تفسير التّستري

أبي محمّد سهل بن عبدالله التستري

تفسير التّستري

المؤلف:

أبي محمّد سهل بن عبدالله التستري


المحقق: محمد باسل عيون السود
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3631-3
الصفحات: ٢٣٩

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المحقق

حياته (١)

: أ ـ اسمه ونسبه :

أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التّستري (٢). ولد بمدينة تستر في سنة مائتين ، وقيل : إحدى ومائتين (٣). وإلى هذه المدينة ترجع نسبته (التستري) ؛ وهذه المدينة من أعظم مدن خوزستان ، (وتفرد بعض الناس بجعل تستر مع الأهواز ، وبعضهم يجعلها مع البصرة ... وجعلها عمر بن الخطاب من أرض البصرة لقربها منها) (٤).

__________________

(١) انظر ترجمته وأخباره في المصادر الآتية :

الأعلام ٣ / ١٤٣ ؛ والأنساب للسمعاني ١ / ٤٦٥ ؛ والبداية والنهاية ١ / ١٨٢ (حوادث سنة ٢٨٣ ه‍) ؛ وتاريخ الأدب لبروكلمان ٤ / ١٣ ؛ وتاريخ التراث العربي ١ : ٤ / ٢٩ ـ ٣٠ ؛ والتصوف في الإسلام ٦٦ ـ ٦٧ ؛ وحركة التصوف الإسلامي ١٠٩ ـ ١٢٠ ؛ وحلية الأولياء ١٠ / ١٩٠ ـ ٢١٢ ؛ وحياة الحيوان ١ / ٥٤٥ ـ ٥٤٧ (مادة السبع) ؛ والرسالة القشيرية ١٥ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ ـ ٣٣٣ ؛ وشذرات الذهب ١ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ؛ وصفوة الصفوة ٤ / ٦٤ ـ ٦٦ ؛ وطبقات الصوفية ١ / ١٦٦ ـ ١٧١ ؛ وطبقات الشعراني ١ / ١٣ ؛ والعبر ٢ / ٧٦ (حوادث سنة ٢٨٣ ه‍) ؛ والعصر العباسي الثاني ١٦٣ ؛ والكامل في التاريخ ٦ / ٣٨٩ (حوادث سنة ٢٨٣ ه‍) ؛ واللباب في معرفة الأنساب ١ / ٢١٦ ؛ واللمع للسراج ٣٩٤ ؛ ومرآة الجنان ٢ / ٢٤٩ ؛ والمعارضة والرد ١ ـ ٧٥ ؛ ومعجم المفسرين ١ / ٢١٨ ؛ ومعجم المؤلفين ٤ / ٢٨٤ ؛ ومن التراث الصوفي ١ ـ ١٢٥ ؛ والمنتظم ٥ / ٢٦٣ ؛ والنجوم الزاهرة ٣ / ٩٥ ؛ ونفحات الأنس لجامي ٧٣ ؛ والوافي بالوفيات ١٦ / ١٧ ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠.

(٢) حلية الأولياء ١٠ / ١٩٠ ؛ وطبقات الصوفية ١ / ١٦٦ ؛ والفهرست ص ٢٦٣ ؛ ومعجم البلدان ٢ / ٣١ (تستر) ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩.

(٣) الكامل في التاريخ ٦ / ٣٨٩ (حوادث سنة ٢٨٣) ؛ والوافي بالوفيات ١٦ / ١٧.

(٤) معجم البلدان ٢ / ٣٠.

٣

أما أسرته فلم تفدنا المصادر بشيء عنها ، سوى ما ذكره ابن بطوطة الذي قال إنه رأى حفدة للتستري في تستر (١). أما وفاته فكانت بالبصرة سنة (٢٨٣ ه‍) (٢) وقيل سنة (٢٧٣ ه‍) (٣) ، وقيل (٢٩٣ ه‍) (٤).

ب ـ نشأته وتصوفه : نشأ سهل التستري في تستر ، وكانت بدايات اتجاهه إلى التصوف في سن مبكرة جدا ، واحتفظ لنا اليافعي بنص مروي عن سهل التستري تحدث فيه عن نشأته واتخاذه التصوف منهجا وسبيلا لحياته ، فقال : (كنت ابن ثلاث سنين ، وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوّار ، وكان يقوم بالليل ، وكان يقول : يا سهل ، اذهب ونم ، فقد شغلت قلبي. وقال لي يوما خالي : ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت : كيف أذكره؟ فقال : قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك : الله معي ، الله ناظر إلي ، الله شاهدي. فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته ، فقال : قلها في كل ليلة سبع مرات ، فقلت ذلك ، فوقع في قلبي حلاوة. فلما كان بعد سنة قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر ، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة ، فلم أزل على ذلك سنين ، فوجدت لها حلاوة في سري. ثم قال لي خالي يوما : يا سهل ، من كان الله معه وهو ناظر إليه وشاهده لا يعصيه ، إياك والمعصية.

حفظت القرآن وأنا ابن ست أو سبع ، وكنت أصوم الدهر ، وقوتي خبز الشعير اثنتي عشرة سنة ، فوقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة ، فسألت أن يبعثوا بي إلى البصرة أسأل عنها ، فجئت البصرة ، وسألت علماءها ، فلم يشفني ما سمعت. فخرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العبادي ، فسألته عنها فأجابني. وأقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بأدبه. ثم رجعت إلى تستر ، فجعلت قوتي اقتصارا على أن يشترى لي بدرهم فرقان الشعير ، فيطحن ويختبز ، فأفطر عند السحر كل ليلة على أوقية واحدة بغير ملح ولا إدام ،

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة ١ / ٢٠٩ ، ؛ وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٦ / ١٣.

(٢) البداية والنهاية ١١ / ٧٤ ؛ وتذكرة الحفاظ ٢ / ٦٨٥ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٣ ، ؛ وشذرات الذهب ١ / ١٨٢ ؛ وصفوة الصفوة ٤ / ٦٦ ؛ وطبقات الصوفية ١ / ١٦٧ ؛ والعبر ٢ / ٧٦ ؛ والكامل ٦ / ٣٨٩ ؛ ومعجم البلدان ٢ / ٣١ ؛ والمنتظم ٥ / ١٦٣ ؛ والنجوم الزاهرة ٣ / ٩٥ ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ ؛ والوافي بالوفيات ١٦ / ١٧.

(٣) البداية والنهاية ١١ / ٧٤ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٣ ؛ وصفوة الصفوة ٤ / ٦٦ ؛ ومعجم البلدان ٢ / ٣١ ؛ والمنتظم ٥ / ١٦٣ ؛ والوافي بالوفيات ١٦ / ١٧ ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩.

