نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

في الشبهات البدوية فإنه مع كونه منجزا للواقع لا يجوز التعبد المزبور فيها وهكذا الظن على الحكومة في باب الانسداد بناء على كونه مثبتا للتكليف كما هو أحد المسالك في تلك المسألة على ما يأتي بيانه انشاء الله تعالى لا مسقطا له على ما هو مسلك التبعيض في الاحتياط ( وكيف كان ) لا شبهة في أن مثل هذه الأحكام انما هو من توابع العلم بالحجية ، فمع الشك في الحجية لا يترتب شيء منها ، لأصالة عدم الحجية وأصالة عدم التعبد بالمؤدى ( وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب لا من جهة عدم ترتب اثر عملي على عدم الحجية الواقعية ، كي يقال في رده بما افاده العلامة الخراساني قده من كفاية كون المستصحب في نفسه أمرا شرعيا ولو لم يكن اثر عملي الا بتوسيط استصحابه كما في استصحاب الاحكام التي لا يترتب عليها عمل الا بتوسيط حكم العقل المترتب على استصحابها ( بل من جهة ) ان الاستصحاب لما لم يكن رافعا للشك في الواقع كالأمارات ، وانما مقتضاه اثبات حكم في ظرف الشك ( فلا يتحقق ) العلم بعدم الحجية من قبل الاستصحاب الا في رتبة متأخرة عن الشك ( وحينئذ ) وان كانت تلك الأحكام مترتبة على العلم بعدم الحجية أيضا ( الا ) ان الموضوع لها لما كان هو الجامع بين العلم بالعدم وعدم العلم فقهرا بعد تأخر العلم بالعدم عن الشك كان الشك أسبق فردي الموضوع فيترتب عليه الأثر بحكم العقل فيستحيل ترتبه ثانيا على الاستصحاب لكونه لغوا محضا ( ولا يجدى حينئذ ) مجرد شرعية المستصحب ما لم يترتب عليه عمل ولو بتوسيط استصحابه ( وبذلك ) يفرق بين الاستصحاب المزبور ، وبين قيام الامارة المعتبرة على عدم الحجية ( فان ) الامارات لما كان شأنها رفع الشك عن الواقع واثبات العلم به كانت موجبة لارتفاع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا فلا يبقى حينئذ معها مجال لجريان القاعدة المزبورة ( بخلاف ) الاستصحاب فإنه لا يكون رافعا للشك عن الواقع ( بل غاية ) اقتضائه بناء على رجوع التنزيل فيه إلى اليقين هو اثبات العلم التعبدي بالواقع في ظرف الشك به ، وبعد كون العلم المزبور في رتبة متأخرة عن الشك ، فبمجرد الشك يترتب عليه الأثر المترتب على الجامع بين عدم العلم والعلم بالعدم لكونه أسبق فردي الموضوع وبترتبه عليه لا يبقى مجال لترتبه ثانيا على الاستصحاب لكونه من تحصيل الحاصل هذا ( وفيه ) انه يتجه هذا الاشكال في فرض كون تلك الآثار من لوازم العلم

٨١

بالحجية فقط « والا » فعلى فرض كونها من اثار الواقع أيضا ولو بنحو الاقتضاء « لا مجال » لهذا الاشكال « إذ يكفي » في جريان الاستصحاب حينئذ مجرد كون المستصحب مقتضيا لترتب العمل عليه ولو في ظرف العلم به ، كما هو الشأن في الوجوب الواقعي بالنسبة إلى وجوب الامتثال حيث يكفي ذلك في استصحاب عدم الوجوب وحكومته على قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعلى ذلك « نقول » انه بعد كون الحجية الواقعية مما يترتب عليها حكم العقل بالتنجيز ولزوم الموافقة فعند الشك فيها يجرى استصحاب عدمها ويترتب عليه عدم حكم العقل بالتنجيز ولزوم الموافقة ، وبجريانه لا يبقى مجال لجريان القاعدة وترتيب اثر عدم الحجية على نفس الشك « وان شئت » قلت إن الشك في الحجية ، كما يكون موضوعا للقاعدة ، كذلك يكون موضوعا للاستصحاب وعليه فعند الدوران لابد من تقديم الاستصحاب « لان بجريانه » يرتفع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا بخلاف العكس فإنه يلزم من تقديمها تخصيص الاستصحاب لبقاء موضوعه وعدم اقتضاء القاعدة لنفيه « لان » غاية ما يقتضيه القاعدة انما هي لغوية جريانه مع أن لازم البيان المزبور هو المنع عن استصحاب الحجية ، بل وعن استصحاب الطهارة والحلية في قبال القاعدة المثبتة لهما « مع أنه كما ترى » لا يظن التزامه بأحد خصوصا في الأخيرين ، حيث إن كلماتهم مشحونة بجريان استصحاب الطهارة والحلية وحكومته على القاعدة المثبتة لهما ( وما أفيد ) في الفرق بين المقام وما هناك بان المجعول هناك طهارتان ظاهرية واقعية وان ما يثبته الاستصحاب غير ما تثبته القاعدة فبالاستصحاب يتحقق الغاية وهو العلم بالطهارة أو النجاسة فيرتفع موضوع القاعدة وهو الشك ( بخلاف المقام ) ، حيث إنه لا يكون في البين الا حكم واحد مترتب على الجامع بين الشك والعلم بالعدم ( ومن المعلوم ) ترتب مثله على نفس الشك الذي هو أسبق فردي الموضوع ( مدفوع ) مضافا إلى منافاة ذلك لما التزم به في غير المقام من وحدة المجعول فيهما ( بان المجعول ) في مورد القاعدة لو كان هي الطهارة الظاهرية للزم عند العلم بنجاسة الماء المتوضى به الجاري فيه قاعدة الطهارة ، اما الحكم بصحة الوضوء واقعا ، واما عدم صحة التوضي به أصلا ( بيان الملازمة ) هي ان الطهارة المعتبرة في صحة الوضوء ، اما ان تكون هي الطهارة الواقعية ، أو الأعم منها

