نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

( الجهة الثانية ) في حكم الزيادة العمدية والسهوية من حيث صحة العمل وبطلانه بحسب ما تقتضيه القاعدة الأولية ( واجمال القول فيه ) انه لا شبهة في أن مقتضى القاعدة الأولية هو عدم بطلان العمل بالزيادة العمدية فضلا عن السهوية ( وذلك ) اما بناء على امكان فرض الزيادة الحقيقية في اجزاء المركب وشرائطه كما تصورناه بفرض اخذ الجزء في مقام جعل المركب على نحو لا بشرط بالمعنى الثاني وفى مقام الامر والطلب على نحو لا بشرط بالمعنى الأول الراجع إلى خروج الوجود الثاني مع كونه من المركب حقيقة عن دائرة المأمور به ، فظاهر لعدم اقتضاء مجرد الزيادة بطلان العمل والمركب بعد اتيان المكلف بما هو المأمور به وعدم تشريعه في امر الشارع ( بل وكذلك الامر ) مع التشريع أيضا ببنائه على شمول الامر الزائد والمزيد عليه ( إذ مجرد ) تشريعه في امر الشارع ببنائه على شموله للوجود الثاني لا يضر بامتثاله بعد أن يكون الداعي والباعث له على الاتيان بالواجب هو الامر الواقعي ( نعم ) لو كان الداعي والباعث له الاتيان بالواجب ممحضا بالامر التشريعي أو كان الداعي هو مجموع الامر الواقعي وما شرعه من قطعة الامر المتعلق بالزائد بحيث لولا ما شرعه من الامر لما يدعوه الامر الشرعي إلى الاتيان بالواجب ( لكان المتجه ) هو البطلان من جهة الاخلال حينئذ بقصد الامتثال ( ولكن ) هذا الفرض من جهة ندرته كاد ان يلحق بالعدم ، هذا بناء على تصورناه من امكان فرض الزيادة الحقيقية في اجزاء المركب ( واما بناء ) على عدم امكان فرضها ثبوتا الموجب لحمل ما ورد في الأدلة من التعبير بالزيادة على الزيادة العرفية كما هو قضية فرض اخذ الجزء في مقام جعل ماهية المركب بنحو لا بشرط بالمعنى الأول ( فكذلك أيضا ) ، إذ لا يكون في البين ما يقتضى بطلان العمل بمحض الاتيان بالزائد بقصد الجزئية للمأمور به ، لا من جهة نفس الزيادة ، ولا من جهة تشريعه في قصد الجزئية بالوجود الثاني ( اما الأول ) فظاهر بعد فرض عدم كون الجزء مأخوذا في حقيقة المركب أو المأمور به على نحو بشرط لا من الزيادة ( والا يرجع ) إلى النقيصة فيخرج عن مفروض البحث ( وكذلك الامر على الثاني ) سواء كان التشريع في أصل ماهية المركب بجعل الجزء فيه عبارة عن الجنس الشامل للوجود الثاني ، أو في المأمور به ، أو في الامر الشرعي بان يتعلق تشريعه بمرتبة امر

٤٤١

الشارع وارادته بما يشمل الزائد أيضا ما لم يكن ذلك منه راجعا إلى كونه من قبيل وحدة؟ المطلوب على نحو يوجب الاخلال باستقلال الامر الواقعي في الداعوية والباعثية على الاتيان بمتعلقه ( فان ) في جميع هذه الصور لا قصور في صحة العمل بعد عدم اضرار حيث تشريعه في المأمور به أو الامر بالنسبة إلى الزائد بالواجب المأتى به من جهة قصد التقرب والامتثال كما هو ظاهر ( هذا كله ) في فرض احراز أخذ الجزء في المركب أو المأمور به بنحو اللابشرط بالمعنى الأول الراجع إلى خروج الوجود الثاني عن المركب عن حيز الطلب والامر ( وأما ) مع الشك في ذلك واحتمال كونه مأخوذا على نحو بشرط لا ، فلا شبهة في أن مرجع الشك المزبور حينئذ إلى الشك في مانعية الزيادة المتحققة في اتصاف الوجود الأول بالجزئية للمأمورية فيكون من صغريات دوران الامر بين الأقل والأكثر فتجري البراءة العقلية والشرعية بالنسبة إلى مانعية الزيادة ، بل يمكن التمسك لعدم مانعية الزيادة باستصحاب صحة المزيد عليه من جهة ملازمة الشك المزبور حينئذ للشك في صحة المزيد عليه تأهليا فيجرى فيه استصحابها ( وتوهم ) ان الصحة بالمعنى المزبور قطعية على كل تقدير حتى مع اليقين بمانعية الزيادة فلا شك فيها حتى تستصحب ( مدفوع ) بأن الصحة التأهلية انما لا تكون مشكوكة إذا كان الجزء مأخوذا لا بشرط وقد استفيد مانعية الزيادة في الصلاة من الأدلة الخارجية كقوله (ع) من زاد في صلوته فعليه الإعادة ( وأما إذا كان ) الجزء مأخوذا في أصل جزئيته للمركب أو المأمور به بشرط عدم الزيادة ، فلا شبهة في أن وجود الزيادة كان مفنيا لأصل جزئية الجزء ولذا ترجع الزيادة فيه إلى النقيصة ، ومعه يكون الشك في أخذه لا بشرط أو بشرط لا شكا لا محالة في صحة المزيد عليه تأهليا عند وجود الزائد فتجري فيها الاستصحاب ، فنفى الشك في صحة المزيد عليه تأهليا لا يكون إلا من الخلط بين المقامين فتدبر.

( الجهة الثالثة ) فيما تقتضيه القاعدة الثانوية المستفادة من الأدلة على خلاف مقتضى القاعدة الأولية ( فنقول ) انه وإن لم يقم دليل عام يقتضى بطلان المركب بالزيادة السهوية أو العمدية مطلقا في جميع المركبات ( إلا أنه ) في باب الصلاة وكذا باب الطواف الحاقا له بالصلاة قد تظافرت الاخبار على بطلانها بالزيادة

