رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

المالك ، أم لا؟ قولان ، تردّد بينهما في الشرائع (١) من أنّها مال الغير ، ولم يوجد دليل ناقل عن حكم ضمانه ، وإنّما المتّفق عليه جواز تصرّفه فيها ، ولعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » وعموم الخبر : « من وجد شيئاً فهو له ، فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه » (٢).

ومن ظاهر اللاّم في قوله عليه‌السلام : « هي لك » في تلك الصحاح (٣) ، وإطلاق الصحيحة الأخيرة (٤) منها الصريحة في الملك بالأخذ ، وبه تخصّ العمومات المتقدّمة ، مع قصور الرواية الأخيرة منها سنداً ، بل ودلالةً.

وأمّا ما يقال من احتمال اللاّم الاختصاص الغير المنافي للضمان ، واختصاص الصحيحة الأخيرة بحيوان سيّبه صاحبه فلم تعمّ صور المسألة.

فمحلّ مناقشة ؛ لمنافاة الاحتمال الظاهر المتبادر منها عند الإطلاق ، واندفاع الاختصاص بعدم القول بالفرق بين الأصحاب.

ومع ذلك فلا ريب أنّ الضمان أحوط ، بل وأظهر ؛ للصحيح المرويّ عن قرب الإسناد : عن رجل أصاب شاة في الصحراء ، هل تحلّ له؟ قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب فخذها ، وعرّفها حيث أصبتها ، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها ، وإن لم تعرف فكلها ، وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردّها عليه » (٥).

لكن سيأتي في الصحيح : « إنّ من وجد ضالّة فلم يعرّفها ، ثمّ وجدت‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٩ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٧ أبواب اللقطة ب ٤ ح ٢.

(٣) المتقدمة في ص : ١٥٣.

(٤) المتقدمة في ص : ١٥٦.

(٥) قرب الإسناد : ٢٧٣ / ١٠٨٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٩ أبواب اللقطة ب ١٣ ح ٧.

١٦١

عنده ، فإنّها لربّها » الحديث (١). ويستفاد من مفهومه خروجه عن ملك المالك بالتعريف.

وهل له التملّك قبل التعريف سنة؟ قيل : لا ؛ للاستصحاب ، وعموم الأمر بالتعريف في اللقطات (٢). وقوّى جماعة (٣) العدم (٤) ؛ لإطلاق الصحاح بالملك من دون تقييد له به ، مع ورودها في مقام بيان الحاجة ، وبه يخصّ عموم الأمر المتقدّم مع الاستصحاب ، مع أنّه لا عموم له ، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر وسياق جلّ من النصوص المشتملة عليه إلاّ إلى لقطة الأموال غير الضوالّ.

والأوّل أحوط ، بل لعلّه أظهر ؛ للصحيح المتقدّم الصريح في ذلك المعتضد بإطلاق الصحيح الآخر ، بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال : عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّة ، كيف يصنع؟ قال : « يعرّفها سنة ، فإن لم يعرّف حفظها في عرض ماله حتّى يجي‌ء طالبها ، فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها ، وهو لها ضامن » (٥) فتأمّل.

والصحيح : « من وجد ضالّة فلم يعرّفها ، ثمّ وجدت عنده ، فإنّها‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤١ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ / ٨٤٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٨٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٠ أبواب اللقطة ب ١٤ ح ١.

(٢) انظر تحرير الأحكام ٢ : ١٢٦.

(٣) منهم العلاّمة في التذكرة ٢ : ٢٦٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٤٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٨٧.

(٤) المراد عدم توقّف التملك على التعريف ، والعبارة غير ملائمة للسياق ، والأنسب : الجواز.

(٥) الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٤٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٦ أبواب اللقطة ب ٢٠ ح ٢.

١٦٢

لربّها » والخبر : « الضوالّ لا يأكلها إلاّ الضالّون إذا لم يعرّفوها » (١).

( وفي رواية ضعيفة ) (٢) أنّ واجد الشاة ( يحبسها عنده ثلاثة أيّام ، فإن جاء صاحبها ، وإلاّ تصدّق بثمنها ) عن صاحبها. وقد حملها الأصحاب على ما إذا أُخذت من العمران ، والمساكن المأهولة ، وما هو قريب منها بحيث لا يخاف عليها من السباع.

وظاهرهم الإطباق على العمل بها حينئذٍ ، ولكن اختلفوا في جواز الأخذ فيه ، فعن المبسوط أنّه جوّز فيه وفيما كان متّصلاً به نصف فرسخ أخذ الحيوان ممتنعاً أو لا ، ويتخيّر الآخذ بين الإنفاق تطوّعاً ، أو الدفع إلى الحاكم ، وليس له أكله (٣).

