رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدّلائل - ج ١٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-276-8
الصفحات: ٥٠٩

توجيه الخبر الوارد بأنّه إذا سمح بعضهم بحقوقهم من الشفعة ، إلى آخر الرواية ـ : فيمكن أن يكون تأويله أنّ الوارث لحقّ الشفعة إذا كانوا جماعة ، فإنّ الشفعة عندنا تورث متى سمح بعضهم بحقّه ، كانت المطالبة لمن لم يسمح ، إلى آخر ما ذكره ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الرواية المرويّة في المسالك وغيره (١) المنجبرة بالشهرة : « ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه ».

هذا مع التأيّد بعمومات أدلّة الإرث قال سبحانه ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) (٢).

( و ) لذا كان هذا ( هو الأشبه ) ..

وعليه فالمشهور بل كاد أن يكون إجماعاً أنّها تقسم على سهام الورثة. وحجّتهم عليه غير واضحة عدا ما استدلّوا به لإثبات أصل المسألة من عمومات أدلّة الإرث.

وهو حسن إن بلغ درجة الحجيّة كما ظنّوه ، وإلاّ كما ذكره بعض الأجلّة (٣) ، ولعلّه لا يخلو عن قوّة ففيه مناقشة ، والأصل يقتضي التسوية ، لكن المخالف لهم غير معلوم وإن ذكروه قولاً ، والظاهر أنّه من العامّة كما يستفاد من جماعة (٤).

( ولو عفى أحد الورثة عن نصيبه أخذ الباقون ولم تسقط ) لأنّ الحقّ للجميع ، فلا يسقط حقّ واحد بترك غيره. فلو عفوا إلاّ واحداً أخذ الجميع أو ترك ؛ حذراً من تبعّض الصفقة على المشتري ، وهو ضرر منفيّ في‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٨٠ ، مفاتيح الشرائع ٣ : ٨٢.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ٤٠.

(٤) انظر : الخلاف ٣ : ٤٣٥ ، والتذكرة ١ : ٦٠٠ ، وجامع المقاصد ٦ : ٤٤٨.

١٠١

الشريعة اتّفاقاً فتوًى وروايةً.

ولا يقدح هنا تكثّر المستحقّ وإن كانوا شركاء ؛ لاتّحاد أصل الشريك ، والاعتبار بالوحدة عند البيع لا الأخذ.

( الثانية : لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن ) الذي وقع عليه العقد ، فادّعى الأوّل أنّه مائة مثلاً ، والثاني أنّه خمسون ( فالقول قول المشتري مع يمينه ) في المشهور بين الأصحاب. بل لا يكاد يوجد فيه خلاف إلاّ من ظاهر شيخنا الشهيد الثاني (١) تبعاً لما حكاه هو ، والشهيد الأوّل في الدروس (٢) عن الإسكافي من العكس ، بناءً منه على ضعف حججهم على ما ذكروه.

ومنها : التي أشار إليها الماتن هنا بقوله : ( لأنّه ينتزع الشي‌ء من يده ) فلا يرفع يده عنه إلاّ بما يدّعيه.

ومنها : أنّه أعلم بعقده.

ومنها : أنّ المشتري لا دعوى له على الشفيع إذ لا يدّعي شيئاً في ذمّته ولا تحت يده ، وإنّما الشفيع يدّعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به ، والمشتري ينكره. ولا يلزم من قوله : اشتريته بالأكثر ، أن يكون مدّعياً عليه وإن كان خلاف الأصل ؛ لأنّه لا يدّعي استحقاقه إيّاه عليه ، ولا يطلب تغريمه إيّاه ؛ ولأنّ الذي لو ترك الخصومة ترك هو الشفيع ؛ إذ لا يطلب المشتري للأخذ بالشفعة بما يدّعيه.

وقد بيّن وجوه الضعف في المسالك والروضة (٣) ، وتبعه في الكفاية‌

__________________

(١) الروضة البهية ٤ : ٤١٤.

(٢) الدروس : ٣٩١.

(٣) المسالك ٢ : ٢٨٤ ، الروضة ٤ : ٤١٤.

١٠٢

لكن في الجملة ، وفصّل ، فقال بعد نقل القولين ـ : وحجّة المسألة من الجانبين لا يخلو عن ضعف ، ولا يبعد أن يقال : إذا سلّم المشتري المبيع بمطالبة الشفيع ثم اختلفا في قدر الثمن فالقول قول الشفيع ؛ لأنّه منكر للزيادة فيكون داخلاً في عموم اليمين على من أنكر. وإن لم يسلّم المشتري المبيع وقلنا بوجوب تسليم الثمن أوّلاً فيرجع الأمر إلى كون الشفيع مدّعياً والمشتري منكراً ، فيكون القول قول المدّعى. انتهى (١).

