما في المختلف والروضة والكفاية (٣) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

وللصحيح (٤) المتضمّن للأمر بجعلها في عرض المال بعد التعريف ، مع عدم التصريح فيه بجعله مالاً ، فيكون ظاهراً في الأمر بجعلها أمانة.

والخبر : « من وجد شيئاً فهو له ، فليتمتع به حتّى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه » (٥) لإيجابه ردّ العين بعد التصرّف ، وليس ذلك قبل‌

__________________

(١) الروضة ٧ : ١٢٤.

(٢) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٧ : ١٢٥.

(٣) المختلف : ٤٥٠ ، الروضة ٧ : ١٢٦ ، الكفاية : ٢٣٨.

(٤) الكافي ٥ : ١٣٩ / ١١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٤ أبواب اللقطة ب ٢ ح ١٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٣٩ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ أبواب اللقطة ب ٤ ح ٢.

١٩٢

الحول إجماعاً ؛ لتحريم التصرّف فيه ، بل بعده ، فهو ظاهر في كونه عنده أمانةً ، ولو حصل الملك قهراً لما كان لجعلها أمانةً معنى.

وفي الجميع نظر ؛ للزوم الخروج عن الأوّل بما يأتي ، وقصور دلالة الخبرين ، مع ضعف الثاني ، ومخالفة إطلاقه الإجماع من حيث تجويزه الانتفاع مطلقاً من دون تقييد له بالتعريف سنةً وحول الحول ، وذلك لأنّ الأمر بجعله في عرض المال غير صريح ، بل ولا ظاهر في جعله أمانةً ، كيف لا وهو أمانة أيضاً سابقاً ، مع ما في ذيله من قوله عليه‌السلام : « يجري عليها ما يجري على مالك » الظاهر في جريان جميع أحكام ماله عليه ومن جملتها وجوب الزكاة عليه بعد حول الحول إذا كانت نقداً. وهذا إحدى ثمرات النزاع التي رتّبت عليه ، فهو دليل للملك قهراً ، لا لما ذكروه ، كما لا يخفى.

وأمّا ما يستفاد من الروضة (١) من أنّ وجه الاستدلال بهذه الرواية أنّ الأمر بجعلها في عرض المال أمر أقلّه الإباحة ، فيستدعي أن يكون المأمور به مقدوراً بعد التعريف وعدم مجي‌ء المالك ، وهو لا يجتمع مع الملك قهراً. فهو إنّما يتمّ لو كان المأمور به جعلها مالاً ، وليس ، فإنّ جعلها في عرض المال غيره ، كما صرّح به في المختلف (٢) ، ولذا لم يجعل وجه الاستدلال به ذلك ، بل ما عقّبناه عيناه به.

والأمر بردّ العين في الأخير لا يختص بكونها أمانةً » بل يجتمع مع الملك سابقاً قهرياً كان أو اختياراً ، ولذا أنّ بعضاً من الأصحاب القائلين بالملك الاختياري أوجب ردّ العين بعينها بعد مطالبة المالك لها ، قائلاً : إنّ‌

__________________

(١) الروضة ٧ : ١٢٧.

(٢) المختلف : ٤٥٠.

١٩٣

الملك السابق ملك متزلزل مراعىً ليس مستقرّاً (١) ، فلا دلالة في الخبر على ذلك أصلاً ، سيّما مع الحكم فيه أوّلاً بأنّه له يتمتّع به ، الظاهر في ثبوت الملك له جدّاً.

وبالجملة الاستدلال بهذه الأدلّة كما ترى.

ونحوه الاستدلال بالصحيح : « يعرّفها سنةً ، فإن لم يعرفها حفظها في عرض ماله ، حتّى يجي‌ء صاحبها فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها ، وهو ضامن » (٢) ولو كان مالكاً لها قهراً لكان له التصرّف فيها كيف شاء ، ولم يأمره بحفظها.

وذلك لقوّة احتمال أن يكون قوله عليه‌السلام : « فإن لم يعرف » بالتشديد ، ولا كلام فيه ، لا بالتخفيف المبنيّ عليه الاستدلال.

( وقيل ) كما عن الشيخين والصدوقين والحلي (٣) : إنّه ( يملك ) ها ( بمضيّ الحول ) بعد التعريف ، مدّعياً الأخير الإجماع عليه من الأصحاب وتواتر الأخبار. وليس ببعيد عن الصواب ؛ تعويلاً على ما ذكره من الإجماع والأخبار ؛ لتضمّن كثير منها أنّها بعد التعريف كسبيل ماله ، الظاهر في ذلك على الظاهر المصرّح به في الروضة والمختلف (٤).