والمشهور كما في التنقيح (٤) ، وعن التذكرة عدم الخلاف فيه (٥) المنع إلاّ مع خوف التلف أو النهب ، فيجوز أخذه حينئذٍ حفظاً لمالكه على وجه الحسبة. وفي الدروس عن الفاضل الموافقة لهم إلاّ في الشاة ، قال : ومنع الفاضل من أخذ ما في العمران عدا الشاة إلاّ أنْ يخاف عليه النهب أو التلف (٦).

ووجهه كوجه ما في المبسوط غير واضح ، مع أنّ الأصل عدم جواز الأخذ والتصرّف في ملك الغير بدون إذن من الشرع ، كما هو مفروض‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٢ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٩ أبواب اللقطة ب ١٣ ح ٦.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٢٠.

(٤) التنقيح ٤ : ١١٣.

(٥) التذكرة ٢ : ٢٦٧.

(٦) الدروس ٣ : ٨٣.

١٦٣

البحث. فإذا الأظهر قول الأكثر.

( و ) يجب أن ( ينفق الواجد على الضالّة إن لم يتّفق سلطان ينفق ) عليها ( من بيت المال ) أو يأمره بالإنفاق ؛ حفظاً لنفسها المحترمة عن الهلكة ، ولا يرجع بالنفقة على المالك حيثما لم يجز له أخذها قطعاً ؛ لعدم الإذن له في الأخذ ولا الإنفاق وإن وجب عليه من باب الحفظ.

( وهل يرجع ) بها ( على المالك ) حيثما جاز له الأخذ مع نيّة الرجوع؟ قولان ، ( الأشبه نعم ) وعليه الأكثر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ لما مرّ في بحث الإنفاق على اللقيط ، خلافاً لمن سبق ثمة (١). ودليله مع جوابه يعلم من هناك.

( ولو كان للضالّة نفع كالظهر ) والركوب ( أو اللبن ) جاز الانتفاع به في مقابلة الإنفاق ، بلا خلاف كما يفهم من الروضة (٢). ويعضده الصحيح الوارد في تجويز استخدام اللقيطة في مقابلة النفقة (٣).

وفي كيفيّة الاحتساب بالمنفعة مكان النفقة قولان ( قال الشيخ في النهاية ) (٤) ( : كان ) ما استوفاه من المنافع ( بإزاء ما أنفق ) عليها. وحجّته هنا غير واضحة عدا ما ذكره جماعة من الحوالة على ما ورد في الرهن من الرواية (٥).

__________________

(١) راجع ص : ١٥٣ ١٥٤.

(٢) الروضة ٧ : ٩١.

(٣) المتقدم في ص : ١٥٤.

(٤) النهاية : ٣٢٤.

(٥) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ١١٥ ، وابن فهد في المهذب البارع ٤ : ٣٠٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠٢.

١٦٤

ويضعّف زيادة على ما أوردنا عليها ثمّة من ضعف السند ، وقصور الدلالة والمخالفة للقواعد الشرعية بأنّه قياس فاسد في الشريعة ، مع أنّ الرواية الدالّة على ذلك ثمّة مشترطة للرهينة ، فإنّه « قال عليه‌السلام : الظهر يركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركب نفقته ، والدرُّ يشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته » (١).

( و ) من هنا ينقدح أنّ ( الوجه ) في المسألة ما اخترناه ثمّة من لزوم ( التقاص ) بالنفقة ، ورجوع كلّ ذي فضل بفضله ؛ لأنّ لكل منهما حقاً عند الآخر فيتقاصّان كسائر الحقوق.

( القسم الثالث ) في لقطة المال الصامت ( وفيه ثلاثة فصول ) :

( الأوّل : اللقطة : كلّ مال ضائع أُخذ ولا يد عليه ) هذا تعريف لها بالمعنى الأخصّ الذي هو المعروف منها لغةً كما مضى.

وربما كان فيه مع جعل المعروف قسماً ثالثاً من اللقطة تقسيم للشي‌ء إلى نفسه وغيره.

ويندفع بأنّ المراد من المقسم المعنى الأعمّ الذي هو المصطلح في استعمال الفقهاء ، فلا محذور ؛ لتغاير الاعتبارين.

وكان عليه أنْ يقيّد المال بالصامت كي لا ينتقض في طرده بالحيوان الضائع حتى العبد فإنّه داخل في المال المطلق.

إذا عرفت هذا ( فـ ) اعلم أنّ ( ما ) كان منه ( دون الدرهم ) يجوز‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧٥ / ٧٧٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٩٨ أبواب أحكام الرهن ب ١٢ ح ٢.

١٦٥

التقاطه و ( ينتفع به من غير تعريف ) بلا خلاف ظاهر ، بل عليه الإجماع عن التذكرة وفي التنقيح (١) لكن فيما عدا لقطة الحرم ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى صريح الروايات الآتية.

