رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

فعل مكروهاً. ولو حفر في ملكه بئر بالوعة وفسد بئر الجار لم يمنع منه ، ولا ضمان عليه ، ومثله ما لو أعدّ داره المحفوف بالمساكن حمّاماً أو خاناً أو طاحونة أو حانوت حدّاد وقصّار ؛ لأنّ له التصرف في ملكه كيف شاء.

صرّح بجميع ذلك في السرائر والدروس والمسالك (١) ، ونسبه في الكفاية إلى الأصحاب كافّةً مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، ونحوه الحلي حيث نفى الخلاف فيه. ولكن قال في الكفاية : ويشكل هذا الحكم في صورة تضرّر الجار تضرّراً فاحشاً نظراً إلى تضمّن الأخبار المذكورة نفي الضرر والإضرار ، وهو الحديث المعمول به بين الخاصّة والعامّة ، المستفيض بينهم ، خصوصاً ما تضمّن الأخبار المذكورة من نفي الإضرار الواقع في ملك المضارّ (٢).

وفيه نظر ، فإنّ حديث نفي الضرر المستفيض معارض بمثله من الحديث الدالّ على ثبوت السلطنة على الإطلاق لربّ الأموال. وهو أيضاً معمول به بين الفريقين. والتعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، والترجيح للثاني بالأصل وعمل الأصحاب كما اعترف به ، ولا سيّما إذا استلزم منع المالك عن التصرّف ضرراً عليه أشدّ من ضرر الجار ، أو مساوياً ، أو أقلّ بحيث لم يتفاحش معه ضرره. وينبغي القطع في هذه الصور بما عليه الأصحاب. وأمّا فيما عداها فالظاهر ذلك أيضاً ؛ لما ذكر ، وإن كان الأحوط عدم الإضرار على الإطلاق.

وأمّا الأخبار الدالّة على نفي الإضرار في ملك المضارّ ف مع قصور سند بعضها ، وعدم مكافأته لما مضى يمكن حملها على ما إذا قصد‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٣٨٢ ، الدروس ٣ : ٦٠ ، المسالك ٢ : ٢٩٠.

(٢) الكفاية : ٢٤١.

١٢١

المالك بالتصرّف الإضرار دون رفع الحاجة ، كما يشعر به بعض تلك الأخبار. ثمّ على تقدير تسليم ترجيح حديث نفي الضرار فلا وجه لتخصيصه بصورة تفاحش الضرر ، مع عمومه وشموله للغير.

( الثالثة : من باع ) من غيره ( نخلاً ) المراد به الجنس الشامل للمتعدّد من أفراده بقرينة قوله : ( واستثنى واحدة ) منها ( كان له المدخل إليها والمخرج ) منها ( ومدى جرائدها ) بلا خلاف ظاهر ولا محكيّ ؛ للخبر القوي بالسكوني كما مرّ « في رجل باع نخلاً فاستثنى عليه نخلة ، فقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدخل إليها والمخرج ، ومدى جرائدها » (١).

ولأنّ ذلك مقتضى الاستثناء ، فكأنّه استثناها وشرط على المالك التردّد إليها لإصلاحها وأخذ ثمرها. وذلك مقتضى العرف ، وأنّه مثل استحقاق صاحب الثمرة على النخلة مع انتقالها عن ملكه.

وينبغي أن لا يكون إلاّ لمصلحة تلك النخلة المتعارفة لا غير ، اقتصاراً على الأصل ، بل والعرف ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٢). ومقتضى هذا الدليل انسحاب الحكم في كلّ ما يشابه محلّ البحث من نحو بيع الدار واستثناء بيت منها ، أو نحو ذلك.

واعلم أنّ الأنسب ذكر هذه المسألة في كتاب البيع في بحث ما يدخل في المبيع ، كما فعله في الشرائع (٣) وسائر الأصحاب عدا الحلي (٤) ، فإنّه ذكرها كالماتن هنا في هذا الكتاب.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ٥٧ / ٢٠٠ ، التهذيب ٧ : ١٤٤ / ٦٤٠ ، الوسائل ١٨ : ٩١ أبواب أحكام العقود ب ٣٠ ح ٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٥٠٣.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٧.

(٤) السرائر ٢ : ٣٧٣.

١٢٢

( الرابعة : إذا تشاحّ ) وتنازع ( أهل الوادي في مائه ) المباح الغير المملوك لهم ( حبسه الأعلى ) الذي ( يلي ) (١) فوهة النهر ( للنخل إلى الكعب ، وللزرع إلى الشراك ) وهو أسفل منه بقليل ( ثمّ يسرحه ) ويرسله ( إلى الذي يليه ) وهكذا ، بلا خلاف في أصل الحكم مطلقاً ، استضرّ الثاني بحبس الأوّل أم لا. بل في المسالك (٢) الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة العامية (٣) والخاصية (٤).

