رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

الحالة السابقة ، لكنه معارض بالمثل ؛ أو للإطلاقات ، وفي انصرافها إلى محلّ الفرض إشكال.

ويفهم من إطلاق الماتن وكثير اشتراط التكليف خاصة وعدم اشتراط الرشد فيصحّ من السفيه ؛ ولعلّه لأنّ حضانته ليست مالاً ، وإنّما يحجر السفيه له ؛ ومطلق كونه مولّى عليه غير مانع.

خلافاً للدروس ، فاستقرب اشتراطه ؛ محتجّاً بأنّ الشارع لم يأتمنه على ماله فعلى الطفل وماله أولى بالمنع ؛ ولأنّ الالتقاط ائتمان شرعي والشرع لم يأتمنه (١).

ويضعّف بأنّ عدم ائتمانه إنّما هو على المال لا على غيره ، بل جوّز تصرّفه في غيره مطلقاً. وعلى تقدير أن يوجد معه مال يمكن الجمع بين القاعدتين الشرعيتين ، وهما : عدم استئمان المبذّر على المال ، وتأهيله لغيره من مطلق التصرّفات التي من جملتها الالتقاط والحضانة ، فيؤخذ منه المال خاصّة.

ويشكل بأنّ صحّة التقاطه يستلزم وجوب إنفاقه ، وهو ممتنع من المبذّر ؛ لاستلزامه التصرّف الماليّ ، وجعل التصرّف فيه لآخر يستعقب الضرر على الطفل بتوزيع أُموره ، هذا.

مضافاً إلى عدم عموم يشمل جواز التقاطه ، فليرجع فيه إلى حكم الأصل ، وهو عدم جوازه ، فتأمّل.

وكذا يفهم من ذلك عدم اشتراط العدالة. وإليه ذهب الأكثر على الظاهر المصرّح به في المسالك (٢) ، قيل : للأصل ، ولأنّ المسلم محلّ‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٧٦.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩٧.

١٤١

الأمانة ، مع أنّه ليس استئماناً حقيقيّا ، ولانتقاضه بالتقاط الكافر مثله ، لجوازه بغير خلاف (١).

وقيل : بالاشتراط ، كما عن الشيخ في أحد قوليه (٢) ، والفاضل في التذكرة والتحرير والإرشاد والقواعد (٣) ؛ لافتقار الالتقاط إلى الحضانة ، وهي استئمان لا يليق بالفاسق ؛ ولأنّه لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.

وفيه نظر ، ولعلّ الأوّل أظهر ، سيّما مع التأيّد بالإطلاقات الواردة مورد الغالب ؛ لندرة العادل ، فتأمّل.

ولا ريب أنّ الأوّل أحوط ، كما صرّح به الشهيد الثاني (٤) وفاقاً للمحكيّ عن المحقق الثاني (٥) ، فتدبّر.

وهنا قول ثالث يحكى عن المحقّق الثاني بالتفصيل بين ما إذا كان له مال فالثاني ؛ لأنّ الخيانة في المال أمر راجح ، وما إذا لم يكن فالأوّل ؛ لما مرّ (٦).

وفيه أيضاً نظر.

( وفي اشتراط الإسلام ) في التقاط المحكوم بإسلامه كلقيط دار الإسلام ، أو الكفر مع وجود مسلم فيها يمكن تولّده منه ( تردّد ) ينشأ : من انتفاء سبيل الكافر على المسلم ، وأنّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه ، سيّما إذا تخلّق بالتربية والصحبة المتأكّدة بأخلاقه وأقواله وأفعاله. ومن أصالتي الجواز وعدم الاشتراط ، مع كون المقصود الأهمّ من الالتقاط الحضانة‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٩٧.

(٢) المبسوط ٣ : ٣٤٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٥٢ ، التحرير ٢ : ١٢٣ ، الإرشاد ١ : ٤٤٠ ، القواعد ١ : ١٩٥.

(٤) الروضة البهية ٧ : ٧٣.

(٥ و ٦) جامع المقاصد ٦ : ١٠٨.

١٤٢

والتربية ، وهما يحصلان مع الكفر.

والمناقشة في هذه الوجوه واضحة ؛ لاندفاع الأصالة الأُولى بعدم دليل عليها سوى الإطلاقات ، وفي انصرافها إلى محلّ البحث إشكال ؛ لعدم تبادره منها بناءً على ورودها خطابات للمسلمين وفي بلادهم. ويعضده ورود النصوص (١) بحريّة المنبوذ على الإطلاق ، مع اختصاصه بمنبوذ دار الإسلام بالإجماع.

ومنه يظهر الجواب من الأصالة الثانية ، فإنّها صحيحة حيث يوجد عمومات أو إطلاقات ظاهرة تدلّ على الجواز على الإطلاق ، وليس شي‌ء منهما بموجود في المسألة ، كما عرفته.

