نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

لوجود المعنون في موطنه وهو ملازم لسقوط الحكم ومعه كيف يعقل صيرورة المعنون الخارجي مركز عروض الحكم وهل هو الا طلب الحاصل ( نعم ) مقتضى لحاظ العنوان خارجيا هو اتصاف المعنون الخارجي بهذا الاعتبار بعنوان المطلوبية والمرادية والمبغوضية والمحبوبية كاتصاف تلك العنوان بكونها ذا اثر ومصلحة ، ولكن هذا الاتصاف من الطرفين لا يكون الا بالعناية ناشئا من جهة اكتساب كل من العنوان والمعنون لون الاخر لما بينهما من الاتحاد بل العينية في هذا الحاظ ، والا فمعروض المصالح ليس الا المعنون الخارجي كما أن معروض الإرادة والكراهة حقيقة ليس الا نفس العناوين بما هي ملحوظة خارجية ، ولعله إلى ذلك نظر القائل بمرأتية العنوان للخارج فكان المقصود من انكاره هو عدم كون العناوين في حيال ذاتها وبالاستقلال في قبال الخارج معروضة للأحكام وان معروضيتها لها انما هو بلحاظها خارجية بحسب النظر التصوري بنحو لا يرى من العنوان في هذا النظر غير الخارج لا ان المقصود وساطة العنوان لسراية الحكم إلى الخارج ، والا يتوجه عليه ما ذكرنا من استحالة سراية الحكم إلى الخارج.

« المقدمة الثانية » انه كما يتنزع من وجود واحد عنوانان عرضيان ، كذلك يمكن ان ينتزع منه عنوانان طوليان على وجه يكون انتزاع أحد العنوانين في طول الحكم المتعلق بالعنوان الاخر وفي هذا القسم ( تارة ) تكون طولية العنوانين من جهة طولية الوصف المأخوذ في أحد العنوانين بلا طولية في طرف الذات المعروضة للوصف كما في الخمر والخمر المشكوك حكمها حيث إن تأخر العنوان الثاني عن الأول بلحاظ اخذ صفة المشكوكية فيه والا فنفس الذات في الموضعين تكون محفوظة في مرتبة واحدة غير أنها تلحظ تارة مجردة عن الوصف وأخرى موصوفة ومقيدة بالوصف من غير أن يكون لحاظها موصوفة منشأ لطولية الذاتين أصلا ولذلك ترى صحة انطباق الأول على الثاني بنحو يرى الجمع مصداقا لهما في عالم اللحاظ كما في المطلق والمقيد بل في هذه الجهة لا يفرق بين الأوصاف الخارجية كالايمان ونحوه أو اللحاظية كوصف مشكوكيتها ومشكوكية حكمها فإنه على كل تقدير يكون المعروض وهو الذات محفوظا في الموضعين في مرتبة واحدة على وجه لا يكون له اطلاق في عالم اللحاظ يشمل المرتبة

٦١

المتأخرة عن وصفه لبداهة استحالة لحاظ المعروض في ظرف وجود العارض الذي هو في مرتبة متأخرة عنه نعم نتيجة تقييد الذات حينئذ بالوصف المزبور انما هو دخل إضافة معروضية الذات لوصفها في حكمها في قبال اطلاقها الكاشف عن عدم دخل الإضافة المزبورة في حكمها ولكن هذا المقدار لا يقتضى سير الذات من مرتبة إلى مرتبة كما هو ظاهر ( وأخرى ) تكون طولية العنوانين حتى من جهة الذات المحفوظة فيهما المستلزمة لاعتبار الذات في رتبتين ، تارة في الرتبة السابقة على الوصف التي رتبة معروضيتها له ، وأخرى في الرتبة اللاحقة عن الوصف نظير الذات المعروضة للامر والذات المعلومة لدعوته المنتزع عنها عنوان الإطاعة على ما تقدم شرحه في مبحث التجري ( ومن هذا الباب ) كل وصف ينوط به الحكم القائم بالذات كما في القضايا الطلبية الشرطية ، فإنه لابد من فرض وجود الوصف قائما بموصوفه والحكم في هذا الظرف على نفس الذات الملحوظة في الرتبة المتأخرة عن الوصف بلا اخذ الوصف قيدا لهذا الموضوع ( ولذلك ) أيضا نقول انه لابد في القضايا الشرطية الطلبية من تجريد موضوع الحكم في عالم معروضيته له عن الوصف قبال القضايا التقييدية التوصيفية ( ومن هذا القبيل ) صفة المشكوكية بناء على كونها من الجهات التعليلية للأحكام الظاهرية لا من الجهات التقييدية المأخوذة في ناحية موضوعاتها كما هو الظاهر من أدلتها ، حيث إن المستفاد من أدلتها هو اخذ صفة المشكوكية على نحو الشرطية لنفس الاحكام الظاهرية لا على نحو القيدية لموضوعها وان شرب التتن مثلا لكونه مشكوك الحل والحرمة كان حلالا لا ان الحلية مترتبة عليه بعنوان كونه مشكوك الحل والحرمة ولازم ذلك على ما عرفت اعتبار الذات في رتبتين ، تارة في الرتبة السابقة على الوصف ، وأخرى في الرتبة للاحقه عنه ، وبذلك يختلف موضوع الحكم الواقعي والظاهري بحسب الرتبة بحيث لا يكاد تصور المجمع لهما في عالم عروض الحكم بخلاف فرض طولية العنوانين بالمعنى الأول إذ عليه تكون الذات مجمعا لهما حيث يرى كون الذات بنحو الاطلاق القابل للانطباق على المقيد معروضة للحكم الواقعي وفي ضمن المقيد معروضة للحكم الظاهري ( ودعوى ) عدم امكان تصور المجمع لهما على هذا الفرض أيضا بلحاظ ان موضوع الحكم الظاهري بعد امكان

٦٢

هو الذات المقيد بوصف كونه مشكوك الحكم يلزمه لا محالة ملاحظة الذات في ظرف وجود الحكم الواقعي والشك به ومن المعلوم انه لا يكاد يرى في هذه المرتبة ولو ضمنا موضوع الحكم الواقعي الذي هو متقدم في الرتبة على الشك بحكمه كما أنه لا يكاد يرى من موضوع الحكم الواقعي موضوع الحكم الظاهري لان موضوع الحكم الواقعي انما هو الذات المجردة عن ملاحظة صفة مشكوكية حكمها لاستحالة ملاحظة هذه الصفة القائمة بالحكم في موضوعه ولذلك قيل باستحالة تقييد الذات بمثل هذه الطوارئ اللاحقة كاستحالة اطلاقها من هذه الجهة أيضا وعلى ذلك يختلف موضوعا الحكم الواقعي والظاهري في عالم اللحاظ الذي به قوام موضوعية العناوين للأحكام بلا سرايتها إلى المعنونات الخارجية ومع اختلاف الموضوعين وعدم سراية الاحكام إلى الخارج لا يفرق بين جعل عنوان المشكوكية من الجهات التعليلية لنفس الاحكام الظاهرية وبين جعله من الجهات التقيدية لموضوعاتها في عدم تصور المجمع لهما أصلا ( مدفوعة ) مضافا إلى أن اعتبار الذات في ظرف وجود قيدها والصفة المنسوبة إليها لا يصح الا فيما كان دليل المقيد بلسان كون الشيء في ظرف وجود كذا ككون التجارة في ظرف وجود الرضا لا فيما كان بلسان كون الشيء موصوفا بكذا كما هو قضية تقييد الذات بالصفة لاستحالة لحاظ المعروض حينئذ في ظرف وجود عارضه ( ان ما أفيد ) من كون موضوع الحكم الواقعي في ظرف تعلق الحكم به هي الذات المجردة عن ملاحظة الصفات الطارية على الحكم وان كان صحيحا الا ان عنوان التجرد المزبور في عالم اللحاظ ليس مأخوذا في حدود الموضوع وقيوده ، وانما هو منشأ لسعة اطلاقه وقابلية انطباقه على المقيد كما في جميع المطلقات الملحوظ كون الطبيعة فيها مجردة عن جميع القيود حتى قيد التجرد ، وبذلك ترى الذات بنحو الاطلاق القابل للانطباق على المقيد معروضة للحكم الواقعي وفي ضمن المقيد معروضة للحكم الظاهري ( نعم لو كان ) لوصف تجرد الموضوع في مقام اللحاظ دخل في عالم موضوعيته لأمكن دفع شبهة التضاد بمثل البيان المزبور ، ولكنك عرفت ما فيه.