وهل يجب ضمانه مع ظهور مالكه؟ قولان ، أحوطهما ذلك ، وفاقاً للقواعد والتنقيح وغيرهما (٢) ؛ للأصل ، وعدم صراحة النصوص في التملّك بناءً على عدم صراحة اللام فيه ، مع أنّ بعضها الذي هو المعتبر سنداً دون ما تضمّن اللام ؛ لإرساله ، مع عدم جابر له فيه جدّاً لم يتضمّن عدا نفي وجوب التعريف في هذا المقدار ، وهو لا يستلزم التملك ؛ لاجتماعه مع جواز التصرّف فيه ، هذا. مضافاً إلى اعتضاده ببعض ما مرّ فيما يشابه المسألة قريباً.

( و ) في إلحاق ( قدر الدرهم ) بما دونه في الحكم المتقدّم قولان ، أظهرهما بل وأشهرهما العدم ، وفاقاً للصدوقين والشيخين ، والقاضي والحلي (٣) ؛ للأصل المعتضد بإطلاق النصوص المستفيضة ، بل المتواترة بلزوم تعريف اللقطة (٤) ، مع أنّ جملة منها عامّة ؛ لما فيها من ترك الاستفصال ، وهي حجّة أُخرى مستقلّة وإن كانت للأوّل معاضدة.

وخصوص الروايات ، منها : الصحيح الصريح المتقدّم : عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟ قال : « يعرّفها سنة » (٥) فتأمّل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٥٦ ، التنقيح ٤ : ١١٥.

(٢) القواعد ١ : ١٩٨ ، التنقيح ٤ : ١١٦ ؛ وانظر جامع المقاصد ٦ : ١٥٨.

(٣) الصدوق في المقنع : ١٢٧ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٤٤٩ ، المفيد في المقنعة : ٦٤٧ ، الطوسي في المبسوط ٣ : ٣٢٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٦٧ ، الحلي في السرائر ٢ : ١٠١.

(٤) الوسائل ٢٥ : ٤٤١ أبواب أحكام اللقطة ب ٢.

(٥) الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٤٠ ، قرب الإسناد : ٢٦٩ / ١٧٠٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٤ أبواب أحكام اللقطة ب ٢ ح ١٣.

١٦٦

والمرسل كالصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته ـ : عن اللقطة ، قال : « تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً » قال : « وما كان دون الدرهم فلا يعرّف » (١).

ومرسل الفقيه : « وإن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها » (٢) الخبر.

خلافاً للديلمي والتقي وابن حمزة (٣) ، فاختاروا الإلحاق. وحجّتهم عليه غير واضحة ، ومع ذلك الأدلّة على خلافه كما عرفت متكاثرة متعاضدة.

نعم يستفاد من قول الماتن : فيه ( روايتان ) وجود رواية لهم ، ولم نقف عليها بعد التتبّع ، وبه صرّح في التنقيح (٤).

وإطلاق الخبرين الأخيرين يقتضي عدم الفرق في جواز أخذ ما دون الدرهم ، وتملّكه بين التقاطه من الحرم وغيره ، وهو ظاهر المتن أيضاً.

بل يستفاد من قوله : ( وما كان أزيد ) من الدرهم ( فإن وجده في الحرم كره أخذه ، وقيل : يحرم ولا يحلّ أخذه إلاّ مع نيّة التعريف ) عدم الخلاف فيه. ونحوه عبارة الشيخ في النهاية ، والقاضي والحلي (٥) كما حكي.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٦ أبواب أحكام اللقطة ب ٤ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٠ / ٨٥٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٣ أبواب أحكام اللقطة ب ٢ ح ٩.

(٣) الديلمي في المراسم : ٢٠٦ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٥٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٨.

(٤) التنقيح الرائع : ١١٦.

(٥) النهاية : ٣٢٠ ، المهذّب ٢ : ٥٦٧ ، السرائر ٢ : ١٠١.

١٦٧

وفي كلّ من الحكم بعدم الفرق في ذلك ، والإشعار بعدم الخلاف فيه ، واختصاصه بما زاد من لقطة الحرم نظر.

فالأوّل : بعدم دليل عليه عدا إطلاق الخبرين ، وليسا يشملان بحكم التبادر والغلبة محلّ الفرض. وأدلّة المنع والجواز المستدلّ بها في لقطة الحرم مطلقة لا تفصيل فيها بين الزائد على الدرهم والناقص عنه ، فلا وجه للحكم به.

والثاني : بما يحكى عن جماعة من عدم الفرق بينهما ، وإن اختلفوا في الحكم كراهةً كما عن الخلاف ووالد الصدوق (١) ، أو تحريماً كما عن النهاية (٢) ، وجماعة ومنهم الماتن في كتاب الحج ، والدروس فيه أيضاً ، والفاضل في المختلف والقواعد ، والمقداد في التنقيح ، والصيمري في شرح الشرائع ، والشهيد في اللمعة (٣) مشترطاً في التحريم نيّة التملّك ، مصرّحاً بالجواز إذا كان بنيّة الإنشاد.