وكون المقصود الأهم منه ما ذكر من الحضانة لا يستلزم المنع عن ثبوت المنع من حجّة أُخرى ظاهرة ، ولا ريب أنّ ما قدّمناه من وجوه الأوّل منها بلا شبهة ، سيّما مع ورود النصّ الصريح بالتعليل الاعتباري ، منها : في المنع عن تزويج العارفة المؤمنة من المخالف بأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها.

فالأوّل أقوى ، وفاقاً لأكثر أصحابنا ، بل عليه عامّتهم كما لا يذهب على المتتبّع ولا يخفى. وليس المخالف عدا الماتن هنا وفي الشرائع (٢) حيث تردّد فيهما ، والشيخ في الخلاف كما في التنقيح (٣) ، أو المبسوط كما في المسالك (٤).

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٨٤.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ١٠٦.

(٤) كذا ، ولعله سهو ، فإنّ الموجود فيهما اشتراط الإسلام ، انظر المبسوط ٣ : ٣٤٠ ، والمسالك ٢ : ٢٩٧.

١٤٣

ثم إنّ محلّ الخلاف على ما يستفاد من كلمات الأصحاب وتعليلاتهم في الباب ، وبه صرّح جمع كالشيخ في المبسوط (١) ، والفاضل في جملة من كتبه (٢) ، على ما حكي عنهما ، والشهيدان وغيرهما (٣) ما قيّدنا به العبارة من كون اللقيط محكوماً بإسلامه ، دون ما إذا كان محكوماً بكفره ، فللكافر التقاطه بلا خلاف.

وربما يستفاد من التنقيح انسحاب الخلاف فيه أيضاً ، فإنّه قال بعد نقل القولين ـ : والتحقيق أنّه إن حكم بإسلام اللقيط اشترط إسلام الملتقط ، وإلاّ فلا (٤). وهو كما ترى ؛ لما مضى.

وأضعف منه ما ينقل من بعض المتأخّرين من المنع عن التقاط الكافر لمثله (٥) ، فقد نفى الخلاف عن جوازه صريحاً جماعة ، ومنهم : شيخنا في المسالك والروضة في بحث عدم اشتراط العدالة (٦) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الآية الكريمة ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٧).

وما ربما يتخيّل للمنع من ورود النصّ بأنّ « كلّ مولود يولد على الفطرة » (٨) ففي التقاط الكافر له افتتان له ولو في الجملة ؛ مدفوع بأنّه لو‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٤٠.

(٢) القواعد ١ : ١٩٥ ، التحرير ٢ : ١٢٣ ، التذكرة ٢ : ٢٧٠.

(٣) الدروس ٣ : ٧٥ ، المسالك ٢ : ٢٩٧ ، الروضة ٧ : ٧٢ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٣٩٩.

(٤) التنقيح ٤ : ١٠٦.

(٥) حكاه عن المحقق الثاني في مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٣٩٩ ، وانظر جامع المقاصد ٦ : ١٠٢.

(٦) المسالك ٢ : ٢٩٧ ، الروضة ٧ : ٧٢.

(٧) الأنفال : ٧٣.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٦ / ٩٦ ، علل الشرائع : ٣٧٦ / ٢ ، الوسائل ١٥ : ١٢٥ أبواب جهاد العدو ب ٤٨ ح ٣.

١٤٤

صحّ لجرى في منع الكافر عن حضانته لولده ، وهو مخالف للضرورة.

( ولا ) يجوز أن ( يلتقط المملوك ) اللقيط ( إلاّ بإذن مولاه ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في كلام بعض الأجلّة (١) ؛ وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى أنّ منافعه له ، وحقّه مضيّق ولا يتفرّغ للحضانة ؛ وفحوى الخبر : عن المملوك يأخذ اللقطة ، قال : « وما للمملوك واللقطة ، والمملوك لا يملك من نفسه شيئاً ، فلا يعرض لها المملوك ، فإنّه ينبغي أن يعرّفها سنة » (٢) الخبر ، فتدبّر.

أمّا لو أذن له فيه ابتداءً ، أو أقرّه عليه بعد وضع يده عليه جاز ، وكان السيّد في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه.

قيل : ثمّ لا يجوز للسيّد الرجوع فيه (٣).

ولا فرق بين القنّ والمكاتب والمدبّر والمبعّض وأُمّ الولد ؛ لعدم جواز تبرّع واحد منهم بماله ولا منافعه إلاّ بإذن سيّده. ولا يدفع ذلك مهاياة المبعّض وإن وفى زمانه المختصّ به بالحضانة ؛ لعدم لزومها ، فجاز تطرّق المانع كلّ وقت.

نعم لو لم يوجد للّقيط كافل غير العبد ، وخيف عليه التلف بالإبقاء فعن التذكرة (٤) جواز التقاطه له حينئذٍ. ولعلّه أراد به الوجوب ، كما صرّح به في الدروس (٥).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٣٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٩ / ٢٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٨ / ٨٤٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٥ أبواب اللقطة ب ٢٠ ح ١.

(٣) قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ١٠٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٧٠.

(٥) الدروس ٣ : ٧٥.