(٤) طبقات الصوفية ١ / ١٦٧.

٤

وكان يكفيني ذلك الدرهم سنة. ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال ، ثم جعلتها خمسا ، ثم سبعا ، حتى بلغت خمسا وعشرين ليلة ، وكنت على ذلك عشرين سنة. ثم خرجت أسيح في الأرض سنين ، ثم عدت إلى تستر ، وكنت أقوم الليل كله) (١).

يتضح من هذا النص أن بدايات التستري الصوفية كانت على يد خاله الذي لا تفيدنا المصادر بشيء عنه ، سوى أنه لقّن التستري مبادئ التصوف ، ثم تلقى التصوف على يد شيخه حمزة العبادي في عبادان.

وتفيد مصادر أخرى أنه صحب ذا النون المصري الذي كان له دور ـ لا نعلم مداه ـ في رعاية بذرة التصوف لديه ، فقد ذكرت بعض المصادر أن التستري لقيه في الحج وصحبه (٢).

وثمت متصوف آخر هو إدريس بن أبي خولة الأنطاكي ، أفادت المصادر أن التستري حكى عنه ، ولم تضف إلى ذلك شيئا آخر (٣).

ولا ندري كم من الزمن أقام في تستر ، فإنه هجرها ورحل إلى البصرة وأقام فيها حتى وفاته (٤).

وعن سبب انتقاله إلى البصرة قال ابن الجوزي : (حكى رجل عن سهل أنه يقول : إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه ، وإنه يتكلم إليهم ، فأنكر ذلك عليه العوام ، حتى نسبوه إلى القبائح ، فخرج إلى البصرة ، فمات بها) (٥).

ويبدو أن ابن الجوزي كان يتحامل على التستري ، فقد أنكر عليه تفسير قوله تعالى : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [النساء : ٦] فقد فسرها التستري على أنها القلب والنفس والجوارح (٦) ، (وابن الجوزي اكتفى بإنكار هذا التفسير ، دون أن يذكر مبررا لإنكاره) (٧).

__________________

(١) مرآة الجنان ٢ / ٢٤٩ (حوادث سنة ٢٨٣) ؛ وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ من هذا الخبر قصته مع خاله فقط ؛ وانظر : التصوف في الإسلام ٦٦ ـ ٦٧ ؛ وحركة التصوف الإسلامي ص ١١٠.

(٢) البداية والنهاية ١١ / ١٧٤ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ ؛ ومعجم البلدان ٢ / ٣١ (تستر).

(٣) بغية الطلب ٣ / ١١٣٤.

(٤) معجم البلدان ٢ / ٣١ (تستر) ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩.

(٥) تلبيس إبليس ص ٢٠٧.

(٦) تفسير التستري ص ٤٥.

(٧) من التراث الصوفي ص ١٠٢.

٥

ج ـ تلاميذه وأصحابه : (رواة أخباره) ١ ـ ابن درستويه : ورد في سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ : (ابن درستويه صاحب سهل قال : قال سهل ...).

٢ ـ أبو جعفر المصيصي المغازلي : ورد في بغية الطلب ١٠ / ٤٣٧٩ : (من العباد المذكورين.

حكى عن سهل التستري).

٣ ـ أبو الحسن البشري : ورد في تكلمة الإكمال ١ / ٤١١ : (من أصحاب سهل التستري ، روى عنه كثيرا).

٤ ـ أبو الحسن البغدادي المزين.

٥ ـ أبو الحسن النخاس : ورد في تاريخ بغداد ١٤ / ٤٢٨ : (سمع سهل بن عبد الله التستري).

٦ ـ أبو علي البصري : ورد في تاريخ بغداد ١٤ / ٤٢٦ : (سكن بغداد ، وكان من عباد الله الصالحين ، وممن صحب سهل بن عبد الله التستري ، حكى عنه أبو محمد الجريري).

٧ ـ أبو محمد الجريري : ورد في طبقات الصوفية ١ / ٢٠٣ ؛ وصفوة الصفوة ٢ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨ : (أبو محمد الجريري : يقال : إن اسمه أحمد بن محمد بن الحسين ، وكنية والده أبو الحسين. كان من كبار أصحاب الجنيد ، وصحب أيضا سهل بن عبد الله التستري ، وهو من علماء مشايخ القوم.

أقعد بعد الجنيد في مجلسه لتمام حاله وصحة علمه. توفي سنة ثلاثمائة وإحدى عشرة).

٨ ـ أبو يعقوب السوسي : ورد في كتاب من التراث الصوفي ٧١ : (ومن أصدقاء سهل أيضا أبو يعقوب السوسي الصوفي والأستاذ العظيم الذي أشرف على أبي يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري المتوفى سنة ٣٣٣ / ٩٤٤. ومن هنا نشأت علاقة الود بين النهرجوري والتستري الذي كان يقدره حق التقدير). وثمت خبر ورد في تفسير التستري يفيد أنهما كانا معا بأرجان ، وهذا الخبر ورد أيضا في اللمع للسراج ١٩٣.

٩ ـ أحمد بن سالم : ورد في العبر ٢ / ٣٢٦ ؛ وشذرات الذهب ٢ / ٣٦ : (أبو الحسن بن سالم الزاهد أحمد بن محمد بن سالم البصري : شيخ السالمية. وكان له أحوال ومجاهدات ، وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت ، وهو آخر أصحاب سهل التستري وفاة). وانظر : الحلية ١٠ / ٣٧٨ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٢٧٢.

١٠ ـ أيوب الحمال : ورد في صفوة الصفوة ٢ / ٢٩٣ : (أيوب الحمال أبو سليمان : من ذوي الكرامات ، صحب سهل بن عبد الله التستري).

١١ ـ البربهاري : ورد في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٩٠ : (البربهاري : شيخ الحنابلة ، القدوة ،

٦

الإمام ، أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري الفقيه. كان قوالا بالحق ، لا يخاف في الله لومة لائم. صحب سهل بن عبد الله التستري ، وصنف التصانيف. توفي سنة ثلاثمائة وثمان وعشرين وعمره سبع وسبعون سنة). وانظر : شذرات الذهب ١ / ٣١٩ ؛ وطبقات الحنابلة ٢٩٩ ؛ والعبر ٢ / ٢٢٢.

١٢ ـ بكر بن محمد ابن العلاء أبو الفضل القشيري : ورد في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٣٧ : (حكى عن سهل ، وصنف التصانيف ، وسكن مصر. توفي بمصر سنة ثلاثمائة وأربع وأربعين ، وجاوز الثمانين سنة). وجاء في الديباج المذهب ١ / ١٠٠ : (من كبار فقهاء المالكيين رواية للحديث).