ونسبه في المسالك وغيره (٤) إلى المشهور ، واحتجّ فيه لهم بالآية ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ) (٥) فإنّ مقتضاه أن يكون الإنسان آمنا فيه على نفسه وماله ، وهو ينافي جواز أخذه.

والنصوص ، منها : « لقطة الحرم لا تمسّ بيد ولا رجل ، ولو أنّ الناس‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٥٨٥ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٤٤٨.

(٢) النهاية : ٢٨٤.

(٣) الشرائع ١ : ٢٧٧ ، الدروس ١ : ٤٧٢ ، المختلف : ٢٤٨ ، القواعد ١ : ١٩٧ ، التنقيح ٤ : ١١٧ ، غاية المرام ٤ : ١٥٥ ، اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٩٢.

(٤) المسالك ٢ : ٣٠٣ ؛ وانظر جامع المقاصد ٦ : ١٤٧.

(٥) العنكبوت : ٦٧.

١٦٨

تركوها لجاء صاحبها فأخذها » (١).

ومنها : عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه ، قال : « بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه » قلت : ابتلي بذلك ، قال : « يعرّفه » (٢) الحديث.

ومنها : عن لقطة الحرم ، فقال : « لا تمسّ أبداً حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها » قلت : فإن كان مالاً كثيراً ، قال : « فإن لم يأخذها إلاّ مثلك فليعرّفها » (٣).

وضعّف الجميع بما يرجع حاصله إلى منع دلالة الآية ، وتضعيف أسانيد الروايات ، مع تضمّن بعضها لفظة : « لا ينبغي » الصريحة في الكراهة ، وآخر منها لفظة : « لم يأخذها إلاّ مثلك فليعرّفها » الظاهر فيها ؛ إذ لو كان محرّماً لساوى غيره. بل الظاهر منه أنّ أخذ الثقة غير مكروه ، أو أقلّ كراهة ، وحال مطلق اللقطة كذلك.

بل قد ورد فيها بمثل هذه العبارة ما هو أصحّ سنداً ، منها : « كان علي ابن الحسين عليه‌السلام يقول لأهله : لا تمسّوها » (٤).

ومنها : « لا تعرّض لها ، فلو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها » (٥).

قال : ويؤيدّ الحكم بالكراهة الخبر : عن اللقطة ، فقال : « أمّا بأرضنا‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٣٩ ، أبواب اللقطة ب ١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٥ / ١١٩٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٣ أبواب اللقطة ب ١٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢١ / ١٤٦١ ، الوسائل ١٣ : ٢٦٠ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٨ ح ٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٣٩ أبواب اللقطة ب ١ ح ١.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٣٩ أبواب اللقطة ب ١ ح ٢.

١٦٩

هذه فلا يصلح » (١).

وفي جميع ما ذكره عدا الجواب عن الآية نظر ؛ لانجبار قصور الأسانيد بالشهرة الظاهرة المحكيّة في كلام جماعة (٢) ، واعتضاده بالأصل المتقدّم إليه الإشارة غير مرّة من حرمة التصرّف في ملك الغير إلاّ برخصة من الشرع ، هي في المقام مفقودة.

و « لا ينبغي » وإن أشعر بالكراهة إلاّ أنّ « بئس ما صنع » أظهر دلالةً على الحرمة منه على الكراهة.

ودعواه الصراحة في « لا ينبغي » ممنوعة ، كيف لا؟! واستعماله في الحرمة والأعمّ منها ومن الكراهة شائع في الأخبار غايته ، حتى أنكر بعض الأصحاب لذلك إشعاره بالكراهة (٣).

ودلالة « إن لم يأخذها إلاّ مثلك » عليها على تقدير تسليمها غير نافعة للقائلين بالكراهة ؛ لعدم تفصيلهم في الحكم بها بين الفاسق والثقة ، نعم ربما يوجد هذا التفصيل في كلام بعض القائلين بالحرمة (٤) ، فتكون ضارّة لهم لا نافعة.

وأمّا النصوص الصحيحة المتضمّنة لنحو ما في الروايات السابقة من المنع عن أخذ مطلق اللقطة ، فهي ممّا يؤيّد القول بالحرمة ؛ لإطلاقها الشامل للقطتي الحرم وغيره. ولا إجماع يقيّده بالثاني ويصرف النهي فيها‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢١ / ١٤٦٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٥٩ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٨ ح ١.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٥ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٤٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠٣.

(٣) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٥٤.

(٤) انظر الدروس ١ : ٤٧٣.