( المقدمة الثالثة ) لا شبهة في أن لوجود المراد وتحققه في الخارج مقدمات اختيارية من قبل المأمور نظير الستر والطهور وغيرهما بالنسبة إلى الصلاة ، ومقدمات

٦٣

اختيارية من قبل الآمر كخطابه الموجب لعلم المأمور بإرادته الباعث على ايجاده وخطابه الاخر في طول ذلك عند جهل المأمور بالخطاب الأول وهكذا ( ولا ) شبهة في أن الإرادة التشريعية التي يتضمنها الخطاب المتعلق بعنوان الذات انما يقتضي حفظ وجود المتعلق من قبل خصوص المقدمات المحفوظة في الرتبة السابقة على تلك الإرادة وهي المقدمات الاختيارية المتمشية من قبل المأمور سوى ارادته المنبعثة عن دعوة الخطاب كالستر والطهور وغيرهما من قيود المأمور به « واما » المقدمات المحفوظة في الرتبة المتأخرة عن تلك الإرادة كالخطاب الموجب لاعلام المكلف بإرادته الباعث لدعوته ، فلا تقتضي تلك الإرادة حفظها ، بل تعلق الإرادة بها انما يكون ناشئا عن إرادة أخرى متعلقة بعنوان آخر في طول إرادة الذات التي هي مضمون الخطاب ولا يمكن نشوها من قبل تلك الإرادة ، كيف وان مقدمية الخطاب لوجود المرام انما هو من جهة كونه سببا لعلم المكلف بمضمونه « وبعد كون » العلم المزبور الذي هو الغرض من تكوين الخطاب في رتبة متأخرة عن إرادة الذات « لا يمكن » ان يصير الخطاب محفوظا من قبل تلك الإرادة وناشئا قصده وارادته من قبلها ، بل لا محيص وأن يكون قصده وارادته ناشئا عن إرادة أخرى متعلقة بعنوان آخر « ومن هذه الجهة » نقول ان الغرض من الخطابات طرا انما هو تحريك المكلف من قبلها إلى ايجاد العمل بداعية ، من غير فرق في ذلك بين التعبدي والتوصلي ، وان كان بينهما فرق من حيث دخل الانبعاث عن الامر في التعبديات في الغرض الداعي إلى الامر بها بخلاف التوصليات ( وبهذا ) البيان يظهر وجه خروج إرادة المكلف المنبعثة عن دعوة الخطاب عن حيز اقتضاء الإرادة التشريعية كنفس الخطاب ، لأنها من جهة تأخرها لا يمكن ان يشملها اطلاق الخطاب ، فما هو في حيز اقتضائها انما هو ذات الفعل بماله من المقدمات المتمشية من قبل المأمور غير ارادته الناشئة من دعوة الخطاب « ومن » هذه الجهة نقول باستحالة صيرورة إرادة المكلف المنبعثة عن دعوة الخطاب واجبة بالوجوب الشرعي ولو غيريا ، وان وجوبها وجوب عقلي محض ، لاستقلال العقل بلزوم تحصيلها واستحقاق العقوبة على تفويتها لولا مسقط خارجي كما في التوصليات « نعم » الغرض من ايجاد الخطاب لما كان هو الانبعاث عن

٦٤

دعوة خطابه كانت إرادة المكلف بهذا الاعتبار في حيز إرادة الامر في مقام ايجاد الخطاب ، إذ كان مرجع تكوين خطابه إلى ارادته لحفظ المرام من قبل دعوة خطابه.

« المقدمة الرابعة » بعدما عرفت من أن لوجود المرام مقدمات اختيارية من قبل المأمور ومقدمات اختيارية من قبل الآمر كخطابه الباعث لدعوة المأمور إلى الاتيان بالعمل ، وخطابه الاخر عند جهل المكلف بالخطاب الأول « نقول » انه لا شبهة في اختلاف مراتب الاهتمام بحفظ المرام بالنسبة إلى المقدمات المتأخرة المتمشية من قبل الامر حسب اختلاف المصالح الواقعية في الأهمية ، فان المصلحة في الشيء « قد تكون » بمرتبة من الأهمية تقتضي تصدى المولى لحفظه في جميع المراتب المتأخرة « وقد تكون » بمرتبة دونها بحيث لا تقتضي الا حفظ وجود الشيء من قبل خطابه الأولى ( ففي الصورة ) الأولى لا شبهة في أنه لابد للمريد الحكيم من كونه بصدد حفظ مرامه في اي مرتبة من المراتب بحيث لو لم يتحقق من قبل خطابه الواقعي لجهل المأمور به يجب عليه الاهتمام بحفظه في المراتب المتأخرة عنه بتوجيه خطاب آخر إلى المأمور في ظرف جهله ولو بمثل ايجاب الاحتياط ، وليس له الاقتصار على مجرد خطابه الواقعي وابقاء المكلف على جهله فضلا عن صيرورته بصدد تفويته بانشاء آخر على خلافه ، الا إذا فرض قيام مصلحة مهمة جابرة لما فات أو مزاحمة له فيجوز له السكوت بل وانشاء خلافه « واما في الثانية » فلازمه جواز الاكتفاء في حفظه بمجرد خطابه الواقعي في المرتبة الأولى ، فإذا فرض عدم علم المأمور بخطابه لا يلزم عليه توجيه خطاب آخر إليه في المراتب المتأخرة ، بل له السكوت حينئذ وايكال المأمور إلى حكم عقله بالبرائة ، بل يجوز له أيضا في هذه المرتبة انشاء خلافه بلا احتياج إلى وجود مصلحة مهمة جابرة أو مزاحمة ، بل يكفي حينئذ أدنى مصلحة في انشاء الخلاف هذا كله في مقام الثبوت « واما مقام الاثبات » فلا طريق لاحراز كيفية المصالح الواقعية ومراتب الاهتمام بها الا الخطابات ، وحيث إن من قبل كل خطاب لا تستكشف المصلحة الا بمقدار استعداده للحفظ ( نقول ) انه بعد عدم شمول اطلاق كل خطاب للمراتب المتأخرة عن نفسه فلا تستكشف المصلحة من الخطابات