١٣ ـ الحلاج : الحسين بن منصور الحلاج أبو مغيث ، توفي سنة ٣٠٩ ه‍. جاء في سير أعلام النبلاء ١٤ / ٣١٤ أنه (نشأ بتستر ، وصحب سهل التستري ، وصحب ببغداد الجنيد). وانظر ديوان الحلاج ، المقدمة ص ٧.

١٤ ـ عبد الجبار بن شيراز بن يزيد العبدي النهربطي : ورد في تكملة الإكمال ٣ / ٤٦٥ ؛ ومعجم البلدان ٥ / ٣١٩ أنه (روى عن سهل التستري) ؛ وجاء في اعتقاد أهل السنة ١٨٢ ـ ١٨٣ أنه (صاحب سهل التستري) ؛ وروى عن التستري عدة أقوال وردت في الحلية أثناء ترجمة سهل التستري ١٠ / ١٩٨ ـ ٢١١.

١٥ ـ علي بن عبد العزيز الضرير الصوفي البغدادي أبو الحسن : جاء في تاريخ بغداد ١٢ / ٣٠ : (من قدماء مشايخهم ، صحب سهل بن عبد الله التستري).

١٦ ـ عمر بن واصل العنبري ، أبو الحسن : جاء في تاريخ بغداد ١١ / ٢٢١ : (أظنه بصريا ، سكن بغداد ، وروى بها عن التستري). قلت : ورد اسمه في تفسير التستري حوالي عشر مرات ، انظر فهرس الأعلام بذيل التفسير.

١٧ ـ محمد بن الحسن بن أحمد الجوري : جاء في الإكمال ٣ / ١٠ أنه (حدث عن سهل التستري) ؛ وفي معجم البلدان ٢ / ١٨٢ جور : (سمع سهل التستري قراءة).

١٨ ـ محمد بن الحسن : ورد في تاريخ بغداد ٥ / ٢٥٢ أنه كان (صاحب سهل بن عبد الله) ، ثم ذكر قولا للتستري ؛ وروى قولا للتستري في الحلية ١٠ / ٢١١.

١٩ ـ محمد بن أحمد بن سالم أبو عبد الله : ورد في طبقات الصوفية ١ / ٣١٢ : (صاحب التستري وراوي كلامه. لا ينتمي إلى غيره من المشايخ ، وهو من أهل الاجتهاد ، وطريقته طريقة أستاذه سهل التستري ، وله بالبصرة أصحاب ينتمون إليه ، وإلى ابنه أبي الحسن). وجاء في

٧

الكامل لابن الأثير ٦ / ٤٦٦ ، حوادث سنة ٢٩٧ ه‍ : (فيها توفي أبو عبد الله محمد بن سالم صاحب التستري).

٢٠ ـ المزين : أبو الحسن البغدادي علي بن محمد المزين ، توفي سنة ٣٢٨ ه‍ ، ورد في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٣٢ : (الأستاذ ، العارف ، من أورع القوم وأكملهم حالا. صحب التستري والجنيد ، وجاور بمكة). ـ ورد في سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ عند ترجمة سهل التستري : (روى عنه الحكايات :

عمر بن واصل وأبو محمد الجريري وعباس بن عصام ومحمد بن المنذر الهجيمي). ـ ورد في حلية الأولياء ١٠ / ١٩٨ ـ ٢١١ أسماء خمسة وعشرين رجلا سمعوا سهل التستري ونقلوا أقواله. وكذلك وردت بعض الأسماء في طبقات الصوفية ١ / ١٦٦ ـ ١٧١ ؛ وصفوة الصفوة ٤ / ٦٤ ـ ٦٦.

مؤلفاته :

يرى بعض الدارسين أن التستري لم يقم بكتابة مؤلفاته بنفسه (١) ، ولعل مرد ذلك (حرصه على أن لا يضع بين أيدي خصومه وثائق خطية تحمل فكره ، وتكون سببا في عواقب قد تسوء) (٢). وقال كمال جعفر : (إن المؤرخين قد نسبوا إليه عددا من المؤلفات التي تختلف كما وكيفا. وأغلب الظن أن هذه الكتب والرسائل إنما هي خلاصة انتقاها ونقلها تلامذته من بعده ، وبخاصة ابن سالم) (٣).

وقام العلامة فؤاد سزكين بإحصاء مؤلفات التستري المخطوطة ، مع بيان مكان وجودها ، وانتهى إلى ذكر ثمانية كتب (٤) ؛ كما قام كمال جعفر بإحصاء مماثل ، انتهى فيه إلى ذكر اثني عشر كتابا (٥) ، منها ستة كتب ذكرها سزكين ، وثلاثة ذكرها النديم في الفهرست (٦) ؛ وكتاب ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (٧). وانفرد سزكين بذكر كتابين للتستري ، لم يذكرهما جعفر ،

__________________

(١) حركة التصوف الإسلامي ص ١٠٩ ؛ ومن التراث الصوفي ص ٧٩.

(٢) حركة التصوف الإسلامي ص ١٠٩.

(٣) من التراث الصوفي ص ٧٩.

(٤) تاريخ التراث العربي : المجلد الأول ، الجزء الرابع ص ١٢٩.

(٥) من التراث الصوفي ص ٧٩ ـ ٨٣.

(٦) الفهرست ص ٢٦٣.

(٧) كشف الظنون ٢ / ١١٩٣.

٨

وبذلك يكون مجموع عدد مؤلفات التستري هو أربع عشرة كتابا ، وهي حسب ترتيبها الهجائي :

١ ـ تفسير القرآن العظيم : ذكر سزكين أن لهذا التفسير ست نسخ خطية موزعة كما يلي : ـ جوتا : ٥٢٩ (١٥٣ ق ، ٨٢٥ ه‍). ـ القاهرة ثان : ١ / ٣٨ ، تفسير ٦٨. ـ الظاهرية : ٥١٥ (١٤٦ ق) ، نسخة حديثة ، انظر عزة حسن ١ / ١٧٦. ـ فاتح : ٦٣٨ (٧٢ ق ، ٨٧٢ ه‍) ، ٣٤٨٨ / ٢ (من ١٨١ أ ـ ٢٧٩ أ، ٩٦٥ ه‍). ـ صنعاء : ٦٢. ـ طبع بالقاهرة ١٣٢٦ ه‍ / ١٩٠٨ م ، ثم أعيد طبعه ١٣٢٩ ه‍ / ١٩١١.