٤٤٢

في الجملة ( كقوله ) (ع) في خبر أبي بصير من زاد في صلوته فعليه الإعادة ، وقوله (ع) فيما رواه الكليني والشيخ ( قدهما ) عن زرارة وبكير بن أعين ، إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة. لم يعتد بها واستقبل صلوته استقبالا إذا كان استيقن يقينا ، ومقتضى اطلاق بعض هذه الأخبار ، هو عدم الفرق في البطلان بالزيادة بين العمدية والسهوية ، ولا بين الأركان وغيرها ( ولكن ) مقتضى حديث لانعاد في عقد المستثنى منه هو الصحة وعدم وجوب الإعادة فيما عدا الخمسة المذكورة فيه بالزيادة السهوية ، بل بمطلق الزيادة ولو عمدية بناء على عموم الحديث لغير صورة النسيان أيضا ، فإنه على كل تقدير النسبة بين مفاد الحديث في عقد المستثنى منه ، وبين عموم قوله (ع) من زاد في صلوته هو العموم من وجه ، فتقع بينهما المعارضة في الزيادة السهوية بل العمدية في غير الأركان ( والترجيح ) حينئذ لعموم لا تعاد ، أما لحكومته على أدلة الاجزاء والشرائط والموانع التي منها أدلة مانعية الزيادة ، وأما لأقوائية ظهوره بمقتضى الاستثناء من ظهور عموم من زاد في مطلق الزيادة ولو في غير الأركان خصوصا مع احتمال كون المراد من الزيادة المبطلة في قوله من زاد هي الزيادة في اعداد ركعات الصلاة ، كما هو ذلك في رواية زرارة وبكير المتقدمة فيما رواه الكليني ( قده ) بزيادة لفظ الركعة فيها بعد قوله (ع) في صلوته المكتوبة ( وأما توهم ) ان حديث لا تعاد يختص بصورة الاخلال من جهة النقيصة فقط بقرينة ما في ذيله من استثناء الطهور والوقت والقبلة ، فلا عموم له حينئذ يشمل الزيادة حتى يعارض ما دل على مانعية الزيادة « فمدفوع » بان مجرد عدم قابلية الثلاثة المزبورة للتكرر لا يوجب قصر مفاد الحديث بالاخلال في طرف النقيصة كما هو ظاهر « نعم يبقى الكلام » حينئذ فيما يقتضيه الجمع بين الحديث المزبور ، والأدلة الواردة في باب الزيادة السهوية ، كقوله (ع) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة ، وقوله (ع) إذا استيقن انه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته « والكلام » في ذلك يقع في مقامين « الأول » في الجمع بين قوله (ع) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة الشامل للركن وغيره وبين عقد المستثنى في الحديث ، حيث إن مقتضى الأول هو صحة الصلاة وعدم وجوب اعادتها في زيادة الركن كالركوع والسجود ، ومقتضى الثاني هو بطلان

٤٤٣

الصلاة بزيادة الركوع والسجود « الثاني » في بيان النسبة بين قوله (ع) إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة فليستقبل صلاته وبين عقد المستثنى منه في الحديث وما يقتضيه الجمع بينهما « اما المقام الأول » فقد يقال ان النسبة بين قوله (ع) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة وبين عقد المستثنى في الحديث هي العموم من وجه ، لان قوله (ع) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تختص بصورة السهو والنسيان ويعم الركن وغيره ، وعقد المستثنى في الحديث يختص بالأركان ويعم صورة النسيان وغيره ، فتقع بينهما المعارضة في الزيادة السهوية في الأركان حيث إن مقتضى الأول هي الصحة وعدم وجوب الإعادة ، ومقتضى الثاني هو البطلان ووجوب الإعادة ، وبعد تساقطهما في المجمع يكون المرجع فيه هي القاعدة الأولية المقتضية لعدم البطلان ( نعم ) لو قلنا باختصاص لا تعاد صرفا أو انصرافا بصورة السهو والنسيان لابد بمقتضى قاعدة الاطلاق والتقييد من تقديم لا تعاد على قوله تسجد سجدتي السهو لأخصية الحديث حينئذ من دليل سجدتي السهو فيخصص به عمومه بما عدى الأركان ( ولكنه ) بعد المنع من الانصراف المزبور كما تقدم بيانه تكون المعارضة بينهما في الجمع متحققة ، وبعد تساقطهما فيه يكون المرجع هي القاعدة الأولية ( هذا غاية ما قيل ) أو يمكن ان يقال في وجه تعارض عقد المستثنى في الحديث مع ما دل على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ( ولكنه ) كما ترى ، إذ يرد عليه ( أولاً ) ان المعارضة المزبورة انما تكون فيما لو كان دليل سجدتي السهو في مقام تكفل الحكمين ، أحدهما نفي وجوب الإعادة من جهة الزيادة ، وثانيهما وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة ( وهو في محل المنع جدا ) ، فان الظاهر منه انما هو تمحضه لتكفل حكم الزيادة السهوية من جهة وجوب سجدتي السهو في فرض احراز صحة الصلاة وعدم مانعية الزيادة من الخارج مع سكوته عن بيان انه أي مورد تصح فيه الصلاة ولا تكون الزيادة مانعة ( وعليه ) لا مجال لتصور المعارضة بينهما ، إذ لا يكون مفاد هذه الأدلة منافيا لما يقتضيه عقد المستثنى في الحديث حتى ينتهي الامر إلى توهم المعارضة بينهما ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك وتسليم سوق هذه الأدلة لبيان صحة الصلاة أيضا « نقول » انه لابد من تقديم الحديث على مثل هذه الأدلة من جهة ما يلزم من العكس من لزوم محذور اللغوية في عقد المستثنى ( بيان ذلك ) انه لو أخرجنا مورد التصادق

٤٤٤

عن عقد المستثنى في لا تعاد بمقتضى أدلة وجوب سجدة السهو وحكمنا بالصحة في الزيادة السهوية في الأركان وخصصناه بالزيادة العمدية ، يلزم مساواة الخمسة في عقد المستثنى مع ما عداها في الحكم « لان » فيما عدا الخمسة أيضا بمقتضى قوله (ع) ان الله تعالى فرض الركوع والسجود والقرائة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسى فلا شيء عليه ، مع ضميمة عدم الفصل بين النقيصة والزيادة يكون الحكم هو البطلان بالزيادة العمدية ، فيساوى عقد المستثنى حينئذ مع عقد المستثنى منه في الحكم حيث إن الزيادة العمدية فيهما تكون موجبة للبطلان ووجوب الإعادة ، والزيادة السهوية فيهما غير موجبة لذلك ، فيلزم لغوية الاستثناء المزبور « وهذا بخلاف العكس » فإنه لا يلزم من تقديم الحديث في المجمع لغوية دليل وجوب سجدة السهو لكل زيادة « وان شئت قلت » ان الحكم في العامين من وجه انما يكون هو التساقط إذا لم يكن في البين مرجح لاحد العامين ، وإلا فيؤخذ بذى المرجح منها ، وفي المقام يكون محذور لزوم اللغوية في الاستثناء مرجحا لحديث لا تعاد فيجب تقديمه على عموم قوله (ع) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة « هذا » وقد يقال ان اللازم حينئذ بعد تعارض الحديث مع ما دل على وجوب سجدة السهو لكل زيادة وتساقطهما انما هو الرجوع إلى عموم قوله (ع) من زاد في صلوته فعليه الإعادة « وفيه » ما لا يخفي فان دليل وجوب سجدة السهو كما يعارض الحديث ، كذلك يعارض العموم المزبور بل ويقدم عليه لكونه أخص من عموم من زاد الشامل لصورة العمد والسهو كما هو ظاهر « هذا كله » في المقام الأول « واما المقام الثاني » فالكلام فيه في الجمع بين قوله (ع) إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة فليستقبل صلاته وبين عقد المستثنى منه في الحديث ، حيث إنه قد يقال بوقوع المعارضة بينهما في الزيادة السهوية في غير الأركان ، لان النسبة بينهما هي العموم من وجه لاختصاص قوله (ع) إذا استيقن بالزيادة السهوية وعمومه للأركان وغيرها واختصاص عقد المستثنى منه في الحديث بغير الأركان ، وعمومه للزيادة والنقيصة وبعد تساقطهما في المجمع أعني الزيادة السهوية في غير الركن يرجع إلى عموم قوله (ع) من زاد في صلوته فعليه الإعادة ( وفيه ) بعد الاغماض عما ذكرناه من اختصاص الرواية بزيادة