وربما ناقش المشهور أيضاً الفاضل المقداد في التنقيح فقال بعد الاستدلال لهم بأنّ الشفيع يدّعي استحقاق الحصّة بثمن معيّن ، والمشتري ينكره ويده عليها ، فيكون القول قوله مع اليمين ـ : ولقائل أن يقول : بل القول قول الشفيع ؛ لأنّه منكر لزيادة يدّعيها المشتري ، واليمين على من أنكر ، ويؤيّده قول الشيخ في الخلاف أنّهما إذا أقاما بينة يعمل ببيّنة المشتري ، وإذا كان كذلك ينبغي أن يكون القول قول الشفيع عند عدم البيّنة. لكنّه قال بعد ذلك : ويمكن أن يجاب بأنّ الشفيع إمّا أن يدّعي العلم أو لا ، فإن كان الثاني لم يصحّ حلفه ؛ لما تقدّم أنّه لا يمين إلاّ مع العلم. وإن كان الأوّل فكذلك ؛ لأنّ الاختلاف في فعل المشتري ، وهو أعلم به. انتهى (٢).

والمسألة لذلك قوية الإشكال ، إلاّ أنّ الأصل مع العجز عن الترجيح يقتضي المصير إلى مذهب الأكثر ، سيّما مع موافقته بمنافاة الشفعة للأصل ، وبلوغ الشهرة قريباً من درجة الإجماع. ولذا لم يخالف شيخنا في المسالك صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، وكذا التنقيح فإنّه وإن استشكل أوّلاً إلاّ أنّه وافقهم‌

__________________

(١) الكفاية : ١٠٧.

(٢) التنقيح الرائع ٤ : ٩٦ ، وهو في الخلاف ٣ : ٤٣١.

١٠٣

كما عرفت ثانياً.

وأمّا صاحب الكفاية فهو وإن صرّح بالمخالفة إلاّ أنّه لا ضير في خروجه جدّاً ، مع كون مختاره خرقاً للإجماع المركّب ظاهراً.

وكيف كان فالاحتياط لا ينبغي تركه في أمثال المقام على حال.

١٠٤

( كتاب إحياء الموات )

والمراد بها الأراضي الغير المنتفع بها لعطلتها باستيجامها ، أو عدم الماء عنها ، أو استيلاء الماء عليها بحيث تعدّ مواتاً عرفاً. ويقال لها أيضاً : موتان بفتح الميم والواو ، وفيه لغة بسكون الواو وفتح الميم دون ضمّها ، لكونه بهذا الضبط الموت الذريع.

وبإحيائها إخراجها من الخراب والعطلة إلى حيّز الانتفاع ، وهو يوجب الملك كما يأتي.

والأصل فيه بعد إجماع المسلمين كما في التنقيح (١) النصوص الخاصية والعامية ، منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة ـ : الأخبار النبويّة.

منها : « من أحيى أرضاً ميتة فهي له » (٢).

ومنها : « موتان الأرض لله تعالى ، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون » (٣).

( و ) اعلم أنّه لا خلاف ظاهراً في أنّ ( العامر ) منها ( ملك لأربابه لا يجوز التصرّف فيه إلاّ بإذنهم ) بل عليه الإجماع في كلام جماعة (٤) ؛ لقبح التصرّف في ملك الغير عقلاً وشرعاً.

__________________

(١) التنقيح الرائع ٤ : ٩٨.

(٢) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٥٩ / ١٢.

(٣) تلخيص الحبير ٣ : ٦٢ / ١٢٩٣.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٨٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٣ ، وانظر الكفاية : ٢٣٨.

١٠٥

ففي الخبر : « لا يحلّ مال امرء مسلم إلاّ عن طيب نفسه » (١).

وفي آخر : « من أخذ شبراً من الأرض بغير حق ، أتى به يوم القيامة في عنقه مطوقة من سبع أرضين » (٢).

وفي ثالث : « من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر » (٣).

( وكذا ما به صلاح العامر ) ويحتاج إليه من مرافقه وحريمه ( كالطريق ) المسلوك إليه ( والشرب ) بكسر الشين واصلة الحظّ من الماء ، ومنه : قوله تعالى ( وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) (٤) والمراد هنا النهر وشبهه المعدّ لمصالح العامر ( والمراح ) أي مأوى الإبل والغنم ونحو ذلك ؛ لاتّحاد الدليل.

وبنحو ما هنا صرّح في الشرائع ، إلاّ أنّه قال بعده : ويستوي في ذلك ما كان من بلاد الإسلام وما كان من بلاد الشرك ، غير أنّ ما في بلاد الإسلام لا يغنم ، وما في بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه (٥).

وعليه لا يتمّ ما قدّمه من عدم جواز التصرف فيه إلاّ بإذنه على إطلاقه. وعليه نبّه في المسالك ، قال : لأنّ ما كان منها من بلاد الشرك يجوز التصرف فيه بغير إذن مالكه في الجملة. وكان الأولى ترك ذلك ، أو تقييده بكون ملكاً لمسلم أو مسالم (٦).

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٢ : ١١٣ / ٣٠٩.