٨٢

ومن الطهارة الظاهرية ( فعلى الأول ) لا يجوز التوضي بالماء المزبور لعدم احراز الطهارة الواقعية بقاعدة الطهارة لأن مفادها هي الطهارة الظاهرية ( وعلى الثاني ) يلزم عدم اقتضاء كشف نجاسته بعد ذلك لبطلان وضوئه به حال جريان القاعدة ، مع أنهم لا يلتزمون بذلك ، فيكشف ذلك عن وحدة ما هو المجعول في مورد القاعدة والاستصحاب ، وان مفاد القاعدة أيضا هو البناء على الطهارة الواقعية في المشكوك طهارته ونجاسته ( وعليه ) يتجه اشكال الانتقاض باستصحاب الحجية واستصحاب الطهارة والحلية وحينئذ فلا محيص عن المصير إلى ما ذكرنا من جريان استصحاب عدم الحجية وترتب لازمه عليه من دون وصول النوبة مع جريانه إلى القاعدة ( نعم ) لو قيل إن البيان الرافع لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان عبارة عن خصوص البيان على التكليف أو ما هو بحكمه لا مطلق البيان ولو على نفي التكليف ( لاتجه ) المنع عن استصحاب عدم الحجية لعدم ترتب فائدة حينئذ على الاستصحاب المزبور ( ولكن ) الشأن في ذلك ، حيث إن لازمه عدم حجية الامارة النافية للتكليف لعدم ترتب فائدة عليها مع حكم العقل بالبرائة والالتزام به كما ترى ( ثم انه قد يقرر ) الأصل بوجوه اخر ( منها ) ان الأصل إباحة العمل بالظن بمقتضى أصالة الإباحة في الأشياء ومن جملتها العمل بالظن المشكوك حجيته وقد نسب ذلك إلى السيد المحقق الكاظمي قده ( وفيه ) انه ان أريد مجرد العمل بالظن من دون الاكتفاء به في تحصيل فراغ الذمة عن التكاليف فغير مفيد ، وان أريد جواز العمل به في مقام تفريغ الذمة والتعبد بمؤداه فغير سديد ، بداهة انه لا معنى لإباحته وذلك اما في فرض الانفتاح والتمكن من تحصيل العلم فظاهر لاستقلال العقل حينئذ بعدم جواز الاعتماد على الظن ووجوب تحصيل العلم في مقام الخروج عن عهدة التكليف ( واما في فرض ) الانسداد والعلم الاجمالي بالتكاليف فمع وجود الطرق المعتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال فكذلك ، فان الواجب بحكم العقل هو تحصيل تلك الطرق والاخذ بها في مقام الخروج عن عهدة التكاليف المعلومة بالاجمال دون الاخذ بالظن المشكوك حجيته ( واما ) مع عدم وجود الطرق المعتبرة اما رأسا أو بالمقدار الوافي ففي مثله وان كان ينتهى الامر إلى مقام الاخذ بالظن والعمل به الا ان العمل بالظن حينئذ يكون واجبا لا جائزا ( فعلى كل تقدير ) يدور امر العمل بالظن بين كونه واجبا أو غير

٨٣

جائز فلا معنى لدعوى جواز العمل بالظن واباحته ، كما أنه لا معنى لدعوى التخيير بين العمل بالظن وبين العمل بالأصل أو الدليل الموجود في المسألة فتدبر ( ومنها ) ان العمل بالظن يدور امره بين الوجوب والحرمة لكون العمل به على تقدير الحجية واقعا واجبا وعلى تقدير عدم الحجية غير جائز ، وفي مثله لابد اما من التخيير أو ترجيح جانب الحرمة بناء على أولوية دفع المفسدة ( وأورد ) عليه الشيخ قدس‌سره بمنع الدوران نظرا إلى كفاية مجرد عدم العلم بالحجية في ثبوت التحريم الثابت بالأدلة الأربعة وهو كما افاده قده ، ولكن مقتضى ظاهر كلامه هذا تسليم انه لو كانت الحرمة من اثار عدم الحجية واقعا كان المقام من باب الدوران بين الوجوب والحرمة وهذا مما لا يلتزم به حيث إن لازم الدوران المزبور هو التخيير عقلا وجواز العمل بالظن لا إلى بدل وهو ينافي ما بنى عليه قده من دوران الامر حينئذ بين التعبد بالظن وبين التعبد بغيره من الأصول والدليل الموجود في البين إذ حينئذ يدور الامر في الحقيقة بين الوجوبين اما وجوب الاخذ بالظن والعمل به واما وجوب الاخذ بغيره من الأصول الجارية في المسألة ( ونتيجة ذلك ) هو التخيير أو تعيين الثاني لرجوع الشك في اعتبار الظن إلى الشك في تخصيص أدلة اعتبار تلك الأصول ، لان الحكومة نحو من التخصيص فبأصالة عدم التخصيص يتعين العمل بالأصول ( ومنها ) ان الامر دائر ، بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعية المعلومة اجمالا ، وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي فتكون المسألة من صغريات مسألة التعيين والتخيير ، والأصل فيها هو التعيين ( وأجاب عنه ) الشيخ قده أولاً بان تحصيل الاعتقاد بالأحكام انما هو مقدمة عقلية للعمل بها وحيث إن الحاكم بوجوبه هو العقل فلا يعقل ترديده في حكمه الفعلي ( وثانيا ) انه تكفي أدلة الأصول المخالفة له لاثبات تحريمه بلحاظ ان العمل بالظن في مورد مخالفته للأصول الموجودة في المسألة مخالفة قطعية عملية لحكم الشارع بوجوب الاخذ بتلك الأصول والعمل بها حتى يعلم خلافها هذا ( وقد ) أورد أيضا المحقق الخراساني قده على جعل المسألة من صغريات مسألة التعيين والتخيير ، بان تلك المسألة انما هي في صورة تعلق الشك بأحد الامرين في مقام اثبات التكليف ، لا في مرحلة اسقاط التكليف الثابت بمقتضى العلم الاجمالي ، وما

٨٤

نحن فيه من قبيل الثاني لان الترديد انما هو في كيفية الفراغ عن الاحكام المعلومة بالاجمال ، وفى مثله لم يتوهم أحد جريان البراءة عن التعيين فلا يصح جعل المقام من مسألة التعيين والتخيير الذي هو معركة الآراء بين الاعلام ( ولكن نقول ) ان ما أفيد من الاشكال انما يتم إذا كان العلم الواجب تحصيله تعيينا أو تخييرا معينا للتكليف المعلوم بالاجمال ( واما ) إذا لم يكن متكفلا لتعيينه بل كان مثبتا للتكليف في بعض الأطراف بنحو يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه على وجه يوجب انحلاله حكما فلا يكون المقام من موارد الشك في الاسقاط بل هو راجع إلى الشك في الاثبات وانحلال العلم الاجمالي بخصوص العلم أو مطلق الاعتقاد ( هذا كله ) في تأسيس الأصل في المسألة ولقد عرفت ان الأصل فيما شك في حجيته شرعا هو عدم الحجية وعدم ترتب لوازمها لكونها بنظر العقل من توابع العلم بالحجية

في حجية الظواهر

( واما ما خرج ) عن هذا الأصل أو قيل بخروجه فأمور ( منها ) الأصول المعمولة في استنباط الأحكام الشرعية من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة والكلام فيها يقع في مقامين ( الأول ) فيما يعمل في تشخيص مراد المتكلم من ألفاظه عند احتمال إرادة خلاف الظاهر بعد الفراغ عن أصل ظهورها بالوضع أو بقرينة عامة أو خاصة وهي الأصول اللفظية المعروفة كاصالة الحقيقة والعموم والاطلاق وعدم القرينة وغيرها ( الثاني ) فيما يعمل في تشخيص أصل ظهورها والمقام الثاني وان كان بحسب الطبع مقدما على المقام الأول ولكن تبعا لشيخنا العلامة الأنصاري قده نتكلم أولاً في المقام الأول ( فنقول وعليه التكلان ) ان الشك في إرادة المتكلم خلاف ظاهر كلامه تارة يكون من جهة الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية للظهور لاحتمال كون الاستعمال على نحو المجاز ( وأخرى ) من جهة الشك في مطابقة الظهور مع الإرادة الجدية مع القطع بان الإرادة الاستعمالية على طبق الظهور بان كان الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية ، والمتكفل لرفع الشك في الجهة الأولى هي الأصول العدمية من أصالة عدم القرينة

