نهاية الأفكار - ج ٣

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

تقرير أبحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

بقية الاجزاء الاخر ، لان بانتفاء بعضها ينتفي الغرض والمصلحة لا محالة ، فلا يكاد اتصاف البقية بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية ( ولكنه ) من المعلوم ان عدم اتصافها بذلك ليس من جهة قصورها فيما لها من المؤثرية الضمنية في الغرض والمصلحة ، بل انما يكون ذلك من جهة قصور المصلحة والإرادة المتعلقة بها من جهة ضمنيتها عن الشمول لها حتى في حال انفرادها عن بقية الاجزاء الاخر ، الناشئ ذلك من جهة عدم تحقق الاجزاء الاخر ، نظرا إلى عدم قابلية الإرادة الواحدة والغرض الواحد القائمين بتمام ذوات الاجزاء للتبعيض في مقام التحقق ( كيف ) وان شأن كل جزء أو شرط لا يكون الا سد باب عدم المطلوب من قبله ، ولا اشكال في أنه بتحقق كل جزء يتحقق السد المزبور لا محالة ، الا ان عدم تحقق المطلوب عند عدم انضمام بقية الاجزاء إليه انما يكون من جهة عدم انسداد عدمه من قبل اجزاء غير الماتى بها ، لا انه من جهة القصور في الاجزاء المأتى بها فيما لها من الدخل في تحقق المطلوب ( وتوهم ) رجوعه بالآخرة إلى القصور في الاجزاء المأتي بها في مرحلة اتصافها بالمؤثرية والوجوب الفعلي ، نظرا إلى تخيل تقيد الاجزاء كل واحد منها في مقام الاتصاف بالواجبية والمؤثرية الفعلية بصورة الانضمام ببقية الاجزاء ، ومع عدم تحقق جزء منها لا يكاد تتصف الاجزاء المأتية بالمؤثرية ، لان المؤثر الفعلي في الغرض انما يكون هو المقيد بالانضمام المزبور ، وهو غير متحقق ( مدفوع ) بان معروضية الاجزاء للاتصاف المزبور انما يكون تابعا لمعروضتها للوجوب والمصلحة ، وكما أن في مقام العروض لا يكون معروض الوجوب والمصلحة الا نفس ذوات الاجزاء ، لا انها بما هي متقيدة بالانضمام المزبور ، كذلك فيقام اتصافها بالواجبية والمؤثرية الفعلية في الغرض والمصلحة ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك ، نقول انه بعد انحلال المقيد إلى الذات والتقيد ، فلا محالة تكون ذوات الجزء الذي هو طرف التقيد على ماله من الشأن في الدخل في تحقق الغرض سواء انضم إليه حيث التقيد المزبور أم لا ، حيث إن عدم تحقق الغرض حينئذ انما كان من جهة فقد التقيد الناشئ من جهة فقد بقية الاجزاء ، لا انه من جهة القصور في الاجزاء المأتى بها ( فعلى كل حال ) يكون انتفاء الغرض وعدم اتصاف الاجزاء الماتى بها بالواجبية والمؤثرية الفعلية مستندا إلى

٣٨١

فقد بقية الاجزاء ، لا إلى قصور الاجزاء المأتية في عالم مؤثريتها في الغرض ، قلنا بان لحيث التقيد بالانضمام المزبور دخل أيضا في تحقق الغرض أم لا ، بل كان المؤثر في تحققه هو نفس ذوات الاجزاء ، غاية الامر في حال الانضمام على نحو القضية الحينية لا التقييدية.

« الامر الثالث » لا يخفى ان وصف الأقلية والأكثرية للواجب في المقام انما يكون باعتبار حد التكليف من حيث وقوفه على الأقل أو شموله وانبساطه على الجزء المشكوك ( فمرجع ) الشك في أن الواجب هو الأقل أو الأكثر إلى أن شخص التكليف المنبسط على ذوات الاجزاء هل هو محدود بحد يشمل الجزء المشكوك أو بحد لا يشمله نظير شخص الحظ الذي يشك في أنه محدود بكونه إلى ذراع أو أزيد ( ومن الواضح ) ان هذا المقدار من الحدود المتبادلة لا يوجب اختلافا في ذات الوجوب التي هي مصب حكم العقل بالإطاعة ، ولا في ناحية معروض هذا الوجوب أيضا بحيث يكون الواجب المعروض للوجوب محدودا في الرتبة السابقة عن تعلق الوجوب به بحد القلة أو الكثرة ، بل هو من المستحيل ، بداهة ان طرو حد القلة انما نشاء من ناحية قصور الوجوب تبعا لقصور مقتضيه وهي المصلحة عن الشمول للزائد ، فيستحيل اخذ مثله في معروض هذا الوجوب ( كما أن حد الكثرة ) للأكثر أيضا لا يوجب تقييد الأقل المعروض للوجوب بكونه في ضمن الأكثر كي يختلف حاله بوجوبه استقلالا أو ضمنا ( لان ) مثل هذه الضمنية التي هي منشأ ارتباط الاجزاء بالاجزاء انما جاء من قبل وحدة الغرض والتكليف المتعلق بالجميع ، فيستحيل اخذ مثل هذه الحيثيات الناشئة من قبل الامر والتكليف في متعلقه ( نعم ) هو مانع عن اطلاقه ، فلا يكون الأقل المعروض للوجوب الضمني الا ذات الأقل بنحو الاهمال ، لا مقيدة بقيد الانضمام ولا مطلقة من حيث الانضمام ( كما أنه ) بقصور الوجوب عن الشمول للزائد عند وجوب الأقل لا يكون الواجب في عالم عروض الوجوب عليه الا الذات التوئمة مع حد القلة لا بشرط القلة ولا لا بشرطها ، مع كون الواجب من جهة الانضمام بالزائد خارجا مأخوذا بنحو لا بشرط على معنى عدم اضرار انضمام الزائد بوجوبه ، من غير اعتبار حد القلة فيه خارجا ، والا يدخل في المتبائنين ، كالقصر والاتمام

٣٨٢

فيجب فيه الاحتياط بتكرار العمل خارجا ، تارة باتيان الأقل لا في ضمن أكثر ، وأخرى في ضمنه ، لا الاكتفاء باتيانه في ضمن الأكثر ، كما هو مرام القائل بالاحتياط في المقام ( وحينئذ ) فمتى شك في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر لا يكون هذا الشك الا في حد الوجوب محضا في أنه محدود بحد لا يشمل الزائد أو بحد يشمله ، من غير أن يوجب ذلك اختلافا في الأقل المعروض للوجوب استقلالا أو ضمنا ، كي يتردد بذلك بين المتبائنين ، بل ما هو الواجب مستقلا بعينه هو الواجب ضمنا بذاته ومرتبته ، غير أن الامتياز انما هو بشمول الوجوب وانبساطه على الزائد وعدمه ( ومن ذلك ) لا مجال لتشكيل العلم الاجمالي في المقام بالنسبة إلى نفس الواجب وذات التكليف مع قطع النظر عن حد الأقلية والأكثرية إذ لا يكون الامر المردد في المقام من باب مجمع الوجودين كما في المتبائنين حتى يجئ فيه المناط المقرر في العلم الاجمالي من صحة تشكيل قضيتين منفصلتين حقيقيتين في في الطرفين ، وانما يكون ذلك من باب مجمع الحدين ، حيث كان العلم الاجمالي بين حدي الوجوب الطاري بالعرض على معروضه ، والا فبالنسبة إلى ذات الوجوب وحيث وجوده الذي هو مصب حكم العقل بوجوب الإطاعة لا يكون الأعلم تفصيلي بمرتبة من التكليف بالنسبة إلى الأقل وشك بدوي بمرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ، كما هو ظاهر.