٢ ـ جوابات أهل اليقين : ذكره النديم في الفهرست ص ٢٦٣ ؛ وعنه ذكره كمال جعفر في كتابه من التراث الصوفي ص ٨١. وهو من الكتب المفقودة.

٣ ـ دقائق المحبين : ذكره النديم في الفهرست ص ٢٦٣ ، وعنه ذكره كمال جعفر في كتابه من التراث الصوفي ص ٨١ ، وذكر أن اسمه رقائق المحبين في الكواكب الدرية للمناوي ١ / ٢٤٣ ؛ وفي هدية العارفين ١ / ٤١٢ ؛ وفي روضات الجنان للخوانساري ص ٣٢٤.

٤ ـ رسالة في الحروف : ذكر سزكين ص ٣٠ أن لها نسخة خطية في تشنستربيتي ٣١٦٨ / ٣ (٨٣ ـ ٨٤ ، ٦٨٦ ه‍). وذكر كمال جعفر في كتابه من التراث الصوفي ص ٨٠ : (يبدو أنها الرسالة التي أشار إليها إسماعيل البغدادي في كتابه هدية العارفين ١ / ٤١٢ بعنوان «زايرجة». وربما أطلق البغدادي عليها هذا الاسم نظرا لما رأى من أرقام بهوامش المخطوط ظن أنها القيم العددية للحروف التي تمتّ بصلة وثيقة بالزايرجة ، على حين أنها خاصة بأسرار الحروف التي تشرح فكرة الخلق والتأليف ، بناء على التأمل في حقيقة الحروف من الجانب الميتافيزيقي).

٥ ـ رسالة في الحكم والتصوف : ذكر سزكين وجعفر أن لهذه الرسالة نسخة خطية في مكتبة أيا صوفيا ٤١٢٨ / ٤ (١٤٨ ـ ١٦٨ ، القرن السابع ه). ومنها نسخة مصورة في معهد المخطوطات العربية برقم ١٩٥. وقال جعفر : (اطلعنا على هذه الرسالة فوجدناها غير كاملة وليست ذات أهمية كبيرة ، بل يبدو أنها ربما لم تكن سوى مستخلصات محرفة وغير تامة ، من بعض مؤلفات سهل التستري). ـ زايرجة : من الكتب المفقودة. ورد ذكرها في كشف الظنون ٢ / ٩٤٨ ، وأبجد العلوم ٢ / ٣١٣ ، وهدية العارفين ١ / ٤١٢. وورد في كشف الظنون أن علم الزايرجة هو من القوانين الصناعية لاستخراج الغيوب. وانظر ما تقدم برقم ٤ رسالة في الحروف.

٩

٦ ـ سلسبيل سهلية : ذكرها جعفر قائلا : (نسب الشيخ السنوسي هذا المؤلف الصغير ، الذي هو عبارة عن صيغة يظن أنها مأثورة لسهل ، ولكن ماسينيون يشكك في نسبتها ، ويرى أنها ذات أصل أحدث بكثير من عصر التستري. ويشير عبد الرؤوف المناوي في الكواكب الدرية ١ / ٢٤٣ إلى هذه الصيغة باعتبارها الصيغة التي تعوّد سهل أداءها. ويبدو أنها نفس الصيغة التي تلقاها من خاله محمد بن سوّار).

٧ ـ الغاية لأهل النهاية : من الكتب المفقودة. ورد ذكرها في كشف الظنون ٢ / ٩٤٨.

وقال جعفر : (ورد ذكر هذا المؤلف في كشف الظنون ٤ / ٣٠٣ ، كما ورد في هدية العارفين ١ / ٤١٢. ويذكر الفريابي ت ٣٠٠ / ٩١٢ أن عنوان هذا المؤلف هو «خلاصات غايات أهل النهاية». [القرشي : طبقات الحنفية ١ / ٥٣]).

٨ ـ لطائف القصص في قصص الأنبياء : ذكر سزكين أن له نسخة خطية في مكتبة طلعت ، مجموع ٢٨٣. وقال جعفر : (أورد ذكر هذا المؤلف حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ١٠٧.

ويبدو أن حاجي خليفة قد رأى هذا المؤلف فعلا ... ولم نعثر على هذا المؤلف للآن ، وإن كنا نعتقد أن أجزاء قليلة منه قد احتفظ بها في كل من التفسير وكلام سهل ، في تلك المواضع التي تخدم غرضا روحيا كما كان يرى التستري).

٩ ـ كتاب المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوى في الأحوال : ذكر سزكين أنه لها نسخة خطية في كوبرلي برقم ٧٢٧ / ٣ (٢٠٥ أ ـ ٢٤٢ أ ، القرن السابع الهجري). وهذا الكتاب حققه محمد كمال جعفر سنة ١٩٨٠ ونشره في القاهرة ، دار الإنسان. ويضم هذا الكتاب بعض أقوال سهل التستري ، محكية على لسان ابن سالم أحيانا ، وعلى لسان غيره أحيانا أخرى.

وإذا كان عنوانه يوحي بأنه كتاب كلامي مخصص للجدل حول المسائل الكلامية الخالصة ، فإن الواقع غير ذلك ، فهو كتاب يضم كثيرا من أوجه النقد الموجهة ضد بعض آراء الفرق الكلامية وبخاصة القدرية والمرجئة ، ونقض بعض الاتجاهات أو العادات أو الفرق الصوفية.

١٠ ـ كتاب الميثاق : ذكره جعفر قائلا : (نصّ عليه ناسخ رسائل الجنيد وهو تلميذ ابن عربي ، إسماعيل ابن سودكين الذي توفي عام ٦٤٦ / ١٢٨٤. ومن المهم أن نلاحظ أن هذا الناسخ يتخذ العنوان الذي وجده لسهل نموذجا ومثالا لعنوان رسالة مماثلة للجنيد في نفس الموضوع. ويضاف إلى ذلك أن الناسخ يؤكد أنه وجد وقرأ رسالة في «الميثاق» لسهل بن عبد الله التستري ؛ وهذا المؤلف ـ وإن كان قد فقد ـ يمكن التقاط بعض نقاطه الهامة المتصلة بموضوعه فيما عثر عليه من أقوال سهل ، وبخاصة في التفسير وفي كلامه المجموع ، فيما يتصل بتعليقة على

١٠

الآية الكريمة الخاصة بالميثاق في سورة الأعراف رقم ١٧١).

