نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

في تشخيص الميسور خصوصا في الشرعيات إلا إلى السنخية الصورية ( واما الأول ) فلانه لا طريق إلى احراز كون نظر دليل القاعدة إلى الميسور في مقام الوفاء بالغرض « نعم » من حكم الشارع بعدم السقوط يستفاد وفاء الميسور بمقدار من الغرض القائم بالمجموع ، لا انه مأخوذ في نفس الميسور الذي هو الموضوع في القضية وبين الامرين فرق واضح « وعليه » فلا يكون موضوع القاعدة إلا الميسور بحسب الصورة الذي يراه العرف بلا كونه طريقا إلى الميسور المعنوي بحسب الوفاء بالغرض وعليه فلا يكون لموارد قيام الدليل على خلاف القاعدة مساس بباب التخطئة لانظار العرف في فهم مصداق الموضوع ، بل يكون ذلك مخصصا لها محضا « وعليه » يشكل التمسك بعموم القاعدة في أبواب العبادات في غير مورد عمل الأصحاب بها ، حيث إن كثرة ورود التخصيص عليها أوجبت وهنا في عمومها بنحو يحتاج في العمل بها إلى عمل الأصحاب « نعم » على المسلك الآخر الراجع موارد قيام الدليل فيها على خلاف القاعدة اخراجا أو ادخالا إلى تخطئة العرف في تشخيص مصداق الميسور ، يمكن ان يقال بعدم اضرار كثرة موارد الردع بالأخذ بما يراه العرف كونه ميسور الشيء لاستكشاف كونه هو الميسور منه في مقام الوفاء بمعظم الغرض ( لان ) مقتضى الاطلاق المقامي حينئذ هو ايكال الشارع فهم الميسور من كل شيء إلى أنظار العرف بجعل ما يرونه ميسور الشيء في الصورة طريقا إلى الميسور منه معنى في مقام الوفاء بالغرض ، ولازمه هو الاخذ بما يراه العرف كونه ميسور الشيء إلا في الموارد التي ثبت الردع فيها ببيان الشارع ( ثم الظاهر ) انه لا فرق في جريان هذه القاعدة بين ان يكون المتعذر من الاجزاء أو الشرائط فمع صدق الميسور عرفا على الفاقد للشرط المتعذر تجرى القاعدة المزبورة ولا وجه لتخصيصها بما إذا كان المتعذر خصوص الجزء.

( بقى الشيء ) وهو انه إذا كان للمركب بدل اضطراري كالوضوء والغسل وتعذر بعض اجزائه ، ففي وجوب الاتيان بالناقص أو الانتقال إلى البدل أو التخيير بينهما ( وجوه ) من أن الانتهاء إلى البدل انما هو في صورة عدم التمكن من المبدل وقاعدة الميسور بجريانها تقتضي التمكن من المبدل فلا ينتقل إلى البدل ، ومن

٤٦١

ان البدل يكون وجودا تنزيليا للمبدل ومع التمكن من الاتيان به ينتفى موضوع القاعدة لان جريانها انما يكون في ظرف تعذر الواجب المنتفي بالتمكن من البدل ، ومن أن كلا من الميسور والبدل وجود تنزيلي للواجب ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فيتخير ( ولكن ) الوجه الأول بعيد غايته ، فإنه بعد ما لم يكن مفاد القاعدة هو تنزيل الباقي منزلة الكل والمركب وانما مفاده انشاء أو اخبارا هو عدم سقوط ما ثبت في العهدة من التكليف المتعلق بالاجزاء الباقية ، يتوقف تقديمها على البدل الاضطراري على كون نظر دليل البدلية إلى صورة تعذر المبدل بجميع مراتبه ( وإلا ) فعلى ما هو الظاهر منه من كون نظره إلى صورة تعذر مبدله ولو بمرتبة الكاملة منه ، فلا مجال في الفرض لتقديم القاعدة عليه ( وكذلك الوجه الثاني ) فبعده أيضا انما هو لعدم اطلاق لدليل البدلية يقتضي قيامه مقام المبدل في الوفاء بجميع مراتب مصلحته ، لان غاية ما يقتضيه انما هو قيامه في الوفاء ببعض مراتب مصلحته ، لا بتمامها ، فيتعين الوجه الأخير وهو التخيير بين الاتيان بالمبدل ناقصا ، وبين الاتيان ببدله الاضطراري.

( فرعان ) الأول إذا دار الامر بين سقوط الجزء أو الشرط لتعذر الجمع بينهما في الامتثال ، ففي وجوب صرف القدرة إلى الجزء أو إلى الشرط ، أو التخيير بينهما مطلقا أو في صورة عدم احراز مزية لأحدهما ملاكا ( وجوه ) أقواها الأخير كما هو الشأن في كلية المتزاحمين ( الثاني ) لو دار الامر بين كون الشيء شرطا أو مانعا ، أو كونه جزء أو زيادة مبطلة كالجهر بالقراءة يوم الجمعة أو الجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين ، وكتدارك الحمد عند الشك فيه بعد الدخول في السورة ( وحكمه ) قد تقدم سابقا من كونه هو الاحتياط ، لا التخير كما توهم ، لمكان العلم الاجمالي بين المتبائنين من وجوب إحدى الصلاتين عليه اما بدون المشكوك فيه أو معه ، هذا تمام الكلام في الجزء والشرط.

خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصول

والكلام فيها يقع تارة في الاحتياط ، وأخرى في البراءة ( اما الاحتياط ) فالظاهر أنه لا يعتبر في العمل به أزيد من تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف ، ويكفي

٤٦٢

في حسنه مجرد احراز الواقع المشكوك فيه ولو كان على خلافه دليل اجتهادي ، غايته انه مع وجوده لا يجب الاحتياط ، لا انه لا يجوز معه الاحتياط ( فان ) مرجع الامر بالغاء احتمال خلاف الامارة انما هو الغائه في مقام التعبد به عملا ، لا في مقام تحصيل الواقع رجاءا ، فيجوز للمكلف حينئذ ان يعمل أولاً بما يقتضيه الاحتياط ثم العمل بما تقتضيه الحجة كما يجوز له العكس ولو أن ذلك مستلزما لتكرار العمل خارجا ، كما لو قامت الامارة المعتبرة على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة في عصر الغيبة واحتمل كون الواجب في عصر الغيبة هو خصوص الظهر ( وتوهم ) لزوم العمل حينئذ أولاً بما تقتضيه الحجة ، ثم العمل بما يقتضيه الاحتياط ، بخيال ان في صورة العكس الغاء للتعبد بالامارة عملا ، لأنه عين الاعتناء باحتمال مخالفة الامارة للواقع ( مدفوع ) بما عرفت من أن غاية ما تقتضيه حجية الامارة انما هو وجوب العمل على طبق مفادها الذي هو وجوب صلاة الجمعة ، واما عدم جواز فعل ما يخالف مفادها لأجل رعاية احراز الواقع فلا يقتضيه دليل الامارة ، وإلا لاقتضى عدم جواز رعاية جانب الاحتياط حتى بعد العمل بما تقتضيه الامارة ( وبالجملة ) يكفي في العمل بالاحتياط مجرد تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف ولا يعتبر فيه شيء سوى ذلك ، فمتى تحقق موضوعه يحكم العقل بحسنه ولو كان مستلزما للتكرار وكان المكلف متمكنا من إزالة الشبهة بالفحص ، وهذا في التوصليات مما لا خلاف فيه ولا اشكال ( واما في العبادات ) فقد أشكل جريانه فيها قبل الفحص عن الأدلة لوجهين ( أحدهما ) من جهة استلزامه للاخلال بقصد الوجه والتمييز المعتبر في صحة العبادة ( فان ) المشهور على ما حكى على المنع عن جريان الاحتياط في العبادات مع التمكن من إزالة الشبهة بالرجوع إلى الأدلة المثبتة لوجه الفعل ، وعلى ذلك أيضا بنوا على بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد مع التمكن من أحدهما وجعلوا الاحتياط فيها على خلاف الاحتياط ( وثانيهما ) من جهة اخلاله بالجزم بالنية المعتبرة في تحقق الإطاعة عقلا حال الاتيان بالعبادة ( بتقريب ) ان للامتثال مراتب أربعة ، الأولى الامتثال التفصيلي ، الثانية الامتثال الاجمالي ، الثالثة الامتثال الظني ، الرابعة الامتثال الاحتمالي ، وانه لابد بحكم العقل في الانتقال إلى المرتبة اللاحقة من كونه في صورة تعذر المرتبة السابقة