(٢) عوالي اللئلئ ٣ : ٤٧٤ / ٧ ، المستدرك ١٧ : ٩١ أبواب الغصب ب ٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٠٦ / ٩٠٩ ، الوسائل ٢٥ : ٣٨٨ أبواب الغصب ب ٣ ح ٢.

(٤) الشعراء : ١٥٥.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٧١.

(٦) المسالك ٢ : ٢٨٧.

١٠٦

( و ) أمّا ( الموات ) أي ( ما لا ينتفع به لعطلته ) بما مرّ إذا كان ( ممّا لم يجر عليه ملك ) مسلم ومن بحكمه ( أو ) جرى عليه ( ملك ) أحدهما ( و ) لكن ( باد أهله ) وهلك بحيث لا يعرفون ولا بعضهم ( فهو للإمام عليه‌السلام ) بلا خلاف بيننا ، بل عليه في التنقيح والمسالك وغيرهما (١) إجماعنا ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الدالّة على أنّها من الأنفال.

منها زيادة على ما يذكر في بحث الأنفال من كتاب الخمس الصحيح : « (إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتّقون والأرض كلّها لنا » (٣) الحديث.

وحينئذٍ ( لا يجوز ) التصرّف فيه ولا ( إحياؤه إلاّ بإذنه ) لما مرّ ، مضافاً إلى الإجماع عليه في التنقيح وغيره (٤) ( ومع إذنه يملك بالإحياء ) بلا خلاف بل عليه الإجماع في التنقيح ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

منها زيادة على ما تقدّمت إليه الإشارة من الأخبار النبويّة ـ : الصحيح : عن الشراء من أرض اليهود والنصارى ، قال : « ليس به بأس » إلى أن قال : « وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها وهي‌

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٩٨ ، المسالك ٢ : ٢٨٧ ؛ وانظر الخلاف ٣ : ٥٢٦ ، وتلخيص الخلاف ٢ : ٢١٣ ، وجامع المقاصد ٧ : ٩.

(٢) الأعراف : ١٢٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٩ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٣ : ١٠٨ / ٣٨٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٤ أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ٢.

(٤) التنقيح ٤ : ٩٨ ؛ وانظر جامع المقاصد ٧ : ١٠ ، الروضة ٧ : ١٣٥.

١٠٧

لهم » (١).

والصحيحان : « أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها » (٢) وزيد في أحدهما « وهي لهم » (٣).

والصحاح : « من أحيى أرضاً مواتاً فهي له » (٤).

وعمومها سيّما الصحاح الأوّلة يشمل صورتي كون المحيي مسلماً أو كافراً ، بل سياق الأوّل كالصريح في الشمول له.

وأصرح منه الصحيح الآخر : عن شراء الأرضين من أهل الذمّة ، فقال : « لا بأس بأن يشتري منهم ، إذا عملوها وأحيوها فهي لهم » (٥) الخبر.

فالقول المحكيّ في المسالك وغيره (٦) باختصاص جواز الإحياء بالمسلم ، ضعيف كمستنده من اختصاص الخطاب بالتمليك في بعض النبويّة المتقدّمة والصحاح به ؛ لعدم دلالة التخصيص بالذكر على التخصيص ، مع احتماله الاختصاص بصورة الحضور كما يشعر به الصحيح ولا نزاع فيه ، كما في المسالك (٧).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٥١ / ٦٦٤ ، التهذيب ٧ : ١٤٨ / ٦٥٥ ، الإستبصار ٣ : ١١٠ / ٣٩٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤١١ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٤٩ / ٦٥٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤١١ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ / ٦٧١ ، الإستبصار ٣ : ١٠٧ / ٣٨٠ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ / ٦٧٣ ، الإستبصار ٣ : ١٠٨ / ٣٨٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٢ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٥.

(٥) التهذيب ٧ : ١٤٨ / ٦٥٧ ، الإستبصار ٣ : ١١٠ / ٣٨٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٦ أبواب إحياء الموات ب ٤ ح ١.

(٦) المسالك ٢ : ٢٨٧ ؛ وانظر جامع المقاصد ٧ : ١٠.

(٧) المسالك ٢ : ٢٨٧.

١٠٨

ولكن في ظاهره وظاهر الروضة وقوع النزاع فيه أيضاً في هذه الصورة حيث ذكره تلو حكمها ، فقال : وفي ملك الكافر مع الإذن قولان ، ولا إشكال فيه لو حصل ، إنّما الإشكال في جواز إذنه عليه‌السلام له نظراً إلى أنّ الكافر هل له أهليّة ذلك أم لا. والنزاع قليل الجدوى (١). انتهى.

ولا ريب أنّ العموم مطلقاً أقوى ، وذلك لأنّ عمومها يشمل صورتي وجود الإمام عليه‌السلام وغيبته ، بل لعلّها في الأُولى أظهر ، إلاّ أنّ أصحابنا كما قيل (٢) خصّوها بالثانية فقالوا : ( ولو كان الإمام غائباً فمن سبق إلى إحيائه كان ) ملكه و ( أحقّ به. ومع وجوده له رفع يده ) أي المحيي. ووجهه غير واضح إن لم ينعقد الإجماع عليه.