٨٥

وأصالة عدم التقييد والتخصيص ، ولرفع الشك في الجهة الثانية هي أصالة الحقيقة والعموم والاطلاق المثبتة لكون المراد الجدي على طبق الحقيقة والاطلاق والعموم ( نعم ) قد يقال كما عن العلامة الأنصاري قده برجوع الأصول الثلاثة الوجودية إلى أصل واحد عدمي وهو أصالة عدم القرينة على التخصيص والتقييد والمجاز على خلاف الحقيقة والعموم ، ولكن العلامة الخراساني قده ارجع الجميع إلى أصل وجودي واحد وهي أصالة الظهور عند احتمال إرادة خلافه ( ولكن التحقيق ) ان يقال بابتناء هذا الخلاف على النزاع المعروف من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة وعمل المكلف وعدمه ( فإنه على القول ) بالقبح لا محيص من ارجاع جميع الأصول إلى أصل واحد عدمي ( لان ) الشك في إرادة خلاف الحقيقة والعموم والاطلاق مسبب عن الشك في اقتران الكلام بالقرينة الصارفة إذ بدونها يقطع بإرادة الحقيقة حسب الفرض من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يحتمل حينئذ خلافها فلا يبقى موقع لجريان الأصول الثلاثة الوجودية بل يحتاج إلى أصالة عدم القرينة ( واما على القول ) بعدم قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة على ما حققناه في باب تعارض النسخ والتخصيص حيث قلنا ان القبيح انما هو تأخير البيان عن وقت حاجة المولى أي الوقت الذي تعلق غرضه لبيان مرامه الواقعي بلفظه بحيث لو أخل به لزم نقض غرضه لا تأخيره عن وقت حاجة المكلف وعمله بداهة امكان القاء الظهور على خلاف مرامه لمصلحة تقتضيه ، فلا يصح ارجاع الأصول الوجودية إلى أصل عدمي فان القطع بعدم القرينة لا يجدي لرفع الشك في المراد فضلا عن أصالة عدمها ضرورة بقاء الشك في المراد بعد على حاله ولو مع الجزم بعدمها من جهة احتمال كون المراد الجدي على خلاف ما يقتضيه ظاهر لفظه وانه سيقيم عليه البيان فيما بعد ( وحينئذ لو قيل ) ان الحمل على الحقيقة وأخويها من باب التعبد المحض لمحض الشك في خلافها ولو مع عدم ظهور فعلى للفظ من جهة اتصاله بما يصلح للقرينية عليه فلا محيص من الاحتياج إلى الأصول الوجودية المزبورة ( واما لو قيل ) كما هو المختار ان الحمل على الحقيقة وأخويها من باب الظهور المستقر المستتبع لعدم حجية الكلام عند اتصاله بما يصلح للقرينية عليه فلابد من ارجاع الأصول الثلاثة الوجودية أيضا إلى أصل واحد وجودي وهو أصالة الظهور

٨٦

كما افاده المحقق الخراساني قده ( نعم ) على القول ، بان موضوع الحجية هو الظهور الصادر من المتكلم لا الظهور الواصل إلى المكلف ربما يحتاج أيضا إلى أصل عدمي كما لو شك في اقتران الكلام حين صدوره بما يصلح للقرينية عليه إذ بدونه لا يحرز صغرى الظهور بالأصل الوجودي المزبور فقط ، فيحتاج إلى اعمال كلا الأصلين حيث لم يكن أحدهما مغنيا عن الاخر وعلى ذلك فينبغي تنقيح ما هو موضوع الحجية.

فنقول ان هنا جهات من البحث « الجهة الأولى » لا ريب في أن مدار الحجية في الظهورات ليس مجرد الظهور التصوري وانما المدار فيها الظهور المستقر التصديقي الصادر عن المتكلم في مقام الجد وإفادة مرامه الواقعي كما يكشف عنه عدم بنائهم على الحمل على الحقيقة عند اتصال الكلام بما يصلح للقرينية على الخلاف كالأمر الوارد في مقام توهم الخطر ( كيف ) وانه ليس لنا دليل لفظي في البين حتى يمكن الاخذ باطلاقه لان عمدة ما في الباب هي السيرة وبناء العقلاء وحيث انها لبية فلابد من الاخذ بالقدر المتيقن منها ولا يكون ذلك الا الظهور التصديقي المستقر الذي لا يتحقق الا بتجرد الكلام عما يصلح للقرينية وعليه فلا حاجة إلى الأصول الثلاثة الوجودية كما لا حاجة أيضا إلى الأصل العدمي على ما تقدم بيانه بل يكتفي بأصل وجودي واحد وهو أصالة الظهور ( نعم قد يقال ) بكفاية مجرد ظهور اللفظ الصادر من المتكلم في مقام الافهام ولو لم يكن في مقام الجد بإفادة مرامه الواقعي بلفظه بل كان في مقام اعطاء الحجة والظهور إلى المكلف ليكون مرجعا له عند الشك في مقام لم تقم حجة أقوى على خلافه ويلزمه جواز التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية في المخصصات اللبية بل اللفظية أيضا حتى مع القطع بكون المتكلم أيضا شاكا في مصداقية المشكوك للمخصص ( ولكنه يضعف ) بما بيناه انفا من لبية دليل الحجية في المقام لكونه هي السيرة وبناء العقلاء والقدر المتيقن منه هو الظهور المستقر التصديقي الصادر من المتكلم في مقام الجد بإفادة مرامه الواقعي ، ولازمه عدم جواز التمسك بالعام فيما شك في مصداقيته للمخصص في المخصصات اللبية فضلا عن اللفظية كما حققناه في مبحث العام والخاص.

« الجهة الثانية » في أن موضوع الحجية هو الظهور الصادر من المتكلم

٨٧

أو الظهور الواصل إلى المكلف فيه وجهان ( أوجههما الأول ) ( لما عرفت ) من لبية الدليل المقتضية للاخذ بالمتيقن منه وتظهر الثمرة فيما شك في اقتران الكلام حين صدوره بما يصلح للقرينية عليه ، حيث إنه على الأول لا تجرى أصالة الظهور الا بعد احراز ظهوره حين صدوره ولو باجراء الأصل العدمي كما تقدم بيانه انفا بخلاف الثاني فإنه لا يحتاج الا إلى أصل وجودي واحد ولا يلتفت إلى احتمال اقتران الكلام بالقرينة أو ما يصلح لها بعد تحقق الظهور الفعلي بالوجدان واحتمال مطابقته للواقع ، وتظهر الثمرة أيضا في مورد يعلم بسقط من الكلام بنحو الاجمال على وجه يحتمل كونه قرينة حافة به ويحتمل عدمه حيث إنه على الظهور الصادر كان احتمال قرينية الساقط ملازما لاحتمال عدم ظهور الكلام حين صدوره فلا يحرز صغرى الظهور ( فلابد ) من التوقف ، واما أصالة عدم القرينة فهي غير مجدية لرفع الشك في قرينية ما يعلم وجوده في البين وأصالة عدم قرينية الموجود مما ليس له مبني ولا دليل وهذا بخلاف المسلك الثاني حيث إنه بعد فرض تحقق الظهور فيه بالوجدان واحتمال مطابقته للواقع تجري فيه أصالة الظهور ( وقد يتوهم ) ترجيح الثاني بان لازم اختصاص الحجية بالظهور الصادر هو الاخذ بأصالة الظهور في مورد القطع باقتران الكلام بما يصلح للقرينية عليه مع احتمال كونه من دس الداسين وكون الكلام حين صدوره مجردا عن ذلك ( وذلك ) من جهة جريان أصالة عدم القرينة وعدم اقتران الكلام بما يصلح للقرينية حين صدورها وهو كما ترى لا يلتزم به أحد بل المعلوم منهم عدم الاخذ بالظهور المزبور وعدم الاعتناء باحتمال كون الموجود من دس الداسين ( ولكنه مدفوع ) بان عدم اعتنائهم باحتمال دس الداسين فيما يحتمل قرينيته للكلام انما هو من جهة شمول دليل الاعتبار لمثله أيضا وحينئذ فلا ينافي ذلك تخصيص الحجية بالظهور الصادر فتدبر.