« وإذ عرفت هذه الأمور » يظهر لك انه متى تردد الواجب بين الأقل والأكثر لا قصور في جريان البراءة العقلية عن الأكثر ، لوجود المقتضى وهو الشك وانتفاء المانع وهو العلم الاجمالي ( لما عرفت ) من أن العلم الاجمالي المتصور في المقام انما هو بالنسبة إلى حد التكليف من حيث تردده بين كونه بحد لا يتجاوز عن الأقل أو بحد يتجاوز عنه ويشمل الزائد ـ والا فبالنسبة إلى نفس التكليف والواجب ـ لا يكون من الأول الأعلم تفصيلي بمرتبة من التكليف وشك بدوي محض بمرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ( ولذلك ) نقول ان في تسمية ذلك بالعلم الاجمالي مسامحة واضحة ـ لأنه في الحقيقة لا يكون الا من باب ضم مشكوك بمعلوم تفصيلي ( نعم ) لو كان لحد القلة والكثرة وجهة الارتباط والانضمام دخل في موضوع التكليف بحيث يكون قصور الوجوب عن الشمول للزائد موجباً

٣٨٣

لاختلاف الأقل في عالم معروضيته للوجوب الاستقلالي والضمني ، لكان لدعوى العلم الاجمالي كما عن المحقق صاحب الحاشية قده مجال ، نظرا إلى تردد الواجب حينئذ بين المتبائنين وصيرورته باعتبار تردد الحدود من باب مجمع الوجودين ، فإنه على تقدير كون متعلق التكليف هو الأقل يكون الأقل في عالم عروض الوجوب عليه مأخوذا على نحو لا بشرط عن الزيادة ، وعلى تقدير كون متعلق التكليف هو الأكثر يكون الأقل في عالم تعلق التكليف الضمني به مأخوذا بشرط انضمامه مع الزيادة ، ومع تباين المهية اللا بشرط القسمي للمهية بشرط شيء ، لا محيص بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط باتيان الأكثر ، ( ولكنك ) عرفت فساده بما مهدناه في المقدمة الثالثة ، من أن مثل هذه الضمنية وجهة ارتباط الاجزاء بالاجزاء انما كانت ناشئة من قبل وحدة الوجوب المتعلق بالجميع ، فلا يصلح مثلها لتقييد الأقل المعروض للوجوب في ضمن الأكثر بكونه منضما بالأكثر ( وعليه ) لا يختلف معروض الوجوب على التقديرين ، بل ما هو الواجب مستقلا بعينه هو الواجب ضمنا عند وجوب الأكثر ، وانما الاختلاف يكون بالنسبة إلى حد وجوبه من حيث تردده بين انبساطه على الزائد وعدمه ( وحينئذ ) فمع الشك في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر لا يكون العلم الاجمالي الا بين حد الوجوب خاصة دون نفسه حيث يكون من باب العلم بشخص الوجوب المردد حده بين الحدين المتبادلين ، وبعد وضوح كون مصب حكم العقل بالامتثال والخروج عن العهدة هو ذات التكليف دون حيث حده تجري البراءة العقلية عن التكليف بالأكثر لا محالة من غير أن يمنع عنها هذا العلم الاجمالي كما هو ظاهر ( نعم ) لو اغمض عما ذكرناه ، لا مجال لما عن بعض الأعاظم قده من الاشكال عليه ، تارة بانحلال العلم الاجمالي حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل على كل حال لكونه هو المتيقن في تعلق الطلب به وانه لا يضر به اختلاف سنخي الطلب من كونه طورا متعلقا بالمهية لا بشرط وطورا بالمهية بشرط شيء ( وأخرى ) بان المهية لا بشرط لا تباين المهية بشرط شيء ، إذ ليس التقابل بينهما من تقابل التضاد حتى يكون التغاير بينهما بالهوية والحقيقة ولا يكون بينهما جامع ، وانما التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة ، لان مرجع المهية لا بشرط إلى عدم لحاظ شيء معها ـ لا لحاظ العدم ـ ومعه يكون

٣٨٤

الجامع بينهما نفس المهية ويكون التقابل بينهما بصرف الاعتبار محضا لا بالهوية والحقيقة ( إذ فيه ) اما الاشكال الأول ـ فبأنه مع تسليم اختلاف سخي الطلب وتردد الواجب بين المتبائنين من حيث كونه لا بشرط وبشرط شيء ـ لا مجال لدعوى انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بمطلق وجوب الأقل ( فان ) هذا العلم التفصيلي لكونه عين العلم الاجمالي المزبور ومتولدا من قبله غير صالح لحله ( واما الاشكال الثاني ) فبمنع كون مرجع المهية لا بشرط إلى مجرد عدم لحاظ شيء معها ـ بل مرجعها ثبوتا انما هو إلى سعة وجودها في مقابل ضيقه ـ ومن الواضح انه ليس التقابل بينها وبين المهية بشرط شيء الا بالهوية والحقيقة ـ لا انه يكون اعتباريا محضا ( نعم ) في مقام الاثبات والدلالة يكفي في إرادة المهية لا بشرط مجرد ارسالها ـ بخلاف المهية بشرط شيء أو بشرط لا ـ فإنه لابد فيها من ذكر القيد والخصوصية ( ثم إن من العجب ) ان القائل المزبور مع استشكاله على صاحب الحاشية بما عرفت ـ اختار القول بالاحتياط العقلي في المقام ـ ولم يفد في تقريب مختاره على ما في التقريرين الا الوجه المتقدم ذكره من المحقق المحشى قده ـ ويا ليت الناظر البصير يبين وجه الفرق بين تقريب مختاره وبين كلام صاحب الحاشية قده ( وكيف كان ) فالتحقيق ما عرفت من أن العلم الاجمالي المتصور في المقام انما هو بين حدي التكليف ( واما ) بالنسبة إلى ذات التكليف التي عليها مدار الإطاعة والامتثال ـ فلا يكون الموجود الأعلم تفصيلي بوجوب الأقل واستحقاق العقوبة على تركه وشك بدوي في أصل وجوب الزائد ـ فتجري فيه البراءة لقبح العقاب بلا بيان واصل ( وتوهم ) استتباع البراءة عن الأكثر على فرض وجوبه لعدم وجوب الأقل أيضا من جهة تبعية الأقل حينئذ للأكثر ثبوتا وسقوطا واشتغالا ـ ومعه لا مقتضى لوجوب الاتيان بالأقل الا على تقدير مشكوك ـ وهو تقدير كون الواجب النفسي هو الأقل ـ وهو أيضا تحت البراءة للشك في وجوبه كذلك ـ ولازمه عدم وجوب الاتيان بالأقل وجواز المخالفة القطعية ( مدفوع ) بأنه لو تم ذلك فإنما هو إذا قيل باقتضاء أصل البراءة نفي التكليف عن الجزء المشكوك واقعا ( والا ) فبناء على عدم اقتضائه الا نفي الالزام عنه ظاهرا في ظرف الشك بالواقع الراجع إلى نفى استحقاق العقوبة على ترك الأكثر في فرض وجوبه واقعا من قبل ترك الجزء المشكوك فيه لكونه من