وأمّا ما قيل (٣) على العبارة من أنّ في قوله : ومع وجوده ، إلى آخره ، مناقضة لقوله : ومع إذنه يملك بالإحياء ؛ لأنّه إذا ملكه بالإحياء لم يكن لأحد رفع يده إماماً كان أو غيره ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الناس مسلّطون على أموالهم ».

فمدفوع بأنّه لا مناقضة بعد احتمال كون القول الأخير مخصّصاً لما قبله ، كما فهمه القائل المتقدّم إليه الإشارة.

وعن النهاية في دفعها : أنّ المراد بملكها بالإحياء ملك منافعها ، لا رقبتها فإنّها له عليه‌السلام. فله رفع يد المحيي إن اقتضت المصلحة ذلك (٤).

وهو كما ترى ، وإن أشعرت به عبارة الماتن أخيراً كالدروس (٥) حيث‌

__________________

(١) الروضة ٧ : ١٣٥.

(٢) لم نعثر على قائله.

(٣) التنقيح الرائع ٤ : ٩٨.

(٤) النهاية : ٤٢٠.

(٥) الدروس ٣ : ٥٥.

١٠٩

عبّرا عن الملكية بالأحقيّة والأولوّية ، هذا. والإشكال في هذا قليل الجدوى ، فإنّه عليه‌السلام أعرف بما يفعله قطعاً.

( ويشترط في التملك بالإحياء ) أُمور :

الأوّل : ( ألاّ يكون في يد ) محترمة من ( مسلم ) ولا مسالم ، (١) بلا خلاف ولا إشكال ؛ لأنّ ذلك يمنع عن مباشرة الإحياء لغير المتصرّف. ومجرّد ثبوت اليد المحترمة كافٍ في منع الغير من الإحياء وإن لم يعلم وجود سبب الملك.

نعم لو علم إثبات اليد بغير سبب مملّك ، ولا موجب أولويّة فلا عبرة به ، كما لو استندت إلى مجرّد تغلّب على الأرض ونحو ذلك.

( و ) الثاني : أن ( لا ) يكون ( حريماً لعامر ) بلا خلاف ظاهر مصرّح به في المسالك وغيره (٢) ؛ للأصل الآتي ، ولما فيه من الضرر المنفيّ بالإجماع وغيره ، ولأنّ مالك العامر استحقّ حريمه لأنّه من مرافقه وممّا يتوقف عليه كمال انتفاعه. وسيأتي الكلام في بيان الحريم وتفصيله.

وهل يملك تبعاً للعامر ، أو يكون أولى به وأحقّ به من غيره من دون تملّك حقيقة؟ قولان ، أشهرهما كما في المسالك وغيره (٣) الأوّل. ولعلّه أظهر ، وفي إطلاق المعتبرة المتقدمة في ثبوت الشفعة ببيع الطريق المشترك (٤) دلالة عليه. وتظهر الفائدة في بيعه منفرداً فيجوز على الأوّل ، وعلى الثاني لا.

__________________

(١) في « ح » و « ر » زيادة : ولو بالتحجير.

(٢) المسالك ٢ : ٢٨٩ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٠ ، والمفاتيح ٣ : ٢٨.

(٣) المسالك ٢ : ٢٨٩ ؛ وانظر الكفاية : ٢٤٠.

(٤) راجع ص : ٧٠.

١١٠

( و ) الثالث : أن ( لا ) يسمّيه الشارع ( مشعراً ) ومحلاًّ ( للعبادة كعرفة ومنى ) ومزدلفة ، بلا خلاف فيه في الجملة ؛ للأصل ، واختصاص النصوص الدالّة على تملّك الأرض بالإحياء بحكم التبادر بغير الأراضي المزبورة ، مع ما في تسويغ إحيائها من تفويت الغرض ومنافاته البغية فيها والحاجة.

لكن مقتضى هذا التعليل المنع عن إحياء الكثير منها خاصّة الذي يؤدّي إحياؤه إلى الضيق على الناسكين ويحتاج إليه غالباً ، وأمّا ما عداه فلا يدلّ على المنع فيه أصلاً ، ولذا استثناه الماتن على ما حكي عنه فجوّز إحياءه (١). ونفى البعد عنه في المسالك قال : إلاّ أنّ الأشهر المنع مطلقاً (٢).

وهو كذلك لو كان الأصل الجواز والنصوص الدالة عليه عامّة ، وهما ممنوعان كما تقدّم. والأصل يقتضي العدم كما عليه الأكثر. وعلى غيره ففي بقاء حق الوقوف فيما يملكه المحيي أوجه ، يفرق في ثالثها بين ضيق الموقف فالبقاء ، وعدمه فلا. والحكم بالملك يأبى القول بالجواز مطلقاً إلاّ أن يجعل مراعىً بعدم الإضرار فيكون التفصيل متوجّهاً.