١٧٠

إلى الكراهة ؛ لوقوع الخلاف فيه أيضاً حرمةً وكراهةً ، كما يستفاد من المختلف ، حيث قال : الأشهر الكراهة (١) ، بعد أن حكى المنع عن الصدوق والنهاية.

وعلى تقدير الإجماع على الكراهة فلا دلالة فيه على تعيّن التقييد المتقدّم إليه الإشارة بعد احتمال كونه مقيّداً لها بصورة العكس ، بل هذا أولى ؛ لتعدّد المجازيّة في الاحتمال الأوّل من التقييد وصرف النهي فيها إلى الكراهة ، ولا كذلك الثاني ، فإنّ اللازم فيه إنّما هو الأوّل ، ويكون النهي فيه باقياً على الحرمة.

لكن يتوجّه عليه استلزامه حمل الإطلاق على الفرد النادر ؛ لندرة لقطة الحرم بالإضافة إلى غيرها.

وبه يجاب عمّا لو استدلّ به على الكراهة في لقطة الحرم من إطلاق مرسل الفقيه : « إنّ أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ، ولا يتعرّض لها ، فلو أنّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه » (٢) الخبر ؛ لوروده مورد الغالب وهو ما عدا لقطة الحرم ، مع أنّه مرسل ، لكنّه بعد حمله على الغالب من لقطة غير الحرم كما بني عليه الجواب بالشهرة المحكيّة في المختلف بل الظاهرة منجبر ، فيصرف به ظواهر النهي في تلك النصوص الصحيحة إلى الكراهة.

ومنه يظهر صحّة ما عليه المشهور في لقطة غير الحرم من الكراهة (٣).

__________________

(١) المختلف : ٤٤٩.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٠ / ٨٥٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٣ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٩.

(٣) في « ح » و « ر » زيادة : بل قيل : يفهم عليه الإجماع من التذكرة ، وهو حجّة أخرى مستقلّة. انظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٧٠ ، والتذكرة ٢ : ٢٥١ ، ٢٥٦.

١٧١

مضافاً إلى الموثق كالصحيح : عن اللقطة ، فأراني خاتماً في يده من فضّة ، قال : « إنّ هذا ممّا جاء به السيل ، وأنا أُريد أن أتصدّق به » (١).

ويبقى الجواب حينئذٍ عن تمسّك المسالك (٢) بها لصرف النهي في تلك الروايات أيضاً إلى الكراهة. ويمكن أن يقال : إنّ صرف النهي إليها في تلك الصحاح لقرينة من إجماع أو رواية لا يستلزم صرفه إليها في هذه الروايات من دون قرينة كما هو المفروض.

وتأييد الكراهة بالرواية الأخيرة (٣) غير واضح ؛ لإشعارها بل ظهورها في اختصاص عدم الصلاحية والكراهة بأرض منى خاصّة ، ولا قائل به من الطائفة فلتطرح ، أو تؤوّل بحمل « لا يصلح » على الحرمة ، ويلحق مكة وباقي الحرم بمنى بعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، ولا محذور. ولا كذلك لو أُبقيت على ظاهرها من الكراهة ؛ إذ عدم القول بالفرق المزبور إنّما يتمّ به الكراهة في لقطة جميعه ، ولا يدفع محذور اختصاصها به ، فإنّ مقتضاه عدم الكراهة في لقطة غيره ، ولا قائل به.

وحمل « لا يصلح » على تأكّد الكراهة وإن أمكن ويندفع به هذا المحذور ، إلاّ أنّه مجاز كالحمل على الحرمة ، لا يمكن اختياره خاصّة إلاّ بعد قرينة معيّنة هي في الرواية مفقودة.

اللهم إلاّ أنْ يقال : إنّه أقرب المجازين إلى أصل الكراهة الذي هو الحقيقة ، لكنّه معارض بظهور الروايات السابقة في الحرمة ، مع اشتهارها بين الطائفة ، كما اعترف به هو وغيره ، وأخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩١ / ١١٧٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥١ أبواب اللقطة ب ٧ ح ٣.

(٢) المسالك ٢ : ٣٠٣.

(٣) المتقدمة في ص : ١٦٦.

١٧٢

بعض.

فإن لم يكن الحمل على الحرمة بهذا راجحاً على الحمل الآخر فلا أقلّ من التساوي بينهما ، وهو يوجب الإجمال المنافي للاستدلال.

وبما حرّرناه ظهر قوّة القول في لقطة الحرم بالحرمة ، وضعف القول فيها بالكراهة غايته.

( و ) على كلا القولين ( يعرّف ) ها ( حولاً ) واحداً ، إجماعاً فيما زاد عن الدرهم ، وعلى الأشهر الأقوى مطلقاً ، بناءً على عدم تملّكه وما نقص عنه أيضاً كما مضى ( فإن جاء صاحبه ) سلّمه إليه ( وإلاّ تصدّق به ) بعد الحول ( أو استبقاه أمانة ) في يده.