٦٥

الواقعية الا بمقدار استعدادها للحفظ من قبلها ولو بتوسيط وصولها إلى المكلف بالأسباب العادية ، فإذا فرض عدم وصول الخطاب إلى المكلف ، اما لقصور في الخطاب في الوصول إليه ، أو لقصور المكلف في وصوله إليه ، فلا يلزم على المولى ان يتصدى لحفظ مرامه في المراتب المتأخرة بتوجيه خطاب آخر إليه ولو بمثل ايجاب الاحتياط ، فان لزوم ذلك عليه تابع لفعلية غرضه بحفظه حتى في المرتبة المتأخرة عن خطابه وحينئذ لو سكت المولى في هذه المرتبة وأوكل المكلف إلى حكم علقه بالبرائة ، لا يلزم قبح عليه من حيث نقص الغرض وتفويت المصلحة ، بل كان له انشاء خلافه بجعل الطريق المؤدى إلى الخلاف المستتبع الترخيصة في الترك من غير أن يكشف ذلك عن وجود مصلحة مزاحمة جابرة في المؤدى أو في سلوك الطريق ( نعم ) يستكشف ذلك في فرض قيام المصلحة في الشيء بمرتبة تقتضي الاهتمام بحفظه حتى في المراتب المتأخرة عن خطابه ، وذلك أيضا إذا لم يحتمل مانعا عن الجري على ما تقتضيه المصلحة ( ولكنه ) لا طريق إلى كشف المصلحة بهذه المرتبة ، لان الطريق إليها ليس الا الخطاب ، وبعد عدم شمول اطلاقه للمراتب المتأخرة لا يستكشف منه المصلحة الا بمقدار استعداده للحفظ من قبله بوصوله إليه بالأسباب العادية ( نعم ) في فرض الانفتاح وتمكن المكلف من الفحص ربما يستكشف من وجوبه بمقتضى ما دل من العقل والنقل كعموم هلا تعلمت بلوغ مصلحة العمل في الاهتمام بمرتبة تقتضي حفظه ولو بالفحص ( فيحتاج ) في مورد انشاء خلافه إلى كشف مصلحة جابرة في البين أو مزاحمة أهم ، ولكن ذلك أيضا لولا دعوى كشف ترخيصه في ترك الفحص عن عدم بلوغ المصلحة في المورد إلى مرتبة لزوم الفحص ( والا ) فلا ينتهى الامر أيضا إلى كشف المصلحة الجابرة أو المزاحمة الأهم كما هو ظاهر ( نعم ) نتيجة اطلاق الإرادة الواقعية حينئذ انما هي المحركية الفعلية نحو المطلوب في فرض وصولها إلى المكلف ( إذ بالعلم بها ) يحكم العقل بالطاعة ، ومرجعه إلى إناطة التكليف عقلا في مرحلة الفاعلية والمحركية بوصوله إلى المكلف ، نظير الواجب المشروط مع بقائه على فعليته في ظرف عدم وصوله إلى المكلف ، بلا اقتضاء هذه المرتبة من الفعلية لتصدي المولى لرفع جهل المكلف بنصب البيان على مراده في المراتب المتأخرة عن خطابه

٦٦

( لان ) ذلك انما هو من لوازم الفعلية المطلقة لا مطلق الفعلية والتكليف الفعلي المشترك بين العالم والجاهل انما هو الفعلي بهذا المعنى ، لا الفعلي على الاطلاق كي ينافيه انشاء الخلاف في المراتب المتأخرة.

( وبعد ان عرفت ما مهدناه ) من المقدمات يظهر لك اندفاع الشبهة المذكورة في امكان جعل الطريق على خلاف الواقع بتقاريريها حتى على الموضوعية فضلا عن الطريقية في حال الانفتاح والانسداد ( اما تقريرها ) بلزوم اجتماع الضدين أو المثلين ( فعلى الطريقية ) قد عرفت انه لا موضوع لهذه الشبهة ، لان مقتضى الطريقية ليس الا تنجيز الواقع عند الإصابة والاعذار عند عدم الإصابة ، فلا يكون انشاء حكم من المولى على طبق الامارة وراء الحكم الواقعي حتى يلزم محذور اجتماع الضدين أو المثلين ، من غير فوق في ذلك بين حال الانفتاح والانسداد ( واما ) على الموضوعية فلازمها وان كان اشتمال المؤدي على حكم آخر في قبال الواقع ، الا انه لا ضير فيه بعد طولية العنوانين ووقوف الحكم على نفس العناوين وعدم تعديه إلى وجود المعنون على ما بيناه في المقدمة الأولى والثانية إذ حينئذ يختلف معروضا الحكمين ومع اختلافهما لا مانع من الجمع بينهما بعروض الإرادة على أحدهما والكراهة على الاخر ( نعم ) لو بنينا على سراية الحكم من العنوان إلى وجود المعنون خارجا ( لاتجه ) الاشكال المزبور ، ولا يجدى مجرد طولية العنوانين في الجمع بين المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة ، إذ مقتضى السراية حينئذ هو طرو المتضادين على المعنون الوجداني الخارجي ، وهو من المستحيل ، ولكن الشأن في ذلك كما عرفت ( وحينئذ ) ففي فرض طولية العنوانين حتى في جهة الذات على ما تقدم في المقدمة الثانية بجعل صفة المشكوكية ، من الجهات التعليلية لنفس الاحكام الظاهرية ، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في موضوعاتها ( لا بأس ) بالالتزام بالجمع بين الحكمين ( نعم ) لو كانت طولية العنوانين لمحض الوصف المأخوذ في أحدهما بلا طولية في طرف الذات ( كان ) للاشكال المزبور كمال مجال ، ولا يجدى في رفعه أيضا مجرد طولية الحكمين ( فان الذات ) فيهما بعد أن كانت محفوظة في مرتبة واحدة ( يلزمه ) تعلق الحكم الثاني أيضا بما تعلق به الحكم الأول ، فيقتضى بذلك محبوبية تفويت الذات بفتح بعض أبواب عدمها

٦٧

من قبل المقدمات المتمشية من قبل المأمور ، ومثله من المستحيل فإنه يؤدى إلى التضاد في مرحلة اقتضاء المولى من حيث الإرادة والكراهة والحب والبغض بالنسبة إلى حيث الذات ، وهو مما يأبى عنه العقل ، وان لم يكن أحد الخطابين مؤثرا في إرادة المأمور لجهله المانع عن تنجزه ( كما لا يجدى ) أيضا ما بيناه في المقدمة الأخيرة من اختلاف أنحاء المصلحة ومراتب الاهتمام بها في اقتضائها لحفظ الذات تارة على الاطلاق ، وأخرى في بعض المراتب ( فان ذلك ) انما يجدى بالنسبة إلى الجهات المتأخرة عن الخطاب لا في رفع التضاد بين الإرادة والكراهة في نفس المولى بالنسبة إلى الأمور المتقدمة على الخطاب ( وحينئذ ) فلا محيص في رفع التضاد بينهما عن الالتزام بما ذكرنا من تعدد الذات وعدم سراية الإرادة إلى الخارج ( واما تقريرها ) بلزوم نقض الغرض فمندفع أيضا بما بيناه في المقدمة الرابعة من أنها انما ترد في فرض احراز قيام المصلحة بوجود المرام على الاطلاق بنحو يقتضى لزوم كون المولى بصدد حفظه في اي مرتبة من المراتب ( وهذا ) مما لا طريق إليه ، لان الطريق إلى المصالح الواقعية لا يكون الا الخطابات الواقعية والمقدار الذي يقتضيه كل خطاب انما هو فعلية غرض المولى بالحفظ من ناحية ذلك الخطاب ، ومن المعلوم انه بانشاء الخطاب الواقعي يتحقق هذا المقدار من الحفظ حتى في فرض عدم وصوله إلى المكلف ، واما الزائد عن هذا المقدار فحيث انه لا يقتضيه اطلاق خطابه ، فلا محذور في صيرورته بصدد تفويت مرامه في المراتب المتأخرة عن خطابه بسكوته أو بانشاء خلافه في ظرف جهل المكلف بالخطاب الذي هو ظرف عدم محركيته ، إذ لا يكاد يلزم منه نقض غرض في البين ، بل لا محذور فيه حتى في فرض تمكن المكلف من الفحص ، حيث كان له الترخيص في الخلاف في هذه المرتبة ويرتفع به حكم العقل بلزوم الفحص بلحاظ تعليقية حكمه باللزوم على عدم ترخيص الآمر بالخلاف ، من غير كشف ترخيصه عن وجود مصلحة جابرة أو مزاحمة أهم ، ولا منافاته لما يقتضيه الخطاب الواقعي من الإرادة الفعلية في المورد كما هو ظاهر ( وبهذا ظهر ) الجواب عن تقرير الشبهة بلزوم تفويت المصلحة ، إذ ذلك أيضا فرع قيام المصلحة بالشيء على الاطلاق بنحو تقتضي الاهتمام بحفظه حتى في المراتب المتأخرة ( والا ففي فرض )