٤٤٥

الأركان وعدم عمومها لمطلق الزيادة السهوية حتى في غير الأركان كما يشهد له زيادة لفظ الركعة فيها في رواية الكليني قدس‌سره عنه (ع) من قوله إذا استيقن انه زاد في صلوته المكتوبة ركعة ، نقول انه لابد من تقديم لا تعاد عليه واخراج المجمع من عموم قوله إذا استيقن بعين الوجه الذي ذكرناه في تقديم عقد المستثنى في لا تعاد على قوله تسجد سجدتي السهو وهو محذور لزوم اللغوية في لا تعاد ( بيان ذلك ) انه لو قدم قوله (ع) إذا استيقن على عقد المستثنى منه في لا تعاد وحكم في الزيادة السهوية في ما عدا الأركان بالبطلان ووجوب الإعادة يلزم بمقتضى عدم الفصل بين الزيادة والنقيصة لغوية لا تعاد ، لأنه لم يبق له حينئذ مورد يتمسك به لا في طرف الزيادة ، ولا في طرف النقيصة * اما الأول * فلكونه مقتضى قوله (ع) إذا استيقن * واما الثاني * فلكونه مقتضي عدم الفصل بين الزيادة والنقيصة ، لان كل من قال ولو فرضا بوجوب الإعادة بالزيادة السهوية في غير الأركان قال به في النقيصة أيضا وان منعناه في طرف العكس ، فيلزم حينئذ لغوية قوله (ع) لا تعاد لعدم بقاء مورد له يمكن التمسك به لعدم وجوب الإعادة ، ولأجل هذا المحذور لا محيص من تقديم لا تعاد على قوله إذا استيقن وتخصيصه بالزيادة السهوية في الأركان * وثانيا * مع الاغماض عن ذلك نقول انه لابد من تخصيص قوله إذا استيقن بالأركان بمقتضى ما دل على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة * لان * النسبة بينهما وان كانت هي التباين الكلي لاختصاصهما بالزيادة السهوية وعمومهما من جهة الركن وغيره * إلا أنه * بعد تخصيص قوله (ع) تسجد سجدتي السهو بما عدا الأركان بمقتضى ما دل على وجوب الإعادة في زيادته الركن ، يتعين تقديمه على قوله (ع) إذا استيقن بالنسبة إلى زيادة غير الركن ، إذ لولاه يلزم لغوية قوله (ع) تسجد سجدتي السهو لكل زيادة لبقائه حينئذ بلا مورد * وثالثا * ان ذلك هو الذي تقتضيه قاعدة الأظهر والظاهر * فإنه * لا شبهة في أن قوله (ع) تسجد سجدتي أظهر في الدلالة على الصحة في زيادة غير الركن من دلالته عليها في زيادة الركن لمكان أولوية الصحة في زيادة غير الركن من الصحة في زيادة الركن * كما أن قوله (ع) إذا استيقن يكون أظهر في الدلالة على البطلان ووجوب الإعادة في

٤٤٦

زيادة الركن من دلالته على البطلان في زيادة غير الركن * فلابد * بمقتضى * قاعدة الأظهر والظاهر من حمل الظاهر في كل منهما على ما يكون الآخر أظهر فيه ، وهو انما يكون برفع اليد عن عموم كل منهما بحمل عموم قوله إذا استيقن على خصوص زيادة الركن ، وعموم قوله (ع) تسجد سجدتي السهو على زيادة غير الركن * وعلى ذلك * فصار المتلخص من جميع ما ذكرنا بعد الجمع بين الأدلة هو ان الزيادة العمدية في الأركان توجب بطلان الصلاة ووجوب اعادتها ، وكذا في غير الأركان على اشكال فيه * واما الزيادة السهوية * فان كانت في الأركان فهي أيضا توجب البطلان ووجوب الإعادة « وأما إذا كانت » في غير الأركان فلا توجب البطلان ، بل مقتضي الأدلة فيها هي الصحة وعدم وجوب الإعادة.

الامر الثاني

إذا تعذر بعض ماله الدخل في المأمور به وجودا كالجزء والشرط أو عدما كالمانع باضطرار ونحوه كما لو اضطر إلى ترك جزء أو شرط أو ايجاد مانع أو أو قاطع ، ففي سقوط التكليف عن البقية وعدمه ( وجهان ) مبنيان على ما تقدم من اطلاق جزئية المتعذر أو قيديته حتى في حال التعذر أو اختصاصها بحال التمكن منه ( وتحقيق الكلام فيه ) يقع فيهما مقامين.

( الأول ) فيما يقتضيه الأصل الأولى المستفاد من دليل القيد أو المقيد ( الثاني ) فيما يقتضيه الأصل الثانوي ( اما المقام الأول ) فاجمال القول فيه كما تقدم في الامر الأول هو الرجوع أولاً إلى اطلاق دليل جزئية المتعذر أو قيديته للمركب والمقيد إذا كان له اطلاق يقتضي الجزئية أو القيدية حتى في حال تعذره فيؤخذ باطلاقه ويحكم بسقوط التكليف عن المركب والمقيد ( من غير فرق ) بين ان يكون بلسان الوضع كقوله (ع) لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ولا صلاة إلا بطهور ، أو يكون بلسان الامر والتكليف ، ولا بين ان يكون الدليل المثبت للجزئية أو القيدية هو نفس دليل المركب كما لو امر بالصلاة المشملة على القراءة والركوع والسجود أو دليل آخر منفصل عن دليل المركب أو متصل به ، فعلى كل تقدير

٤٤٧

لابد بمقتضى اطلاقه من الحكم بسقوط التكليف عن البقية ، إلا إذا كان هناك دليل آخر من أصل أو قاعدة تقتضي التكليف بالبقية كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، ولا يرجع مع اطلاق دليل الجزء والقيد إلى دليل المركب والمقيد وان فرض له اطلاق في نفسه وكان واردا في مقام البيان ( لان ) اطلاق دليل الجزء والقيد حينئذ يكون حاكما على اطلاق دليل المركب والمقيد ( واما إن لم يكن ) لدليل الجزء والقيد اطلاق يقتضي ثبوت الجزئية أو القيدية حتى في حال تعذره ، فالمرجع حينئذ هو اطلاق دليل وجوب المركب والمقيد ان كان له اطلاق يشمل حال تعذر جزئه أو قيده فيؤخذ باطلاقه لاثبات التكليف بالبقية ( وان لم يكن ) لدليل المركب اطلاق أيضا ، فالمرجع عند الشك في وجوب فعل الفاقد للمتعذر هي أصالة البراءة عن وجوبه الا إذا كان في البين ما يقتضي وجوبه من استصحاب أو قاعدة ميسور ونحو ذلك ( ثم انه ) لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون المتعذر هو الجزء أو الشرط ، وبين ان يكون المتعذر هو المانع ، فمع الاضطرار إلى ايجاد المانع يجري فيه ما ذكرناه في تعذر الجزء والشرط ( نعم ) يختص مورد الكلام فيه بما إذا كان مناط مانعيته راجعا إلى دخل التقيد بعدمه في مناط المطلوب ومصلحته ، أو إلى مزاحمة مفسدة وجوده مع أصل مناط المطلوب ومصلحته بحيث يوجب تقييد أصل مناط المطلوب واقعا بغير مورد النهي كما في باب النهي عن العبادة ولذا كان النهي بوجوده الواقعي مقتضيا لفساد العبادة ( واما ) إذا كان راجعا إلى مجرد الممانعة عن تأثير مناط المطلوب في الرجحان الفعلي كما في النهي في باب اجتماع الأمر والنهي بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي في المجمع ، أو الممانعة عن تأثيره في الإرادة الفعلية بناء على القول بالجواز ، فيخرج عن موضوع هذا البحث في المقام حتى على القول بالامتناع فضلا عن القول بالجواز ، حيث إنه مع سقوط النهى بأحد موجباته من الاضطرار وغيره يمكن تصحيح العبادة باتيان المجمع والتقرب به بقصد التوصل به إلى غرض المولى ولو على القول بالامتناع وان لم يمكن التقرب بداعي امره أو بداعي رجحانه الفعلي بلحاظ عدم ارتفاع المفسدة التي هي ملاك النهي بطرو الاضطرار إلى ايجاد المنهى عنه ( نعم ) بناء على القول بالجواز وعدم سراية الامر إلى مورد النهي لا بأس بالتقرب به بداعي رجحانه