٣٨٥

هذه الجهة عقابا بلا بيان ، فلا محذور ولا تنافى بين جريان البراءة عن الأكثر وبين وجوب الاتيان بالأقل ( فان ) تبعية الأقل للأكثر انما تكون بحسب الحكم الفعلي لا بحسب التنجز أيضا ( كيف ) وان تنجز كل تكليف لا يكون الا بمقدار قيام البيان عليه لا أزيد ، فوجوب الاتيان بالأقل انما هو من جهة استقلاله في قيام البيان عليه ، حيث إنه يعلم تفصيلا بوجوبه واستحقاق العقوبة على تركه وان لم يعلم أن العقاب لأجل ترك نفسه أو لترك ما هو سبب في تركه ، وأين ذلك والجزء المشكوك الذي لم يقم عليه البيان على فرض وجوبه واقعا ، ومرجع ذلك إلى التفكيك في مجيء الأكثر في العهدة على فرض وجوبه من جهة دون جهة الراجع إلى معذورية المكلف من تركه الناشئ عن ترك الجزء المشكوك لكون العقاب عليه من هذه الجهة عقابا بلا بيان ، دون الترك الناشئ عن ترك الاجزاء المعلومة.

( ثم انه ) من التأمل فيما ذكرنا يظهر فساد الوجوه التي استدل بها في المقام لتقريب الاشتغال ( منها ) دعوى العلم الاجمالي بالتكليف النفسي المردد بين تعلقه بالأقل أو الأكثر ، وعدم صلاحية العلم التفصيلي بمطلق وجوب الأقل المردد بين النفسي والغيري لحل العلم الاجمالي ، لكونه معلولا للعلم الاجمالي بالوجوب النفسي بينهما وفي رتبة متأخرة عنه ( فان ) في مثله يكون العلم الاجمالي في الرتبة السابقة مؤثرا في تنجز معلومه في الطرفين ، وبتأثيره لا يبقى مجال لتأثير العلم التفصيلي المتأخر حتى يوجب انحلاله ، ولازمه بحكم العقل هو الاحتياط ووجوب الاتيان بالأكثر ( وتوضيح ) الفساد يظهر بالمراجعة إلى ما ذكرناه في المقدمة الأولى من منع تحقق ملاك المقدمية في اجزاء المركب أولاً ، ومنع قابليتها لعروض الوجوب الغيري عليها عما هو متحد مع وجوبها النفسي ثانيا ، بداهة ان الاجزاء باعتبار كونها عين المركب خارجا يكون كل واحد منها بعروض وجوب واحد على الجميع واجبا بوجوب نفسي هو عين وجوب الكل والمركب ، ومع وجوبها كذلك يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها ثانيا مما هو عين وجوبها النفسي ( وما قرع ) سمعك من امكان كون الشيء واجبا بوجوبين النفسي والغيري من جهتين ، فإنما ذلك في فرض تعدد الوجوب النفسي كما في كل واجب نفسي يكون

٣٨٦

هو مقدمة لواجب نفسي آخر ، ونتيجة ذلك هو تأكد وجوبه حينئذ ، لا فيمثل المقام المتحد وجوب الكل والمركب مع وجوب نفس الجزء ، فان في مثله يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها مما هو متحد مع وجوبها ، ولا يكون قابلا للتأكد أيضا ، لأنه فرع عرضية الوجوبين كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فبعد كون الاجزاء واجبة بوجوب نفسي هو عين وجوب الكل والمركب بلا مغايرة بينهما بالنفسية والغيرية لا قصور في انحلال العلم الاجمالي المزبور بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل ، بل عرفت انتفاء العلم الاجمالي حقيقة بالنسبة إلى ذات التكليف التي هي مصب حكم العقل بالإطاعة وانه لا يكون الا علم تفصيلي بشخص التكليف المتعلق بالأقل وشك بدوي محض في تعلقه بالزائد من جهة التردد بين الحدين.

« ومنها » ما عن صاحب الكفاية قده من دعوى الملازمة بين تنجز التكليف بالأقل بقول مطلق وعلى كل تقدير غيريا أو نفسيا ضمنيا أو استقلاليا ، وبين تنجزه في الأكثر ، نظرا إلى تبعية وجوب الأقل بمقتضى الارتباطية لوجوب الأكثر وعدم انفكاك وجوبه الضمني أو الغيري عن وجوبه ثبوتا وسقوطا وتنجزا ( بتقريب ) انه لو لم يتنجز التكليف بالأكثر على تقدير تعلقه به لم يجب الاتيان بالأقل أيضا ، لان وجوبه حينئذ يتبع وجوب الأكثر ـ فمع عدم تنجز التكليف بالأكثر لم يتنجز التكليف بالأقل أيضا الا على تقدير مشكوك فلا يجب الاتيان به لعدم العلم بوجوبه على كل تقدير ( فلا بد ) حينئذ بمقتضى الالتزام بوجوب الاتيان بالأقل وتنجز التكليف به على كل تقدير من الالتزام بوجوب الأكثر وتنجزه ، من غير فرق في ذلك بين القول بوجوب الاجزاء غيريا أو نفسيا ، فإنه بناء على وجوبها الغيري أيضا لابد من الالتزام بوجوب الأكثر وتنجزه بعين الالتزام بتنجز الأقل ووجوب الاتيان به على كل تقدير والعلم التفصيلي المتولد بمطلق وجوب الأقل غير صالح لانحلال العلم الاجمالي ولو قلنا بصلاحيته لذلك في غير المقام ، وذلك لما يلزمه من محذور الخلف ، حيث يلزم من تأثير العلم بوجوب الأقل وتنجزه بقول مطلق في الانحلال عدم تنجز التكليف به بقول مطلق المستلزم لعدم وجوب الاتيان به أيضا كما شرحناه « ولكن فيه » ان ما أفيد من ملازمة تنجز التكليف بالأقل على كل تقدير لتنجز التكليف بالأكثر على تقدير

٣٨٧

وجوبه مبني على اخذ حيث الانضمام بالزائد على تقدير كون متعلق التكليف هو الأكثر قيدا للأقل في مرحلة كونه معروضا للوجوب الضمني كما هو مختاره أيضا فإنه حينئذ يستحيل تصور مجيء الأقل في العهدة مستقلا وانفكاكه عن تنجز الأكثر ضرورة منافاة ذلك مع اخذ حيث الارتباط والانضمام بالزائد في موضوع الوجوب ولكن المبنى فاسد جدا ، لما عرفت من أن جهة الارتباط والانضمام غير مأخوذة في موضوع الوجوب لأنها انما كانت جائية من قبل وحدة الوجوب المتعلق بالاجزاء بأسرها ، وان موضوع الوجوب في الرتبة السابقة انما كان هو نفس الاجزاء بلا ارتباط لبعضها بالآخر في عالم طرو الوجوب عليها ( وعليه ) فلا قصور في مجيء الأقل نفسه في العهدة وتنجزه مستقلا بسبب العلم بوجوبه دون الأكثر ، بداهة امكان التفكيك ( حينئذ ) بين تنجزه وتنجز الأكثر ، فان تنجز كل تكليف انما هو تابع مقدار قيام البيان عليه لا أزيد ولا شبهة في أنه بالعلم بوجوب الأقل ولو ضمنا يستقل التكليف به في قيام البيان عليه وان احتمل عدم استقلاله في الوجود لاحتمال كون الواجب هو الأكثر ، ولازمه صيرورة الأقل في العهدة مستقلا حتى على فرض وجوب الأكثر ، بخلاف الأكثر فإنه على فرض وجوبه واقعا لم يقم عليه بيان يقتضي تنجزه وجوب الاتيان به لما هو المفروض من الشك الوجداني في وجوبه ( ومرجع ) ذلك كما ذكرناه انفا إلى نحو تفكيك في مجيء الأكثر في العهدة على فرض وجوبه من جهة دون جهة الراجع إلى عدم جواز تركه من قبل ترك الاجزاء المعلومة وحسن العقوبة عليه من هذه الجهة لكونه عقابا ببيان ، وعدم استحقاق العقوبة على مخالفته الناشئة من قبل ترك الجزء المشكوك لكونه عقابا بلا بيان ، لا ان المقصود اشتغال العهدة مستقلا بالاجزاء المعلومة بما هي في قبال الكل حتى يقال ان الجزء بما هو في قبال الكل لا عهدة له مستقلا وانما عهدته يتبع عهدة الكل.