٦٨

عدم قيام المصلحة الباعثة على الحفظ الا بمقدار استعداد الخطاب الواقعي ولو بتوسيط وصوله بالأسباب العادية فلا يلزم التفويت بسكوته أو انشاء خلافه في المراتب المتأخرة ، فان حفظ المصلحة بمقدار يقتضيه استعداد الخطاب الواقعي قد تحقق بنفس انشاء الخطاب الواقعي وفي الزائد عن هذا المقدار لم يكن لها اقتضاء الحفظ ( مع أنه ) لو فرضنا قيام المصلحة بالشيء على الاطلاق حتى في المراتب المتأخرة عن الجهل بالخطاب ( فيمكن ) أيضا دفع تلك الشبهة بالالتزام بالمصلحة الجابرة أو المزاحمة لها في انشاء الخلاف ، إذ لا قبح حينئذ في التفويت بعد كونها متداركة أو مزاحمة لما هو أهم منها « وبما حققنا » اندفعت الشبهة بتقاريرها على الطريقية والموضوعية في حال الانفتاح والانسداد حيث أمكن الالتزام بفعلية الحكم الواقعي بمقدار يقتضيه اطلاق الخطاب مع قيام الطريق المؤدى إلى الخلاف حتى على الموضوعية من غير أن يستلزم التصويب بشيء من معانيه « لان ذلك » انما هو في فرض خلو الواقع عن الحكم الفعلي « ولا الاجزاء عن الواقع » الا إذا فرض كون المصلحة القائمة بالمؤدى جابرة لما فات من المصلحة الواقعية « وعلى » ذلك لا يكون للأحكام الواقعية بعد وجود مقتضياتها الا مرتبتان ، مرتبة الفعلية ، ومرتبة الفاعلية والمحركية المعبر عنها بمرتبة التنجز ، وان الأخيرة تدور مدار قيام الطريق دون الأولى فإنها ثابتة حتى مع قيام الطريق على الخلاف على ما عرفت مرارا « ثم إن المحقق الخراساني قده » تصدى للتقصي عن الشبهة المزبورة بوجه آخر حيث إنه مع بنائه على عدم اجداء طولية الموضوع لدفع شبهة التضاد أجاب عنها بان مرجع جعل الطريق انما هو إلى جعل الحجية المستتبعة لحكم العقل بالتنجيز عند المصادفة وصحة الاعتذار به عند عدمها ، بلا استتباع لجعل تكليف مولوي على طبق المؤدى كي يلزم اجتماع الضدين أو المثلين ، فتكون أوامر الطرق طرا ارشادا إلى هذ الجعل ، وليست بأوامر مولوية « وعلى فرض » استتباعه لجعل حكم مولوي على وفق المؤدى ، نمنع المضادة أيضا « لان » مثل هذا التكليف لا يكون الا تكليفا طريقيا ، لا حقيقيا بحيث يكون حاكيا عن إرادة ناشئة عن مصلحة في المتعلق قبال الإرادة الواقعية « ومثله » لا ينافي الواقع ، لأنه مجرد ايجاب طريقي لحفظ الواقع ، ونتيجته كما في جعل الحجية هي تنجيز الواقع

٦٩

عند المصادفة وصحة الاعتذار به عند عدمها ، بل استتباعه لترخيص شرعي على خلاف الواقع أصلا ، كما في جعل الحجية « نعم » في بعض الأصول كقاعدة الطهارة والحلية واستصحابهما لما كان مفادها الترخيص الشرعي والاذن في الاقتحام وكان مثله ينافي الإرادة الواقعية ، لاستحالة اجتماع فعلية الإرادة الواقعية مع الترخيص على الخلاف « التزم فيها » بعد فعلية التكليف الواقعي في مواردها ولكن لا بنحو لو علم به المكلف لم يتنجز عليه كالأحكام الانشائية المحضة « بل على نحو » لو علم به المكلف لبلغ إلى مرتبة التنجز ، ففي الحقيقة هي مرتبة من الشأنية التي قد تم فيها مقتضيات الفعلية ( الا ان ) المانع عن فعليته هو جهل المكلف ( فمع ) ارتفاعه تبلغ إلى مرتبة الفعلية فيتنجز ( فكان ) الفارق بين موارد الامارات وبين الأصول المؤدية إلى خلاف الواقع بعد اشتراك التكليف الواقعي في مواردهما في التنجيز بمحض علم المكلف ( هو بلوغه ) في مورد الامارات إلى مرحلة الفعلية بنحو يتمحض تنجيزه بعلم المكلف ( بخلاف ) موارد الأصول المرخصة فان التكليف فيها لا يكون فعليا ، بل كان بمرتبة من الشأنية بحيث لو علم به المكلف لبلغ إلى مرتبة الفعلية فيتنجز عليه ( هذا محصل ما افاده قد ) في التفصي عن الشبهة ، وفي الفرق بين موارد الامارات والأصول من حيث فعلية التكليف وعدم فعليته ( أقول ) وفيه ان ما افاده قده أولاً من ارجاع أوامر الطرق إلى جعل الحجية غير المستتبع لحكم تكليفي وان كان يدفع به محذور اجتماع الضدين ( الا ) انه لا يدفع به محذور نقض الغرض وتفويت المصلحة كما في حال الانفتاح ( حيث إنه ) مع فعلية الغرض بحفظ المرام وصيرورة المكلف بصدد تحصيله بحكم عقله بوجوب الفحص ( فلا محاله ) يكون جعل ما يوجب تفويته نقضا منه لغرضه وهو من المستحيل ( ولا يقاس ) ذلك بفرض قيام الحجة العقلية على الخلاف ( فان ) فوت الغرض هناك يكون قهريا غير مستند إلى اختيار الآمر ، بخلاف جعل ما يوجب تفويته ، حيث إنه تفويت منه لغرضه باختياره وهو قبيح مستحيل صدوره من الحكيم « نعم » في فرض الانسداد وانتهاء الامر إلى البراءة بحكم العقل « أمكن » منع صدق التفويت بالنسبة إليه لان فوت الغرض حينئذ امر قهري لازم بحكم العقل بالبرائة كان هناك جعل طريق على الخلاف أو لم يكن