( ولا ) يجوز له أن ( يملك ) ـه‍ بلا خلاف في شي‌ء من ذلك إلاّ في عدم جواز التملّك ، فقد جوّزه جماعة في الناقص عن الدرهم ولو من دون تعريف كما مرّ (١). وعن الحلبي تجويزه في الزائد أيضاً بعد التعريف (٢).

وقد مرّ ضعف الأوّل مفصّلاً ، ومثله الثاني فيه جدّاً ، مع كونه شاذّاً محجوجاً هو كسابقه بالأصل ، وعدم دليل على الملك مطلقاً ، عدا ما يأتي من النصوص الدالّة عليه الواردة في مطلق اللقطة الغير المنصرفة كما عرفت بحكم التبادر والغلبة إلى مفروض المسألة.

ومع ذلك معارضة بصريح الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة في الجملة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة كما في المختلف وعن التذكرة (٣) ، وفيها : « اللقطة لقطتان : لقطة الحرم وتعرّف‌

__________________

(١) راجع ص : ١٦٤.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٥٠.

(٣) المختلف : ٤٤٨ ، التذكرة ٢ : ٢٥٦.

١٧٣

سنةً ، فإن وجدت لها طالباً ، وإلاّ تصدّقت بها. ولقطة غيرها تعرّف سنةً فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك » (١).

ولا يعارضه الخبر : فيمن وجد في الطواف ديناراً قد انسحق كتابته ، قال : « له » (٢) وكذا الآخر : « فإن وجدت في الحرم ديناراً مطلّساً فهو لك لا تعرِّفه » (٣).

لضعفهما سنداً ، ومخالفتهما الإجماع ظاهراً ؛ لدلالتهما على إطلاق جواز التملّك من دون تقييد بالتعريف سنةً ، مع تصريح الأخير بالنهي عنه ، ولم يذهب إليه أحد من الأصحاب عدا الصدوقين (٤) ، وهما شاذّان انعقد على خلافهما الإجماع ، فليطرحا ، أو يؤوّلا بما يؤولان به إليه من حملهما على غير اللقطة من المدفون أو غيره ، أو على أنّه عليه‌السلام كان يعلم أنّه من خارجي أو ناصبيّ ، فتأمّل.

( ولو تصدّق به بعد الحول ، وكره المالك ) فلم يرض به ( لم يضمن الملتقط على الأشهر ) على حكاية الماتن هنا ، ولم ينقل إلاّ عن المفيد والديلمي والقاضي وابن حمزة (٥).

وفي المسالك نسب الضمان إلى الشهرة (٦). وحكي عن الشيخ في‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤١ أبواب اللقطة ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٣ أبواب اللقطة ب ١٧ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٠ / ٨٥٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٣ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٩.

(٤) الصدوق في المقنع : ١٢٧ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٤٤٨. وانظر فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٦٦.

(٥) المفيد في المقنعة : ٦٤٦ ، الديلمي في المراسم : ٢٠٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٦٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٨.

(٦) المسالك ٢ : ٣٠٣.

١٧٤

كتبه الثلاثة والإسكافي والحلّي (١) ، واختاره في المختلف والصيمري في شرح الشرائع (٢). ولعلّه أظهر ؛ للخبر المتضمّن بعد الأمر بالتصدّق قوله عليه‌السلام : « فإن جاء صاحبه فهو له ضامن » (٣).

وضعفه منجبر بعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٤) وفحوى الأدلّة الآتية في لقطة غير الحرم من الضمان بعد الصدقة والكراهة ؛ وذلك لأنّها جائزة له ولو على كراهة كما مر إليه الإشارة ، فضمانها حينئذٍ بعد الأمرين مع كونه مأذوناً في الالتقاط والصدقة يستلزم الضمان بعدهما في مفروض المسألة بالأولوية ؛ لأنّه لم يرخّص فيه إلاّ بالصدقة دون الالتقاط ؛ للنهي عنه ، كما عرفته.

مضافاً إلى انجباره من أصله بالشهرة الظاهرة ، وفيما تضمّنه من حكم المسألة بالشهرة المحكية.

نعم يعارضها حكاية الشهرة على العكس في العبارة ، لكنّها على تقدير تسليمها غير واضحة الحجّة عدا ما صرّح به في الشرائع وغيره (٥) من أنّ الصدقة بها تصرّف مشروع بالإجماع فلا يتعقّبها ضمان.

وهو حسن لولا ما قدّمناه من الحجة القويّة المترجّحة على هذه بوجوه عديدة ، أقواها الأولويّة المتقدّمة ، وهي وإن اختصّت بصورة تعمّد‌

__________________

(١) النهاية : ٢٨٤ ، المبسوط ٣ : ٣٢١ ، الخلاف ٣ : ٥٨٥ ، وحكاه عن الإسكافي في إيضاح الفوائد ٢ : ١٥٤ ، السرائر ٢ : ١٠١.

