نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

عن مورد كلام الفصول الذي هو التجري بترك مقدمة الواجب ( نقول ) ان كان الغرض ان الغصبية طرف للعلم الاجمالي فلا ريب في أن الغصبية كما انها محتملة كذلك الخمرية محتملة أيضا ، فلا معنى حينئذ لفرض العلم بالخمرية « وان كان » الغرض ان الغصبية غير محتمله رأسا وان المعلوم هو الخمرية فقط « ففيه » ان مجرد العلم بحرمة الخمر لا يستلزم العلم بحرمة الغصب ولا بالجامع بينهما ( إذ هما ) وانكانا تحت جامع الحرمة ، ولكن المعلوم بعد أن كان هي الحصة الخاصة من الحرمة المتعلقة بالخمر لا يسرى العلم منها إلى الحصة الأخرى المتعلقة بالغصب ولا إلى الجامع بينهما القابل للانطباق على كل من الحصتين ، كما في العلم بوجود زيد في الدار فإنه لا يكون الا علما بحصة من الانسانية المتحققة في ضمنه لا علما بمطلقه القابل للانطباق على سائر الافراد ، وما يأتي في العلم الاجمالي بجنس التكليف فإنما هو في مورد تعلقه بالجنس القابل للانطباق على كل واحد من الفردين لا فيمثل المقام « وحينئذ » فبعد عدم اقتضاء العلم بشخص حرمة الخمر للعلم بشخص حرمة الغصب ولا بالجامع بينهما فأين يتصور عصيان لحرمة الغصب أو للقدر المشترك بينهما وبين حرمة الخمر كما هو ظاهر ( بقى ) الكلام في اقسام التجري ( فنقول ) ان التجري ( تارة ) يكون في مقطوع المعصية ( وأخرى ) في مظنونه ( وثالثة ) في محتمله وعلى الأخيرين ( تارة ) يكون اقدامه على العمل برجاء المصادفة للواقع ( وأخرى ) برجاء عدم المصادفة للواقع ( وثالثة ) لمحض دعوة شهوته ( واما ) حكم هذه الأقسام فالقسم الأول منها قد تقدم مشروحا ( واما ) القسم الثاني وهو التجري في مظنون المعصية فحكمه كالتجري في مقطوع المعصية ان قام دليل معتبر على حجية ظنه ( لان ) ملاك القبح مخالفة ما هو المنجز في حقه علما كان أو غيره من غير فرق بين الصور الثلاث المتقدمة ( وان كان ) فرق بينها من جهة أشدية التجري في الصورة الأولى ( اللهم ) الا ان يمنع أصل صدق التجري في الصورة الثانية ، بدعوى ان الامر بالغاء احتمال الخلاف لما كان حكما طريقيا راجعا إلى حكم صوري في ظرف المخالفة للواقع فالاقدام على العمل برجاء عدم مصادفة الطريق للواقع يرجع إلى البناء على كونه ترخيصا ، والاقدام مع هذا البناء لا يكون تجريا لا بالنسبة إلى الواقع ولا بالنسبة إلى الطريق فتدبر ( واما ) إذا لم يقم دليل

٤١

معتبر على حجية ظنه فلا اثر لتجريه بعد عدم حجية ظنه وعدم تنجز الواقع عليه بل يمكن التأمل في أصل تجريه حتى في فرض اتيان العمل برجاء المعصية ( وهكذا ) الكلام في القسم الثالث ( بقى ) الكلام فيما يمكن ان يجعل ثمرة لهذا النزاع ( وهو ) انه على المختار من قبح التجري ذاتا ومبعديته لو قامت امارة معتبرة على حرمة شيء فلا اشكال في عدم صلاحية العمل المتجرى به حينئذ للمقربية ولو مع اتيانه برجاء مطلوبيته واقعا ، من جهة انه مع قبحه فعلا ومبعديته يستحيل صلاحيته للمقربية ( واما ) على مختار الشيخ قدس‌سره فيمكن التقرب بمثله باتيانه برجاء المطلوبية الواقعية ، إذ لا تنافي بين كشفه عن سوء سريرته وبين صلاحيته للمقربية ( وتوهم ) مانعية سوء سريرته حينئذ عن مقربية عمله كما في عمل الكافر المأتي بقصد التقرب بناء على عدم مانعية الكفر ( ممنوع ) إذ يحتاج مثله إلى قيام دليل عليه ( واما ) على مختار الكفاية فيمكن الالتزام أيضا بصحة عمله وصلاحيته للمقربية ( إذ ) بعد عدم سراية القبح إلى نفس العمل ووقوفه على نفس العزم على المعصية فلا قصور في صلاحية عمله للمقربية ، اللهم الا ان يقال بان قوام مقربية الأعمال بعد أن كان بقصدها ، فلا محاله يكون مبعدية قصده مانعا عن مقربية عمله ( ولعله ) إلى ما ذكرناه أيضا نظر الأصحاب في حكمهم ببطلان العبادة مع خوف الضرر الغير المالي ، وكذا بنائهم على بطلان عبادة الحائض في أيام الاستظهار أو عند الاشتباه بدم آخر قبل الاختبار بناء على الحرمة الذاتية ولو لم يكن في الواقع حيضا ولا كان في الواقع ضرر ( إذ بعد ) كون المرتكز في الأذهان هو طريقية هذه العناوين لا موضوعيتها يتمحض بنائهم على البطلان من جهة كونه تجريا ( واما ) توهم ان بنائهم على البطلان في نحو هذه الموارد انما هو من جهة التشريع لا التجري ( فيدفعه ) استلزامه للبناء على صحة العبادة في فرض الاتيان بها برجاء المطلوبية واقعا ، لعدم تأتي التشريع المحرم حينئذ ولو مع قيام الامارة المعتبرة على الحرمة مع أنهم لا يلتزمون بذلك