١٤٥

ولا ريب فيه ، لكنّه لا يوجب إلحاق حكم اللقطة به ، وإنّما دلّت الضرورة على الوجوب من حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلكة ، وهو غير حكم اللقطة ، كما مرّ إليه الإشارة. فلو وجد من له أهليّة الالتقاط وجب عليه انتزاعه منه ، وسيّده من الجملة ؛ لانتفاء أهليّة العبد له.

( وأخذ اللقيط مستحبّ ) إمّا مطلقاً ، كما عليه الماتن هنا وفي الشرائع (١) ، أو مع عدم الخوف عليه ، وأمّا معه فيجب ، كما في ظاهر الدروس وصريح اللمعة (٢). واستوجه هذا شيخنا في المسالك والروضة (٣) ، وتبعه في الكفاية (٤).

استناداً في الصورة الأُولى إلى الأصل ، مع سلامته عن المعارض سوى الأمر بالإعانة على البرّ ، وهو للاستحباب لاستلزام وجوبه وجوب الإعانة على كثير من وجوه البرّ التي تشهد الضرورة بعدم وجوبها فيها.

والبناء على التخصيص يوجب خروج مثل هذا العام عن الحجية لخروج أكثر أفراده مع أنّه برهن في محله اشتراط بقاء ما يقرب من مدلول العام في حجيته فيما يبقى منه بعد تخصيصه.

وفي الصورة الثانية إلى وجوب دفع الضرر عن النفس المحترمة بالإجماع ، بل الضرورة.

وهذا التفصيل لا يخلو عن قوّة إن وجد الصورة الأُولى ، ولكن في وجودها مناقشة كما صرّح به بعض الأجلّة قال : إذ الطفل في محلّ التلف‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٨٥.

(٢) الدروس ٣ : ٧٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٧ ) : ٧٧.

(٣) المسالك ٢ : ٢٩٧ ، الروضة ٧ : ٧٧.

(٤) الكفاية : ٢٣٤.

١٤٦

مع عدم الكفيل (١). فإذاً الأجود الوجوب مطلقاً ، وفاقاً للشيخ (٢) والأكثر ، كما في المسالك والكفاية (٣). بل ادّعى عليه الصيمري في شرح الشرائع الشهرة (٤).

ومنه يظهر أضعفية مختار الماتن مع تفرّده به على الظاهر ، فلم نر له موافقاً ، ولا حكاه أحد.

ثمّ على المختار ليس الوجوب عينيّاً ، بل كفائيّاً ، إجماعاً كما عن التذكرة (٥).

( واللقيط في دار الإسلام حرّ ) محكوم بإسلامه ، لا يجوز تملّكه ( و ) لا كذلك اللقيط ( في دار الشرك ) فإنّه ( رقّ ) محكوم بكفره ، بلا خلاف أجده في المقامين ، واحتمله إجماعاً بعض الأجلّة (٦) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً في الأوّل إلى أصالة الحريّة في الناس المستفادة من الأدلّة المتقدّمة في كتاب العتق من الفتوى والرواية.

وخصوص النصوص المستفيضة.

ففي الصحيح : « المنبوذ حرّ ، فإذا كبر فإن شاء توالى إلى الذي التقطه ، وإلاّ فليردّ عليه النفقة ، وليذهب فليوالِ من شاء » (٧).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٣٩٣.

(٢) المبسوط ٣ : ٣٣٦.

(٣) المسالك ٢ : ٢٩٧ ، الكفاية : ٢٣٤.

(٤) غاية المرام ٤ : ١٤٥.

(٥) التذكرة ٢ : ٢٧٠.

(٦) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤١٤ ، والحدائق ١٩ : ٣٨٣.

(٧) الكافي ٥ : ٢٢٥ / ٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ٣.

١٤٧

وفيه : عن اللقيط ، فقال : « حرّ لا يباع ولا يوهب » (١) ونحوه آخر إلاّ أنّه أُنّث فيه المذكّر (٢).

وفي الخبر : « اللقيط لا يشترى ولا يباع » (٣).

وفي آخر : « المنبوذ حرّ ، فإن أحبّ أن يوالي غير الذي ربّاه والاه ، فإن طلب منه الذي ربّاه النفقة وكان مؤسراً ردّ عليه ، وإن كان معسراً كان ما أنفق عليه صدقة » (٤).

إلى غير ذلك من النصوص ، وهي وإن كانت مطلقة شاملة للقيط دار الشرك أيضاً ، إلاّ أنّه غير متبادر منها بعد ورودها خطابات للمسلمين وفي بلادهم ، وقد مرّ نظيره ، هذا.

مع ما عرفت من الاتّفاق على الظاهر على الحكم برقّيته ، فبه تقيّد تلك الإطلاقات على تقدير تسليم ظهور شمولها لمحلّ البحث ، وتخصّ أصالة الحريّة المتقدّمة.