١١ ـ كلام سهل : ذكر سزكين أن له ثلاث نسخ خطية : ـ كوبرلي ٧٢٧ (١ ـ ١٥٢ ب) وهي بعنوان : كلمات الإمام الرباني سهل بن عبد الله التستري. ومن المرجح أنها جمعت في القرن السابع الهجري. ـ مكتبة جامعة إستانبول ٤٠٨٩ (٣٤ ق ، القرن ١١ ه‍). ـ مكتبة أسعد ٣٥٢٧ (٢١٧ ب ـ ٢٤٨ ب ، حوالي ١١٠٠ ه‍).

واكتفى جعفر بذكر نسخة كوبرلي قائلا عنها : (كتب هذا المخطوط عطاء الله المعروف بنوعي زاده القاضي في مدينة أسكوب عام ١٠٤٤ ه‍ / ١٦٣٤ م. وقد نقله هذا الناسخ من أصل قديم لا يعرف تاريخه). وعلق جعفر على هذا الكتاب قائلا إنه : (يضم أقوال سهل الموجزة المركزة حول قضايا الزهد والتصوف وعلم الكلام ، مقدمة على سبيل الحكاية ، مما يشهد بأن التستري نفسه لم يخطه ، وإنما سجل أقواله حاضر ومجلسه ، وعلى رأسهم ابن سالم الأب ، ثم تلقى ذلك وتناوله بالترتيب ابن سالم الابن أو أبو القاسم الصقلي نفسه ، الذي كرس جهوده فيما بعد للشرح والتعليق على أقوال سهل ، والدفاع عنه دفاعا حارا).

١٢ ـ مقالة في المنهيات : ذكر سزكين أن لها نسخة خطية في : (طهران ، كلية الحقوق ٢٥١ ج (١٢ أ ـ ١٩ أ ، ١٢٧٩ ه‍ ، انظر الفهرس ص ٤٨٧).

١٣ ـ مناقب أهل الحق ومناقب أهل الله عزوجل : ذكرها سزكين وحدد موضعها قائلا : (شرحها محمد الرايثني ، القرن السابع الهجري : طلعت ، تصوف ١٥٨١ (٣٦٧ ق ، ٦٧٥ ه‍).

١٤ ـ مواعظ العارفين : ذكره النديم في الفهرست ص ٢٦٣. ولأن كلام سهل التستري كان يشوبه الغموض ويكتنفه الإبهام ، فقد قام أحد مريديه ، وهو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الصّقليّ المتوفى نحو سنة ٣٨٠ ه‍ / نحو ٩٩٠ م (١) ، بتأليف كتاب : «الشرح والبيان لما أشكل من كلام سهل» ، وذكر جعفر أن الصقلي في كتابه هذا (عرض بعض الأقوال السهلية التي أثارت التساؤل ، ثم تبع كل قول بالشرح والتفسير الذي يراه) (٢). ولهذا الكتاب نسختان خطيتان : ـ كوبرلي : ٧٢٧ (١٥٣ أ ـ ٢٠٤ ب) ، القرن السابع الهجري. ـ أسعد أفندي : ١٦٢٢ (٤٢ ق) ، القرن التاسع الهجري. وتوجد منه نسخة مصورة في

__________________

(١) الأعلام ٣ / ٣٢٥.

(٢) من التراث الصوفي ص ٨٣.

١١

معهد المخطوطات العربية برقم ٢٨٧ (١ / ١٧١). وهذا الكتاب ضمن مجموع فيه أيضا كتابان لسهل ، وقد تقدم ذكرهما ، وهما كلام سهل ، وكتاب المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوي في الأحوال. ويضم هذا المجموع (٢٤٢ ورقة).

(إن أقوال سهل وما سجّل له من آراء قد شمل فعلا حقل التصوف برمته ، وقد لمس تقريبا كل المشاكل الصوفية والكلامية التي أثارت اهتمام عصره) (١).

ويرى جعفر أن النتاج الفكري للتستري (يشهد بإلمام كامل بعلم الكلام والفلسفة كما فهمتها بعض الفرق الإسلامية ... وأنه لم يكن يجهل الفروع الأخرى من أبواب المعرفة كالطب والكيمياء) (٢).

كلمة حول تفسير التستري

أول ما يلفت النظر إلى هذا التفسير هو حجمه اللطيف ، مما يعني بالتالي أنه لا يضم تفسيرا تاما لجميع الآيات القرآنية ، وإنما هو تفسير لبعض آيات القرآن ، وتعليقات كانت استجابة لأسئلة بعض مريديه. وليس عجيبا أن يكون تفسيره مختصرا ، فتلك طريقة أهل التصوف ، ومن هؤلاء السلمي صاحب طبقات الصوفية الذي وضع تفسيره المختصر «حقائق التفسير».

وأثناء قيامي بتحقيق هذا التفسير ، استوقفتني فيه أخبار وحوادث تتصل بسيرة التستري وحياته الروحية (٣) ، حتى كدت أشك في نسبة التفسير إليه ، لا سيما وأن فيه أيضا خبر احتضاره (٤) ، وأحداثا وقعت بعد وفاته ، كقصة عمرو بن الليث الذي توفي بعده بست سنوات ، أي سنة ٢٨٩ ه‍ (٥) ، وعلاوة على ذلك فيه شرح لبعض أقواله (٦). وما أكثر ما يرد فيه : (وسئل سهل) ، و (قيل له) ، و (قلت لسهل) ، و (سمعته يقول) ...

إن وجود مثل هذه الأخبار والأقوال في هذا التفسير يدل بلا شك على أن التستري لم يضع بنفسه هذا التفسير ، ومع ذلك فإن ما فيه من أقوال وآراء يمثل بصدق أقواله وآراءه خير تمثيل ، وتتجلى مصداقية ذلك في أن هذه الأقوال والآراء يمكن توثيقها من مصادر صوفية أخرى ، وهذا ما قمت به ، ويتضح ذلك في الحواشي التي ذيلت بها متن التفسير.

__________________

(١) من التراث الصوفي ص ٨٢.

(٢) المصدر نفسه ص ٧٤.

(٣) انظر في هذا التفسير على سبيل المثال الصفحات : ٨٨ ، ١٦٢ ، ١٧٠ ، ٢١٢.

(٤) تفسير التستري ص ٧٦.

(٥) المصدر نفسه ص ٥٩.

(٦) المصدر نفسه ص ١٦.