٧٠

ولكن مورد الاشكال في امكان جعل الطريق لا يكون مختصا بهذا الفرض بل يعم فرض الانفتاح ( وبذلك ظهر ) الاشكال فيما افاده قده ثانيا من جعل أوامر الطرق أوامر طريقية غير مستتبعة للترخيص الشرعي ( إذ نقول ) انه في فرض فعلية الإرادة يتوجه عليه محذور نقض الغرض في حال الانفتاح عند مخالفة الامارة الواقع ، ومع فرض عدم فعلية الإرادة وعدم بلوغها إلى مرحلة الانقداح ، لابد من الالتزام بشأنية التكليف في موارد الامارات المخالفة للواقع على نحو ما افاده في موارد الأصول المرخصة ، فلا مجال للتفكيك بينهما ( مضافا ) إلى أن هذه الانشاءات ما لم تكن عن داعي جعل الترخيص في ظرف المخالفة لا تكون صالحة للمعذرية عند الانفتاح وحكم العقل بلزوم الفحص ، ومع كونها عن داعي جعل الترخيص في ظرف المخالفة لابد من رفع اليد عن فعلية الواقع والالتزام فيه بالشأنية كما في موارد الأصول المرخصة لاستحالة اجتماع فعلية الإرادة الواقعية مع الترخيص الفعلي بالخلاف ( وبما ذكرنا ) يظهر انه لا تندفع مثل هذه الشبهة بما أفيد في الامارات من أنه ليس المجعول فيها حكما تكليفيا وانما المجعول فيها مجرد الطريقية والكاشفية والوسطية في الاثبات فلا يكون في البين الا الحكم الواقعي فقط أصاب الطريق للواقع أو أخطأ ( إذ بعد ) الغض عما فيه من الاشكال في أصل المبنى ( يرد عليه ) بأنه وان يدفع به محذور التضاد الا انه يبقى محذور نقض الغرض على حاله في حال الانفتاح وصيرورة المكلف بحكم عقله بوجوب الفحص بصدد تحصيله ( ضرورة ) انه مع فعلية الإرادة الواقعية حينئذ بحفظ الغرض وشمولها ولو بنتيجة الاطلاق لمرتبة الجهل بها حسب اعترافه غير مرة في الجواب عن الشيخ قدس‌سره وغيره ( يكون ) جعل ما يوجب تفويته نقضا منه لغرضه وهو المستحيل ( كما أنه ) لا يدفع به محذور تفويت المصلحة في فرض الانفتاح وتمكن المكلف من الفحص ( وقياسه ) بفرض قيام الحجة العقلية على الخلاف ( مدفوع ) بما تقدم من أن القاطع حين قطعه لما لم يحتمل الخلاف يكون الفوت في مورده قهريا ( بخلاف المقام ) فإنه مع احتمال مخالفة الامارة للواقع وجدانا يكون التعبد بها تفويتا للمصلحة من المولى وهو قبيح هذا ( مع أنه ) لا يجرى هذا الوجه في الأصول المحرزة لأنها فاقدة للطريقية ( ودعوى ) انه المجعول فيها هو الجري العملي والبناء على أحد طرفي الشك على

٧١

انه هو الواقع ، لا الحكم التكليفي ( كما ترى ) لا نفهم له وجها ( كيف ) وان البناء والجري فعل للمكلف ومثله غير قابل لتعلق الجعل به ، وما هو القابل للجعل انما هو الامر بالمعاملة والبناء على أحد طرفي الشك على أنه الواقع ( ومعه ) يقع الكلام في هذا الامر عند مخالفة الأصل للواقع ( فيتوجه ) عليه مضافا إلى المحذورين المتقدمين محذور التضاد أيضا « نعم » ما أفيد في الأصول غير المحرزة كاصالة الاحتياط والحل والبرائة ، من التزام طولية الموضوع في الحكم الواقعي والظاهري مع جعل الواقع « تارة » بمثابة من الأهمية بحيث يلزم على المولى رعايته حتى في ظرف الجهل ولو بانشاء آخر من ايجاب احتياط ونحوه ، وأخرى بمثابة لا يلزم عليه رعايته في مرتبة الجهل به « في غاية المتانة » وليته سلك هذا الوجه أيضا في موارد الطرق والأصول المحرزة حيث إنه يرجع إلى ما ذكرنا وتندفع بمثله الشبهة المعروفة بتقاريرها « ولكنه » ينافي ما تقدم منه غير مرة من عدم اجداء طولية الحكمين لرفع التضاد نظرا منه إلى الشمول الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق لمرتبة الجهل به « ولعمري » ان الالتزام بمثل هذه الجهات ، انما هو لمحض دفع شبهة التضاد بتوهم عدم اجداء تعداد العنوان وطوليته في رفعها ، بتخيل سراية الحكم من العنوان إلى المعنون الخارجي « وبعد » ان عرفت طولية العنوانين حتى في جهة الذات ووقوف الحكم على نفس العناوين وعدم سرايته إلى المعنون ( لا يبقى ) مجال الشبهة المزبورة بوجه من تقاريرها حتى على الموضوعية وفى حال الانفتاح فضلا على الطريقية وفى حال الانسداد « ثم انه ما ذكرنا » من الطريقية والموضوعية في الامارات انما هو بحسب مرحلة الامكان ومقام الثبوت ( واما ) في مقام الاثبات والتصديق ، فلا ينبغي الارتياب في أن المتعين فيها هي الطريقية نظرا إلى ما هو المرتكز عند العرف والعقلاء في العمل بالطرق والامارات غير العلمية « لوضوح » ان اعتبارهم الطرق غير العلمية ليس الا من باب الاستطراق بها إلى الواقع « ومن المعلوم » أيضا ان الشارع في التعبد بالامارات غير متخطي عن طريقتهم وليس له طريق خاص في مقام اعتبار الامارات على خلاف الطريقة المألوفة بين العرف والعقلاء « على أن » اعتبار الامارة في الاحكام ليس الا كاعتبارها في الموضوعات ولا ريب في أن النظر في اعتبارها في الموضوعات انما كان على

٧٢

وجه الطريقية لا غيرها ( وقد يستدل ) لاثبات الطريقية بقيام الاجماع على بطلان التصويب ( وفيه ان ) قيام الاجماع على بطلان التصويب لا يصير شاهدا على كون اعتبار الامارة من باب الطريقية لما بيناه من أنه لا تلازم بين الموضوعية وبين التصويب بجميع معانيه فالعمدة ، في اثبات كون اعتبار الامارة من باب الطريقية دون الموضوعية هو ما ذكرناه فتدبر.