« الجهة الثالثة » في أن أصالة الظهور تختص بما إذا شك في الخروج عن الحكم مع القطع بفردية المشكوك للعام ( أو تعم ) ما لو كان الشك في فرديته للعام مع القطع بخروجه عن حكمه على كل تقدير كما لو ورد اكرام العلماء وعلم بعدم وجوب اكرام زيد ولكنه شك في أنه من افراد العام ومصاديقه كي يكون خروجه من باب التخصيص أو انه ليس من افراده كي لا يكون خروجه موجبا لتخصيص في العام

٨٨

( فيه وجهان ) بل قولان ، والذي يظهر منهم في غير مورد من الموارد الثاني ( منها ) مسألة الصحيح والأعم حيث استدل بمثل قوله الصلاة معراج المؤمن وانها قربان كل تقى لاثبات الوضع للصحيح بتقريب دلالة الروايات المزبورة بعكس النقيض على أن كل ما لا يكون معراج المؤمن لا يكون بصلاة حقيقة فيستفاد منها ان الصلاة اسم للصحيح والا يلزم التخصيص ( ومنها ) في صيغة الامر حيث استدل على كون الامر للوجوب بمثل قوله سبحانه فليحذر الذين يخالفون عن امره بلحاظ ما هو المعلوم من عدم وجوب الحذر في غيره ( ومنها ) في غسالة الاستنجاء لو شك في أنه طاهر أو نجس يجوز استعماله في الشرب ونحوه حيث استدل على طهارتها بعموم ما دل على عدم جواز استعمال النجس ( ومنها ) في دم القروح والجروح من جهة الشك في أنه نجس معفو عنه في الصلاة أو طاهر ( ومنها ) في الزكاة من جهة الشك في أنها متعلقة بالعين أو الذمة بعد الفراغ عن كون تعيينها بيد مالك النصاب ( ومنها ) في المعاطاة من جهة انه بيع يفيد الإباحة أو ليس ببيع من أصله إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع في الفقه ( ولكن ) الأقوى هو الأول لما تقدم من لبية دليل الحجية في المقام وهي السيرة وبناء العقلاء والقدر المتيقن منها ما لو كان الشك في خروج ما هو من افراد العام عن حكمه.

« الجهة الرابعة » هل الحجية في الظهور منوطة بالظن الفعلي بالمراد أو بالظن النوعي وعلى الثاني فهل يناط الحجية بعدم الظن الفعلي على الخلاف أولاً ( فيه وجوه ) وأقوال أضعفها الأول لكونه خلاف ما تقتضيه السيرة من العمل بالظهورات والاخذ بها على الاطلاق حتى في موارد عدم إفادتها للظن بالمراد كيف ولازمه سد باب التعارض في الاخبار بالمرة والغاء مبحث التعادل والترجيح من الأصول رأسا لاستحالة الظن الفعلي بالمتنافيين كي ينتهى الامر إلى الترجيح أو التخيير ، إذ لا يخلوا ( اما ) ان لا يفيد واحد منهما الظن بالمراد ( واما ) ان يفيده أحدهما دون الاخر ( وعلى التقديرين ) لا ينتهى الامر فيهما إلى التعارض لانتفاء ملاك الحجية فيهما في الأول وكونه من باب تعارض الحجة واللاحجة في الثاني فيدور الامر بين الوجهين الأخيرين والمتعين منهما هو الأخير لقيام السيرة على الاخذ بالظواهر والعمل بها مطلقا حتى في صورة قيام الظن الفعلي على الخلاف على نحو

٨٩

غيره من الامارات التي حجيتها باعتبار الظن النوعي الذي لا ينافيه الظن بالخلاف ( نعم ) لو شككنا في هذا المقام كان اللازم هو الاقتصار على صورة عدم قيام الظن الفعلي على الخلاف لكونه القدر المتيقن من السيرة وبناء العقلاء ولكنه مجرد فرض لما عرفت من اطلاق السيرة ( ثم انه بعد ) وضوح هذه الجهات نقول ، انه لا ريب في جواز الاخذ بالظواهر لاستكشاف المراد عند الشك فيه لاستقرار السيرة القطعية من العقلاء على اتباع الظواهر المتداولة بينهم في مقام تفهيم مقاصدهم واستكشاف مراداتهم ، ومن الواضح أيضا عدم تخطى الشارع عن هذه الطريقة المألوفة حيث لم يكن له طريق خاص في تفهيم مقاصده بل كان طريقته هي الطريقة المألوفة لدى العقلاء في تفهيم مقاصدهم لكونه في الحقيقة أحدهم ، وهذا مما لا اشكال فيه ( وانما ) الخلاف والاشكال في موضعين أحدهما في حجية مطلق الظواهر بالنسبة إلى غير من قصد افهامه بالخطاب وثانيهما في حجية ظواهر الكتاب.

« فنقول اما الموضع الأول » فقد خالف فيه المحقق القمي قده حيث منع عن حجية الظواهر بالنسبة إلى غير من قصد افهامه بالخطاب وحاصل ما افاده في وجه التفصيل بين المقصود بالخطاب وغيره هو ان أصالة الظهور وأصالة عدم القرينة انما تكون حجة إذا كان المكلف ممن قصد افهامه بالخطاب ( لان ) احتمال الوقوع في خلاف المقصود لا يكون الا بأحد أمرين اما من جهة غفلة المتكلم عن نصب القرينة على المراد واما من جهة غفلة المخاطب وعدم تفطنه إلى القرينة المنصوبة وكلا الاحتمالين مرجوحان عند العقلاء ولا يعتنون بهما ( واما ) إذا كان المكلف غير مقصود بالخطاب ففي هذه الصورة لا ينحصر احتمال الوقوع في خلاف الواقع بالاحتمالين المزبورين ( بل هنا ) احتمال آخر وهو احتمال ان يكون بين المتكلم ومن قصد افهامه قرينة حالية أو مقالية معهودة سابقة الذكر أو لاحقة بنحو لا يطلع عليها غير المخاطب ومثل هذا الاحتمال ليس مما لا يعتنى به العقلاء ، ومن المعلوم بالبداهة انه مع مثل هذا الاحتمال لا يتحقق للكلام ظهور تصديقي في المراد فلا يجوز له الاخذ بظهوره لكشف مراد المتكلم ، إذ لم يثبت من العرف والعقلاء بناء على الاخذ بأصالة الظهور مطلقا ( وفيه ) ان هذا الاحتمال كسابقيه منفي بالأصول العقلائية ولا اختصاص لها باحتمال غفلة المتكلم أو المخاطب فكما ان