١٢

إن أقوال التستري المتعلقة بالتفسير كانت موضع اهتمام الصوفيين الذين كانوا يجلون التستري ، فأخذوا بتدوينها في مؤلفاتهم ، وأشهر الكتب التي حفظت لنا بعض أقواله وآرائه كتاب قوت القلوب لابن طالب المكي ، وكتاب حلية الأولياء للأصفهاني (١) ، ويعد أبو بكر البلدي في أهم الرجال الذين اهتموا اهتماما فائقا بجمع أقوال التستري ، ونجد اسمه يتكرر بكثرة في تفسير التستري ويمكن ملاحظة ذلك من خلال فهرس الأعلام الذي ذيلت به هذا التفسير.

ويرى د. كمال جعفر (أن دور أبي بكر بالنسبة للتفسير إنما هو الرواية عن طريق والده أبي النصر. ولما كان التفسير مجرد تعليقات مقتضبة على بعض آيات القرآن في مناسبات مختلفة ، فلا يستبعد أن يكون أبو بكر قد بوّبه ورتبه حسب السور ، مطعما إياه ببعض الروايات التاريخية أو السيرة الشخصية لسهل) (٢).

ومع ترجيح القول بأن أبا بكر البلدي هو من قام بجمع أقوال التستري المتعلقة بتفسير آيات القرآن ، فإنه فاته ضمّ تفسير آيات أخرى ، ومن يقرأ تفسير القرطبي يجد فيه أقوالا للتستري في تفسير آيات لم ترد في تفسيره (٣).

__________________

(١) هذا عدا عن كتابي التستري اللذين حققهما د. كمال جعفر. حيث نجد أقوالا كثيرة للتستري ، جمعها بعض مريديه بدقة وأمانة ، والكتابان هما : كتاب كلام سهل الذي نشره المحقق تحت عنوان من التراث الصوفي ، وكتاب المعارضة والرد.

(٢) من التراث الصوفي ص ٩٣.

(٣) انظر تفسير القرطبي : ١ / ٢٦٩ ، ٢ / ١٧٤ ، ٣١١ ، ٥ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، ٢٥٩ ، ٧ / ٣٤٦ ، ٩ / ٢٦٩ ، ١٢ / ٧٣ ، ١٦ / ١٦٨ ؛ وهذه الإشارة إلى الإحالات على سبيل المثال لا الحصر.

١٣
١٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

خطبة الكتاب

اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أخبرنا الشيخ الواعظ أبو نصر أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي النصر البلدي إجازة عليه ، شافهني بها في دارة يوسف أن جدّه الإمام أبا بكر محمد بن أحمد البلدي أخبره قال : حدثنا الفقيه أبو نصر أحمد بن علي بن إبراهيم الطائفي الصفّار قال : حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الوضّاحي ، حدثنا أبو العباس عبد الرحمن بن الحسن بن عمر البلخي ببلخ في سكة ساسان ، وقال أبو يوسف أحمد بن محمد بن قيس السجزي : سمعت أبا محمد بن عبد الله التستري رحمه‌الله تعالى في سنة خمس وسبعين ومائتين يقول : حدثنا محمد بن سوّار عن أبي عاصم النبيل عن بشر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيم النجاة غدا؟ فقال : «عليك بكتاب الله عزوجل ، فإنّ فيه نبأ من كان قبلكم وخبر من بعدكم ، وحكم ما بينكم من دينكم الذي تعبدكم به الله عزوجل ، به تصلون إلى المعرفة ، ومن يرد الهدى في غيره يضلّه الله ، هو أمر الله الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الشفاء النافع ، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (١) [الجن : ١ ـ ٢].

هو الذي ظاهره أنيق وباطنه عميق ، وهو الذي يعجز عنه كل فهم لقول الله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأحقاف : ٢٩ ـ ٣٠] فسأله رجل عن علم الله تعالى في عباده : هل هو شيء بدا له من بعد ما خلقهم ، أو كان من قبل أن يخلقوا؟ فقال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) [البروج : ٢١] أي كتاب محكم (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢٢] قبل أن يخلقوا

__________________

(١) سنن الترمذي : باب ما جاء في فضل القرآن ، حديث رقم ٢٩٠٦ ، وسنن الدارمي : حديث رقم ١٣٣١ ، وشعب الإيمان ٢ / ٣٢٦ (رقم ٨٣٦) ، ٣ / ٧١ (رقم ١٩٣٥) ، ومصنف ابن أبي شيبة ، حديث ٣٠٠٠٧.

١٥

وأن الله عزوجل فرغ من علم عباده وما يعملون قبل أن خلقهم ، ولم يجبرهم على المعصية ، ولا أكرههم على الطاعة ، ولا أهملهم من تدبيره ، بل نبه على ما تواعد به من كذب بقدره فقال : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] على وجه التهدد ، إذ لا حول لهم ولا قوة إلّا بما سبق علمه فيهم أنه سيكون منه بهم ، ولهم قال الله تعالى : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) [الرعد : ١١] فالخير من الله تعالى أمر ، وإليه الولاية فيه ، والشر من الله نهي ، وإليه العصمة فيه.

قال سهل رضي الله عنه : وما من آية في القرآن إلّا ولها أربعة معان ، ظاهر وباطن وحدّ ومطلع ، فالظاهر التلاوة ، والباطن الفهم ، والحد حلالها وحرامها ، والمطلع إشراف القلب على المراد بها فقها من الله عزوجل. فالعلم الظاهر علم عام ، والفهم لباطنه ، والمراد به خاص ، قال تعالى : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء : ٧٨] أي لا يفقهون خطابا. قال سهل : فلا بد للعبد من مولاه ، ولا بد له من كتابه ، ولا بد له من نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ قلبه معدن توحيده ، وصدره نور من جوهره أخذ قواه من معدنه إلى هيكله ، فمن لم يكن عنده شيء يتبع به أو أضرب عنه كذلك لم تكن الجنة منزلا له ، وإذا لم يكن الله معه وناصره فمن معه ، وإذا لم يكن القرآن إمامه ، ولم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له شافعا من يشفع له ، وإذا لم يكن في الجنة فهو في النار.

وقوله : «صدره نور» أي موضع النور. «من جوهره» : وهو أصل محل النور في الصدر الذي منه ينتشر النور في جميع الصدر. وإضافة الجوهر إلى الله تعالى ليس المراد ذاته ، وإنما هي على طريق الملك. «أخذ قواه» : يعني قوى النور من معدنه ، وهو الصدر وما حل مصدق. «إلى هيكله» : يعني إلى جوارحه ، وإنما عنى بها نور الطاعات التي في الجوارح ، فمن لم يكن عنده شيء من الهداية سمع به ، أي فهم به.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «القرآن شافع مشفّع وما حل مصدق ، فمن شفع له القرآن نجا ، ومن محل به هلك» (١). وقال سهل : إن الله تعالى أنزل القرآن على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجعل قلبه معدنا لتوحيده والقرآن ، فقال : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١) عَلى قَلْبِكَ) [الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤] وكلفه تبليغه والبيان عنه ليعلم المؤمنون به ما أنزل إليهم ، فمن آمن به وعلم تبيانه وعمل بحكمه كان كامل الإيمان لله تعالى ، ومن آمن به وقرأه ولم يعمل بعلم ما فيه لم يكمل أجره. والناس في قراءة القرآن على ثلاثة مقامات ؛ فقوم أعطوا الفهم بقيامهم بأداء الأمر واجتناب النهي من

__________________

(١) نوادر الأصول ٣ / ٢٦٠.