والجواب عنها بأنّ التشبيه لا يقتضي الاتّفاق في جميع الأحكام وإلاّ لكان هو هو ، وليس ، بل يكفي في مطلق التشبيه الاتّفاق في بعضها ، وهو‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ١٦٩.

(٢) الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٤٠ ، مسائل علي بن جعفر : ١٦٥ / ٢٦٥ ، قرب الإسناد : ٢٦٩ / ١٠٧٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٤ أبواب اللقطة ب ٢ ح ١٣.

(٣) المفيد في المقنعة : ٣٤٦ ، الطوسي في النهاية : ٣٢٠ ، الصدوق في المقنع : ١٢٧ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٤٤٩ ، الحلي في السرائر ٢ : ١٠٣.

(٤) الروضة ٧ : ١٢٩ ، المختلف : ٤٥٠.

١٩٤

هنا جواز التصرّف فيه بأحد الأُمور الثلاثة المتقدّم ذكرها.

مدفوع بما حقّق في محلّه من اقتضاء التشبيه الاتّفاق في الجميع ، إلاّ أن يكون فيها فرد متبادر فينصرف إليه ، وليس محلّ الفرض من المستثنى. ودعوى استلزام الاتّفاق في الجميع الاتّحاد غريب واضح الفساد ؛ لكفاية استناد التغاير إلى أمر آخر غير الأحكام من نحو تغاير الماهيّة أو غيرها.

ودعوى المختلف (١) وهن الإجماع بمصير أكثر الأصحاب إلى الخلاف غريبة بعد نقله هو بنفسه هذا القول عمّن حكيناه عنه ، والقول الأوّل عن الشيخ في الكتابين والحلبي مقتصراً عليهما. ولا ريب أنّ الأوّلين أكثر عدداً بالنسبة إليهما. مع أنّ الشيخ قال بهذا القول في قوله الآخر (٢) ، فبقي الثاني خاصّة ، فمع ذلك كيف يمكن دعوى الأكثريّة ، بل الأنسب العكس كما اتفق لشيخنا في الدروس ، حيث قال بعد نقل القولين ـ : والروايات محتملة للقولين ، وإن كان الملك بغير اختياره أشهر ، وقال : وتظهر الفائدة في اختيار الصدقة والنماء المتجدّد والجريان في الحول والضمان. ثمّ هل يملكها بعوض يثبت في ذمّته ، أو بغير عوض ثمّ يتجدّد بمجي‌ء مالكها؟ في الروايات احتمال الأمرين ، والأقرب الأوّل ، فيلحق بسائر الديون (٣).

واعلم أنّ في أصل المسألة قولاً ثالثاً طرف النقيض للثاني ، وهو احتياج التملّك إلى النيّة والتلفّظ كما عن الشيخ وغيره (٤). ودليله غير واضح وإن كان أحوط ، وبعده الأحوط القول الأوّل ، فتأمّل.

__________________

(١) المختلف : ٤٥٠.

(٢) النهاية : ٣٢٠.

(٣) الدروس ٣ : ٨٨.

(٤) الشيخ في الخلاف ٣ : ٥٨٤ ، وانظر التذكرة ٢ : ٢٦١.

١٩٥

( الفصل الثاني )

في بيان ( الملتقط ) للمال مطلقاً ، وهو : ( من له أهلية الاكتساب ، فلو التقط الصبي والمجنون جاز ) في المشهور بين الأصحاب ، وفاقاً للشيخ (١) قاطعاً به ، بل لا يكاد يتحقّق فيه مخالف صريحاً ، ولم ينقل ، كما صرّح به في المسالك (٢) ، لكن كلماته في مواضع يومئ إلى وقوع الخلاف فيه ، وبه صرّح في الكفاية (٣) والمفاتيح ، فقال : يشترط في الملتقط أهلية الاكتساب عند قوم ، وأهلية الحفظ عند آخرين ، وإحدى الأهليّتين عند ثالث (٤).

ولم أقف على أرباب القولين الأخيرين عدا الماتن في الشرائع ، حيث صرّح في تعريف الملتقط بثانيهما (٥) ، وتردّد في التقاط الصبي والمجنون للضالة في بحثها (٦). ولعلّ نظر القائلين للخلاف إليه في المقامين ، وإلاّ فلم أقف على من عداه في البين. وما أبعد ما بين هذا وبين ما ذكره الناقل الثاني من مصير قوم إلى التفسير الثاني في كلامه.