٤٦٣

لها ، وبدونه لا تتحقق حقيقة الإطاعة عقلا ( لان ) حقيقة الإطاعة هي المطاوعة الراجعة إلى كون إرادة العبد تبعا لإرادة المولى بنحو ينبعث عن بعثه ويتحرك بتحريكه ، وهذا المعنى يتوقف على علم المأمور بأمر الامر وبعثه نحو المأمور به ، وبدونه لا يكاد انبعاثه عن امره وبعثه حقيقة فلا يتحقق حقيقة الإطاعة والامتثال ، ولازمه هو عدم جواز الانتقال من المرتبة الأولى إلى المراتب اللاحقة إلا في صورة تعذر المرتبة السابقة وعدم التمكن من الامتثال التفصيلي الذي هو حقيقة الإطاعة ( فان ) الانبعاث عن الامر المحتمل وان كان مرتبة من العبودية ونحوا من الطاعة عند العرف والعقلاء ( ولكنه ) بعد ما لا يكون ذلك انبعاثا حقيقة يحتاج أصل حسنه بحكم العقل إلى كونه في صورة عدم التمكن من الانبعاث عن البعث الجزمي ، وحيث * ان الامتثال في جميع موارد الاحتياط حتى الموارد المقرونة بالعلم الاجمالي يكون احتماليا ، باعتبار عدم العمل بتعلق البعث بالعمل المأتي به حال صدوره من العامل ، فلا محالة يتوقف حسنه العقلي على عدم التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي بإزالة الشبهة بالفحص عن الواقع ، وبذلك يختص أصل حسنه بما بعد الفحص عن الأدلة وعدم الظفر بما يوجب إزالة الشبهة عن الواقع ، هذا * ولكن الانصاف * انه لا وقع لهذا الاشكال بشيء من الوجهين المزبورين ( اما الوجه الأول ) فلما فيه من منع اعتبار شيء من قصد الوجه والتمييز أو قصد الجهة التي اقتضت وجوب الإعادة أو استحبابها في صحة العبادة وفى التقرب المعتبر فيها « فان » اعتبار هذه الأمور في العبادة اما ان يكون لأجل توقف صدق الإطاعة عليه عقلا ، أو يكون ذلك لقيام دليل خاص عليه * وهما ممنوعان * اما الأول فلوضوح صدق الإطاعة والامتثال عقلا وعرفا باتيان المأمور به بقصد الامر الواقعي وان لم يعلم بوجوبه أو استحبابه ( واما الثاني ) فلا سبيل إلى دعواه لخلو الأدلة عما يدل على اعتبار شيء من ذلك في العبادة ، ولا أقل من الشك في ذلك فتجري فيه البراءة كالشك في أصل التعبدية والتوصلية ، كما تقدم بيانه في أول الكتاب وفى مبحث التعبدية والتوصلية ، بل وعلى فرض القول بالاشتغال العقلي في نحو هذه القيود باعتبار رجوع الشك فيها بعد عدم كونها من القيود الممكن اخذها في المأمور به إلى الشك في الخروج بدونها عن عهدة امتثال الامر المتعلق

٤٦٤

بالعبادة ، يمكن التمسك في نفى اعتبارها في الغرض بالاطلاقات المقامية * فان * مقتضى الاطلاق المقامي هو عدم اعتبار ما يشك في دخله في الغرض من نحو هذه القيود الخفية المغفول عنها غالبا ، بل ويمكن التمسك في نفى اعتبارها بالاطلاق اللفظي أيضا بما بيناه في مبحث التعبدي والتوصلي وحققناه أيضا في أول الكتاب في مبحث العلم الاجمالي فراجع هناك ( واما الوجه الثاني ) ففيه منع اعتبار خصوص الانبعاث عن الامر الجزمي التفصيلي في تحقق العبودية وصدق الإطاعة الحقيقية بل القدر المعتبر في تحقق القرب والطاعة عقلا انما هو مطلق الانبعاث عن امر المولى جزميا كان أو رجائيا ، ففي الأخير أيضا تتحقق حقيقة القرب والطاعة لان مرجعه إلى جعل امره المحتمل داعيا له حقيقة لان يتحرك من قبله ، غير أن تحريكه يكون بواسطة احتماله ، فكل من الجزم بالامر واحتماله حينئذ يكون واسطة في محركية الامر. والتحريك والانبعاث في الصورتين يكون من قبل امر الشارع ( وان شئت ) قلت إن شرط محركية الامر هو التفات المأمور إليه اما جزما أو احتمالا وبكل منهما يتحقق محركية الامر وباعثيته على الاتيان بالعمل وبذلك تتحقق حقيقة القرب والطاعة عقلا ويصدق الامتثال عرفا ( وحينئذ ) فحصر صدق حقيقة الانبعاث والطاعة بصورة الجزم بالامر بالعمل حال صدوره من العامل لا يكون إلا مصادرة محضة ، مضافا إلى ما يلزمه من عدم صحة الامتثال والإطاعة الاحتمالية مطلقا ولو في ظرف عدم التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي لعدم كون مثله إطاعة وانبعاثا حقيقة ، وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ( فتلخص ) ان المعتبر عقلا في حقيقة القرب والطاعة هو مطلق الانبعاث عن امر المولى جزميا أو احتماليا ، وانه كما يصدق الامتثال ويتحقق حقيقة الطاعة في صورة كون الانبعاث عن الامر بواسطة الجزم به ، كذلك تتحقق في صورة كون الانبعاث عنه بواسطة احتماله ، هذا ( ولا أقل ) من الشك في ذلك فتجري فيه البراءة على نحو جريانها في الشك في دخل قصد الوجه والتمييز ، وفى أصل اعتبار القرب عند الشك في التعبدية والتوصلية ( واما توهم ) ان المرجع حينئذ يكون هو الاشتغال لا البراءة باعتبار كون الترديد في المقام بين التعيين والتخيير لاحتمال تعين خصوص الامتثال التفصيلي مع التمكن منه في تحقق القرب والطاعة ، لا بين الأقل