١٦

الظاهر والباطن ، وصدقهم فيه بنور بصيرة اليقين ، وهو سكون القلب إلى الله تعالى في كل حال وعلى كل حال ، فليس لهؤلاء همة في الألحان ولا في التطريب بطيبة الصوت تكلفا ، إنما همهم التفهّم وطلب المزيد من الله تعالى فهما لأمره ونهيه. والمراد من أحكام فرضه وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهم بعلمه عاملون ، وبالله مستعينون ، وعلى آدابه صابرون كما أمرهم بقوله : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) [الأعراف : ١٢٨] أي استعينوا بالله على أمر الله بالسنة فرضا ، أي سنة الله ، واصبروا على آدابه باطنا وظاهرا ، كي يكسبكم فهما وفطنة. والمراد منه تفضلا لا يبالون بطيب حنجرة الأصوات ، فهم الذين أعطاهم الله تعالى فهم القرآن ، هم خاصة الله وأولياؤه ، لا هم للدنيا ، ولا الدنيا منهم في شيء ، ولا فيما في الجنة رغبوا ، أخذ منهم الدنيا فلم يبالوا ، وهبها لهم فردوها كما ردها نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا عرضت عليه ، طرحوا أنفسهم بين يديه رضى وسكونا إليه وقالوا : لا بد لنا منك أنت أنت ، لا نريد سواك ، فهم المتفردون بالله كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سيروا ، سبق المفردون إلى رحمة الله ، قالوا : ومن المفردون يا رسول الله؟ قال : الذين اهتروا بالذكر لله تعالى ، يأتون يوم القيامة خفافا قد حط الذكر عنهم أثقالهم» (١). قال سهل : هم المشايخ المهترون (٢) في الذكر بالذكر لله تعالى ، مجالسون كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول الله تعالى : «أنا جليس من ذكرني حيثما التمسني عبدي وجدني» (٣) ، وقال تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥].

باب صفات طلاب فهم القرآن

قال الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٤] قال سهل : فعلى مقدار النور الذي قسمه الله تعالى له يجد هداية قلبه وبصيرته ، فظهر على صفاته أنوار نوره ، قال الله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠] فالقرآن حبل الله بين الله وبين عباده ، من تمسك به نجا ، لأن الله تعالى جعل القرآن نورا وقال : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) [الشورى : ٥٢] ومعنى جعلنا : بيّنّا ما فيه من محكم ومتشابه ، وحلال وحرام ، وأمر ونهي ، كما قال الله عزوجل :

__________________

(١) نوادر الأصول ٣ / ٦٤.

(٢) جاء في المصدر السابق : (المهتر إذا نطق يشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله ، لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبير وتؤدة وتأن ، وهذا المهتر إنّما ينطق به ، فكأنه الماء على لسانه يجري ، حتى يشبه الهذيان في بعض أحواله ، وهو في الباطن مع الله تعالى من أصفى الناطقين وأصدقهم. والمهتر في اللغة : الشيخ الكبير الذي قد أفند عقله ...).

(٣) شعب الإيمان ١ / ٤٥١.

١٧

(إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] أي بينّاه بلسان عربي مبين ، يعني بحروف المعجم التي بينها الله لكم ، بها تعرفون ظاهرا وباطنا. وقال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) [الأعراف : ١٥٧] يعني القرآن الذي قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معدنه. قيل له : ما معنى قوله : «القرآن حبل الله بين الله وبين عباده»؟ قال : لا طريق لهم إليه إلّا به ، وبفهم ما خاطبهم فيه للمراد منهم به ، والعمل بالعلم لله مخلصين فيه ، والاقتداء بسنة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم المبعوث إليهم ، كما قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] يعني من يطع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سنته فقد أطاع الله في فرائضه.

وقال ابن عباس (١) رضي الله عنهما : أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ، ثم نجّمه الله تعالى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس آيات وأقل وأكثر (٢). قوله سبحانه وتعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة : ٧٥ ـ ٧٧] وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لم ينزل القرآن في شهر ولا في شهرين ، ولا في سنة ولا في سنتين ، بل كان بين نزول أوله ونزول آخره عشرون سنة أو ما شاء الله من ذلك ، وذلك لأن لإسرافيل مكانا في العرش خافض بصره وحوله الملائكة السّفرة الكرام البررة ولوح من زمرّد ، فإذا أراد الله أمرا كان في ذلك اللوح ، فقرع ذلك جبينه ينظر ما فيه ، فبعث الرسل ، فذلك قوله : (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢٢] لأن القرآن أنزل جملة واحدة على السّفرة الكرام الكاتبين ، فنجّمته السّفرة الكرام الكاتبون على جبريل عليه‌السلام عشرين سنة ، فنجّمه جبريل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذلك (٣) ، فقال المشركون : لو لا نزل الله عليه القرآن جملة واحدة ، فقال الله تعالى : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢] أي ليكون ذلك جوابا لما يسألونك عنه. إذ لو أنزلناه جملة واحدة لم يكن عندك جواب سؤالهم. وقال سهل : أنزل الله القرآن على خمسة أخماس ؛ خمس محكم وخمس متشابه وخمس حلال وخمس حرام وخمس أمثال. فالمؤمن العارف بالله تعالى يعمل بمحكمه ، ويؤمن بمتشابهه ، ويحلّ حلاله ،

__________________

(١) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي (٣ ق ه ـ ٦٨ ه‍) : حبر الأمة ، الصحابي الجليل ، نشأ في بدء عصر النبوة. روى الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد مع علي الجمل وصفين.

(الإصابة : ت ٤٧٧٢ والحلية ١ / ٣١٤).

(٢) البرهان في علوم القرآن ١ / ١٢٨ ؛ والإتقان ١ / ١٤٦ ، ١٥٦ ؛ وفي شعب الإيمان ٢ / ٣٣١ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (تعلموا القرآن خمسا خمسا ، فإن جبريل عليه‌السلام نزل القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسا خمسا).