الجهة السادسة

« قد عرفت » ان القطع إذا كان طريقا محضا فلا يفرق فيه بين أسبابه

٤٢

وأشخاصه وأزمانه وانه متى تحقق يتبعه حكم العقل تنجيزا بلزوم متابعته والحركة على وفقه بنحو يستحيل الردع عنه من قبل الشارع ( الا انه ) خالف في ذلك جماعة من أصحابنا الأخباريين فقالوا بأنه لا اعتبار بالقطع الناشئ من غير الأدلة السمعية ( وهو ) بظاهره مشكل بداهة اباء العقل بعد تنجيزية حكمه بلزوم الاتباع عن تشريع خلافه لكونه من المناقضة الواضحة في نظره ( نعم ) لهذا الكلام مجال بناء على تعليقية حكمه على عدم الردع عنه ( إذ حينئذ ) بالردع يرتفع حكم العقل فترتفع المناقضة ( كما لعله ) إلى ذلك أيضا نظر القائلين بجواز ارتكاب جميع الأطراف في العلم الاجمالي فكان تجويزهم ارتكاب الجميع من جهة دعوى كون حجية العلم الاجمالي كالظن في حال الانسداد على الحكومة ( معلقة ) على عدم ورود ترخيص شرعي على الخلاف ( وحينئذ ) فلا يبقى في البين الا شبهة المناقضة والمضادة الواقعية ، وهي أيضا مندفعة بما يجاب به في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي من اختلاف الرتبة بين الحكمين هذا ولكن المبنى واضح البطلان ، بداهة انه ليس حكم العقل بلزوم اتباع القطع الا على نحو التنجيز الغير القابل للمنع عنه ، بشهادة ارتكاز المناقضة الكاشف إنا عن كون حكمه بلزوم اتباع القطع على نحو التنجيز والعلية التامة ، نظير كشف التبادر عن ثبوت الوضع ( إذ ) المناقضة المزبورة الارتكازية ثبوتا من توابع تنجيزية حكم العقل ( وعلى ذلك ) فمتى حصل القطع يتبعه حكم العقل التنجيزي بوجوب الموافقة سواء كان حصوله من المقدمات العقلية النظرية أو الضرورية أو الأدلة السمعية ، وسواء كان القاطع قطاعا أو غيره ، لاستواء الجميع بنظر العقل ( نعم ) يمكن ان يفرق بين القطع الناشي عن تقصير المكلف في مقدمات حصول قطعه وبين غيره في جهة معذريته عند مخالفة قطعه للواقع ، بدعوى عدم معذورية من يقصر في مقدمات قطعه خصوصا إذا كان ذلك من جهة الخوض في المقدمات العقلية التي نهى عن الخوض فيها ( ولكن ) مثل هذه الجهة غير مرتبطة بجهة منجزيته وعليته لحكم العقل بوجوب الحركة على وفقه ( إذ ) لا تلازم بين عدم معذرية قطعه ذلك عند تخلفه عن الواقع ، وبين عدم منجزيته في مقام اثبات الاشتغال بالتكليف وصحة الردع عن العمل على وفقه ( ولا بأس ) أيضا بالالتزام بهذا المقدار ، كما يشهد له النصوص الناهية عن

٤٣

الخوض في المطالب العقلية ز بناء على شمولها للقطع بالأحكام الفرعية ، بل وما ورد من نفي الثواب على ما لا يكون بدلالة ولى الله ( فان ) الظاهر المستفاد منها هو النهي عن الخوض في المباني العقلية في مقام استنباط الاحكام الفرعية كالأقيسة والاستحسانات كما كان عليه ديدن العامة اللذين استغنوا بأمثال هذه الأمور عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام « لولا » دعوى سوقها في مقام شرطية الولاية في صحة الأعمال خصوصا بقرينة بناء الاسلام عليها ( نعم ) ما كان منها بلسان عدم جواز العمل به لابد من حمله على الظنون العقلية والاستحسانات الظنية ونحوها مما لا يستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع ( ولعله إلى ما ذكرنا ) نظر القائل بعدم اعتبار قطع القطاع فيراد من ذلك عدم اعتباره في مقام المعذرية ، ولو بملاحظة تقصيره في مقدمات قطعه من الأول الناشئ من جهة قلة مبالاته وعدم تدبره الموجب لخروجه بذلك عما عليه متعارف الناس من الاستقامة إلى الاعوجاج في السليقة بنحو يحصل له القطع من كل شيء مما لا يكون مثله سببا عاديا لحصول الظن بل الشك لمتعارف الناس ، لا عدم اعتباره في مقام المنجزية ومرحلة اثبات التكليف والاشتغال به ( بل ويمكن ) ان يحمل عليه أيضا مقالة الأخباريين في حكمهم بعدم اعتبار القطع الناشئ من غير الأدلة السمعية لولا تصريح بعضهم بالخلاف ولو بدعوى كون القطع الناشئ من المقدمات العقلية أكثر خطأ من القطع الناشي من الأدلة السمعية وان كان فيه ما فيه أيضا لمنع أكثرية الخطأ في ذلك عما يحصل من الأدلة السمعية بنظر العقل ومساواتها بنظره من جميع الجهات ( وربما ) أفيد في توجيه كلامهم كما عن بعض الأعاظم قدس‌سره بجعله ناظرا إلى شرطية العلم الخاص في أصل ثبوت التكليف الواقعي بنحو نتيجة التقييد ( بل ) نفي البعد أيضا عن كون العلم الحاصل من غير الطرق الشرعية كالرمل والجفر وغيرهما مانعا شرعيا عن أصل ثبوت التكليف الواقعي « ولكنه » كما ترى فان نظر الأخباريين لو كان فيما اختاروه إلى شرطية العلم من سبب خاص في ثبوت الحكم الشرعي ولو بمتمم الجعل يلزمهم انكار حصول العلم بالحكم من غير الكتاب والسنة كما توجه إلى ذلك أيضا هو قده قبيل ذلك « لا المنع » عن حجيته ولزوم متابعته ( مع ) ان كلماتهم كما ترى مشحونه بأنه لو حصل العلم من غير الكتاب والسنة يطرح ولا يصلح

٤٤

للمعارضة مع العلم الحاصل من الدليل النقلي ( ومن ذلك ) ترى الشيخ قدس‌سره يستوحش من هذه المقالة غايته وينادي بأنه ليت شعري مع حصول العلم من دليل العقل ، كيف يعقل حصول العلم بخلافه من غيره وبالعكس ، حتى يقع بينهما المعارضة وينتهي الامر إلى ترجيح النقلي عليه ، وانه في فرض حصول العلم كيف يعقل الردع عنه ( واما ) ما وقع منه قدس‌سره من جعل مقالة الأخباريين من أمثلة العلم المأخوذ في الموضوع فإنما هو لمحض التمثيل على ما يقتضيه مذاق الأخباريين من عدم العبرة بالعلم الحاصل من غير الكتاب والسنة لا انه لأجل تصحيح كلامهم والا لم يكن مجال للانكار عليهم والاستيحاش من مقالتهم كما هو ظاهر وقد يوجه » كلامهم بوجه آخر وتقريبه ان قصد التقرب في الأحكام الشرعية لما كان منوطا بالجزم بالامر الشرعي الباعث على الاتيان كان للشارع تقييد القربة المعتبرة في المأمور به بالقرب الناشئ عن خصوص الجزم الناشئ من الأدلة السمعية لا مطلقا فحينئذ تصح مقالة الاخباري من عدم العبرة بالقطع الناشئ من المقدمات العقلية ، مؤيدا بما ورد من النصوص بعدم الثواب على الأعمال التي لم تكن بدلالة ولى الله الظاهرة في كون عدم المثوبة من جهة الاخلال بقصد القربة ( أقول ) ولا يخفى ان هذا التوجيه وان كان وجيها في نفسه ولا يرد عليه اشكال امتناع ردع الشارع عن العمل على وفق القطع الناشئ عن غير الأدلة السمعية لخروجه في الحقيقة عن مفروض البحث الذي هو القطع الطريقي ( ولكن ) يرد عليه مضافا إلى اختصاصه بالتكاليف العبادية وعدم جريانه في كلية التكاليف ، انه لا دليل على التقييد المزبور في العبادات لو لم نقل بظهور أدلة اعتبار قصد القربة في كفاية مطلق القرب الناشئ ولو من الجزم الناشي من الطرق العقلية ، واما التأييد المزبور فقد عرفت ان هذه النصوص ، بين ما يكون في مقام اعتبار شرطية الولاية في أصل صحة الأعمال ، وبين ما يكون في مقام النهى عن الخوض في الأقيسة والاستحسانات العقلية الظنية كما عليه العامة ( وحينئذ ) فأحسن التوجيهات لمقالتهم هو ما ذكرناه أولاً من تعليقية حكم العقل في وجوب اتباع القطع على عدم ردع الشارع عن خلافه كما ربما يؤيده كلام المحدث البحراني قدس‌سره في ترجيح للنقل على العقل عند تعارض القطعين وتأييد أحدهما بالنقلي فتأمل