والمستفاد منها في تحديد مقدار السقي ما عليه الماتن هنا تبعاً للنهاية (٥).

خلافاً للمبسوط والسرائر ، فقالا : روى أصحابنا أنّ الأعلى يحبس إلى الساق للنخل ، وللشجر إلى القدم ، وللزرع إلى الشراك (٦). وعليه أكثر الأصحاب ومنهم الماتن في الشرائع (٧). وادّعى جمع الشهرة عليه ومنهم شيخنا في المسالك (٨).

ويظهر منه ومن جمع ممّن تبعه كالكفاية وغيره (٩) أنّ محل الخلاف بين القولين والخبرين إنّما هو التعرّض للشجر غير النخل في الثاني دون الأوّل ، حيث استدلّوا لهذا القول ببعض ما مرّ من النصوص المتضمّنة لعين‌

__________________

(١) ليس في « ص » ، أثبتناه من « ر » و « ح » لاستقامة المتن.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩٥.

(٣) انظر سنن البيهقي ٦ : ١٥٣ ١٥٤.

(٤) انظر الوسائل ٢٥ : ٤٢٠ أبواب إحياء الموات ب ٨.

(٥) النهاية : ٤١٧.

(٦) المبسوط ٣ : ٢٨٤ ، السرائر ٢ : ٣٨٥.

(٧) الشرائع ٣ : ٢٨٠.

(٨) المسالك ٢ : ٢٩٥ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٤ ، والمفاتيح ٣ : ٢٧.

(٩) المسالك ٢ : ٢٩٥ ، الكفاية : ٢٤٤ ؛ وانظر المفاتيح ٣ : ٢٧.

١٢٣

ما في العبارة من دون زيادة. واعترضوا عليه بضعف السند وعدم التعرّض فيه للشجر.

ولم أفهمه بعد وضوح الفرق بين الكعب والساق ، وأنّه أعلى منه بكثير ، سيّما إذا أُريد من الساق منتهاه أو أواسطه ، فيصير هذا أيضاً محلّ الخلاف بينهما من حيث تحديد مقدار السقي للنخل في القول الأوّل بالأوّل ، وفي الثاني بالثاني. فلا وجه لحصر محلّ الخلاف في الأوّل ، ولا الاستدلال على هذا القول بما دلّ على القول الأوّل.

اللهم إلاّ أن يجعل الكعب هو المفصل بين القدم وعظم الساق ، ويراد به مبدؤه لا الزائد ، فيصير قوله عليه‌السلام : « إلى الساق » كنايةً عن منتهى الكعب ، فتتوافق الروايتان في تحديد مقدار سقي النخل أيضاً ، ويظهر انحصار اختلافهما فيما مرّ.

ولكنّه خلاف مذهب الأصحاب إلاّ النادر (١) حيث حدّدوا الكعب بالمفصل في قبّة القدم ، وادّعوا عليه الإجماع بحدّ الاستفاضة ، وقامت عليه الأدلّة القاهرة كما تقدّم في بحث الوضوء من كتاب الطهارة.

ومع ذلك لم يتّضح الفرق بين تحديدي الشجر إلى القدم ، والنخل إلى الساق ؛ لتقاربهما على ذلك التقدير ، فربما لم يكن معه الفصل محسوساً ، بحيث كاد أن يكون أحدهما عين الآخر. وعليه بني التوجيه في دفع الاختلاف ، فلا بُدّ من تصحيح وجه الفرق بين التحديدين بأن يراد من الساق غير مبدئه ، ومعها لم يرتفع الاختلاف ؛ لمخالفة الكعب على أيّ تفسير للساق على هذا التقدير.

__________________

(١) وهو العلاّمة في القواعد ١ : ١١.

١٢٤

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه لا إشكال في مقدار سقي الزرع ؛ لاتّفاق النصوص والفتاوى على تقديره بالشراك ، ولا في الشجر ؛ لمرسلتي المبسوط والسرائر (١) المنجبرتين بعمل الأكثر ، مع سلامتهما عن معارضة باقي النصوص الأُخر ؛ لخلوّها عن تحديد مقدار سقيه.

ويبقى الإشكال في النخل ؛ لتعارض النصوص والفتاوى فيه كما عرفت. ولترجيح كلّ من القولين وجه.

فالأوّل : باستفاضة النصوص الدالّة عليه ، مع صحّة سند بعضها إلى ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته.