« بقي الكلام » في وجه منجزية أوامر الطرق والأصول المحرزة كالاستصحاب ونحوه ، حيث إنه على الطريقية قد يستشكل بان مرجع تلك الأوامر على تقدير مخالفة الامارة للواقع لما كانت إلى انشاءات محضة خالية عن الإرادة الجدية ، فمع الشك واحتمال مخالفتها للواقع كيف يصلح مثلها لتنجيز الواقع واستحقاق العقوبة على مخالفته ، نعم هذا الاشكال يختص بفرض الانسداد وانتهاء الامر إلى حكم العقل في المورد بالبرائة وقبح العقاب بلا بيان لولا هذا الجعل ( والا ) ففي فرض الانفتاح وتمكن المكلف من تحصيل العلم بالواقع لا موقع لهذا الاشكال من جهة كفاية مجرد احتمال التكليف حينئذ على وفق المؤدي في حكم العقل بتنجيز الواقع ( كما أنه ) على الموضوعية لا يرد هذا الاشكال ، لأنه بقيام الامارة على التكليف يقطع تفصيلا بالتكليف مرددا بين الواقع والظاهر فيحكم العقل بوجوب العمل على وفق المؤدى واستحقاق العقوبة على المخالفة ( فالاشكال كله ) انما هو على الطريقية في فرض الانسداد ، وحينئذ ينبغي صرف الكلام إلى دفع هذه الشبهة ( فنقول ) انه تفصى عن الشبهة بوجوه منها ) ما افاده بعض الأعاظم قده من أن المجعول في الطرق والامارات حيث كان هي الطريقية والكاشفية الموجب لصيرورة الظن وسطا حقيقة في الاثبات وكونه من مصاديق العلم فيترتب عليه جميع ما للعلم من الشؤون والآثار العقلية من الحجية والمنجزية والقاطعية للعذر ونحوها ( لان ) موضوع حكم العقل في هذه اللوازم أعم من العلم الوجداني والجعلي ومرجعه إلى قصر تصرف الشارع في التعبد بالامارة تأسيسا أو امضاءا بمقام الاحراز والكشف بلا تصرف منه في المؤدي بجعل حكم تكليفي من ايجاب المعاملة ونحوه ، وان امره بالعمل بالطرق لارشاد المكلف في بنائه على تتميم الكشف تبعا لجعل الشارع وبنائه لا انه امر مولوي تكليفي ( أقول ) وفيه مضافا إلى اختصاص البيان المزبور بخصوص الطرق والامارات

٧٣

التي كان لسان دليل اعتبارها بنحو تتميم الكشف وعدم جريانه في الأوامر الواردة في باب الأصول كالاستصحاب ونحوه مما كان الامر الوارد فيها بلسان الامر بالمعاملة معه معاملة الواقع الذي هو راجع إلى الجهة الثالثة من العلم كما نص عليه هو قده قبال الطريقية التي هي الجهة الثانية من شؤون العلم ( إذ ليس ) في لسانها تتميم كشف أصلا ( فلابد ) فيها اما من الالتزام بالموضوعية المستتبعة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها مطلقا ولو خالفت الواقع ( أو الالتزام ) بكفاية مثلها أيضا في المنجزية واستحقاق العقوبة على الواقع وان لم يكن في البين تشريع مصداق العلم ، ( فيقال ) انه بعد كفاية هذا المقدار في تنجيز الواقع لم لا يلتزم به في أوامر الطرق أيضا ولم التزم في خصوص أوامر الاحتياط بالوجوب النفسي مع وضوح ظهور أوامر الاحتياط في كونها لمحض احراز الواقع والفرار عن مخالفته كغيره من الأوامر الطريقية مع أن لازم النفسية استحقاق العقوبة على مخالفته وان لم يصادف الواقع وهو كما ترى ( ودعوى ) ان ذلك انما يكون فيما إذا كان حفظ الواقع حكمة لايجاب الاحتياط لا فيما كان علة له ، فإنه حينئذ يدور الحكم مدارها ولا يمكن ان يتخلف عنها ( مدفوعة ) بان الحكم الواقعي إذا كان علة لتشريع الاحتياط يلزمه انتفاء التشريع المزبور بانتفاء الحكم الواقعي ومعه يتردد الامر بالاحتياط لا محالة بين كونه أمرا حقيقيا أم صوريا فيتوجه الاشكال حينئذ في صلاحية مثل هذا الامر للمنجزية المستتبعة للعقوبة على المخالفة ( نقول ) ان تمامية الكشف بعد ما لم يكن من الحقائق الجعلية التي يكون تشريعها عبارة عن عين تكوين حقيقتها نظير الملكية والزوجية ونحوها من الحقائق الجعلية بل كانت من الأمور الواقعية كالموت والحياة والفسق والعدالة الغير القابلة لتحقق حقيقتها بالجعل والتشريع ( فلابد ) وأن يكون مرجع التشريع المزبور إلى نحو ادعاء وعناية تنزيل مستتبع لانطباق عنوان العلم عليه كسائر العنايات والتنزيلات ، فيحتاج إلى اثر شرعي مصحح للتنزيل المزبور ولو في طرف المنزل كغيره من التنزيلات الشرعية ولا يكون ذلك الا امره بالمعاملة مع الامارة مقابلة العلم بالواقع فتشترك مع الأصول حينئذ في ذلك وفى قيامها مقام القطع من حيث الجهة الثالثة كما ذكرناه سابقا ، غير أن الفرق بينهما في كون الامر بالمعاملة مجعولا بدوا في الأصول وفي الامارات مستكشفا من جعل

٧٤

الطريقية « وعليه » فيتوجه الكلام في هذا الوجوب بأنه موضوعي مستتبع لاستحقاق العقوبة على مخالفته ولو خالفت الامارة للواقع أم طريقي وعلى الثاني يبقى الاشكال في وجه منجزيته للواقع ( واما توهم ) عدم الاحتياج إلى الامر الشرعي وكفاية مجرد هذا الادعاء والتنزيل في ترتيب الآثار العقلية كالحجية والمنجزية وغيرهما كما ترى إذ مرجعه إلى اكتفاء العقل في الحكم بالتنجيز بمجرد ادعاء كون الشيء علما بلا اثر شرعي منجز للواقع وعهدة اثباته على مدعيه ( وبالتأمل ) فيما ذكرنا يظهر الحال في فرض انتزاع الطريقية من الامر بالغاء احتمال الخلاف ، فان الامر المزبور لكونه منشأ لانتزاع الطريقية يكون في مرتبة سابقة عليها ، فيقع الكلام في أن هذا الامر مولوي أو ارشادي إلى جعل الطريقية ( والثاني ) يرجع إلى المسلك السابق إذ لا تكليف حينئذ في البين ينتزع منه الطريقية فيعود الكلام فيه ( واما على ) الأول فيتوجه الكلام بأنه موضوعي مستتبع للعقوبة على المخالفة مطلقا أو طريقي فيعود البحث في وجه منجزيته للواقع.

« ومنها ما عن الكفاية » من أن المجعول في باب الطرق والامارات هو الحجية بناء منه على أن الحجية من الأمور الاعتبارية العقلائية القابلة للجعل نظير الملكية والزوجية وأمثالهما وانها متى تحققت بالجعل تستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع والقاطعية للعذر ومرجع امر الشارع بالتعبد بالامارة باي لسان كان إلى جعل الحجية لها « وفيه » ان ذلك وان كان مما يدفع به الشبهة المزبورة ويسلم أيضا عما ذكرناه من الاشكال على المسلك السابق إذا لحجية بهذا المعنى غير الكاشفية والوسطية للاثبات ( الا ) انه لا يساعد عليه الاعتبار إذ هو متفرع على اعتبار الواسطة في القطع بين كاشفيته وبين قاطعيته للعذر وليس كذلك ، بداهة ان العقل في حكمه بالقاطعية للعذر لا يرى المصحح لها الا نفس الكاشفية التامة بلا اعتبار وجود شيء زائد على الكاشفية ومعه لا مجال لاثبات الواسطة والالتزام بمجعولية الحجية بالمعنى المزبور في الامارات ( وتوهم ) كون المجعول حينئذ هي القاطعية للعذر والمصححية للعقوبة ( مدفوع ) بان جهة المصححية للعقوبة ليست الا من سنخ السببية غير القابل باعترافه للجعل إذ سببية الشيء ناشئة عن خصوصية تكوينته فيه الموجبة لتأثيره في المسبب ومثله مما لا يكاد تناله يد الجعل الشرعي كما أن المسبب وهو