٩٠

احتمال الغفلة من المتكلم أو المخاطب مرجوح عند العقلاء كذلك احتمال القرينة الخفية بينه وبين المخاطب مرجوح عند العقلاء وهي منفية بأصالة عدمها ( واما ) دعوى اختصاص حجية الظهور لدى العقلاء بما لو أحرز كون المتكلم في مقام تفهيم مرامه لكل أحد لا لشخص خاص ( والا ) فلا يفيد لغيره الظن بالمراد ولو نوعا ( فمدفوعة ) بمنع الاختصاص ، بل الظاهر هو كفاية مجرد كون المتكلم في مقام تفهيم مرامه ولو لشخص خاص في الاخذ بظهور كلامه كما يكشف عنه الزام العقلاء المتكلم بما هو ظاهر كلامه عند سماع كلامه الملقى إلى غيره ، ولذا ترى انه لو وقع كتاب شخص إلى شخص بيد ثالث لا يتأمل ذاك الثالث في استخراج مراده من كتابه وترتيب الأثر عليه ولذلك جرى ديدن الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم على الاخذ بظواهر الاخبار الصادرة عن المعصومين (ع) في جواب السائلين واستفادة الأحكام الشرعية منها مع كون المقصود بالافهام فيها هم السائلون ( فتأمل ).

« واما الموضع الثاني » وهو حجية ظواهر الكتاب فقد خالف فيه بعض الأخباريين واستدلوا على المنع بوجوه « منها » ان الكتاب وارد في مقام الاعجاز فلا تكون ظواهره كسائر الظواهر التي يعرف المراد منه كل أحد « بل يختص » فهم المراد منها بمن خوطب به وهو النبي (ص) والأوصياء فلا يجوز الاخذ حينئذ بشيء من ظواهره لاستفادة الأحكام الشرعية الا بمعونة ما ورد عن الأئمة من التفسير « ومنها » دعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القران الموجب لطرو الاجمال على الظواهر « ومنها » الأخبار الكثيرة الدالة على عدم جواز الاخذ بظواهر الكتاب معللا في بعضها بان الآية يكون أولها في شيء واخرها في شيء وانه كلام متصل ينصرف إلى وجوه « ومنها » العلم الاجمالي بالتقييد والتخصيص في كثير من المطلقات والعمومات الكتابية الموجب لسقوط ظواهرها عن الحجية « ولكن » لا يخفى ما في هذه الوجوه « اما الوجه الأول » ففيه عدم اقتضائه للمنع عن الاخذ بالآيات الظاهرة الدلالة بحسب الفهم العرفي ولا ينافي ذلك غموضها بحسب ما كان لها من البطون كما في النصوص « واما الوجه الثاني » ففيه منع العلم الاجمالي بوقوع التحريف في القران ، وعلى فرض التسليم لا اثر لمثل هذا العلم الاجمالي بعد احتمال كونه في الآيات غير المرتبطة بآيات الاحكام كآيات القصص ونحوها خصوصا مع

٩١

احتمال كون مورد التحريف جملة مستقلة غير مرتبطة بما قبلها وما بعدها من الظواهر وان كانت مشتملة على الحكم « واما الوجه الثالث » ففيه ان الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وان كانت مستفيضة بل متواترة الا انها على كثرتها بين طائفتين طائفة تنهى عن تفسير القران بالرأي والاستحسانات الظنية وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظواهر الكتاب من دون مراجعة إلى ما ورد من الأئمة عليهم‌السلام ، ومن المعلوم ان شيئا منهما لا ينفع ما يدعيه الخصم من المنع عن العمل بظواهر الكتاب اما الطائفة الأولى فلوضوح عدم اندراج العمل بالظاهر في التفسير بالرأي لتشمله الأخبار الناهية « كيف » وان التفسير عبارة عن كشف القناع ولا قناع في الظواهر الواضحة الدلالة لأنها مما يعرفها كل أحد من أهل اللسان فيختص ذلك بالمتشابهات فإنها هي التي تحتاج إلى التفسير وكشف القناع عنها ( واما ) الطائفة الثانية ، فلان محل الكلام هو العمل بالظواهر بعد الرجوع إلى الاخبار والفحص عن تخصيصها ونسخها وإرادة خلاف ظاهرها وهذا مما لا ينفيه تلك الأخبار لما عرفت من أنها في مقام النهى عن الاستقلال بالرأي في العمل بالكتاب والاستغناء عن الرجوع إلى أهل البيت عليهم‌السلام كما عليه العامة ( هذا كله ) مضافا إلى ما ورد في بعض الاخبار من الامر بالرجوع إلى الكتاب والاخذ بظواهره كرواية عبد الاعلى فيمن عثر فانقطع ظفره فجعل على إصبعه مرارة من قوله (ع) يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة فان في إحالة معرفة المسح عليها على كتاب الله إشارة إلى عدم احتياج مثل ذلك إلى السؤال من جهة وجوده في ظاهر الكتاب ، كما أن في اطلاق المعرفة على ذلك دلالة على ما ذكرناه سابقا من أن حجية الظواهر من باب تتميم الكشف ( ومنها ) ما في رواية زرارة في جواب قوله من أين علمت أن المسح ببعض الرأس من قوله (ع) لمكان الباء حيث عرفه (ع) مورد استفادة ذلك من الكتاب ( ومنها ) الأخبار الواردة في عرض الاخبار المتعارضة على الكتاب وفى رد الشرط المخالف للكتاب إلى غير ذلك « واما الوجه » الرابع فقد أجيب عنه بان العلم الاجمالي ينحل بعد الفحص عن تلك المقيدات والمخصصات والعثور على مقدار منها يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليه « ولكنه كما ترى » لا يفي بدفع الشبهة مثل هذا العلم التفصيلي اللاحق ، إذ

٩٢

مجرد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من المقيدات والمخصصات لا يرفع اثر العلم ولا يوجب انحلاله ما لم يكن قيامه على تعيين المعلوم بالاجمال لان من المحتمل ان يكون ما ظفر به من موارد إرادة خلاف الظاهر من التخصيصات والتقييدات غير ما هو المعلوم بالاجمال « والا » لما كان وجه لوجوب الفحص بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال في بقية الظواهر فوجوب الفحص حينئذ في بقية الظواهر كاشف عن بقاء اثر العلم الاجمالي وعدم انحلاله ( فالأولى ) ان يقال في الجواب عن الشبهة ان هذا العلم الاجمالي مقرون حين وجوده بعلم اجمالي آخر وهو العلم بمقدار من المخصصات والمقيدات في ما بأيدينا من الاخبار بنحو لو فحصنا لظفرنا بها فينحل العلم الاجمالي الكبير بما في دائرة العلم الاجمالي الصغير من الأول ولازم هذا العلم الصغير هو الفحص عن كل ظاهر فإذا فحصنا ولم نظفر بقرينة على الخلاف نقطع بخروج ذلك الظاهر عن دائرة العلم الصغير من الأول فتدبر ( بقى الكلام ) في ما لو اختلفت القراءة في الكتاب كما في قوله سبحانه حتى يطهرن بالتخفيف من الطهارة الظاهرة في النقاء من الحيض وبالتشديد من التطهر الظاهر في الاغتسال واجمال القول في ذلك أنه اما ان نقول بتواتر القرائات واما لا وعلى الثاني اما ان نقول بالتلازم بين جواز القراءة بكل قرائة وجواز الاستدلال بها واما لا ( فعلى الأول ) ان أمكن الجمع بينهما بحمل الظاهر منهما على الأظهر أو النص ولو بدعوى نصوصية يطهرن بالتخفيف في أن الواجب هو النقاء من الحيض وظهور يطهرن بالتشديد في أن الواجب هو الاغتسال فلا اشكال في حمل الظاهر منهما على النص أو الأظهر والحكم باستحباب الغسل والا يتوقف ويرجع إلى الأصل أو الدليل الموجود في المسألة لان حالهما حينئذ كآيتين متعارضتين ( وعلى الثاني ) فالامر كذلك فمع امكان التوفيق العرفي يجمع بينهما والا يتوقف ( واما على الثالث ) فبعد عدم تواتر القرائتين وعدم ثبوت التلازم بين جواز القراءة وجواز الاستدلال لابد من التوقف والرجوع اما إلى عموم جواز الاتيان بالزوجة في اي زمان بناء على استفادة العموم الا زماني من قوله سبحانه فأتوا حرثكم انى شئتم أو إلى استصحاب حكم المخصص على الخلاف المذكور في محله ولكن الذي يسهل الخطب ورود النص على الجواز بمجرد حصول النقاء وقد عمل به المشهور فلا ينتهى الامر إلى مقام البحث عن مرجعية عموم العام أو استصحاب حكم المخصص وان كان