٤٦٥

والأكثر كما في الشك في اعتبار قصد الوجه والتمييز ، إذ لا جامع بين الامتثال التفصيلي والاحتمالي حتى يندرج بذلك في الأقل والأكثر ، فلابد من اجراء حكم المتبائنين في المقام من وجوب الاحتياط والاخذ بالتعيين « فمدفوع » بان الجامع والقدر المشترك بينهما هو مطلق القرب والطاعة الجامع بين الامتثالين ، فيندرج بذلك في الأقل والأكثر حيث يكون المتيقن اعتباره هو مطلق القرب والطاعة الجامع بين نحوي الامتثال الجزمي والاحتمالي كما في كلية التشكيكيات وكان الشك في اعتبار مرتبة زائدة ، كيف ولازم المنع عن وجود الجامع بينهما هو المنع عن أصل كون الامتثال الاحتمالي من مراتب القرب والطاعة وذلك كما ترى ، فإنه مضافا إلى كونه خلاف ما يقتضيه الوجدان وما عليه سيرة العرف والعقلاء في مقام الطاعة والعبودية ، مناف لما صرح به القائل المزبور من جعل الامتثال الاحتمالي مرتبة من مراتب القرب والطاعة ( فان ) لازم ذلك هو الالتزام بوجود القدر المشترك بين الامتثال الجزمي والاحتمالي ولازمه المصير إلى اندراجه في الأقل والأكثر لا في التعيين والتخيير ( فتلخص ) ان التحقيق هو جواز العمل بالاحتياط عند تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف في العبادات وغيرها ولو مع التمكن من الامتثال التفصيلي بإزالة الشبهة ( من غير ) فرق بين كون الشبهة موضوعية أو حكمية ، ولا بين كونها بدوية أو مقرونة بالعلم الاجمالي ، ولا بين الالزامية وغيرها ، ولا بين صورة استلزامه لتكرار العمل خارجا وبين عدم استلزامه لذلك ( فإنه ) في جميع تلك الصور يجوز للمكلف العمل بما يقتضيه الاحتياط وترك الامتثال التفصيلي ولو مع التمكن منه بإزالة الشبهة بالفحص.

( فرعان ) الأول لو اشتبه ثوبه الطاهر بثوب آخر نجس ولم يتمكن من تطهير أحدهما والصلاة فيه اما لفقد الماء أو لضيق الوقت أو غير ذلك ، فعلى ما اختبرناه من عدم اعتبار الامتثال التفصيلي مع التمكن منه في صحة التقرب بالعبادة ، لا اشكال في لزوم الصلاة في الثوبين مكررا ( واما ) على القول باعتبار الامتثال التفصيلي ، ففي تقديم الامتثال التفصيلي على شرطية الستر ولزوم الاتيان بصلاة واحدة عاريا كما عن محكى الحلي قده ، أو تقديم شرطية الستر ولزوم الاتيان بصلوتين في ثوبين أو التخيير بينهما ، وجوه ( ولكن ) الحري ان يقال

٤٦٦

ان ثبوت شرطية الستر في الصلاة ، تارة يكون بدليل لفظي له اطلاق يقتضى اعتباره فيها مطلقا حتى في حال اشتباهه بالنجس ، وأخرى يكون بدليل لي لا يكون له فيها هذا الاطلاق من اجماع ونحوه ( فعلى الثاني ) يلزم الاتيان بالصلاة عاريا للشك في شرطية الستر حينئذ للصلاة ( لان ) القدر المتيقن من الشرطية حينئذ انما هو في ظرف عدم اشتباهه بالنجس واما في ظرف اشتباهه به فيشك في أصل اعتباره ، فتجري فيه البراءة ، ولازمه كما ذهب إليه الحلي قدس‌سره هو وجوب الصلاة عاريا « واما على الأول » فاللازم هو تكرار الصلاة في الثوبين ، ولا يزاحمه حينئذ قضية شرطية الامتثال التفصيلي لان الشرطية على القول به انما هو في صورة التمكن من ذلك ، وبعد اقتضاء اطلاق دليل شرطية الستر وجوب تحصيله يصير المكلف غير متمكن من الامتثال التفصيلي ، ومع عدم تمكنه منه بمقتضى اطلاق دليل شرطية الستر تسقط شرطية الامتثال التفصيلي ( ولكن ) حيث إن الدليل على شرطية الستر هو ظواهر الأدلة ، فالتحقيق هو سقوط الامتثال التفصيلي ولزوم حفظ شرطية الستر بتكرار الصلاة في الثوبين ( وقد يقال ) بلزوم تقديم شرطية الستر على شرطية الامتثال التفصيلي بوجه آخر غير ما ذكرنا وهو لزوم الدور في فرض العكس « بتقريب » ان ثبوت اعتبار الامتثال التفصيلي حينئذ يتوقف على التمكن منه وهو يتوقف على سقوط شرطية الستر وسقوطه يتوقف على ثبوت اعتبار الامتثال التفصيلي فيدور « ولكن » فيه نظر فإنه يمكن تقريب الدور في طرف العكس ، بدعوى ان سقوط الامتثال التفصيلي حينئذ يتوقف على بقاء شرطية الستر في هذا الحال وبقائه على الشرطية يتوقف على سقوط اعتبار الامتثال التفصيلي فيدور « ولا محيص » في أمثال المقام من أن يقال انه من باب التزاحم وملازمة وجود كل واحد مع عدم الآخر فيكون الدور من الطرفين معيا ولا يضر مثله « ومعه » لا يبقى مجال دعوى سقوط اعتبار الامتثال التفصيلي بمثل البيان المزبور « وحينئذ » فالأولى في وجه سقوط اعتبار الامتثال التفصيلي هو ما ذكرناه فتدبر.

( الثاني ) انه لو عرض في أثناء الصلاة ما يوجب الترديد واتمام العبادة بداعي احتمال الامر ، فتارة يكون ذلك من جهة طرو ما يحتمل المانعية أو القاطعية

٤٦٧

وأخرى من غير تلك الجهة « فعلى الأول » فان قلنا بعدم جريان استصحاب الصحة في الاجزاء المأتى بها عند طرو ما يحتمل المانعية كما هو مختار الشيخ قدس‌سره ، وعدم جريان استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية عند طرو ما يحتمل القاطعية كما اختاره بعض الاعلام حسب ما تقدم منه من ارجاع القاطع إلى المانع وجعله إياهما على نمط واحد ، فلا اشكال في أن لازمه بناء على اعتبار الامتثال التفصيلي هو وجوب القطع واستيناف الصلاة عن داعي الامر الجزمي ، حيث لا يزاحمه حينئذ دليل حرمة الابطال بناء على شموله لمطلق ابطال العبادة لان الشبهة حينئذ تكون مصداقية لاحتمال انبطال الصلاة بطرو ما يحتمل المانعية أو القاطعية « واما ان قلنا » بجريان استصحاب الصحة عند ما يحتمل المانعية واستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية بطرو ما يحتمل القاطعية كما هو المختار على ما تقدم بيانه ، فعلى القول باعتبار الامتثال التفصيلي ، ففي تقديم جانب حرمة الابطال ووجوب اتمام الصلاة بداعي احتمال الامر ( أو تقديم ) اعتبار الامتثال التفصيلي ووجوب قطع الصلاة واستينافها بداعي الامر الجزمي نظرا إلى التمكن من ذلك باستيناف العمل بعد قطعه « أو التخيير » بين القطع والاستيناف وبين اتمامه بداعي احتمال الامر الواقعي ، « وجوه وأقوال » « ولكن الأظهر » هو الوجه الأخير ، نظرا إلى كونه من باب المزاحمة بين حرمة الابطال المقتضي لوجوب الاتمام ، وبين اعتبار الامتثال التفصيلي المقتضي لوجوب القطع والاستيناف « فإنه » بعد عدم قدرة المكلف على الجمع بين التكليفين في الامتثال وعدم احراز الأهمية في أحدهما يكون الحكم فيه هو التخيير كما في كلية المتزاحمين « هذا إذا كان » الترديد في الأثناء من جهة طرو ما يحتمل المانعية أو القاطعية « واما لو كان ذلك » من غير تلك الجهة بحيث يقطع بصحة العبادة من غير ناحية قصد الامتثال التفصيلي ، كما لو عر ض الشك في فعل من أفعال الصلاة كالتشهد مثلا في الأثناء وتردد بين كون شكه فيه قبل تجاوز المحل حتى يجب عليه فعل المشكوك فيه أو بعده حتى يجب عليه المضي في الصلاة ، حيث إن هذه الصلاة حالها كحال قبل عروض الشك في كونها مما يقطع بصحتها ، الا ان عروض الترديد فيها كان من جهة قصد الامتثال التفصيلي « وبالجملة » ففي هذا الفرض أيضا تجري الوجوه الثلاثة المتقدمة ، والتحقيق