(٢) المختلف : ٤٤٨ ، غاية المرام ٤ : ١٥٦.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٥ / ١١٩٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٣ أبواب اللقطة ب ١٧ ح ٢.

(٤) عوالي اللئالئ ٢ : ٣٤٥ / ١٠ ، مسند أحمد ٥ : ١٢ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ / ١٢٨٤ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٨٨ / ٤.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٩٢ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٤ : ١١٨.

١٧٥

الالتقاط فلا تشمل غيرها من الصور ، لكنّها تتمّ حجّة على تمام المدّعى بعدم القائل بالفرق بين الطائفة إن صحّ ، وإلاّ فتخصيص الضمان بالصورة الاولى لا يخلو عن وجه ؛ لاختصاص الخبر المتقدّم الدالّ عليه مع بعض معاضداته بها ، فلا معارضة للقاعدة من جهته فيما عداها.

( وإن وجده في غير الحرم ) وكان زائداً عمّا دون الدرهم ( يعرّف ) ـه ( حولاً ) واحداً ، بلا خلاف فيه في الجملة ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح : « يعرّفها سنة ، فإن جاء لها طالب ، وإلاّ فهي كسبيل ماله » (١).

وفيه : « لا ترفعوها ، فإن ابتليت بها فعرّفها سنةً ، فإن جاء طالبها ، وإلاّ فاجعلها في عرض مالك ، يجري عليها ما يجري على مالك ، إلاّ أن يجي‌ء طالب » (٢).

وفيه : « يعرّفها سنةً ، فإن لم يُعرَف حفظها في عرض ماله حتّى يجي‌ء طالبها فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها ، وهو لها ضامن » (٣) فتأمّل.

وفي المرسل كالصحيح : « تعرّف سنة قليلاً كان أو كثيراً ، وما كان دون الدرهم فلا يعرّف » (٤). إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤١ أبواب اللقطة ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٢ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٣.

(٣) الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٤٠ ، قرب الإسناد : ٢٦٩ / ١٠٧٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٤ أبواب اللقطة ب ٢ ح ١٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٦ أبواب اللقطة ب ٤ ح ١.

١٧٦

وإطلاقها كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في وجوب التعريف بين صورتي نيّة التملّك بعده وعدمها. وهو أقوى وفاقاً لأكثر أصحابنا ؛ لذلك ؛ ولأنّه مال الغير حصل في يده ، فيجب عليه دفعه إلى مالكه ، والتعريف وسيلة إلى علمه به ، فيجب من باب المقدّمة ؛ ولما في تركه من الكتمان المفوّت للحقّ على مستحقّه.

خلافاً للمبسوط (١) ، فخصّه بالصورة الأُولى ، محتجّاً بأنّ التعريف إنّما وجب لتحقّق شرط التملّك ، فإذا لم يقصده لم يجب ويكون مالاً مجهول المالك.

وفيه مع مخالفته لما مرّ نظر ؛ لمنع حصر سبب وجوب التعريف فيما ذكر ، بل السبب الأقوى فيه هو ما مرّ من وجوب إيصال المال إلى مالكه بأيّ وجه اتّفق. ويفرّق بينه وبين المال المجهول المالك بأنّه لم يقدّر له طريق إلى التوصّل إلى مالكه ، بخلاف محلّ الفرض فقد جعل الشارع التعريف طريقاً إليه ، كما عرفت من إطلاق النصّ.

( ثم ) إنّ ( الملتقط ) بعد التعريف تمام الحول ( بالخيار بين التملّك ) مع الضمان كما في بعض الصحاح المتقدّمة ، وغيره من المعتبرة.

ففي الخبر : « ينبغي أن يعرّفها سنة في مجمع ، فإن جاء طالبها دفعها إليه ، وإلاّ كانت في ماله ، فإن مات كانت ميراثاً لولده ولمن ورثه ، فإن لم يجي‌ء لها طالب كانت في أموالهم ، هي لهم ، وإن جاء طالبها بعد دفعوها إليه » (٢).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٢٢.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٩ / ٢٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٨ / ٨٤٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٥ أبواب اللقطة ب ٢٠ ح ١.

١٧٧

وفي آخر : « خيّره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها ، وبين أن تغرمها إذا كنت أكلتها » (١).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المعتضدة بفحوى الضمان مع الصدقة ، وبالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، كما يشعر به كلام صاحب الكفاية (٢) حيث نسبه إلى الأصحاب كافّةً. فاحتماله عدم الضمان وكونه على جهة الاستحباب لا وجه له.