( و ) الرابع : أن ( لا ) يكون ( مقطعاً ) من إمام الأصل لغيره ، ولا محمى له ، ولا لنفسه ، كما أقطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدور وأرضاً بحضرموت ، وحُضْر فرس الزبير (٣) بالحاء المهملة والضاد المعجمة وكما حمى النقيع لإبل الصدقة ، ونعم الجزية ، وخيل المجاهدين في سبيل الله سبحانه (٤).

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٧٤.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩٠.

(٣) مسند أحمد ٢ : ١٥٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٧٣ / ٣٠٥٨ و ١٧٧ / ٣٠٧٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٢٠ / ١٣٩٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٤٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٧ / ٥ ، التهذيب : ١٤١ / ٦٢٥ ، سنن البيهقي ٦ : ١٤٦.

١١١

( و ) الخامس : أن ( لا ) يكون ( محجراً ) أي مشروعاً في إحيائه شروعاً لم يبلغ حد الإحياء. ولا خلاف أجده في شي‌ء من هذه الشرائط الثلاثة ( و ) ذلك لأنّ ( التحجير ) كسابقيه ( يفيد ) اختصاصاً و ( أولويّةً ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة كالمسالك وغيره (١) ، فلا يصح لغيره التخطي إليه ، وإن كان ( لا ) يفيد ( ملكاً ) على الأشهر الأقوى ؛ للأصل ، واختصاص النصوص الدالّة على التملك بالإحياء به دون التحجير.

ومع ذلك لا يكاد يتحقّق فيه خلاف إلاّ ما حكاه الفاضلان وغيرهما (٢) عن بعض المتأخّرين من أنّ التحجير إحياء. وهو ضعيف ؛ لأنّ المرجع فيهما إلى العرف ولا ريب في تغايرهما فيه وإن تقاربا في بعض الأفراد. وعليه حمل كلامه في الدروس (٣).

قال شيخنا في المسالك بعد نقل كلّ من الخلاف والحمل ، ولنعم ما قال ـ : وحيث كان المحكّم في الإحياء العرف فإن وافق التحجير في بعض الموارد كفى ، وإلاّ فلا (٤).

واعلم أنّ التحجير ( مثل أن ينصب عليها ) أي على الأرض التي يريد إحياءها ( مرزاً ) (٥) ويجمع حواليها تراباً ، أو يغرز فيها خشبات ، أو يخطّ عليها خطوطاً ، أو نحو ذلك. ومنه أن يحفر النهر ولم يصل إلى منزع‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٩٢ ، وانظر المفاتيح ٣ / ٢٧.

(٢) المحقق في الشرائع ٣ : ٢٧٦ ، والعلاّمة في المختلف : ٤٧٣ ؛ وانظر الدروس ٣ : ٥٦ ، وجامع المقاصد ٧ : ٢٨.

(٣) الدروس ٣ : ٥٦.

(٤) المسالك ٢ : ٢٩٢.

(٥) في المطبوع من المختصر : مرزاباً.

١١٢

الماء ، وأن يعمل في المعادن الباطنة عملاً لا يبلغ نيلها ، أمّا بلوغه فهو إحياء.

ولا تحجير في المعادن الظاهرة كما قالوه لأنّه شروع في الإحياء وهو منتفٍ فيها. ولو أهمل المحجّر العمارة مدّة طويلة أجبره الإمام على أحد الأمرين إمّا الإتمام أو التخلية للغير ؛ حذراً من التعطيل. ولا خلاف في شي‌ء من ذلك يعرف.

واعلم أنّي لم أقف على ما يتضمّن أصل التحجير فضلاً عمّا يدلّ على حصول الأولوية به إلاّ اتّفاقهم عليه ظاهراً ، ودعواه في كلام جمع منهم صريحاً. ولعلّهم أخذوها من فحوى ما دلّ عليها في السبق إلى مكان من المسجد ، أو السوق من النصّ وغيره. ولا بأس به.

( وأمّا الإحياء فـ ) ليس كذلك ؛ لما مرّ من تضمّن النصوص له ، ولحصول الملك به. وهي وإن كانت ( لا ) تدلّ على ( تقدير للشرع فيه ) إلاّ أنّ الضابط في مثله معروف ( و ) هو أنّه ( يرجع في كيفيّته ) وتحديده ( إلى ) العرف و ( العادة ) حيث لم يثبت له تقدير في اللغة. ولعلّه لذا غيّر الماتن التعبير عنهما ، فبيّن كيفيّة التحجير من دون ردّ إلى ما ردّ إليه كيفيّة الإحياء تنبيهاً بورود النصّ فيه دون التحجير ، إلاّ أنّه ظاهر في قيام دليل على ما بيّنه في التحجير ، ولعلّه الإجماع ، فتأمّل.

وحيث وجب الرجوع في الإحياء إلى العرف فلا بُدّ من الاقتصار على ما يحكم به فيه ، وهو يختلف باختلاف ما يقصد منه ، فالمسكن بالحائط ، والسقف بخشب أو عقد ، والحظيرة بالحائط ولو بخشب أو قصب. ولا يشترط نصب الباب فيهما عندنا.