٤٦٨

فيه أيضا هو التخيير ، إذ بعد القطع بصحة الصلاة وجريان حرمة الابطال تقع المزاحمة بين حرمة الابطال واعتبار الامتثال التفصيلي وبعد عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في الامتثال وعدم احراز أهمية أحد التكليفين يحكم العقل فيه بالتخيير ( واما ما توهم ) من المنع عن التخيير في المقام ، بدعوى ان الحكم بالتخيير في المتزاحمين مقصور بالتكاليف الاستقلالية ، واما التكاليف الغيرية فلا تصل النوبة فيها إلى التخيير لامكان الجمع بين القيدين المتزاحمين ولو بتكرار العمل ( فمدفوع ) بمنع القدرة على الجمع بين التكليفين بالنسبة إلى هذا الفرد من الصلاة ( فان ) هذا الفرد كما يكون متعلقا لحرمة الابطال الذي هو تكليف نفسي استقلالي ، كذلك يكون مورد الشرطية الامتثال التفصيلي ، إذ مورده ومحله وان كان هو الطبيعة ، ولكنها بعد أن كانت على نحو العموم والسريان فلا محالة تشمل هذا الفرد أيضا وبعد عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في هذا الفرد يكون الحكم فيه حسب اعترافه هو التخيير ( واما دعوى ) امكان الجمع بين القيدين في المقام بتكرار العمل « ففيه » ما لا يخفى فإنه باتمام هذا العمل يحتمل كونه هو المأمور به واقعا ومع هذا الاحتمال لا يكاد يتصور القدرة على الإطاعة التفصيلية لا بالإعادة ولا بهذا الفرد المأتى به ، ومن هنا اعترف به القائل المزبور فيما ذكره في الجواب عن الوجه الرابع في المسألة الذي مقتضاه هو الجمع بين الوظيفتين ( هذا تمام الكلام في الاحتياط ) وقد عرفت ان المختار فيه هو عدم اعتبار شيء في جريانه سوى تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف.

( واما البراءة ) فظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم في غير الشبهات الموضوعية هو الوفاق على اعتبار الفحص فيها وعدم جريانها إلا بعد استفراغ الوسع في الأدلة واليأس عن الظفر بما يخالفها من الطرق الشرعية ( وتنقيح الكلام في ذلك يقع من جهات « الأولى » في اعتبار الفحص وعدمه « الثانية » في بيان مقداره « الثالثة » في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه « الرابعة » في صحة العمل المأتى به قبل الفحص وعدمه ( اما الجهة الأولى ) فالكلام فيها يقع تارة في البراءة العقلية ، وأخرى في البراءة الشرعية ( اما البراءة العقلية ) فيمكن ان يقال ان مقتضى القاعدة هو اشتراط الفحص فيها ، نظرا إلى دعوى ان اللابيان

٤٦٩

الذي هو موضوع حكم العقل بقبح العقوبة عبارة عن خصوص الشك المستقر الذي لا يكون في معرض الزوال بالفحص عن الأدلة لا انه مطلق الجهل بالواقع ، فمع احتمال زواله بالفحص وتمكنه من الوصول إلى الواقع لا يكاد يحرز الموضوع المزبور ومع عدم احرازه لا يكون للعقل حكم بالقبح ، بل حينئذ يجئ احتمال الضرر والعقوبة فيتبعه حكم العقل بوجوب دفعه « نعم » ليس للعقل حينئذ حكم بحجية الاحتمال ومنجزيته للواقع نظير حكمه بحجة الظن في ظرف الانسداد لدى المشهور حتى يلزمه استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ولو لم يكن له طريق واصل إليه على تقدير فحصه ، وانما يكون ذلك من جهة احتمال الضرر الموضوع لحكمه بوجوب الدفع لعدم احراز موضوع القبح ، ونتيجة ذلك أنه تكون العقوبة على الواقع متفرعة على فرض قيام الطريق الواصل إليه إلى المكلف على تقدير ، فحصه منه ، وعليه فلو ترك الفحص وعمل على خلاف الواقع لا يكون معاقبا على مخالفة الواقع ، بل لو عوقب حينئذ فإنما يكون ذلك على تجريه محضا على القول به ( هذا ) في البراءة العقلية ( واما في البراءة الشرعية ) فمقتضاها هو عدم اشتراطها بالفحص بعكس ما اقتضته القاعدة في البراءة العقلية ، نظرا إلى اطلاق أدلتها الشامل لمطلق الجهل بالواقع ولو قبل الفحص ( وتوهم ) انصراف هذه الأدلة أيضا إلى الشك المستقر الذي لا يكون في معرض الزوال بالفحص عن الأدلة فتوافق موضوعا مع البراءة العقلية في الاختصاص بما بعد الفحص من الأدلة والطرق الشرعية ( مدفوع ) بأنه دعوى بلا شاهد ، بل الشاهد على خلافها وهو تمسك الأصحاب باطلاق مثل دليل الرفع والحجب والحلية لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ، فإنه لولا فهم الاطلاق منها لما كان وجه لتمسكهم بهذه الأدلة لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ( مؤيدا ) ذلك بما في رواية مسعدة بن صدقة من قوله (ع) الأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم بها البينة ( وعلى ذلك ) ينقلب ما أسسناه في البراءة العقلية من اقتضاء القاعدة فيها وجوب الفحص إلى عدمه ، فإنه باطلاق أدلة الترخيصات الشرعية كدليل الحلية وحديث الرفع والحجب يرتفع حكم العقل بوجوب الفحص لأجل احتمال الضرر بارتفاع موضوعه ، لوضوح انه مع جريانها يجزم بعدم الضرر ، فلا يبقى معه حكم للعقل بوجوب الفحص ، كما أنه على ذلك