وكيف كان ، فالتحقيق أن يقال : إمّا أن يراد بجواز التقاط غير المكلّف ما يقابل الحرمة بمعنى إباحته له ، أو يراد به ترتّب أحكام اللقطة عليه من التملك أو التصدّق بها بعد التعريف ، وخروجها بذلك عن الأمانة المحضة.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٢٤.

(٢) المسالك ٢ : ٣٠١.

(٣) الكفاية : ٢٣٨.

(٤) مفاتيح الشرائع ٣ : ١٨٣.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٩٤.

(٦) الشرائع ٣ : ٢٩٠.

١٩٦

ولا معنى للجواز بالمعنى الأوّل ؛ لكونه من صفات التكليف ، وليس غير المكلف أهلاً له وإن كان حكمه ثابتاً له ، فتعيّن إرادة الثاني ، ولا دليل عليه ؛ لاختصاص النصوص المثبتة لأحكام اللقطة المزبورة بالمكلّف بحكم التبادر ؛ وتضمّنِها الأمر بالحفظ أو التصدّق أو التملّك ، وهو لا يتوجّه إلى غيره. فالحكم بالجواز مشكل بعد اقتضاء الأصل العدم.

ويمكن أن يقال : إنّ وجه الإشكال المزبور مقتضٍ لاعتبار الأهليّتين معاً ، وليس هو لأحد قولاً ، فيكون للإجماع مخالفاً ، فينبغي ترجيح أحد الأقوال المتقدّمة على تقدير ثبوتها. ولا ريب أنّ المشهور منها أولى ؛ لما عرفت من عدم مخالف صريح فيه أو كونه نادراً ، فتأمّل.

( و ) عليه ( يتولّى الولي ) الحفظ و ( التعريف ) فيما يفتقر إليهما ، ثم يفعل لهما ما هو الأغبط لهما من التملّك والصدقة والإبقاء أمانةً إن قلنا به.

( وفي ) جواز التقاط ( المملوك ) من دون إذن مولاه ( تردّد ) واختلاف ، فبين من حكم بالمنع عنه كالإسكافي (١) ؛ للخبر الماضي (٢) في المنع عن التقاطه اللقيط الصريح في ذلك ، مضافاً إلى الأصل ، واختصاص ما دلّ على جواز الالتقاط بغيره إمّا للتبادر أو لتصريح كثير من النصوص المتقدّمة ، مع الفتاوى بجواز التملك والصدقة بعد التعريف ، وليس أهلاً للأمرين إجماعاً في الثاني ؛ لمكان الحجر عليه (٣) ، وعلى الأصحّ الأشهر في الأوّل بناءً على عدم قابليّته للملك.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٤٥٣.

(٢) المتقدم في ص : ١٤٢.

(٣) في « ر » و « ح » زيادة : في مطلق التصرف.

١٩٧

وبين من قال بالضدّ ، ونسبه في المختلف إلى المشهور (١) ، ومنهم الماتن لقوله : ( أشبهه الجواز ) لأنّ المملوك له أهلية الاستئمان لأنّه أهل للوديعة وغيرها من الأمانات ، وأهلية الاكتساب لجواز اكتسابه بالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وإن كان المتملّك هو المولى ؛ لأنّ كسبه له ، والمسألة كسابقتها محل إشكال.

( وكذا ) الكلام في التقاط ( المكاتب ) مطلقاً ( والمدبّر وأُمّ الولد ) منعاً وجوازاً ، ولكن احتمال الحكم بالأخير في المكاتب أقوى كما لا يخفى. هذا في غير لقطة الحرم ، وأمّا فيها فجائز أخذها للعبد ، كما في الدروس معلّلاً بأنّها أمانة ، حاكياً عن الفاضل نفي الخلاف عنه (٢).

( الفصل الثالث )

( في الأحكام ) المتعلقة بالمقام ( وهي ثلاثة : )

( الأوّل : لا تدفع اللقطة ) إلى مدّعيها وجوباً ( إلاّ بالبيّنة ) العادلة ، أو الشاهد واليمين ، أو العلم بأنّه له ( ولا يكفي الوصف ) إجماعاً إذا لم يورث ظنّاً ، بل عن الحلي (٣) عدم كفايته مطلقاً ؛ لاشتغال الذمّة بحفظها وإيصالها إلى مالكها ، ولم يثبت ( كون ) (٤) الوصف ( حجّة ) (٥) والواصف به مالكاً.

( وقيل ) كما عن الشيخ (٦) : إنّه ( يكفي في الأموال الباطنة (٧) ، وهو

__________________

(١) المختلف : ٤٥٣.

(٢) الدروس ٣ : ٩٣ ، وهو في التذكرة ٢ : ٢٥٤.

(٣) السرائر ٢ : ١١١.