والثاني : بانجبار المرسلتين الدالّتين عليه بعمل الأكثر ، فلا يعارضهما شي‌ء من النصوص المتقدّمة. ولعلّ هذا أجود ، سيّما مع أوفقيّته بأصالتي بقاء الحقّ وعدم سلطنة الأسفل على الأعلى في منعه عن القدر الزائد على المجمع عليه.

وليس في إطلاق النصوص وأكثر الفتاوى تقييد الحكم بكون الأعلى سابقاً في إحياء الأرض التي يراد سقيها ، أو كون السابق مجهولاً ، كما ذكره الشهيدان وغيرهما (٢) ، قائلين بتقدّم المتأخّر إذا كان سابقاً في الإحياء ؛ معلّلين بتقدّم حقّه في الماء بالإحياء. واستوجهه في الكفاية (٣) قائلاً : إنّ الروايات الدالّة على تقديم الذي يلي فوهة النهر لا عموم لها بحيث يشمل هذا القسم.

وفيه نظر ؛ لكفاية رجوع الإطلاق إلى العموم فيه حيث لم يظهر له‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٨٤ ، السرائر ٢ : ٣٨٥.

(٢) الدروس ٣ : ٦٦ ، المسالك ٢ : ٢٩٥ ؛ وانظر جامع المقاصد ٧ : ٥٩.

(٣) الكفاية : ٢٤٤.

١٢٥

فرد شائع متبادر ويتساوى أفراده ، كما في محلّ البحث. ولعلّه لهذا تنظّر فيما ذكروه في المفاتيح (١) ، وهو في محلّه ، إلاّ أن يكون قد انعقد الإجماع على صحّته.

ثمّ إنّه ذكر في المسالك أنّ إطلاق النصّ والفتوى لسقي الزرع والشجر بذلك المقدار محمول على الغالب في أرض الحجاز من استوائها وإمكان سقي جميعها كذلك ، فلو كانت مختلفةً في الارتفاع والانخفاض بحيث لو سقيت أجمع كذلك زاد الماء في المنخفضة عن الحدّ المشروع أُفرد كلّ واحد بالسقي بما هو طريقه ؛ توصّلاً إلى متابعة النص بحسب الإمكان. ولو كانت كلّها منحدرة لم يقف الماء فيها كذلك سقيت بما يقتضيه العادة ، وسقط اعتبار التقدير الشرعي لتعذّره (٢).

واستحسنه في الكفاية (٣).

واحترزنا بالتقييد بالمباح (٤) عمّا إذا كان ملكاً لهم ، فإنّه يقسم بينهم على قدر سهامهم إمّا بقسمة نفس الماء ، أو بالمهاياة عليه ، بلا خلاف فيه أجده.

( الخامسة : ) لا ( يجوز للإنسان أن يحمي المرعى ) إلاّ ( في ملكه خاصّة ) فلا يجوز أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها ويمنع سائر الناس من الرعي فيها ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في المسالك وغيره (٥) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى ما دلّ على شرعيّة الناس في الماء والنار‌

__________________

(١) المفاتيح ٣ : ٢٧.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩٥.

(٣) الكفاية : ٢٤٤.

(٤) راجع ص : ١٢١.

(٥) المسالك ٢ : ٢٩١ ؛ التحرير ٢ : ١٣١ ، المفاتيح ٣ : ٢٨.

١٢٦

والكلاء (١) ، وخصوص منطوق النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا حمى إلاّ لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢) ، ومفهوم النصوص :

منها : الخبران القريبان من الصحيح بابن أبي نصر المجمع على تصحيح رواياته أحدهما : عن الرجل تكون له الضيعة ، وتكون لها حدود ، تبلغ حدودها عشرين ميلاً أو أقلّ أو أكثر ، يأتيه الرجل فيقول له : أعطني من مراعي ضيعتك وأُعطيك كذا وكذا درهما ، فقال : « إذا كانت الضيعة له فلا بأس » (٣).

وأظهر منه الثاني ، وفيه : إنّ لنا ضياعاً ، ولها حدود ، وفيها مراعي ، ولرجل منا غنم وإبل يحتاج إلى تلك المرعى لإبله وغنمه ، أيحلّ له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال : « إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي ويصير ذلك إلى ما يحتاج إليه » قال : فقلت له : الرجل يبيع المراعي ، فقال : « إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس » (٤).

وعليهما يحمل إطلاق بعض النصوص القاصرة سنداً ، بل الضعيفة جدّاً : عن بيع الكلاء والمراعي ، فقال : « لا بأس به ، قد حمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النقيع لخيل المسلمين » (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤١٧ أبواب إحياء الموات ب ٥.