٤٧٠

يكون عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية على القاعدة ، لا ان ذلك لاجماع تعبدي في البين كما توهم ، فمقتضى القاعدة حينئذ في جميع الشبهات موضوعية أو حكمية هو عدم وجوب الفحص فيها ، فتحتاج في الخروج عن القاعدة في كل من الشبهات الموضوعية والحكمية إلى دليل مخرج من عقل أو نقل ( وبعد ذلك ) نقول انه في الشبهات الموضوعية قام الدليل على الخروج عن القاعدة في الجملة كما في موارد النفوس والاعراض المعلوم كثرة اهتمام فيها وكذا في مسألة النصاب في الزكاة لما ورد فيها من الامر بالتسبيك عند الاشتباه ، بل ومسألة الاستطاعة المالية في الحج عند الشك فيها في وجه قوى وكذا باب الماليات كالدين المردد بين الأقل والأكثر مع ضبطه في دفتر الحساب وتمكنه من الرجوع إليه لمعرفة مقداره فان الظاهر هو بناء الأصحاب على التعدي مما ورد في باب الزكاة إلى مثل هذه الموارد ( واما في الشبهات الحكمية ) فلا اشكال في اعتبار الفحص في جريان البراءة فيها بل ومطلق الأصول النافية للتكليف ( وعمدة الوجه ) في ذلك هو دعوى العلم الاجمالي قبل الاخذ في استعلام المسائل بالفحص بواجبات ومحرمات كثيرة في المسائل المشتبه في مجموع ما بأيدينا من الاخبار المدونة في الكتب المعهودة مع كونها على نحو لو تفحصنا عنها لظفرنا بها ومقتضى هذا العلم الاجمالي هو وجوب الفحص في كل مسألة مسألة وعدم جواز الاخذ بالبرائة في المسائل المشتبه الا بعده ( وقد نوقش فيه ) بكونه أعم من المدعى ( فان المدعي ) انما هو وجوب الفحص في خصوص ما بأيدينا من الكتب المعروفة ، والمعلوم بالاجمال يعم ذلك ، لان متعلق العلم هي الاحكام الثابتة في الشريعة واقعا ، لا خصوص ما بأيدينا ، فلا ينفع الفحص حينئذ مما في أيدينا في جواز الاخذ بالبرائة « ويندفع » ذلك بأنه كما يعلم ذلك كذلك يعلم اجمالا بأحكام كثيرة في خصوص ما بأيدينا من الكتب بمقدار يحتمل انطباق ما في الشريعة عليها فينحل العلم الاجمالي الكبير حينئذ بالعلم الاجمالي الصغير ولازمه هو الاقتصار في الاخذ بالبرائة بالفحص عما بأيدينا من الكتب * وتوهم * منع هذا العلم الاجمالي الخاص وانه ليس لنا الأعلم اجمالي واحد وهو العلم بأحكام كثيرة في الشريعة فيما بأيدينا من الكتب فعلا وغيرها مما لا تكون بأيدينا « يدفعه » قضاء الوجدان بخلافه ، ضرورة حصول هذا العلم الاجمالي الخاص لكل أحد قبل

٤٧١

اخذه في استعلام المسائل بوجود تكاليف كثيرة في الشريعة في خصوص ما بأيدينا من الكتب « كما أن » توهم الزيادة المعلوم بالاجمالي في العلم الاجمالي العام على المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الخاص الموجب لعدم جواز الاخذ بالبرائة بمجرد الفحص مما في أيدينا من الكتب « يدفعه » منع مثل هذا العلم الاجمالي ، فان مجرد عدم وصول كثير من الاخبار المدونة في كتب أصحاب الأئمة عليهم الصلاة والسلام إلينا لمكان ظلم الظالمين لا يقتضى كون مضامينها من التكاليف مغايرة للتكاليف التي تضمنتها الاخبار التي بأيدينا « فان من المحتمل » كون مضامينها بعينها هي مضامين تلك الأخبار المدونة في الكتب التي بأيدينا كما هو غير عزيز أيضا ، حيث يرى بالوجدان والعيان انه يكون حكم واحد مضمونا لاخبار كثيرة تبلغ عشرين أو أزيد * ومع هذا الاحتمال * أين يبقى مجال دعوى زيادة التكليف المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي العام من التكليف المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الخاص حتى يمنع من الانحلال المزبور كما هو ظاهر * وقد نوقش * فيه أيضا بأنه أخص من المدعى ، لان مقتضى العلم الاجمالي انما هو وجوب الفحص عن الأدلة قبل الظفر بها بمقدار المعلوم بالاجمال ولو في جملة من المسائل لا بعده ، والمقصود في المقام انما هو وجوب الفحص مطلقا في كل مسألة وعدم جواز الاخذ بالبرائة الا بعد الفحص عن الأدلة فيها واليأس عن الظفر بها ، وهذا مما لا يفي به التقريب المزبور للعلم الاجمالي قلنا بان العلم التفصيلي المتأخر بمقدار المعلوم بالاجمال الأول موجب لانحلاله أو لم نقل بذلك * وبتقرير آخر * ان كان الظفر بجملة من الاحكام بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها موجبا لانحلال العلم الاجمالي وكون الشك في الباقي شكا في أصل التكليف فلا مقتضى لوجوب الفحص وعدم الرجوع إلى البراءة في الباقي ، وان لم يكن موجبا لذلك فلا يجوز الرجوع إلى البراءة حتى بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل لبقاء العلم الاجمالي على حاله في المؤثرية في تنجيز أطرافه وعدم كون الفحص في محتمل التكليف واليأس عن الظفر على التكليف فيه مخرجا له عن الطرفية للعلم الاجمالي ، مع أن ذلك خلاف المقصود لان المقصود هو جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل على التكليف * ويندفع * ذلك أيضا بأنه يتجه ذلك لو كان متعلق العلم الاجمالي مطلقا ، أو كان مقيدا بالظفر

٤٧٢

به على تقدير الفحص ولكن كل تقريب العلم الاجمالي هو كونه بمقدار من الاحكام على وجه لو تفحص ولو في مقدار من المسائل لظفر به ( واما لو كان ) تقريبه بما ذكرناه من العلم بمقدار من الاحكام في مجموع المسائل المحررة على وجه لو تفحص في كل مسألة تكون مظان وجود محتمله لظفر به ، فلا يرد اشكال ، فإنه على هذا التقريب يترتب عليه النتيجة المزبورة وهي عدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص ولا يجدي في رفع اثر العلم مجرد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال في جملة من المسائل ليكون الشك بدويا في البقية ، كما أنه يترتب عليه جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة بعد الفحص وعدم الظفر فيها بالدليل على التكليف ، فإنه بمقتضى التقييد المزبور يستكشف من عدم الظفر بالدليل فيها عن خروجها عن دائرة المعلوم بالاجمال من أول الامر ( وقد أجاب بعض الأعاظم قده ) عن الاشكال المزبور بوجه آخر وحاصله على ما في التقرير هو ان الانحلال انما يكون في مورد يكون متعلق العلم بنفسه عنوانا مرددا بين الأقل والأكثر ، كما لو علم بان في هذا القطيع من الغنم موطوئة وتردد بين كونها عشرة أو عشرين ( واما لو كان ) متعلقه عنوانا ليس بنفسه مرددا بين الأقل والأكثر من أول الامر ، بل المعلوم بالاجمال هو العنوان بماله في الواقع من الافراد ، وكان التردد بين الأقل والأكثر في مصاديق ذلك العنوان ، كما لو علم بموطوئية البيض من هذا القطيع بماله من الافراد وتردد البيض بين كونها عشرة أو عشرين ( ففي هذه الصورة ) لا ينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه ، بل لابد من الفحص التام عن كل ما يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه ( لان العلم ) أوجب تنجز متعلقه بماله في الواقع من الافراد ( فيجب في المثال ) الاجتناب عن كل ما يحتمل كونه في الواقع من افراد البيض ولا يوجب العلم التفصيلي بموطوئية عدة من البيض يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها انحلال العلم الاجمالي ( وما نحن فيه ) من هذا القبيل ، لان المعلوم بالاجمال في المقام هي الاحكام الموجودة فيما بأيدينا من الكتب وبه قد تنجز جميع الأحكام المثبتة في الكتب ، ولازمه وجوب الفحص من جميع الكتب ولو بعد الظفر بمقدار من الاحكام في بعض المسائل يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها إذ لا ينحل العلم الاجمالي باستعلام جملة من الاحكام بمقدار يحتمل انحصار المعلوم