( والصدقة ) بها عن مالكها ، كما في النصوص المستفيضة ، ففي الخبر القريب من الصحيح بفضالة وأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنهما كما حكاه بعض أصحابنا (٣) ـ : عن اللقطة ، فقال : « يعرّفها سنة ، فإن جاء صاحبها دفعها إليه ، وإلاّ حبسها حولاً ، فإن لم يجي‌ء صاحبها ومن يطلبها تصدّق بها ، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له ، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له » (٤).

وفي آخر : عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص ، إلى أن قال عليه‌السلام : « وإلاّ كانت في يده بمنزلة اللقطة يصيبها ، فيعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، وإلاّ تصدّق بها ، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله الأجر ، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٢ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٥.

(٢) الكفاية : ٢٣٨.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ ، ٨٣١.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٤ ، الإستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤١ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٥ : ٣٠٨ / ٢١ ، الفقيه ٣ : ١٩٠ / ٨٥٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩١ ، الإستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٣ أبواب اللقطة ب ١٨ ح ١.

١٧٨

( وإبقائها أمانةً ) موضوعاً في حرز أمثاله كالوديعة ، فلا يضمنها إلاّ مع التعدي أو التفريط ؛ لأنّه حينئذٍ محسن إلى المالك يحفظ ماله وحراسته له ، فلا يتعلّق به ضمان ؛ لانتفاء السبيل عن المحسنين.

وهذا لم يرد به نصّ كأصل التخيير بينه وبين أحد الأوّلين ؛ لظهور النصوص الواردة فيهما في تعيّن أحدهما لا التخيير مطلقاً ، إلاّ أنّه قيل : يفهم الإجماع عليه من التذكرة (١). فإن تمّ ، وإلاّ كان مشكلاً ؛ لوقوع الخلاف في توقّف التملك على النيّة أو حصوله قهراً ، وعليه لا معنى للإبقاء أمانةً ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

( و ) يستفاد من المستفيضة أنّه ( لو تصدّق ) الملتقط ( بها ) بعد الحول ( فكره المالك ) ذلك ( ضمن الملتقط ) ولا خلاف فيه ظاهراً ، ونفاه في المسالك (٢) صريحاً. وجعله في المختلف إجماعاً (٣).

ثم إنّ كلّ ذا إذا كانت مأمونة البقاء تمام الحول كالدراهم والدنانير ونحوهما ( ولو كانت ممّا لا يبقى ) بل يفسد عاجلاً ( كالطعام قوّمها ) على نفسه ( عند الوجدان ، وضمنها ) للمالك ( وانتفع بها ، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ) أوّلاً ( ولا ضمان عليه ) حينئذٍ أصلاً ، بلا خلاف ظاهر مصرّح به في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي رحمه‌الله ناقلاً فيه عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه (٤).

وهو الحجّة الجامعة بين القاعدة الدالّة على الثاني لأنّ الحاكم وليّ‌

__________________

(١) قال به في مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٦١ ، وهو في التذكرة ٢ : ٢٦٠.

(٢) المسالك ٢ : ٣٠٣.

(٣) المختلف : ٤٤٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٦٩ ، وهو في التذكرة ٢ : ٢٥٩.

١٧٩

الغُيّب ، والقويّ بالسكوني وصاحبه الدالّ على الأوّل : عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها ، وفيها سكين ، قال : « يقوّم ما فيها ، ثم يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء ، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن » (١) الخبر.

ونحوه آخر : « فإن وجدت طعاماً في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله ، فإن جاء صاحبها فردّ عليه القيمة » (٢).

وليس في الأوّل كالعبارة التصريح بالتقويم على نفسه ؛ لإطلاق التقويم مع عموم مفهوم التعليل فيه الشاملين له وللتقويم على غيره.

وفي تقييده بالخبر الثاني إشكال ينشأ من قوّة احتمال ورود الأمر بالتقويم على نفسه على الغالب من تعسّر تقويمه على الغير في المفاوز ، واحتمال ورود إطلاق الخبر الأوّل عليه وإن أمكن ، إلاّ أنّ عموم مفهوم التعليل مع عدم تعقّل الفرق بل القطع بعدمه يدفعه.

ولذا ذكر جماعة (٣) التخيير بينهما أيضاً من غير خلاف ، وإن اختلفوا في وجوب استئذان الحاكم وعدمه مطلقاً على قولين ، فعن التذكرة : الأوّل (٤) ، ويعضده أنّ الأصل عدم التسلط على بيع مال محترم إلاّ بإذن الشارع أو الصاحب ، ولم يثبت جوازه بدون إذنهما.

واختار بعض الأجلّة الثاني (٥) ، ويعضده إطلاق الخبر المتقدّم ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٩٧ / ٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٨ أبواب اللقطة ب ٢٣ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٠ / ٨٥٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٣ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٩.

(٣) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٦٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠٣ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٥٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤٦٩.

١٨٠