(٢) سنن الدارقطني ٤ : ٢٣٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٦ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٤١ / ٦٢٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٢ أبواب إحياء الموات ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٦ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٥٦ / ٦٨٥ ، التهذيب ٧ : ١٤١ / ٦٢٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٧١ ، أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٢ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٢٧٧ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤١ / ٦٢٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٣ أبواب إحياء الموات ب ٩ ح ٣.

١٢٧

ويحتمل الحمل على غير ذلك أيضاً ممّا يوافق النصّ والفتوى.

( و ) يجوز ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ( للإمام عليه‌السلام مطلقاً ) بإجماعنا المحكي في كلام جماعة من أصحابنا (١) ، خلافاً لبعض العامة العمياء فلم يجوّزه لغير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً (٢) ؛ للنبوي المتقدّم.

( السادسة : لو كان له ) أي للإنسان ( رحى على نهر ) مملوك ( لغيره لم يجز له ) أي لصاحب النهر ( أن يعدل بالماء ) ويصرفه ( عنها إلاّ برضاء صاحبها ) كما في خصوص الصحيح : كتب رجل إلى الفقيه عليه‌السلام في رجل كانت له رحى على نهر قرية ، والقرية لرجل أو لرجلين ، فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى ، ويعطّل هذه الرحى ، إله ذلك أم لا؟ فوقّع عليه‌السلام : « يتّقي الله عزّ وجلّ ، ويعمل بالمعروف ، ولا يضارّ أخاه المؤمن » (٣) الحديث.

واعلم أنّي لم أقف على متعرّض لهذه المسألة عدا قليل ، ومنه بعض المتأخرين (٤) مستنداً إلى هذا الصحيح ، وزائد وهو اشتمال الصرف بالماء عن الرحى على ضرر منفي.

وهذا إنّما يتمّ على القول المتقدّم عن قريب بترجيح أدلّة نفي الضرر على أدلّة تسلّط الملاّك على التصرّف في أملاكهم ، وأمّا على غيره فيشكل‌

__________________

(١) منهم ابن سعيد في الجامع : ٣٧٥ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٣١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ٣٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٩١.

(٢) انظر الأُم للشافعي ٤ : ٤٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩٣ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٥٠ / ٦٥٩ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ / ٦٤٧ ، الوسائل ٢٥ : ٤٣١ أبواب إحياء الموات ب ١٥ ح ١.

(٤) مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٧.

١٢٨

الحكم على إطلاقه ، ولذا قيّده الحلّي في السرائر بما إذا كان نصب الرحى على النهر بأمر حقّ واجب على صاحبه (١).

وهذا هو الأقوى بناءً على القول الآخر الذي ذهب إليه أصحابنا من ترجيح أدلّة السلطنة على أدلّة نفي الضرر. ولا ريب أنّ الأوّل أحوط وأولى.

( السابعة : من اشترى داراً فيها زيادة من الطريق ) للمسلمين ( ففي رواية ) ابن مسلم الموثّقة المروية في التهذيب في باب بيع الغرر والمجازفة أنّه ( إن كان ذلك ) أي الزائد المدلول عليه بالزيادة ( فيما اشترى فلا بأس ) (٢) ونحوها رواية أبي جميلة المروية ثمّة (٣) ، لكن بتغيير ما في العبارة.

( وفي النهاية ) والسرائر ( إن لم يتميز ) الزائد ( لم يكن عليه شي‌ء ، وإن تميّز ردّه ) إليها ( ورجع على البائع بالدرك ) وأخذ الثمن منه (٤).

( والرواية ) الثانية ( ضعيفة ) السند ، والأولى وإن كانت موثّقة إلاّ أنّها مخالفة للأُصول من حيث دلالتها على إباحة ما لا يجوز استباحته من طريق المسلمين.

وفيه نظر ؛ لجواز أن يكون اللام فيها في الطريق للعهد ، أي : الطريق‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٣٧٤.

(٢) التهذيب ٧ : ١٣٠ / ٥٦٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٧ ح ٣.

(٣) التهذيب ٧ : ١٣١ / ٥٧٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٧ ح ٤.

(٤) النهاية : ٤٢٣ ، السرائر ٢ : ٣٨٠.

١٢٩

المسلوك ، وجاز أن يكون متّسعاً يزيد على القدر الشرعي ، فيكون على الإباحة ، فلا يضرّ إدخالها في الملك ، فأجاب عليه‌السلام بنفي البأس لما علم من حاله. فليست الرواية من محلّ البحث في شي‌ء ؛ لفرضه في العبارة وعبارتي السرائر والنهاية في زيادة الطريق بالأخذ من طريق المسلمين ، لا الطريق المسلوك.