٤٥

الجهة السابعة

في أنه هل يعتبر العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي والكلام فيه يقع ( تارة ) في مقام اثبات التكليف به ( وأخرى ) في مقام الاسقاط به ( اما المقام الأول ) فيقع الكلام فيه ( تارة ) في تأثيره في التنجيز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية في قبال من يدعى عدم اقتضائه رأسا وانه كالشك البدوي ( وأخرى ) في تأثيره بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، وعلى التقديرين فهل هو على نحو الاقتضاء أو بنحو العلية التامة غير القابل لمجئ الترخيص على خلافه ، أو يفصل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بكونه على نحو العلية في الأولى وعلى نحو الاقتضاء في الثانية ( فنقول ) لا ينبغي الاشكال في أن العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في كونه علة تامة لاثبات الاشتغال بالتكليف وتنجيزه على وجه يأبى العقل عن الترخيص على خلافه ويشهد لذلك ارتكاز المناقضة هنا كما في العلم التفصيلي فإنها من تبعات عليه العلم الاجمالي وتنجيزية حكم العقل بالاشتغال ولولا عليته لما تحققت المناقضة المزبورة ( وبذلك ) اتضح فساد القول بالاقتضاء فضلا عن القول بعدم الاقتضاء رأسا وانه كالشك البدوي ( وبذلك يظهر الحال ) في الموافقة القطعية أيضا حيث إن لازم علية العلم الاجمالي لأصل الاشتغال وتنجيز المعلوم بالاجمال هو لزوم الخروج عن عهدته ، ولا يكون ذلك الا باتيان جميع المحتملات ، لان الاقتصار على بعضها مساوق لاحتمال عدم الخروج عن عهدة ما تنجز من التكليف ، ولازمه اباء العقل عن الترخيص الشرعي ولو في بعض الأطراف ، إذ مع تردد الواقع بين المحتملين واحتمال كون الطرف المرخص فيه هو الواقع المنجز ، يرى ترخيصه فيه ترخيصا في محتمل المعصية ومناقضا بحسب ارتكازه لما علم ثبوته في عهدته ، ( وعليه لا يبقى ) مجال للتفكيك بين الموافقة القطعية والمخالفة القطعية بحرمة الثانية وعدم وجوب الأولى ، إذ العلم الاجمالي ان كان قاصرا في أصل اقتضائه للاشتغال فلا مقتضى لحرمة المخالفة القطعية ، فأمكن اجراء الأصلين في الطرفين بلا ورود ومحذور في البين ، وان كان تاما في اقتضائه للاشتغال ، يلزمه وجوب الموافقة القطعية أيضا ، لان الاشتغال بالتكليف يقتضي الفراغ اليقيني عنه ولا يحصل ذلك الا باتيان جميع ما يحتمل انطباق

٤٦

المعلوم عليه من الأطراف ( ثم إن المنشأ لتوهم ) التفكيك المزبور انما هو تخيل كون متعلق العلم الاجمالي هو نفس الجامع بين الطرفين بما انه حاك عن منشأه نظير الجامع المأخوذ في حيز التكاليف الشرعية فيقال ان شأن العلم اجمالا أو تفصيلا بعد أن كان تنجيز متعلقه لا غيره فلا جرم ان المنجز بالعلم الاجمالي ليس الا نفس الجامع بين الطرفين ، بلا سراية إلى الخصوصيتين ولازمه وان كان وقوع كل واحد من العناوين التفصيلية موردا للترخيص العقلي بمناط قبح العقاب بلا بيان ، ولكنه من جهة استتباع الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف لمحذور الوقوع في المخالفة القطعية لذلك التكليف المعلوم بالاجمال ، يقتصر في مقام الارتكاب على بعض الأطراف ، إذ هو مقتضى الجمع بين تنجز الجامع وبين الترخيص في ارتكاب كل واحد من الأطراف بعناوينها التفصيلية كما هو الشأن في جميع الواجبات التخييرية التي يكون مرجع الوجوب فيها إلى ايجاب الجامع بين الافراد فكما ان مقتضى الامر بالجامع هناك مع الترخيص في ترك الخصوصيات هو الاقتصار في الترك على بعض الأطراف دون جميعها لافضاء ترك الجميع إلى محذور المخالفة القطعية للتكليف بالجامع كذلك الامر في المقام أيضا ، « ولكنك خبير » بما فيه إذ نقول ان متعلق العلم الاجمالي ومعروضه وان كان هو الجامع بين الطرفين ليس الا لبداهة خروج الخصوصيتين عن متعلق العلم رأسا ، لكن لا بما انه في حيال ذاته ولا بما انه حاك عن منشأه كما في الطبيعي المأخوذ في حيز التكاليف ، بل بما انه مرات اجمالي عن الخصوصية الواقعية المرددة في نظره بين إحداهما بنحو تكون نسبته إليها نسبة الاجمال والتفصيل بحيث لو كشف الغطاء كان المعلوم بالاجمال عين المعلوم التفصيلي وينطبق عليه بتمامه لا بجزء تحليلي منه كالطبيعيات الصرفة ، فيكون المقام من هذه الجهة أشبه شيء بمدلول النكرة الذي هو عبارة عن إحدى الخصوصيات قبال عنوان الواحد الحاكي عن صرف منشئه من دون ان يكون مراتبا اجماليا للخصوصية وان كان بين المقامين فرق من حيث إن النكرة يراد بها الخصوصية المبهمة بنحو لا تعين لها في الواقع أيضا ، بخلاف المقام حيث إن للعنوان المعلوم بالاجمال واقعا محفوظا بنظر القاطع ، ولكنه مجهول عنده فلم يدر انه هذا أو ذاك والسر في الفرق المزبور هو ان الجامع في متعلق الاحكام عبارة عن نفس الطبيعة لا بوصف