٩٣

المتعين في مثله هو الأول على ما حققناه في محله هذا تمام الكلام في المقام الأول.

واما المقام الثاني وهو ما يعمل في تشخيص أوضاع الألفاظ وتشخيص ظاهرها عن غيره ككون لفظ الصعيد حقيقة في مطلق وجه الأرض وان صيغة الامر حقيقة في الوجوب وان الجملة الشرطية ظاهرة في كذا ونحو ذلك والمتكفل لاثبات هذا المقام هي الأوضاع اللغوية فيما لم تكن المعاني من المرتكزات العرفية والا فالعبرة به وان خالف الأوضاع اللغوية ثم إن استكشاف الأوضاع اللغوية ان كان بالعلم فلا اشكال وان كان بالظن ففي حجيته خلاف بين الاعلام والمشهور على ما حكى هو عدم الحجية وهو الأقوى لان المتيقن من السيرة انما هو حجية الظاهر بعد الفراغ عن ظهوره واما حجية الظن بان هذا ظاهر في كذا وان ذاك حقيقة في كذا فلا دليل عليها ( نعم ) نسب إلى جماعة حجية قول اللغويين في تعيين الأوضاع واستدل عليه تارة باجماع العقلاء والعلماء على الرجوع إليهم في استعلام المعنى اللغوي والاستشهاد بقولهم في مقام الاحتجاج ( وأخرى ) بما دل على حجية خبر الواحد ( وثالثة ) بما دل على حجية قول أهل الخبرة والبصيرة من ذوي الفنون فيرجع إليهم حينئذ ويقبل قولهم كما يرجع إلى أهل الخبرة من ذوي الفنون والصناعات البارعين في فنونهم بمقتضي السيرة القطعية من العرف والعقلاء ولكن الكل كما ترى ( اما الأول ) ففيه ان رجوع العلماء إلى علماء اللغة في استعلام حال اللغات وفى مقام الاستشهاد والاحتجاج لو سلم فإنما هو فيما يتسامح فيه كتفسير خطبة وبيان شعر ومعنى رواية غير متعلقة بالحكم الشرعي لا في مقام استنباط الحكم الشرعي إذ لم يعهد منهم في هذا المقام الرجوع إلى اللغوي والاخذ بقوله نعم قد يحصل بالمراجعة إليهم الوثوق والاطمينان ولو من قول لغوي واحد بان المعنى من المسلمات عند اللغويين ولكن ذلك خارج عن مفروض البحث الذي هو حجية قول اللغوي في تعيين الأوضاع بما هو ( واما الوجه ) الثاني فيدفعه اختصاص أدلة حجية خبر الواحد بالأحكام الشرعية وعدم شمولها للموضوعات الخارجية وعلى فرض تسليم قيام السيرة وبناء العقلاء على الاخذ بخبر الواحد حتى في الموضوعات نقول انه يكفي في الردع عن بنائهم قوله (ع) في رواية مسعدة بن صدقة والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم بها البينة مضافا إلى أن دأب اللغويين ليس الا بيان موارد الاستعمالات لا بيان المعنى الموضوع له هذا ( وربما يورد ) عليه بان قول اللغوي

٩٤

من جهة تضمنه لأعمال الاجتهاد والرأي يكون من الاخبار عن الحدس فلا يكون مشمولا لأدلة حجية خبر الواحد لاختصاصها كأدلة الشهادة بالاخبار عن حس أو الحدس القريب منه ( ولكن يضعف ) بان اخباره إذا كان مستندا إلى اللوازم المحسوسة العادية أو القرائن النوعية الملازمة مع المخبر به كشياع المعنى عند أهل تلك اللغة كان داخلا في الحدسيات القريبة من الحس فتشمله أدلة حجية الخبر فالعمدة في الاشكال عليه هو ما ذكرناه من الاشكال كبرويا وصغرويا ( واما الوجه ) الثالث ففيه ان الرجوع إلى أهل الخبرة والبصيرة من ذوي الفنون والصناعات فيما يرجع إلى فنهم وان كان في الجملة مما لا سبيل لانكاره لكونه مما استقرت عليه طريقة العقلاء واستمرت عليه السيرة العرفية ولم يردع عنه الشارع أيضا الا ان القدر المتيقن من السيرة هو ما إذا حصل الوثوق والاطمينان من قول أهل الخبرة لا بمحض كونهم من أهل الخبرة والبصيرة فإنه لم يثبت بنائهم على الاخذ بقول أهل الخبرة والعمل عليه تعبدا ولو مع الشك وعليه نمنع اعتبار قولهم إذا كان مبنيا على الحدس المحض ولو مع اشتماله على شرائط الشهادة من التعدد والعدالة من غير فرق بين باب فصل الخصومة وباب خيار العيب والتقويم وغير ذلك نعم يتجه ذلك فيما لو كان حدسه قريبا من الحس فيعتبر حينئذ فيه ما اعتبر في الشهادة من التعدد والعدالة لاندراجه في ضابط الشهادة ولا يفرق في ذلك بين الخصومة وغيرها « فما أفيد » من التفصيل في حجية قول أهل الخبرة بين باب الخصومة وغيرها باعتبار شرائط الشهادة في خصوص الأول بمقتضى قوله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان مع الاعتراف بامتيازه عن باب الشهادة لكون الشهادة هي الاخبار عن حس بخلاف قوله أهل الخبرة « منظور فيه » إذ بعد الاعتراف بامتيازه عن باب الشهادة لا مجال للتفصيل المزبور واعتبار التعدد والعدالة فيه في باب الخصومة بمقتضى قوله انما أقضي بينكم بالبينات والايمان اللهم الا ان يكون اجماع تعبدي في البين على لزوم اشتماله على شرائط الشهادة في باب الخصومة وخيار العيب ولكنه غير اعتبارها فيه بمقتضى دليل حصر القضاء مع الاعتراف بعدم شمول أدلة البينة لمثله لاختصاصها بالاخبار عن حس ( نعم ) عمدة الاشكال في حجية قول اللغوي هو عدم كونهم بصدد تعيين المعنى الموضوع له وتشخيص المعنى الحقيقي عن غيره وذلك لما هو الظاهر من حالهم