( وتفصيل النهاية ) فيه ( في موضع المنع ) لأنّ عدم التميز لا يقتضي إباحة ما أُخذ من الطريق ، بل ينبغي ردّه إليها على جميع الأحوال.

( والوجه ) فيه ( البطلان ) أي بطلان البيع من رأس ؛ لأنّ حقّ الطريق إذا لم يتميّز بالحدود كان ما وقع عليه العقد ممّا هو ملك المالك مجهولاً لجهالته.

( و ) يصحّ البيع ( على تقدير الامتياز ) للأصل السليم عن المعارض من نحو الجهالة ، ولكن له الخيار ، فـ ( يفسخ إن شاء ) لأنّه يجب ردّ الزائد إلى الطريق ، فيتبعّض المبيع على المشتري ، وذلك عيب موجب لخياره ( ما لم يعلم ) بحقيقة الحال ، ومع العلم بها لا خيار له بلا إشكال ؛ لمجي‌ء الضرر عليه من قِبَله.

( الثامنة : من ) كان ( له نصيب ) قد ملكه ( في قناة أو نهر جاز له بيعه بما شاء ) كما في المعتبرة.

ففي الصحيح : عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء ، فيستغني بعضهم عن شربه ، أيبيع شربه؟ قال : ( نعم إن شاء باعه بورق ، وإن شاء بكيل حنطة ) (١). ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٣٩ / ٦١٦ ، الإستبصار ٣ : ١٠٦ / ٣٧٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٤ ح ١.

١٣٠

ونحوه الصحيح المروي عن قرب الاسناد : عن قوم كانت بينهم قناة ماء ، لكلّ إنسان منهم شرب معلوم ، فباع أحدهم شربه بدراهم أو بطعام ، هل يصلح؟ قال : « نعم » (١).

وفي الحسن : عن قناة بين قوم ، لكلّ رجل منهم شرب معلوم ، فاستغنى رجل منهم عن شربه ، أيبيعه بحنطة أو شعير؟ قال : « يبيعه بما شاء ، هذا ممّا ليس فيه شي‌ء » (٢).

وأمّا النصوص الناهية عن بيع فضول الماء (٣) فمحمولة على الكراهة ؛ جمعاً بين الأدلّة.

واستشكل الحكم على إطلاقه في التنقيح ، قال : لعدم إمكان التسليم ، وعدم العلم بقدر ما يسلم له بالقسمة. نعم يجوز الصلح على ذلك ، وكأنّه أراد بالبيع مطلق المعاوضة بنوع سائغ (٤).

ويستفاد من المسالك والكفاية أنّ المنع في محلّ الإشكال هو الأشهر بين الأصحاب ، فإنّهما قالا : ما حكم بملكه من الماء يجوز بيعه كيلاً ووزناً للانضباط ، وكذا يجوز مشاهدة إذا كان محصوراً. وأمّا بيع ماء العين والبئر أجمع فالأشهر منعه ؛ لكونه مجهولاً ، وكونه يزيد شيئاً فشيئاً فيخلط المبيع بغيره (٥).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٦٢ / ١٠٣٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٣٩ / ٦١٧ ، الإستبصار ٣ : ١٠٧ / ٣٧٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٤ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٤ ح ٣.

(٣) انظر الوسائل ٢٥ : ٤١٩ أبواب إحياء الموات ب ٧.

(٤) التنقيح ٤ : ١٠٤.

(٥) المسالك ٢ : ٢٩٤ ، الكفاية : ٢٤٣.

١٣١

وفي الدروس جوّز بيعه على الدوام ، سواء كان منفرداً أو تابعاً للأرض (١). انتهى.

فالمسألة محلّ إشكال من ظواهر هذه المعتبرة ، ومن القاعدة الناهية عن بيع الغرر والجهالة المعتضدة بالإجماع من أصلها ، وخصوص الشهرة المحكيّة في المسألة.

ولعلّ هذا لا يخلو عن قوّة ، سيّما مع ظهور سياق المعتبرة كالعبارة في أنّ المقصود من الحكم فيهما تجويز البيع بكلّ ما يشاء ، لا تجويزه حقيقةً. وإطلاقه على مطلق المعاوضة الشرعية مجاز شائع ، وقد ورد مثله في جواز بيع خدمة العبد المدبَّر ، وقد حمله الأصحاب على نحو الإجارة دون البيع حقيقة ، ونحوه إطلاق البيع على المعاوضة على سكنى الدار.

وكيف كان فالأحوط ترك البيع والبناء على الصلح ؛ لجوازه مع الجهالة حيث لا يتوقّع رفعها كما في المسألة بالاتفاق. وقد مرّ تحقيقه في كتاب الصلح ، مع اتفاق كلمة هؤلاء الجماعة الذين وقفت على كلمتهم في المسألة على جوازه من دون ريبة.