٤٧

تعينها وموجوديتها خارجا ، بل في ظرف عدمها بنحو يكون الطلب محركا لايجادها في الخارج ويكون تعينها بايجادها في الخارج ، والا فقبل ايجادها تكون لها قابلية الانطباق على كل واحد من الافراد ، وهذا بخلاف الجامع المتعلق للعلم الاجمالي ، فإنه عبارة عن المهية بوصف موجوديتها وتعينها في الخارج ، الا انه من جهة عدم تعينه في نظر القاطع يتردد انطباقه في نظره على هذا أو ذاك ، ولذلك لم تكن قابلية انطباقه على كل واحد من الطرفين الا احتماليا محضا ، ومن المعلوم بداهة سراية التنجز من مثل هذا الجامع إلى نفس تلك الخصوصية الواقعية ، ومع احتمال وجوده في كل واحد من الطرفين ، يحتمل في كل واحد منهما وجود الواقع المنجز ، ولازمه بحكم العقل الجزمي بالاشتغال لزوم الاتيان بجميع المحتملات لان الاقتصار على بعضها مساوق لاحتمال عدم الخروج عن عهدة ما تنجز عليه ، وان أبيت عن سراية التنجز من الجامع إلى الخصوصية الواقعية نقول بعد انحصار فرد هذا الجامع بإحدى الخصوصيتين لابد في مقام الخروج عن عهدة التكليف بهذا الجامع المنحصر فرده بإحدى الخصوصيتين ، من الاتيان بكلتا الخصوصيتين إذ مع الاتيان بأحديهما مع احتمال انحصاره بالأخرى ، يشك في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، وحينئذ فعلى أي تقدير لا يبقى مجال التفكيك بين الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ( وتوهم ) الفرق بينهما بان عدم جواز الترخيص في المخالفة القطعية ، انما هو باعتبار تعلقه بنفس المعلوم ومثله مما يأبى عنه العقل ، لارتكاز المناقضة بخلاف الترخيص في ترك الموافقة القطعية ، فإنه انما يتعلق بالمشكوك ، ومثله مما لا يأبى عنه العقل كما في الشبهات البدوية ( مدفوع ) بان منشأ ارتكاز المناقضة في الترخيص في المخالفة لا يكون الا تنجيزية حكم العقل بالاشتغال والا فلا مجال لتوهم المناقضة المزبورة ، وحينئذ فإذا فرضنا تنجيزية حكمه بالاشتغال فلا محالة نفس هذا المعنى يقتضي لزوم تحصيل الجزم بالفراغ عما ثبت الاشتغال به ولا يكون ذلك الا باتيان جميع المحتملات ( نعم ) للشارع الترخيص في ترك بعض الأطراف بجعل بعضها الاخر بدلا ظاهريا عن المأمور به في مقام تفريغ الذمة ولكنه غير مرتبط بمقام الترخيص في ترك الموافقة القطعية ، ولذلك يجرى هذا المعنى في موارد ثبوت التكليف بالعلم التفصيلي أيضا ، كما في موارد جريان

٤٨

الاستصحابات الموضوعية المنقحة لموضوع الفراغ كاستصحاب الطهارة والستر ونحوهما ، وكذا موارد جريان قاعدة التجاوز والفراغ ونحو ذلك ، مع أنه لا شك في علية العلم التفصيلي بالتكليف لوجوب الموافقة القطعية « وبالجملة » لا نعنى بعلية العلم الاجمالي الا كونه كالعلم التفصيلي في مقام اثبات الاشتغال ، بنحو لا يحتاج إلى جعل من قبل الشارع ولا يقبل المنع عنه « واما » مرحلة الفراغ المترتبة على الاشتغال فللشارع التصرف فيها بجعل بعض الأطراف مصداقا للمفرغ عما ثبت الاشتغال به ، من جهة ان هم العقل في هذه المرحلة انما هو تحصيل المفرغ بالأعم من الحقيقي والجعلي ، كما هو الشأن في حكمه بالفراغ في مورد ثبوت الاشتغال بالعلم التفصيلي الجارية فيه الأصول المنقحة لموضوع الفراغ وليس همه لزوم تحصيل الفراغ الحقيقي باتيان ما هو مصداق المأمور به حقيقية ، فالمقصود من علية العلم الاجمالي للتنجيز ، انما هو عليته لاستحقاق العقوبة على ترك الموافقة بأحد الوجهين وجدانا أو جعلا ولزوم تطبيق العمل على طبق المعلوم بأحد الوجهين وعلى ذلك لا يبقى مجال للتشبث بموارد قيام الامارة على نفى التكليف في بعض الأطراف ، وقيام الأصل المحرز للتكليف في بعضها ، لاثبات عدم علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، وذلك لما عرفت من الفرق بين المقامين من حيث رجوع الموارد المزبورة إلى مرحلة التوسعة في ناحية المفرغ التي هي غير منافية مع علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، لا إلى مقام الترخيص في ترك تحصيل القطع بالموافقة ، ولذلك لا يفرق في هذه الجهة بين ثبوت الاشتغال بعلم تفصيلي وثبوته بعلم اجمالي كما أشرنا إليه ، وسيجئ مزيد بيان لذلك في مبحث البراءة والاشتغال.

« ثم انه » بعد ما اتضح اعتبار العلم الاجمالي في مقام اثبات التكليف ( يبقى ) الكلام في المقام الثاني وهو اعتباره في مقام اسقاط التكليف في ظرف ثبوت الاشتغال به بأي طريق كان ، وانه هل يجوز الاكتفاء بالامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، فيه خلاف بين الاعلام « فنقول » اما في التوصليات فلا ينبغي الاشكال في جوازه مطلقا لسقوط الامر والتكليف باتيان المأمور به كيفما اتفق ، واما في العبادات ، فلا اشكال أيضا في فرض تعذر

٤٩

الامتثال التفصيلي ، من غير فرق بين استلزامه للتكرار وعدمه ( والا ) يلزم سد باب الاحتياط في العبادات بالمرة وهو كما ترى ( وانما الكلام ) في صورة التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي أو الظني المعتبر خصوصا في فرض استلزامه للتكرار « ومنشأ » الاشكال انما هي شبهة اعتبار قصد الوجه ، والتمييز في العبادة المستلزم للامتثال التفصيلي « والا » ففي سائر الوجوه المذكورة في كلامهم كاللعب بأمر المولى ونحوه مناقشة واضحة « وتقريب الشبهة المزبورة » انه بعد احتمال دخل قصد الوجه والتمييز في العبادة كأصل قصد القربة ، وعدم امكان نفي اعتبارهما باطلاق دليل العبادة ولو مع كونه مسوقا في مقام البيان بلحاظ عدم كون مثل هذه القيود على تقدير دخلها مما يمكن اخذها في المأمور به شرعا ، حتى يدفع اعتبارها باطلاق دليل العبادة أو بالأصل بلحاظ معلومية متعلق التكليف بتمام حدوده للقطع بعدم دخلها في المأمور به ، وان كانت على فرض اعتبارها دخيلة في أصل الفرض ، وفى سقوط الامر « لا مناص » من المصير إلى الاحتياط عند الشك في دخل مثلها في الغرض ولو على القول بمرجعية البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين ، بلحاظ ان الشك هناك راجع إلى الشك في أصل التكليف بالجزء المشكوك ، بخلاف المقام فان الشك فيه راجع إلى الشك في الامتثال والخروج عن عهدة ما ثبت الاشتغال به يقينا وفي مثله يحكم العقل بلزوم تحصيل القطع بالفراغ ولا يكون ذلك الا باتيان العمل بداعي وجوبه تفصيلا بحيث يجزم حال الاتيان بالعمل بكون الماتى به هو الواجب والمأمور به ، وعلى هذه الجهة فرعوا بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وجعلوا الاحتياط خلاف الاحتياط بلحاظ ان في ترك سلوك الطريقين اخلال بقصد الوجه المحتمل دخله في العبادة ، هذا « أقول » وفيه انه وان احتمل دخل مثله في الغرض والمصلحة ، ولكنه بعد كون مثل هذه الأمور من القيود المغفول عنها غالبا فلا بأس بالتمسك بالاطلاقات المقامية في نفي اعتبارها في الغرض فان مقتضى الاطلاق المقامي هو عدم اعتبار ما شك في دخله من نحو هذه القيود المغفول عنها ، والا يلزم اخلال المولى بغرضه بسكوته وعدم التعرض لدخله في غرضه ولو بخطاب آخر « ويمكن التمسك » بالاطلاق اللفظي أيضا بما بنياه في مبحث التعبدي والتوصلي من امكان اخذ قيد