( ومنها ) التشبث بالعلم التفصيلي بالاشتغال بالأقل كما عن الفصول ( قده ) ( بتقريب ) ان التكليف بالجزء أو الشرط الزائد وان كان مشكوكا ولم يكن من هذه الجهة ما يقتضي تنجزه ووجوب الاتيان به بل كان من هذه الجهة مجرى للبرائة العقلية لقبح العقاب بلا بيان ، الا ان هناك جهة أخرى تقتضي لزوم الاتيان

٣٨٨

به واستحقاق العقوبة على تركه على تقدير تعلق التكليف به ، وهي استتباع الاشتغال اليقيني بالتكليف بالأقل بحكم العقل للفراغ اليقيني عنه حيث إنه بعد ارتباطية التكليف واحتمال دخل الزائد الناشئ من احتمال وجوب الأكثر في سقوط التكليف بالأقل والخروج عن عهدته يستقل العقل بلزوم الاتيان بالأقل على نحو يقطع بوقوعه على صفة الوجوب وكونه مصداقا للمأمور به ، ومع ارتباطية التكليف واحتمال وجوب الأكثر وجدانا لا يتحقق ذلك الا بالاتيان بالأكثر ، إذ لو اقتصر على الأقل لم يعلم بالخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف المعلوم فالفراغ عن عهدة التكليف حينئذ كان احتماليا ، ومثله مما لا يجوزه العقل مع جزمه بالاشتغال ( ولئن شئت ) قلت إن سقوط التكليف واقعا فرع حصول الغرض الداعي عليه ومع احتمال دخل الزائد يشك في حصول الغرض فيشك في سقوط التكليف والخروج عن عهدته والعقل يستقل بلزوم تحصيل القطع بالفراغ عند الجزم بالاشتغال ( ونظير ) ذلك ما قيل في تقريب الاشتغال في الأوامر المستقلة عند الشك في التعبدية والتوصلية بأنه بعد دخل القربة في العبادات في تحقق الامتثال وحصول الغرض الداعي على الامر بها لا محيص عند الشك في تعبدية الواجب وتوصليته من الاحتياط باتيان العمل مقرونا بقصد القربة ، لان بدونه يشك في تحقق الامتثال وسقوط الامر المعلوم ، للشك في حصول الغرض ، غاية الامر الفرق بين المقامين هو ان الامر المعلوم في المقام على تقدير وجوب الأكثر ضمني وهناك استقلالي ، والا فهما مشتركان في لزوم الاحتياط بحكم العقل بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ هذا ( ولكنه ) يندفع بما بيناه في المقدمة الثانية من أن حكم العقل بتحصيل الجزم بالفراغ تابع لمقدار ثبوت الاشتغال بالتكليف ، والمقدار المعلوم ثبوت الاشتغال به في المقام انما هو التكليف بذات الأقل وهي الاجزاء المعلومة المحفوظة بذاتها في ضمن الأكثر وعدمه ( ومن الواضح ) انه باتيان الأقل في الخارج يتحقق الفراغ عن عهدة التكليف المتعلق به ولو لم تنضم إليه الاجزاء المشكوكة ، فان الفراغ عن عهدة كل تكليف لا يكون الا بايجاد متعلقه في الخارج على نحو لا يكون قصور في المأتي به وبايجاده لا محالة يتحقق الخروج عن العهدة بالنسبة إلى ما تنجز التكليف به سواء انضم إليه الجزء المشكوك أم لا ( ومجرد )

٣٨٩

الشك في حصول الغرض وسقوط التكليف بالأقل واتصاف المأتي به بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية غير ضائر بالمقصود بعد عدم القصور في الأقل المأتى به في وفائه بالغرض ، وما قرع سمعك من عدم تجويز العقل الاكتفاء بالشك في الفراغ عند اليقين بالاشتغال انما هو فيما كان الشك في سقوط التكليف والفراغ عن عهدته لقصور من ناحية الماتى به ، لا فيما كان ذلك من جهة قصور في سقوط حكمه الناشئ من جهة فقدان الجزء المشكوك الذي هو بنفسه مجرى البراءة والترخيص كما في المقام ، حيث إن احتمال عدم سقوط التكليف بالأقل حينئذ مع الاتيان بمتعلقة انما كان من جهة احتمال ملازمة سقوطه مع ما لا يتنجز من القطعة المشكوكة المتعلقة بالزائد ( وبالجملة ) نقول ان هم العقل في حكمه بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم جواز القناعة بالشك فيه عند الجزم بالاشتغال بالتكليف ، انما هو لزوم رفع الشك عن جهة متعلق التكليف بايجاده في الخارج للتخلص عن تبعة مخالفته لا رفع الشك عنه من جهة سقوط التكليف عنه واتصافه بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية في تحقق الغرض ولو كان ذلك من جهة قصور حكمه الناشئ من جهة امر آخر هو بنفسه تحت الترخيص ( ولا ريب ) ان ذلك مما يقطع بتحققه باتيان الأقل ولو على تقدير وجوب الأكثر واقعا ، حيث إنه باتيانه يقطع بالخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف به ولا يبقى معه شك الا من جهة اتصافه بالوجوب والمؤثرية الفعلية ، وبعد ما لم يكن هم العقل رفع الشك عنه من هذه الجهة لعدم كون ذلك لقصور في الماتى به فلا يبقى مجال لاثبات وجوب الاتيان بالأكثر بقاعدة الاشتغال المزبور كما هو ظاهر ( هذا كله في البراءة العقلية.