٤٤٨

ومحبوبيته ، بل وبداعي امره أيضا في فرض سقوط النهي الفعلي بالاضطرار المزبور ، إذ بسقوطه حينئذ يبقى الاطلاق في طرف الامر بلا مراحم ( وتوهم ) انه على الامتناع وتقديم جانب النهى يندرج في صغرى باب النهي عن العبادة فيلزم بطلان العبادة حينئذ حتى مع الاضطرار إلى ايجاد المنهي عنه بناء على أن المانعية معلومة لملاك النهي وهي المفسدة لا لنفس النهي الفعلي الساقط بالاضطرار ( مدفوع ) بوضوح الفرق بين البابين « فان » المانعية في باب النهي عن العبادة انما هي من جهة اقتضاء النهي هناك لتقييد مناط الامر ومصلحته بغير مورد النهي ولذا كان النهي هناك بوجوده الواقعي مقتضيا للفساد « بخلاف » النهي في باب الاجتماع ( فان ) النهي المتعلق بعنوان آخر متحد مع العبادة وجودا ولو على الامتناع وتقديم النهي لا يقتضي تقييد ملاك الامر بغير مورد النهي ، وانما قضيته هي الممانعة عن تأثير مصلحة الامر في الفرد في الرجحان الفعلي والمحبوبية الفعلية مع بقاء أصل المصلحة بحالها في الشمول للمجمع ، ولذا لا يكون باب الاجتماع إلا في صورة احراز اجتماع الملاكين في المجمع ولو بمقتضى اطلاق الخطابين ولا يكون الفساد فيه أيضا إلا من لوازم تنجز النهى لا من لوازم نفس النهى بوجوده الواقعي كما هو واضح وان شئت مزيد تحقيق لذلك فراجع ما سطرناه في مبحث اجتماع الأمر والنهي في الجزء الثاني من الكتاب * وكيف ما كان * فلنرجع إلى محل البحث من أن تعذر بعض ماله الدخل في المأمورية جزءا أو قيدا هل يوجب سقوط التكليف عن المركب والمقيد رأسا أو لا؟ وقد عرفت في المقام الأول ان مقتضى القاعدة الأولية في صورة اطلاق دليل المركب وعدم اطلاق دليل الجزء والقيد لحال الاضطرار هو عدم سقوط التكليف عن البقية ووجوب الاتيان بها * واما * في غير هذه الصورة فمقتضى القاعدة الأولية هو سقوط التكليف عن البقية رأسا * اما * لكونه مقتضى اطلاق دليل الجزء والقيد * واما * لكونه مقتضى الأصول العملية ، إلا إذا قام دليل أو أصل في البين على عدم سقوط التكليف عن البقية.

( المقام الثاني ) في قيام الدليل على ثبوت التكليف بما عدا المتعذر على خلاف ما اقتضته القاعدة الأولية ( فنقول ) انه ربما يتمسك لاثبات وجوب ما عدا

٤٤٩

المتعذر بأمور ( الأول ) الاستصحاب ( ولا يخفى ) ان صحة التمسك به لاثبات وجوب البقية انما يتم في صورة عدم اطلاق كل من دليلي القيد والمقيد وفرض انتهاء الامر إلى أصالة البراءة ، وإلا ففي صورة اطلاق دليل القيد أو المقيد لا يكاد انتهاء الامر إلى جريان الاستصحاب « لان مع وجود » اطلاق دليل الجزء والقيد يلزمه لا محالة سقوط التكليف المتعلق بالكل والمقيد فلا يبقى معه شك في بقاء التكليف حتى يجرى فيه الاستصحاب ( كما أنه ) مع اطلاق دليل المقيد وعدم اطلاق دليل الجزء والقيد يكون وجوب البقية بدليل اجتهادي ( ولعل ) اطلاق كلام الشيخ قدس‌سره في المقام وعدم تخصيصه الاستصحاب بفرض خلو المورد عن وجود الاطلاق ، مبنى على ايكاله قدس‌سره ذلك إلى وضوحه من عدم جريان الأصول العملية كلية في مورد يجري فيه الاطلاق « وعلى كل حال » فتقريب التمسك بالاستصحاب يكون من وجوه ( منها ) تقريبه باستصحاب طبيعة الوجوب الجامع بين النفسي والغيري الثابت لما عدا المتعذر قبل طرو الاضطرار ، حيث إنه بعد طرو الاضطرار يشك في ارتفاع مطلق الوجوب الثابت للبقية فيستصحب ( ومنها ) استصحاب الوجوب النفسي الثابت للكل والأكثر بتسامح من العرف في موضوعه بجعله عبارة عن الأعم من الواجد للجزء المتعذر والفاقد له نظير استصحاب كرية الماء الذي اخذ منه مقدارا ( ومنها ) استصحاب الوجوب الضمني الثابت للاجزاء الباقية سابقا في ضمن وجوب الكل ، حيث إنه يشك في بقاء هذه المرتبة من الوجوب وارتفاعها فيستصحب وان كان يستتبع بقائه عند ارتفاع الوجوب عن الجزء المتعذر لتبدل حده السابق بحد آخر نظير استصحاب بقاء مرتبة من اللون المتحقق في ضمن الشديد المقطوع ارتفاعه ، إذا شك في ارتفاعها رأسا أو بقائها محدودة بحد آخر ضعيف ( ولكن ) يرد على التقريب الأول مضافا إلى ابتنائه على الالتزام بالوجوب الغيري للاجزاء ، وهو خلاف التحقيق كما برهنا عليه مرارا ، انه انما يجري الاستصحاب ويكون من استصحاب القسم الثاني من استصحاب الكلي المتفق على جريان الاستصحاب فيه فيما لو كان ثبوت كل واحد من نحوي الوجوب مشكوكا من الأول بحيث يكون الثابت مرددا امره بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء

٤٥٠

كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر بعد فعل ما يوجب رفع الأصغر وكالحيوان المردد بين البق والفيل بعد انقضاء زمان عمر البق ، وليس الامر في المقام كذلك ( وانما يكون ) ذلك من استصحاب القسم الثالث من الكلي الذي كان الشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد المعلوم أو مقارنا لارتفاعه ( فان ) ما علم ثبوته للاجزاء سابقا انما هو الوجوب الغيري الذي علم بارتفاعه والمحتمل بقائه انما هو الوجوب النفسي من جهة احتمال مقارنة مناطه لمناط الغيرية أو قيام مناطه مقام مناطها ( والاستصحاب ) في مثله غير جار قطعا * الا * إذا كان المحتمل بقائه من مراتب الفرد الذي ارتفع كأصل اللون المتحقق في ضمن الفرد الشديد * وثانيا * ان الشك في بقاء الوجوب للاجزاء الباقية وعدمه مسبب عن الشك في بقاء جزئية المتعذر في حال تعذره ، فإنه على تقدير بقاء الجزئية في حال التعذر يقطع بارتفاع التكليف عن المركب رأسا ، فأصالة بقاء الجزئية في حال الاضطرار يقتضي سقوط التكليف عن البقية ، فلا ينتهي الامر مع جريان استصحابها لاستصحاب بقاء وجوبها ( واما ) توهم مثبتية الأصل المزبور باعتبار كون ترتب سقوط التكليف عن البقية من اللوازم العقلية للاضطرار إلى ترك الكل الذي هو من اللوازم العقلية لترك الجزء ، مدفوع ، بان ذلك لا ضير فيه ، لأنه من اللوازم العقلية المترتبة على ما يعم الواقع والظاهر ، نظير وجوب الإطاعة الذي هو من لوازم مطلق الوجوب الأعم من الواقع والظاهر ، فإنه ، كما أن من لوازم ثبوت الجزئية واقعا هو سقوط التكليف عن الكل عند تعذر جزئه لاقتضاء الاضطرار إلي تركه الاضطرار إلى ترك الكل ، كذلك ، من لوازم الجزئية الظاهرية أيضا هو سقوط التكليف الظاهري عن الكل والمركب بالاضطرار إلى ترك جزئه ، فكان الجزء الظاهري حينئذ كالجزء الواقعي في أن من لوازم الاضطرار إلى تركه هو سقوط التكليف عن الكل والمركب ، وتوهم ، انه لا معنى لاستصحاب جزئية المتعذر في حال الاضطرار إلى تركه ، فإنه ، بالنسبة إلى مقام الدخل في الملاك والمصلحة يكون الدخل المزبور تكوينيا لا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ، وبالنسبة إلى التكليف الفعلي الضمني الذي هو منشأ انتزاع الجزئية الفعلية لا يكون التكليف بنفسه قابلا للثبوت للقطع بارتفاعه عند تعذره لاستحالة التكليف بما لا يقدر

٤٥١

عليه المكلف ( مدفوع ) بان الجزئية لا يختص أمرها بالاعتبارين المزبورين ( لان ) لها اعتبار ثالث وهو اعتبار دخلها في المجعول في مقام جعل المركب واختراعه كما تقدم التنبيه عليه ، ومن الواضح ، ان الجزئية بهذا الاعتبار من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي ، لان للشارع في مرحلة جعل المركب التي هي رتبة قبل الامر اعتبار المركب بنحو يدخل فيه الجزء المتعذر ، كما أن له اعتباره بنحو يخرج عنه وان كان منشأ هذا الاعتبار هي المصالح الواقعية ( وحينئذ ) فبعد كونها بهذا الاعتبار من المجعولات الشرعية ، فمع اليقين بثبوت الجزئية في حال والشك في ثبوتها في حال آخر يجري فيها الاستصحاب ويترتب على استصحابها ما ذكرناه من سقوط التكليف عن المركب رأسا وعدم وجوب الاتيان بالبقية ( واما التقريب ) الثاني للاستصحاب ، فيرد عليه انه لو يجدي ذلك فإنما هو فيما لا يكون المتعذر من الاجزاء المقومة والا فيقطع بارتفاع شخص ذلك الحكم ، ومعه لابد وأن يكون الشك في البقاء متعلقا بحكم آخر محتمل التحقق حين وجود الحكم الأول أو محتمل الحدوث حين ارتفاع الحكم الأول بحدوث مناط آخر في البين ( هذا ) مع وضوح الفرق أيضا بين المقام ومسألة استصحاب الكربة للماء الذي اخذ منه بعضه ، فان جريان الاستصحاب هناك انما هو باعتبار كون منشأ الشك في بقاء الكرية وعدمه هو ذهاب البعض المأخوذ منه المحتمل دخله في وصف الكرية ، بخلاف المقام ، فان منشأ الشك في وجوب البقية ليس هو تعذر الجزء ، وانما منشأه هو الشك في جزئية المتعذر للمركب في حال الاضطرار مع الجزم بجزئيته للمركب قبل طرو الاضطرار ودخله في شخص الحكم المتعلق بالمركب أولاً « ومع هذا » لا مجال لمقايسة المقام بما هناك فتدبر « واما التقريب الثالث » للاستصحاب ، فالظاهر أنه لا مانع منه في بعض فروض المسألة فيما كان الشك في بقاء وجوب البقية من جهة احتمال وجود مناط آخر في البين يقتضي تبدل حده الضمني بحد آخر مستقل ، واحتمال تبدل المناط السابق بمناط آخر مستقل للاجزاء الباقية يقتضي استقلالها في الوجوب عند تعدد الكل ( فان ) في أمثال ذلك لا مانع من جريان الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الذات المحفوظة بين الحدين الباقية دقة ولو ضن أحد آخر ، نظير استصحاب بقاء أصل اللون

٤٥٢

المتحقق سابقا في ضمن شديده المقطوع ارتفاعه إذا شك في ارتفاعه رأسا أو بقاء مرتبة منه بحد آخر ضعيف * نعم * لابد في جريان مثل هذه الاستصحابات من مساعدة العرف عليه أيضا بان يكون الباقي على تقدير بقائه معدودا في انظارهم كونه من مراتب الموجود السابق ، وإلا فلا يجرى فيه الاستصحاب.