قالوا : والمراد ببلاد الإسلام هنا ما ينفذ فيه حكمه ، ولا يكون فيها كافر إلاّ معاهد. ودار الكفر ما ينفذ فيه أحكامه ، ولا يوجد فيها مسلم إلاّ مسالم. قالوا : ولو وجد فيها مسلم ولو واحد يمكن تولده منه ولو إمكاناً ضعيفاً الحق به ، ولم يحكم بكفره ولا رقّه ؛ ولعلّه لما ورد من أنّ « الإسلام يعلو ولا يعلى » (٥).

واعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب وأكثر أهل العلم كما في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٥ / ٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٨ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ٥.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٥ / ٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٤ / ١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٤ / ٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ٢.

(٥) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٨ ، الوسائل ٢٦ : ١٤ أبواب موانع الإرث ب ١ ح ١١.

١٤٨

المسالك وغيره (١) أنّه لا ولاية للملتقط ولا لغيره من المسلمين عليه ، إلاّ في حضانته وتربيته. بل هو سائبة يتولّى من شاء. وعليه دلّت جملة من النصوص المتقدّمة وغيرها (٢).

( و ) يتفرع عليه انه ( إذا لم يتوال أحداً ) بعد بلوغه ( فعاقلته ووارثه الإمام عليه‌السلام إذا لم يكن له وارث ) ولم يظهر له نسب. فدية جنايته خطأً عليه ، وحقّ قصاصه في النفس له. وفي الطرف للّقيط بعد بلوغه قصاصاً وديةً ، قيل : ويجوز للإمام تعجيله قبله كما يجوز ذلك للأب والجدّ ، على أصحّ القولين (٣).

ويستفاد من شيخنا في الروضة وقوع الخلاف في أصل الحكم حيث قال بعد بيان أنّه لا ولاء عليه للملتقط ولا لأحد من المسلمين ـ : خلافاً للشيخ (٤).

ولعلّه أشار به إلى ما يحكى في المختلف والدروس عنه وعن المفيد (٥) من أنّه إذا لم يتوال أحداً كان ولاؤه للمسلمين ولم يكن للذي أنفق عليه ولاؤه ، وإن ترك (٦) ولم يترك ولداً ، ولا قرابة له من المسلمين ، كان ما تركه لبيت المال كما عن الأوّل ، أو لبيت مال المسلمين كما عن الثاني.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٩٧ ؛ وانظر الروضة ٧ : ٧٧ ، والكفاية : ٢٣٤.

(٢) راجع ص : ١٤٤ ، وانظر الوسائل ٢٣ : ٩٧ أبواب العتق ب ٦٢ ، و ١٧ : ٢٩٩ أبواب ما يكتسب به ب ٩٦.

(٣) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٧ : ٧٩.

(٤) الروضة ٧ : ٧٧.

(٥) المختلف : ٤٥٣ ، الدروس ٣ : ٨١ ، وهو في النهاية : ٣٢٣ ، والمقنعة : ٦٤٨.

(٦) أي : إن ترك اللقيط مالاً.

١٤٩

لكن ذكر الحلّي أنّ المقصود من بيت المال هنا بيت مال الإمام ، دون بيت مال المسلمين ، قال : فإذا ورد لفظ : إنّه للمسلمين ، أو لبيت المال ، فالمراد أنّه بيت مال الإمام عليه‌السلام ، وإنّما أطلق القول بذلك لما فيه من التقيّة لأنّ بعض المخالفين لا يوافق عليه. ثم قال : هكذا أورده شيخنا في آخر الجزء الأوّل من مبسوطه ، وهو الحقّ اليقين (١) ، انتهى.

ولعلّه لذا نسب الحكم في المسالك وغيره (٢) إلى الأصحاب من غير نقل خلاف.

وفيه نظر ، كنسبة الخلاف في الروضة إلى الشيخ خاصّةً ؛ لما عرفته من موافقة المفيد له ، مع أنّه حكي في الكتابين أيضاً عن الإسكافي قولاً آخر يخالف ما عليه الأصحاب ولو في الجملة ، وهو أنّه لو أنفق عليه وتولّى غيره ردّ عليه النفقة ، فإن أبى فله ولاؤه وميراثه. ولكن حمله الفاضل (٣) على أخذ قدر النفقة من ميراثه.

وعلى أيّ حال فالحقّ ما ذكره الأصحاب ، ولا دليل على ما ذهب إليه الإسكافي والشيخان في ظاهر عبائرهم.

( ويقبل إقراره على نفسه بالرقّية مع بلوغه ورشده ) أي : وعقله ، ما لم يعلم حرّيته سابقاً بشياع ونحوه على الأظهر الأشهر ؛ لعموم « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٤) ؛ وخصوص ما مرّ في كتاب العتق من النص الدال على أنّ « الناس أحرار إلاّ من أقرّ على نفسه بالعبودية » (٥).

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٠٨.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩٨ ؛ وانظر التذكرة ٢ : ٢٧٦.

(٣) المختلف : ٤٥٣.