٧٥

حكم العقل باستحقاق العقوبة أيضا غير قابل لتعلق الجعل الشرعي به ( وبذلك ) ظهر اندفاع ما يقال من أن مرجع جعل السببية إلى جعل المسبب عند تحقق السبب كما في جعل سببية الدلوك لوجوب الصلاة الراجع جعلها إلى جعل الوجوب للصلاة عند الدلوك ( وذلك ) لما عرفت من عدم قابلية المسبب هنا للجعل ( نعم ) ما هو قابل له ليس الا ما صرح به من الحجية التي هي نحو اعتبار موجب لحكم العقل بالقاطعية للعذر كما في القطع ، غير أنه في القطع من جهة تمامية كشفه يكون ذلك منجعلا وفى الامارات يكون مجعولا ( ولكنه ) قد عرفت انه مما لا يساعد عليه الاعتبار والوجدان فلا وجه حينئذ لما التزم به من حمل أوامر الطرق على الارشاد إلى حكم العقل بالموافقة بملاحظة كشفها عن الحجية المجعولة إذ لا داعي إلى الالتزام بمثله بعد فرض صلاحية الأوامر المزبورة مع بقائها على مولويتها للمنجزية كأوامر الاحتياط على ما اعترف به قدس‌سره فتدبر.

ومنها ما عن بعض الأساطين قدس‌سره ، من دعوى ان تلك الأوامر ايجابات طرقية ناشئة عن إرادات جدية لحفظ الواقعيات ومثل لذلك بما إذا فقد من الانسان جوهر نفيس بين أحجار ولم يتمكن من تمييزه لظلمه أو غيرها ، حيث إنه يتمشى منه الإرادة لاخذ كل واحد من تلك الأحجار ، مع وضوح ان ارادته المتعلقة بأخذ تلك الأحجار ليست إرادة نفسية لغرض في تلك الأحجار ، وانما هي إرادة طريقية تعلقت باخذها لتحصيل ذلك الجوهر ( ثم قال ) كما أن الامر هذا في الإرادة التكوينية في المثال ( كذلك ) في الإرادة التشريعية المتعلقة بفعل الغير وان الامارات المطابقة للواقعيات بمنزلة ذلك الجوهر ، والامارات المخالفة للواقع بمنزلة تلك الأحجار من حيث إن الإرادة المتعلقة بها إرادة طريقية ناشئة عن غرض هو حفظ الواقع في موارد الامارات المطابقة ، وبذلك تكون تلك الأوامر المتعلقة بالطرق صالحة للمنجزية والداعوية بلحاظ نشوها عن إرادة نفسية حتى في موارد الامارات المخالفة للواقع ، وانها من هذه الجهة تشبه الموضوعية ، غير أن الفرق بينهما من حيث استحقاق العقوبة على الموضوعية على مخالفة الامارة مطلقا بخلاف ذلك فإنه في فرض مخالفتها للواقع لا يترتب على مخالفة الامارة الا التجري ( وفيه ) ان ما أفيد في المثال فهو على خلاف الوجدان حيث يرى بالضرورة انه ليس في البين الا

٧٦

إرادة واحدة متعلقة بتحصيل مطلوبه وهو ذاك الجوهر الا انه لما لم يتميز عن غيره واحتمل انطباقه على كل واحد من الأحجار ، كان نفس احتمال الانطباق منشأ لمحركية الإرادة المتعلقة بالمطلوب لاخذ تلك الأحجار كما في صورة القطع بالانطباق ، غير أنه في صورة القطع بالانطباق تكون محركية الإرادة نحو ما يقطع بانطباقه عليه جزميا وفى صورة احتمال الانطباق تكون محركيتها نحو ما يحتمل الانطباق عليه رجائيا كما في كلية موارد العلم الاجمالي فلا تكون إرادات متعددة متعلقة بأخذ الأحجار كي يبقى المجال للبحث عن كونها نفسية أم طريقية لأجل غرض حفظ المطلوب وتحصيله بل لا يكون في البين الا إرادة واحدة متعلقة بما هو المطلوب غير أنه في مقام المحركية يتعدد محركيتها حسب تعدد المحتملات ( على أنه ) لو سلم تعدد الإرادة فإنما يتصور ذلك بالنسبة إلى الجاهل بالواقع ، لا بالنسبة إلى العالم به إذ يستحيل تمشى الإرادة الحقيقية منه بالنسبة إلى غير المطلوب ( والمقام من هذا القيل ) لإحاطة الشارع وعلمه بالواقعيات وتميز الامارات المطابقة للواقع عن غيرها عنده ( لا يقال ) انه كذلك بالنسبة إلى ما يتعلق بفعل نفس العالم بالواقع والا فبالنسبة إلى ما يتعلق بفعل الغير ( فلا محذور ) فيه بعد فرض اشتباه الامر عليه ، فإنه لا محيص للامر من إرادة جميع المحتملات مقدمة لحصول مرامه الذي هو في مورد الامارات المطابقة إذ لولا ذلك لفات غرضه لاتكال المأمور على حكم العقل بالبرائة « فإنه يقال » ان أريد بذلك مقدمية المجموع لحصول المراد وانه بذلك تتوجه إرادة غيرية نحوها ففساده واضح « ضرورة » ان المقدمية تحتاج إلى الترتب والعلية بينها وبين ذيها ولا ترتب في البين بينهما ، حيث إن كل واحد من المحتملات يدور امره بين كونه نفس الواقع وبين كونه أمرا أجنبيا عنه « نعم » لما لم يكن الواقع خارجا عنها صار هذه الجهة منشأ للتلازم بين حصول المجموع وحصول ما هو المطلوب « ولكن » مثله هذا التلازم الاتفاقي أيضا لا يقتضى مطلوبية المجموع لعدم اقتضاء مطلوبية الشيء مطلوبية لازمه ( وان أريد ) مقدمية نفس الإرادة المتعلقة بالمجموع لتحقق المرام ، بتقريب انه لولا التوسعة في الإرادة بنحو تشمل المجموع لم يتمكن الامر من تحصيل غرضه فلابد له من التوسعة في ارادته ليحصل للمكلف الداعي إلى الاتيان بالجميع فيحصل مطلوبه ضمنا فهو