( التاسعة : روى ) الشيخ في التهذيب في باب بيع الغرر والمجازفة بسنده عن حسن بن محمّد بن سماعة ، عن علي بن رئاب وعبد الله بن جبلة ، عن ( إسحاق بن عمار ، عن العبد الصالح ) عليه‌السلام ، قال : سألته ( عن رجل في يده دار ) ليست له ، و ( لم تزل في يده ويد آبائه ) من قبله ( وقد ) أ ( علم ) ه‍ من مضى من آبائه ( أنّها ليست لهم ) ولا يدرون لمن هي ، فيبيعها ويأخذ ثمنها؟ قال : « ما أُحبّ أن يبيع ما ليس له » قلت : فإنّه ليس يعرف صاحبها ولا يُدرى لمن هي ، ولا أظنّه يجي‌ء لها ربّ ، قال : « ما أُحبّ أن يبيع ما ليس له » قلت : فيبيع سكناها أو مكانها في يده ، فيقول‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٦٧.

١٣٢

لصاحبه : أبيعك سكناي ، وتكون في يدك كما هي في يدي؟ قال : « نعم يبيعها على هذا » (١).

واختصر عن جميع هذا الماتن ونقل بالمعنى ، فقال في نقل التتمّة : ( ولا يظنّ مجي‌ء صاحبها ، قال : ما أُحبّ أن يبيع ما ليس له ، ويجوز أن يبيع سكناه ).

( و ) اعلم أنّ وصف الماتن هذه ( الرواية ) بأنّها ( مرسلة ) غير واضح إلاّ ما يقال : من عدم العلم بإسنادها إلى المعصوم ؛ لأنّ وصفه بكونه عبداً صالحاً لا يقتضي كونه معصوماً.

وفيه نظر ، لشهادة التتبّع وتصريح جمع (٢) بأنّ المراد به حيث يطلق مولانا موسى بن جعفر عليه‌السلام. هذا مع أنّ وجود عليه‌السلام بعده ممّا يعيّن كونه معصوماً ، كما لا يخفى.

( و ) كذا الطعن فيها بأنّ ( في طريقها الحسن بن محمّد بن سماعة وهو واقفي ) غير واضح ؛ لأنّ وقفه لا يمنع عن العمل بروايته على الأظهر الأشهر بعد وثاقته ، كما صرّح به العلاّمة والنجاشي (٣) وغيرهما (٤) من علماء الرجال. والاستدلال بالرواية لا بأس بها بحسب السند ؛ لأنّها من الموثّق.

نعم متنها مخالف للأصل من حيث تضمّنها جواز تركها في يده وبيعه السكنى ، مع أنّها ليست له. بل ربما أشعرت بجواز بيع نفس الدار ولو مع الكراهة ؛ لمكان لفظة « لا أُحبّ » الظاهرة فيها بلا شبهة.

( و ) نحوه ما ذكره الشيخ ( في النهاية ) (٥) من أنّه ( يبيع تصرّفه

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٣٠ / ٥٧١ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١ ح ٥.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد ٢ : ٢١٥ ، نقد الرجال ٥ : ٣١٦ ، جامع الرواة ٢ : ٤٦١.

(٣) رجال العلاّمة : ٢١٢ ، رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٤.

(٤) انظر جامع الرواة ١ : ٢٢٥ ، رجال ابن داود : ٢٣٩ / ١٣١.

(٥) النهاية : ٤٢٣.

١٣٣

فيها ، ولا يبيع أصلها ) ؛ لأنّ حق التصرف ليس شيئاً يباع ، ولو سلّم ، أو حمل البيع على الصلح ونحوه فهو فرع ثبوت هذا الحق بموجب وسببٍ ، ولم يظهر إلاّ مجرد سبق يده ويد آبائه عليها ، وهو لا يفيد أولوية تُجوّز الصلح عليها ؛ إذ هي في السبق على الأمر المباح أو المشترك دون مال الغير.

ولذا اختلف الأصحاب في توجيهه ، فقال الحلي : ويمكن أن يقال : إنّما كان الأمر على ما ذكر في هذا الحديث ، الوجه في ذلك وكيف يجوز له تركها في يده ، وبيع ما جاز له بيعه ، وهو يعلم أنّه لم يكن لمورثه أنّ هذه الدار لم يحط علمه بأنّها غصب ، وإنّما قال في الحديث : لم يكن لمورثه ومن كان بيده شي‌ء ، ولم يعلم لمن هو ، فسبيله سبيل اللقطة ، فبعد التعريف المشروع يملك التصرّف ، فجاز أن يبيع ما له فيها ، وهو التصرف الذي ذكره في الخبر ، دون رقبة الأرض إذا كانت في الأرض المفتوحة عنوة (١).