٥٠

دعوة الامر في متعلقه بالتزام ان الحكم المنشأ بالانشاء الوارد في الخطاب الشخصي هو سنخ الحكم الساري في ضمن افراد طولية بعضها محقق لموضوع الاخر بنحو قابل للانحلال إلى خطابات متعددة بعدد الافراد ، كما في وجوب تصديق العادل الشامل باطلاقه للاخبار مع الواسطة ، إذ على هذا البيان تكون هذه القيود المتأخرة كغيرها من القيود في امكان اخذها في المتعلق ، الا انها تفترق عنها بتوقف اخذها في المتعلق على طلبين يتعلق أحدهما بذات العمل والاخر باتيانه بداعي امره بخلاف القيود الاخر فإنه يكفي في اخذها نفس الطلب المتعلق بالمقيد وحينئذ فعند الشك في دخل قصد الوجه في المصلحة ، لا بأس بالتمسك باطلاق الخطاب باعتبار كشفه عن الطلب لنفي اعتباره في المتعلق وعدم دخله في المصلحة ، ومجرد قصور شخص الخطاب وعدم قابليته للتقييد بما هو من شؤونه ولوازم وجوده ، غير ضائر باطلاق الإرادة ( إذ هي ) سعة وضيقا تابعة للمصلحة القائمة بالمتعلق فإذا لم يكن للقيد المشكوك دخل في المصلحة القائمة بالمتعلق تتبعها الإرادة قهرا في الاطلاق ، وبالجملة الفعل المأمور به وان لم يكن له اطلاق من ناحية شخص الخطاب المتعلق به الا انه من حيث الإرادة التشريعية التابعة للمصلحة القائمة به قابل للاطلاق والتقييد فأمكن التمسك باطلاقه لعدم دخل القيد في المتعلق ، إذ على تقدير دخله في المصلحة الموجبة للإرادة لابد للشارع من بيانه واخذه في حيز خطابه فمع عدم اخذه في خطابه يتمسك باطلاق الخطاب لنفي اعتباره في متعلق امره ( ويمكن ) تقريب الاطلاق بوجه اخر حتى على فرض كون المنشأ بالخطاب حكما شخصيا ، بتقريب انه وان يقطع بعدم امكان تقييد المأمور به بمثل قصد الوجه ، لامتناع اخذ ما هو من شؤون الامر في متعلقه ، ولكنه لا شبهة في أنه في فرض اعتباره في الغرض لا يكون له اطلاق أيضا يشمل حال فقده ، بل هو حينئذ عبارة عن الحصة الخاصة التوئمة مع قصد الوجه على نحو نتيجة التقييد كما أسلفنا وحينئذ فلو شك في دخله في الغرض يكون مرجع الشك المزبور لا محالة إلى الشك في اطلاق المأمور به وعدم اطلاقه الراجع إلى الحصة التوئمة وبعد ان كان للشارع بيان هذه الجهة يتمسك باطلاق خطابه في نفي اعتباره في غرضه ، وحينئذ فلولا قصور هذه المطلقات من جهة كونها في مقام البيان ، لا قصور في التمسك باطلاقها من هذه الجهة ( ثم انه )

٥١

لو بنينا على عدم تمامية الاطلاقات حتى المقامية منها فلنا ان نتمسك بالبرائة العقلية بناء على جريانها في الأقل والأكثر كما هو التحقيق ، فان ما أفيد في تقريب الاشتغال في المقام بعينه هو الاشكال الجاري هناك إذ احتمال دخل القيد في الغرض وفى الخروج عن عهدة الامر بالصلاة في المقام مساوق احتمال دخل الجزء المشكوك في الخروج عن عهدة التكليف بالأقل هناك غاية الامر انه في صورة امكان اخذ القيد في المتعلق ينبسط التكليف حسب تبعيته للغرض على ذوات الاجزاء مع تقييدها بالقيود على نحو كيفية قيام الغرض بها ، واما في صورة عدم امكان اخذه في المتعلق كما في المقام فيستقل ذات المقيد بالامر بلحاظ قصور التكليف حينئذ عن الشمول للقيد ولكن استقلالها بالامر لا يكون على نحو الاطلاق بحيث يشمل حال فقد القيد بل يكون وجوبها في حال انضمام القيد إليها على نحو القضية الحينية المعبر عنه بوجوب الحصة التوئمة مع القيد لان ذلك هو الذي تقتضيه المصلحة الضمنية القائمة بها « نعم » لو كان استقلال الذات بالامر في المقام ناشئا عن مصلحة مستقلة قائمة بها وراء المصلحة القائمة بالمقيد « لأمكن » الفرق بين المقامين في البراءة والاشتغال وارجاع الشك في المقام إلى التعيين والتخيير ، ولكنه ليس كذلك بل كان ثبوت التكليف بالذات في المقام ناشئا عن نفس تلك المصلحة القائمة بالمقيد وان استقلال الذات بالامر انما كان من جهة قصور في نفس الامر عن الشمول لمثل هذه القيود المتأخرة رتبة عنه ، وحينئذ فيشترك المقام مع الأقل والأكثر فكان مرجع الشك في المقام بعد احتمال دخل القيد في الغرض إلى الشك في أن ما في العهدة هو نفس هذه الذوات فقط أو هي بما انها توئمة مع القيد فيرجع إلى الأقل والأكثر ، ومن المعلوم انه لا يستقل العقل في مثله الا بلزوم الخروج عن عهدة التكليف من قبل ما تم البيان عليه دون غيره ، وفي هذا الظرف وان كان يحتمل عدم سقوط التكليف واقعا الا ان احتماله لما كان مستندا إلى جهة أخرى لم يتم البيان عليها لا من جهة قصور في الماتى به كان مما لا يعتني به العقل ، إذ ليس هم العقل اسقاط التكليف واقعا وفى نفس الامر وانما همه الا من عن تبعة مخالفة ما تم عليه البيان وذلك يحصل باتيان متعلق التكليف عاريا عن القيد « وبما ذكرنا » ظهر وجه عدم اعتبار قصد الوجه والتمييز بمقتضى الأصول

٥٢

والاطلاقات وانه لا مجال للاشكال من هذه الجهة في الامتثال الاجمالي ولا ينتهى النوبة إلى ما قيل من بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ( نعم ) في المقام شبهة أخرى وهي ان مراتب الامتثال حيث كانت أربعة فلابد في الانتقال من كل مرتبة إلى المرتبة التالية من تعذر المرتبة السابقة ، والا فلا تصدق الإطاعة عقلا ويترتب عليه عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط والامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي خصوصا في فرض استلزامه للتكرار لرجوعه حينئذ إلى الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي وانبعاثه عن احتمال البعث الذي هي الدرجة الأخيرة مع تمكنه من المرتبة القصوى بانبعاثه عن امر جزمي حال الاتيان بالعمل ، ولا أقل من الشك في اعتبار ذلك ، فيرجع إلى أصالة الاشتغال لرجوعه إلى الشك في التعيين والتخيير ( ولكنها مدفوعة ) بأنه لا دليل على ما أفيد في لزوم هذا الترتيب بين الامتثالين لولا رجوعه إلى دعوى لزوم قصد الوجه والتمييز في العبادة الذي تقدم الكلام فيه مفصلا وما أفيد من مرجعية الاحتياط عند الشك لرجوع الشك فيه إلى التعيين والتخيير ممنوع بل هو راجع إلى الشك في الأقل والأكثر في مراتب الامتثال إذ يكون الشك في دخل مرتبة زائدة من تلك المراتب المختلفة من حيث اشتمال بعضها على خصوصية زائدة دون بعض ومثله راجع إلى الأقل والأكثر ، والمرجع فيه على ما حقق في محله هي البراءة لا الاحتياط كما لا يخفى « كما أن ما أفيد أيضا » من كون الانبعاث في الامتثال الاجمالي انبعاثا عن احتمال البعث لان الداعي له على الاتيان في كل محتمل هو احتمال الامر « ممنوع » بان الانبعاث لا يكون الا عن الجزم بالامر ولو اجمالا وانما الاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده لا ان ما يدعوه بنفسه هو احتمال الامر وبين الامرين فرق واضح وسيأتي مزيد بيان لذلك انشاء الله تعالى عند التعرض لذكر شرائط جريان الأصول.