( واما البراءة النقلية ) فعلى القول بجريان البراءة في المشكوك كما هو المختار ، فلا اشكال في جريانها أيضا من دون احتياج إلى اثبات ان الواجب هو الأقل ( واما بناء ) على القول بعدم جريان البراءة العقلية ، فعلى تقريبه من جهة العلم الاجمالي ، فان قلنا باقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، فلا اشكال أيضا في جريان البراءة الشرعية ( فان ) المانع عن جريانها على هذا المبنى انما هو ابتلائها بالمعارض وهو مفقود في المقام ، لسلامة الأصل الجاري في الأكثر من معارضة جريانه في الأقل بعد العلم التفصيلي بوجوبه على كل تقدير ، هذا بالنسبة إلى ذات الوجوب

٣٩٠

المتعلق بالأقل ( واما بالنسبة ) إلى حده فلا تجري فيه الأصل أيضا ، لعدم ترتب ثمرة عملية عليه بعد حكم العقل بالاشتغال بالنسبة إلى ذات التكليف ( هذا بناء ) على تقرير العلم الاجمالي من جهة اخذ الحدود في متعلق التكليف ( واما ) على تقريره من جهة الغيرية والنفسية ، فالأصل الجاري في الأكثر في وجوبه النفسي وان كان معارضا بالأصل الجاري في الوجوب النفسي للأقل ـ فيبقى العلم الاجمالي على حاله من هذه الجهة ، الا انه بالنسبة إلى جزئية المشكوك للواجب لا مانع عن جريانه بعد عدم جريانه في الأقل للعلم التفصيلي بوجوبه اما لكونه تمام المأمور به أو لكونه جزئه ( وتوهم ) عدم جريان الأصل في جزئية المشكوك لعدم كونها مجعولا شرعيا ( يدفعه ) بأنه يكفي في جريانه مجرد كونها مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسط منشئه وهو التكليف ( فان ) للشارع رفع الجزئية عن المشكوك برفع اليد عن فعلية التكليف المتعلق بالأكثر ( وحينئذ ) فعلى مسلك الاقتضاء في العلم الاجمالي تجري الأصول الشرعية النافية للتكليف في الأكثر من غير حاجة إلى اتعاب النفس باثبات ان الواجب هو الأقل ( واما بناء ) على علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه من جريان الأصل النافي ولو في بعض أطرافه بلا معارض كما هو المختار ، فالتفكيك بين البراءة العقلية والشرعية في غاية الاشكال إذ بعد انتهاء الامر بمقتضى علية العلم الاجمالي إلى حكم العقل بوجوب الاحتياط ولزوم تحصيل الجزم بالفراغ ولو جعليا لا مجال لجريان الأصول النافية ولو في فرض كونها بلا معارض ، الا على فرض اقتضاء جريانها لاثبات ان الواجب الفعلي هو الأقل ولو ظاهرا كي ببركة اثباته ذلك يكون الاتيان به فراغا جعليا عما ثبت في العهدة ، وهو أيضا في محل المنع ، لمنع اقتضاء مجرد نفي وجوب الأكثر والخصوصية الزائدة لاثبات هذه الجهة الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به ( نعم ) قد يتوهم تكفل مثل حديث الرفع لاثبات ذلك بتقريبات ثلاثة ( أحدها ) ان الحديث ناظر إلى اطلاقات أدلة الجزئية واقعا بتقييد مفاد فعليتها بحال العلم بها وانه برفع فعلية التكليف عن المشكوك واقعا مع ضميمة ظهور بقية الاجزاء في الفعلية يرتفع الاجمال من البين ويتعين كون متعلق التكليف الفعلي هو الأقل وبالاتيان به يتحقق الفراغ والخروج عن عهدة التكليف ( وثانيها ) تقريبه من

٣٩١

جهة المضادة بين فعلية التكاليف الواقعية والترخيصات الظاهرية ، بان نفي التكليف عن المشكوك ظاهرا ملازم حينئذ لعدم فعليته واقعا على تقدير تعلقه بالأكثر واقعا وبضميمة ظهور أدلة بقية الاجزاء في الفعلية يستكشف ان الواجب الفعلي هو الأقل ( وثالثها ) تقريبه من جهة الملازمة العرفية بين رفع الجزئية عن شيء ولو ظاهرا مع كلية غيره ( ولكن الجميع ) كما ترى ( اما الوجه الأول ) فلمنع صلاحية حديث الرفع لان يكون ناظرا إلى نفي فعلية التكليف عن المشكوك واقعا ، إذ مفاد الرفع فيه كما أوضحناه في محله عند التعرض لشرح الحديث انما هو مجرد الرفع الظاهري الثابت في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ، ومثله غير صالح لتقييد إطلاق الجزئية الواقعية المحفوظة حتى بمرتبة فعليتها في المرتبة السابقة عن تعلق الجهل بها ( كيف ) وبعد ان كانت العناوين المأخوذة في الحديث التي منها عنوان ما لا يعلم من الجهات التعليلية للرفع والمانعة عن تأثير ما يقتضي انشاء الحكم ، لا محيص من أن يكون الرفع في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ، ولازمه بعد عدم شمول اطلاق الواقع حتى بمرتبة فعليته لمرتبة الجهل بنفسه هو امتناع تعلق الرفع في تلك المرتبة بالجزئية الواقعية المحفوظة في المرتبة السابقة على الجهل بها ، لاستحالة ورود الرفع في ظرف الجهل بشيء على الشيء الملحوظ كونه في المرتبة السابقة على الجهل بنفسه ، ولأن رفع كل شيء عبارة عن نقيضه وبديله ، فلا يمكن ان يكون الرفع في هذه المرتبة نقيضا لما هو في المرتبة السابقة ، لان وحدة الرتبة بين النقيضين من الوحدات الثمان التي تعتبر في التناقض والتضاد ( وحينئذ ) فلو كانت مقتضيات الفعلية في المرتبة السابقة على الجهل متحققة ، لا يكاد يصلح مثل هذا الحديث للمانعية عنها كي يستكشف بمعونة ظهور أدلة بقية الاجزاء في الفعلية تحديد دائرة الواجب الفعلي بالأقل ( ومعه ) يبقى العلم الاجمالي على حاله في تأثيره في وجوب الاحتياط ( وتوهم ) ان الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الحكم الواقعي لكونه في المرتبة المتأخرة عن الشك في الحكم الواقعي الذي هو أيضا متأخر في الرتبة عن نفس وجوده ، الا ان الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق يكون في مرتبة الحكم الظاهري وبذلك أمكن تعلق الرفع في تلك المرتبة بفعلية الحكم الواقعي ( مدفوع ) بأنه مع الاعتراف بكون الحكم الظاهري في طول الحكم