(٣) الإتقان ١ / ١٤٧.

١٨

ويحرّم حرامه ، ويعقل أمثاله (١) ، كما قال : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣] أي أهل العلم بالله تعالى والمعرفة به خاصة.

قال سهل : في القرآن آيتان ما أشدّهما على من يجادل في القرآن ، وهما قوله تعالى : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) [غافر : ٤] أي يماري في آيات الله ويخاصم بهوى نفسه وطبع جبلّة عقله ، قال تعالى : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧] أي لا مراء في الحج. والثانية قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [البقرة : ١٧٦].

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «معاشر الناس ، لا تجادلوا في القرآن فإن جادل به المؤمن المهتدي أصاب ، وإن جادل به المنافق المفتري أقام حجّة بالقياس والهوى بغير صواب».

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شرار عباد الله يتبعون شرار المسائل ليمتحنوا بها عباد الله أعناتا» (٢).

والله تعالى خصمهم يوم القيامة ، لأن كل سائل مسؤول يوم القيامة ما أردت به.

وقال سهل : العجب كل العجب لمن قرأ القرآن ولم يعمل به ، ولم يجتنب ما نهاه الله عنه ، أما استحيا من الله ومحاربته ومخالفته وأمره ونهيه بعد علمه به؟ فأي شيء أعظم من هذه المحاربة؟ ألم يسمع وعده ووعيده؟ ألم يسمع ما وعد الله به من النكال فيرحم نفسه ويتوب؟

ألم يسمع قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] فيجهد في الإحسان؟ ألم يسمع قوله : «ورحمتي سبقت عذابي» فيرغب في رحمته.

وقال سهل : اللهم أنت أكرمتهم بالموهبة الجميلة ، وخصصتهم بهذه الفضيلة ، اللهم فاعف عنا وعنهم ، ثم قال : إن الله تعالى ما استولى وليا من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا علّمه القرآن إما ظاهرا وإما باطنا ، قيل له : إن الظاهر نعرفه ، فالباطن ما هو؟ قال : فهمه ، وإن فهمه هو المراد. قال أبو بكر السّجزي : سمع مني هذه الحكاية الجنيد (٣) فقال : صدق سهل ، كان عندنا ببغداد عبد أسود عجميّ اللسان ، نسأله عن القرآن آية آية ، فيجيبنا عن ذلك بأحسن جواب ، وهو لا يحفظ القرآن ، وتلك دلالة ولايته.

__________________

(١) في المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣١٧ : (.... ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجر وآمر ، وحلال وحرام ، ومحكم ومتشابه ، وأمثال. فأحلوا حلاله ...).

(٢) المدخل إلى السنن الكبرى ص ٢٣٠ ، رقم ٣٠٧ ؛ وجامع العلوم والحكم ص ٩٣.

(٣) الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز (ت ٢٩٧ ه‍ ٩١٠ م) : صوفي ، من علماء الدين ، مولده ونشأته ووفاته ببغداد. أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد. من آثاره : «رسائل» ، و «دواء الأرواح».

(الحلية ١٠ / ٢٥٥ ؛ وتاريخ بغداد ٧ / ٢٤١).

١٩

قال سهل : روي عن ابن مسعود (١) رضي الله تعالى عنه أنه قال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبصيامه إذا الناس يفطرون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصمته إذا الناس يتكلمون ، فينبغي أن يكون حامل القرآن باكيا حزينا حكيما عالما ، لا جافيا ولا غائلا (٢) ، يعني أن لا يكون كذابا. قال سهل : أخبرني محمد بن سوار (٣) أنه حج سنة من السنين فرأى أيوب السّختياني (٤) قد ابتدأ بأول القرآن مصليا ، وإذا بناحية منه رجل من أهل البصرة مستقبل الكعبة قد ابتدأ بسورة : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١] وهو يردد قوله تعالى : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) [المطففين : ٤] قال : فبلغ أيوب السختياني إلى ثلثي القرآن وذلك الرجل يردد هذه الآية ، فلما كان عند السحر بلغ أيوب «الفيل» ، وانتهى الرجل إلى قوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين : ٦] وغشي عليه ، فتقدمنا إلى الرجل فوجدناه ميتا.

وقد اختلف الناس في طلب فهم القرآن ، فقوم طلبوا فهم القرآن بتكرار درسه ليستخرجوا فهم ظاهر أحكامه ، فمنهم مقلّ ومنهم مكثر عالم عامل لله تعالى بمنازل الجنة ، وعامل لله تعالى إيجابا ، وعالم به لا عامل له ، وقوم طلبوه لحفظ التلاوة والتعليم لغيره ، منهم سليم في فعله ، ومنهم مغتر بربه ، ورجل كثير الدرس له ومراده تعلم طلب الألحان ، ويريد أن يشار إليه ، ويكسب من حطام الدنيا ، فهو من أخسر الثلاثة عند الله تعالى. قال سهل : وأخبرني محمد بن سوار عن عمرو بن مرداس (٥) عن أبي هريرة (٦) رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (... ـ ٣٢ ه‍) : صحابي ، من أكابرهم فضلا وعقلا ، من السابقين إلى الإسلام. كان خادم رسول الله الأمين وصاحب سره. ولي بيت مال الكوفة. (الإصابة ت ٤٩٥٥ ؛ والحلية ١ / ١٢٤).

(٢) شعب الإيمان ٢ / ٢٩٠ (رقم ١٨٠٧) ؛ وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ص ١٦٢ ؛ ونسب هذا القول إلى سفيان الثوري في المدخل إلى السنن الكبرى ص ٣٣٩ (رقم ٥٥٧).

(٣) محمد بن سوار : يقال إنه كان خال سهل بن عبد الله التستري. روي عن ابن عيينة ، وعنه سهل. (تهذيب التهذيب ٩ / ١٨٦).

(٤) أيوب السختياني : أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري ، أبو بكر (٦٦ ـ ١٣١ ه‍) : سيد فقهاء عصره. تابعي ، من النساك الزهاد ، من حفاظ الحديث. كان ثبتا ثقة. (الحلية ٣ / ٣).

(٥) عمرو بن مرداس : من رواة الحديث عن بلال وأبي هريرة. (الإصابة ت ٦٥١٥).

(٦) أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر الدوسي (٢٠ ق ه ـ ٥٩ ه‍) : صحابي ، كان أكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له. لزم صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولي إمرة المدينة مدة ، ثم البحرين. (الإصابة ، الكنى ت ١١٧٩ ؛ والحلية ١ / ٣٧٦).

٢٠