وهو حسن ، إلاّ أنّه ليس فيه توجيه لإطلاق لفظ البيع عليه مع أنّه ليس حقيقة فيه ، بل في المعاوضة على الأعيان.

ونحوه في هذا توجيه الماتن المشار إليه بقوله : ( ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة ) خربة مملوكة ( أحياها غير المالك بإذنه ، فـ ) إنّ مثلها ( للمحيي التصرّف ) فيه ( و ) إن كان ( الأصل للمالك ) فإنّ حق التصرف ليس شيئاً يجوز بيعه كما عرفت حقيقةً ، وإنّما هو شي‌ء يصلح الصلح عليه ، إلاّ أن يكون المراد ببيع التصرف بيع الآثار الموجودة من الأبنية والسقوف.

وبهذا وجّه الفاضل في المختلف كلام النهاية المستند في الظاهر إلى‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٣٨٠.

١٣٤

الرواية ، قال بعده : ولا يلزم من كون الدار ليست له كونها غصباً ، بل جاز أن تكون عاريةً ، وهو الظاهر ؛ إذ تصرّف المسلم إنّما يبنى في الظاهر على المشروع (١). انتهى.

وهو حسن.

__________________

(١) المختلف : ٤٧٥.

١٣٥
١٣٦

( كتاب اللقطة )

وهي بضمّ اللام وفتح القاف وسكونها اسم للمال الملقوط ، على ما نقل عن جماعة من أهل اللغة كالأصمعي ، وابن الأعرابي ، والفرّاء ، وأبي عبيدة (١). وعن الخليل أنّها بالتسكين لا غير ، وأمّا بفتح القاف فهي اسم للملتقط ؛ لأنّ ما جاء على فُعَلَة فهو اسم للفاعل كهُمَزَة ولُمَزَة (٢). وبهذا صرّح أيضاً في التنقيح (٣).

وعلى أيّ تقدير ، فهي لغة مختصّة بالمال ، وسيصرّح به الماتن في القسم الثالث ، ولكنّه هنا تبعا للفقهاء تَجَوّز في إطلاقها على ما يشمل الآدمي.

( وأقسامه ) أي الملقوط ( ثلاثة ) :

( الأوّل : في اللقيط ) ويقال له : الملقوط والمنبوذ أيضاً.

( وهو : كل صبيّ (٤) ضائع لا كافل له ) حالة الالتقاط ، ولا يستقلّ بنفسه بالسعي على ما يصلحه ويدفع عن نفسه المهلكات الممكن دفعها عادةً.

__________________

(١) حكاه عنهم في المسالك ٢ : ٢٩٦ ، وانظر تهذيب اللغة ١٦ : ٢٥٠ ، لسان العرب ٧ : ٣٩٢ ، تاج العروس ٥ : ٢١٦.

(٢) حكاه عنه في السرائر ٢ : ١٠٠ ، والتذكرة ٢ : ٢٥٠ ، وانظر العين ٥ : ١٠٠.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ١٠٥.

(٤) في المطبوع من المختصر زيادة : أو مجنون.

١٣٧

فيلتقط الصبيّ والصبيّة مع عدم التمييز إجماعاً ، وكذا معه على قول مشهور بين أصحابنا. ولا ريب فيه مع عدم بلوغ التمييز حدّا يحفظ نفسه عن الهلاك بوقوع في بئر ، أو ماء ، أو نار ، أو عن سطح ، ونحو ذلك.

ويشكل مع بلوغه ذلك الحدّ وإن احتاج إلى بعض الضروريات ، وبعدم الجواز فيه صرّح بعض الأصحاب ، قال : فيكون أمره إلى الحاكم كالبالغ من باب الولاية العامّة ، كحفظ المجانين وأموال الغياب وسائر المصالح العامّة ، فينصب له من يباشر ذلك ، ويصرف عليه من بيت المال إن لم يكن له مال (١).

وهو حسن ، ومرجعه إلى أنّ حكم الالتقاط وهو الأخذ والتصرّف في الضبط وحفظه ونحو ذلك مخالف للأصل مطلقاً ، سيّما على القول بوجوبه ، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن من النصّ والفتوى ، وهو ما أطلق عليه لفظ اللقيط حقيقةً عرفاً ، والمميّز الدافع عن نفسه لا يسمّى لقيطاً جدّاً.

وعلى تقدير التنزل ، فلا أقلّ من الشك في تسميته بذلك حقيقة عرفاً ، وهو كافٍ في الرجوع إلى حكم الأصل. ولعلّ مراد المجوّزين خصوص المميّز الغير الدافع على ما يظهر من تعليلهم الجواز بما يدلّ عليه.