٣٩٢

الواقعي كيف يمكن توهم كون الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق في عرض الحكم الظاهري وفى مرتبته ( فان ) مرجع طولية الحكم الظاهري بعد أن كان إلى اخذ الشك في الحكم الواقعي في موضوعه كيف يعقل ان يكون الحكم الواقعي في مرتبة الشك بنفسه وهل هو الا دعوى ان المعروض في مرتبة عارضه ( نعم ) الحكم الواقعي يجتمع مع الحكم الظاهري زمانا ( ولكن ) اجتماعه معه زمانا لا يقتضي اجتماعهما رتبة ، بل كل منهما حينئذ محفوظ في رتبة نفسه بلا تعديه من مرتبة إلى مرتبة كما اجتماع العلة مع معلولها كما هو ظاهر ( واما الوجه الثاني ) ففيه انه مبنى على تسجيل المضادة بين فعلية الاحكام الواقعية والترخيصات الظاهرية ( ودون ) اثباته خرط القتاد ، لما ذكرنا غير مرة من أنه لا مضادة بين الترخيصات الظاهرية وبين فعلية الاحكام التي تتضمنها الخطابات الواقعية ( فان ) ما يضاد الترخيصات الشرعية الظاهرية بل العقلية أيضا انما هو الفعلي على الاطلاق على نحو يقتضي عدم قناعة المولى في حفظ مرامه بصرف خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل بصيرورته بصدد حفظه حتى في المراتب المتأخرة عن الجهل بخطابه بايجاد الداعي للمكلف ولو بانشاء آخر من ايجاب احتياط ونحوه « لا الفعلي » من قبل الخطاب الواقعي الراجع إلى كون المولى بصدد حفظ مرامه من قبل دعوة خصوص خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل ، فان ذلك مما يجتمع مع الترخيص الظاهري على الخلاف في المراتب المتأخرة عن الجهل بخطابه « والأول » مما لا طريق إلى احرازه « لان » الطريق إلى فعلية الاحكام الواقعية والاغراض النفس الامرية لا يكون الا الخطابات الواقعية ، والمقدار الذي يقتضيه كل خطاب ليس الا الفعلية بمقدار استعداد ذلك الخطاب لحفظ المرام من قبله ، لا أزيد منه « وبعد » اجتماع هذا المقدار من الفعلية مع الترخيص الظاهري على الخلاف لا يبقى مجال كشف تخصيص الفعلية بالبقية واثبات ان الواجب الفعلي هو الأقل بمجرد نفي الوجوب عن الأكثر والخصوصية الزائدة وعلى فرض تسليم التضاد بين هذه المرتبة من الفعلية أيضا ، انما يكون ذلك مع الترخيص الظاهري ، لا مع مجرد عدم الفعلية ظاهرا كما هو مقتضى حديث الرفع ، فان نتيجة ذلك لا تكون الا مجرد العذر العقلي ، ومثله لا يضاد فعلية الاحكام الواقعية عند القائل بالتضاد فتأمل « ثم إن ذلك » أيضا في

٣٩٣

فرض ظهور الأوامر الواردة في مقام شرح المركب في المولوية ، واما على ما هو التحقيق من ظهورها في الارشاد إلى الجزئية والشرطية ، فالامر أشكل ( فان ) استفادة الامر الفعلي بالاجزاء حينئذ انما يكون من ناحية الامر بالكل ومع فرض اجماله وتردده بين الأقل والأكثر من أين يثبت كلية الأقل وفعلية التكليف به بمجرد الترخيص الجاري في الأكثر ، بل وكذلك الامر في فرض ظهور تلك الأوامر في المولوية الفعلية ( فان ) فعليتها حينئذ تتبع فعلية ما سيقت هذه لشرحه وهو الامر بالكل وبعد ان لا يكون لفعلية امره اطلاق يشمل حال فقد بعض الاجزاء لا مجال للاخذ باطلاق فعلية تلك الأوامر لاثبات فعلية وجوب الأقل كما هو ظاهر ( واما الوجه الثالث ) ففيه ان المورد الذي يحكم العرف بالملازمة بين الامرين حتى في مقام التنزيل ومرحلة الظاهر انما هو إذا كان التنزيل متوجها بدوا إلى عنوان أحد المتلازمين كما في تنزيل الأبوة لزيد ، لا فيما كان التنزيل متوجها بدوا إلى عنوان عام وكان المتكفل لتطبيقه على المورد هو العقل ( فان ) في مثله يمنع عن فهم العرف الملازمة بينهما حتى في مقام التنزيل ( والمقام ) من هذا القبيل حيث إن الرفع في دليل الرفع انما كان متوجها إلى عنوان عام وهو عنوان ما لا يعلم ، لا إلى عنوان الجزئية ، فلا يبقى مجال حينئذ للتشبث بفهم الملازمة لاثبات كلية الأقل ، ولذا لم يتوهم أحد اثبات كليته باستصحاب عدم جزئية المشكوك فيه بالملازمة المزبورة ( ولا أقل ) من الشك في ذلك فيبقى العلم الاجمالي على تأثيره ، لما عرفت غير مرة من أن المصحح للترخيص في أطراف العلم الاجمالي على هذا المسلك انما هو جعل البدل الواصل ، لا مجرد جعل البدل الواقعي ، فمع الشك في جعل البدلية وعدم احراز تحديد دائرة الواجب بالأقل ولو ظاهرا من جهة الشك في فهم العرف الملازمة بين التنزيلين ، كان العلم الاجمالي على مؤثريته في التنجيز والمانعية عن مجيء الترخيص على خلاف معلومه ولو في بعض الأطراف ( ثم انه من التأمل ) فيما ذكرنا يظهر الحال على سائر المسالك الاخر في الاحتياط العقلي أيضا ( فإنه ) لا مجال لجريان البراءة النقلية في الأكثر والخصوصية الزائدة المشكوكة خصوصا على مسلك صاحب الفصول قدس‌سره ( إذ حكم العقل ) بوجوب الاتيان بالأكثر وبالخصوصية الزائدة المشكوكة ليس من جهة الفراغ عن عهدة

٣٩٤

التكليف بالأكثر نفسه ولا للتخلص عن احتمال العقوبة على ترك الخصوصية المشكوكة حتى يجديه دليل الرفع ، وانما ذلك من جهة كونه من لوازم الفراغ عن عهدة التكليف بالأقل ، ودليل الرفع على فرض جريانه لا يكاد يرفع هذا الحكم العقلي الا على فرض كونه ناظرا إلى تعيين كون الأقل هو تمام المأمور به واقعا ، وهو أيضا مما عرفت الكلام فيه مفصلا ـ ثم إن ذلك كله ـ على القول بالاحتياط العقلي في المقام ـ واما على القول ـ بالبرائة العقلية كما هو المختار ، فقد عرفت انه تجري البراءة النقلية أيضا كحديث الرفع والحجب في نفي المشكوك فيه بل ودليل الحلية أيضا في وجه ، بل وكذا يجري فيه استصحاب العدم من غير حاجة إلى اثبات كلية الأقل كي يتوجه اشكال المثبتية ـ فإنه ـ بعد رجوع العلم الاجمالي في المقام إلى علم تفصيلي بتعلق مرتبة من التكليف بالأقل وشك بدوي في تحقق مرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ، فلا شبهة في أن الأصل يقتضي عدمه لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ، ونفى هذه المرتبة وان لم يثبت حد التكليف بخصوص الأقل ، ولكنه يكفي حينئذ في عدم الالتزام بالمشكوك فيه مجرد عدم وجوبه من الأزل بضمية اكتفاء العقل في حكمه بتحصيل الفراغ بالاتيان بما علم وجوبه وان لم يعلم أنه تمام المأمور به ـ من غير فرق ـ بين ان يكون المستصحب هو عدم وجوب الجزء المشكوك فيه ، أو عدم وجوب الأكثر المشتمل على الجزء المشكوك فيه ـ فإنه ـ على كل تقدير يجري استصحاب عدم وجوبه أزلا ، بل وأصالة عدم جعله لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق حتى في الأول ـ لان ـ ما اختل فيه ركنه حينئذ انما هو العدم النعتي بما هو مفاد ليس الناقصة بنحو يصدق مجعول مركب لم يلحظ فيه الجزء المشكوك فيه ، لا العدم المحمولي بما هو مفاد ليس التامة ـ فإنه لا ريب ـ في كونه مسبوقا باليقين بالعدم ـ فإذا ـ كان مرجع جعل الشيء إلى تعلق اللحاظ به بجعله واجبا أو جزء وكان يختلف مراتب الجعل واللحاظ أيضا بوحدة المجعول وتعدده ، فلا جرم بعد اليقين بتحقق مرتبة منه والشك في تحقق مرتبة أخرى تجري أصالة عدم الوجوب أو أصالة عدم تعلق الجعل بالجزء المشكوك فيه وبالأكثر المشتمل عليه ـ وتوهم ـ انه لا اثر لمجرد عدم تعلق اللحاظ والجعل