« الثاني » حديث الرفع وتقريب التمسك به لاثبات وجوب البقية على نحو ما تقدم في مسألة نسيان الجزء ، وذلك أيضا تارة بقوله (ص) ما لا يعلم ، وأخرى بقوله (ص) ما اضطروا إليه ( بتقريب ) اقتضاء الحديث الشريف بكل من التقريبين رفع الجزئية عن المتعذر في حال تعذره ، فيترتب عليه وجوب الاتيان بالبقية * لان * الموجب لسقوط التكليف عنها انما هو بقاء المتعذر على جزئيته في حال التعذر وبعد ارتفاع جزئيته في حال تعذره بمقتضى حديث الرفع يترتب عليه وجوب فعل البقية « فعلى * كل من التقريبين يقتضى الحديث الشريف وجوب الاتيان بالبقية ، نعم ، غاية ما يكون من الفرق بينهما هو ان تقريب التمسك به من جهة تطبيق عنوان ما لا يعلم لابد وأن يكون في ظرف لا يكون اطلاق لدليل القيد أو المقيد ، بخلاف تقريبه من جهة تطبيق عنوان ما اضطروا إليه ، فإنه لابد وأن يكون ذلك في فرض اطلاق دليل الجزء والقيد واقتضاء اطلاقه ثبوت الجزئية والقيدية على الاطلاق الموجب لسقوط التكليف عن المركب والمقيد رأسا عند تعذر جزئه وقيده ( وفيه ) ان الحديث يختص جريانه بمورد يوجب التوسعة على العباد لا الضيق ، فلا يمكن اقتضائه لاثبات وجوب البقية لأنه من الكلفة والضيق الذي هو خلاف الارفاق على المكلف ( ولا ينتقض ) ذلك بما قربنا جريانه في مسألة النسيان ( لان ) بين المقام وما هناك فرق واضح ينشأ من وجود الملزم العقلي في النسيان باتيان ما عدا الجزء المنسى ( فان ) الناسي للجزء لغفلته عن نسيانه يرى نفسه ملزما بحكم عقله باتيان البقية وبعد زوال النسيان يجرى في حقه حديث الرفع لاقتضائه كون المأتى به حال نسيانه مصداق الواجب المستلزم لسقوط التكليف عنه بالإعادة ، فيكون في جريانه كمال الارفاق على المكلف ( بخلاف المقام ) فان ظرف تطبيق دليل الرفع انما يكون في ظرف الاضطرار إلى ترك الجزء والقيد وفى هذا الظرف بمقتضى اطلاق دليل الجزئية لا يرى المكلف نفسه ملزما باتيان البقية ، فإذا

٤٥٣

جرى فيه حديث الرفع واقتضى وجوب البقية برفع جزئية المضطر إليه يكون ذلك نحو ضيق على المكلف ومثله خلاف ما سيق له الحديث الشريف ( الثالث ) عمومات الاضطرار كقوله (ع) في خبري زرارة ومحمد بن مسلم التقية في كل شيء اضطر إليه فقد أحله الله ، أو ان التقية في كل شيء وكل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله كما في بعض النسخ المصححة على ما ذكره بعض الأساطين قدس‌سره ، بناء على كون المراد من الحلية فيها معناها اللغوي الشامل للحلية الوضعية أيضا كما في قوله سبحانه أحل الله البيع المعلوم إرادة الحلية الوضعية منه ( وتقريب ) الاستدلال ان حلية الجزء والشرط والمانع المتعذر عبارة عن سقوطه عن الجزئية والشرطية والمانعية في حال تعذره ومقتضى ذلك بعد حكومة هذه العمومات على الأدلة المثبتة للاجزاء والشرائط والمواقع هو تخصيص الجزئية والشرطية والمانعية المستفادة منها بغير حال التعذر ولازمه وجوب الاتيان بالباقي لكونه تمام المركب المأمور به في هذا الحال المستلزم لمفرغيته عما في الذمة وعدم وجوب الإعادة عليه بعد ارتفاع الاضطرار ( لا يقال ) انه كما أن بتعذر الجزء والقيد يصدق الاضطرار إلى الجزء والقيد فيشملهما عموم قوله (ع) كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ( كذلك ) يصدق الاضطرار إلى ترك المركب والمقيد بنفس الاضطرار إلى جزئه وقيده فيشمله عموم الحلية أيضا وبشموله له تقع بينهما المعارضة ( لان ) لازم تطبيقه على الجزء والقيد هو وجوب فعل البقية ، ولازم تطبيقه على الكل والمقيد هو سقوط التكليف عنهما رأسا لمكان تعذرهما ، وبعد عدم مرجع لأحدهما لا مجال لتطبيقه على أحدهما لبطلان الترجيح بلا مرجح « فإنه يقال » انه يكفي في ترجيح تطبيقه على الجزء والقيد المتعذر اقتضاء تطبيقه عليهما رفع الاضطرار عن الكل والمركب « لان » لازمه حينئذ هو كون تمام المركب المأمور به في حال تعذر الجزء أو القيد هو البقية المعلوم عدم صدق الاضطرار بالنسبة إليها فعدم شمول العموم حينئذ للكل والمقيد انما يكون من جهة التخصيص وعدم صدق الاضطرار بالنسبة إليه ( بخلاف ) فرض تطبيق العموم أولاً على نفس الكل والمقيد ، فإنه لما لا يقتضى ذلك رفع الاضطرار بالنسبة إلى الجزء والقيد يلزم من تطبيقه على الكل والمقيد دون الجزء والقيد تخصيص عمومه بالنسبة إليهما بلا موجب يقتضيه

٤٥٤

( وإذا ) كان الدوران بينهما من باب التخصيص والتخصص فلا شبهة في أن المتعين في مثله هو الثاني ، ومعه لا محيص من تطبيق عمومات الاضطرار على خصوص الجزء والقيد والحكم بما تقتضيه من وجوب فعل البقية ( نعم ) قد يناقش حينئذ في أصل اقتضاء عمومات الاضطرار لاثبات وجوب البقية ، بدعوى ان غاية ما تقتضيه العمومات المزبورة انما هو رفع الجزئية أو الشرطية والمانعية عن المضطر إليه ( واما ) اقتضائها لاثبات التكليف بالبقية فلا ، بل يحتاج ذلك في غير مورد اطلاق دليل المركب والمقيد إلى قيام دليل عليه اما بنحو العموم أو الخصوص ولو بمثل قوله (ع) الصلاة لا تترك بحال مؤيدا ذلك بعدم بناء الأصحاب فيما عدا الموارد التي وردت فيها النصوص الخاصة على التمسك بعمومات الاضطرار لاثبات التكليف بالمركب والمقيد عند تعذر جزئه وقيده ، حيث إن بنائهم في أمثال المقام انما هو على اثباته بأمور اخر كقاعدة الميسور ونحوها مما تتضمن وجوب فعل البقية ( ولكنه ) يندفع ذلك بان تكفل هذه العمومات لاثبات وجوب البقية انما هو بعين تكفل رفع الجزئية والشرطية والمانعية عن المضطر إليه ، فان من لوازم رفع الجزئية والشرطية عن المضطر إليه هو كون الباقي في حال الاضطرار مصداق المأمور به ، فإذا فرض اقتضائها رفع الجزئية والشرطية عن المضطر إليه يستفاد منه ان الباقي تمام المأمور به في حال الاضطرار فيجب الاتيان به بلا حاجة إلى التماس دليل آخر في البين يقتضي وجوب الاتيان بالباقي ( وربما يشهد لما ذكرناه ) ما في كثير من النصوص من استشهاد الامام (ع) بمثل هذه العمومات لرفع جزئية المتعذر أو شرطيته وايجاب الامر بالبقية ، كاستشهاد (ع) في خبر عبد الاعلى لرفع شرطية المسح على البشرة بعموم أدلة الحرج ، ولرفع جزئية القيام والركوع لغير المتمكن منهما في خبر آخر بقوله وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ، وكذا ما ورد في مسألة المسلوس من قوله * (ع) ، وان لم يقدر على حبسها فالله أولى بالعذر ( اللهم ) إلا ان يناقش فيها بان استشهاد الامام * (ع) » بهذه العمومات انما هو لمجرد رفع الجزئية والشرطية عن المتعذر وان ايجاب فعل البقية في تلك الموارد انما كان مستفادا من الخارج أو من نفس الامر المستفاد من تلك النصوص ، لا ان ذلك كان من جهة اقتضاء عمومات الاضطرار فتأمل.