٤٧٣

بالاجمال فيها ومن هنا لا يجوز الاخذ بالأقل لو علم اشتغال ذمته بالدين لزيد بما في الطومار وتردد ما في الطومار بين الأقل والأكثر ، بل لابد من الفحص عن جميع صفحات الطومار ( وفيه ما لا يخفى ) من الفساد ضرورة عدم اقتضاء مجرد العلم بتعلق التكليف بعنوان في الخطابات الانحلالية تنجزه بالنسبة إلى جميع ما لذلك العنوان في الواقع من الافراد ولو مع عدم احراز ان المشكوك فيه من افراده ومصاديقه ، بل لابد حينئذ في تنجز التكليف بالنسبة إلى كل فرد من احراز انه من افراد ما علم تعلق التكليف به ( والا فبدونه ) تجري فيه البراءة لا محالة ( الا ترى ) انه لو ورد في الخطاب حرمة شرب الماء من كأس زيد وتردد كأسه بين الأقل والأكثر ، أو ورد حرمة اكرام العالم الفاسق وتردد افراده بين الأقل والأكثر ونحو ذلك من الأمثلة في الخطابات الانحلالية في الشبهات الموضوعية أو الحكمية ( فهل تجد ) ان أحدا يلتزم فيه بالاحتياط ، أو ترى ذلك مجرى للبرائة ( وبالجملة ) لا فرق في مرجعية البراءة في فرض انحلالية التكليف وتردده بين الأقل والأكثر بين ان يكون متعلقه عنوانا مرددا بين الأقل والأكثر ، وبين ان يكون عنوانا ليس بنفسه مرددا من الأول بين الأقل والأكثر ، وانما التردد بين ذلك في افراد ذلك العنوان ومصاديقه كما في عنوان العالم الفاسق وعنوان البيض من الغنم في المثال ، فعلى كل تقدير في فرض انحلالية التكليف يكون العلم التفصيلي بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه موجبا لانحلاله وصيرورة الشك في البقية بدويا فلا يجب في المثال المزبور الا الاجتناب عن المقدار الذي يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه ويلزمه في المقام عدم وجوب الفحص في الرجوع إلى البراءة بعد استعلام جملة من الاحكام بمقدار المعلوم بالاجمال لانحلال العلم الاجمالي بالأحكام الموجودة فيما بأيدينا من الكتب بما استعلم تفصيلا وصيرورة الشك في البقية بدويا محضا ، وحينئذ على القول بانحلال العلم الاجمالي السابق بالعلم التفصيلي البعدي يتوجه الاشكال المزبور وينحصر دفعه بما ذكرناه من البيان ( واما ما أفيد ) في مسألة الطومار عند اشتغال الذمة بالدين ، فالوجه فيه لو قلنا بذلك انما هو من جهة دعوى انصراف أدلة البراءة بما إذا كان الجهل بالواقع من جهة القصور في المحل من حيث عدم تهيئة أسباب العلم للمكلف وعدم شموله لما كان الجهل من جهة عدم نظرا لمكلف وفحصه

٤٧٤

باختياره مع حصول أسباب العلم لديه ( هذا مضافا إلى ما يرد عليه من أن لازم بقاء العلم الاجمالي في المقام وعدم انحلاله هو وجوب الفحص التام عليه إلى أن يقطع بالعدم ولا يكفيه الفحص بمقدار يحصل له الاطمينان بالعدم وخروج المورد عن معرضية وجود الحكم ، مع أن المقصود في المقام كفاية ذلك المقدار في جواز الاخذ بالبرائة ( وقد استدل ) لوجوب الفحص بأمور اخر ( منها ) الاجماع القطعي قولا وعملا على عدم جواز الاخذ بالبرائة ومطلق الأصول النافية قبل الفحص واستفراغ الوسع في الأدلة ( ومنها ) الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم كآيتي النفر والسؤال والأخبار الدالة على الحث والترغيب في التفقه والذم على ترك السؤال ، بتقريب انه لولا وجوب الفحص لم يكن وجه لايجاب السؤال والذم على تركه مع كون الشبهة بدوية الجارية فيها عموم كل شيء لك حلال وحديث الرفع والحجب ( ومنها ) الأخبار الدالة على مؤاخذة الجاهل بفعل المعاصي من جهة ترك تفقههم في الدين ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكز ومات قتلوه قتلهم الله الا سئلوا ألا يمموه ( وقوله (ع) ) فيمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء ما كان أسوء حالك لو مت على هذه الحالة ، بتقريب ان الذم على إطالة الجلوس لاستماع الغناء انما هو لعدم تعلمه حرمه الإطالة لاستماع الغناء ( وقوله (ع) ) في تفسير قوله تعالى فلله الحجة البالغة من أنه يقال للعبد يوم القيمة هل علمت فان قيل نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل حيث يدل على وجوب التعلم مقدمة للعمل وعدم جواز الاخذ بالبرائة بمجرد الشك في التكليف قبل استفراغ الوسع في الأدلة فيقيد بها أدلة البراءة ( ولكن يرد ) على الجميع أولاً بعدم صلاحية هذه الأدلة لتقييد أدلة البراءة النقلية في الشبهات البدوية ، لظهورها في الارشاد إلى حكم العقل بلزوم الفحص لأجل استقرار الجهل الموجب لعذره ، فعموم أدلة البراءة حينئذ واردة عليها ( لأنه ) بقيام الترخيص الشرعي على جواز الارتكاب قبل الفحص يرتفع حكم العقل بوجوب الفحص ( نعم ) لو كان مثل هذه الأخبار مسوقا لأعمال التعبد في البين بوجوب الفحص في الشبهات الحكمية البدوية لكان لتقييد أدلة البراءة بمثلها مجال ( ولكنه ) كما ترى بابي سوقها عن إفادة ذلك ، مضافا إلى مكان دعوى اختصاصها بصورة العلم الاجمالي بالحكم فتكون ظاهرة أيضا في الارشاد إلى