الجهة السابعة

هل تنجز التكليف بالقطع تفصيلا أم اجمالا أو بغيره من الطرق الشرعية كما يقتضى وجوب الموافقة عملا ، يقتضى وجوبها التزاما بالتدين به والتسليم له اعتقاداً

٥٣

وانقيادا بحيث يكون له امتثالان واطاعتان « فيه خلاف » المشهور العدم وهو المختار ، لانتفاء ما يقتضى ذلك شرعا وعقلا ، مضافا إلى شهادة الوجدان بعدم استحقاق الآتي بالمأمور به من دون التزام للعقوبة ( إذ لو كان ) واجبا كنفس العمل للزم في الفرض المزبور استحقاقه للعقوبة ، بل ولزم تعددها في فرض ترك الموافقة العملية أيضا ( وهو كما ترى ) يحكم بداهة الوجدان بخلافه ( نعم ) لا باس بدعوى رجحانه في نفسه ، بلحاظ كونه منشأ لكمال العبد وقربه إلى سيده وارتفاع درجته لديه ، بخلاف العكس فإنه موجب لتنقيصه وانحطاط درجته لديه ، لما يرى بالوجدان من الفرق بين الآتي بالمأمور به ملتزما بوجوبه ، وبين الآتي به غير ملتزم به ولكن ليس ذلك إلى حد يقتضى لزومه ( وتوهم ) وجوبه حينئذ باعتبار كونه من مراتب شكر المنعم الذي يجب القيام به عقلا كما في الالتزام وعقد القلب بأصول العقائد وبما جاء به النبي (ص) ( مدفوع ) بان المقدار المسلم من الشكر الواجب انما هو الالتزام الاجمالي بالأحكام ( واما ) الالتزام التفصيلي بكل واحد من الاحكام ، فلم يقم على وجوبه دليل من الشرع ولا حكم من العقل ومجرد كونه من مراتب الشكر لا يقتضى وجوبه ، بل وجوب الالتزام الاجمالي بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انما هو من جهة كونه من شؤون التدين والتصديق بنبوته لا من جهة كونه شكرا ( واضعف ) من ذلك الاستدلال على وجوبه بحرمة التشريع إذ ذلك أيضا كما ترى ، للفرق بين عدم الالتزام بالوجوب وبين التشريع الذي هو الالتزام بالخلاف ، مع وضوح عدم اقتضاء عدم وجوب الالتزام بالحكم لجواز الالتزام بخلافه كما هو ظاهر « تنبيهان » الأول لا يخفى انه لا اختصاص لهذا النزاع بخصوص الأحكام المتعلقة بأفعال الجوارح كوجوب الصلاة والحج ونحوهما « بل يعم » الأحكام المتعلقة بأفعال الجوانح كوجوب الاعتقاد بالمبدء ووجوب عقد القلب به وبرسالة أنبيائه ونحو ذلك ، فان وجوب الاعتقاد وعقد القلب ليس الا كسائر الكبريات الشرعية من نحو وجوب الصلاة والصوم غير أن متعلق الوجوب في أحدهما فعل الجوارح وفي الاخر فعل الجوانح فيقال فيها أيضا انه بعد ثبوت وجوب الاعتقاد وعقد القلب بشيء هل يجب الالتزام والتدين بهذا الوجوب من جهة الموافقة الالتزامية « الثاني » انه بعد البناء على وجوب الموافقة الالتزامية

٥٤

بمناط شكر المنعم أو بمناط آخر لا شبهة في وجوبها في صورة قيام العلم التفصيلي بالتكليف بل وفي صورة ثبوت التكليف بالامارة المعتبرة حيث إنه يجب الالتزام بالحكم الظاهري على الجزم وبالواقع على ما هو عليه ، واما في صورة ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي فالمقدار الواجب انما هو الالتزام بالواجب الواقعي المردد بين الامرين لكونه هو المقدار الممكن في حقه ، واما الالتزام التفصيلي بوجوب كل واحد من الامرين فهو غير واجب بل غير جائز ( نعم الالتزام ) الاحتمالي بوجوب كل منهما رجاء حيث كان ممكنا أمكن دعوى وجوبه أيضا من دون ان ينافي ذلك ما تقتضيه الأصول الموضوعية أو الحكمية الموجبة للالتزام التفصيلي بالحكم الظاهري في مواردها ( وحينئذ ) ففي موارد جريان الأصول المثبتة في أطراف العلم الاجمالي وموارد دوران الامر بين المحذورين الجاري فيها أصالة الإباحة على ما هو التحقيق ينتهى الامر إلى وجوب التزامات ثلاثة ، الالتزام الجزمي بما هو الواجب الواقعي المردد بين الامرين ، والالتزام الاحتمالي بوجوب كل واحد من الامرين رجاء والالتزام التفصيلي بالحكم الظاهري المستفاد من الأصول الجارية في الأطراف فتدبر هذا تمام الكلام في المقصد الأول

المقصد الثاني

ويقع الكلام فيه في مقامين الأول في امكان التعبد في الظن الثاني في وقوعه خارجا بعد الفراغ عن أصل امكانه « اما المقام الأول » فالمعروف المشهور بينهم هو امكانه ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه عدى ما حكى عن ابن قبة وبعض آخر من دعوى استحالته وامتناعه لشبهة نقض الغرض وتحريم الحلال وعكسه وتفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ( أقول ) ظاهر هذا العنوان يقتضى خروج الظن في حال الانسداد على تقرير الحكومة عن حريم النزاع ( إذ ) على الحكومة لا يكون في البين تعبد من قبل الشارع بالظن كي يلزم منه المحاذير المزبورة ، بل لا يكون الا حكم العقل بلزوم الاخذ بالظن والعمل على طبقة لأقربيته إلى الواقع بالنسبة إلى الشك والوهم ( بل ) لئن ضم إلى ذلك ملاحظة عصر ابن قبة الذي هو قبل عصر السيد ( أمكن ) دعوى خروج مطلق الظن عند الانسداد عن حريم