(٤) الوسائل ٢٣ : ١٨٤ أبواب الإقرار ب ٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٦ : ١٩٥ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٨٤ / ٣٠٢ ، التهذيب ٨ : ٢٣٥ / ٨٤٥ ، الوسائل ٢٣ : ٥٤ أبواب العتق ب ٢٩ ح ١.

١٥٠

خلافاً للحلي فقال : لا يقبل إقراره عند محصّلي أصحابنا ، وهو الأصحّ ؛ لأنّ الشارع حكم عليه بالحرية (١).

ويضعّف بأنّ حكم الشرع على الحرّية بناءً على الأصل ، وهو يدفع بالإقرار بعده. ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهولين ، فلو جاء رجل وأقرّ بالعبودية يقبل. وقد كان على مذهبه أنّه لا يقبل ؛ لأنّه كان محكوماً عليه بالحرّية شرعاً فلا يقبل إقراره بالعبودية. وهذا كلّه غلط كما في المختلف (٢) ، ومع ذلك النصّ الخاصّ المتقدّم يدفعه صريحاً.

نعم إن اعترف سابقاً بحرّيته مع الوصفين ثمّ ادّعى رقّيته أمكن عدم قبول إقراره ؛ لكونه مناقضاً لإقراره السابق ، وفاقاً لجماعة ومنهم الشيخ في المبسوط (٣).

خلافاً لآخرين ومنهم المحقق الثاني كما حكي (٤) ، وجعله الأشهر شيخنا الشهيد الثاني (٥) فقبلوه هنا أيضاً ؛ للعموم السابق ، وعدم منافاة الإقرار السابق له ، فإنّه له والثاني عليه ، فليقدّم بمقتضى النصّ المتقدّم الدالّ على قبول الإقرار عليه ، ولا دليل على قبوله له حيث ينافي الأصل. وقبوله حيث لا ينافيه كما في محل البحث إنّما هو من حيث الأصل ، ولولاه لما قبل ، فوجود هذا الإقرار كعدمه.

ولعلّه أقوى.

ثم إنّ كلّ ذا إذا لم يكذّبه المقرّ له ، وأمّا معه ففي قبول إقراره حيث‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٣٥٤.

(٢) المختلف : ٤٤٣.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٥٢.

(٤) جامع المقاصد ٦ : ١٣١.

(٥) المسالك ٢ : ٢٩٩.

١٥١

يقبل من دونه قولان ، اختار ثانيهما في المبسوط (١) ، وأوّلهما في المسالك (٢). ويتفرّع عليه ما إذا عاد المقرّ له فصدّقه فلا يلتفت إليه على الأوّل ؛ لأنّه لمّا كذّبه ثبت حرّيته بالأصل فلا يعود رقيقاً. ونعم على الثاني ؛ لأنّ الرقّية المطلقة تصير كالمال المجهول المالك يقبل إقرار مدّعيه ثانياً وإن أنكره أوّلاً.

وحيث حكم برقّيته ففي بطلان تصرّفاته السابقة على الإقرار أوجه ، يفرق في ثالثها بين ما لم يبق أثره كالبيع والشراء فلا يبطل ، وما يبقى كالنكاح فيبطل ، وعليه نصف المهر قبل الدخول ، وتمامه بعده. ولو كانت المقرّة الزوجة اللقيطة لم يحكم بالبطلان ؛ لتعلّقه بالغير ويثبت للسيّد أقلّ الأمرين من المسمّى وعقر الأمة. واختار هذا في الدروس (٣).

واعلم أنّ المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أنّ الواجب على الملتقط حضانته بالمعروف ، وهو تعهّده والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره. وأنّه لا يجب عليه الإنفاق من ماله ابتداءً ، بل من مال اللقيط الموجود تحت يده ، أو الموقوف على أمثاله ، أو الموصى لهم به ، بإذن الحاكم مع إمكانه ، وإلاّ أنفق ولا ضمان.

وعن التذكرة الإجماع (٤) على عدم وجوب الإنفاق عليه ابتداءً ، وجوازه على اللقيط من ماله لكن بإذن الحاكم مع إمكانه. ولا ريب في اعتباره حينئذٍ ؛ لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه أو إذن‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٥٢.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩٩.

(٣) الدروس ٣ : ٨١.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٧٣.

١٥٢

وليّه. وولايته مقصورة على الحضانة دون التصرف في المال.

وهذا وإن جرى في صورة عدم إمكان الإذن ، إلاّ أنّ الجواز فيها للضرورة المبيحة ، وهي في صورة الإمكان مفقودة.

فالحكم بالجواز في الصورتين كما يميل إليه بعض متأخّري متأخّري الطائفة (١) لا وجه له ، سيّما مع كون التفصيل بينهما بالجواز في إحداهما وعدمه في الثانية معروفاً بين الطائفة. وبه صرّح في الكفاية (٢).

ثمّ إنّ هذا إن وجد للّقيط مال.