والزرع بعضد الأشجار وقطعها ، والتهيئة للانتفاع ، وسوق الماء أو‌

١١٣

اعتياد الغيث أو السيح. ويحصل الإحياء أيضاً بقطع المياه الغالبة. ولا يشترط الزرع ولا الغرس على قول اختاره في الدروس (١). وكذا لا يشترط الحائط ولا المسنّاة في الزرع. نعم يشترط بيان الحدّ بمرز وشبهه.

أمّا الغرس فالظاهر اشتراط أحد الثلاثة من المرز أو المسنّاة أو الحائط فيه مصيراً إلى العرف ، ولو فعل دون ذلك واقتصر كان تحجيراً.

واعلم أنّ الشهيد في الدروس (٢) جعل الشروط تسعة ، وجعل منها إذن الإمام عليه‌السلام مع حضوره. ووجود ما يخرجها عن الموات بأن يتحقّق الإحياء ، إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه وإن أفاد الشروع تحجيراً لا يفيد سوى الأولوية كما مضى. وقصد التملّك ، فلو فعل أسباب الملك بقصد غيره أو لا بقصده لم يملك ، كحيازة سائر المباحات من الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش.

ويمكن استفادة هذه الثلاثة من الماتن هنا ، فالأوّل : بما ذكره في أوّل الكتاب من أنّه لا يجوز إحياؤه إلاّ بإذنه. والثاني : بجعل الشروط شروطاً للإحياء ، مضافاً إلى ما مرّ من قوله : ويرجع في كيفيّته إلى العادة. والثالث : بما مرّ من قوله في ذكر الشروط : ويشترط في التملك .. ؛ إذ التملّك يستلزم القصد إليه.

والدليل على اشتراطها واضح ، عدا الأخير ؛ لعدم وضوحه فيه ، مع إطلاق النصوص على حصول الملك بالإحياء من دون إشعار فيها ، ولا قيام دليل في غيرها على التقييد واشتراط القصد. اللهم إلاّ أن يكون إجماعاً ، ولم أتحقّقه ، أو يدّعى اختصاص إطلاق النصوص بحكم التبادر بصورة القصد ، مع اقتضاء الأصل العدم بدونه ، وهو غير بعيد.

__________________

(١) الدروس ٣ : ٥٦.

(٢) الدروس ٣ : ٥٥.

١١٤

( ويلحق بهذا ) الكتاب ( مسائل ) تسع.

( الاولى : الطريق المبتكر ) والمراد به الملك المحدث ( في المباح ) من الأرض ( إذا تشاحّ أهله فحدّه خمس أذرع ) مطلقاً عند الماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في القواعد (١) ، وعن ولده أنّه نقله عن كثير من الأصحاب (٢) ؛ للخبر المرويّ في التهذيب في باب بيع الغرر والمجازفة : إذا تشاحّ قوم في طريق فقال بعضهم : سبع أذرع ، وقال بعضهم : أربع أذرع ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « بل خمس أذرع » (٣).

قيل : ولأصالة البراءة من الزائد (٤). ولعلّ المراد بها أصالة براءة ذمّة المانع للآخر عن الزائد عن تحريم المنع فيجوز له دفعه عنه. ولكن تعارض بالمثل ، مع أوفقيّته بالعمومات الدالّة على جواز تملّك الموات بالإحياء ، خرج عنها الزائد على السبع فيما لا يحتاج إليه بالإجماع وبقي الباقي.

( وفي رواية ) عمل بها النهاية (٥) وجماعة ومنهم : الحلّي والفاضل في المختلف والتحرير ، وفخر الإسلام والشهيدان (٦) ، وغيرهما (٧) ، ولعلّه المشهور بين الطائفة ، أنّ حدّه ( سبع أذرع ) مطلقاً.

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٧٢ ، القواعد ١ : ٢٢٠.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٣٠ / ٥٧٠ ، الوسائل ١٨ / ٤٥٥ أبواب أحكام الصلح ب ١٥ ح ١.

(٤) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٨٩.

(٥) النهاية : ٤١٨.

(٦) الحلي في السرائر ٢ : ٣٧٤ ، المختلف : ٤٧٥ ، التحرير ٢ : ١٣٠ ، فخر الإسلام في الإيضاح ٢ : ٢٣٢ ، الشهيدان في الدروس ٣ : ٦٠ ، والمسالك ٢ : ٢٨٩.

(٧) انظر الجامع للشرائع : ٢٧٦ ، وجامع المقاصد ٧ : ٢٣.

١١٥

وهو أقوى ؛ للأصل الذي مضى ، وتعدّد الرواية به ، كما سيأتي إليه الإشارة ؛ وقوّة بعضها سنداً إذ ليس فيه سوى السكوني الذي حكي فيه أنّه ممّن أجمع على تصحيح ما يصح عنه أصحابنا ؛ واعتضادها مع ذلك بالشهرة مع شذوذ ( القائل بها ) (١) كما عرفته.