٧٧

في غاية المتانة الا انه مبني على كفاية مجرد المصلحة في نفس الامر والإرادة في الامر بالشيء وهو في محل المنع كما حققناه في محله « لأنه » مضافا إلى كونه خلاف الوجدان لقضاء الضرورة بعدم تعلق الإرادة بل ولا الميل والمحبة بما لا يكون فيه الصلاح مندفع بالبرهان « إذ المصلحة » المزبورة باعتبار قيامها بالإرادة تكون لا محالة في مرتبة متأخرة عن الإرادة فيستحيل صيرورتها من مقتضيات الإرادة ومن علل وجودها فان ما هو من مقتضيات الشيء لابد وأن يكون في رتبة سابقه على الشيء « ولا يقال » ان ذلك يتم إذا كان ماله الدخل في الإرادة هي المصلحة بوجودها الخارجي دون اللحاظي والا فلا يرد الاشكال ، إذ من الممكن تصور المصلحة القائمة بالإرادة ولحاظها قبل الإرادة لتحققها « فإنه يقال » ان ماله الدخل في الإرادة وان كان هي المصلحة بوجودها اللحاظي دون الخارجي ، الا ان المصلحة الملحوظة في المقام لما كانت خارجية بنحو ترى في هذا اللحاظ عين الخارج فلا محالة ترى المصلحة في هذا النظر قائمة بالإرادة وفى مرتبة متأخرة عنها ، ومع لحاظها كذلك يستحيل صيرورتها من مقتضيات نفس الإرادة ، فيستحيل مقدمية الإرادة المزبورة لحصول المطلوب « وتوهم » جريان هذه الشبهة في فرض قيام المصلحة في المتعلق أيضا نظرا إلى تأخرها وجودا عن المتعلق المتأخر عن الإرادة ، « مدفوع » بان المتعلق وان كان بوده الخارجي معلولا للإرادة الا انه في مقام معروضيته لها يكون في رتبة سابقة عليها وفي هذه المرحلة لما لوحظ بالنظر التصوري عين الخارج يرى في هذا النظر متصفا بالمصلحة قبل الإرادة ، وبذلك يصير مورد تعلق الإرادة والكراهة « وهذا » بخلاف المقام فان المصلحة في مقام لحاظها خارجية لما لوحظت قائمة بالإرادة ترى في هذا اللحاظ في مرتبة متأخرة عن الإرادة فيستحيل صيرورتها من مقتضيات تلك الإرادة ومن علل وجودها كما هو واضح اللهم الا ان يريد قيام المصلحة بنفس انشاء هذه الايجابات فان ذلك امر متصور.

والتحقيق في رفع هذه الشبهة ان يقال ان التكاليف الطرقية وان لم تكن في صورة المخالفة للواقع الا ايجابات صورية خالية عن الإرادة « ولكنها » في فرض المصادقة للواقع لما كانت كاشفة عن اهتمام المولى بحفظ غرضه بحد لم يرضى بفوته حتى في ظرف الجهل به وتصدى لحفظه بانشاء خطاب آخر ظاهري ( فلا محالة )

٧٨

يحصل للمكلف من نفس هذه الخطابات القطع بالاهتمام بالتكليف المحتمل بنحو لا يرضى بتركه حتى في ظرف الجهل به وبذلك يخرج المورد عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب ويندرج في موضوع حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل كما في حكمه بوجوب النظر في المعجزة فيكون شأن الأوامر الطريقية احداث القطع بالاهتمام بالتكليف المحتمل من غير فرق في ذلك بين ما كان بلسان تتميم الكشف والامر بالغاء احتمال الخلاف وبين ما لم يكن بهذا اللسان كأوامر الاحتياط ودليل حرمة النقض « ولنا بيان آخر » في جواب الشبهة المزبورة ، وحاصله ان شأن الأوامر الطريقية لما كان هو ابراز الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها كما أسلفناه كان التكليف المحتمل على تقدير وجوده مما قام عليه البيان فيخرج بذلك عن اللابيان الذي هو موضوع القبح وبذلك يفترق المقام عن الشبهات البدوية الجارية فيها البراءة لان موضوع البراءة انما هو الا بيان على التكليف في فرض الوجود ، إذ في ظرف عدم التكليف يكون عدم العقوبة مستند إلى عدم المقتضى لا إلى وجود المانع أعني عدم البيان بنحو لو أريد تشكيل القضية تشكل بنحو القضية الشرطية المتضمنة لشرطية أخرى بجعل الشرط في الشرطية الأولى محققا للشرطية الثانية فيقال ان التكليف المحتمل ان كان ثابتا في الواقع فان لم يقم عليه البيان تقبح المؤاخذة عليه وان تم عليه البيان جازت المؤاخذة عليه « ولا ريب » في صدق هذا المعنى في الشبهات البدوية « لأنه » في فرض الوجود يصدق بأنه مما لم يقم عليه بيان واصل من المولى بخلاف المقام فإنه بعد مبرزية الأوامر الطريقية عن الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها يصدق على التكليف المحتمل في مورد الامارة بأنه على فرض الوجود كان مما قام عليه البيان « وعلى ذلك » فشأن الأوامر الطريقية في الحقيقة انما هو رفع موضوع حكم العقل بالقبح ، فإنها في فرض عدم المصادفة وان كانت الزامات صورية ( الا ) انها في فرض المصادفة للواقع تكون بيانا على التكليف المحتمل وجوده في البين « وعليه » يندفع الاشكال المزبور في منجزية أوامر الطرق بما بيناه من صلاحية تلك الأوامر على تقدير المصادفة للبيانية والرافعية لموضوع القبح ( واما ) توهم اقتضاء مثل هذا البيان لسد باب البراءة حتى في الشبهات البدوية نظرا إلى دعوى وجود القطع بالتكليف الفعلي على تقدير مصادفة الاحتمال للواقع ( فمدفوع ) بأنه في

٧٩

الشبهة البدوية لما كان وجود القطع معلقا على فرض وجود التكليف المجهول فلم يتحقق بيان فعلى في البين وهذا بخلاف الامارة فإنها لم تكن في أصل وجودها منوطة على وجود الواقع ولا في بيانيتها وانما تقصر عن البيانية من جهة عدم وجود واقع في البين حتى تكشف وتحكى عنه ( هذا كله ) فيما يتعلق بالمقام الأول ولقد عرفت امكان جعل الطرق غير العلمية على خلاف الواقعيات على الطريقة والموضوعية في حال الانفتاح والانسداد.

« واما المقام الثاني فالكلام » في وقوعه ( وقبل الخوض ) في المرام ينبغي تأسيس ما هو الأصل في المسألة عند الشك في حجية شيء وعدم الظفر بالدليل على حجيته والتعبد به ( فنقول ) وعليه التكلان لا شبهة في أن جواز البناء على مؤدى الطريق بمعنى التعبد به واسناده إليه سبحانه وجواز الحكم على طبقه والاخبار به ونحو ذلك غير مرتبط بجهة المنجزية والحجية وهو كون الشيء بحيث يصح به المؤاخذة والاحتجاج وذلك لوضوح امكان التفكيك بين المنجزية وبين جواز التعبد به والاسناد إليه سبحانه كما في احتمال التكليف قبل الفحص وكذلك الظن في حال الانسداد بناء على الحكومة ( نعم ) بناء على مسلك تتميم الكشف في الطرق يكون جواز التعبد من لوازم منجزيتها إذ مرجع الامر بتتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف إلى ترتيب تلك اللوازم من جواز التعبد به ونسبته إليه سبحانه وجواز الحكم والافتاء على طبقه والاخبار على وفق المؤدي بأنه الواقع ، بخلاف بقية المسالك حيث لا تلازم بين الامرين لامكان التفكيك بينهما ولذا لو شككنا في جواز التعبد به ولو مع القطع بأصل الحجية تجري أصالة عدم جواز التعبد ( ولعل نظر الشيخ قدس‌سره ) في تأسس الأصل في جواز التعبد بالمؤدى والاسناد إليه سبحانه إلى كفاية حيث تتميم الكشف في جواز التعبد بالمؤدي والاسناد إليه تعالى ككفايته في المنجزية على ما عرفت من الملازمة بين الامرين على هذا المسلك كما أن نظر المحقق الخراساني قدس‌سره في تأسيس الأصل في جهة المنجزية والحجية إلى ما اختاره في الامارات من جعل الحجية التي هي غير مرتبطة بحيث جواز التعبد به وعليه لا مجال للاشكال عليه بما أفيد لأنه راجع إلى الاشكال على أصل المبنى لا على بنائه والا فهو أوضح من أن يخفى كيف وقد عرفت ان مجرد المنجزية غير ملازم لجواز التعبد كما في ايجاب الاحتياط

٨٠