( و ) أمّا ( إذا وجد ) هُ ( الملتقط ) ولا مال له ، فإن وجد ( سلطاناً استعان به على نفقته ) من بيت المال أو الزكاة ( فإن لم يجد ) وتعذّر عليه ( استعان بالمسلمين ) ويجب عليهم مساعدته بالنفقة كفايةً ، على الأشهر بين الطائفة ؛ لوجوب إعانة المحتاج كذلك مطلقاً.

خلافاً للماتن في الشرائع حيث تردّد فيه (٣) : ممّا مرّ ، ومن أنّ الوجوب حكم شرعيّ فيقف على دليل ، وليس ، مضافاً إلى أصالة البراءة.

ويمنعان بما عرفته ، فإنّه أخصّ.

فإذاً الأشهر أظهر ، وعليه فإن وجد متبرّع منهم ، وإلاّ كان الملتقط وغيره ممّن لا ينفق إلاّ بنيّة الرجوع سواء في الوجوب.

( وإن تعذّر الأمران ) من الرجوع إلى السلطان ، والاستعانة بالمسلمين ( أنفق الملتقط ) وجوباً ( ورجع عليه ) بعد يساره ( إذا نوى الرجوع ) بها عليه ( ولو تبرّع ) فلم ينو ( لم يرجع ) كما لا يرجع لو وجد‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٤١٧.

(٢) الكفاية : ٢٣٥.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٨٤.

١٥٣

المعين المتبرّع فلم يستعن به.

ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ولا خلاف إلاّ في الرجوع مع نيّته ، فقد خالف فيه الحلّي وقال : الأقوى عندي أنّه لا يرجع به عليه ؛ لأنّه لا دليل على ذلك ، والأصل براءة الذمّة ، وشغلها يحتاج إلى أدلّة ظاهرة (١).

ويضعّف باستلزام ما ذكره الإضرار باللقيط والملتقط ، وهو منفيّ بالنصّ والإجماع. وذلك فإنّه إمّا أن يجب النفقة على الملتقط ، أو لا. والأوّل باطل ؛ لأنّه ضرر به ، مع أنّه خرق للإجماع أيضاً كما في المختلف قال : إذ لم يوجبه أحد مجّاناً (٢). والثاني باطل أيضاً ؛ لأنّه ضرر على اللقيط ؛ إذ لملتقطه ترك ما ليس بواجب عليه فيؤدّي ذلك إلى تلفه ، والإجماع بل الضرورة تنادي ببطلانه ، هذا.

مع أنّه قد مرّ جملة من النصوص (٣) الدالّة على جواز الرجوع بها عليه ، بل تضمّنت أمر اللقيط بردّها عليه ، وفيها الصحيح وغيره. وقصور سنده مجبور بالعمل ، فلا قدح فيه ، كما لا قدح في شمولهما لما لا يجوز له الرجوع فيه إجماعاً ؛ لجواز التقييد والتخصيص مع حجية العام في الباقي.

وفي الصحيح : عن اللقيطة ، فقال : « لا تباع ولا تشترى ، ولكن استخدمها بما أنفقته عليها » (٤) وربما كان فيه تأييد ما لما اخترناه ، فلا إشكال فيه أصلاً.

__________________

(١) السرائر ٢ : ١٠٧.

(٢) المختلف : ٤٥٣.

(٣) راجع ص : ١٤٤ ، ١٤٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٥ / ٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ٤.

١٥٤

وهل يشترط مع نيّته الرجوع الإشهاد؟ عن التذكرة : نعم (١) ، وعن الحلي : لا (٢). وهو أشهر وأقوى ؛ للأصل ، مع عدم ما يوجب الخروج عنه. نعم الأحوط ذلك ليسلم عن اليمين لو ادّعى اللقيط عليه التبرّع.

( القسم الثاني : في الضوالّ ) جمع ضالّة.

( وهي : كلّ حيوان مملوك ضائع ) أُخذ ولا يد محترمة عليه. احتُرِز بالمملوك عن نحو الخنزير والكلب العقور ، وبالضائع عمّا يوجد وعليه يد المالك ، وبلا يد عليه عن الحيوان الضائع عن مالكه وهو بيد الملتقط.

( وأخذه في صورة الجواز ) الآتية ( مكروه ) كما هو من مذهبهم معروف.

قيل (٣) : للنصوص ، منها النبوي : « لا يأوي الضالّ إلاّ الضالّ » (٤) والخبران : « الضوالّ لا يأكلها إلاّ الضالّون » (٥) وزيد في أحدهما : « إذا لم يعرّفوها » (٦).

وفي الاستدلال بهما نظر ؛ لورودهما في الأكل دون مجرّد الأخذ الذي هو محلّ البحث ، فلا دلالة فيه على المنع عنه. وربما كان في الثاني من جهة الزيادة إشعار بل ظهور في اختصاص المنع بالأوّل دون الثاني ، فتدبّر.

ولكن الأمر في ذلك سهل لأنّ في فتاوى الأصحاب والخبر الأوّل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٧٣.

(٢) حكاه عنه في التنقيح ٤ : ١٠٨ ، وانظر السرائر ٢ : ١٠٧.