وربما يفصّل في الطرق بين التي للأملاك فالأوّل ، وغيرها كالتي للقوافل فالثاني ؛ جمعاً بين الروايات. ولا شاهد عليه يصحّح الفتوى به كما عن المحقّق الثاني (٢).

وربما مال إليه شيخنا الشهيد الثاني ، وزاد فقال : وقد يفرض احتياج بعضها إلى أزيد من السبع كالطريق التي يمرّ عليها الحاجّ بالكنائس ونحوها ، فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة إلى الزائد على المقدار ، أمّا النقصان عنه فلا. وحيث يقتصر به عن المقدار الزم المحيي ثانياً به. فإن كان هناك حاكم فهو وظيفته ، وإلاّ وجب على المسلمين كفايةً من باب الحسبة. ولو تساوى المحيون من الجانبين الزموا به. ولو زادوها على السبع واستطرقت صار الجميع طريقاً ، فلا يجوز إحداث ما يمنع المارّة في الزائد (٣).

وفي كثير ممّا ذكره نظر إلاّ أن يستند في بعضه إلى أدلّة نفي الضرر.

وفي الموثّق المرويّ في التهذيب في الباب المتقدّم : قلت له : الطريق الواسع هل يؤخذ منه شي‌ء إذا لم يضرّ بالطريق؟ قال : « لا » (٤).

وقيّد بكون الطريق في المبتكر ؛ لأنّ الأملاك لا يجب ترك بعضها‌

__________________

(١) كذا في « ص » و « ر » ، وفي « ح » : المقابل لها. وهو الأنسب.

(٢) جامع المقاصد ٧ : ٢٣.

(٣) المسالك ٢ : ٢٨٩.

(٤) التهذيب ٧ : ١٢٩ / ٥٦٦ ، الوسائل ١٧ / ٣٧٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٧ ح ١.

١١٦

لأجل الطريق ، فيكتفى بالطريق الموجود بين الملكين مطلقاً ضاق أو اتسع.

( الثانية : حريم بئر المعطن ) هو والعطن واحد الأعطان والمعاطن ، وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب ، ( أربعون ذراعاً ) من الجوانب الأربع. ( و ) حريم بئر ( الناضح ستّون ذراعاً ) كذلك ، على المشهور بين الطائفة في المقامين كما حكاه جماعة (١) بحدّ الاستفاضة ؛ للخبرين المفصلين :

أحدهما القويّ بالسكوني المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه على النقل الماضي : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعاً ، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستّون ذراعاً ، وما بين العين إلى العين يعني : القناة خمسمائة ذراع ، والطريق يتشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع » (٢).

وفي الصحيح (٣) وغيره (٤) « أربعين ذراعاً » من دون تفصيل بين بئري الناضح والمعطن.

وفي رواية « خمسون إلاّ أن يكون إلى عطن أو إلى الطريق فأقلّ من‌

__________________

(١) منهم الفاضل في المختلف : ٤٧٤ ، والمقداد في التنقيح الرائع ٤ : ١٠٠ ، والكركي في جامع المقاصد ٧ : ٢٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٩٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٤٠.

(٢) الأوّل في : الكافي ٥ : ٢٩٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٣ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٦ أبواب إحياء الموات ب ١١ ح ٥.

والثاني في : الكافي ٥ : ٢٩٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٤ / ٦٤٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٦ أبواب إحياء الموات ب ١١ ح ٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٥ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٥ أبواب إحياء الموات ب ١١ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ١٥٠ / ٦٦١ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٦ أبواب إحياء الموات ب ١١ ح ٧.

١١٧

ذلك إلى خمسة وعشرين » (١).

وفي اخرى مرويّة عن قرب الاسناد كذلك ، إلاّ أنّه زيد فيها : « وحريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعاً » (٢).

ولاختلاف هذه الأخبار قيل : بأنّ الحريم في البئر مطلقاً ما يحتاج إليه في الانتفاع المقصود منها ؛ جمعاً بينها (٣). واستظهره بعض متأخّر متأخّرين أصحابنا (٤).

وفيه ما لا يخفى ؛ لفساد الجمع أولاً بعدم التكافؤ أصلاً لاعتضاد المفصِّلَين بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً. ويشعر به عبارة التنقيح (٥) ولو ضعيفاً حيث نسب المختار إلى الأصحاب كافّةً بعد أن ادّعى عليه أوّلاً الشهرة ، فلا يقاومهما باقي الروايات ولو كانت جُمَع صحيحة ، مع أنّ أكثرها ضعيفة. وثانياً بعدم وضوح الشاهد عليه من نصّ ولا أمارة.

فهذا القول ضعيف غايته ، كمختار الإسكافي (٦) من أنّ حريم بئر الناضح قدر عمقها ممرّ الناضح ؛ لعدم وضوح مأخذه ، فلا يصحّ حمل رواية الستّين عليه ، كما احتمله ونفى عنه البأس في المختلف (٧).