٤٧٥

حكم العقل بوجوب الفحص ( وثانيا ) بقصورها عن إفادة تمام المطلوب ، لأنها ظاهرة في الاختصاص بصورة يكون الفحص فيها مؤديا إلى العلم بالواقع ، والمطلوب يعم ذلك وما لم يكن الفحص مؤديا إلى العلم بالواقع ( واما الاجماع ) فلا وثوق به لقوة احتمال كون مدرك المجمعين هو حكم العقل وهذه الأدلة « ومنها » حكم العقل بعدم معذورية الجاهل القادر على الفحص التارك له واستحقاق العقوبة عند تأدية ترك فحصه للوقوع في مخالفة الواقع * وتقريبه * من وجهين * الأول * حكمه بمنجزية احتمال التكليف وبيانيته للواقع قبل الفحص عن الأدلة نظير حكمه بحجية الظن في ظرف الانسداد على الحكومة وحكمه بوجوب النظر في المعجزة لاحتمال صدق مدعى النبوة ( الثاني بما قربناه من كونه لأجل احتمال الضرر الموضوع لحكمه بوجوب دفعه لعدم استقرار الجهل الذي هو الموضوع لحكمه بقبح العقوبة والمعذورية لاحتمال ان يكون في البين طريق موصل إلى التكليف المحتمل وتمكنه من الوصول إليه ( ويرد عليه ) أيضا ما تقدمت الإشارة إليه من ورود اطلاق أدلة البراءة الشرعية المثبتة للترخيص في الارتكاب على الحكم العقلي المزبور بكلا تقريبه.

( الجهة الثانية ) في مقدار الفحص الواجب ، والظاهر أنه ليس له بنحو الكلية حد خاص وقدر معين ، فان المدار فيه انما هو على ما يحصل معه اليأس عن وجود الدليل فما؟ بأيدينا من الكتب بنحو يستقر معه الشك في الواقعة ، ويخرج عن معرضية الزوال على مسلك من اعتبر الفحص من جهة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل أو منجزية نفس احتمال التكليف قبل الفحص ، وتخرج معه الواقعة عن الطرفية للعلم الاجمالي على مسلك من اعتبره لأجل العلم الاجمالي كما قربناه ، ويختلف مقدار ذلك باختلاف الاعصار بل الأشخاص أيضا ، فالواجب على المكلف حينئذ هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لتحصيل الأدلة فيما بأيدينا من الكتب وفى فحاوي كلمات الأصحاب لتحصيل الاجماع ، بل اللازم أيضا الفحص عن أفكارهم في مقام تطبيق القواعد والكبريات على الموارد ، إذ لعله قد خفى عليه شيء وبالفحص عن آرائهم يحصل له رأى آخر على خلاف رأيه الأول ( وعلى كل حال ) لابد في الفحص من بلوغه إلى حد يحصل معه اليأس العادي عن الظفر بالدليل على معنى بلوغه بمقدار

٤٧٦

تقتضي العادة بأنه لو كان في البين دليل على حكم الواقعة لوصل إليه بهذا المقدار من الفحص ولا يعتبر فيه أزيد من ذلك ، ولعل من حدده بالخروج عن مظان الوجود أو بالعسر والحرج يريد به ما ذكرناه ، لملازمة الخروج من مظان الوجود مع اليأس العادي عن وجوده ، وكذلك العسر والحرج ، فان الظاهر هو إرادة النوعي منها لا العسر والحرج الشخصي ، ومثله يلازم اليأس العادي عن وجود الدليل على حكم الواقعة.

( الجهة الثالثة ) في استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه ( والأقوال ) فيه ثلاثة ( أحدها ) ، هو المنسوب إلى المدارك من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم مطلقا صادف عمله الواقع أم خالفه * ثانيها * ، يظهر من الشيخ قده واختاره بعض الأعاظم أيضا من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم لكن لا مطلقا بل عند أدائه إلى مخالفة الواقع * ثالثها ما نسب إلى المشهور من استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع لو اتفق لا على ترك التعلم والفحص ، فمن شرب العصير العنبي من غير فخص عن حكمه يستحق العقوبة ان اتفق كونه حراما في الواقع ، وان لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب الا من حيث تجريه على القول به * ومنشأ * هذا الخلاف هو الخلاف في وجوب التعلم المستفاد من العمومات المتقدمة من نحو قوله هلا تعلمت من حيث كونه وجوبا نفسيا استقلاليا كسائر التكاليف النفسية الاستقلالية الموجبة للعقوبة على مخالفتها ، أو تهيئا انشاء لأجل تهئ المكلف بالفحص وتعلم الاحكام لامتثال الواجبات والمحرمات الثابتة في الشريعة * أو كونه * وجوبا طريقيا كسائر الاحكام الطرقية الثابتة في موارد الأصول والامارات المثبتة الموجبة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها عند مصادفتها للواقع * أو وجوبا * شرطيا من جهة دعوى شرطية الفحص تعبدا لحجية أدلة الاحكام والأصول النافية * أو كونه * وجوبا مقدميا غيريا نظرا إلى دعوى مقدميه الفحص والتعلم للعمل بأدلة الاحكام ( أو كونه ) ارشاديا محضا إلى حكم العقل بلزوم الفحص للفرار عن العقوبة المحتملة اما لأجل العلم الاجمالي ، أو لاستقرار الجهل الموجب لعذره ، أو لحكمة بمنجزية احتمال التكليف قبل الفحص بناء على عدم اطلاق لأدلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك في التكليف ولو قبل الفحص ( ولكن التحقيق ) هو ما عليه المشهور ، لاباء مثل هذه العمومات عن كونها

٤٧٧

مسوقة لأعمال تعبد في البين يقتضى كونه اي التعلم واجبا نفسيا أو شرطيا ، وظهور سوقها في كونها للارشاد إلى ما هو المغروس في الذهن من حكم العقل بلزوم الفحص في الشبهات الحكمية وعدم جواز الاخذ بالبرائة فيها قبل الفحص ، اما بمناط العلم الاجمالي بوجود التكليف في المشتبهات على التقريب المختار ، أو بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل لعدم استقرار الجهل الموجب لعذره مع عدم اطلاق أيضا لأدلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك في التكليف ( كما يشهد ) لذلك أيضا افهام العبد بما قيل له من قول هلا تعلمت وعدم تمكنه من الجواب بعدم علمه بوجوب التعلم ، فإنه لولا سوق مثل هذه الأوامر للارشاد إلى ما يحكم به العقل من وجوب الفحص والتعلم للفرار عن العقوبة المحتملة وعدم معذورية الجاهل مع التقصير في مخالفة التكليف الواقعي ، لكان له ان يجيب بعدم علمه بوجوب الفحص والتعلم كما أجاب بذلك أولاً حين ما قيل له هل عملت ( وحينئذ ) فلا مجال لرفع اليد عن ظهور هذه الأوامر في إرادة الارشاد بحملها على الوجوب النفسي الاستقلالي أو التهئ أو الوجوب الشرطي ( كما لا مجال ) أيضا لحملها على الوجوب الطريقي كما افاده بعض الأعاظم قده ، بل لا يصح ذلك في المقام ( لان الامر الطريقي ) كما ذكرناه غير مرة هو ما يكون بحسب لب الإرادة في فرض الموافقة عين الإرادة الواقعية ويكون موضوعه عين موضوعها بحيث يكون امتثاله والعمل على وفقه عين امتثال الامر الواقعي ، كما يكون ذلك في جميع الأوامر الواردة في موارد الامارات والأصول المثبتة حتى مثل ايجاب الاحتياط ( ومن المعلوم ) بالضرورة انه لا يكون المقام كك ، لوضوح مبائنة الامر بتعلم حكم الصلاة مثلا مع الامر بالصلاة لاختلاف موضوعهما وعدم كون تحصيل العلم بأحكام الصلاة عين فعل الصلاة وامتثال الامر بها ( ومعه ) كيف يمكن توهم كون الامر بتحصيل الفحص والتعلم أمرا طريقيا ( الا ) ان يجعل الامر بالفحص والتعلم كناية عن لازمه الذي هو ايجاب الاحتياط والنهي عن مخالفة التكاليف الواقعية المحتملة ، فيصلح حينئذ للطريقية ، ولكنه عليه يتعين كونه للارشاد محضا ، حيث لا مجال لأعمال المولوية بعد استقلال العقل بوجوبه وحكمه بعدم معذورية الجاهل مع تقصيره في ترك تحصيل الواقع ( نعم ) يتجه ذلك بناء على عدم حكم العقل بلزوم الفحص ، اما من جهة عموم اللابيان لمطلق الجهل بالواقع ، أو من جهة اطلاق أدلة البراءة الشرعية وشمولها لمطلق