٥٥

النزاع ، وان كان ما ذكر من التعليل للمنع عنه من نحو شبهة اجتماع الضدين وتحليل الحرام وعكسه يعم كلا الحالين ( ثم لا ينبغي الاشكال ) في أنه ليس المراد من الامكان المبحوث عنه في المقام هو الامكان الذاتي وهو الذي لا يأبى بذاته عن الوجود والعدم المقابل للامتناع بهذا المعنى كاجتماع النقيضين والضدين بل المراد منه هو الامكان الوقوعي وهو الذي لا يكون بنفسه محالا ولا مستلزما لأمر محال ويقابله الامتناع الوقوعي وهو ما يكون مستلزما لأمر محال وان لم يكن بذاته محالا بنظر العقل كما في وجود أحد الضدين في ظرف وجود ضده الاخر حيث إن نفس وجود الضد وتحققه في ظرف وجود ضده لا يكون محالا وانما محاليته من جهة استلزامه لمحذور اجتماع الضدين الذي هو بنفسه محال عقلا ( وذلك ) لوضوح ان التعبد بالظن بنفسه لا يكون في الاستحالة من قبيل اجتماع النقيضين أو الضدين وانما محاليته لأجل ما يلزمه من محذور تحريم الحلال وعكسه واجتماع الضدين وتفويت المصلحة ونحو ذلك من المحاذير التي يدعيها القائل بالامتناع ( نعم قد ) يقال ان المراد من الامكان في المقام هو الامكان التشريعي المقابل للامتناع في عالم التشريع من حيث أداء التعبد بالامارة إلى تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ووجوب ما يكون حراما وحرمة ما يكون واجبا ونحو ذلك ، لا الامكان التكويني بنحو يلزم من التعبد بالامارة محذور في عالم التكوين ، فان المحاذير المزبورة كلها راجعة إلى عالم التشريع لكونها بين ما يرجع إلى المحذور الملاكي كتفويت المصلحة والالقاء في المفسدة وبين ما يرجع إلى المحذور الخطابي كوجوب ما يكون حراما وعكسه وعلى كل حال مرجع هذه المحاذير كلها إلى عالم التشريع دون التكوين ( وفيه ) ان مجرد كون موضوع الامكان والاستحالة أمرا تشريعيا لا يقتضى خروج الامكان والاستحالة عن معناهما التكويني ، كيف ومثل محذور اجتماع الضدين أو صدور لقبيح ممن يستحيل صدوره منه كنقض الغرض ونحوه هل هو غير الاستحالة التكوينية في هذا التعبد والتشريع وهل يقابله غير الامكان التكويني ، وحينئذ فلا وجه لاخراج الامكان والاستحالة في المقام عن الامكان التكويني بمجرد كون موضوعهما أمرا تشريعا كما هو ظاهر ( وكيف ) كان فيكفي القائل بالامكان مجرد احتماله وعدم قيام برهان عقلي على استحالته

٥٦

في ترتيب اثار الممكن عليه في مقام العمل وعدم طرح الدليل الدال على التعبد به ، فان المانع عن الاخذ بما دل على التعبد بالظن وترتيب الأثر عليه انما هو قيام البرهان على استحالته وامتناعه فمع فرض احتمال امكانه وجدانا وعدم قيام برهان عقلي على استحالته يؤخذ بما دل على التعبد به ويرتب عليه اثر الممكن من دون حاجة إلى اتعاب النفس في اثبات الامكان والقطع به كي يرد عليه الاشكال كما عن الشيخ قده وغيره بتوقفه على الإحاطة بجميع الجهات المؤثرة في الحسن والقبح والعلم بها وهو غير حاصل ، وان كان فيه ما فيه أيضا بملاحظة امكان حصول العلم بالامكان ولو من جهة الغفلة عن الجهات المؤثرة في الحسن والقبح ( ولكن الذي يهون الامر ) هو ما ذكرناه أولاً من عدم الحاجة فيما هو المهم من ترتيب اثر الممكن في مقام العمل وعدم طرح ما يدل على التعبد به ، إلى اثبات الامكان وانه يكفيه مجرد احتماله وعدم قيام برهان على استحالته ( والى ذلك ) أيضا نظر الشيخ قدس‌سره في قوله وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالامكان ( لا إلى ) الحكم الجزمي بالامكان كي يورد عليه ، تارة بأنه لا معنى للحكم الجزمي بالامكان مع احتمال امتناعه بالوجدان ، وأخرى بالمنع عن استقرار طريقة العقلاء على ذلك مع احتمال الامتناع بالوجدان ، واما القائل بالامتناع فإنه لا يكفيه مجرد احتماله في طرح ما دل على التعبد به بل لابد له من اتعاب النفس في إقامة البرهان على ما يدعيه من الاستحالة والامتناع ( ثم ) انه استدل للقول بالامتناع بأمور ( منها ) اقتضاء جواز التعبد بخبر الواحد غير المفيد للعلم في الاخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة عليهم‌السلام ، جوازه في الاخبار عن الله سبحانه والتالي باطل اجماعا فالمقدم مثله لعدم الفرق بينهما الا من جهة المخبر عنه في كونه هو الله سبحانه تارة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة أخرى وذلك لا يوجب فرقا بينهما بعد اشتراكهما فيما هو المهم من الاخبار عن الحكم التكليفي ( وفيه ما لا يخفى ) فان الاجماع على عدم جواز التعبد به في الاخبار عن الله سبحانه يمكن ان يكون من جهة ما يلزمه من الاخبار عن نبوة نفسه بلحاظ ان الاخبار عن الله سبحانه لا يكون الا بتوسيط الوحي أو نزول الملك عليه ، وهذان لا يكونان الا ممن كان نبيا من قبله سبحانه وأين ذلك والاخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة عليهم‌السلام في الحكم التكليفي وحينئذ فإذا كان اتفاقهم على عدم جواز

٥٧

التعبد بالخبر الواحد في الاخبار عن الله سبحانه من هذه الجهة فذلك لا تقتضي المنع عنه في الاخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (ع) ، إذ لا تلازم بينهما بعد الفرق المزبور ( مع أن ) في الاخبار عن الله سبحانه أيضا يمكن التفكيك بين الجهتين بالمصير إلى جواز التعبد به من جهة اخباره عن الحكم التكليفي وعدم جوازه بالنسبة إلى ما يلزمه من الاخبار عن نبوة نفسه لاحتياجه بالضرورة إلى العلم الوجداني كغيره من أصول العقائد ، والتفكيك بين اللوازم غير عزيز في مرحلة التعبد كما في الخبرين المتعارضين من حيث حجيتهما في مدلولهما الالتزامي في نفي الثالث مع سقوطهما عن الحجية في مدلولهما المطابقي ، وحينئذ فلنا ان ندعي جواز الاخذ باخباره عن الله سبحانه في خصوص الحكم التكليفي وتخصيص الاجماع على عدم الجواز بما يلزمه وهو الاخبار عن نبوة نفسه ، مضافا إلى أنه يمكن ان يكون وجه الاجماع على عدم قبول خبر الواحد في الاخبار عن الله سبحانه هو استناد اخباره في ذلك إلى الحدس المحض الذي ليس معتبرا عند العقلاء أيضا ، وذلك من جهة ما هو الواضح من عدم كون الوحي بمثابة يدرك بتلك القوى الحسية عند نزوله ولذلك لا يكون بحيث يسمعه من كان حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزوله يطرء له نحو حالة مخصوصة وكان نزوله أيضا على قلبه الشريف وهذا بخلاف ما نحن فيه فلا مجال للتعدي بمقتضى الاجماع المزبور إلى الاخبار عن النبي (ص) الذي كان مبناه ممحضا بالحس ( نعم ) لو أحرز من الخارج كون اتفاقهم على عدم جواز التعبد بالخبر في الاخبار عن الله سبحانه لأجل جهة مقبحة في نفس التعبد بالخبر الواحد الموجبة لاستحالة صدوره عن الحكيم تعالى ، فلابد من التعدي إلى الاخبار عن النبي والوصي بلحاظ تحقق تلك الجهة المقبحة فيه أيضا ولكن انى باثبات ذلك ، إذ لا أقل من احتمال كون المناط في عدم جواز التعبد بالخبر الواحد في الاخبار عن الله تعالى هو ما ذكرناه ( ثم إن ) الشيخ قدس‌سره أجاب عن ذلك بعد الاشكال بان الاجماع انما هو على عدم الوقوع لا الامتناع بقوله ان الاجماع على عدم جواز التعبد بالخبر عن الله سبحانه انما هو فيما إذا بنى تأسيس الشريعة أصولا وفروعا على العمل بالخبر الواحد عن الله لا فيمثل المقام الذي ثبت أصل الدين أصولا وفروعا بالأدلة القطعية ولكن عرض الخفاء على بعضها لأجل اخفاء الظالمين