( و ) حريم ( العين ) والقناة ( ألف ذراع في ) الأرض ( الرخوة ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٦ / ذيل حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ / ٦٤٦ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٥ أبواب إحياء الموات ب ١١ ح ٢.

(٢) قرب الاسناد : ٥٣ / ١٧٢ ، ولم نعثر على الزيادة فيه ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٧ أبواب إحياء الموات ب ١١ ح ٩.

(٣) روضة الطالبين ٤ : ٣٤٩ ٣٥٠.

(٤) المفاتيح ٣ : ٣٠.

(٥) التنقيح الرائع ٤ : ١٠٠.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٤٧٤.

(٧) المختلف : ٤٧٤.

١١٨

وفي الصلبة خمسمائة ) على الأظهر الأشهر هنا أيضاً كما في المسألة السابقة ؛ للخبر « يكون بين البئرين إذا كانت أرضاً صلبة خمسمائة ذراع ، وإن كانت أرضاً رخوة فألف ذراع » (١).

وعليه يحمل إطلاق الخبرين السابقين (٢) بالخمسمائة بتقييدهما بما كانت صلبة. وحدّه الإسكافي بما ينتفي به الضرر (٣) ، ومال إليه في المختلف (٤). واختاره شيخنا الشهيد الثاني (٥) وبعض من تبعه (٦) ؛ جمعاً بين ما دلّ على نفي الضرر ، وعلى جواز الإحياء من غير تحديد ؛ لضعف تلك الأخبار.

وللصحيح : في رجل كانت له قناة في قرية ، فأراد [ رجل ] أن يحفر [ قناة أُخرى إلى قرية له ] ، كم يكون بينهما في البعد حتّى لا تضرّ [ إحداهما ] بالأُخرى في أرض إذا كانت صلبةً أو رخوة؟ فوقّع عليه‌السلام : « على حسب أن لا تضرّ إحداهما بالأُخرى إن شاء الله تعالى » (٧).

وفيه نظر يظهر وجهه ممّا مرّ حرفاً بحرف. ويزيد هنا في الصحيح بكونه مكاتبة والمكاتب مجهولاً ، وهما موجبان للمرجوحيّة أيضاً من هذه الجهة ، إن لم نقل بكونهما موجبين للضعف ، كما ذكره في التنقيح (٨).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٦ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٥٨ / ٢٠٧ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٢٥ أبواب إحياء الموات ب ١١ ح ٣.

(٢) المتقدمين في ص : ١١٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٤٧٤.

(٤) المختلف : ٤٧٤.

(٥) المسالك ٢ / ٢٩٠.

(٦) انظر الكفاية : ٢٤٠ ، والمفاتيح ٣ : ٣٠.

(٧) الكافي ٥ : ٢٩٣ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٥٠ / ٦٥٩ ، الوسائل ٢٥ : ٤٣٠ أبواب إحياء الموات ب ١٤ ح ١ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٨) التنقيح ٤ : ١٠١.

١١٩

ولكنّه ضعيف.

نعم ربما يمكن المناقشة في الخبر المستند للأكثر بوروده في البئرين دون القناتين ، ومع ذلك ذيله مشعر بما ذكره الإسكافي ؛ لتضمّنه قوله عليه‌السلام : « وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجل احتفر قناة وأتى لذلك سنة ، ثم إنّ رجلاً احتفر إلى جانبها قناة ، فقضى أن يقاس الماء بجوانب البئر ليلة هذه ، وليلة هذه ، فإن كانت الأخيرة أخذت ماء الاولى عوّرت الأخيرة ، وإن كانت الأُولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الاولى شي‌ء » (١) فتأمّل.

وربما يستفاد منه أنّ فائدة هذا الحريم منع الغير من إحداث عين أُخرى في ذلك المقدار ، لئلاّ ينتقل ماء العين الاولى إلى الثانية. وعليه نبّه في المسالك وغيره ، وقالا : ومن ثمّ اختلف باختلاف الأرض بالرخاوة والصلابة ، بخلاف حريم البئر المتقدّم فإنّ فائدته منع الغير من إحياء ذلك المقدار مطلقاً حتّى الزرع والشجر ؛ لأنّ الغرض منه الانتفاع بالبئر فيما أُعدّ [ ت ] له ، وما يحتاج إليه. ويستثنى للعين قدر ما يحتاج إليه للانتفاع بها فيما أُعدّت له عرفاً من غير تحديد (٢).

واعلم أنّ ما ذكر في الحريم للبئر والعين والحائط والدار مخصوص بما إذا كان الإحياء في الموات فيختصّ الحريم بها.

وأمّا الأملاك فلا يعتبر الحريم فيها ؛ لأنّ الأملاك متعارضة ، وكلّ واحد من الملاّك مسلّط على ماله ، له التصرّف فيه كيف شاء ، فله أن يحفر بئراً في ملكه وإن كان لجاره بئر قريب منها وإن نقص ماء الاولى ، ولكن‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤٣٣ أبواب إحياء الموات ب ١٦ ح ٣.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩٠ ، الكفاية : ٢٤١.

١٢٠