(٣) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠٠ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣٥.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ١٩٠.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٠ أبواب اللقطة ب ١ ح ٥.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٤٢ أبواب اللقطة ب ٢ ح ٤.

١٥٥

كفاية وإن ضعف السند ، ولم يبلغ الفتوى درجة الإجماع ؛ لجواز التسامح في أمثال المقام.

( و ) استثنوا من ذلك الأخذ ( مع تحقّق التلف ) فقالوا : إنّه جائز ، بل ( مستحبّ ) صيانةً للمال المحترم عنه ، مع انتفاء الفائدة للمالك على تقدير تركها ، قيل : بل قد يجب كفايةً إذا عرف مالكها (١).

وحيث قد دلّت فحوى العبارة على اختلاف حكم التقاط الضالّة حرمةً وحلاًّ أراد بيان كلّ من الصورتين ، وأشار إلى الأُولى بقوله : ( فالبعير لا يؤخذ ) إذا وُجِد في كلأ وماء ، أو كان صحيحاً ، إجماعاً كما يأتي.

والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، في اثنين منها : « إنّي وجدت شاة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب ، فقال : يا رسول الله إنّي وجدت بعيراً ، فقال : معه حذاؤه وسقاؤه ، حذاؤه خفّه ، وسقاؤه كرشه » (٢).

وفي ثالث : « عن الشاة الضالّة بالفلاة ، فقال للسائل : هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب ، قال : وما أُحبّ أن أمسّها ، وسئل عن البعير الضالّ ، فقال للسائل : مالك وله ، خفّه حذاؤه إلى أن قال خلّ عنه » (٣) ونحوها مفهوم الرابع الآتي ، هذا.

مضافاً إلى الأصل الدالّ على عدم جواز إثبات اليد على مال الغير من دون الإذن أو السبب المرخّص فيه ، وليسا في محل الفرض ؛ لعدم المعرفة بالصاحب ، وأنّ البعير مصون عن السباع بامتناعه مستغنٍ بالرعي.

__________________

(١) كما في الروضة ٧ : ٨٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٧ أبواب اللقطة ب ١٣ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٨٨ / ٨٤٨ ، التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٩ أبواب اللقطة ب ١٣ ح ٥.

١٥٦

فمصلحة المالك ترك التعرّض له حتّى يجده ، والغالب أنّ من أضلّ شيئاً يطلبه حيث يضعه ، فإذا أخذه غيره ضاع عنه ، وعليه نبّه في بعض النصوص (١).

( ولو أخذه ) في هذه الصورة ( ضمنه الآخذ ) لأنّه غاصب ، فلا يبرأ إلاّ بردّه إلى المالك ، أو الحاكم مع فقده ، لا بالإرسال ، ولا بردّه إلى المكان الأوّل. قيل : إلاّ إذا أخذها ليردّها إلى المالك (٢).

وفي رواية : « الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلاً فتنفق ، قال : هو ضامن ، فإن لم ينوِ أن يأخذ لها جعلاً فنفقت فلا ضمان عليه » (٣).

وفي الصحيح : « من وجد ضالّة ولم يعرّفها ، ثمّ وجدت عنده ، فإنّها لربّها ، أو مثلها من مال الذي كتمها » (٤).

( وكذا حكم الدابة والبقرة ) والحمار ، بلا خلاف في الأوّل أجده. وجعله المعروف من مذهب الأصحاب في الكفاية (٥) ؛ للأصل المتقدّم.

مضافاً إلى خصوص الخبرين ، في أحدهما : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل ترك دابّة من جهد ، قال : إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له ، يأخذها حيث أصابها ، وإن كان ترك في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ ، فهي لمن أصابها » (٦).

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٣٩ أبواب اللقطة ب ١.

(٢) قال به الكاشاني في المفاتيح ٣ : ١٨١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٨٩ / ٨٥٢ ، التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٤ أبواب اللقطة ب ١٩ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ١٤١ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ / ٨٤٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٨٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٠ أبواب اللقطة ب ١٤ ح ١.

(٥) الكفاية : ٢٣٥.

(٦) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٤ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٧٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٨ أبواب اللقطة ب ١٣ ح ٤.

١٥٧

وفي الثاني : « إنّه عليه‌السلام كان يقول في الدابّة إذا سرحها أهلها ، أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها » قال : « وقضى علي عليه‌السلام في رجل ترك دابّة ، فقال : إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له ، يأخذها متى شاء ، وإن تركها في غير كلأ وماء ، فهي للذي أحياها » (١).

وعلى مذهب الخلاف والسرائر (٢) في الأخيرين ، ووافقه الماتن في الشرائع (٣) لكن بعد التردّد. وفي المسالك (٤) استجود إلحاق الأوّل منهما ، دون الثاني. واستقرب عدم الإلحاق فيهما في الكفاية قال : وقوفاً في النهي على مورد النص (٥).