٤٧٨

الجهل بالواقع ولو قبل الفحص كما قويناه سابقا مع المنع عن تمامية تقريب العلم الاجمالي المذكور سابقا لوجوب الفحص ( فإنه على هذا المبنى ) يتعين حمل تلك الأوامر على المولوي الطريقي ، لعدم تأتي الارشادية فيها مع جريان البراءة ولو شرعية وحكم العقل بعدم وجوب الاحتياط والفحص ، وبعد كونها مسوقة لأعمال تعبد في المبين يقتضى وجوبه نفسيا لجهة موجبة لحسنه ذاتا أو شرطيا لحجية الأصول النافية ( واما احتمال ) كون الامر بالفحص والتعلم أمرا غيريا ، فيدفعه انتفاء ملاك المقدمية فيه لوضوح انه لا يكون الفحص وتحصيل العلم بالأحكام مما يتوقف عليه فعل الواجبات وترك المحرمات بوجه لامكان الاحتياط مع الشك فيها ( نعم ) في فرض يكون ترك الفحص والتعلم موجبا للغفلة عن صورة العمل في موطن ابتلائه ، أو عن حكمه كما يتصور ذلك بالنسبة إلى كثير من أهل البوادي والسواد الذين لم يتعلموا شرايع الاسلام فغفلوا لأجله عن كثير من الواجبات والمحرمات واحكامها ، أمكن دعوى مقدمية الفحص ووجوبه غيريا بمناط المفوتية ( فإنه بدونه ) لغفلته عن صورة العمل أو عن حكمه لا يقدر على الاخذ بالاحتياط في فعل الواجبات وترك المحرمات فيستقل العقل في مثله بلزوم الفحص وتحصيل العلم وعدم معذورية المكلف في تفويت القدرة باختياره على فعل المأمورية ترك المنهي عنه ( بل وكذا الكلام ) فيما لا يكون ترك الفحص والتعلم موجبا للغفلة عن صورة العمل أو عن حكمه مع كون الواجب من العباديات بناء على القول باعتبار الأمثال التفصيلي فيها ، فإنه على هذا القول تكون القدرة على تحصيل الجزم بالامتثال منوطة بالفحص وتحصيل العلم ويكون تركه موجبا لتفويت القدرة على تحصيل القيد المزبور ( وعليه ) لا وجه لما عن بعض من اطلاق المنع من كون الفحص والتعلم من المقدمات الوجودية وما يتوقف عليه القدرة على فعل المأمور به خصوصا على مختاره من اعتبار الامتثال التفصيلي مهما أمكن في صحة العبادة ( نعم ) مع التمكن من الاحتياط في الواجبات التوصلية وكذا العبادية منها على المختار من عدم اعتبار الامتثال التفصيلي فيها لا مجال لدعوى مقدميه الفحص ووجوبه غيريا ، لاستقلال العقل حينئذ بجواز ترك الفحص والاخذ بالاحتياط في مورد ابتلائه « ولكن » ذلك كله لا ينافي ما ذكرنا من ظهور هذه الأوامر في الارشاد إلى حكم العقل بلزوم الفحص عن الأدلة في مقام الاخذ بالبرائة للفرار عن العقوبة المحتملة بمناط العلم الاجمالي أو بمناط آخر غيره

٤٧٩

كما لا ينافي أيضا ظهورها في الحكم الطريقي ولو باعتبار لازمها الذي هو ايجاب الاحتياط علي المسلك الاخر الذي قدمناه كما هو ظاهر « ونتيجة ذلك كله » على كل من المسلكين في الأوامر المتعلقة بتحصيل الفحص والتعلم من الارشادية أو المولوية الطريقية هو استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواقعي ان اتفق ، لا على ترك الفحص مطلقا ، ولا على تركه المؤدى إلى الوقوع في مخالفة التكليف الواقعي فإذا شرب العصير العنبي قبل الفحص يستحق العقوبة إذا صادف كونه حراما في الواقع وإذا لم يصادف فلا يستحق العقوبة الا من حيث تجربة على القول به ( ولا فرق ) في ذلك بين ان يكون هناك طريق تعبدي على طبق الواقع أو على خلافه بحيث لو تفحص لظفر به ، أو لم يكن في الواقع طريق أصلا ، ( فإنه ) على المختار يكون المنجز للواقع هو العلم الاجمالي لا وجود الطريق المنصوب إليه ولأجله يحكم العقل بعدم المعذورية مع التقصير واستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ان صادف ولو كان في الواقع طريق تعبدي يؤدى إلى خلافه ( وكذلك الامر ) على المسلك الاخر أيضا ، فإنه عليه يكون المنجز للتكليف الواقعي هو الايجاب الطريقي ولا يفرق فيه بين وجود الطريق في الواقع وعدمه ( نعم ) انما يثمر وجود الطريق في الواقع وعدمه على بعض التقريبات المتقدمة لحكم العقل بعدم معذورية الجاهل ، وهو تقريبه من جهة عدم احراز موضوع القبح لاحتمال وجود البيان في الواقع وتمكن المكلف من الوصول إليه بالفحص عنه مما بأيدينا من الأدلة ( فإنه عليه ) تكون العقوبة على الواقع مترتبة على وجدان الطريق المؤدى إليه على تقدير الفحص عنه ، وبدونه لا عقاب على مخالفة الواقع الا من حيث تجربة على القول به فضلا عن صورة وجود الطريق على خلافه ( كما لا فرق ) بين ان يكون التكليف المحتمل من التكاليف المطلقة المنجزة ، أو التكاليف الموقتة أو المشروطة قبل تحقق أوقاتها وشرائطها ، فعلى ما ذكرنا من الارشاد لا يفرق العقل في لزوم الفحص وعدم معذورية الجاهل مع التقصير في ترك تحصيل الواقع بين تلك الموارد ( وكذلك ) الحال بناء على مقدمية الفحص ووجوبه غيريا بمناط المفوتية للقدرة على العمل في الموارد التي يتحقق فيها المناط المزبور ( فإنه على المختار ) في الواجبات المشروطة من الالتزام فيها بالوجوب الفعلي المنوط قبل حصول شرطها في الخارج ، بجعل المشرط والمنوط به فيها هو الشيء بوجوده في لحاظ الامر المتحقق حالا حين انشاء الوجوب لا بوجوده العيني الخارجي

٤٨٠