٤٥٥

الرابع قاعدة الميسور

وعمدة المدرك لها ( النبوي ) المعروف إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وقوله (ع) ما لا يدرك كله لا يترك كله ، وقوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور ، واشتهار هذه الروايات الثلاث بين الأصحاب في أبواب العبادات تغنى عن التكلم في سندها ( فالمهم ) هو عطف الكلام إلى بيان مقدار دلالتها ، فنقول : ( اما قوله (ص) ) إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، فقد نوقش في دلالته على المطلوب ( بدعوى ) ظهور الشيء المأمور به في الرواية بقرينة المورد في الاختصاص بالكلي الذي له افراد طولية أو عرضية ( فان ) موردها انما كان في الحج عند سؤال بعض الصحابة عن وجوبه في كل عام ، فإنه بعد اعراضه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جواب السائل حتى كرر السائل سؤاله مرتين أو ثلاث ، أجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله ويحك وما يؤمنك ان أقول نعم والله لو قلت نعم لوجب عليكم ولو وجب ما استطعتم إلى أن قال (ص) إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، فتكون الرواية حينئذ مختصة بالكلي الذي له افراد طولية ، وكان مفادها انه إذا أمرتكم بكلي تحته افراد فأتوا من افراد ذلك الكلى بمقدار استطاعتكم ، ولا تشمل الكل والمركب الذي له اجزاء وان كانت في نفسها ظاهرة بمقتضى كلمة من الظاهر في التبعيض في الكل ذي اجزاء * وفيه * ان مورد الرواية وان كان في الكلي ذي افراد ، ولكن مجرد ذلك لا يقتضي تخصيصها بذلك بعد عموم الشيء في نفسه وشموله لكل من الكل والكلي « فان » العبرة في مقام استفادة الحكم انما هي على عموم اللفظ لا على خصوصية المورد ، فمع عموم الشيء في نفسه لا يقتضي مجرد تطبيقه على مورد خاص تخصيص عمومه به « واما توهم » عدم امكان عموم الشيء في الرواية لكل من الكل ذي اجزاء والكلي الذي له افراد ، لمبائنة لحاظ عموم الافراد في الكلى مع لحاظ الاجزاء في الكل لاقتضاء لحاظه بالاعتبار الأول لكون كلمة من بمعنى الباء أو بيانيته وبالاعتبار الثاني تبعيضية وبعد عدم جامع بينهما يقتضي استعمال لفظة من في الأعم من الاجزاء والافراد يتعين خصوص الثاني بقرينة المورد ( مدفوع ) بمنع اقتضاء إرادة الكلى من الشيء ولحاظ الافراد لكون لفظه من بمعنى البأ أو بيانية

٤٥٦

بل هو كما يلائم ذلك يلائم أيضا مع كونها بمعنى التبعيض بلحاظ تبعض الحصص الموجودة منه في ضمن افراده ، فان الكلى إذا لوحظ كونه على نحو الشياع في ضمن الافراد يصدق على كل واحد من الحصص الموجودة منه في ضمن الافراد انه بعض الطبيعي ، وبهذه الجهة لا مانع من إرادة ما يعم الكل والكلي من الشيء المأمور به حيث يمكن إرادة التبعيض من الكلى أيضا بلحاظ حصصه الموجودة في ضمن افراده « فالأولى » في الاشكال على دلالة الرواية على المطلوب هو ان يقال ان العموم المستفاد من الشيء في الرواية لكل من الكل والكلي انما هو من جهة الاطلاق ومقدمات الحكمة ، وحيث إن من المقدمات انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، فلا مجال للاخذ باطلاقه في المقام لوجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وهو ما يقتضيه المورد من الكلى الذي تحته افراد ، فإنه مع وجود ذلك لا يبقى له ظهور في الاطلاق يعم الكل والكلي حتى يصح التمسك بظهوره لاثبات وجوب ما عدا الجزء المضطر إليه.

واما قوله (ع) ما لا يدرك كله لا يترك كله ، فالظاهر هو عموم المراد من الموصول لكل من الكل والكلي لولا دعوى ظهوره المنساق منه في خصوص الكل ذي اجزاء ، وعلى كل تقدير لا شبهة في دلالته على المطلوب من ثبوت التكليف بالاجزاء الممكنة من المركب وعدم سقوطه بتعذر بعض اجزائه أو قيوده « واما المناقشة » في الرواية بان لازم شمولها لكل من الكل والكلي هو ان يكون قوله لا يترك مستعملا في الارشاد والمولوية معا ، لأنه في الكلى الذي تحته افراد يكون الامر باتيان الميسور من افراد الطبيعي المأمور به بعد انحلال خطابه إلى خطابات متعددة حسب تعدد الافراد ارشاديا محضا لاستقلال العقل بوجوب الاتيان بالافراد الممكنة من الطبيعي وعدم سقوط وجوبها بسقوط الوجوب عن الافراد المتعذرة وفي الكل ذي اجزاء يكون الامر باتيان الميسور من الاجزاء مولويا ناشئا عن داعي البعث والتحريك لاقتضاء ارتباطية التكليف حينئذ سقوط الامر عن الاجزاء الممكنة بتعذر بعض اجزاء المركب ، وحيث لا جامع بينهما يلزم في فرض إرادة الأعم استعمال الامر في المعنيين ( فمندفعه ) بما حققناه في محله من أن المستعمل فيه الامر والصيغة في جميع الموارد لا يكون الا معنى واحدا وهو ايقاع النسبة التحريكية

٤٥٧

بين المادة التي طرأت عليها الصيغة وبين الفاعل المخاطب بها ، وان حيث المولوية والارشادية وغيرهما انما تكون من دواعي الانشاء في مقام الاستعمال ، فإنه قد ينشأ المتكلم بداعي البعث الجدي والطلب الحقيقي فيكون بعثا حقيقيا وقد ينشأ بداعي الارشاد فيكون ارشادا وقد ينشأ بداعي التهديد فيكون مصداقا للتهديد وهكذا « فتلخص » انه لا قصور في الرواية في دلالتها على وجوب الاتيان بالاجزاء الممكنة من المركب وعدم سقوط حكمها بتعذر بعض اجزائه ( نعم ) يظهر من الشيخ قدس‌سره المناقشة في عموم الرواية للكل الافرادي ، بدعوى انه لو أريد من الكل فيها الافرادي يلزم لغوية قوله لا يترك كله ( لان ) المعنى حينئذ ان ما لا يدرك شيء من افراد الكلى لا يترك شيء منها وهو كما ترى ، فلا محيص من أن يكون المراد منه هو المجموعي لا الافرادي ( ولكنه ) كما ترى إذ ذاك انما يرد إذا كان النفي في الرواية متعلقا بكل فرد بحيث يكون مفاد القضية هو عموم السلب لا سلب العموم ، وهو خلاف ظاهر الرواية « فان » الظاهر منها هو كون النفي فيها متوجها إلى العموم المستفاد منه سلب العموم لا عموم السلب ، وعليه فلا يتوجه على حمل الكل على إرادة الافرادي منه محذور اللغوية كما هو ظاهر.