ومن هنا ينقدح وجه صحّة تعبير الماتن كغيره (٢) عن اللقيط بخصوص الصبي ، دون مطلق الإنسان الشامل له ولمن في حكمه كالمجنون ؛ لعدم صدق اللقيط عليه مطلقاً وإن لم يستقلّ بدفع المهلكات عن نفسه ؛ لأنّ ترتب أحكام اللقيط عليه بالاسم دون الحاجة ، ودفع الضرر‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٣٩٤.

(٢) انظر التذكرة ٢ : ٢٧٠ ، والتحرير ٢ : ١٢٣.

١٣٨

عن النفس المحترمة ؛ لاندفاعهما بإرجاع الأمر إلى الحاكم ومن في حكمه ، كما في البالغ العاقل لاتّفاقهم فيه على امتناع التقاطه ، ومع ذلك قالوا : نعم لو خاف على البالغ التلف في مهلكة وجب إنقاذه كما يجب إنقاذ الغريق ونحوه.

وهو كما ترى ظاهر في دوران أحكام اللقيط مدار الاسم دون وجوب دفع الضرر.

وإليه يشير ما في المسالك في بيان احتراز الماتن بقوله : الضائع ، عن غير المنبوذ وإن لم يكن له كافل من التعليل بأنّه لا يصدق عليه اسم اللقيط وإن كان كفالته واجبة كالضائع إلاّ أنّه لا يسمّى لقيطاً. وفي بيان احترازه ب : لا كافل له ، عن الضائع المعروف النسب من قوله : فإنّ أباه وجدّه ومن وجب عليه حضانته مختصّون بحكمه ، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن كان ضائعاً. نعم يجب على من وجده أخذه وتسليمه إلى من يجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة (١).

ونحوه كلام غيره (٢).

فلا وجه لما ذكراه هما وغيرهما (٣) من إلحاق المجنون مطلقاً بالصبي مع اعترافهم بما ذكرناه ، وتصريح بعض أهل اللغة في تعريف اللقيط بأنّه الصبي المنبوذ خاصّة (٤).

فالأجود وفاقاً لبعض من تأخّر (٥) عدم القطع بالإلحاق ، بل التوقّف‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٩٦.

(٢) انظر الكفاية : ٢٣٤.

(٣) الدروس ٣ : ٧٣ ، جامع المقاصد ٦ : ٩٧.

(٤) تهذيب اللغة ١٦ : ٢٥٠ ، القاموس ٢ : ٣٩٨ ، والنهاية لابن الأثير ٤ : ٢٦٤.

(٥) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٣٩٥ ، ومفتاح الكرامة ٦ : ٨٨ ، ٨٩.

١٣٩

فيه.

اللهم إلاّ أن يكون إجماعاً ، ولم أتحقّقه ، سيّما مع اقتصار كثير من التعاريف على الصبي كالمتن ، مع موافقته اللغة ، كما عرفته.

نعم يتوجّه عليه خروج الصبيّة والخنثى الغير البالغين مع صدق اللقيط على غير مميّزهما لغةً وعرفاً ، وورد النصّ به في الأُولى ، ففي الخبر المعتبر : عن اللقيطة ، فقال : « لا تباع ولا تشترى ، ولكن تستخدم بما أنفقت عليها » (١) ونحوه غيره (٢).

ويمكن الذبّ عنه بإدخالهما في الصبي تغليباً ، سيّما مع شيوعه ودخول الصبيّة فيه بفحوى الخطاب جدّاً.

( ويشترط في الملتقط التكليف ) بالبلوغ والعقل ، فلا يصحّ التقاط الصبي والمجنون ، بلا خلاف ظاهر مصرّح به في كلام بعض الأصحاب (٣) ؛ لاستلزام الصحّة الولاية والحضانة والإنفاق ، وليس لهما أهليّة شي‌ء من ذلك.

وهل يجوز الالتقاط من يدهما لمن له أهليّته فله ولاية الحفظ ، أم لا ، بل يخرج بذلك عن حكم اللقيط ويكون الولاية للحاكم؟ وجهان ، ظاهر المحكيّ عن التذكرة الثاني (٤). واستوجه الأوّل شيخنا الشهيد الثاني (٥) ، بل فسّر عدم الصحّة بذلك في الروضة (٦) ؛ ولعلّه لاستصحاب‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٥ / ٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٤ / ١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٦٧ أبواب اللقطة ب ٢٢ ح ١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٣٩٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٧٠.

(٥) المسالك ٢ : ٢٩٦.

(٦) الروضة ٧ : ٦٩.

١٤٠