٣٩٥

بالمشكوك فيه ، لان الآثار الشرعية بل العقلية من الإطاعة والامتثال انما تترتب على الأحكام الشرعية وجودا وعدما فلا اثر لمجرد عدم الجعل الا من جهة استتباعه لعدم المجعول وهو مبنى على حجية المثبت أو دعوى خفاء الواسطة ( مدفوع ) بان عدم جعل الوجوب واقعيا كان أو ظاهريا مستتبع لعدم الوجوب كذلك ، ومثله غير مرتبط بالأصول المثبتة ، فان عدم الوجوب الظاهري حينئذ انما كان من لوازم عدم الجعل الظاهري الذي هو الاستصحاب ، لا من لوازم نفس المستصحب واقعا ( وبعد ان كان ) نفس الجعل مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويكتفي به في الأثر الشرعي في باب الاستصحاب ، فلا قصور في جريان استصحاب عدم تعلق الجعل به ، وان لم يثبت بنفي هذه المرتبة تحديد مرتبة الجعل بخصوص الأقل ( كيف ) ولازم المنع عن جريان أصالة عدم الجعل في المقام لأجل عدم ترتب الأثر عليه الا باعتبار ما يستتبعه من عدم تحقق المجعول ، هو المنع عن جريانه في الاحكام الكلية التي علم بعدمها قبل تشريع الاحكام وشك في ثبوتها في الشريعة عند تشريع الاحكام ، مع أن ذلك كما ترى ( واضعف من ذلك ) توهم معارضة أصالة عدم تعلق الجعل بالأكثر المشتمل على الجزء المشكوك فيه أو أصالة عدم وجوبه بأصالة عدم تعلق الجعل بالأقل الفاقد للجزء المشكوك فيه وعدم وجوبه ( فان ذلك مبنى ) على اخذ حد القلة في معروض الوجوب في المرتبة السابقة عن تعلق الوجوب به ، وهو في محل المنع ( لما عرفت ) من أن الواجب على تقدير كونه هو الأقل انما هو ذات الأقل مهملة المحفوظة في حال الانضمام بالزائد وعدمه ، وان طرو حد القلة عليه انما نشاء من جهة قصور الوجوب أو الجعل عن شموله للزائد ، فلا يمكن اخذ مثل هذا الحد الجائي من قبل الوجوب في معروضه ( وعلية ) فبعد العلم بتعلق الوجوب بذات الأقل وحكم العقل بلزوم الاتيان به ، لا يكاد يجري فيه أصالة العدم كي يعارض الأصل الجاري في طرف الأكثر كما هو ظاهر ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في العدم السابق على البلوغ ، والعدم السابق على حضور وقت العمل في الموقتات ( فإنه ) على ما ذكرنا لا قصور في جريان الاستصحاب فيهما من غير فرق بين جعل المستصحب هو عدم وجوب الجزء المشكوك فيه أو عدم وجوب الأكثر المشتمل عليه ( وحينئذ ) فما يظهر من بعض الاعلام قده من الاشكال على تلك الاستصحابات من جهة المثبتة في

٣٩٦

بعضها وعدم ترتب الأثر في البعض الاخر وعدم اليقين السابق في ثالث ( منظور فيه ) يظهر وجهه مما ذكرناه ( هذا كله ) فيما لو كان الترديد بين الأقل والأكثر في الاجزاء ( وأما إذا كان الترديد ) بين الأقل والأكثر في شرائط المأمور به وموانعه ، فالكلام فيه هو الكلام في الاجزاء حرفا بحرف ، والمختار فيها أيضا هي البراءة عقلا ونقلا من غير فرق بين ان يكون منشأ انتزاع الشرطية أمرا خارجا عن المشروط مبائنا معه في الوجود ، أو متحدا مع المشروط وقائما به ، فان مرجع شرطية شيء للمأمور به بعد أن كان إلى اعتبار دخل التقيد به في موضوع التكليف النفسي في المرتبة السابقة على تعلق الوجوب به بحيث كان التقيد جزء للموضوع ولو تحليلا ونفس القيد خارجا ، فلا محالة يكون مرجع الشك في شرطية شيء للمأمور به إلى الشك في أن موضوع التكليف النفسي هي ذات الشيء أو هي مع التقيد بأمر كذائي فتجري فيه أدلة البراءة عقليها ونقليها.

( واما لو كان ) الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي والحصة كما إذا دار الامر بين وجوب اطعام مطلق الحيوان أو الانسان ، أو وجوب اكرام الانسان أو خصوص زيد ، ففي جريان البراءة فيه عن الخصوصية المشكوكة اشكال ، منشئه الاشكال في كون الشهبة فيه من الأقل والأكثر أو المتبائنين ( ولكن الأقوى ) فيه وجوب الاحتياط ( لا لما قيل ) من أن الترديد بين الجنس والنوع وان كان بالتحليل العقلي من الأقل والأكثر ، ولكنه بنظر العرف خارجا يكون من الترديد بين المتبائنين ، من جهة تباين مفهوم الانسان بحسب الارتكاز العرفي مع مفهوم الحيوان ، فيجب فيه الاحتياط ـ إذ لازم ـ ذلك هو التفصيل بين ان يكون الترديد في متعلق الخطاب بين الحيوان والانسان ، وبين الحيوان والحيوان الناطق بالمصير في الثاني إلى البراءة لاندراجه في الأقل والأكثر حتى بنظر العرف بلحاظ اتحاد المفهوم من الحيوان في الحيوان الناطق مع المفهوم من الحيوان المطلق ، مع أن الالتزام بذلك كما ترى ـ فان محل الكلام ـ انما هو فيما لو كان تردد متعلق التكليف أو موضوعه من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي والحصة ، بأنه يندرج مثله في الأقل والأكثر أو المتبائنين ، كان التعبير عن ذلك بعنوان بسيط كالانسان أو بعنوان مركب كالحيوان الناطق ، أو بغير ذلك من