( واما قوله (ع) ) الميسور لا يسقط بالمعسور فلا شبهة أيضا في دلالته على المطلوب لظهوره كالرواية السابقة في عدم سقوط الميسور من كل شيء بسقوط معسوره الشامل بعمومه للاجزاء الميسورة من المركب ، بل لولا ظهور اللام فيه في كونه للجنس المساوق للشيء أمكن دعوى اختصاصه بالمركب والكل ذي.

اجزاء ، لوضوح انه انما يقال ذلك في مورد يكون نحو ارتباط بين الميسور والمعسور في التكليف بحيث يقتضي سقوطه عن المعسور سقوطه عن الميسور أيضا ولا يكون ذلك إلا في المركب والكل ذي اجزاء وإلا ففي الكلى الذي تحته افراد لا تلازم بين سقوط التكليف عن فرد لسقوطه عن الفرد الآخر بعد انحلال الخطاب واستقلال كل فرد في التكليف « وعلى كل حال » لا اشكال في أن المراد من عدم سقوط الميسور انما هو عدم سقوطه بما له من الحكم الوجوبي والاستحبابي ، لوضوح ظهور مثل هذه العبارة في عدم سقوط ما ثبت سابقا وبقائه في العهدة لاحقا بعين ثبوته سابقا الراجع إلى ابقاء الامر السابق أيا ما كان

٤٥٨

وجوبيا واستحبابيا نظير الحكم بالبقاء المستقاد من قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك في اخبار الاستصحاب التابع لكيفية ما حدث سابقا لزوميا أو غيره فتعم القاعدة حينئذ لكل من ميسور الواجب والمستحب بلا ورود محذور في البين ( نعم ) لو كان النفي في الرواية مسوقا لبيان انشاء حكم تكليفي راجع إلى الامر بمعاملة عدم السقوط مع الميسور من اجزاء المركب ، يلزم منه أحد المحذورين ، اما عدم دلالته على عدم السقوط لزوما ، أو عدم شموله للمستحبات ( لان ) الامر المستفاد من مثل هذا الانشاء اما مطلق الرجحان فلا يستفاد منه الوجوب في الواجبات ، أو لخصوص الرجحان اللزومي فلا تشمل القاعدة حينئذ للمستحبات ( ولكنه ) خلاف ظاهر الرواية ، فان الظاهر المنصرف منها هو كونها في مقام بيان القيام بوظائف الاحكام من حيث عدم سقوط ما ثبت سابقا في العهدة وجوبا كان أو استحبابا لا انها في مقام انشاء حكم بدوي خاص بلا نظر إلى بقاء الامر السابق فتأمل ( وكيف كان ) فلا شبهة في أنه يعتبر في هذه القاعدة ان يكون الميسور من الاجزاء المقدورة مما يعد كونه عرفا من سنخ المأمور به وبعضه وميسوره ، لان ذلك هو الظاهر المنساق من هذه الأخبار فلا اطلاق لها يشمل ما يعد بسبب قلة الاجزاء المقدورة كونه مبائنا مع الكل والمركب ( وانما الكلام ) في أن المدار في صدق الميسور على الباقي هل هو على الركن وما به قوام المركب بنحو يلزمه كون المعسور من الخصوصيات الخارجة عما به قوام الركب ، أو ان المدار على ما يفهمه العرف انه من سنخ المركب وميسوره ولولا يكون من أركانه ومقوماته. فيه وجهان ( أظهرهما الثاني ) فإنه ليس في الأدلة التعبير بالركن أو المقوم في المركبات الشرعية حتى يدور مداره في اخذ الميسور ، وانما الموجود فيها هو الامر بعدة أمور معينة ، فإذا بين الشارع للعباد موضوع حكمه وعرفهم ذلك ثم ألقى إليهم الخطاب بالأخذ بالميسور من المركب المأمور به عند تعذر الاتيان بالمجموع ولم يبين ما يدار عليه الميسور من المأمور به ، يكون المتبع في مثله هو فهم العرف في تشخيص كون الباقي ميسورا ، حيث يفهم من الخطاب المزبور ايكال تشخيص الميسور من كل شيء إلى فهم العرف فيما يرونه بحسب ارتكازهم كونه من سنخ المأمور به وبعضه وميسوره وفي ذلك لا يفرق بين الموضوعات العرفية والشرعية

٤٥٩

( لان ) كون الموضوع شرعيا لا ينافي كون تشخيص السنخية بيد العرف بمقتضى ما بيناه ( فاندفع ) بذلك ما توهم من الاشكال بان في الموضوعات الشرعية لا طريق إلى تشخيص كون الباقي ميسورا إلا ببيان الشارع ، لأنه لا سبيل لفهم العرف فيها حتى يؤخذ بما يرونه ميسورا للمأمور به ، ولابد عند الشك من الرجوع إلى ما تقتضيه الأصول العملية ( وجه الاندفاع ) ما عرفت من أنه كذلك إذا كان المدار في صدق ميسور الشيء على الركنية الواقعية التي يقصر فهم العرف عن تشخيصها في الموضوعات الشرعية ، وإلا فعلى ما ذكرناه من البيان لا فرق بين الموضوعات العرفية والشرعية فإنه على كل تقدير يكون المتبع في تشخيص كون الباقي ميسورا هو فهم العرف ( نعم ) يبقى الكلام في أن المدار في الميسور من الشيء على السنخية الصورية ، أو على السنخية المعنوية من حيث وفاء الاجزاء الباقية بمعظم الغرض القائم بالكل والمركب وان لم يصدق عليها الميسور بحسب الصورة ، غاية الامر انه جعلت السنخية الصورية التي يراها العرف في صدق الميسور من الشيء حسب ارتكازهم طريقا إلى السنخية المعنوية والوفاء بمعظم الغرض في مقام الحكم بوجوب الاتيان بالاجزاء الباقية ( فيه وجهان ) فعلى الأول يكون اخراج الميسور من الشيء في بعض الموارد وادخال غير الميسور في الميسور منه اخراجا وادخالا حكميا لا حقيقيا ( بخلاف ) الثاني فإنه عليه يكون الاخراج والادخال المزبور على خلاف ما يراه العرف حقيقيا لا حكميا لرجوع ذلك في الموارد التي ثبت الحكم فيها على الخلاف إلى تخطئة الشارع العالم بالواقعيات لانظار العرف في تشخيص الميسور عن غيره وان ما يرونه ميسور الشيء بحسب الصورة أو غير ميسور لا يكون ميسوره بحسب الوفاء بمعظم المصلحة ، لا انه يرجع إلى تخصيص تلك القاعدة في تلك الموارد كما على الأول ( وبعد ) انتهاء الامر إلى ذلك لا يبعد ترجيح الأول ، فان الالتزام بتخطئة العرف في موارد ثبوت الحكم على الخلاف مبني على أمرين أحدهما اثبات كون نظر دليل القاعدة في الاخذ بالميسور من الشيء إلى الميسور منه في مقام الوفاء بالغرض ( وثانيهما ) التفات العرف إلى هذه الجهة بجعلهم السنخية في تشخيص الميسور طريقا إلى السنخية المعنوية من حيث الوفاء بمعظم الغرض ( وكلا الأمران ) في نهاية المنع ، اما الثاني فظاهر ، لوضوح عدم التفات العرف

٤٦٠