(٤) ما بين القوسين أثبتناه من « ر » و « ح ».

(٥) ما بين القوسين أثبتناه من « ر » و « ح ».

(٦) المبسوط ٣ : ٣٢٩ ، الخلاف ٣ : ٥٨٧.

(٧) في « ر » و « ح » والمطبوع من المختصر زيادة : كالذهب والفضّة.

١٩٨

حسن ) وغير خالٍ عن القوّة إذا أفاد المظنّة ، كما هو الغالب في وصفها ، وفاقاً للأكثر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ لأنّ مناط أكثر الشرعيّات الظن ، فيلحق المقام به إلحاقاً له بالأعمّ الأغلب ؛ ولتعذّر إقامة البيّنة في الأغلب ، فلولاه لزم عدم وصولها إلى مالكها كذلك.

وفي كثير من النصوص إرشاد إليه ، ففي الصحيح في ملتقط الطير وواجده : « وإن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه » (١).

ونحوه الخبر الطويل المتضمن لتقرير مولانا الصادق عليه‌السلام ملتقط الدنانير الدافع لها إلى من وصفها من دون بيّنة على ذلك (٢).

وقريب منهما النبوي المقبول (٣). وظاهره كالصحيح وسابقه وإن كان وجوب الدفع ، إلاّ أنّ الفتاوى مطبقة على التعبير بالجواز ، وبه صرّح في المسالك مدّعياً عليه دون الوجوب إجماع الأصحاب (٤).

وبه وبسابقه يصرف الأمر في الخبرين عن ظاهره ، مع قوّة احتمال عدم دلالته فيهما على الوجوب من أصله بوروده مورد توهّم حظر الدفع وحرمته. فلا إشكال في عدم وجوبه ، كما لا إشكال في جوازه ؛ لندرة القائل بخلافه ؛ وقيام الدليل على فساده.

وعليه فلو أقام غير الواصف بها بيّنة بعد دفعها إليه استعيدت منه بلا خلاف ؛ لأنّ البيّنة حجة شرعيّة بالملك ، والدفع بالوصف إنّما كان‌

__________________

(١) في « ص » : وإن جاءك طالب فلا تتّهمه. وما أثبتناه من « ر » و « ح » والمصدر ، التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦١ أبواب اللقطة ب ١٥ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٨ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٧٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٩ أبواب اللقطة ب ٦ ح ١.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ١٨٥ ١٨٦.

(٤) المسالك ٢ : ٣٠٨.

١٩٩

رخصةً وبناءً على الظاهر. فإن تعذّر انتزاعها من الواصف ضمن الدافع لذي البيّنة مثلها أو قيمتها ؛ لإتلافه لها عليه بالدفع.

ولا ينافيه الرخصة له من الشرع فيه ؛ لأنّ غايتها دفع الإثم ، وهو لا يستلزم نفي الضمان مع عموم دليل ثبوته من نحو قوله : « على اليد » وغيره من أدلّته ، كما ثبت نظيره في الإذن في التصرّف في اللقطة بعد التعريف مع الضمان بظهور المالك.

فإذا ضمن رجع على القابض بما غرم ؛ لمباشرته الإتلاف ؛ ولأنّه عادٍ بادّعائه ما ليس له ، فيستقرّ الضمان عليه ، إلاّ أن يعترف الدافع له بالملك ، فلا يرجع عليه لو رجع عليه ؛ لاعترافه بكون ذي البيّنة الآخذ منه عاديا عليه ظالماً.

( الثاني : لا بأس بجعل الآبق ) وأخذ مالٍ لردّه ونحوه إجماعاً ، فتوًى ونصّاً ( فإن عيّنه ) المالك كأنْ قال : من ردّ عبدي مثلاً فله كذا ( لزم بالردّ ) مع عدم قصد التبرع كائناً ما كان بلا كلام ولا إشكال ، كما في المسالك وشرح الشرائع للصيمري (١) مؤذنين بدعوى الإجماع عليه. ويدلّ عليه عموم : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

( وإن لم يعيّن ) الجعل بأن قال : من ردّ عبدي فله عليّ شي‌ء ، أو عوض ، وأبهم ( ففي ردّ العبد من المصر ) الذي فيه مالكه إليه ( دينار ) قيمته عشرة دراهم.

( ومن خارج البلد ) الذي هو فيه سواء كان من مصر آخر أم‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٨٣ ، غاية المرام ٣ : ٤٥٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، عوالي اللئلئ ٣ : ٢١٧ / ٧٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٦ أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤ ، المستدرك ١٣ : ٣٠١ أبواب الخيار ب ٥ ح ٧.

٢٠٠