وفيه نظر ؛ التفاتاً إلى ما يستفاد من النصوص من أنّ وجه الحكمة في جواز التقاط البعير والدابّة وعدمه ، إنّما هو الأمن من تلفه بامتناعه من صغار السباع وعدمه ؛ مضافاً إلى ظهور اتّفاق الفتاوى عليه في المقامين ؛ مع أنّ المنع عن التقاطهما هو الأوفق بالأصل المتقدّم.

فالأجود الإلحاق فيهما ، سيّما مع عموم الصحيح الآتي بناءً على أنّ المراد من المال فيه خصوص الحيوان الضالّ ، كما يشهد له سياقه ، وصرّح به بعض الأصحاب (٦).

( و ) يجوز أن ( يؤخذ ) البعير وما في حكمه ( لو تركه صاحبه من

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤١ / ١٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٨١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٨ أبواب اللقطة ب ١٣ ح ٣.

(٢) الخلاف ٣ : ٥٧٩ ، السرائر ٢ : ١٠٠.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٨٩.

(٤) المسالك ٢ : ٣٠٠.

(٥) الكفاية : ٢٣٥.

(٦) جامع المقاصد ٦ : ١٣٨.

١٥٨

جهد ) وعطب لمرض أو كسر أو غيرهما ( في غير كلأ ولا ماء ، ويملكه الآخذ ) حينئذٍ على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ للصحيح : « من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض ، قد كلّت وقامت ، وسيّبها صاحبها لما لم تتبعه ، فأخذها غيره ، فأقام عليها ، وأنفق نفقة حتّى أحياها من الكلال ومن الموت ، فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشي‌ء المباح » (١).

مضافاً إلى الخبرين المتقدّمين في الدابّة.

خلافاً لابن حمزة (٢) فلم يجوّز الأخذ أيضاً في هذه الصورة ؛ التفاتاً منه إلى إطلاق المنع عنه في الصحاح المتقدّمة.

ويضعّف بلزوم تقييده بهذه النصوص المعتبرة.

وظاهرها كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة ، وصريح آخرين اشتراط الأمرين من الترك من جهد وفي غير كلأ وماء معاً ، فلو انتفى أحدهما بأن ترك من جهد في كلأ وماء ، أو من غير جهد في غيرهما ، أو انتفى كلّ منهما بأن ترك من غير جهد فيهما لم يجز الأخذ. وعليه الإجماع في ظاهر التنقيح وصريح الصيمري (٣).

وربما يستفاد من بعض متأخّري المتأخّرين (٤) ما يعرب عن كفاية أحدهما.

ولا ريب في ضعفه ، مع عدم وضوح مستنده.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٥٨ أبواب اللقطة ب ١٣ ح ٢.

(٢) الوسيلة : ٢٧٨.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ١١٠ ، غاية المرام ٤ : ١٤٩.

(٤) انظر المفاتيح ٣ : ١٨١.

١٥٩

وهل الفلاة المشتملة على كلأ دون ماءٍ أو بالعكس بحكم عادمتهما ، أو بحكم مشتملتهما؟ قولان ، صريح التنقيح : الثاني (١) ، وصريح شيخنا الشهيد الثاني : الأوّل ، قال : لعدم قوام الحيوان بدونهما ، ولظاهر قول أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّه إن تركها في غير كلأ ولا ماء ، فهي للذي أحياها (٢).

وهذا أقوى.

( والشاة إن وجدت في الفلاة ) التي يخاف عليها فيها من السباع ( أخذها الواجد ) جوازاً ، بلا خلاف ظاهر مصرّح به في المسالك (٣) وغيره (٤) ، بل عليه الإجماع في شرح الشرائع للصيمري وعن التذكرة (٥) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الصحاح المتقدّمة ، و ( لأنّها لا تمنع من صغير ) (٦) ( السباع ) فتكون كالتالفة ، لا فائدة للمالك في تركها له. ويتخيّر الآخذ بين حفظها لمالكها ، ودفعها إلى الحاكم. ولا ضمان فيهما إجماعاً كما في شرح الشرائع للصيمري والمسالك (٧) ؛ للأصل ، وانتفاء الموجب للضمان في الصورتين ، نظراً إلى الرخصة في الأخذ فيكون أميناً في الحفظ ، والدفع إلى الحاكم الذي هو بحكم المالك ، لأنّه ولي الغيّب ؛ وبين أن يتملّكها ، بلا خلاف.

( و ) هل ( يضمنها ) حينئذٍ كما عن الأكثر مطلقاً أو مع ظهور‌

__________________

(١) التنقيح ٤ : ١١١.

(٢) الروضة ٧ : ٨٥.

(٣) المسالك ٢ : ٣٠١.

(٤) انظر الكفاية : ٢٣٥.

(٥) غاية المرام ٤ : ١٥٠ ، التذكرة ٢ : ٢٦٧.

(٦) في المطبوع من المختصر (٢٦١) : ضرر.

(٧) غاية المرام ٤ : ١٥١ ، المسالك ٢ : ٣٠١.

١٦٠