٩٥

من كونهم بصدد تعداد موارد استعمال اللغات بلا نظر إلى تعيين ما هو الموضوع له نعم قد يظهر من بعضهم كونه بصدد بيان المعني الموضوع له اما بالتنصيص على عدم تعرضه لغير المعنى الحقيقي أو التنصيص على أن المذكور أولاً من المعاني هو المعنى الحقيقي كما نسب ذلك إلى القاموس ولكن الكلام حينئذ في حصول الوثوق من قول لغوي واحد إذ بدونه لا مجال لحجية قوله كما أشرنا إليه آنفا ( وقد يستدل ) على حجية قول اللغوي بالانسداد الصغير ( وفيه ) ما لا يخفى فان انسداد باب العلم في بعض الموضوعات التي يتوقف عليها العلم بالحكم لا يوجب حجية الظن المطلق ما لم يرجع إلى انسداد باب العلم بمعظم الاحكام بحيث يلزم من اعمال الأصول النافية أو الرجوع إلى الاحتياط محذور الخروج من الدين أو العسر والحرج الشديد واستلزامه لذلك محل نظر بل منع لانفتاح باب العلم بمعظم الألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة ولو بمعونة القرائن الخارجية فلا محذور حينئذ في الرجوع إلى القواعد فيما انسد فيه باب العلم ومع الاغماض عن ذلك يتوجه عليه ما أوردناه انفا من عدم كون اللغويين في مقام تشخيص الأوضاع فتدبر

في حجية الاجماع المنقول

ومن الظنون التي قيل بخروجه عن الأصل الاجماع المنقول بالخبر الواحد حيث وقع فيه الخلاف بين الأصحاب ونسب القول بحجيته إلى جماعة من الاعلام واستدل عليها بما دل على حجية خبر الواحد لاندراجه فيه بل هو من الخبر العالي السند لرجوع دعوى الاجماع إلى حكاية قول الإمام (ع) أو رأيه بلا واسطة فتشمله أدلة حجية الخبر من السيرة والاخبار وآية البناء وغيرها « وفيه » ان المستند لمدعى الاجماع في اخباره عن الإمام (ع) حيث كان هو الحدس المحض لبعد وصوله إلى الامام وسماع قوله خصوصا في الغيبة الكبرى « لا يكون » اخباره مشمولا لأدلة حجية خبر الواحد لاختصاص أدلتها كأدلة الشهادة بما إذا كان الاخبار مستندا إلى الحس أو الحدس القريب منه كالاخبار بالشجاعة وملكة العدالة ونحوهما « فان » عمدة الدليل على حجية خبر الواحد هي السيرة العقلائية والاجماعات وحيث انهما لبيتان لا يكون لهما اطلاق حتى يمكن الاخذ به لكل خبر ولو عن حدس

٩٦

( واما الأدلة اللفظية كالاخبار والآيات فهي واردة في مقام امضاء السيرة العقلائية التي عرفت الحال فيها لا في مقام التأسيس ( مع أنها ) ناظرة إلى نفي احتمال الخلاف الناشي من جهة تعمد الكذب لا إلى كيفية خبر العادل من حيث المستند وعليه فلا يبقى مجال للتشبث بمثل هذه الأدلة لاثبات حجية الاجماع المنقول هذا ( ولكن ) التحقيق في المسألة التفصيل في الاجماعات المحكمية حسب اختلاف المباني في حجية الاجماع المحصل ، من باب التضمن ، أو قاعدة اللطف أو الحدس ونحو ذلك ( فما كان ) منها في أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى كالاجماعات الواقعة في كلمات مثل الكليني والصدوقين والمفيد والسيدين ونظرائهم قدس الله اسرارهم ممن أمكن في حقهم عادة الوصول إلى الإمام (ع) « لا بأس » بالأخذ به حيث إنه بعدما أمكن في حقهم ان يكون دعواهم اتفاق الأمة الظاهر في دخول المعصوم (ع) فيهم مستندة إلى الحس يكون دعواهم الاتفاق المتضمن لقول المعصوم حجيته فيشمله أدلة حجية الخبر فان من المعلوم كفاية مجرد احتمال كونه عن حس في حجية من غير حاجة إلى احراز حسيته بل وان فرض استناد ذلك إلى الحدس فهو من الحدس القريب من الحس فان استكشاف قول الإمام (ع) أو رأيه وان كان بطريق الحدس ولكنه من جهة الملازمة العادية بين اتفاق المجمعين الذين فيهم السفراء على حكم وبين رأى الإمام (ع) يكون ذلك من الحدس القريب من الحس نظير الاخبار بالشجاعة والعدالة باعتبار لوازمهما المحسوسة العادية ومنه يظهر الحال في الاجماعات المنقولة لنا عن مثل هؤلاء فإنها مشمولة لأدلة حجية الخبر ( واما ) ما كان منها مستندا إلى قاعدة اللطف كالاجماعات الواردة في كلام الشيخ قده ومن تبعه في هذا المسلك فللتوقف فيه مجال لضعف أصل المبني ( واما ) ما كان مبناه الحدس برأي الإمام (ع) ورضاه بما أجمع عليه للملازمة بين اتفاق آراء المرؤسين المنقادين لرئيسهم على حكم وبين رأى رئيسهم ورضائه به ( ففيه اشكال ) لكونه مستندا إلى الحدس الا إذا فرض كون الملازمة بينهما عادية نظير ملازمة لوازم الشجاعة والعدالة لهما فيقبل حينئذ لكونه من الحدس القريب إلى الحس ولعله ليس ببعيد لوضوح الملازمة العادية بين اتفاق آراء المرؤسين المنقادين لرئيسهم من حيث كونهم كذلك وبين رأى رئيسهم كما هو الشأن أيضا فيما كان مبناه على الكشف عن وجود دليل معتبر في المسألة مع كون مورد