٥٨

« ويمكن المناقشة » فيما افاده بان مدرك المنع في التعبد بالخبر عن الله سبحانه. ان كان وجود جهة مقبحة فيه السارية في التعبد بالخبر عن النبي والوصي (ع) بنحو لا يمكن صدوره من الحكيم تعالى ، فلا فرق بين ما لو بنى أساس الدين أصوله وفروعه على العمل بخبر الواحد وبين ما لو ثبت أساس الدين بالأدلة القطعية الا من جهة أقلبة القبح وأكثريته ، وان كان مدرك المنع هو ما احتملناه من كون وجه اتفاقهم استناد الخبر عن الله سبحانه إلى الحدس المحض دون الحس وما يقرب منه فلا فرق أيضا بين الفرضين فتأمل ( ومنها ) أي من الأمور التي استدل بها لامتناع التعبد بالظن لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال كما عن محكى ابن قبة ( ومنها ) لزوم تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة ( ومنها ) لزوم اجتماع الضدين من الوجوب والحرمة عند عدم الإصابة واجتماع المثلين عند الإصابة بناء على اشتراك العالم والجاهل في التكاليف الواقعية ، ولزوم التصويب الباطل بناء على عدم الاشتراك وكون الحكم الفعلي في حق الجاهل هو مؤدى الامارة ( ومنها ) لزوم نقض الغرض فإنه بعد تعلق الإرادة الجدية بايجاد العمل أو تركه يكون الامر بالتعبد بالامارة المؤدية إلى خلاف الواقع نقضا منه لغرضه وهو من المستحيل حتى عند المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين ، فهذه جملة من المحاذير التي ذكروا لزومها في التعبد بغير العلم وان شئت فاجعل الوجوه الثلاثة الأخيرة من شؤون شبهة تحريم الحلال وتحليل الحرام المذكورة في كلام ابن قبة هذا ولا يخفى عليك ان تلك المحاذير على تقدير تماميتها لا تكون على منوال واحد على الموضوعية والطريقية وفى الحال الانفتاح والانسداد ، وذلك ( اما في ) ظرف الانسداد فعلى الطريقية لا يجرى شيء منها ( اما شبهة ) اجتماع الضدين والمثلين فعدم جريانها واضح لان مقتضى التعبد بالامارة على الطريقية ليس الا مجرد تنجيز الواقع عند الإصابة والاعذار عند عدم الإصابة من دون ان يكون في العمل بالامارة أو سلوكها مصلحة فلا يكون في البين انشاء حكم من المولى كي يلزمه محذور اجتماع المثلين أو الضدين ( واما شبهة ) نقض الغرض وتفويت المصلحة فهما غير جاريتين في ظرف الانسداد ، لان فوت الغرض والمصلحة حينئذ امر قهري لازم بمقتضى حكم العقل بالبرائة فلا يكون ذلك مستندا إلى التعبد بالامارة كما هو واضح ( واما ) على الموضوعية فيجرى فيه خصوص شبهة اجتماع الضدين أو المثلين

٥٩

( واما شبهة ) نقض الغرض ولزوم تفويت المصلحة فهما أيضا غير واردتين ، لما عرفت من أن مع حكم العقل بالبرائة يكون الفوت قهريا بل حينئذ يكون تعبده بها موجبا لحفظ غرضه وللمصالح الواقعية في موارد إصابة الامارة للواقع هذا كله بالنسبة إلى حال الانسداد ( واما في حال الانفتاح ) والتمكن من تحصيل العلم بالواقع ولو بالسؤال عن الإمام (ع) ، فبناء على الموضوعية ربما تتوجه المحاذير الثلاثة المتقدمة واما على الطريقية فلا يتوجه الا شبهة تفويت المصلحة ونقض الغرض دون شبهة اجتماع الضدين أو المثلين كما هو ظاهر ( ولا مجال ) لدفعهما بما أفيد من أن المراد من انفتاح باب العلم انما هو امكان الوصول إلى الواقع بالسؤال من الإمام (ع) لا فعلية الوصول ويمكن ان تكون الأمارات الظنية في نظر الشارع كالأسباب المفيدة للعلم التي يعتمد عليها المكلف من حيث الإصابة والخطأ أي كانت إصابة الامارات وخطائها بقدر إصابة العلم الحاصل للمكلف وخطائه فلا يلزم حينئذ محذور من التعبد بالامارة الغير العلمية لعدم تفويت من الشارع للمصلحة في تعبده بالامارة ( إذ فيه ) ان فوت المصلحة من المكلف في موارد العلوم الخطائية امر قهري الحصول لعدم التفات القاطع حين قطعه إلى خطأ قطعه ، وهذا بخلاف التعبد بالامارة مع احتمال خطائها حيث إنه تفويت اختياري من الشارع عليه وهو قبيح ومعه لا مجال لمقايسة أحدهما بالآخر فتدبر « وكيف كان » فينبغي التكلم في الجواب عن أصل تلك الشبهات حتى على الموضوعية وحال الانفتاح فنقول وعلى الله التكلان ان توضيح المرام في المقام يقتضي تمهيد مقدمات.

« المقدمة الأولى» ، لا شبهة في أن الاحكام بحقائقها الراجعة إلى الاقتضاء والتخيير في مقام عروضها لا تكون قائمة الا بنفس العناوين المنتزعة عن الجهة التي قامت بها المصلحة الخارجية لكن لا بما انها ذهنية ولا بما هي شيء في حيال ذاتها في قبال الخارج بحيث يلتفت إلى مبائنتها مع الخارج ، لان ذلك مما يأبى عنه الوجدان بداهة عدم كون المفهوم بما هو في قبال الخارج محبوبا أو مبغوضا فضلا عن كونه ملحوظا ذهنيا ، بل بما انها ملحوظة خارجية على وجه لا يرى بالنظر التصوري كونها غير الخارج وان كانت بالنظر التصديقي غيره مع وقوف الحكم على نفس العنوان وعدم سرايته بتوسيطه إلى المعنون الخارجي كيف وان سرايتها إلى الخارج ملازم

٦٠