٣٩٧

أنحاء التعبير ( بل ذلك ) من جهة عدم تحقق ملاك الأقل والأكثر فيه حتى بحسب التحليل العقلي ( فان ) مناط كون الشبهة من الأقل والأكثر كما عرفت غير مرة هو ان يكون الأقل على نحو يكون بذاته وحصته الخاصة سوى حده الأقلية محفوظا في ضمن الأكثر نظير الكليات المشككة المحفوظ ضعيفها بذاته لا بحد ضعفه في ضمن شديدها ( ومن الواضح ) عدم صدق المناط المزبور في مفروض البحث ( فإنه بعد ) تخصص الطبيعي في المتواطيات بالضرورة إلى حصص متعددة وآباء كذلك بعدد الافراد بحيث كان المتحقق في ضمن كل فرد حصة وأب خاص من الطبيعي المطلق غير الحصة والأب المتحقق في ضمن فرد آخر كالحيوانية الموجودة في ضمن الانسان بالقياس إلى الحيوانية الموجودة في ضمن نوع آخر كالبقر والغنم ، وكالانسانية المتحققة في ضمن زيد بالقياس إلى الانسانية المتحققة في ضمن بكر وخالد « فلا محالة » في فرض الدوران بين وجوب اكرام مطلق الانسان أو خصوص زيد لا يكاد يكون الطبيعي المطلق بما هو جامع الحصص والاباء القابل للانطباق على حصة أخرى محفوظا في ضمن زيد كي يمكن دعوى العلم بوجوبه على اي حال « لان » ما هو محفوظ في ضمنه انما هي الحصة الخاصة من الطبيعي ، ومع تغاير هذه الحصة مع الحصة الأخرى المحفوظة في ضمن فرد آخر كيف يمكن دعوى اندراج فرض البحث في الأقل والأكثر ولو بحسب التحليل بل الامر في أمثال هذه الموارد ينتهي إلى العلم الاجمالي بتعلق التكليف اما بخصوص حصة خاصة أو بجامع الحصص والطبيعي على الاطلاق بما هو قابل الانطباق على حصة أخرى غيرها ، ومرجعه إلى العلم الاجمالي اما بوجوب هذه الحصة الخاصة وحرمة ترك الاتيان ، بها مطلقا ، واما بوجوب حصة أخرى غيرها المشمولة لاطلاق الطبيعي وحرمة تركها في ظرف ترك الحصة الخاصة ، وفى مثله بعد عدم انطباق أحد التركين على الاخر وعدم قدر متيقن في البين في مشموليته للوجوب النفسي الأعم من الاستقلالي والضمني ، يرجع الامر إلى المتبائنين فيجب فيه الاحتياط باطعام خصوص زيد « لان » باطعامه يقطع بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين ، بخلاف صورة اطعام غير زيد ، فإنه لا يقطع بحصول الفراغ ولا يؤمن العقوبة على ترك اطعام زيد « وبما ذكرنا » يظهر الحال في جميع

٣٩٨

موارد الدوران بين التخيير والتعيين الشرعي كما في الخصال الثلاث فإنه بمقتضى ما ذكرناه من البيان لابد من الاحتياط بالاتيان بما يحتمل وجوبه تعيينا ( من دون ) فرق بين القول برجوع التخيير فيه إلى التخيير العقلي الراجع إلى كون الواجب هو الجامع بين الأمور المزبورة ، وبين القول برجوعه إلى وجوب كل واحد منها بوجوب مستقل ناش من مصلحة مستقلة وانه بالاتيان بأحدها يسقط الوجوب عن البقية لمكان المضادة بين ملاكاتها في مقام التحقق « فإنه » على كل تقدير عند الشك في الوجوب التعييني لاحدها لابد بمقتضى العلم الاجمالي المزبور من الاحتياط عقلا باتيان ما يحتمل تعيينيته والى ما ذكرنا يكون نظر الشيخ « قده » في مصيره إلى الحاق المقام بالمتبائنين الا الأقل والأكثر ، فلا يلزم عليه حينئذ الالتزام بالبرائة في المقام على نحو ما اختاره في الأقل والأكثر كي يشكل عليه بأنه لا وجه للتفكيك بين المقامين فتدبر ، هذا كله في البراءة العقلية ـ واما البراءة الشرعية ـ فعلى المختار من علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لا تجري البراءة الشرعية أيضا ـ واما على القول ـ باقتضاء العلم الاجمالي لذلك ، فالظاهر أنه لا مانع عن جريانها في كل واحد من التركين وهما ترك العتق في ظرف وجود الاطعام والصيام وترك الاطعام والصيام المقرون بترك العتق ـ وذلك ـ اما من جهة العلم الاجمالي فلما هو المفروض من اقتضائه لوجوب الموافقة القطعية وقابليته لمنع المانع ، واما من جهة محذور استتباع جريانها للمخالفة القطعية ، فلعدم لزومها في المقام ، لان ما يعلم تفصيلا حرمته انما هو ترك العتق المقارن لترك الاطعام والصيام واما تركه في ظرف وجود الاطعام والصيام فلا يعلم حرمته ، كما لا يعلم أيضا حرمة ترك ، الاطعام والصيام المقرون مع ترك العتق ، لأنه من المحتمل كون العتق هو الواجب التعييني ، إذ على هذا التقدير لا يكون ترك الاطعام والصيام حراما ولا معاقبا عليه وانما العقاب حينئذ يكون على ترك العتق ، غاية الامر انه قارن ترك الاطعام والصيام مع ترك العتق الذي هو المحرم والمعاقب عليه ( وبذلك ) يندفع توهم المنع عن جريان البراءة في طرف ترك الصيام والاطعام في ظرف ترك العتق ، بدعوى العلم التفصيلي بحرمته والعقوبة عليه ( وجه ) الاندفاع ما عرفت من أن المعلوم تفصيلا حرمته انما هو ترك العتق في ظرف ترك البقية لا ترك الصيام والاطعام المقرون بترك العتق

٣٩٩

المحتمل وجوبه تعيينا ، فان من المحتمل حينئذ إباحة تركهما وان العقوبة المترتبة تكون على ترك خصوص العتق ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد المبنى المزبور ، وان التحقيق هو علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية على نحو يمنع عن مجيء الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف ، وعليه فلا محيص من الاحتياط باتيان ما هو المتيقن وجوبه ( هذا كله ) إذا كانت الخصوصية المشكوك دخلها في المطلوب من قبيل الخصوصيات المنوعة أو المشخصة المفردة ( واما ) إذا كانت من الخصوصيات العرضية غير المشخصة مثل العدالة والايمان ونحوها كما في الترديد بين العام والخاص والمطلق والمقيد كتردد متعلق العتق الواجب بين مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة ، ففي جريان البراءة فيه أيضا اشكال منشئه الاشكال المتقدم في نحو الجنس والنوع في اندراجه في الأقل والأكثر أو المتبائنين ( وقد ) يقرب البراءة فيه برجوعه إلى الشك في التكليف بالقيد والخصوصية المشكوكة فتجري فيه البراءة على نحو ما مر في الشك في الجزئية ( ولكن ) التحقيق في المقام هو التفصيل ، بين ان يكون القيد المشكوك فيه على نحو يكون كل فرد من افراد الطبيعي قابلا للاتصاف به كالقيام والقعود والايمان في الرقبة ، وبين ما لا يكون كذلك كالهاشمية ونحوها ( بالمصير ) فيما كان من قبيل الأول إلى البراءة نظرا إلى رجوع الشك حينئذ في كل ما يفرض كونه من افراد الطبيعي وينطبق عليه أول وجود الطبيعي إلى أن الواجب هذه الحصة الفاقدة للخصوصية أو هي بشرط وجدانها للخصوصية الزائدة القابلة لطروها عليها فيرجع إلى الأقل والأكثر وتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، من غير فرق بين ان يكون القيد متحدا مع المشروط وقائما به ، وبين ان يكون خارجا عنه ومغايرا معه في الوجود ( وفى الثاني ) إلى الاشتغال ، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في أن الواجب هو خصوص الحصة الواجدة للخصوصية أو الجامع بينها وبين الفاقد الذي هو غير قابل لان يوجد مع الخصوصية فينتهى الامر إلى الدوران بين التعيين والتخيير والعلم الاجمالي بين المتبائنين بنحو ما قربناه في الدوران بين الجنس والنوع فيجب الاحتياط باتيان الواجد للخصوصية ( والسر ) في الفرق المزبور بعد اقتضاء التكليف بالطبيعي الصرف بنظر العقل مطلوبية أول وجوده ، هو ان في فرض قابلية

٤٠٠