٩٧

الاتفاق مخالفا للأصول والقواعد فإنه أيضا يكون من الحدس القريب إلى الحس ( وبالجملة ) فالمدار كله في الحجية هو كون الاخبار مستند إلى الحس أو الحدس القريب منه المستند إلى اللوازم الحسية العادية نظير لوازم الشجاعة وملكة العدالة في قبال ما لو استند إلى غير اللوازم العادية الحسية من قرائن شخصية مثلا الحاصلة من حسن ظنه بالمجمعين فإنه يكون من الحدس المحض نظير الاخبار بموت زيد المستند إلى علمه الناشئ بصدق المخبر من جهة حسن ظنه به أو المبادئ الحدسية الاخر كالرمل ونحوه هذا كله في نقل لاجماع من حيث رجوعه إلى نقل المسبب وهو رأى الإمام (ع) و ( اما ) بالنسبة إلى نقل السبب الذي هو اتفاق الكل فهو أيضا يختلف من حيث كونه تارة حسيا وأخرى حدسيا ناشئا من لحاظ اتفاق جمع من أساطين الفقهاء على حكم بنحو يظهر منهم كونه من المسلمات حيث إنه يحصل من ذلك الحدس القوى بكونه متفقا عليه بين جميع الأمة ويختلف ذلك بحسب اختلاف الناقلين من حيث الإحاطة بكلمات الأصحاب وعدمها بنحو يبعد عادة اطلاع مثله على فتاوى الأصحاب من أهل عصره جميعا فضلا عن الاعصار المتقدمة على عصره وعلى كل حال يكون اخباره بالسبب معتبرا في المقدار الذي يحتمل في حقه الاطلاع عليه فيؤخذ بما يحكيه من السبب لاندراجه في حجية الخبر فان بلغ ذلك إلى مقدار يلازم عادة رأي الامام (ع) في نظر المنقول إليه فهو والا فيحتاج إلى ضم ما يتم به السبب ولكن لابد في هذه الضميمة عدم احتمال كونها هو المقدار الذي استند إليه ناقل الاجماع والا فلا يفيد هذه الضميمة شيئا أصلا فح يختلف الحال في استكشاف رأي الإمام (ع) باختلاف الحاكي من حيث قرب عهد الحاكي بزمان الإمام (ع) ومن حيث كثرة تتبعه وطول باعه ومن حيث دلالة اللفظ وصراحته في اتفاق الكل وعدمه ومن جهة كون المسألة معنونة في كلمات الأصحاب أو غير معنونة وهكذا يختلف باختلاف نظر المحكي له فلابد له من لحاظ تلك الخصوصيات في الحكم بالحجية وعدمها فتدبر ( ومن هذا البيان ) ظهر الحال في نقل التواتر فإنه يأتي فيه ما ذكرناه في نقل الاجماع إذ هو أيضا بما يختلف باختلاف الأنظار ومن حيث إحاطة الناقل وكثرة اطلاعه وعدمها ، فيؤخذ حينئذ بما احتمل في حق الناقل في نقله للتواتر من اخبار عشرين أو أزيد فإذا كان هذا المقدار بحد يثبت به التواتر عند المنقول إليه

٩٨

لو ظفر هو باخبار تلك الجماعة فيرتب عليه حينئذ ماله من الآثار الشرعية والا فيحتاج إلى الضميمة على التفصيل المذكور في نقل الاجماع مع مراعاة عدم احتمال كون ما ظفر به هو عين ما استند إليه الناقل في نقل التواتر ( هذا إذا كان ) الأثر مترتبا على ما هو المتواتر واقعا أو المتواتر عند المنقول إليه واما لو كان الأثر مترتبا على التواتر في الجملة ولو عند الناقل كما لو نذر ان يحفظ الأخبار المتواترة ولو عند غيره أو يكتبها فلا يحتاج في ترتيب الأثر المزبور إلى الضميمة بل يكفيه تواتره ولو عند الناقل كما هو ظاهر

في حجية الشهرة

ومن الظنون التي قيل بخروجها عن الأصل الشهرة والمراد بها الشهرة الفتوائية فان الشهرة على اقسام ثلاثة ( الشهرة الروائية ) ( والشهرة العملية ) ( والشهرة الفتوائية ) ( اما الشهرة الروائية ) فهي عبارة عن اشتهار الحديث بين الرواة وأرباب الحديث بكثرة نقلها وتكررها في الأصول وهي التي تكون من المرجحات في باب التعارض والمقصود مما ورد من قوله (ع) خذ بما اشتهر بين أصحابك ( واما الشهرة العملية ) فهي عبارة عن اشتهار العمل بالرواية والاستناد إليها عند الأصحاب في مقام الفتوى ومثل هذه هي الجابرة لضعف الرواية ومصححة للعمل بها ولو كانت الرواية بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف لكن ذلك إذا كانت الشهرة من قدماء الأصحاب القريبين لعهد الحضور لا من المتأخرين ( ويكفيك ) في ذلك الحديث النبوي المعروف على اليد ما اخذت حتى تؤدى فإنه على ما ذكره بعض مشايخنا مما لم يذكره أحد من رواتنا ولا كان معروفا من طرقنا ولا مذكورا في شيء من جوامعنا وانما روته العامة في كتبهم منتهيا إلى الحسن البصري عن سمرة بن جندب عن النبي (ص) الذي قضاياه معروفة مع النبي (ص) في حديث لا ضرر مع وجود خلل آخر في الرواية وهو ان أرباب الحديث منهم ذكروا ان الحسن البصري لم يسمع حديثا قط منه ومع ذلك ترى بناء الأصحاب رضوان الله عليهم على الاخذ بالحديث المزبور في أبواب الفقه والاستناد إليه في مقام الفتوى بلحاظ جبره بعمل القدماء ( واما الشهرة الفتوائية ) فهي عبارة عن مجرد اشتهار الفتوى في

٩٩

مسألة من الأصحاب من دون استناد منهم إلى رواية سواء لم يكن هناك رواية أصلا أم كانت على خلاف الفتوى أو على وفقها ولكنه لم يكن استناد الفتوى إليها والمقصود بالبحث في المقام هي هذه الشهرة ( فنقول ) انه استدل على حجيتها بوجوه « منها » الأولوية بدعوى اقوائية الظن الحاصل من الشهرة من الظن الحاصل من الخبر الوحد « ومنها » ما في المرفوعة من قوله (ع) خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر حيث دل على الاخذ بها وترك ما يقابلها « ومنها » ما في المقبولة من التعليل بقوله فان الجمع عليه لا ريب فيه حيث تدل على وجوب الاخذ بكل ما لا ريب فيه وترك الاخذ بما فيه ريب فتدل بعموم التعليل على حجية الشهرة لكونها مما لا ريب فيه هذا ولكن الكل كما ترى « اما الأول » فلان مناط الحجية في الخبر الواحد ليس هو الظن الشخصي حتى يقال بأولوية الشهرة في الحجية لأقوائية الظن الحاصل منها من الظن الحاصل من الخبر الواحد وانما ذلك من جهة قيام دليل بالخصوص على حجيته من السيرة وغيرها ولو من جهة كونه مفيدا للظن النوعي ولذلك نقول بحجيته حتى في مورد قيام الظن الشخصي على خلافه « واما الثاني » ففيه مع الاغماض عما في سند الرواية نقول انها مختصه بالشهرة الروائية ولا عموم لها يعم كل شهرة كما يكشف عنه قول الراوي بعد ذلك فقلت يا سيدي هما معا مشهوران مأثوران عنكم فإنه من المعلوم عدم امكان تحقق الشهرة الفتوائية في الطرفين ومنه ظهر الجواب عن الثالث « لوضوح » اختصاصه بالشهرة في الرواية ، فان المراد من المجمع عليه هو كون أحد الخبرين مما قد اتفق الكل عليه وهو مخصوص بباب الشهرة في الرواية ، حيث أمكن كون أحد الخبرين مما قد اتفق الكل على روايته حتى الراوي لخبر الشاذ كامكان كون الخبرين كليهما مجمعا عليهما بهذا المعنى بخلاف الشهرة الفتوائية فإنها لا يمكن فيها هذا المعنى « واضعف » من ذلك كله الاستدلال على حجيتها بما في ذيل آية النباء من التعليل بقوله سبحانه ان تصيبوا قوما بجهالة بتقريب ان المراد من الجهالة هي السفاهة والاعتماد على ما لا ينبغي الاعتماد عليه والشهرة لا يكون الاعتماد عليها مما لا ينبغي الاعتماد عليه « إذ فيه » ان غاية ما تقتضيه الآية على هذا البيان هو عدم جواز الاخذ بكل ما تصدق عليه الجهالة ، واما وجوب الاخذ بما لا يكون من الجهالة والسفاهة

١٠٠